المقدم: بسم الله الرحمن الرحيم، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته، حياكم الله مستمعينا الكرام من هذه الحلقة المباشرة من برنامجكم: "الدين والحياة"، نرحب بكم ونحييكم عبر هذه الحلقة وعبر هذا البرنامج، ونرحب أيضا بضيفنا الدائم في هذه الحلقة وفي هذا البرنامج صاحب الفضيلة الشيخ الأستاذ الدكتور: خالد ابن عبد الله المصلح، المشرف العام على فرع الرئاسة العامة للبحوث العلمية والإفتاء في منطقة القصيم، وأستاذ الفقه في كلية لشريعة بجامعة القصيم.
السلام عليكم ورحمة الله يا شيخ خالد
الشيخ: وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته، حياك الله أخ عبد الله وأهلا وسهلا بالإخوة والأخوات.
حياكم الله وحيا الله جميع المستمعين الكرام في هذه الحلقة المباشرة من برنامج "الدين والحياة" والتي أيضا يسعد بصحبتكم من خلالها من الإعداد والتقديم محدثكم: عبد الله الداني، كما يشرف أيضا بصحبتكم من التنفيذ على الهواء الزميل: محمد باصويلح، حديثنا مستمعينا الكرام في هذه الحلقة سيتركز وسيتمحور حول القضية السورية وحول ما يجري فيها خاصة في هذه الأيام وبشكل خاص أيضا ما جرى من جرائم بشعة في حلب، سنتحدث عن قوله – تعالى – {وَلَوْ يَشَاءُ اللَّهُ لَانْتَصَرَ مِنْهُمْ} [محمد: 4] سنتحدَّث أيضا عن العديد من المحاور التي ستندرج تحت هذه القضية وتحت هذا المحور مع ضيفنا وضيفكم، ولكن بعد هذا الفاصل.
المقدم: حياكم الله من جديد مستمعي الكرام، إلى هذه الحلقة المباشرة من برنامج: "الدين والحياة"، وقد خصصناها للحديث أيضا عن ما يجري في هذه الأيام في سوريا، وسنتحدث بإذن الله تعالى حول أيضا عن قوله تعالى: {وَلَوْ يَشَاءُ اللَّهُ لَانْتَصَرَ مِنْهُمْ}[محمد: 4].
يمكنكم المشاركة معنا عبر الهاتف بالاتصال على الأرقام التالية0126477117، والرقم الثاني0126493028، أيضا راسلونا عبر الواتس آب على الرقم 0556111315، شاركونا أيضا عبر هاشتاج البرنامج: "الدين والحياة".
شيخ خالد أرحب بكم مجدَّدا وأَستَهِلُّ حديثنا عن هذه القضية الهامة، وحول هذه الأحداث الدَّامية التي تجري على أرض سوريا، وهناك من الأبرياء الذين قُتلوا وشُرِّدوا، وأيضا هُتكت أعراض النساء، وهناك المشاهد الدامية التي تناقلتها كافة وسائل الإعلام التقليدية منها والحديثة، ماذا يمكن قوله تحت هذا الإطار شيخ خالد؟
الشيخ: الحمد لله رب العالمين، وأصلي وأسلم على سيدنا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين، أما بعد، فالسلام عليكم ورحمة الله وبركاته، مرحبا بك أخ عبد الله، وأُحيي الإخوة والأخوات المستمعين والمستمعات، وأسأل الله – تعالى – أن يجعلنا وإياكم من المبارَكين، وأن ينفع بهذه الإذاعة وما يُبَث عبرها من توعية وإرشاد ونفع ونصح.
ما يتعلق بما يجري على إخواننا المستضعفين المظلومين في سوريا من التَّنكيل والعذاب الأليم، وأنواع الضَّيم، ومن المُصاب الذي تتألم له النفوس ويشعر المؤمن بالقَذَى والأذى جرَّاء سماع تلك الأخبار المُفزعة التي تعكس وحشيةً في الظلمة القتلة الذين يصبُّون جامَ حِقدِهم وأضغانهم على الأبرياء في المشافي والأسواق والطرقات وعلى رؤوس العجائز وكبار السن والصغار، لا يفرِّقون بين شَجر وحَجر وبَشر، وصغير ولا كبير، فالجميع مُستهدَف، والكل يندرِج في تبرير هذا العنف وهذا الإرهاب وهذا البطش؛ إذ تحت مَظَلَّة محاربة الإرهاب التي يمارسونها ويرمون بها غيرهم، بالتأكيد أن حق المؤمن أن يجِدَ ألمًا لهذا، فالمسلمون أمة واحدة، وأهل الإيمان أمة واحدة وهم أهل عَزم وإنصاف ولا يرضون بالظلم على كائن من كان، بمعنى يعني لو كان هذا الذي يجري جارٍ على أمة غير أمة الإسلام، على قومٍ من أي مِلَّة كانوا، بل ولو كانوا على جمع من الحيوان لتألَّم أهل الإسلام من ذلك ولأنكروه، فكيف والمصاب في هذه الأحداث الذي ينزل به هذا الأذى هم إخوانٌ لنا في الملة والدين، وتربطنا بهم لغة وعِرق ودينٌ وقبل ذلك كما تقدم يجمعنا وينظمنا قول الله – جل وعلا – {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ} [الحجرات: 10]بالتأكيد أن أهل الإيمان وأهل الإسلام حيثما كانوا وعلى أي عِرق كانوا ومن أي جِنس كانوا يجدون ألمًا من هذا الذي يجري، وبالتأكيد أن كل الدعاوى والمبررات التي يبرِّر بها هؤلاء الظلمة هم يحاولون أن يغطُّوا بها جرائمَهم، كلها أوراق توت لا تُواري عوراتٍ، ولا تستر فظائع فاحَت روائحها، وظهر في الإعلام بعض نواحيها، وشيء من صورها وما خفي كان أعظم، بالتأكيد أن الألم يعتصر قلوبَ أهل الإسلام، وهذا هو الأساس الذي عنه تنطلق كل الأعمال التي يمكن أن يُساهم فيها أهل الإسلام لتخفيف معاناة إخوانهم ورفع الظلم عنهم، فإن مبدأ كل عمل هو الهمُّ، فالهم إذا قام في القلب كان ذلك حاملا له على العمل، وبالتأكيد أن الله – جل وعلا – جعل المؤمنين أمة واحدة، عندما قال الله – تعالى – {إِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً} [الأنبياء: 92]وإن تفرقت بهم البلدان، وتنوَّعت أصولُهم وجنسياتهم وبلدانهم، إلا أن الجامع لهم أعظم من كل تفريق، إنه الإيمان الذي تجاوَز حدودَ الزمان والمكان ووحَّد أهلَ الإسلام تحت مظلة تَسعد بها البشرية وتجتمع فيها على الخير وتتداعى فيها إلى كل برٍّ، لذلك قال النبي – صلى الله عليه وسلم – « مَثُل المؤمنينَ في توادِّهم وتراحُمِهم وتعاطفهم كمَثَلِ الجَسدِ إذا اشتكى منه عضوٌ تداعَى له سائرُ الجسد بالسَّهر والحُمَّى»[صحيح البخاري:6011] ، وهذا يؤكِّد هذا المعنى وأنه من أقلِّ ما ينبغي أن يكون تجاه ما تنقله وسائل الإعلام وتبثُّه الصور وتحكيه الجهات الإخبارية عن هذا الحدث، بالتأكيد أن الأَلم لا يمكن أن يغادِر قلبَ مؤمن على ما يرى ويسمع، لا يمكن أن يشعر الإنسان بطمأنينة، ودعوى المدَّعين وكذب الكاذبين وتزييف المزَيِّفين بأن محاربة الإرهاب أو هذا محاصرة للجماعات الإرهابية، كل هذه دعاوى يسوِّغ بها كلُّ نظام فاجر كهذا النظام ما يفعله بشعبه من قتل وتدمير وما إلى ذلك من أوجه البطش التي تبرِّر مثل هذه التي يبرِّرون بها مثل هذا البطش ويحاولون أن يقدموا أنفسهم على أنهم يُنقذون البشرية من الإرهاب، وهم سَدَنَتُه ورُوَّاده.
إذًا هذا الذي يجري في أرض الشام وبلاد الشام يحمل أهل الإيمان على الشعور بمصاب إخوانهم، وعظيم ما يلقونه من هذا التحالف الشيطاني الإجرامي الروسي الإيراني مع النظام الباطش الفاجر الذي يسعى إلى تمزيق هذه البلاد والإصابة بكل ما يستطيع من أهلها فقد قتلوا وشرَّدوا ودمَّروا ولم يبقوا شيئا مما تتفق البشرية على أنه جريمة في الإنسانية إلا وقد باشروه وفعلوه{ وَاللَّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ} [يوسف: 21].
هذا المبدأ أصل ننطلق منه للحديث عن بعض الجوانب المتعلِّقة بهذه القضية وبعض النواحي المتصلة بهذا الموضوع، فالشعور بالألم يحمل الإنسان على العمل، الشعور بالألم والمصاب يحمله على التفكير في ماذا يمكن أن يقدم لإخوانه؟ في ظل هذا الغَشَم وهذا الظلم المتربِّص، فإذا أدركنا هذه الحقيقة، وغاب عنا وتبين لنا كل ما يزوِّره المزوِّرون من تبرير لهذه التصرفات، عند ذلك ينبغي للمسلم يستطيع نُصرةَ إخوانِه وتخفيف الظلم عنهم وفق طاقته ووفق ما قال الله – تعالى – في كتابه:{ فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ} [التغابن: 16]ولهذا لاينبغي لأهل الإيمان أن ينظروا إلى هذا المصاب على أنه بلاءٌ خاصٌّ لأهل هذه المنطقة ولا لأهل هذه البلدة من البلاد التي نزل بها المصاب، بل هو عامٌّ لأهل الإسلام ككل في كل مكان، وبالتالي الشعور بالمصاب يحملنا على السعي في إنقاذ إخواننا وبذل المستطاع في تخفيف الظلم عنهم وكشف ما نزل بهم من كُربة وضَيم، لكن قبل ما نتكلم عما يمكن أن يكون من آثار هذا الألم، بعض الناس ينظر لمثل هذه الحوادث بنوع من السلبيَّة ونوع من اليأس الذي يعتَصِر قلبَه ويجعله يسيء الظن بالله –عز زجل – وهنا أقول لإخواننا الذين يَعتَصِر قلوبَهم الألم وقد يتطرق إليهم شيء من اليأس؛ هذا من كيد الشيطان ومن سوء الظن بالرحمن -جل في علاه-، فإن الله – تعالى – لا يخفى عليه ما يجري، قال الله – تعالى – :{وَلَا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ غَافِلًا عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ إِنَّمَا يُؤَخِّرُهُمْ لِيَوْمٍ تَشْخَصُ فِيهِ الْأَبْصَارُ}[إبراهيم: 42] هذه الآية الكريمة فيها من التطمين لكل مظلوم، التطمين لكل مكروب، التطمين لكل من أصابه في نفسه أو في أُمَّته أو في أهله أو فيمن يحب ظلم أن هذا الظلم الواقع ليس غائبا عن الله – عز وجل- بل الله مُطَّلع عليه وعالم به، ولا يمكن لمؤمن يحسن الظن بربه أن يعتقد أن هذه المظالم وأن هذه الشدائد واقعة دون علمه -جل في علاه-، أو أنه سبحانه وبحمده لا ينتقم لأوليائه، فلاشك أن الله – عز وجل – ينتقم لأوليائه، وينصر عباده، ولا يمكن أن يعين أهلَ الباطل ويُمكِّن لهم تمكينا مُستمرًّا دائما، بل جَرَت سُنَّتُه في أن يصيب أهل الإيمان ما يصيب لحكمةٍ أرادها -جل في علاه-، ولأمر شاءه -سبحانه وبحمده-، وله في ذلك الحكمة وتمام العلم، والمؤمن يسلِّم بهذا، وينظر إلى ذلك نظر المتأمل لفرج الله – عز وجل - وقد جرى ذلك لأصحاب النبي – صلى الله عليه وسلم – في مواقف عديدة، فإن النبي – صلى الله عليه وسلم – لقي من خُصومِه وأعدائه شيئا عظيما من الأذى والقتال والحرب، وأُصيب في نفسه -صلوات الله وسلامه عليه-، وأُصيب في أصحابه، وأصيب في ماله، وفي أموال أصحابه، أصيب إصابات عديدة، لكنه مع هذا كله كان صابرًا محتسبًا مؤمِّلًا الفرج من الله – عز وجل – حتى أظهره الله – تعالى- ونصره على أعدائه، ولهذا يقول الله -جل وعلا- للنبي – صلى الله عليه وسلم – لأصحابه لما أصابهم ما أصابهم يوم أحد من القتل وظهور أهل الشرك قال:{وَلَا تَهِنُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ}[آل عمران: 139] فنهى الله – تعالى – أهل الإيمان وأهل الإسلام مهما نزل بهم من المصاب، ومهما حلَّ بهم من الكرب أن يستسلموا للوهن أو أن يستسلموا للحزن، فإن ذلك مما يزيدهم هزيمةً ويوقِعُهم فَريسةً لأعدائهم، بل ينبغي أن يستحضروا أنهم الأَعلَون في كل أحوالهم، والعلوُّ هنا ليس العلوَّ الذي يحمل على التكبر، ولا على التجبُّر، ولا على احتقار الناس، إنما العلو الذي يحملهم على السعي في الخلاص من الهزائم وبذل الأسباب في نشر الخير وبذله وإنقاذ الناس، ولذلك يقول -جل وعلا-: {وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ}[آل عمران: 139]، ثم ذكر سبب العلوِّ وسبب التميز عن العدو مهما كان ظاهرا، ومهما كان مُسلَّحا، ومهما كان باطشا {إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ}[آل عمران: 139] فالعلو لأهل الإيمان في الدنيا والآخرة، كلما حقَّق الإنسان هذا الوصفَ علا وسما {يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ} [المجادلة: 11]وهذا الرفع في الدنيا وفي الآخرة، ثم يقول بعد ذلك: {إِنْ يَمْسَسْكُمْ قَرْحٌ}[آل عمران:140]هل هذا يعني أنه لا يصاب أهل الإيمان بمصاب، عندما يكونون هم الأعلَون لا يأتيهم ما يكرهون؟ الجواب: لا {إِنْ يَمْسَسْكُمْ قَرْحٌ}أي: جرح وألم ومصاب{فَقَدْ مَسَّ الْقَوْمَ قَرْحٌ مِثْلُهُ}[آل عمران:140] فما جاءكم من البلاء نزل بغيركم، وهكذا هي الدنيا، قال الله – تعالى – {وَتِلْكَ الْأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ}[آل عمران:140] هي أيام يداولها الله – جل وعلا – بين الناس، ينصر هذا على هذا، وهذا على هذا، والعاقبة للمتقين، ولو في كل ما يجريه من الأحداث والوقائع، حِكَم، هذه الحكم يتلمَّسُها الناس، بين الله -جل وعلا- شيئا منها في كتابه، فمنها ما ذكره الله – تعالى – في كتابه في هذه الآيات في سورة آل عمران، عندما تكلَّمت الآيات على غزوةِ أحد وما جرى فيها من مصاب، قال -جل وعلا-:{ إِنْ يَمْسَسْكُمْ قَرْحٌ فَقَدْ مَسَّ الْقَوْمَ قَرْحٌ مِثْلُهُ وَتِلْكَ الْأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ }يقول{وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا}[آل عمران:140]هذا من فوائد البلاء، التمحيص،{ وَيَتَّخِذَ مِنْكُمْ شُهَدَاءَ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ} ثم يقول{ وَلِيُمَحِّصَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَيَمْحَقَ الْكَافِرِينَ}[آل عمران:141] لذلك ينبغي للمؤمن أن يستحضر هذه المعاني، وأن تكون منه حاضرة على بال، أن ما يُجريه الله – تعالى – من بلاء على أهل الإيمان، ما ينزله بهم من تسلُّط الأعداء ليس إخلافًا لوعده، ولا تخلُّفا لميعاده، ولا إظهارا لأعدائه، ولا تخلِّيا عن عباده وأوليائه، إنما هو لتحقيق مصالح لا تُجنى ولا تحصل ولا تُدرَك إلا بذلك، يقول الله – جل وعلا – في كتابه الحكيم:{فَإِذَا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا فَضَرْبَ الرِّقَابِ حَتَّى إِذَا أَثْخَنْتُمُوهُمْ فَشُدُّوا الْوَثَاقَ فَإِمَّا مَنًّا بَعْدُ وَإِمَّا فِدَاءً حَتَّى تَضَعَ الْحَرْبُ أَوْزَارَهَا} [محمد: 4] أمر الله – تعالى – المؤمنين بهذه الأوامر المتعلقة بجهاد وقتال أهل الكفر وأهل العناد والظلم، ثم بعد ذلك يقول الله – جل وعلا –: {ذَلِكَ وَلَوْ يَشَاءُ اللَّهُ لَانْتَصَرَ مِنْهُمْ} [محمد: 4] يعني الله – جل وعلا – قادر على أن يظهر الحق دون تدخُّل من البشر، دون فعل منهم، دون سبب يكون من الناس، فهو على كل شيء قدير{ إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ} [يس:82] ولكن حكمة الله اقتضت أن يكون النصر على أيدي أهل الإيمان، بتأييد ونصر رب العالمين، لكن لا بد أن يكون ذلك محقِّقا لمصالح لا تتحقق بدونها{وَلَوْ يَشَاءُ اللَّهُ لَانْتَصَرَ مِنْهُمْ وَلَكِنْ لِيَبْلُوَ بَعْضَكُمْ بِبَعْضٍ}[محمد: 4]، ثم بعد ذلك ذكر جملة من الفوائد المترتِّبة حتى على الألم {وَالَّذِينَ قُتِلُوا} هذا أقصى ما يكون من الألم الذي يصيب أهل الإيمان عند تسلط أهل الكفر أو عند وقوع ظلم عليهم أوفي مقاتلة الكفار القتل، قال:{وَالَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَلَنْ يُضِلَّ أَعْمَالَهُمْ * سَيَهْدِيهِمْ وَيُصْلِحُ بَالَهُمْ * وَيُدْخِلُهُمُ الْجَنَّةَ عَرَّفَهَا لَهُمْ} [محمد: 4-6] هذا يبين أن البلايا والمصائب هي مفتاح العطايا والهِبات، فكم من هبة! وكم من عطية! وكم من فرج! وزيادة إيمان، وصلاح عمل، ونزوع عن خطأ ومصاب، كان سببه ما يجريه الله – تعالى – من المحن والمصائب.
هذا ينبغي أن يستحضر المؤمن أن ما يجريه الله – تعالى – من الأقدار هو لحِكَم يعلمها الله -جل في علاه-، وينبغي للمؤمن أن يظهر العبودية لله – عز وجل – في كل أحواله، في السراء والضراء، والعسر واليسر، والمَنْشط والمَكْرَه، فإن النبي – صلى الله عليه وآله وسلم – قال كما في الصحيحين من حديث صهيب« عَجَبًا لِأَمرِ المؤمن! إِنَّ أمرَه كلَّه له خَير، إن أصابَتْه سرَّاءُ شَكَر فكان خيرًا له، وإن أصابَتْه ضرَّاءُ صَبَر فكان خيرًا له»[صحيح مسلم:ح2999/64]، ففي السراء الشكر، وفي الضراء الصبر، ولا يكون ذلك إلا للمؤمن، فالمؤمن يتقلَّب بين نعم الله – عز وجل – ويوقن أن ما يجريه الله – تعالى – على عباده وما يُنزله بهم مما يكرهونه، إنما هو لحكمة أرادها -جل في علاه-، وهذه الحكمة ينبغي أن تكون حاضرةً في أذهاننا حتى يُسرَّى عن قلوب أهل الإيمان، ولا يظن أن ما يجريه الله – تعالى – هو نصر لأهل الكفر، أو نصر لأهل الفسق والفجور وأهل العداوة لله – عز وجل – الله -جل وعلا- يقول:{وَلَا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ خَيْرٌ لِأَنْفُسِهِمْ إِنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ لِيَزْدَادُوا إِثْمًا وَلَهُمْ عَذَابٌ مُهِينٌ} [آل عمران: 178] هذا التنبيه الإلهي العظيم عما قد يشاهده لأهل الإسلام من عطاء الله لأهل الكفر، وإملاء الله – تعالى – لهم وما يشاهدونه من إمهاله -جل وعلا- لهم، لا يحسبن الذين كفروا أن هذا العطاء هو خير لهم، إنما حقيقته أن الله – تعالى – يُملي لهم ليزدادوا إثما، أي ليزدادوا تطرُّفًا في الفساد وفي الشر وفي المضارة والمعاندة لله -عز وجل-، ولهم عذاب مهين، فالله – تعالى – يعاقبهم على ذلك، ولذلك يقول: { مَا كَانَ اللَّهُ لِيَذَرَ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى مَا أَنْتُمْ عَلَيْهِ حَتَّى يَمِيزَ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُطْلِعَكُمْ عَلَى الْغَيْبِ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَجْتَبِي مِنْ رُسُلِهِ مَنْ يَشَاءُ فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ وَإِنْ تُؤْمِنُوا وَتَتَّقُوا فَلَكُمْ أَجْرٌ عَظِيمٌ} [آل عمران: 179]
المقدم: في السنة شيخ خالد هنا نفس النص القرآني في السنة كثير من النصوص التي تعضِّد هذه الآيات الكريمات، عندما قال النبي – صلى الله عليه وسلم –: «إِنَّ الله لَيُملي للظالم حتى إذا أَخَذَه لَم يُفْلِتْه»[صحيح البخاري:4686] يعني مثل هذه الأحداث ربما تكون أيضا وسيلة لتجعل الظالم يتمادى في غَيِّه وفي ظلمه حتى إذا بلغ منتهاه أخذه الله أخذا شديدا، وكان عبرة أيضا لمن هم خَلْفه، لكن ربما نتحدث إذا استمرينا في الحديث عن مسألة أن الناس أو المؤمن يعني ربما يكون هناك نوع من القنوط يتسلَّل إلى قلبه أحيانا نوع من اليأس الذي يقذفه الشيطان إلى قلبه، نقطة مُهمة جدا أن المؤمنون الذين يتساءلون في هذه الأيام وفي غيرها، سبقهم أسلافهم عندما قالوا، قال الله – سبحانه وتعالى – على لسان المؤمنين في تلك الأيام:{مَتَى نَصْرُ اللَّهِ} جاء الردُّ فورا {أَلَا إِنَّ نَصْرَ اللَّهِ قَرِيبٌ }[البقرة:214]
الشيخ: بالتأكيد، وفي غزوة الأحزاب قص الله – تعالى – ما ذكره عن رسوله – صلى الله عليه وسلم – وعن أصحابه الكرام فيما جرى لهم من شِدَّة بلغت فيها القلوبُ الحناجِرَ وحصل من بعدهم الظن السيئ، وتقلَّبت الظنون بما يجري على أهل الإسلام، والله -جل وعلا- يقول:{ أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُمْ مَثَلُ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِكُمْ مَسَّتْهُمُ الْبَأْسَاءُ وَالضَّرَّاءُ وَزُلْزِلُوا حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ مَتَى نَصْرُ اللَّهِ}[البقرة: 214] جاء الجواب لم يتأخر{ أَلَا إِنَّ نَصْرَ اللَّهِ قَرِيبٌ} [البقرة: 214] هذه الإشادة السريعة المباشرة دليل على أنه ينبغي للمؤمن مهما بَلَغ به الكرب واشتدَّ به الخطب ألا يغيب عنه { أَلَا إِنَّ نَصْرَ اللَّهِ قَرِيبٌ} [البقرة: 214] فنصر الله قريب، لكن نصر الله له أسباب يجب على أهل الإيمان أن يبذلوا وُسْعَهم في إدراكها والفوز بها، فالله – تعالى – قد ذكر عن رسوله صلوات الله وسلامه عليه من الصبر والبذل في حالات الكرب والشدة ما كان سببا للنجاة، يقول الله – تعالى –: {إِذْ جَاءُوكُمْ مِنْ فَوْقِكُمْ وَمِنْ أَسْفَلَ مِنْكُمْ} [الأحزاب: 11]
في غزوة الأحزاب ذكر الله -جل وعلا- شدَّة المصاب الذي أصاب النبي – صلى الله عليه وسلم – وأصحابه حيث قال:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ جَاءَتْكُمْ جُنُودٌ فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحًا وَجُنُودًا لَمْ تَرَوْهَا وَكَانَ اللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرًا} [الأحزاب: 9] هنا تنبيه لأهل الإيمان أنهم إن صدقوا الله فالله ناصرهم بجند لا يعلمونه{وَمَا يَعْلَمُ جُنُودَ رَبِّكَ} [المدثر:31] وجنود الله لا حصر لهم ولا حد، كل خلق الله جند لله، أضعف خلق الله إذا سلَّطه الله على عدوِّه فهو جند الله -جل في علاه-، ولذلك ما يعلم جنود الله -عز وجل- إلا هو سبحانه وبحمده، إذا كنت أنت في صفِّ من هذه قدرتُه ومن هؤلاء جنوده فمن أين تخاف؟ إنه لا يمكن أن يتطرق لقلب مؤمن يوقن بأنه لا يعلم جنوده إلا هو، وأنه سبحانه وبحمده ينصر أولياءه، وأنه لا يُخلف الميعاد، وأنه على كل شيء قدير، لا يمكن أن يتطرَّق اليأس أو سوء ظن، إنما الذي يحصل هو أن يتهم الإنسان نفسه أنه لن يكمل ما ينبغي من أسباب النصر{إِذْ جَاءُوكُمْ مِنْ فَوْقِكُمْ وَمِنْ أَسْفَلَ مِنْكُمْ وَإِذْ زَاغَتِ الْأَبْصَارُ وَبَلَغَتِ الْقُلُوبُ الْحَنَاجِرَ وَتَظُنُّونَ بِاللَّهِ الظُّنُونَا * هُنَالِكَ ابْتُلِيَ الْمُؤْمِنُونَ وَزُلْزِلُوا زِلْزَالًا شَدِيدًا} [الأحزاب: 10ـ11] عظيما اختَبَر إيمانَهم، فتميَّز المؤمنون عن المنافقين الذين قالوا:{وَإِذْ يَقُولُ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ إِلَّا غُرُورًا} [الأحزاب:12] هذه فائدة الزلزلة، تمييز الصفوف واتضاح الصادق من الكاذب، تبين حال الناس على وجه بين، فالناس قبل المحن والبلاء سواء، فإذا نزل البلاء بهم انكشفت المعادن وتبيَّنت الحقائق، كما قال القائل" وقد عرَّفَتْني بالرجال الشدائد" فالشدائد تكشِف معادن الناس وتبين الحقائق، ولهذا ذكر الله – تعالى – بعد الشدائد زلزال حال المنافقين الذين كان منهم أن قالوا: { مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ إِلَّا غُرُورًا } [الأحزاب:12] { وَإِذْ قَالَتْ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ يَا أَهْلَ يَثْرِبَ}[الأحزاب:13] وهذا بيان لما فعلوه من إضعاف أهل الإيمان، لكن كانت العاقبة لأهل الإسلام بالنصر والتأييد والتمكين:{وَرَدَّ اللَّهُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِغَيْظِهِمْ لَمْ يَنَالُوا خَيْرًا}[الأحزاب:25]
المقدم: في هذا الجانب أيضا هناك الكثير من المشاهد التاريخية المماثلة للسابقين الأولين الذين مسَّتهُم السراء والضراء وزُلزلوا، كالقليل الذين كانوا مع نوح – عليه السلام –، والذرية التي كانت مع موسى – عليه السلام –، وأيضا الطائفة التي كانت مع عيسى – عليه السلام – بالإضافة إلى نزاع من القبائل مع النبي محمد – صلى الله عليه وسلم – عندما كان يعني هؤلاء الأنبياء مع النَّذْرِ اليسير من الناس الذين آمنوا به، ويعني في القرآن فيه: {وَمَا آمَنَ مَعَهُ إِلَّا قَلِيلٌ } [هود: 40] في قصة نوح – عليه السلام – لكنهم مع ما واجهوه من عَنَتٍ ومن شدة ومن بأساء ومن لأواء، إلا أن الله – سبحانه وتعالى – في آخر الأمر أعلى كلمته ونصرهم وأعزَّهم، وكان هذا الأمر أيضا بمثابة يعني الاختبار الذي نجحوا فيه واجتازوه بنجاح، ولو كان الأمر سَواسِيَة لكان كل الناس مؤمنين.
الشيخ: بالتأكيد، بالتأكيد أن الشدائد تكشف الحقائق، وتبين المؤمن من الصادق، وقد ابتُلي أصحاب النبي – صلى الله عليه وسلم – في أول أمرهم ابتلاء شديدا عظيما، حَفِظَت السُّنَّة صورا منه تكشف عظيم ما نزل بهم، في الصحيح من حديث خبَّاب بن الأرَتّ – رضي الله عنه – يقول " شكونا إلى الرسول – صلى الله عليه وسلم – وهو مُتوَسِّد بُردة له في ظل الكعبة" هذا في أول الدعوة عندما تسلَّط المشركون على من آمن من النفر القليل مع النبي – صلى الله عليه وسلم – في مكة، فبلغ بهم الأذى مبلغا عظيما شديدا، ما كان منهم إلا أن طلبوا من النبي – صلى الله عليه وسلم – شيئا من الفرج، يعني يسأل الله – تعالى – لهم أن يستنصر لهم، فجاء، يقول خباب – رضي الله عنه – يقول: " شَكونا إلى النبي – صلى الله عليه وسلم – وهو مُتَوسِّد بُردة له في ظل الكعبة، فقلنا ألا تَسْتَنْصِر لنا؟" أي : ألا تطلب النصر لنا من الله؟
المقدم: بعد ما اشتدَّ بهم العذاب.
الشيخ: بعدما اشتد بهم الأذي وبلغ غاية أرهقتهم لم يتمكنوا من الصبر عليها، فقال النبي – صلى الله عليه وسلم – وهو على هذه الحال من اليقين بالله -عز وجل-:« قد كانَ مَن قَبلَكُم يُؤخَذُ الرجلُ، فيُحفَر له في الأرض، فيُجعَل فيها – أي في الحفرة – فَيُجاء بالمنشار فيوضع على رأسه فيُجعل نِصفَين، ويمشَّط بأمشاط الحديد ما دون لَحمِه وعظمِه، يقول – صلى الله عليه وسلم – فما يَصُدُّه ذلك عن دينه»بعد هذه الصورة التصويرية الاعتبارية من أخبار من مضى في شدة ما أصابهم من البلاء، يقول النبي – صلى الله عليه وسلم – في شدة الكرب، وعظيم البلاء، في فئة قليلة في مكة نزل بهم ما لا يطيقون من العذاب
« والله لَيُتِمَّنَّ الله هذا الأمرَ» يقين لا امتراء فيه، يقين لا ريب فيه، أن الله سيُتِمَّ أمره، وسينصر أولياءه، وسيظهر دينه، وسيذل أعداءه،« حتى يسيرَ الراكِبُّ مِن صنعاءَ إلى حَضْرَ موت لا يخاف إلا الله، والذِّئبَ على غَنَمِه، ثم يقول النبي – صلى الله عليه وسلم – ولكنكم تَسْتعجلون»[صحيح البخاري:3612] أي أن آفة المبتَلَين التي تجعلهم قد يفقدون صبرهم، ويضعفون أمام الكروب والمصائب والبلايا هو قلة الصبر، ولذلك يقول النبي – صلى الله عليه وسلم – « ولكنكم تستعجلون» ولهذا؛ سبحان الله العظيم! ما أعظم هذا الدين! على توالي كيد أعدائه له، إلا أن الله يُقَيض له في كل زمان ما يكون سببا لانتشاره رغم عظيم العوائق الصادَّة عنه، ولهذا يا أخي الكريم! ترى أن الإسلام منذ أن جاء به النبي – صلى الله عليه وسلم – إلى يومنا هذا هو في انتشار وزيادة، رغم كل البلايا والمصائب المتعاقبة على أهل الإسلام، والكيد العظيم الذي يسعى لتشويه الإسلام، ومحاصرة دعوته، وتنفير الناس عنه، إلا أنه يكتسح وينتشر ويظهر ويسلب القلوب، بل يدين به خصومه وأعداؤه الذين بذلوا كل ما يستطيعون في إخفائه كما قال الله – تعالى – { يُرِيدُونَ لِيُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَاللَّهُ مُتِمُّ نُورِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ} [الصف: 8]فالله – تعالى – متمُّ هذا النور الذي جاء به، ومتم هذا الوعد{وَيَأْبَى اللَّهُ إِلَّا أَنْ يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ} [التوبة: 32]فينبغي للمؤمن أن يمتلئ صدره يقينًا بأن هذه المصائب وهذه البلايا ليس الشأن في التألُّم لها فقط، بل يجب أن يعلم أن اليقين بنصر الله -عز وجل- هو من أهم أسباب النصر، ومن أهم عوامل تجاوز هذه البلايا والمصائب، فيما يتعلق بالجانب الآخر، يعني جانب ما الذي يجب علينا تجاه إخواننا؟
المقدم: طيب شيخ خالد قبل أن ندلف إلى هذا الموضوع المهم، يعني عن الخطوات العملية التي، بعد أن تحدثنا عما يجب تجاه عقيدتنا وفي الجانب العقدي، نتحدث أيضا عن الجانب الخاص بالخطوات العملية التي من خلالها نستطيع أن نقدم كل ما نستطيع تقديمه نُصرةً لهذه القضية، نذكِّر مستمعينا الكرام بأرقام التواصل التي من خلالها يستطيعون مشاركتنا في هذه الحلقة وموضوعنا عن سوريا من وحي قوله – سبحانه وتعالى – {وَلَوْ يَشَاءُ اللَّهُ لَانْتَصَرَ مِنْهُمْ}[محمد: 4]الرقم الأول: 0127477117، والرقم الثاني0126493028، على الواتس آب أيضا رسائل نصية على الرقم 0556111315، وعبر هاشتاج برنامج "الدين والحياة".
المقدم: شيخ خالد بدأتم في، أو قبل أن تبدأوا في الحديث عن الخطوات العملية، لعل البعض يتحدث عن ضرورة التذكير بهذه القضية دائما، وأيضا أن يجعلها من أهم اهتماماته كقضية من ضمن القضايا التي يجب على المسلمين؛ لأنه من لم يهتمَّ بأمر المسلمين فليس منهم، ربما هذه يمكن من أولى الخطوات، وربما قبلها الدعاء، الدعاء دائما باستمرار وخاصة يعني الأوقات التي يكون فيها الدعاء مستجابا،وتحرِّي الأماكن التي أيضا يكون فيها الدعاء مستجابا.
الشيخ: هو يا أخي الكريم فيما يتعلق بهذا المصاب، المصاب كما ذكرت عظيم وشديد، والواجب على أهل الإيمان الشعور بمصاب إخوانهم، بعض الناس يعني ثمة مسالك متباينة للناس في مثل هذه الشدائد، من الناس من لا يبالي ولا يهتم وكأنه لا يعنيه الأمر لا من قريب ولا من بعيد، وهذا الأمر بالتأكيد أنه غياب لخصلة من خصال الإيمان، وهي الشعور بمصاب أهل الإسلام، والألم لهم، كما قال النبي – صلى الله عليه وسلم –: « المُسلِم للمُسلم كالبُنْيان يشدُّ بعضُه بعضا»[أخرجه مسلم في صحيحه:2585/65، ولفظه:«الْمُؤْمِنُ لِلْمُؤْمِنِ كَالْبُنْيَانِ يَشُدُّ بَعْضُهُ بَعْضًا»] وبالتأكيد أن من شَدِّك لبعضك، شدِّ الأمة بعضها لبعض أن يشعر الإنسان بمصاب إخوانه، الأمر الثاني، أو النوع الثاني من الناس: من يعني يصاب بإحباط ويبلغ به الأسى والحنق مبلغا عظيما، فتجده لا يرضى عن أحد ويسبُّ كل أحد، ويستهين بكل أحد، فلا يسلم منه حاكم ولا محكوم، لا عالم ولا جاهل، ويعيش في حال من الإحباط والأذى النفسي الذي يجعله خارج عن دائرة العمل إلى التلاوم، وهذا بالتأكيد هو عون للشيطان، عون للأعداء على الأمة، ولا يحقق نصرا ولا يقدِّم خيرا، لا لنفسه ولا لأمته، والوسط هو أن يشعر بمصاب إخوانه، وأن يعلم ما تقدم من معاني مهمة، وهي أن الله -عز وجل- له حِكَم فيما يجريه، وأن الواجب علينا أن نبحث عن أسباب نصرة إخواننا في إصلاح أنفسنا وبذل الممكن في إنقاذهم، وأن نوقن يقينا لا مِريَةَ فيه أن الشدائد لا تدوم، وأنه لا بد أن تتحول هذه البلايا، فلن تدوم الأهوال، ولن تبقى الشدائد والأمة في الأقفال والأغلال ، بل لا بد من فرج ومهما اشتد الألم، فلن نفقد الأمل:{سَيَجْعَلُ اللَّهُ بَعْدَ عُسْرٍ يُسْرًا} [الطلاق: 7]هذا هو المسلك الصحيح.
ما الذي ينبغي؟ أنا أقول: الشعور بالمصاب هو أول الخطوات، بعد ذلك الناس فيه متفاوتون، ولا يجب، أو لا يجوز أن نجعل الناس، المطلوب من الناس كلهم على اختلاف أحوالهم مطلبا واحدا، فيطلب من الجاهل ما يطلب من العالم، ويطلب من المحكوم ما يطلب من الحاكم، ويطلب من الضعيف ما يطلب من القوي، هذا غير صحيح، الله -جل وعلا- يقول:{فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ} [التغابن:16]فالتكاليف التي كلَّفَنا بها -جل وعلا-، وجعلها مَنوطةً بالاستطاعة والقدرة {فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ} [التغابن:16]والذي لا يعجز عنه أحد القاسم المشترك بعد الشعور بالهمِّ والمصاب؛ الدعاء لإخواننا بالتفريج عنهم يحصل به من الخير والفرج وبلوغ الأرب ما يكون نوعا من النصرة لهم، وأداء لبعض حقهم، ولو لم يكن فيه إلا أن يبُثَّ الإنسان شكواه إلى من بيده مقاليد الأمور، ويستنصر رب العالمين الذي له الأمر كله -جل في علاه-، لكان هذا مؤدِّيًا بعض الحق الذي لهؤلاء على الأمة على وجه عام.
المقدم: شيخ خالد الدعاء هذا واجب أساسي، وحتى لو كانت هناك يعني، كان هناك العتاد، وكانت هناك الأدوات والأسلحة القوية والفتاكة لن تجدي ما لم يكون الإنسان يعني مُتعلِّقا بالله – سبحانه وتعالى – داع ربه – سبحانه وتعالى – وهناك الكثير من القصص، ولعل في غزوة حنين لنا العبرة والعظة التي حدثت، وفي نفس الوقت كان صداها واسعا ومتردِّدا حتى يعني يكون عبرة للأجيال من بعد الصحابة، وها نحن يجب أن نستفيد أيضا من هذه القصة ومن هذا الجانب الذي حصل؛ لأن البعض ربما للأسف الشيطان يقذف إلى بعض الناس نوعًا مِن، نستطيع أن نُسمِّيَه بالوَهْن أو الضعف أو أيضا في نفس الوقت التشكيك للأسف الشديد في فاعلية الدعاء، وأنه أول ما ينبغي أن يهرع إليه المسلم، وأن يفزع إليه المسلم من خلال هذا اللجأ وهذا التضرع إلى الله – سبحانه وتعالى – خاصة من أولئك الذين يعني هم مظنة الإجابة من الله – سبحانه وتعالى – وهناك ربما يعني« رُبَّ أَشْعَثَ أَغْبَرَ مدفوعٍ بالأبواب، ولو أقسم على الله لأَبرَّه»[صحيح مسلم:2854/48] هناك الكثير من الصالحين الذين يعني أيضا نستفيد منهم في هذا الجانب ونفعِّل دورهم في هذا الجانب، لا يقتصر هذا الأمر عليهم فقط، بل هذا هو الأمر عام علينا جميعا، وخصوصا على هؤلاء الذين نتأمل من الله – سبحانه وتعالى – أن يستجيب دعاءهم.
الشيخ: بالتأكيد يا أخي، الدعاء يفتح الله – تعالى – به من أبواب النصر ما ليس للإنسان على خاطر ولا بال، ينبغي ألا نستهن بالدعاء، فالدعاء من مفاتيح النصر، والدعاء من أقوى أسبابه وأعظم موجباته، وفي الشواهد من الكتاب والسنة، شواهد في الكتاب والسنة واضحة وجلية في عظيم أثر الدعاء، نوح – عليه السلام – لما استطال عليه قومُه، وبغَوا عليه، ولم يكن له بهم قوة ولا قدرة، ماذا قال؟ قال الله – تعالى – في بيان ماذا فعل{فَدَعَا رَبَّهُ أَنِّي مَغْلُوبٌ فَانْتَصِرْ}[القمر: 10] ماذا جرى؟{فَفَتَحْنَا أَبْوَابَ السَّمَاءِ بِمَاءٍ مُنْهَمِرٍ * وَفَجَّرْنَا الْأَرْضَ عُيُونًا فَالْتَقَى الْمَاءُ عَلَى أَمْرٍ قَدْ قُدِرَ} [القمر: 11-12]هذا البيان القرآني العظيم لبيان أثر الدعاء، الدعاء أعظم ما ينال به الإنسان النصر، أعظم ما يدرك به الإنسان المطالب، موسى – عليه السلام – عندما توعد فرعون موسى وقومَه والذين آمنوا معه، واشتدَّ غضبه على موسى لما أظهر الله – تعالى – صدقه وغلبه بالآيات وتوعَّدهم، قال موسى لقومه:{اسْتَعِينُوا بِاللَّهِ وَاصْبِرُوا إِنَّ الْأَرْضَ لِلَّهِ يُورِثُهَا مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ } [الأعراف: 128]، فأمرهم بطلب العون من الله وهو سؤاله ودعاؤه، أول ما أمرهم به أن لجأوا إلى الله -عز وجل- بطلب العون، فالدعاء مفتاح كل نصر، مفتاح كل أمل يسعى الإنسان إلى تحقيقه، مفتاح كل خير يؤمِّل الإنسان الوصول إليه، فاستعينوا بالله، ولكن ينبغي أن يعلم أن ليس بمجرد الدعاء ستأتي العطايا، لا بد من صبر، صبر على الدعاء، صبر على بذل الأسباب الأخرى الممكنة، وتفويض الأمر لله -عز وجل-، وحسن الظن به، وكل هذه المعاني ينبغي أن تستحضر، ولذلك قال:{اسْتَعِينُوا بِاللَّهِ وَاصْبِرُوا} ثم جاء اليقين الذي لا يداخله شكٌّ في أن العاقبة للمتقين، إن الأرض لله، هو المالك لها -جل في علاه-، {يُورِثُهَا مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ}فلابد أن يستشعروا أن دعاءهم لا يضيع، لا يمكن أن يضيع دعاؤهم، الله -عز وجل- يجيب الكافر المعاند له إذا صدق في دعائه { أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ }[النمل: 62]فكيف بمؤمن يصدق في لجئه إلى الله -عز وجل-؟، ويضرع إليه، ويوقن أنه لا ملجأ له ولا منجى إلا إليه -جل في علاه- ومنه سبحانه وبحمده، بالتأكيد أن هذا من أعظم ما يوجب عطاء الله – تعالى – ونجدته وغوثه ونصره ومدده -سبحانه وبحمده-، والذي لا يملك إلا الدعاء من العجز أن يبخل به، الذي لا يملك إلا الدعاء ينبغي ألا يبخل به، فلا يضرُّك أن تدعوا وأنت ساجد، وأنت في أدبار الصلوات، بعض الناس يقول: يعني القنوت، القنوت مشروع عند النوازل، فإذا لم يتيسَّر هذا لأمر من الأمور أو في مسجد من المساجد لا يعني هذا ألا يكون الدعاء إلا في القنوت، الدعاء يكون في القنوت، يكون في السجود، وفي أدبار الصلوات، وفي قيام الليل، يكون في كل حال، عندما تشاهد المصاب، قل بقلب صادقٍ وبألمٍ حاضر وضرورة ظاهرة، يا رب! فرِّج في هؤلاء، نجدة لهؤلاء، يا أرحم الراحمين، يا عزيز يا حكيم، يا قوي يا جبار، تدعوا الله -عز وجل- بهذا.
المقدم: أستأذنكم شيخ خالد نأخذ اتصالًا من أم صالح، ونعتذر تأخرَّنا عليها، أم صالح، تفضلي.
المتصلة: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
المقدم: وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته
المتصلة: السلام عليكم يا مصلح، الله يجعل لك من اسمك نصيبًا يا حي يا قيوم، يا أخوي اجتمع ضعفنا مع قوتهم، مع إننا نملك القوة، نملك القوة بس ما نفعلها، لو إحنا ساجدين، ما هو ونحن قانطين « أَقربُ ما يكون العبدُ من ربِّه وهو ساجد»[أخرجه مسلم في صحيحه:482/215]الله سبحانه قادر أنه يأخذ بالشر بأول سنة، بس له في ذلك حكمة، خمس سنين عشان يصير برقبته مليون قتيل، الحمد لله، الحمد لله، الله يصلح شامَنا وشبابَنا، أنا عندي أربعة من الأولاد، بدي أروح أحرس الحدود، الله يصلح ديننا ودنيانا، ويصلح فَلْذات قلوبنا، الله يجزيك الجنة، الله يجزيك الفردوس، الله يجعلك صالحا مُصلِحا، اللهم صلِّ على محمد.
المقدم: شكرا أم صالح من القصيم، شيخ خالد، ننطلق من نقطة ربما قبل أن نختم، نقطة مهمة جدَّا ألا وإن مثل هذه الأحداث يعني يكون فيها درس عظيم وبليغ جدا، خاصة فيما يتعلق بتمييز الصفوف، وانكشاف العدو من الصديق، والطيب من الخبيث، كثير من القضايا التي مرت بها الأمة الإسلامية، كان هناك نوع من اختلاط الحق بالباطل، واختلاط الشعارات وغيرها، لكن عندما يعني أراد الله – سبحانه وتعالى – بتمييز الصفوف، وأيضًا يعني أن يجعل الحق واضحًا أبلج، وظهر هذا الحق وكما نحن نشاهد، وربما أيضا ربما من الحكم التي أرادها الله – سبحانه وتعالى – من خلال ما يجري أن تتمايز الصفوف، وأن يعني يبين الحق وأيضا يستبين الباطل، حتى يحضر الناس كذلك.
الشيخ: من حكم الله -عز وجل- في المصائب أن يبين الله – تعالى – الباطل على نحو لا يلتبس ولا يشتبه إلا على من أعمى الله بصيرتَه، إيران على مدى سنوات مُتطاولة كانت تصمُّ آذان العالم الإسلامي بأنها تنصر الحق، وتسعى إلى تحرير القدس، وتدعم المسلمين، وتنصر المظلومين، وما إلى ذلك من الدعاوى الكاذبة التي جعلتها ستارا لتَمدُّدِها وانتشارها وفسادها في الأرض، جاء الله – تعالى – بهذه الأحداث، فانكشف الأمر على حقيقته، وتبين الظالم المعتدي الذي يسعى في أذية أهل الإسلام والنيل منهم في كل مكان، وانكشف الغطاء وتبين أن الذي يرمي أهل الإسلام بكل نقيصة وسوء، ويزعزع أمنهم، ويسعى لإشاعة الفساد بينهم والتفريق، كل هذه العمائم الخبيثة التي اتُّخذت ستارًا انكشف وافتضح، فهم الذين يقتلون في سوريا، وهو الذين يدعمون القتلة الخارجين على أهل اليمن من الحوثيين وأشباههم، وهم الذين أفسدوا في العراق، وها هو العراق ينتفض ويتنبَّه لخطورته، وتصيح الجموع بلا تدبير لعظيم ما أصابهم من الأذى، سنة وشيعة يقولون: إيران برة برة، هذا من نعمة الله – تعالى – أن الله – تعالى – أزال تلك الدعاية الكاذبة السمجة التي أصمت العالم الإسلامي، وانطلت على السذج، هذا من حكم الله -عز وجل-فيما يجري، الذي يقصف المشافي في حلب، والذي يقتل العجائز والكبار والصغار في سوريا هي الأسلحة الإيرانية التي، الآن الآن ثمة دعوات في داخل إيران ودعوات إعلامية مُلحَّة واسعة للتبرع للقتال في سوريا، بالتأكيد أن هذا مما بينه الله – تعالى – وأوضحه، فالشدائد، جزى الله الشدائد كل خير، عرفت بها عدوي من صديقي، تبينت الحقائق وظهرت على نحو بين، نسأل الله – تعالى – الذي بيده ملكوت كل شيء أن ينزل على إخواننا في سوريا الأمن والأمان، وأن يعجِّل لهم بالفرج، وأن ينجي المستضعفين، وأن يكفيهم شرَّ الطغاة الظالمين، وأن يعينهم على عدوِّه وعدوهم، إنه على كل شيء قدير، وأنا أقول التلاوم لا يأتي بنتيجة، يعني طول اللسان للناس، واتهام العلماء، واتهام الحكَّام لا يأتي بنتيجة، هذا لا يزيد الطين إلا بِلَّة، يجب جمع الكلمة ورص الصفوف وبذل المستطاع{فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ} [التغابن:16]{ وَاللَّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ} [يوسف: 21]
لطائف الله وإن طال المدى .. كلمحة الطرف إذا الطرف سجا
كم فرج بعد إياس قد أتى ..... وكم سرور قد أتى بعد الأسى
المقدم: نسأل الله أن يحقق النصر المبين لإخواننا في سوريا وأن يفرج همهم، وأن يكشف كربتهم، شكر الله لك صاحب الفضيلة الشيخ الدكتور: خالد بن عبد الله المصلح، المشرف العام على فرع الرئاسة العامة للبحوث العلمية والإفتاء في منطقة القصيم، وأستاذ الفقه في كلية الشريعة جامعة القصيم، على ما تحدثتم به من حديث شيق وماتع، وأسأل الله – سبحانه وتعالى – أن يجعل كل ذلك في موازين أعمالكم الصالحة.
الشيخ: بارك الله فيكم وفي الجميع، وأوصي إخواني وأخواتي بالدعاء، نسأل الله أن يتقبل منا ومنهم، والسلام عليكم ورحمة الله بركاته.
المقدم: وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته، ولكم الشكر الجزيل مستمعينا الكرام على حسن استماعكم لنا في هذه الحلقة، تقبلوا تحيات محدثكم عبد الله الداني، والتنفيذ على الهواء الزميل محمد باصويلح، لقاؤنا يتجدد بكم بإذنه – سبحانه وتعالى – في حلقة يوم الأحد المقبل، في تمام الساعة الثانية ظهرا، حتى ذلكم الحين نستودعكم الله، في أمان الله.