الحمد لله حمدًا كثيرًا طيبًا مباركًا فيه,كما يحب ربنا ويرضى نحمده, له الحمد كلهأوله وآخره, وظاهره وباطنه, وأشهد أن لا إله إلا الله, إله الأولين والآخرين, لا إله إلا هو الرحمن الرحيم, وأشهد أن محمدًا عبد الله ورسوله, صفيه وخليله خيرته من خلقه صلى الله عليه وعلى آله وصحبه ومن اتبع سنته, واقتفى أثره بإحسانٍ إلى يوم الدين.
أما بعد..
فإن العمر سريع التقضي, وحق هذا الوصف لأعمارنا أن نبتدرها بكل ما يقربنا إلى الله -عز وجل- فإن الأيام تمضي, والساعات تنقضي, والإنسان إذا لم يبادر بعملٍ صالح, فإنه سيخسر خزائن الأيام والليالي, دون أن يُعمرها بما يعود عليه بصالحٍ من العمل, وأهل الجنة على عظيم ما عاينوه من عطاء الله ونعيمه, وبره, وإحسانه إلا أنهم لا يجدون شيئًا مما يتندمون عليه, إلا على وقتٍ مضى في غير ذكر الله تعالى وعبادته وطاعته.
سواءً كان ذلك بذكر القلب, أو بذكر اللسان, أو بذكر الجوارح, فإن عمارة الزمان بطاعة الرحمن, يسعد بها الإنسان في دنياه, فينال نعيمًا, وانشراحًا وبهجة, ويدرك بها في الآخرة فوزًا وسبقًا, والله تعالى عندما قسم الناس إلى أقسام, ذكر في أقسامهم:﴿وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ﴾[الواقعة:10], وهم الذين سبقوا إلى رضوان الله -عز وجل- في الدنيا بالقيام بما أمر, والاشتغال بما ندب, والعمل بما يرضى, هؤلاء هم السابقون يوم القيامة إلى بر الله -عز وجل- وعطائه, وحسن جزائه, وجميل ثوابه سبحانه وبحمده.
فجديرٌ بالمؤمن أن يجتهد في التقرب إلى الله -عز وجل- والعمل بالصالح ما استطاع إلى ذلك سبيلا, لاسيما في أزمنة الخير والبركة, والإحسان فإنها مواسم شاهدة على الإنسان إذا عمرها بطاعة الله فاز بعطائه, وإذا اشتغل بما ينشغل به الناس بأمور الدنيا, وغفل عن أن يستودع فيها صالحًا, أو أن يعمل فيها ما يقرب إلى الله -عز وجل- خسر هذه المواسم.
لهذا استعمل نفسك في طاعة الله, وستجد من الله عونًا وتأييدًا, ونصرًا, وتوفيقًا, وتيسيرًا فإن العبد إذا صدق الله في إقباله عليه, صدقه الله بتيسير الصالح له, وأعانه ووفقه, ويسر له أسباب القبول, فجديرٌ بالمؤمن في مثل هذه المواسم, أن يعمر زمانه بما يرضي الله- عز وجل- ﴿وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ(10)أُوْلَئِكَ الْمُقَرَّبُونَ(11)﴾[الواقعة: 10-11].
فمن رغب في القرب من رب العالمين, من بره, وعطائه, وإحسانه, وفضله, ومنَّه, فليجتهد في السعي في رضوان الله -عز وجل- لا اختلال في أن من قدم مقدمةً صحيحة, أثمر نتيجةً سليمة, فمن عمل صالحًا وهو ما كان علي السنة خالصًا لله, لابد أن يدرك ثواب ذلك
في الدنيا بهجةً, ونعيمًا, وسكونًا, وسهولة وسرورًا ويدرك في الآخرة فوزًا وسبقًا, ما فيه اختلال, وليس الأمر قابل للتجربة, يعني الإنسان ما هو يجرب يشوف صح ولا لا, هذه نتائج ممن لا يخلف الميعاد, فالله -عز وجل- تكفل لمن عمل صالحًا أن يبلغه الرضا في الدنيا, وأن يبلغه الفوز في الآخرة.
فليحرص المؤمن على عمارة وقته بذكر الله-عز وجل- والإحسان إلى نفسه بصالح العمل, والإحسان إلى الخلق فإن جزاء الإحسان, الإحسان كما قال – جلا في علاه-:﴿هَلْ جَزَاءُ الإِحْسَانِ إِلَّا الإِحْسَانُ﴾[الرحمن:60], فأحسن يحسن الله إليك, تقدم بالصالح تجد من الله -عز وجل- عطاءً, وبرًا, ومن فضله أن من تقرب إليه عبدٌ بشبر إلا تقرب إليه ذراع, وما تقرب إليه العبد ذراعًا إلا تقرب إليه باعًا, ولم يأتِ العبد ربه مقبلًا عليه يمشي إلا أتاه الله تعالى هرولاً, ذلك فضله وإحسانه وسريع عطائه وجزائه لعباده الصالحين, فلنجد ولنجتهد ولنحتسب الأجر عند الله في ما نعمل من صالح, فإن عطاؤه الجزيل وفضله الكبير, ومن صدق صدقه الله.
أسأل الله العظيم رب العرش الكريم أن يرزقني وإياكم صالح العمل ظاهرًا وباطنًا, أن يستعملنا في طاعته, أن يجعلنا من عباده وحزبه, أن يوفقنا إلى صلاح الظاهر والباطن, أن يقبل منَّا بفضله صالح العمل, وأن يوفقنا فيما بقي من أعمارنا إلى ما يرضى به عنّا, ويرفع به درجاتنا, ويحط به أوزارنا, ويبلغنا به أعلى درجات اليقين, اللهم صلِّ على محمد.