ما يترتب على الجماع في نهار رمضان؟
الجواب: جاء في الصحيحين من حديث حُميد بن عبد الرحمن عن أبي هريرة رضي الله عنه: أن رجلاً أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: «يا رسول الله، هلكت»، تأمل قال: هلكت، فالنبي صلى الله عليه وسلم سكت قال: «ما أهلكك؟» يعني: أقر النبي صلى الله عليه وسلم وصف الرجل لنفسه بأنه هلك، قَالَ: «مَا لَكَ؟» يعني: أيُّ شيء أوقعك في الهلاك؟ «قَالَ: وَقَعْتُ عَلَى امْرَأَتِي وَأَنَا صَائِمٌ»، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: تجد ما تعتق رقبة؟ قال: لا. قَالَ: «فَهَلْ تَسْتَطِيعُ أَنْ تَصُومَ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ»، قَالَ: لاَ، فَقَالَ: «فَهَلْ تَجِدُ إِطْعَامَ سِتِّينَ مِسْكِينًا». قَالَ: لاَ، قَالَ: فَمَكَثَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَبَيْنَا نَحْنُ عَلَى ذَلِكَ أُتِيَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِعَرَقٍ فِيهَا تَمْرٌ - وَالعَرَقُ المِكْتَلُ - قَالَ: «أَيْنَ السَّائِلُ؟» فَقَالَ: أَنَا، قَالَ: «خُذْهَا، فَتَصَدَّقْ بِهِ» فَقَالَ الرَّجُلُ: أَعَلَى أَفْقَرَ مِنِّي يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ فَوَاللَّهِ مَا بَيْنَ لاَبَتَيْهَا - يُرِيدُ الحَرَّتَيْنِ - أَهْلُ بَيْتٍ أَفْقَرُ مِنْ أَهْلِ بَيْتِي، فَضَحِكَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى بَدَتْ أَنْيَابُهُ، ثُمَّ قَالَ: «أَطْعِمْهُ أَهْلَكَ»صحيح البخاري (1936)، وصحيح مسلم (1111)، فدفعه النبي صلى الله عليه وسلم إلى هذا الرجل فتصدَّقَ به، كفَّارةً لما وقع منه من إتيان أهله.
فتبين من هذا الحديث أنَّ من أتى أهله في نهار رمضان، فإنه آثم وعليه التوبة إلى الله تعالى وعليه الكفارة، والمرأة إذا كانت مطاوِعةً موافقة أيضاً عليها التوبة إلى الله تعالى، فهذا أمرٌ مشترك بينهما، لكون هذا من المهلكات ومن عظائم ما يفسد الصيام، هذا أولاً.
ثانياً: عليهما إتمام اليوم، يعني: إذا أفطر الإنسان من غير عذر بجماع أو بغيره في نهار رمضان، فإنه لا يستبيح بقية اليوم ويأكل ويشرب، وإنما يجب عليه أن يمسك بقية اليوم؛ لأن كل لحظة من لحظات الصيام لها حرمة يجب أن تحفظ.
الثالث من الواجبات هو الكفارة التي تضمنها هذا الحديث حديث الرجل الذي قال: «يا رسول الله، هلكت، قال: ما أهلكك؟»، ثم بيَّنَ النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم الواجبَ، فالذي بينه النبي صلى الله عليه وسلم أولاً: أن عليه عتق رقبة، يعني: أن يحرِّر رقيقاً عبداً، اليوم في حياة أكثر الناس وأكثر البلدان لا يوجد رقيق، فلذلك يعد إعتاق الرقاب من الأمور التي لا يجدها أكثر الناس، إما لعدم وجود ذلك في الأسواق وبين أيدي الناس، وإما لعدم وجود القدرة المالية؛ لأن القدرة إما قدرة عدم وجود الشيء، أو عدم وجود الثَّمن الذي يحصل به الشيء.
فهنا ينتقل إلى المرتبة الثَّانية، وهي أن يصوم شهرين متتابعين، لكن يُشترط في هذا الصيام الاستطاعةُ، ولذلك قال النبي صلى الله عليه وسلم: «فَهَلْ تَسْتَطِيعُ أَنْ تَصُومَ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ؟»، ومعنى متتابعين: لا يفصل بينهما بفطر، بل يصل الصيامَ متتابعاً خلال هذين الشَّهرين كفَّارة.
والرجل لما سأله النبي صلى الله عليه وسلم: «تستطيع؟ قال: لا»، وهذا شيء بين الإنسان وربه، فليس هناك رقيب يقول: أنت تستطيع أو لا تستطيع، الاستطاعة والقدرة أمر يقدره الإنسان، فإن كنت تستطيع فالواجب على من وقع على أهله في نهار رمضان أن يصوم شهرين متتابعين.
وإذا كان لا يستطيع فينتقل إلى المرتبة الثالثة، وهي أنه يجب عليه أن يطعم ستين مسكيناً، وما هو القدر الذي يُطعمهم؟ يطعمهم نصف صاع، هذا أقلُّ ما قال جمهور العلماء في تقدير الواجب، هو نصف صاع، يعني: ما يعادل كيلو وعشرين غرام من الرز أو من البرِّ، بالقياس المعاصر.
وعلى كل حال! هذا هو القدر الواجب عليه إطعامه، أو ما يحصل به إطعام المسكين. وهذا ثالث ما يجب على من وقع على أهله في نهار رمضان.
وهل تجب الكفارة على الرجل دون المرأة، أو على المرأة والرجل؟ هذه مسألة فيها خلاف بين العلماء، وجماهير العلماء على أن الكفارة تلزم من الرجل والمرأة إذا كانت المرأة مطاوعة. وذهب طائفة من أهل العلم إلى أن الكفارة على الرجل فقط دون المرأة، وهذا هو مذهب الإمام الشافعي، وهو أقرب القولين إلى الصواب، يقول الإمام أحمد: ما سمعنا أنَّ على المرأة كفَّارة. فالكفارة على الرجل، لكن يجب على المرأة أن تمتنع وأن تتوبَ إلى الله تعالى فيما تقدم من الواجبات.
الأمر الرابع مما يتعلق بما يجب على من وقع على أهله في نهار رمضان: أنه يجب عليه في قول جمهور العلماء، قضاء ذلك اليوم، وهنا مسألة مهمة وهي: هل يكفي الإنسان الذي يفسد يوماً من أيام رمضان أن يأتي به بعد ذلك، أو هل يجب عليه أن يأتي به بعد ذلك؟ أو هل يغنيه وينفعه أن يأتي به بعد ذلك؟ جمهور العلماء على أنه آثم، ولا شك أن الإثم محل اتفاق، لكن جمهور العلماء على أنه يأتي بيوم مكان هذا اليوم الذي أفسده، وسواءٌ كان الفطر بجماع أو كان الفطر بأيِّ نوع من أنواع المفطِّرات الأخرى ولا فرق.
وذهب طائفة من أهل العلم، وهو قول جماعة من التابعين وجملة من أهل التحقيق: أنَّ من أفطر متعمداً فإنه لا يجزيه أن يصوم مكان ذلك اليوم من غيره، بمعنى: أنَّ من أفطر يوماً من رمضان من غير عذر ولا مرض، فإنه لا يجزيه صيام الدهر ولو صامه، كما جاء ذلك عن أبي هريرة، فيما ذكره البخاري معلَّقاًصحيح البخاري (3/32)، وقد جاء عن ابن مسعود رضي الله عنه أنه قال: «من أفطر يوماً من رمضان من غير رخصة لم يجزه صيام الدهر وأمره إلى الله إلى أن يلقاه: إن شاء عفا عنه، وإن شاء عاقبه»، فهذا يدل على أن الأمر كبير، وأنه لا يكفي أن يأتي بالعبادة بعد مضي الوقت وقد أفسدها متعمداً، وهذا في كل العبادات، فكل عبادة يخرجها الإنسان عن وقتها الذي حدَّده الشرع، من غير عذر، فإنه لا ينفعه أن يأتي بها بعد ذلك، وليس معنى هذا أن لا سبيل له إلى التَّوبة، بل هناك سبيل للتوبة، ﴿قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا﴾[الزمر:53]، فرحمة الله وعفوه أعظم من كل الذنوب، فسبحان من تتلاشى في جنب عفوه ومغفرته الذنوب مهما عظمت، فنسأل الله أن يعفو عنا وأن يغفر لنا.
وكيف يتوب؟ يتوب بفعل ما تقدم من أمور التوبة وهي الندم على ما مضى، وإمساك بقية اليوم، وأداء الكفارة، والإكثار من العمل الصالح، ﴿وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِمَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا ثُمَّ اهْتَدَى﴾[طه:82].
إذاً: أُجْمِل القول: أنه من وقع على أهله في نهار رمضان، فإنَّ عليه التوبة، وعليه استكمال بقية اليوم صائماً، وأن يكفِّر الكفارة التي ذكرناها، وأن يقضي يوماً مكانه في قول جمهور العلماء، وعلى القول الآخر أنه ليس عليه القضاء.