×
العربية english francais русский Deutsch فارسى اندونيسي اردو

نموذج طلب الفتوى

لم تنقل الارقام بشكل صحيح

خطب المصلح / خطب مرئية / خطبة: دعوة إلى تيسير الزواج

مشاركة هذه الفقرة WhatsApp Messenger LinkedIn Facebook Twitter Pinterest AddThis

المشاهدات:6284

إِنَّ الحَمْدَ للهِ, نَحْمَدُهُ وَنَسْتَعِينُهُ وَنَسْتَغْفِرُهُ, وَنَعُوذُ بِاللهِ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنا وَسَيِّئاتِ أَعْمالِنا، مَنْ يَهْدِهِ اللهُ فَلا مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ وَلِيًّا مُرْشِدًا، وَأَشْهَدُ أَنْ لا إِلَهَ إِلَّا اللهُ إِلَهُ الأَوَّلِينَ وَالآخِرِينَ، لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الرَّحمَّنُ الرَّحيمُ, وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُ اللهِ وَرَسُولُهُ صَفِيُّهُ وَخَلِيلُهُ، خِيرَتُهُ مِنْ خَلْقِهِ، بَعَثَهُ اللهُ بِالهُدَى وَدِينِ الحَقِّ بَيْنَ يَدَيِ السَّاعَةِ بَشِيرًا وَنَذِيرًا دَاعِيًا إِلَيْهِ بِإِذْنِهِ وَسِراجًا مُنِيرًا، بَلَّغَ الرِّسالَةَ وَأَدَّى الأَمانَةَ وَنَصَحَ الأُمَّةَ وَجاهَدَ في اللهِ حَقَّ الجِهادِ حَتَّى أتاهُ اليَقِينِ وَهُوَ عَلَى ذَلِكَ، ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَآل عمران:102 ، ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَالنساء:1 ، ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا (70) يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا (71)الأحزاب:70-71 .

عِبادَ اللهِ, إِنَّ اللهَ ـ جَلَّ في عُلاهُ ـ أَقامَ مِنْ آياتِهِ في الآفاقِ وَالأَنْفُسِ ما هُوَ دَلِيلٌ عَلَى عَظِيمِ قَدْرِهِ وَبَدِيعِ صُنْعِهِ وَجَمِيلِ فِعْلِهِ سُبْحانَهُ وَبِحَمْدِهِ، ﴿وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَالروم:21.

اللهُ ـ جَلَّ في عُلاهُ ـ خَلَقَ الخَلْقَ وَأَجْرَى قَدَرَهُ عَلَىَ أَنْ يَبْقَى هَذا الجِنْسُ إِلَى أَنْ يَرِثَ اللهُ تَعالَى الأَرْضَ وَمَنْ عَلَيْها وَسَنَّ لَهُمْ في الفِطْرَةِ المرْكُوزَةِ في نُفُوسِهِمْ وَالشَّرائِعِ الَّتي جاءَتْ بِها رُسُلُهُ ما يُحَقِّقُ صَلاحَ مَعاشَهُمْ وَمَعادَهُمْ.

وَمِنْ ذَلِكَ ما جاءَتْ بِهِ الشَّرِيعَةُ وَجاءتْ بِهِ الشَّرائِعُ مِنْ تَنْظيمِ الارْتِباطِ بَيْنَ الرَّجُلِ وَالمرأَةِ عَلَى نَحْوٍ يَحْصُلُ بِهِ صَلاحُ المعاشِ وَيَحْفَظُ بِهِ سَلامَةَ المعادِ، عَلَى وَجْهٍ يَقِي بِهِ مَفاسِدَ الالْتِقاءِ بَيْن َالجِنْسَيْنِ وَيَقِي سُبُلَ الشَّرِّ وَالفَسادِ في وَجْهٍ مُتْقَنٍ وَعَلَى نَحْوٍ مُصْلِحٍ لا يَتَحَقَّقُ بِهِ إِلَّا كُلُّ خَيْرٍ لِلبَشَرِيَّةِ، وَمَتَى خَرَجَ النَّاسُ عَنْ هَذا التَّرْتِيبِ وَذاكَ القَضاءُ وَتِلْكَ الأَحْكامُ كانَ شَقاءً في مَعاشِهِمْ وَسُوءً في مَعادِهِمْ.

 قالَ اللهُ جَلَّ وَعَلا: ﴿وَلا تَقْرَبُوا الزِّنَى إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاءَ سَبِيلًاالإسراء:32 ، فاللهُ جَلَّ في عُلاهُ بَيْنَ ما يَحْرُمُ عَلَى النَّاسِ في نِكاحِهِمْ وَما يَتَعَلَّقُ بِارْتِباطِ هَذَيْنِ الجِنْسَيْنِ وَبَيْنَ ما يَحُلُّ عَلَى وَجْهٍ مُفَصَّلٍ فَقالَ جَلَّ في عُلاهُ:﴿فَانكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ مَثْنَى وَثُلاثَ وَرُبَاعَ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تَعْدِلُوا فَوَاحِدَةً أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْالنساء:3 ، فالآياتُ وَالأَحْكامُ المتَعَلِّقَةُ بِتَرْتِيبِ هَذا العَقْدِ وَتَنْظِيمِهِ جاءَتْ عَلَى نَحْوٍ وَاضِحٍ جَلِيٍّ تَولَّاهُ رَبُّ العالمينَ بِالإِفْصاحِ وَالبَيانِ وَالتَوْضِيحِ وَالتَّفْصِيلِ.

إِنَّ النَّبِيَّ ﷺنادَىَ في الشَّبابِ فَقالَ: «يا مَعْشَرَ الشَّبابِ مَنِ اسْتَطاعَ مِنْكُمُ الباءَةَ فَلْيَتَزَوَّجْ» ثُمَّ ذَكَرَ ﷺشَيْئًا مِنْ فَوائِدِهِ «فَإِنَّهُ أَغَضُّ لِلبَصَرِ وَأَحْصَنُ لِلفَرْجِ» البُخارِيُّ(1905), وَمُسْلِمٌ(1400) , وَذاكَ لَيْسَ مَحْدُودًا عَلَى هَذا النَّفْعِ المقْصُورِ غَضِّ البَصَرِ وَحِفْظِ الفَرْجِ بَلْ لما لِهَذا مِنْ طِيبِ المعاشِ وَسَعادَةِ النَّاسِ.

أَيُّها المؤْمِنُونَ, إِنَّ قَضَيَّةَ النِّكاحِ قَضِيَّةٌ مُهِمَّةٌ أَوْلاها الشَّرْعُ بَيانًا وَإِيضاحًا وَحَذَّرَ مِنَ التَّفْرِيطِ فِيها وَبَيْنَ أَنْ تَعْطِيلَها فَسادٌ عَرِيضٌ وَفِتْنَةٌ كُبْرَى، قالَ ﷺ«إِذا أَتاكُمْ مَنْ تَرْضَوْنَ دِينَهُ وَأَمانَتَهُ فَزَوِّجُوهُ، إِلاَّ تَفْعَلُوا تَكُنْ فِتْنَةٌ في الأَرْضِ وَفَسادٌ عَرِيضٌ» أَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ(1084)وابْنُ ماجَةَ(1967) .هَذا القَوْلُ النَّبَوِيُّ يُبَيِّنُ أَنَّ تَعْطِيلَ الارْتِباطِ بِالوَجْهِ الشَّرْعِيِّ وَعَدَمِ اعْتِبارِ القَواعِدِ الشَّرْعِيَّةِ في الزَّواجِ وَالارْتِباطِ بَيْنَ الرِّجالِ وَالنِّساءِ مِمَّا يَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ مَضَرَّةٌ لا تَقْتَصِرُ عَلَى الطَّرَفَيْنِ، بَلْ تَعُمُّ الجَمِيعَ، وَنَحْنُ نَشْهَدُ مِنْ فَسادِ أَحْوالِ النَّاسِ ما هُوَ مِصْداقٌ قَوْلِهِ ﷺ«إِلَّا تَفْعَلُوا تَكُنْ فِتْنَةٌ في الأَرْضِ وَفَسادٌ عَرِيضٌ«  أَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ(1084)وابْنُ ماجَةَ(1967) .

أَيُّها المؤْمِنُونَ, إِنَّ الزَّواجَ حِصْنٌ حَصِينٌ يَقِي المرْءَ وَالمجْتَمَعَ شَرًّا كَثِيرًا وَفَسادًا عَرِيضًا لا سِيَّما في مِثْلِ الأَجْواءِ وَالظُّرُوفِ الَّتي تَكْثُرُ فِيها الفِتَنُ وَتَشِيعُ فِيها الشَّهَواتُ وَيَتَيَسَّرُ فِيها المحَرَّمُ، فالنِّكاحُ مِنْ أَعْظَمِ ما يُعينُ عَلَى الاسْتِقامَةِ وَيَصْلُحُ بِهِ الدِّينُ، وَيُقْطَعُ بِهِ كَيْدُ الشَّيْطانِ وَيُذهَبُ بِهِ وَسْوَسَةٌ جُنْدِهِ الَّذِينَ يُزَيِّنوُنَ الباطِلَ وَيُسَهِّلُونَهُ وَيَدْعُونَ النَّاسَ إِلَيْهِ، كَما قالَ جَلَّ وَعَلا: ﴿وَاللَّهُ يُرِيدُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْكُمْ وَيُرِيدُ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الشَّهَوَاتِ أَنْ تَمِيلُوا مَيْلًا عَظِيمًاالنساء:27 ، نَعَمْ إِنَّهُ مَيْلٌ عَظِيمٌ إِلَى ما تَشْتَهِيهِ النُّفُوسُ مِنْ أَنْواعِ الصِّلاتِ وَالعَلاقاتِ الَّتي مآلهُا وَمُنْتَهاها إِلَى شَقاءٍ وَسُوءِ سَبِيلٍ، إِلَى تَعَثُّرِ الحياةِ وَفَسادِ الآخِرَةِ.

فالواجِبُ عَلَى الجَمِيعِ أَنْ يَهْتَمَّ بِهذا الأَمْرِ بِقَدْرِ مَسْؤُولِيَّتِهِ لا سِيَّما أَوْلِياءُ أُمُورِ النِّساءِ، قالَ ﷺ«تُنْكَحُ المرْأَةُ لأَرْبَعٍ لمالِها وَجَمالِها وَحَسَبِها وَدِينِها» ثُمَّ قالَ ﷺ«فاظْفَرْ بِذاتِ الدِّينِ تَرِبَتْ يَداكَ» البُخارِيُّ(5090), وَمُسْلِمٌ(1466) ، وَهَذِهِ المطالِبُ مَطالِبُ الرُّجِلِ في المرْأَةِ هِيَ مَطالِبُ المرْأَةِ في الرَّجُلِ بِمَعْنَى أَنَّ الرَّجُلَ يُنْكَحُ لِدِينِهِ وَمالِهِ وَجَمالِهِ وَحَسَبِهِ وَمَنْصِبِهِ وَوَظِيفَتِهِ وَما إِلَى ذَلِكَ مِمَّا يَطْلُبُهُ أَوْلِياءُ الأُمُورِ في الرِّجالِ فاظْفَرْ بِذاتِ الدِّينِ وَاظْفَرْ بِذِي الدِّينِ وَصاحبِهِ، «إِذا أَتاكُمْ مَنْ تَرْضَوْنَ دِينَهُ وَأَمانَتَهُ فَزَوِّجُوهُ إِلَّا تَفْعَلُوا تَكُنْ فِتْنَةٌ وَفَسادٌ عَرِيضٌ»أَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ(1084)وابنُ ماجةَ(1967).

 فَيَجِبُ عَلَى المجْتَمَعِ، يَجِبُ عَلَيْنا جَمِيعًا أَنْ نُعِيدَ تَرْتِيبَ الأَوْلَوِيَّاتِ فَإِنَّ كَثِيرًا مِنَ النَّاسِ يَجْعَلُ ما قَدَّمَهُ اللهُ وَرَسُولُهُ مُؤَخَّرًا وَما في عُرْفِهِ وَمُجْتَمَعِهِ وَما في بِيِئَتِهِ وَوَسَطِهِ مُقَدَّمًا وَبِهذا يَخْتَلُّ النِّظامُ، وَبِهذا يَتَطَرَّقُ الفَسادُ في النَّاسِ، إِنَّ الواجِبَ علَى أَوْلِياءِ الأُمُورِ وَمَنْ يَتَوَلَّى الاخْتِيارَ لِلنِّساءِ كَما أَنَّهُ يَجِبُ عَلَى مَنْ يَتَوَلَّى الاخْتِيارَ لِنَفْسِهِ بِطَلَبِ الزَّوْجَةِ أَنْ يَنْظُرَ فِيما جَعَلَهُ اللهُ تَعالَى مُقَدّمًًا، إِنَّ أَوَّلَ ما يَنْبَغِي أَنْ يَنْظُرَ إِلَيْهِ وَهُوَ الَّذي بِهِ يُقْدِمُ وَبِهِ يُحْجِمُ أَنْ يَنْظُرَ إِلَى اسْتِقامَةِ الدِّينِ وَالخُلُقِ؛ فَإِنَّ ذَلِكَ هُوَ المعْيارُ الَّذي يَضْمَنُ اسْتِمْرارَ الحَياةِ عَلَى وَجْهٍ سَلِيمٍ تُؤَدَّىَ بِهِ الحُقُوقُ وَتُصانُ بِهِ النُّفُوسُ وَالحُرُماتُ وَتَصْلُحُ بِهِ الأَحْوالُ في الاجْتِماعِ وَالافْتِراقِ، إِمْساكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسانٍ.

اللَّهُمَّ أَلْهِمْنا رُشْدَنا وَقِنا شَرَّ أَنْفُسِنا، أَعِنَّا عَلَى طاعَتِكَ وَاصْرِفْ عَنَّا مَعْصِيَتَكَ، يَسِّرِ لَنا اليُسْرَى وَخُذْ بِنواصِينا إِلَى ما تُحِبُّ وَتَرْضَى.

***

الخُطْبَةُ الثَّانِيَةُ:

الحَمْدُ للهِ حَمْدًا كَثِيرًا طَيِّبًا مُبارَكًا فِيهِ، أَحْمَدُهُ حَقَّ حَمْدِهِ، لا أُحْصَي ثَناءً عَلَيْهِ هُوَ كَما أَثْنَى عَلَى نَفْسِهِ، وَأَشْهَدُ أَنْ لا إِلَهَ إِلاَّ اللهُ وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَمَنِ اتَّبَعَ سُنَّتَهُ وَاقْتَفَى أَثَرَهُ بِإِحْسانٍ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ، أَمَّا بَعْدُ:

فاتَّقُوا اللهَ عِبادَ اللهِ، اتَّقُوا للهَ تَعالَى حَقَّ التَّقْوَى وَقُومُوا بِما أَمَرَكُمْ بِهِ مِنْ إِعْفافِ أَنْفُسِكُمْ، ﴿وَأَنكِحُوا الأَيَامَى مِنْكُمْ وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمَائِكُمْ إِنْ يَكُونُوا فُقَرَاءَ يُغْنِهِمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌالنور:32 ، فَحَقٌ عَلَى كُلِّ مُؤْمِنٍ أَنْ يَسْعَى في كَفِّ الشَّرِّ عَنْ نَفْسِهِ بِإِعْفافِها وَسَدِّ طُرُقِ الشَّيْطانِ الموْقِعَةِ في الفَسادِ.

كَما أَنَّهُ يِجِبُ عَلَى مَنْ تَوَلَّى أَمْرَ غَيْرِهِ أَنْ يَتَّقِيَ اللهَ تَعالَى في تَيْسِيرِ الزَّواجِ وَتَسْهِيلِهِ وَبَذْلِ المسْتَطاعِ لإِعْفافِ النُّفُوسِ؛ فَإِنَّهُ كُلَّما ضاقَتْ سُبُلُ الحَلالِ اتَّسَعَتْ سُبُلُ الحَرامِ، فَإِذا ضَيَّقْنا دَائِرَةَ الحَلالِ بِتِلْكَ العَقَباتِ وَتِلْكَ الموانِعِ وَالصُّعوباتِ الَّتي تَعْتَرِضُ دَائِرَةَ الحَلالِ ثِقْ أَنَّ ذَلِكَ سَيَنْعَكِسُ عَلَى تَوْسِيعِ دائِرَةِ الحرامِ، فَيَنْبَغِي لِلمُؤْمِنِ أَنْ يَتَّقِي اللهَ تَعالَى وَأَنْ يَحْرِصَ عَلَى أَنْ لا يَكُونَ سَبَبًا لِفِتْنَةٍ في الأَرْضِ وَفَسادٍ عَرِيضٍ، «إِلَّا تَفْعَلُوا تَكُنْ فِتْنَةٌ وَفَسادٌ عَرِيضٌ»أَخْرَجَهُ التَّرْمِذِيُّ(1084)وابْنُ ماجَةَ(1967).هَذا قَوْلُ مَنْ لا يَنْطِقُ عَنِ الهَوَىَ ﷺ.

فاتَّقُوا اللهَ عِبادَ اللهِ وَيَسِّرُوا أَمْرَ الزَّواجِ، وَخُذُوا هَذِهِ القاعِدَةَ النَّبَوِيَّةَ في تَكالِيفِ الزَّواجِ «التَمِسْ وَلَوْ خاتَمًا مِنْ حَديدٍ» هَذا في مَهْرِ النِّساءِ في رَجُلٍ طَلَبَ امْرَأَةً قالَتْ عِنْدَكَ شَيْءٌ؟ قالَ: ما عِنْدِي إِلَّا إِزارِي، قالَ: ما تَصْنَعُ بِإِزرِكَ إِنْ أَخَذَتْ نِصْفَهُ لمْ يُغْنِها وَبَقِيَ لَكَ نِصْفُهُ لمْ يَسْتُرْكَ، «التَمِسْ وَلَوْ خاتمًا مِنْ حَدِيدٍ» قالَ: وَاللهِ لا أَجِدُ يا رَسُولَ اللهِ، فَقالَ: «أَمَعَكَ شَيْءٌ مِنَ القُرْآنِ، قالَ: نَعَمْ، قالَ: أَنْكَحْتُكَها بِما مَعَكَ مِنَ القُرْآنِ»  البخاري(5030), ومسلم(1425) .

وَفي الوَلِيمَةِ قالَ ﷺلِعَبْدِ الرَّحْمِنِ بْنِ عَوْفٍ وَهُوَ مِنْ أَغْنِياءِ الصَّحابَةِ رَضِيَ اللهُ تَعالَى عَنْهُمْ قالَ: «أَوْلِمْ وَلَوْ بِشاةٍ» البُخارِيُّ(2048), وَمُسْلمٌ(1427) . كُلُّ هَذا تَيْسيرٌ لِهذا الارْتِباطِ وَتَسْهيلٌ لَهُ، النَّاسُ يَظُنُّونَ أَنَّهُ إِذا كانَ المَهْرُ قَلِيلاً وَلا في تَكالِيِف سَهُلَ الطَّلاقُ وَهَذا مَفْهُومٌ غَلَطٌ، قَدْ يَكُونُ المالُ الكَثِيرُ في سَبِيلِ الوُصُولِ إِلَى الحَلالِ سَبَبًا لمِشاكِلَ كُبْرَى تَكُونُ بَيْنَ الزَّوْجَيْنِ.

 وَلِذَلِكَ لا تَنْظُرْ إِلى المالِ وَلا تَجْعَلْهُ عائِقًا، بَلْ انْظُرْ إِلَى الشَّخْصِ وَمَدَى تَحَقُّقِ أَوْصافِ الشَّرْعِ فِيهِ، ثُمَّ إِذا تَحَقَّقْتَ مِنْ دِينِهِ وَأَمانَتِهِ فَيَسِّرْ لَهُ الأَمْرَ ما اسْتَطَعْتَ، فَإِنَّ اليُسْرَ سَيَنْعَكِسُ يُسْرًا وَصَلاحًا في هَذِهِ الرَّابِطَةِ بَيْنَ ابْنَتِكَ أَوْ أُخْتِكَ أَوْ مَنْ تَكُونُ مِمَّن تَوَلَّيْتَ أَمْرَها وَبَيْنَ هَذا الرَّجُلِ الَّذي طابَ دِينُهُ وَصَلُحَ خُلُقُهُ، وَلَوْ بَذَلَ ما بَذَلَ ثُمَّ كانَ غائِبَ الدِّينِ ضَعِيفَ الخُلُقِ قَليلَ الدِّيانَةِ، فَإِنَّكَ تُقَدِّمُ ابْنَتَكَ إِلَى شَقاءٍ لا يَعْلَمُ مُنْتَهاهُ.

اللَّهُمَّ أَلْهِمْنا رُشْدَنا وَقِنا شَرَّ أَنْفُسِنا، رَسُولُ اللهِ ﷺأَصْدَقَ نِسائَهُ ثِنْتَيْ عَشْرَةَ أُوقِيَةًنَقَلَ ذَلِكَ عُمُرُ كَما أَخْرَجَهُ أَبُو دَاود(-2106), وَالتِّرْمِذِيُّ(1114), وقالَ: حَسَنٌ صَحيحٌ يَعْنِي قَرِيبٌ مِنْ أَلْفَيْنِ رِيالٍ بِالعُمْلَةِ المعاصِرَةِ، وَأَصْدَقَ ابْنَتَهُ فاطِمَةَ سَيِّدَةَ نِساءِ الجَنَّةِ دِرْعًا كانَ مَعَ عَلِيٍّ رَضِيَ اللهُ تَعالَى عَنْهُالبَيْهَقِيُّ في الكُبْرَى ح(14352)، فَلَيْسَ عُلُّو المهْرِ مَكْرُمَةً لِلنِّساءِ وَلا تَقْوَى لِرَبِّ العالمينَ، إِنَّما هِيَ أَسْبابٌ، فَإِذا تَيَسَّرَتْ كانَ ذَلِكَ عائِدًا إِلَى إِصْلاحِ حَياةِ الزَّوْجَيْنِ، وَإِذا تَعَسَّرْتَ كانَ ذَلِكَ عُسْرًا في ارْتِباطِهِما وَفي صَلاحِ حالِهِما.

فاحْرِصُوا عَلَى مُواصَفاتِ الشَّرْعِ وَإِيَّاكُمْ وَالنَّظَرَ إِلَى فُلانٍ وَفُلانٍ وَما شاعَ في المجْتَمَعِ مِنْ عاداتٍ مُخالِفَةٍ لِلشَّرْعِ؛ فَإِنَّها لَنْ تُحَقِّقَ لَكُمْ وَلا لِمَنْ تَوَلِّيْتُمْ شَأْنَهُمْ صَلاحًا وَاسْتِقامَةً، وَكُلُّنا مَسْؤُولُونَ عَنْ تَيَسُّرِ الزَّواجِ بِما نَسْتِطيعُ.

هَذِهِ الخطْبَةُ مِنْ تَيْسِيرِ الزَّواجِ، كَلِمَتُكَ في مَجْلِسٍ بِالحَثِّ عَلَى الزَّواجِ مِنْ تَيْسِيرِ الزَّواجِ، إِشاعَةُ المعايِيرِ الشَّرْعِيَّةِ في قَبْولُ الأَزْواجِ وَاخْتِيارِ الزَّوْجاتِ هُوَ مِنْ تَيْسِيرِ الزَّواجِ، التَّقْليلُ مِنْ كُلْفَةِ الزَّواجِ هُوَ مِنْ تَيْسِيرِ الزَّواجِ، عَدَمُ البَزَخِ وَالصَّرْفِ الكَبِيرِ في الوَلائِمِ مِنْ تَيْسِيرِ الزَّواجِ، وَلَوْ كُنْتَ غَنِيًّا سَنَّ سُنَّةً حَسَنَةً في التَّخْفِيفِ ما اسْتَطَعْتَ، إِذا جاءَكَ فَلا تَطْلُبِ العالي مِنَ الأُمُورِ لا سِيَّما إِذا كانَ عاجِزًا أَوْ غَيْرَ قادِرٍ وَهَذا هُوَ الغالِبُ في حالِ كَثِيرٍ مِنَ الشَّبابِ، لا تُبالِغْ في الوَلِيمَةِ بِالقُصُورِ وَغَيْرِها وَسائِرِ ما يَكُونُ مِنَ الوَلائِمِ المرافِقَةِ وَالهَدايا وَالمطالِبِ، فإِنَّ ذَلِكَ يَصُدُّ عَنْ هَذا الأَمْرِ، فَإِذا بادَرْتَ وَخَفَّفْتَ كُنْتَ رَائِدًا في الخَيْرِ وَأَحْيَيْتَ سُنَّةً غابَتْ في حالِ كثيرٍ مِنَ النَّاسِ تُؤْجَرْ عَلَى ذَلِكَ، وَمَنْ أَحْيا سُنَّةً فَلَهُ أَجْرُها وَأَجْرُ مَنْ عَمِلَ بِها إِلَى يَوْمِ القِيامَةِ، لا يَنْقُصُ مِنْ أُجُورِهِمْ شَيْئًا.

اللَّهُمَّ أَلْهِمْنا رُشْدَنا وَقِنا شَرَّ أَنْفُسِنا، أَعِنَّا عَلى العَفافِ وَاسْتُرْنا بِسِتْرِكَ يا ذا الجَلالِ وَالإِكْرامِ، اللَّهُمَّ يَسِّرِ الزَّواجَ لِمَنْ رَغِبَهُ يا رَبَّ العالمينَ، اللَّهُمَّ أَعِفَّ شَبابَنا وَفَتَياتِنا وَارْزُقْهُنَّ الصَّلاحَ في الأَزْواجِ وَارْزُقِ الشَّبابَ الصَّلاحَ في الزَّوْجاتِ، وَاجْمَعْ بَيْنَهُمْ في خَيْرٍ يا رَبَّ العالمينَ، رَبَّنا آتِنا في الدُّنْيا حَسَنَةً وَفي الآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنا عَذابَ النَّارِ، اللَّهُمَّ أَلْهِمْنا رُشْدَنا وَقِنا شَرَّ أَنْفُسِنا، اللَّهُمَّ آمِنَّا في أَوْطانِنا وَأَصْلِحْ أَئِمَّتَنا وَوُلاةَ أُمُورِنا وَاجْعَلْ وِلايَتنا فِيمَنْ خافَكَ وَاتَّقاكَ وَاتَّبَعَ رِضاكَ يا رَبَّ العالمينَ، اللَّهُمَّ وَفِّقْ وَلِيَّ أَمْرِنا إِلَى ما تُحِبُّ وَتَرْضَى، اللَّهُمَّ سَدِّدْهُ في عَمَلِهِ وَرَأْيِهِ وَقَوْلِهِ، اللَّهُمَّ إِنَّا نَسْأَلُكَ لَهُ السَّدادَ وَالتَّوْفِيقَ، وَالحِفْظَ وَالتَّأْيِيدَ وَالنَّصْرَ وَالعِزَّةَ يا ذا الجَلالِ وَالإِكْرامِ، اللَّهُمَّ وَفِّقْهُمْ إِلَى ما فِيِهِ خَيْرُ العِبادِ وَالبِلادِ، اللَّهُمَّ احْفَظْ بِهِمْ بِلادَنا وَاكْفِهِمْ شَرَّ كُلَّ ذِي شَرٍّ أَنْتَ آخِذٌ بِناصِيَتِهِ، اللَّهُمَّ وَفِّقْ وُلاةَ أُمُورِ المسْلِمينَ إِلَى ما فِيهِ الخَيْرُ يا رَبَّ العالمينَ، اللَّهُمَّ اجْمَعْ كَلِمَتَهُمْ عَلَى الحَقِّ وَالهُدَى، أَلِّفْ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ وَأَصْلِحْ ذاتَ بَيْنِهِمْ، اجْعَلْهُمْ رَحْمَةً لِرَعاياهُمْ، رَبَّنا آتِنا في الدُّنْيا حَسَنَةً وَفي الآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنا عَذابَ النَّارِ، أَكْثِرُوا مِنَ الصَّلاةِ وَالسَّلامِ عَلَى سَيِّدِ وَلَدِ آدَمَ ﷺ؛ فَإِنَّ صَلاتَكُمْ مَعْرُوضَةٌ عَلَيْهِ في هَذا اليَوْمِ، اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ كَما صَلَّيْتَ عَلَى إِبْراهِيمَ وَعَلَى آلِ إِبْراهِيمَ إِنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ.

الاكثر مشاهدة

4. لبس الحذاء أثناء العمرة ( عدد المشاهدات94000 )
6. كيف تعرف نتيجة الاستخارة؟ ( عدد المشاهدات89900 )

مواد تم زيارتها

التعليقات


×

هل ترغب فعلا بحذف المواد التي تمت زيارتها ؟؟

نعم؛ حذف