×
العربية english francais русский Deutsch فارسى اندونيسي اردو

نموذج طلب الفتوى

لم تنقل الارقام بشكل صحيح

مرئيات المصلح / الحرمين / من رحاب الحرمين / وقفة مع قول الله تعالى { يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وقولوا قولا سديدا}.

مشاركة هذه الفقرة WhatsApp Messenger LinkedIn Facebook Twitter Pinterest AddThis

المشاهدات:10789

الحَمدُ لِلَّهِ حَمدًا كثيرًا طَيِّبًا مُباركًا فيهِ، مِلءَ السماءِ والأرضِ وملءَ ما شاءَ مِنْ شَيءٍ بَعدُ، أحمَدُه حقَّ حَمدِه، أحقُّ مَنْ حُمِدَ، وأجَلُّ مَنْ ذُكِرُ، لَهُ الحَمدُ في الأولَى والآخرةِ، ولَهُ الحُكمُ وإلَيهِ تُرجَعونَ، وأشهدُ أنْ لا إلهَ إلَّا اللهُ إلهُ الأوَّلينَ والآخِرينَ، لا إلهَ إلَّا هُوَ الرحمنُ الرحيمُ، وأشهدُ أنَّ مُحمدًا عَبدُ اللهِ ورَسولُه صَفيُّه وخَليلُه وخيرَتُه مِنْ خَلقِه، بَعثَهُ اللهُ بالهُدَى ودينِ الحَقِّ بينَ يَدَيِ الساعةِ بَشيرًا ونَذيرًا، وداعيًا إلَيهِ بإذنِه وسِراجًا مُنيرًا، بَلَّغَ الرسالةَ، وأدَّى الأمانَةَ، ونَصحَ الأمَّةَ، وتَركها عَلَى المَحجَّةِ البَيضاءِ، طَريقٍ واضحٍ لا لبسَ فيهِ ولا غبَشَ حَتَّى أتاهُ اليقينُ وهُوَ عَلَى ذَلِكَ، فصَلَّى اللهُ عَلَيهِ وعَلَى آلهِ وصَحبِه ومَنِ اتَّبعَ سُنَّتَه واقتَفَى آثرَه بإحسانٍ إلى يَومِ الدينِ، أمَّا بَعدُ:

فقَدِ استَمعْنا في صلاةِ المغربِ لقراءَةِ إمامِنا "الشيخِ عبدِ الرحمنِ السديس" وَفَّقَه اللهُ مِنْ أواخرِ سُورةِ الأحزابِ وفيها قَولُ اللهِ ـ تَعالَى ـ: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا**يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا[الأحزابِ:70-71] .

هذهِ الآيةُ التي تَضمَّنتْ العملَ الصالحَ والثوابَ عَلَيهِ والسببَ الذي يُؤدِّي إلَيهِ، فإنَّ الآيةَ أَمَرَ اللهُ ـ تَعالَى ـ فيها المُؤمنينَ بتَقواهُ، وتَقْواهُ ـ سُبحانَه وبحَمدِه ـ هِيَ وَصيَّتُه للأوَّلينَ والآخِرينَ يَقولُ اللهُ ـ تَعالَى ـ: ﴿وَلَقَدْ وَصَّيْنَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَإِيَّاكُمْ أَنِ اتَّقُوا اللَّهَ[النساءِ:131] .

هذهِ وَصيةُ اللهِ -عَزَّ وجَلَّ- للأوَّلينَ والآخِرينَ أنْ يَتقوهُ ـ جَلَّ في عُلاه ـ وتَقواهُ هِيَ أنْ تَقومَ بما أمرَكَ اللهُ ـ تَعالَى ـ بِهِ وتَنتَهيَ عمَّا نَهاكَ رَغبَةً فيما عِندَه وخَوفًا مِنْ عِقابِه، هَذا هُوَ مَعنَى التقوَى فالتقوَى ليسَتْ شَيئًا مَجهولًا أو غائبًا أو لا وُضوحَ فيهِ ولا بيانَ لَهُ، بَلِ التقْوَى في غايةِ الجَلاءِ والوُضوحِ؛ حَقيقتُها: أنْ تَمتَثِلَ ما أمَرَك اللهُ ـ تَعالى ـ بِهِ وأنْ تَترُكَ ما نَهاكَ عَنهُ وأنْ تَفعلَ هَذا وذاكَ رَغبَةً فيما عِندَه وخَوفًا مِنْ عِقابِه، هذهِ هِيَ تَقوَى اللهِ -عَزَّ وجَلَّ- ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ[النساءِ:131]

ثُمَّ ذَكرَ مِنْ أعظَمِ ما يَحصُلُ بِه التقوَى ويُحقِّقُ للإنسانِ هذهِ الخَصلَةُ التي بها سَعادةُ الدُّنيا والآخرَةِ ﴿وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا[الأحزابِ:70] .

هَذا اللسانُ يُورِدُ الإنسانَ المَهالِكَ لذَلِكَ قالَ النبيُّ -صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وسَلَّمَ- في الحَديثِ الطويلِ حَديثِ مُعاذٍ لَمَّا بَيَّنَ -صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وسَلَّمَ- ما يَدخُلُ بِهِ الجَنَّةَ وما يَنجُوا بِهِ مِنَ النارِ وبَينَ أبوابِ البِرِّ وأبوابِ الخَيرِ قالَ لَهُ في خاتِمةِ التوجيهِ «ألَا أدلُّكَ عَلَى مِلاكِ ذَلِكَ كُلِّهِ»(يَعني: الذي تَملِكُ بِهِ أبوابَ الخَيرِ وتَدخُلُ بِه الجنةَ وتَنجو به مِنَ النارِ)- «ألَا أدلُّكَ عَلَى مِلاكِ ذلِكَ» قالَ: بَلَى يا رَسولَ اللهِ، قالَ: «كُفَّ عَلَيكَ هَذا أو أمسِكْ عَلَيكَ هَذا» وأخَذَ بلِسانِ نَفسِه -صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وسَلَّمَ- قالَ مُعاذٌ -رَضِيَ اللهُ تَعالَى عَنهُ-: وإنَّا لمُؤاخَذونَ بما نَقولُ يا رَسولَ اللهِ (يَعني: هلِ اللهُ سُيحاسِبُنا ويُؤاخِذُنا عَلَى مانَتكلَّمُ بِهِ؟) قالَ: ثَكِلَتْكَ أمُّكَ يا مُعاذُ وهَلْ يَكُبُّ الناسُ عَلَى مَناخِرِهم أو عَلَى وُجوهِهم إلَّا حَصائدُ ألسِنَتِهم» سننُ الترمذيِّ (2616)، وقالَ: هَذا حديثٌ حسنٌ صحيحٌ أي: هَلْ يَدخُلُ أكثرُ الناسِ النارَ إلَّا بسَببِ ما جَنتْهُ كَلِماتُهم وما تَكلَّمَتْ بِهِ ألسِنَتُهم؟ وهَذا يُبيِّنُ خُطورَةَ هَذا اللسانِ فإنَّ إطلاقَه يُورِدُ المَهالِكَ، وإمساكَه يُقرِّبُ الإنسانَ مِنْ كُلِّ خَيرٍ ويَفتَحُ لَهُ كُلَّ بابٍ مِنْ أبوابِ البِرِّ، يَقولُ النبيُّ –صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وسَلَّمَ- «كُفَّ عَليكَ هَذا» وهَذا أقلُّ ما يَنبغي أنْ يُعامَلَ بِهِ اللسانُ، اللسانُ إمَّا أنْ يَتحرَّكَ بخَيرٍ وإمَّا أنْ يَتحرَّكَ بباطلٍ وإما أنْ يَتوقَّفَ عَنِ الحَركةِ، أقلُّ الأحوالِ المَطلوبةِ في اللسانِ أنْ تَكُفَّه وأنْ تُوقِفَه عَنِ الفَسادِ والشَّرِ فإنَّ ذَلِكَ صَدقَةٌ مِنكَ عَلَى نَفسِك والمَرتَبةُ الأعلَى أنْ تَستَعمِلَهُ في خَيرٍ، ولذَلِكَ فاللهُ ـ تَعالَى ـ هُنا أمَرَنا بأعلَى المَراتبِ فيما يَتعلَّقُ باللِّسانِ فقالَ: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا[الأحزابِ:70] .

ما مَعنَى سَديدًا؟ أي: قَوْلًا مُصيبًا، سَدَّدْتُ الرُّمْحَ إلى الهَدفِ أي: أصبتُه فعِندَما تُسدِّدُ الرَّمْيَ أي: تُصيبُه، لذَلِكَ النبيُّ -صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وسَلَّمَ- قالَ: «سَدِّدوا وقارِبوا» صحيحُ البُخاريِّ (6464)، وصحيحُ مسلمٍ (2818) فالمَطلوبُ: السَّدادُ، وهُوَ: إصابَةُ الهدفِ والغايةِ فإذا لم تَستَطِعْ فكُنْ قَريبًا مِنَ الهَدفِ والغايةِ فاللهُ ـ عزَّ وجَلَّ ـ يَقولُ: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا[الأحزابِ:70]

إذا سَددْتَ قَولَك وحَفِظْتَ لِسانَك مِنْ سَيءِ العَملِ انفتَحَ لَك بابُ صالِحِ الأعمالِ، يقولُ اللهُ ـ تَعالَى ـ: ﴿يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ[الأحزاب:70] . هذهِ ثَمرةُ تَحقيقِ التقوَى وإمساكُ اللسانِ: يُصلِحْ لَكُم أعمَالَكم، هذهِ أولَى الثِّمارِ أي: يَكونُ ذَلِكَ عَوْنًا لَكُم عَلَى صلاحِ الأعمالِ فتَكونُ أعمالُكم صالحةً، وغالِبُ ما يَحصُلُ الفَسادُ في أحوالِ الناسِ بسَببِ ألسِنَتِهم، لذَلِكَ تَجِدُ الذي يَحفَظُ لِسانَه يَحكُمُ عَملَه، والذي يُطلِقُ لِسانَه تَجِدُ الفسادَ في عَملِه أكثرَ مِنهُ في لسانِه، فهِيَ مُرتَبِطةٌ؛ كُلَّما أمسَكْتَ لِسانَك عَنِ السوءِ والشرِّ والفَسادِ والقَولِ القَبيحِ كانَ ذَلِكَ عَوْنًا لكَ عَلَى صَلاحِ عَملِك؛ لذَلِكَ كانَ ثَوابُ القولِ السديدِ أنَّ اللهَ ـ تَعالَى ـ يُصلِحُ الأعمالَ لأصحابِها ﴿يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ[الأحزابِ:71] . أي: يَحُطُّ عَنكُمُ الخَطايا، وهَذا ثَوابُ إمساكِ اللسانِ؛ فإنَّهُ إذا أمسَكَ الإنسانُ لِسانَه وقالَ قَولًا سَديدًا، فَتحَ اللهُ لَهُ مِنَ العملِ الصالِحِ ما يَكونُ مُوجِبًا لحَطِّ خَطاياهُ وتَخفيفِ ذُنوبِه ورِفعَةِ دَرجاتِه ﴿وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا ** يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ[الأحزابِ:70-71] . بَعدَ ذَلِكَ رَجعَ إلى إعطاءِ قاعِدةٍ في كلِّ أوامِرِ اللهِ وفي كُلِّ نَواهيهِ: ﴿وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا[الأحزابِ: 71] . مَنِ الذي يَقولُ: فَوزًا عَظيمًا؟ مَنْ؟ اللهُ العَظيمُ. وإذا قالَ العظيمُ عَنْ شَيءٍ: إنَّهُ عَظيمٌ فاعرِفْ أنَّهُ شَيءٌ يَفوقُ الخيالَ، ويَتجاوَزُ ما يَدورُ في البالِ، ولا يُحيطُ بِهِ خاطِرٌ ولا فِكْرٌ، العَظيمُ ربُّ الأرضِ والسماواتِ يَصِفُ فَوزَ الطائِعينَ بأنَّهُ فَوزٌ عَظيمٌ «ما لا عَينٌ رَأتْ ولا أُذنٌ سَمِعَتْ ولا خَطرَ عَلَى قَلبِ بَشرٍ» صحيحُ البُخاريِّ (3244)، وصحيحُ مسلمٍ (2824) طاعةُ اللهِ يا إخواني تَتحقَّقُ بأمرَيْنِ أنْ تَفعَلَ ما أمَرَك اللهُ تَعالَى بِهِ، وأنْ تَترُكَ ما نَهاكَ اللهُ تَعالَى عَنهُ، فالطاعَةُ هِيَ امتِثالُ ما أمَرَ اللهُ ـ جَلَّ وعَلا ـ بِهِ فِعْلًا، وامتِثالُ ما نَهَى عَنهُ تَرْكًا، تَطلُبُ مِنهُ العطاءَ وتَرجو مِنهُ النَّوالَ، تَخافُه وتَرغبُه، تَخافُه وتَرغبُ فيما عِندَه مِنْ عَطاءٍ وجَزاءٍ وثَوابٍ؛ ولذَلِكَ يَنبغي لَنا أنْ نَجعلَ هذهِ الآيةَ حاضرةً في أذهانِنا أنْ نَحكُمَ ألسِنتَنا فإنَّنا إذا أطَعْنا اللهَ -سُبحانَه وتَعالَى- في ذَلِكَ أدرَكْنا صَلاحَ العملِ ومَغفرةَ الذنْبِ وليسَ ذَلِكَ فحَسْبُ بَلِ الفوزَ العَظيمَ ؛ لأنَّ اللهَ بَعدَ أنْ   ذَكرَ ذَلِكَ عادَ وقالَ: ﴿وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا[الأحزابِ: 71] . طاعتُه في الأوامرِ، طاعتُه في الفَرائضِ، طاعتُه في المُستَحباتِ، فتِّشْ نَفسَك في هَذا كُلِّه وأبشِرْ بعَطاءِ اللهِ، فمَنْ عاملَ اللهَ عامَلَ رَبًّا كَريما حَييًّا يُعطي عَلَى القليلِ الكثيرَ؛ قالَ النبيُّ -صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وسَلَّمَ- فيما رَواهُ أحمدُ وغَيرُه مِنْ حديثِ ثَوبانَ- «إنَّ اللهَ حَييٌّ كَريمٌ» حَديثُ سَلمانَ «إنَّ اللهَ حَييٌّ كَريمٌ يَستَحي أنْ يَرفَعَ العَبدُ إلَيهِ يَدَيهِ ثُمَّ يَرَدُّهما صَفراً» سُنن أبي داودَ (1488)، وسُنَنُ التِّرمذيِّ (3556)، وقالَ: هَذا حديثُ حَسنٌ غَريبٌ أي: مِنْ كَرمِه أنَّهُ ما أحَدٌ يَرفَعُ يَديهِ يَقولُ: يا اللهُ، يا ربِّ إلَّا ولا بُدَّ أنْ يَعودَ مِنَ اللهِ بعطاءٍ، لا يُمكِنُ أنْ يَرجِعَ خاليَ اليَدينِ، مِثلَ الآنَ يمكِنُ واحدٌ تَقولُ: أعطني. يَقولُ: ما عِندي. تَرجِعُ خاليًا، يُمكِن يَقول ما عندي، اللهُ يُعطيكَ أعطاكَ خَيرًا أعطاكَ دَعوةً، ويُمكِنُ أنْ يَرُدَّك بعطاءٍ يَسيرٍ؛ لكِنَّ اللهَ عَطاؤُه جَزيلٌ في أيِّ لَحظَةٍ، وأنت ساجِدٌ، وأنتَ في صَلاتِك، وفي غَيرِ صَلاتِكَ إذا دَعوتَ اللهَ في ليلٍ أو نَهارٍ، في عُسرٍ أو يُسرٍ، ولَك أو لغَيرِك لن تَعودَ مِنهُ إلا بعَطاءٍ، رَوَى النِّسائيُّ وغَيرُه مِنْ حَديثِ أبي المُتوكِّلِ عَنْ أبي سَعيدٍ الخُدريِّ -رَضِيَ اللهُ وتَعالَى عَنهُ -أنَّ النبيَّ -صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وسَلَّمَ- قالَ: «ما مِنْ مُسلمٍ يَدعوا اللهَ في غَيرِ إثْمٍ ولا قَطيعَةِ رَحِمَ -أيَّ دَعْوةٍ- إلَّا أعطاهُ اللهُ إحدَى ثلاثِ خِصالٍ» سُننُ التِّرمذيِّ (3573) وقالَ: هَذا حديثٌ حَسنٌ صَحيحٌ غَريبٌ مِنْ هَذا الوَجْهِ ثلاثُ خصالٍ، واحِدٌ مِنها، لا تَرجِعُ إلَّا بواحِدٍ مِنْ هذهِ الثلاثِ خِصالٍ، طَبعًا هذهِ الثلاثُ خِصالٍ غَيرُ أجرِ الدُّعاءِ، يَعني: الدعاءُ في ذاتِه تُثابُ عَلَيهِ ﴿وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ[غافِرِ:60]- فأنتَ تُثابُ عَلَى الدُّعاءِ لكِنْ مَعَ ثوابِ الدُّعاءِ لا تَرجِعُ إلَّا بواحِدٍ مِنْ ثَلاثةِ عَطايا، إمَّا أنْ يُجيبَك إلى ما سَألْتَ؛ فإذا قُلتَ: يا اللهُ ارزُقْني وظيفَةً أعطاكَ وظيفَةً، ارزقْني ولَدًا أعطاكَ وَلدًا، ارزُقْني زَوجَةً صالحةً أعطاكَ زوجةً صالحَةً، ارزُقْني كذا أو كذا أعطاكَ، أنْ يُجيبَك إلى ما سألْتَ هذهِ، المَرتبةُ الأُولَى.

المرتبَةُ الثانيةُ: أنْ يَصرِفَ عَنكَ مِنَ السوءِ مِثلَما سألْتَ يَعني في مَرتبتِها ومَنزلتِها ما يُعطيكَ ما سألْتَ، ليسَ بُخلًا ولا عَجزًا فهُوَ الكريمُ المنَّانُ سُبحانَهُ وبحَمدِه الغَنيُّ الحميدُ جَلَّ في عُلاه، لكِنَّهُ مِنْ رَحمتِه قَدْ يَمنَعُك شَيئًا لأنَّ غَيرَه أفضَلُ لَك فيُعطيكَ ما يُصلِحُ بِهِ حالَك، ويَصرِفُ عَنكَ مِنَ الشرِّ مِثلَما سألَتْ، هذهِ المرتبةُ الثانيةُ.

الخَصلَةُ الثالثةُ: أنْ يَدَّخرَها لكَ في الآخرةِ؛ أي: يَدَّخِرَ هذهِ الدعوةَ ثَوابًا وأجرًا في الآخرةِ، والآخرةُ خَيرٌ وأبقَى، ليسَتْ فَقطْ خَيرًا، لو كانَتْ خَيرًا كانَ في مُفاضَلةٍ، لكِنْ خَيرٌ وأبقَى يَعني: أثبتُ وأدوَمُ مِنَ الدُّنيا ﴿مَا عِنْدَكُمْ يَنفَدُ وَمَا عِنْدَ اللَّهِ بَاقٍ[النحْلُ:96]-

فلذَلِكَ احرِصْ أيُّها المُوفَّقُ أيها الراشِدُ أيها الراغِبُ فيما عِندَ اللهِ احرِصْ عَلَى كَثرةِ الدعاءِ. الصحابَةُ لَمَّا سَمِعوا هذهِ الخِصالَ الثلاثةِ في حالِ الدَّاعي قالوا: يا رَسولَ اللهِ إذًا نُكثِرُ. يَعني: نُكثِرُ مِنَ الدعاءِ مادامَ ولا بُدَّ أنْ يَحصُلَ لَنا شَيءٌ، هَذا غَيرُ أجرِ الدعاءِ وثوابِ الدعاءِ، وانتَبِهْ هَذا الشيءُ زائِدٌ عَلَى ثَوابِ الدُّعاءِ، قالوا: إذًا نُكثِرُ يا رَسولَ اللهِ قالَ النبيُّ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وسَلَّمَ ـ: «اللهُ أكثَرُ» أخرجَهُ أحمدُ (15610) فعَطاؤُه  أكثَرُ، وحتَّى تَتصَوَّرَ هَذا؛ أنَّ اللهَ أكثرُ مِنْ كُلِّ دعاءِ الداعينَ ما جاءَ في صحيحِ مُسلمٍ في حَديثِ أبي ذَرٍّ -رَضِيَ اللهُ تَعالَى عَنهُ- يَقولُ قالَ النبيُّ -صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وسَلَّمَ- يقولُ اللهُ -تَعالَى-: «يا عِبادي» (نداءٌ مِنْ رَبِّ العالَمينَ)-«لو أنَّ أوَّلَكم وآخِرَكُم وأنْسَكُم وجِنَّكم كانوا عَلَى صَعيدٍ واحدٍ» (يَعني: اجتَمعوا في مَكانٍ واحدٍ، مَحلٍّ واحدٍ)- «وسَألَني كُلُّ واحدٍ مِنْ هَؤلاءِ مَسألَتَه» كُلُّ واحدٍ قالَ: يا ربِّ أعطِني، يا ربِّ هَبْ لي، يا ربِّ ادفَعْ عَنِّي كذا، يا ربِّ اكفِني شَرَّ كذا، كُلُّ واحدٍ مِنْ هَؤلاءِ الخَلقِ مِنَ الإنسِ والِجنٍِ سألَ اللهَ بلِسانِه، ولَمَّا تَقولُ الإنسَ والجنَّ أنت ما تَتكلَّمُ عَنِ الإنسِ في مَكَّةَ أو الجِنِّ في مَكَّةَ أو في مَكانٍ مِنَ الأماكِنِ، بَلْ أنتَ تَتكلَّمُ عَنْ جَميعِ الإنسِ مِنْ آدمَ إلى آخرِ بَني آدمَ، وتَتكلَّمُ عَنِ الجِنِّ جَميعًا مِنْ أوَّلِ خَلقِها إلى آخِرِه، هَؤلاءِ كُلُّهم، هَذا الخَلقُ العظيمُ والعدَدُ الذي لا يُحصيهِ إلَّا اللهُ، الآنَ عَددُ البشريةِ يَفوقُ سِتَّةَ مِليارٍ الآنَ، ونَحنُ لا نَتكلَّمُ عَنْ سِتةِ مِليارٍ نَتكلَّمُ عَنْ كُلِّ بَني آدمَ مُنذُ أنْ خلَقَ اللهُ آدمَ إلى آخرِ البشرِ وكانوا عَلَى صَعيدٍ واحدٍـ وكُلُّ واحِدٍ مِنْ هَؤلاءِ سألَ اللهَ مَسألةً وأعطاهُ مَسألتَه هَلْ يَنقُصُ مِنْ مُلكِه شيءٌ؛ ما أنقَصَ ذَلِكَ مِنْ مُلكِه شَيئًا، هَذا الغِنَى التامُّ الكامِلُ عِندَه خَزائنُ السماواتِ والأرضِ -سُبحانَه وتَعالَى- فلا يَمنعُكَ شَيئًا لبُخلٍ ولا لعَجزٍ فهُوَ عَلَى كُلِّ شَيءٍ قَديرٍ وهُوَ الغنيُّ الحَميدُ، ﴿بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ يُنفِقُ كَيْفَ يَشَاءُ[المائدةِ:64] . سُبحانَه وبحَمدِه فلا تَحرِمْ نَفسَك سُؤالَ اللهِ -عَزَّ وجَلَّ- والتلذُّذَ بدُعائِه، عِندَما يَذوقُ المُؤمِنُ لَذَّةَ المُناجاةِ، واللهِ، سيجِدُ مِنْ نعيمِ هذهِ المُناجاةِ ما يَفوقُ لذَّةَ العَطاءِ ولهَذا بعضُ العُلَماءِ يَقولُ: إني أدعُو اللهَ بدعاءِ فيقْضِي اللهُ حاجَتي فأقولُ في نَفسي إنَّ ما وَجدتُه مِنْ لَذَّةِ مُناجاةِ اللهِ أعلَى ممَّا وَجدتُه بلذَّةِ عَطاء الله؛ ذاكَ أنَّ المُناجاةَ فيها مِنَ الذُّلِّ والانكِسارِ والافتقارِ للعَزيزِ الغفارِ -جلَّ وعَلا- ما لا يَجِدُ القلبُ لَهُ شَبيهًا في الابتهاجِ والسرورِ والطمأنينةِ والسكونِ، لكِنَّ هذه المعانيَ نَحنُ قَدْ نُحسِنُ الكلامَ عَنْها، ولكِنْ "ما راءٍ كَمَنْ سَمِعَ" جَرِّبْ تَجِدْ، وقَدْ قالَ بَعضُ أهلِ العِلمِ في مثلِ المَقاماتِ: ليسَ لَنا مِنْ هذهِ المقاماتِ العاليةِ إلَّا الوصفُ، أمَّا الحَقيقةُ ما ذُقناها ولو ذاقَها الناسُ؛ لتَمنَّوا أن يُمضوا أوقاتَهم كلَّها في مُناجاة اللهِ ودُعائِه؛ لأنَّ المُناجاةَ الصادقةَ يَجِدُ فيها الإنسانُ شَيئًا مِنَ الرَّوحِ، والرَّيحانِ، والنعيمِ، وسرورِ القَلبِ، وابتهاجِ النفسِ، والشعورِ بالقُوةِ؛ لأنَّكَ تَلجَأُ إلى العظيمِ الذي بيَدِه مَلكوتُ كُلِّ شَيءٍ الذي ﴿إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ[يس:82] .

هذهِ المَعاني العظيمةُ العاليةُ تَجعلُ الدَّاعي يَأوي إلى رُكنٍ شديدٍ، إلى رُكنٍ عظيمٍ، يَستمسِكُ بحَبلٍ وثيقٍ ويَعلَمُ أنَّ الخلْقَ كُلَّهم لو اجتَمَعوا عَلَى أنْ يضَرُّوهُ بشَيءٍ ما ضَروهُ إلَّا بما كَتبَ اللهُ عَلَيهِ، ولو اجتَمَعوا كُلَّهم عَلَى أنْ يَنفَعوهُ بشَيءٍ لم يَنفَعوهُ بشَيءٍ إلَّا كتَبَه اللهُ.

ونَحنُ في صَلواتِنا بَعدَ ما نَفرُغُ نَقولُ: لا إلهَ إلَّا اللهُ وَحدَه لا شَريكَ لَهُ، لَه المُلكُ ولَهُ الحَمدُ وهُوَ عَلَى كُلِّ شَيءٍ قديرٌ ونقولُ: اللهُمَّ لا مانِعَ لِما أعطيْتَ، وأيضًا لا مُعطيَ لِما مَنعْتَ، املَأْ قلبَكَ بهَذا ستَجِدُ سُكونًا وطَمأنينةً ولَذَّةً وبَهجَةً. 

وتَمامُ الافتقارِ إلى اللهِ، وتَعليقُ قَلبِكَ بِهِ ـ سُبحانَه ـ في العطاءِ والمَنعِ وفي الهِباتِ والعَطايا فإنَّها مِنهُ ـ سُبحانَه وبحَمدِه ـ وما يَجري مِنْ عَطاءِ الناسِ إنَّما هِيَ أسبابٌ يَتفضَّلُ اللهُ ـ تَعالَى ـ بها عَلَى مَنْ يَشاءُ، اللهُمَّ أعِنَّا عَلَى طاعتِكَ، واسلُكْ بِنا سَبيلَك وارزُقْنا السدادَ في القولِ والعملِ، قاعدةٌ سأختِمُ بها حَديثي هَذا المُتعلِّقَ بالتعليقِ عَلَى قَولِه -تَعالَى-: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا[الأحزابِ:70] .

القولُ السديدُ هُوَ أنْ تَعملَ بتَوجيهِ سَيِّدِ الورَى -صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وسَلَّمَ- «مَنْ كانَ يُؤمِنُ باللهِ واليومِ الآخرِ فليَقُلْ خَيرًا أو(الخيار الثاني)- ليَصمُتْ» صحيحُ البُخاريِّ (6018)، وصحيحُ مُسلمٍ (47) فاسعَ أنْ تقولَ خَيرًا، الخيرُ هُوَ القولُ السديدُ، فاسعَ إلى أنْ تَقولَه وأنْ تُعمِلَ لِسانَك بِهِ، وكُفَّ نَفسَك عَنْ كُلِّ ما سِوَى ذَلِكَ، كُفَّ لِسانَك، طَبعًا كَفُّ اللسانِ مِنْ أصعَبِ ما يَكونُ، لكِنْ يَحتاجُ الإنسانُ إلى أنْ يُجاهِدَ نَفسَه حَتَّى يَصِلَ إلى هذهِ المُرتبةِ وهذهِ المَنزلةِ.

الاكثر مشاهدة

4. لبس الحذاء أثناء العمرة ( عدد المشاهدات94408 )
6. كيف تعرف نتيجة الاستخارة؟ ( عدد المشاهدات90180 )

التعليقات


×

هل ترغب فعلا بحذف المواد التي تمت زيارتها ؟؟

نعم؛ حذف