×
العربية english francais русский Deutsch فارسى اندونيسي اردو

نموذج طلب الفتوى

لم تنقل الارقام بشكل صحيح

مرئيات المصلح / الحرمين / من رحاب الحرمين / لتبين للناس ما نزل إليهم

مشاركة هذه الفقرة WhatsApp Messenger LinkedIn Facebook Twitter Pinterest AddThis

المشاهدات:4685

الحَمدُ لِلَّهِ حَمدًا كَثيرًا طَيبًا مُبارَكًا فيهِ، مِلءَ السماءِ والأرضِ، ومِلءَ ما شاءَ مِنْ شَيءٍ بَعدُ، وأشهَدُ أنْ لا إلهَ إلَّا اللهُ وَحدَهُ لا شريكَ لَهُ، إلهُ الأوَّلينَ والآخِرينَ، وأشهدُ أنَّ مُحمدًا عَبدُه ورَسولُه، صَفيُّه وخَليلُه، خِيرتُه مِنْ خَلقِه، صَلَّى اللهُ عَلَيهِ، صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وعَلَى آلِهِ وأصحابِهِ، ومَنِ استَمسَكَ بهُداهُ وعَمِلَ بسُنَّتِه بإحسانٍ إلى يَومِ الدِّينِ، أمَّا بَعدُ:

فإنَّ النبيَّ – صَلواتُ اللهِ وسَلامُهُ عَلَيهِ - كانَ يُكرِّرُ في خُطَبِه فيَقولُ: «أمَّا بَعدُ فإنَّ أصدَقَ الحديثِ كتابُ اللهِ، وخيرَ الهَدْيِ هَديُ مُحمدٍ - صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وسَلَّمَ- وشَرَّ الأُمورِ مُحدَثاتُها، وكُلَّ مُحدَثةٍ بِدعَةٍ، وكُلَّ بِدعةٍ ضلالةٌ، وكُلَّ ضَلالةٍ في النارِ» صحيحُ مُسلمٍ (867)، هَذا البيانُ المُوجَزُ الذي كانَ رَسولُ اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وسَلَّمَ- يُقدِّمُ بِهِ بَيْنَ خُطَبِه، فيَعِظُ الناسَ بتَذكيرِهم بالأصلِ الذي مَنِ استَمسَكَ بِهِ هُدِيَ، ومَنِ انحَرفَ عَنهُ ضَلَّ وعَمِيَ.

أصْلٌ، مَنْ أخَذ بِهِ هُدِيَ إلى الصِّراطِ المُستقيمِ، ومَنْ أعرَضَ عَنهُ ضَلَّ في سُبلٍ وطُرقٍ تُوصِلُ إلى ضَلالٍ مُبينٍ؛ لذَلِكَ كانَ - صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وسَلَّمَ- يُذَكِّرُ الناسَ بالأصلَيْنِ، اللَّذَيْنِ يَنبغي أنْ يَصدروا عَنهُما في كُلِّ شُئونِهم، ويَنبَغي أنْ يَعمَلوا بِهِما في كلِّ دَقيقٍ وجَليلٍ مِنْ أعمالِهم، فيقولُ: « أمَّا بعدُ.. فإنَّ أصدقَ الحَديثِ كتابُ اللهِ»، وصِدقُ الحديثِ يَشملُ صِحتَهُ وصَوابَه، كما يَشملُ مُطابقتَه للحَقِّ والهُدَى، فالصِّدقُ هُوَ ما وافقَ الواقعَ، الصدقُ هُوَ ما كانَ مُطابقًا للحَقِّ؛ لذَلِكَ ما جاءَ في الكِتابِ مِنَ الأخبارِ، وما جاءَ في القُرآنِ مِنَ الأحكامِ، هُوَ أصدقُ كلامٍ في أخبارِه وفي أحكامِه.

فالقُرآنُ تَضمَّنَ أخبارًا كما تَضمَّنَ أحكامًا، ولا أصدَقَ مما جاءَ في القُرآنِ مِنَ الأخبارِ، فهُوَ الذي لا يَأتيهِ الباطِلُ مِنْ بَينِ يَدَيْهِ، ولا مِنْ خَلفِه، ولا أحكَمَ وأحقَّ مِنَ الأحكامِ، التي دَلَّ عَلَيها القُرآنُ، فإنَّ حُكْمَ اللهِ – جَلَّ وعَلا- أحسَنُ الأحكامِ كما قالَ اللهُ – جلَّ في عُلاه-:﴿وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْمًا لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ[المائدةِ:50] ، أي: لا أحَدَ أحسَنُ حُكمًا مِنَ اللهِ – جَلَّ وعَلا- للمُؤمنينِ، فإنَّهُ حَكَمٌ عَدْلٌ مُتقِنٌ لِما حَكَمَ، ولِما قَضَى بِهِ؛ ولذَلِكَ قالَ اللهُ – جَلَّ وعَلا- في وَصفِ القرآنِ: ﴿وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ صِدْقًا وَعَدْلًا[الأنعامِ:115] .

صِدقًا في الأخبارِ، وعَدلًا في الأحكامِ، فليسَ في القُرآنِ شَيءٌ مِنَ الحَيفِ أو المَيلِ، أو الضلالِ أو الخُروجِ عَنِ الصراطِ المُستقيمِ، وإنَّما يَضِلُّ الناسُ بأفهامِهم، وهَذا مِنْ عَجائبِ شَأنِ القُرآنِ، أنَّ كُلَّ مَنِ استَدَلَّ بالقرآنِ عَلَى باطِلٍ فإنَّ رَدَّ ذَلِكَ الباطلِ فيما استَدلَّ بِهِ وهَذا مِنْ إعجازِ القرآنِ، كُلُّ مَنِ استَدلَّ بالقرآنِ الكَريمِ عَلَى شَيءٍ مِنَ الضلالِ، أو عَلَى شَيءٍ مِنَ الانحِرافِ والباطِلِ، فإنَّ فيما استَدلَّ بِهِ نَقْضُ باطلِه، فيما استَدلَّ بِهِ دَليلُ فَسادِ قَولِه، فيما استَدلَّ به ما يَرُدُّ عَلَى انحِرافِه، وهَذا ليسَ في شَيءٍ مِنَ الكَلامِ في الدُّنيا إلَّا في كَلامِ ربِّ العالَمينَ.

 ولذَلِكَ قالَ اللهُ – جَلَّ وعَلا-: ﴿لا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلا مِنْ خَلْفِهِ تَنزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ[فُصِّلتْ:42] ، حَكيمٌ مُحكِمٌ لكَلامِه، مُتقِنٌ لِما تَكلَّمَ بِهِ في أخبارِه وفي أحكامِه وهُوَ  حَميدٌ أي مَحمودٌ – جَلَّ في عُلاه- عَلَى هَذا الإتقانِ، وعَلَى هَذا الإبداعِ، وعَلَى هَذا الصِّدْقِ، وعَلَى هَذا الحُسنِ في كَلامِه سُبحانَهُ وبحَمدِه؛ لذا يَنبغي للمُؤمنِ أنْ يَمتلِئَ يَقينًا بكلِّ أخبارِ القُرآنِ، وأنْ يَنقادَ مُسَلِّمًا سامِعًا مُطيعًا لكُلِّ أحكامِ القرآنِ، فأخبارُه حَقٌّ لا باطلَ فيها، وأحكامُه عَدْلٌ، الخَيرُ كُلُّه فيها.

لذَلِكَ إذا استَحضَرَ المؤمنُ هَذا المَعنَى، عِندَما يَسمَعُ قولَ النبيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وسَلَّمَ-: « إنَّ أصدَقَ الحديثِ كتابُ اللهِ»، لا يُمكِنُ أنْ يَتردَّدَ في الانقيادِ لِما جاءَ بِهِ قَولُ اللهِ، وما حَكمَ بِهِ اللهُ - عَزَّ وجَلَّ- في كِتابِه.

والسُّنةُ بَيانُ القرآنِ، ولذَلِكَ بَعدَ أنْ ذَكرَ النبيُّ - صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وسَلَّمَ-المَصدَرَ الأوَّلَ الذي بِهِ الهُدَى، وبِهِ الصلاحُ، « إنَّ أصدقَ الحَديثِ كتابُ اللهِ، وخيرُ الهَدْيِ هَديُ مُحمدٍ - صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وسَلَّمَ-»، عَطَفَ عَلَى بَيانِ الأصلِ الأولِ الذي يَصدُرُ عَنهُ في العَقائدِ والأحكامِ، الكلامَ عَنِ الأصلِ الثاني، الذي بِهِ تَستقيمُ الأحوالُ، وبِهِ يَتبيَّنُ طُرقُ الهُدَى عَلَى سَبيلِ التفصيلِ، وهُوَ ما جاءَ سَيِّدُ الأنامِ – صَلواتُ اللهِ وسَلامُه عَلَيهِ- فقالَ: «وخيرَ الهَدْيِ هَديُ مُحمدٍ-  صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وسَلَّمَ-»، خَيرَ الهَدْيِ أي: أكمَلَه، وأطيبَه، وأحسنَه، وأفضلَه، وأقومَه، وأعونَه عَلَى تَحقيقِ العُبوديةِ لِلَّهِ، طَريقُ النبيَّ - صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وسَلَّمَ-.

هَدْيُه هُوَ عَملُه، هُوَ ما كانَ عَلَيهِ مِنْ سُنةٍ، هوَ ما كانَ عَلَيهِ مِنْ سيرةٍ، هُو ما كانَ عَلَيهِ في صَباحِه ومَسائِه، هُوَ ما كانَ عَليهِ مِنْ شأنِه كُلِّه، فإنَّهُ - صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وسَلَّمَ- في قولِه لا يَنطِقُ عَنِ الهَوَى، وفي عَملِه هُوَ الأُسوَةُ والقُدوَةُ كما قالَ – جَلَّ في عُلاه-: ﴿لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الآخِرَ [الأحزابِ:21]؛ لذَلِكَ ذَكرَ خَيريةَ هَدْيهِ لِئلَّا يَخرُجَ أحَدٌ في فَهمِ القرآنِ عمَّا بَيَّنَه، فاللهُ ـ تَعالَى ـ أنزَلَ القُرآنَ عَلَى مُحمدٍ -صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وسَلَّمَ- ليَعرِفَ الناسُ كَيفَ يَصِلونَ إلى فَهمِ القُرآنِ

قال اللهُ ـ تَعالَى ـ: ﴿وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ[النَّحلِ:44]، فاللهُ - عزَّ وجَلَّ- أنزَلَ الذِّكرَ، وهُوَ الحُكمُ البَيَّنُ في الدقيقِ والجليلِ، الذِّكرُ الذي بِهِ يَستَبينُ الناسُ، ما لِلَّهِ مِنْ كمالاتٍ، وما لَهُ مِنْ صِفاتٍ، وما لَهُ مِنْ أسماءَ، وأيضًا ما لَهُ مِنْ حُقوقٍ، وما له مِنْ واجباتٍ، وما لَه مِنْ فَرائِضَ.

 نَزَّلَ اللهُ تَعالَى الذِّكرَ عَلَى مُحمدٍ - صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وسَلَّمَ- وجَعلَ عِلَّةَ التنزيلِ عَلَيهِ، هُوَ أنَّهُ يُبيِّنُه، ويُوضِّحُه، ويُجلِّيهِ؛ ولذَلِكَ إذا جاءَ البَيانُ عَنِ النبيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وسَلَّمَ- فقَدْ وَقفَ قَولُ كُلِّ أحَدٍ، فقد وقف قول كل أحد فلا قَوْلَ مَعَ قَولِه – صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وعَلَى آلِه وسَلَّمَ- ولهَذا جاءَ في القرآنِ الأمرُ بأصولِ الإسلامِ وأركانِه عَلَى وَجْه الإجمالِ، ليسَ في القرآنِ عَلَى سَبيلِ المِثالِ بيانُ كَمْ عَددَ ركعاتِ الفجرِ، والظُّهرِ، والعصرِ، وهِيَ أركانٌ، وهِيَ أصلٌ، أصلٌ مِنْ أُصولِ الإسلامِ ورُكنٌ عظيمٌ مِنْ أركانِه، بَلْ عَمودُه كما قالَ النبيُّ - صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وسَلَّمَ-: «وعَمودُه الصَّلاةُ»، «رأسُ الأمرِ الإسلامُ، وعمودُه الصَّلاةُ، وذُروةُ سَنامِه: الجِهادُ في سبيلِ اللهِ» سُننُ الترمذيِّ (2616) وقالَ: هَذا حديثٌ حسنٌ صحيحٌ.

لم يَأتِ في القُرآنِ بَيانٌ مُفصَّلٌ لعَددِ الركَعاتِ في الصلَواتِ والمَفروضاتِ، إنَّما يُتلَقَّى هَذا مِنْ هَدْيِ خَيرِ الأنامِ –صَلواتُ اللهِ وسَلامُه عَلَيهِ- وبهَذا تَعلَمُ خَطأَ أولئِكَ الذينَ يَقولونَ: نَقتصِرُ عَلَى القرآنِ، ولا حاجَةَ  بِنا إلى السُّنةِ، هَؤلاءِ حَقيقةً يُلغونَ شَرائعَ الإسلامِ وأحكامِه؛ لأنَّهُ إذا جاءَ في القرآنِ أكثرُهُ خَبرٌ عَنِ اللهِ - عَزَّ وجَلَّ- وتَعريفٌ بِهِ، وخَبرٌ عَنْ أسمائِه وصِفاتِه، وما فيهِ مِنَ المَواعِظِ، وما فيهِ  مِنَ الأخبارِ والعِبَرِ، وفيهِ مِنَ الأحكامِ ما جاءَ بَيانُه وتَفصيلُه في سِيرةِ وهَدْيِ سيِّدِ الأنامِ.

انظُرْ إلى الصلاةِ، فإنَّ بَيانَها في أوقاتِها تَفصيلًا مَبدَأٌ ومُنتهًى،لم يَأتِ في القرآنِ، إنَّما جاءَ ذِكرُه عَلَى وَجْهِ الإجمالِ في القرآنِ، قالَ اللهُ ـ تَعالَى ـ: ﴿أَقِمِ الصَّلاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إِلَى غَسَقِ اللَّيْلِ وَقُرْآنَ الْفَجْرِ إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كَانَ مَشْهُودًا[الإسراءِ:78]-- ، ﴿فَسُبْحَانَ اللَّهِ حِينَ تُمْسُونَ وَحِينَ تُصْبِحُونَ[الرومِ:17] ، ﴿وَعَشِيًّا وَحِينَ تُظْهِرُونَ[الروم:18] ، لكِنْ لم يَأتِ المَبدأُ والمُنتهَى إلَّا في سيرَتِه؛ ولذَلِكَ جِبريلُ لِمَّا فَرضَ اللهُ الصلَواتِ الخَمسِ صَلَّى بالنبيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وسَلَّمَ- أوَّلَ مَرةٍ في أوَّلِ الوقتِ، ثُمَّ جاءَ فصَلَّى بِهِ في آخِرِ الوقتِ في اليومِ الثاني، وقالَ: «الوقتُ بَينَ هَذَيْنِ». مُصنَّفُ ابنِ أبي شَيبةَ (37586) .

وفَعلَ ذَلِكَ سيِّدُ الأنامِ، عِندَما جاءَهُ رَجلٌ يَسألُه عَنْ أوقاتِ الصلَواتِ فقالَ: «صَلِّ مَعَنا»، فصَلَّى في  اليومِ الأولِ الصلواتِ كُلَّها في أولِ الوقتِ، وفي اليومِ الثاني صَلَّى الصلاةَ في آخِرِ الوقتِ. صحيحُ مُسلمٍ (614) فبَيَّنَ بذَلِكَ قَولَ اللهِ - عَزَّ وجَلَّ-: ﴿إِنَّ الصَّلاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَابًا مَوْقُوتًا[النِّساءِ:103]، هَذا في شَأنِ الصلاةِ.

وفي شأنِ الزكاةِ كذَلِكَ لم يَأتِ بَيانُ الأموالِ التي تَجِبُ فيها الزكاةُ عَلَى وَجْهِ التفصيلِ في القُرآنِ، إنَّما جاءَ قَولُه ـ تَعالَى ـ:﴿خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلاتَكَ سَكَنٌ لَهُمْ[التوبةِ:103] ، جاءَ بيانُ ذَلِكَ في سِيرتِه، فبَيَّنَ الفَرائضَ مِنْ حَيثُ الأموالُ التي تَجِبُ فيها الزكاةُ، فليسَ كُلُّ مالٍ تَجبُ فيهِ الزكاةُ، إنَّما أموالٌ مُحدَّدةٌ بَيَّنتْها السُّنةُ، فلو كُنَّا نَقولُ: لا حاجةَ بِنا إلى السُّنةِ لم نَعرِفْ ماذا نُزكِّي مِنَ المالِ؛ لأنَّ اللهَ  قالَ: ﴿خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ﴾، وهَذا يَشملُ كُلَّ ما يُتَموَّلُ، حتَّى ما يَلبَسُه الإنسانُ، وحتَّى ما يَقتَنيهِ، وحتَّى ما يَأكُلُه، وهَذا مما لم يَرِدْ فيما أمرَ اللهُ - عَزَّ وجَلَّ-، لكِنْ أوكَلَ بَيانَه وإيضاحَه إلى سيِّدِ الأنامِ – صَلواتُ اللهِ وسَلامُه عَلَيهِ- في سِيرتِه كما قالَ – جَلَّ وعَلا-: ﴿وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ[النَّحلِ:44] .

وبِه يَتبيَّنُ أننا بحاجَةٍ إلى السُّنةِ، في دَقيقِ الأمرِ وجَليلِه، لا يُمكِنُ لأحَدٍ أنْ يَعبُدَ اللهَ حَقَّ عِبادتِه في فرائضِ الإسلامِ، فَضْلًا عَنْ بَقيةِ شَرائعِه إلَّا مِنْ طَريقِ السُّنةِ؛ ولهَذا مَنْ يَستدِلُّ عَلَى الوجوبِ والتحريمِ، أو مَنْ يَستدِلُّ عَلَى عدمِ الوجوبِ، أو عَلَى عَدمِ التحريمِ بأنَّ هَذا لم يأتِ بالقُرآنِ فيُقالُ لَهُ: النبيُّ -صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وسَلَّمَ - يَقولُ: «ألَا وإنِّي قَدْ أُوتيتُ القرآنَ ومِثلَهُ مَعَه» مُسنَدُ أحمدَ (17174) .

 وقَدَْ فَهِمَ الصحابَةُ ذَلِكَ فَهْمًا جَليًّا حتَّى جاءَتْ امرَأةٌ إلى عبدِ اللهِ  بنِ مَسعودٍ - رَضِيَ اللهُ عَنهُ- تَقولُ: " ما لَكَ تَلعَنُ مَنْ لم يَلعنْهُ اللهُ ورَسولُه، حَيثُ قالَ: «لعِنَ اللهُ النامِصةَ والمُتنمِّصةَ، والواشِمةَ والمُستوشمةَ»، فقالَ: ما لي لا ألعَنُ مَنْ لَعنَهُ اللهُ، قالَ: "، قالَتْ: "قَدْ قَرأْتُ ما بَيْنَ دَفَّتَيهِ فلَم أجدْهُ"، يَعني ما وَجدْتُ في القرآنِ لعْنَ النامِصةِ والمُتنمِّصَةِ إلى آخِرِ ما ذَكرَ في الحديثِ، فقال لها عبدُ اللهِ بنُ مسعودٍ - رَضِيَ اللهُ عَنهُ- كَلِمةً مُوجَزةً: " إنْ كُنتِ قَدْ قَرَأتيهِ فقَدْ وَجدْتيهِ"، إن كنت قد قرئتيه، أي: قِراءةَ وَعْيٍ، وفَهمٍ، وإدراكٍ فقَدْ وَجدتيهِ، قالَ: قالَتْ: " إنِّي لم أجِدْهُ"، قالَ: ألم يَقُلِ اللهُ ـ تَعالَى ـ: ﴿وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا [الحَشرِ:7] ، بَلَى، قالَ: ذَلِكَ"صحيحُ البُخاريِّ (4886) .

فإذًا كُلُّ ما جاءَ بِهِ النبيُّ - صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وسَلَّمَ- فقَدْ دَلَّ القُرآنُ عَلَى وُجوبِ قَبولِه، والأخذِ بِهِ مِنْ هذهِ الآيةِ، ولو لم يأتِ عَلَيهِ النصُّ في القرآنِ، فإذا جاءَ مَنْ يَقولُ: إنَّ شَيئًا مِنَ الأُمورِ ليسَ واجِبًا مَعَ دَلائلِ النُّصوصِ عَلَى وُجوبِه، أو أنَّهُ ليسَ حَرامًا مَعَ دلائلِ النصوصِ عَلَى تَحريمِه؛ لأنَّهُ لم يُذكَرْ في القرآنِ، يُقالُ لَهُ: قَدْ أخطأتَ فإنَّ القرآنَ قَدْ قالَ فيهِ ربُّ العالَمينَ: ﴿وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا ﴾.

لِذا يَنبَغي عَلَى المُؤمنِ أنْ يَتذكَّرَ هَذا المَعنى في كُلِّ ما يَأتي ويَذرُ، في كلِّ عبادَةٍ وطاعةٍ، فَتِّشْ عَنْ هَدْيِ النبيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وسَلَّمَ - لتَفهَمَ كَلامَ اللهِ، فالسُّنةُ هِيَ بَيانُ القرآنِ، أعمالُه وأحوالُه هِيَ تَرجمَةُ القرآنِ؛ لذَلِكَ سُئِلَتْ عائشةُ –رَضِيَ اللهُ تَعالَى عَنْها عَنْ خُلُقِ النبيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وسَلَّمَ- أي: عَنْ عَملِه وهَدْيِه، قالَتْ: " كانَ خُلُقه القرآنَ" مسنَدُ أحمدَ (24601) ، ولَمَّا سألَ هِشامٌ عائشةَ عَنْ خُلُقِ النبيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وسَلَّمَ-، قالَتْ لَهُ إجابةً عَفويةً، قالَتْ: " أولَسْتَ تَقرأُ القرآنَ؟" قالَ: بَلَى، قالَتْ: كانَ خُلقُه القُرآنَ" صَحيحُ مُسلمٍ (746) .

إذًا النبيُّ - صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وسَلَّمَ- في كلِّ أفعالِه، وأحوالِه، وأعمالِه  هُوَ مَترجِمٌ، ومُبيِّنٌ، ومُوضِّحٌ، ومُجلٍّ للقرآنِ، وما فيهِ مِنْ هِداياتٍ، وما فيهِ مِنَ المَعاني.

نَسألُ اللهَ العظيمَ رَبَّ العَرشِ الكَريمِ، أنْ يَرزُقنا اتِّباعَ السُّنةِ ظاهرًا وباطنًا، أنْ يَرزُقَنا العِلمَ بكِتابِه، والفَهمَ لآياتِ كتابِه الحَكيمِ، والعَملَ بِها وَفقَ ما جاءَ عَنْ سَيِّدِ المُرسَلينَ، وصَلَّى اللهُ وسَلَّمَ عَلَى مُحمدٍ.

المادة السابقة
المادة التالية

الاكثر مشاهدة

4. لبس الحذاء أثناء العمرة ( عدد المشاهدات94408 )
6. كيف تعرف نتيجة الاستخارة؟ ( عدد المشاهدات90180 )

مواد تم زيارتها

التعليقات


×

هل ترغب فعلا بحذف المواد التي تمت زيارتها ؟؟

نعم؛ حذف