حكم شم الطيب للصائم
شم الروائح الزكية والطيبة للصائم ليس من المفطرات ولا مما ينقص أجر الصائم، وذلك أن الصوم إنما هو عمَّا حدَّده الله تعالى وبينه من المفطرات، قال الله تعالى: ﴿فَالآنَ بَاشِرُوهُنَّ وَابْتَغُوا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ﴾[البقرة:187]، وهذه الآية تضمنت أصول المفطرات. وكل مفطِّر لابد أن يثبت الدليل على القول بأنه يفسد الصوم، وليس في الكتاب ولا في السنة ما يدل على أن ما يجده الصائم من الروائح الزكية والطيبة يؤثر على صحة صومه، وهذا محل اتفاق ولا خلاف بين العلماء فيه، وإنما اختلف العلماء رحمهم الله في استنشاق البخور، والبخور يختلف عن الروائح الزكية والطيبة؛ لأن البخور دخان يتصاعد وينعقد منه أجزاء، ولهذا قال جماعات من الفقهاء: إنَّ استنشاق البخور مفطِّر، أما وجود رائحة طيبة، سواء كانت الرائحة الطيبة من الأطياب المعتادة كالعود والدهن وما أشبه ذلك من الأطياب الدهنية أو الأطياب التي يُستعمل فيها المواد التي تنشر رائحة الطيب، وكذلك الصَّوابين ومواد التغسيل، ومثلها أيضاً ما يجده الصائم من روائح المبيدات الحشرية أو المبيدات التي تستعمل في قتل بعض الآفات الزراعية وما أشبه ذلك؛ كلُّ هذه الروائح لا تُفطِّر، وليس في التَّفطير بها دليل، وحتى لو وجد طعم الرائحة في فمه، فإن ذلك لا يفطِّره لعدم الدليل على التفطير.
ولهذا ذكر الفقهاء رحمهم الله مسألةً فقالوا: لو وطئ على شيءٍ فوجد مرارته في حلقه، فإنه لا يفطر به لأن هذا لا يسمى أكلاً ولا شرباً. فلا دليل على التفطير بهذه الروائح، فهي باقية على الأصل وهو أنها مباحة للصائم، ولذلك يجوز للصائم أن يستعمل الأطياب هذه، سواء في أول النهار أو في آخره، وسواء كانت أطياباً على جسمه أو على ثيابه أو في مكانه الذي يجلس فيه.
وأما بالنسبة للبخور، فقد ذكر جماعة من أهل العلم أن له جُرماً ولذلك يفطِّر، وذهب طائفة من أهل العلم إلى أن البخور لا يفطِّر؛ لأنَّ ما يتصاعد إلى داخل الجوف من الدخان الناتج عن البخور، هو شيء يسير لا يؤثر ولا يوصف بأنه أكل ولا شرب.
وكذلك عوادم السيارات والمغاسل والمطابخ ودخان الحطب وما أشبه ذلك، كله جارٍ على أنه لا يفطِّر، وذلك أن مثل هذه الأشياء لا يمكن الاحترازُ منها، ومعلومٌ أنَّ كل ما لا يمكن الاحتراز منه، فلا يؤثر وصوله إلى الجوف، وهذه قاعدة فيما يعد من المفطِّرات: كل ما لا يمكن الاحتراز منه، فإنه لا يفطر إذا وصل إلى الجوف، ومثله الطائرات التي في الهواء، ومثله الهواء الرطب الذي يدخل إلى الجوف، ومثله الغبار، ومثله الدخان الذي في الشوارع، ومثله روائح عوادم السيارات وما أشبه ذلك، كل هذا ليس من المفطرات؛ لأنه مما لا يمكن التحرز منه.