هل حُفِظَ دعاء مأثورٌ عند الإفطار؟ وهل يتابع الصَّائمُ المؤذن أم يستمرُّ في فطره؟
هذه المسألة من شقَّين:
الشِّقُّ الأوَّل: ما يتعلق بـ(هل حُفظ شيء من الدعاء عند الفطر؟) ليس هناك ما هو محفوظ، إلا ما جاء في الترمذي من حديث ابن عمر رضي الله عنه: أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا أفطر قال: «ذَهَبَ الظَّمَأُ , وَابْتَلَّتْ الْعُرُوقُ , وَثَبَتَ الْأَجْرُ إِنْ شَاءَ اللهُ »أخرجه أبو داود (2357)، والنسائي في السنن الصغرى (3329),والحاكم في مستدركه (1536), وحسنه الألباني في الإرواء: (920)، هذا الذي ثبت عن ابن عمر رضي الله عنه، وقد ورد موقوفاً ومرفوعاً عنه، والمرفوع لا بأس به، وهو أمثلُ ما جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم، في الدعاء عند الفطر.
أما ما جاء من أن الصائم يقول عند فطره: (اللهمَّ لك صُمنا وعلى رزقك أفطرنا) ونحو ذلك؛ فهذه كلها لا تثبت بأسانيد صحيحة، وليس لها ما يقويها، والظاهر أن المسألة فيها سعة، فلو دعا بالمأثور، كما جاء في حديث ابن عمر أو دعا بغيره مما شاء وأحبَّ فالأمر في هذا واسع.
وأما مسألة المفاضلة بين الفطر وبين متابعة المؤذن، فليس هناك تعارض بينهما، فإذا أذن المؤذن يشرع في الفطر ثم يجيب المؤذن، يشرع في الفطر يعني: يبتدئ بالفطر، لما جاء في الصحيحين من حديث سهل بن سعد رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «لَا يَزَالُ النَّاسُ بِخَيْرٍ مَا عَجَّلُوا الْفِطْرَ»صحيح البخاري (1957)، صحيح مسلم (1098)، وهذا يدلُّ على فضيلة التَّعجيل للفطر.
ومتى يبتدئ هذا الفضلُ؟ أي: متى يكون التَّعجيل مندوباً إليه، ومرتباً عليه الخيرية كما في حديث سهل؟ يكون ذلك عندما يتحقق أو يغلب على ظنه أن الشمس قد غربت، فإذا تحقق أو غلب على الظن أن الشمس قد غربت -ونقول: غلبة الظن عند تعذر اليقين- فعند ذلك يتحقَّق له أو يندب له أن يعجل إلى الفطر بأكل تمرة أو شرب ماء، ولا بأس في أثناء هذا أن يشتغل بإجابة المؤذن، فيجمع بين الخيرين: بين امتثال ما جاء من حديث أبي سعيد في الصَّحيح أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ««إِذَا سَمِعْتُمُ الْمُؤَذِّنَ، فَقُولُوا مِثْلَ مَا يَقُولُ، ثُمَّ صَلُّوا عَلَيَّ، فَإِنَّهُ مَنْ صَلَّى عَلَيَّ صَلَاةً صَلَّى الله عَلَيْهِ بِهَا عَشْرًا، ثُمَّ سَلُوا اللهَ لِيَ الْوَسِيلَةَ، فَإِنَّهَا مَنْزِلَةٌ فِي الْجَنَّةِ، لَا تَنْبَغِي إِلَّا لِعَبْدٍ مِنْ عِبَادِ اللهِ، وَأَرْجُو أَنْ أَكُونَ أَنَا هُوَ، فَمَنْ سَأَلَ لِي الْوَسِيلَةَ حَلَّتْ لَهُ الشَّفَاعَةُ» صحيح مسلم (384)، وبين حديث سهل بن سعد الذي فيه: «لَا يَزَالُ النَّاسُ بِخَيْرٍ مَا عَجَّلُوا الْفِطْرَ»، على أن تعجيل الفطر يحصل بواحدة، يعني: لو بقي وأجاب المؤذن إذا كان المؤذن يرسل الأذان أو يحدر الأذان حدراً، فعند ذلك يجيب المؤذن ثم يرجع إلى فطره، والأمر في هذا واسع.