ما حكمُ الحِجامة في نهار رمضان؟
الحجامة هي إخراج الدم من البدن، بطريقة معينة، فيها تشريط ومصٌّ للدم، لإخراج الدم الفاسد، وهذه العملية ورد فيها أحاديث من الشريعة، كحديث شدَّاد بن أوس، وثوبان: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «أَفْطَرَ الْحَاجِمُ وَالْمَحْجُوم»رواه الإمام أحمد في مسنده (17165), وأبوداود (2369), وابن ماجة (1681), انظر المشكاة: (2012) , الإرواء: (931)، وهو أصح ما ورد في ذلك. وأخذ جماعة من أهل العلم من هذا الحديث: أنَّ الحِجامة مفطِّرة.
وجاء في صحيح البخاريِّ، من حديث عبد الله بن عباس رضي الله عنه: أن النبي صلى الله عليه وسلم «احْتَجَمَ وهو مُحرِم، واحتَجَم وهو صَائم»صحيح البخاري (1938)، فأخذ منه بعض أهل العلم أنَّ الحجامة ليست ممنوعة؛ لهذه الرواية، حيث إنَّ النبي صلى الله عليه وسلم احتجم وهو صائم، كما جاء في حديث ابن عباس، ولو كان مما يفسد الصومَ، لما احتجم صلى الله عليه وسلم وهو صائم.
فصار للعلماء في ذلك مسلكٌ، بناءً على ورود الأحاديث المختلفة، فمنهم من قال: بأنَّّ الحجامة محرمة، وأن رواية: «وهو صائم» ليست محفوظة، وإنما المحفوظ: وهو محرم، ولذلك هذه اللفظة: «احتجم وهو محرم» هي التي رواها الشَّيخان: البخاريُّ ومسلم، وانفرد البخاري بزيادة: «وهو صَائم».
وقال آخرون: إنَّ حديث ابن عباس يدلُّ على الإذن، وأنه ناسخ لأحاديث: «أَفْطَرَ الْحَاجِمُ وَالْمَحْجُوم» حيث إن النبي صلى الله عليه وسلم احتجم، لكن هذا الوجه ليس بقويٍّ، لأنه ليس هناك في الأحاديث تاريخ، حتى يقال: هذا متقدم على هذا، فالنسخ يحتاج إلى تاريخ وليس ثَمَّة تاريخ.
والمسلك القويم في هذا الحديث وأمثاله في مثل هذه المسائل: أن يُحمل فعل النبي صلى الله عليه وسلم على الإذن للحاجة، وعلى المنع للكراهة، فيكون «أَفْطَرَ الْحَاجِمُ وَالْمَحْجُوم» محمولٌ على الكراهة، وأما فعله فهو يدل على أنه مأذون بالحجامة للحاج، وعليه؛ فالراجح من قولي العلماء هو ما ذهب إليه جمهور الفقهاء من الحنفية والمالكية والشافعية من أن الحجامة لا تفطر، لكنها مكروهة، وهذا هو الصحيح، ويُلحق به تحليل الدم والتبرع بالدم، وكل أوجه إخراج الدم ينبغي تجنبها للصائم، لكن لو وقعت منه أو فعلها، فإنه لا يؤثر في صحة صومه.
وعلى القول بالتحريم بأنها لا تجوز وأنها مفطرة، فمن فعلها وهو جاهل فهذا أيضاً لا يؤثر، حتى على القول بأنها مفطِّرة؛ لأنَّ الأحكام تتبع العلم، فالرَّاجح أنها لا تُفطِّر.
«أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ احْتَجَمَ وَهُوَ مُحْرِمٌ، وَاحْتَجَمَ وَهُوَ صَائِمٌ» صحيح البخاري (1938).