حكم مداعبة الزَّوجة في نهار رمضان
المداعبة الحقيقة كلمة فضفاضة قد تصل عند بعض الناس إلى الجماع، لكن إذا كان المقصود به التَّقبيل والضم الذي لا يترتب عليه إنزال الماء أو حصول الجماع، فهذا لا بأس به، لما جاء في الصحيحين من حديث عائشة رضي الله عنها: «أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يُبَاشِرُ وَهُوَ صَائِمٌ»صحيح مسلم (1106)، لكن عائشة نبهت إلى أمر فينبغي التنبه له وهو قولها رضي الله عنها: « وَلَكِنَّهُ كَانَ أَمْلَكَكُمْ لِإِرْبِهِ أَوْ مِنْ أَمْلَكِكُمْ لِإِرْبِهِ »صحيح مسلم (1106)، يعني: لحاجة نفسه، فلم يكن صلى الله عليه وسلم يندفع مع حاجة نفسه، حتى يقع فيما حرمه الله تعالى، حاشاه فهو المعصوم صلى الله عليه وعلى آله وسلم.
فمن كان لا يضمن نفسه كما هو الحال في أكثر ما يرد من الأسئلة أن بعض الناس يقول: والله أنا داعبت ثم أنزلت ففي هذه الحال يفسد صومه، ويكون قد وقع في معصية وخطأ، فابتعد إذا كنت لا تضمن وتخشى أن يتطور بك الأمر إلى حد الإنزال، وأما إذا كان الإنسان يقول: والله أنا أعرف من نفسي ومن حالتي، أنه لا يحصل معي هذا بمثل هذا التقبيل أو هذا الضم اليسير فلا حرج والصوم صحيح.
وما الفرق بين المداعبة والجماع؟ ذكرت أن بعض الناس يطلق المداعبة على الجماع، الجماع في الحقيقة هو أن يتمكن الرجل وأن يفعل ما يفعله مع أهله في حال فطره.
م ائها أو وافق عيد الفطر أو عيد الأضحى أو أيام التشريق، فلا بأس أن يقطع للعذر، أو المرأة جاءها الحيض فلا بأس؛ لأنَّ كل ما يبيح الفطر في رمضان، يبيح قطع التتابع فيما اشترط فيه التتابع من الصيام، ومنه السفر أيضاً.
الأمر الثَّالث بعد هذه المرتبة: فإن لم يستطع فيصير إلى إطعام ستين مسكيناًَ، والإطعام يحصل بكفاية المسكين في وجبة من الوجبات، إما غداء أو عشاء، سواءٌ كان ذلك بطبخه وتقديمه إليه، أو كان ذلك بتمليكه الطعام. هذا ما يتعلق بالكفارة.
وبهذا نُعلم المجامع في نهار رمضان، عليه أولاً: التوبة إلى الله تعالى مما فعل، ثم عليه السعي في الكفارة وهي التي بيّن النبي صلى الله عليه وسلم مراتبها على حسب الترتيب، ثم بعد ذلك -في قول جمهور العلماء- عليه أن يصوم يوماً مكان اليوم الذي أفطره وأفسده، ويستدلُّون لذلك بما في سنن ابن ماجة: أنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم قال: «وَصُمْ يَوْمًا مَكَانَهُ»أخرجه ابن ماجة (1671)، وابن أبي شيبة في المصنف (9774), وقال الألباني في الإرواء (939): هذا حديث مرسل جيد الاسناد أ. هـ.
، إلا أن هذه الرواية غير محفوظة في كلام النبي صلى الله عليه وسلم، فأعرض الحفَّاظ عن ذكرها، وهذا مما يدلُّ على أنها شاذَّة وغير محفوظة، وهذا ما حكم به النُّقَّاد المحققون، ومنهم شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله.
وهذا هو القول الثاني في المسألة: أنه لا ينفعُه القضاء، وهذا حال كل من أفطر متعمداً؛ فإن من أفطر متعمداً فإنه لا ينفعه بأن يأتي بقضاء، وإنما عليه صدقُ التوبة إلى الله تعالى من هذا الإفساد، والإكثار من العمل الصَّالح، ومنه الصيام ليجبر ما حصل من النَّقص بإفساد هذا اليوم.
إذاً: هذه الأمور التي تجب مراعاتُها لمن وقع منه الجماع في نهار رمضان.
وأنا أقول: من المهمِّ أن نتوقَّى أسباب الخطر، وأن لا نتمادى مع المقدِّمات، حتى يقع ما لا تُحمد عقباه، ويكون سبباً للهلاك، فكثيرٌ من الناس بحكم أنه لا يأوي إلى فراشه إلا بعد الفجر، قد يتوسَّع في مسألة الضم أو التقبيل أو ما أما يكون بين الزَّوجين، فيتفارط بهم الأمر حتى يقعا فيما نهي عنه من الجماع، فلذلك قول: من الضروري إذا كان الإنسان لا يملك نفسه أن يتخذ التدابير المانعة للوقوع في الفساد، ويشير إلى هذا ما في الصحيحين من حديث عائشة رضي الله عنها أنها قالت: «كَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يُقَبِّلُ وَهُوَ صَائِمٌ، وَيُبَاشِرُ وَهُوَ صَائِمٌ»،ثم بيَّنتُ فرقاً مؤثراً وأمراً لابد من مراعاته حتى لا يقال: لنا في النبي أسوة حيث أنه قبَّل فنقبّل فقالت: «وَلَكِنَّهُ أَمْلَكُكُمْ لِإِرْبِهِ» صحيح البخاري (1927)، وصحيح مسلم (1106)، وفي بعض الروايات: «لأربه». وهذا يدل على أنَّ من كان على غير هذه الصفة، لا يملك نفسه، وينساق سواء كان من رجل أو امرأة، فإنه ينبغي أن يقف عند المقدمات، فالوسائل لها أحكام الغايات والمقاصد، فإذا كانت الوسائل تؤدِّي إلى محرَّم، فيجب منعها وهي محرَّمة؛ لأنها تُفضي إلى ما حرَّمه الله ورسوله.