الحمد لله حمدًا كثيرًا طيبًا مباركًا فيه، نحمده جلَّ في علاه، نعمه تثرى وعطاياه تتابع، ولا ننفك عن إحسانه طرفة عين، ﴿وَمَا بِكُمْ مِنْ نِعْمَةٍ فَمِنَ﴾ [النحل:53]، فله الحمد على نعمه، وله الحمد على إحسانه، وله الحمد على شكره، وله الحمد على حلمه وعلمه، لا نحصي ثناءً عليه، هو كما أثنى على نفسه، وأشهد أن لا إله إلا الله، شهادة تنجي قائلها من النار، وتوجب له فسيح الجنان، وأشهد أن محمدًا عبد الله ورسوله، خيرته من خلقه، صفوة الله من الخلق، خاتم النبيين، وإمام المرسلين، وسيد ولد آدم أجمعين، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه، ومن اتبع سنته، واقتفى أثره بإحسانٍ إلى يوم الدين، أما بعد:
فإن المؤمن لا ينفك عن اشتغالٍ بطاعة، يجتهد في القربة من الله بكل سبيلٍ وطريق، لا يفتر عن طاعة الله ـ عز وجل ـ ما استطاع إلى ذلك سبيلًا، ومن نعمة الله على عباده أن نوع لهم أبواب الطاعات، وفنَّن سُبل الخيرات، فكل تسبيحةٍ صدقة، وكل تحميدةٍ صدقة، وكل تكبيرةٍ صدقة، وكل تهليلة صدقة، وأمرٌ بالمعروف صدقة، ونهيٌ عن المنكر صدقة، وتبسمك في وجه أخيك صدقة، والكلمة الطيبة صدقة.
فليس ثمَّة مَن يعجز عن التقرب إلى الله ـ عز وجل ـ بصالح الأعمال؛ بل لما سأل أبو ذر رسول الله ـ صلى الله وعليه وسلم ـ عن التقرب إلى الله بأطيب المال والعمل، كان قد سأل رسول الله ـ صلى الله وعليه وسلم ـ في نهاية مسائله قال: يا رسول الله، أرأيت إن ضعفت عن ذلك؟ -يعني: لم أبلغ هذه الأبواب من الخير الذي ذكرت- قال: «تكف شرك عن الناس؛ فإنها صدقة منك على نفسك» صحيح البخاري (2518)، وصحيح مسلم (84) .
وليس بعد هذا بابٌ من أبواب الخير، فكفُّ الشر عن الناس هو من أبواب الخير وصنوف البر التي يرجو الإنسان عاقبتها عند الله ثوابًا وعطاءً وأجرًا؛ لذلك جديرٌ بالمؤمن حريٌّ به أن يضرب في كل بابٍ من الطاعات بسهم، فإن عجز فلن يعجز عن أن يكفَّ شرَّه عن الناس احتسابًا للأجر من الله ـ عز وجل ـ فإن كفَّ الشرِّ عن الناس من الصدقات، وقد قال النبي ـ صلى الله وعليه وسلم ـ فيما في الصحيح: «المسلم مَن سلم المسلمون من لسانه ويده» صحيح البخاري (10)، وصحيح مسلم (40) .
وهذا يدل على أن كفَّ الشرِّ في القول والعمل عن الناس مِن خصال الإسلام، فليس الإسلام عملًا إيجابيًا فحسب؛ بل حتى العمل الذي يوقف الإنسان فيه شره وأذاه، فلا يتعدى إلى غيره هو مما يُجري به الله تعالى عليك أجرًا وثوابًا، وتذكر أن المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده، فاحفظ لسانك عن أن توصل إلى غيرك سوءًا، واحفظ جوارحك عن أن توصل إلى غيرك شرًّا؛ فإن ذاك صدقة منك على نفسك.
اللهم أعنا على طاعتك، واستعملنا فيما تحب وترضى، واجعلنا من أوليائك وحزبك، خذ بنواصينا إلى ما تحبه وترضى من القول والعمل، واصرف عنا السوء والفحشاء، واجعلنا من خُلَّص أوليائك، واختم لنا بالخير يا ذا الجلال والإكرام، وأسعدنا في الدارين، واجعلنا ممن يفوز بعطاياك، وينال منحك، وتحط عنه سيئاته، وترفع درجاته.