الحمد لله حمدًا كثيرًا طيبًا مباركًا فيه، كما يحب ربنا ويرضى نحمده، له الحمد كله أوله وأخره، ظاهره وباطنه،وأشهد أن لا إله إلا الله، إله الأولين والآخرين، لا اله إلا هو الرحمن الرحيم، وأشهد أن محمدًا عبد الله ورسوله، صفيه وخليله، خيرته من خلقه، -صلى الله عليه- وعلى آله، وصحبه، ومن اتبع سنته، وأقتفى أثره بإحسانٍ إلى يوم الدين.
أما بعد...
فقد سمعنا في صلاة القيام إلى جملة من أخبار الأمم السابقة، ومن كان من النبيين، وما رد عليهم أقوامهم في دعواتهم، وما أمروهم به، وما نهوهم عنه، وما حل بالفريقين: من أطاع الله - عز وجل-، ومن عصاه.
فبين الله -تعالى- مصائر أوليائه، وعاقبة المتقين، كما بين -جل في علاه- مصائر المكذبين المعاندين، وما صاروا إليه، وفي تلك الأخبار، وتلك القصص من العبر والعظات ما ينتفع به أولوا البصائر، وأصحاب النظر في ما جرى من تلك المثلات، ولهذا يختلف الناس في انتفاعهم من تلك الأخبار، فمنهم من يقرأ قصص النبيين على أنها أنواعٌ من الأحداث التي وقعت في الأمم السابقة، وما قصه الله -تعالى- مما كان في سابق الزمان.
ومن الناس من ينتفع بتلك القصص في عبرها وعظاتها، وما أراده الله -تعالى- من الاعتبار،والاتعاظ،وإدراك سننه في خلقه﴿لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لِأُوْلِي الأَلْبَابِ مَا كَانَ حَدِيثًا يُفْتَرَى وَلَكِنْ تَصْدِيقَ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَتَفْصِيلَ كُلِّ شَيْءٍ﴾[يوسف:111]، هذا البيان الإلهي الذي تضمن قصص النبيين ينبغي أن يقف عنده المؤمن،وأن ينتفع بعظاته وعبره حتى يستقيم حاله،ويصلح عمله،ويخرج بتلك العبر والعظات من الظلمات إلى النور،وادعوا نفسي وإخواني إلى تأمل تلك القصص والاعتبار بما فيها،والوقوف عندها،فإن فيها من العبر،والعظات،والهدايات ما أمر الله -تعالى- رسوله -صلى الله وعليه وسلم- بأن يهتدي به،وأن يعتبر به،مع كمال حاله،واستقامة شأنه،ووحي ربه الذي يخرجه من الظلمات إلى النور،قال -تعالى-: ﴿أُوْلَئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهِ﴾[الأنعام:90]، فبعد أن ذكر الله -تعالى- من خبر المرسلين ما ذكر،وعد منهم من ذكر،قال -جل وعلا-: ﴿أُوْلَئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ﴾؛ أي: دلهم على الطريق المستقيم،والصراط القويم،﴿فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهِ﴾؛ أي: بطريقهم،وعملهم،وشأنهم،وسمتهم،اهتدي إلى الطريق القويم،واسلك ما كانوا عليه من صراطٍ مستقيم،ولهذا نحن في صلاتنا نقول في كل ركعة أما انفرادًا أو تأمينًا: ﴿اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ﴾[الفاتحة:6]، ولم يترك الله -تعالى- الصراط مجهولًا؛ بل عرفه بعاقبة من سلكه ﴿صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ﴾[الفاتحة:7]؛وهم: النبيون،والصدَّيقون،والشهداء،والصالحون،﴿صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ﴾؛ هذا هو الصراط الذي إذا سلكه الإنسان عرف طريق النجاة.
وفي قصص النبيين ما يبين معالم هذا الصراط،وما يوضح هدايات هذا الطريق،وكيف يسلكه الإنسان ليخرج من الظلمات إلى النور.
فجديرٌ بنا ونحن نقرأ قصة نوح،ونحن نقرأ قصة هود،ونحن نقرأ قصة صالح،ونحن نقرأ قصة شُعيب،ونحن نقرأ قصة يوسف،ونحن نقرأ قصة لوط،كل هذا القصص فيها من العبر والعظات وما يزداد به الإيمان،ويثبت اليقين،ويصلح العمل ما هو جديرٌ بأن يقف عنده المسلم،وأن يعتبر به،وأن يتعظ بما فيه ليزداد صلاحًا،واستقامةً،وهدايةً،ومعرفةً بالله وبالطريق الموصل إليه.
أسأل الله العظيم رب العرش الكريم أن يسلك بنا صراطه المستقيم،وأن يثبت أقدامنا على الطريق القويم،وأن يرزقنا صلاح الظاهر والباطن،وأن يهدينا سُبل السلام،وأن يخرجنا بفضله،ومنه،وإحسانه،إلى من الظلمات إلى النور.