صوم مريض الفشل الكلوي
إذا كان تغسيل الكُلى، يحول دونه ودون القوة التي فرض الله تعالى الصوم على من استطاعها، فهنا لا يجب عليه الصيام، ثم يبقى: هل هذا مستمرٌّ، بمعنى: أنه لا يستطيع على وجه الدوام، أم أنه لا يستطيع فقط في أيام الغسيل وفي غير أيام الغسيل يستطيع؟ إذا كان لا يستطيع على وجه الدوام، فعند ذلك يُطعم عن كلِّ يومٍ مسكيناً، لقوله تعالى: ﴿وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ﴾[البقرة:184]، وهذا قولُ جماهير العلماء.
وأمَّا إذا كان يستطيع في غير أيام الغسيل، فهنا نقول: افطر في الأيام التي لا تستطيع ثم اقضها، لقوله تعالى: ﴿فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ﴾[البقرة:184].
الله عليه وسلم كما في السنن من حديث حفصة رضي الله عنها: ((لا صومَ لمن لم يبيِّت الصيام من الليل))سنن أبي داود (2454)، سنن الترمذي (730)، سنن ابن ماجه (1700)،
وفي حديث عائشة: «مَنْ لَمْ يُجْمِعْ الصِّيَامَ قَبْلَ طُلُوعِ الْفَجْرِ فَلَا يَصُومُ»سنن النَّسائي الصغرى (2333) , وصححه الألباني في الإرواء: (914) ، وهذا يدلُّ على أنه ينبغي تبييتُ النِّيَّة من الليل لصوم اليوم الواجب، وهذا هو قول جمهور العلماء، وبالتَّالي فإنَّ عليه القضاء.
وذهب القائلون بعدم وجوب القضاء، إلى أنه ليس الصَّوم معلوماً له حتى ينويه، وإنما يجب عليه من علمه، إذ التَّكاليف تتبع العلم، وهذا إنما علم بالصوم في أثناء النهار، وبالتَّالي فإنه ينوي من علمه، ولا يلزمه أن يُبيِّت النية قبل ذلك؛ لأنه لا يعلم هل هو من رمضان أو لا، ولهذا ذهب هؤلاء إلى أنه لا يجب عليه القضاءُ، ويجب عليه الإمساك.
بل إن شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله ذهب إلى ما هو أبعد من ذلك، فلو أنه مضى النهارُ كله، ولم يعلم بأنه من رمضان إلا بعد غروب الشمس، فإنه ليس عليه قضاء هذا اليوم، وهذا خلافُ ما عليه جماهير العلماء، من أنه يجب القضاء لفوات اليوم.
هذه المسألة التي يسأل عنها ليست مرتبطة بـ(هل يجب النية لكلِّ ليلة أو تكفي نية من أول شهر؟ لأن هذا لم ينوِ أصلاً، لا النية للشهر كاملاً، ولا النية لليوم المخصوص، إذ إنه لم يعلم بدخول الشهر إلا نهاراً، فنوى من النهار، ولهذا فهذه المسألة غيرُ متَّصلة بخلاف العلماء: هل يجبُ لكل يوم نيَّة مستقلة، أم أنه يكفي نية من أول الشهر ما لم يقطع ذلك بقاطع؟ وهذه المسألة للعلماء فيها قولان: فمن أهل العلم من يرى أنه تجب نية لكل يوم على وجه الانفراد، وهذا مذهب الجمهور، وذهب الإمام مالك رحمه الله إلى أنه يكفي نية من أول الشهر، ما لم يقطع ذلك بفطر، سواءٌ كان هذا الفطر مأذوناً فيه أو كان هذا الفطر غير مأذونٍ فيه.