حكم استعمال الرَّوائح النَّفَّاذة في رمضان
جمهور العلماء على أنَّ الدُّهن الذي يُستعمل مما له رائحة، كالفكس وأشباهه أنه لا يُفطِّر؛ وذلك أنه ليس بأكل ولا شرب ولا في معنى الأكل والشرب، ووجود الروائح في بدن الإنسان أو جوفه، ليس مسوِّغاً للحكم بالتَّفطير، ولهذا نصَّ فقهاء الحنفية وكذلك الشافعية، أنه إذا تعاطى دواءً فوجد طعمه في جوفه؛ فإنه لا يفطر، بل منهم من قال: إنه إذا قبض على ثلجة فوجد بردها في جوفه فإنه لا يفطر، وقريب من هذا ما ذكره فقهاء الحنابلة رحمهم الله.
والذين قالوا بالتفطير هم فقهاء المالكية، فيما يتصل بالروائح النفاذة، لكن ليس هناك دليل، وبغض النظر عن مثل هذه الاختلافات فالمرجع في مثلها إلى الأصل، وهو ما ذكره الله تعالى: ﴿وَمَا اخْتَلَفْتُمْ فِيهِ مِنْ شَيْءٍ فَحُكْمُهُ إِلَى اللَّهِ﴾[الشورى:10]، فالمرجع في ذلك إلى ما جاء في الكتاب والسنة، وليس في الكتاب ولا في السنة ولا في إجماع سلف الأمة ولا في القياس الصحيح، ما يثبت التفطير بمثل هذه الأشياء.
فيجوز للصائم أن يدَّهن بهذه الأدهان التي لها روائح نفَّاذة كالفكس وأشباهه، سواء كان ذلك في أنفه، أو كان ذلك في يده، أو كان ذلك في أيِّ موضعٍ من بدنه يحتاج إلى الادِّهان به.
إذاً: هذه البخَّاخات، ليست مفطِّرة على القول الثَّاني، استناداً إلى أنها ليست أكلاً ولا شرباً، هذا أولاً.
ثانياً: أنه لا دليل على التفطير بها.
ثالثاً: أن الأصل صحة الصوم، وإذا كان الأصل صحة الصوم فلا ينتقل عن هذا الأصل إلا بشيء يقيني، ولهذا قالوا: لا تُفطر هذه البخَّاخات بأنواعها، وإلى هذا ذهب جماعاتٌ من الفقهاء المعاصرين، كمجمع الفقه الإسلاميِّ الدُّوليِّ، وهو أيضاً اختيارُ جماعاتٍ من الفقهاء المعاصرين، وهذا القول هو أرجح القولين.
والجوابُ عما ذكر أصحابُ القول الأول، من أنه يصل إلى الجوف شيءٌ من المواد العلاجيَّة، سواءٌ كانت إلى الصدر أو إلى المعدة، مجرى الطعام والشراب: أن ما يصل إلى الجوف من هذا الرَّذاذ المتطاير، أو البودرة التي تحقن بواسطة هذه الأنابيب، شيء يسير لا يذكر، وهو لا يزيد على نسبة ما في الجو من الرُّطوبة في الأجواء الرطبة، ولا يزيد على ما في الجوِّ من غبار يتسرب إلى داخل الجوف، وليس مقصودها أكلاً ولا شرباً ولا تقوية البدن بذلك، فلهذا هي لا حكم لها، ولا تأخذ حكم المفطِّرات من الأكل والشرب، وهذا القول هو أرجح القولين.
السؤال: حتى لو أعطت الجسم طاقة؟
الجواب: هي في الحقيقة لا تعطي الجسم طاقة، هي علاجية وليست من المقويات أو المغذيات، التي تمد الجسم بالطاقة، وإنما هي تمنع تدهور التنفس، وليس أكثر من ذلك.