حكم من أفطر في رمضان متعمِّداً
إذا كان يُفطر عمداً، ففي هذه الحال عليه التَّوبة إلى الله عزَّ وجلَّ مما ترك، وجمهور العلماء يقولون: إنه يصوم مكان تلك الأيام. وهو مذهب الأئمَّة الأربعة، أنه يقضي يوماً مكان الأيام التي قصر في صيامها، ويستندون في ذلك إلى أدلة.
وذهب طائفة من أهل العلم إلى أنه ينفعه القضاء، لا يقال ليس عليه قضاء؛ لأنَّ ذمته مشغولة بما ترك، لكن لا ينفعه القضاء في سدِّ وتعويض ما حصل من خلل؛ لأنَّه إن أفطر من غير عذر، فإنه قد جاء في حديث أبي هريرة، كما قال البخاري معلَّقاً: ويُذكر عن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «مَنْ أَفْطَرَ يَوْمًا مِنْ رَمَضَانَ مِنْ غَيْرِ عُذْرٍ وَلاَ مَرَضٍ، لَمْ يَقْضِهِ صِيَامُ الدَّهْرِ وَإِنْ صَامَهُ»صحيح الْبُخَارِيُّ ج3ص32يعني: لو صام سنة، الدَّهر يقال: إنه سنة، ويُذكر الدهر ويُراد به العمرُ كله، «لم يُجزه صيام الدهر وإن صامه».
وقيل: إنَّ من أفطر يوماً فإنه يصوم عنه ألفَ يوم. وقيل غيرُ ذلك.
فالمقصود أنه –وهذا القول الثاني- لا ينفع، وليس المقصود يوماً مكان يوم، وإنما أذن الله تعالى بأن يقضي يوماً مكان اليوم الذي أفطره، إذا كان ذلك لعذر، قال الله جل وعلا: ﴿وَمَنْ كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ﴾[البقرة:185]، لكنَّ هذا مشروطٌ بحال المرض والسفر، وأما في حال عدم العذر فمن أين أنه يقضي مكانه يوماً؟ فقالوا: إنه لا ينفعه، وجعلوا لذلك قاعدة وهي: أنَّ كل عبادة يفرط فيها الإنسان بإخراجها عن وقتها المحدد شرعاً، من غير عذر، فلا ينفع أن يأتي بها بعد ذلك، كما لو قال شخصٌ: أنا عندي إجازةٌ، وأنا مشغول في رمضان فسأصوم رمضان الآن؛ فبالاتفاق أنه لا يقول أحدٌ بجواز هذا، ومثلُه تماماً الصلاة قبل وقتها، فكذلك إخراج العبادة عن وقتها، لا ينفع على قول هؤلاء العلماء، وهذا القول له وجه وقوة.
وما المخرج في مثل هذا؟ وماذا يفعل؟ عليه بصدق التوبة إلى الله عز وجل والإكثار من العمل الصالح، والإكثار من العبادة الخاصة التي فرَّط فيها، فإذا كانت صلاةٌ فيكثر من الصلاة، وإذا كانت صوماً فيكثر من الصيام. وهذا القول الثاني هو الأقرب إلى الصواب، والله تعالى أعلم.
وإذا كان فطره لعذر فإنه يقدر هذه الأيام، كما لو أفطر في رمضان لسفر أو لمرض، ولكن لا يذكر هذه الأيام تحديداً، ولا يدري كم هي ففي هذه الحال يبني على اليقين وهو الأكثر، فإذا شكَّ: هل هي خمس أو سِتٌّ فيجعلها ستة، وإذا استطاع أن يُقدِّر ويُخمِّن، ولو بالتقدير الأغلبيِّ، فإنه عند ذلك يجزيه إن شاء الله تعالى.