×
العربية english francais русский Deutsch فارسى اندونيسي اردو

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

الأعضاء الكرام ! اكتمل اليوم نصاب استقبال الفتاوى.

وغدا إن شاء الله تعالى في تمام السادسة صباحا يتم استقبال الفتاوى الجديدة.

ويمكنكم البحث في قسم الفتوى عما تريد الجواب عنه أو الاتصال المباشر

على الشيخ أ.د خالد المصلح على هذا الرقم 00966505147004

من الساعة العاشرة صباحا إلى الواحدة ظهرا 

بارك الله فيكم

إدارة موقع أ.د خالد المصلح

رمضانيات / زكاة الفطر / كلمات حول زكاة الفطر وما يتعلق بها من أحكام

مشاركة هذه الفقرة WhatsApp Messenger LinkedIn Facebook Twitter Pinterest AddThis

الحمد لله رب العالمين، نحمده حق حمده، له الحمد كله أوله وآخره، ظاهره وباطنه، وأشهد أن لا إله إلا الله إله الأولين والآخرين، لا إله إلا هو الرحمن الرحيم، وأشهد أن محمدا عبد الله ورسوله، وصفيه وخليله، وخيرته من خلقه، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه، ومن اتبع سنته واقتفى أثره بإحسان إلى يوم الدين. أما بعد: ففي هذه الليلة - ليلة التاسع والعشرين من شهر رمضان عام 1436 من هجرة النبي صلى الله عليه وسلم - نحتاج إلى أن نتحدث عما يختم به هذا الشهر من الأعمال التي شرعها رسول الله صلى الله عليه وسلم، فإنه شرع لنا أقوم الطرق، وأكمل السبل.. ومن المهم أن يعتني المؤمن بإدراك هذه الأعمال حتى يتم عمله على الوجه الذي يرضى الله تعالى عنه. ومن أبرز ما يختم به هذا الشهر من الأعمال ما أمر الله تعالى به من إخراج زكاة الفطر، وهي زكاة فرضها رسول الله صلى الله عليه وسلم على المسلمين؛ الصغير والكبير، والذكر والأنثى، والحر والعبد. وهي من الأعمال التي يشترك فيها الجميع، فكل مستطيع يجب عليه أن يخرج هذه الزكاة التي فرضها الله عز وجل في ختام الشهر؛ تلافيا لما يكون من قصور أو نقص. فقد جاء في المسند والسنن من حديث عبد الله بن عباس رضي الله تعالى عنه أنه قال: «فرض رسول الله صلى الله عليه وسلم زكاة الفطر طهرة للصائم من اللغو والرفث، وطعمة للمساكين». ومن هنا يتبين الحكمة التي من أجلها شرعت هذه الزكاة، فهذه الزكاة شرعت لجبر ما يكون من نقص في صومك، سواء كان ذلك لغشيان ما ينقصه مما منعت منه على وجه النص، أو كان ذلك من جملة ما يكون من القصور. ولذلك قال: «طهرة للصائم من اللغو والرفث». واللغو هو كل ما ينقص الصوم من الأعمال، سواء كان ذلك بالغيبة، أو النميمة، أو النظر المحرم، أو غير ذلك من المحرمات التي تحرم على الصائم وعلى غيره حال الصيام وحال غير الصيام. وكذلك طهرة له مما يتعلق بالمفطرات التي وقعت له على وجه قد يلحقه فيها نقص، وهو المشار إليه بقول ابن عباس رضي الله عنهما: «الرفث». فإن الرفث منع منه الصائم؛ كما قال تعالى: ﴿أحل لكم ليلة الصيام الرفث إلى نسائكم﴾ +++البقرة: 187---، ومنع منه في نهار الصوم، فدل ذلك على أن هذه الصدقة هي جبر لما يمكن أن يكون من النقص في صوم الإنسان، سواء كان هذا النقص مما يتعلق بالمفطرات التي جاء بها النص في الكتاب والسنة، أو كان ذلك في جملة ما يكون من التقصير الذي يقع فيه الإنسان من قول الزور أو عمله. ثم إن له حكمة أخرى، وهي الإحسان إلى الخلق بكفاية المسكين من أن يسأل أو يطوف أو يطلب من يسد حاجته في ذلك اليوم؛ لأنه يوم بهجة وسرور ويوم شعيرة يجتمع فيه أهل الإسلام، فكان من حق أهل المسكنة والفقر أن تسد حاجتهم في ذلك اليوم. ولذلك قال: «طعمة للمساكين» وهذا هو المقصود الثاني من مقاصد هذه الفطرة، وهذه الزكاة. وقد بين النبي صلى الله عليه وسلم على من تجب، وبين مقدارها، وبين وقت إخراجها، كل ذلك جاء في قول النبي صلى الله عليه وسلم، وبيانه على وجه لا يلتبس. أما على من تجب فتجب على المسلمين؛ كما جاء في الصحيح من حديث عبد الله بن عمر، أنه قال: «فرض رسول الله صلى الله عليه وسلم زكاة الفطر على المسلمين؛ الصغير والكبير، والحر والعبد، والذكر والأنثى». وهذا يفيد عموم الفرض لكل أحد ممن يستطيع ويملك صاعا من طعام فاضلا عن حاجته في يوم العيد، وهي زكاة وجه فيها الفرض إلى كل أحد بنفسه، فيجب على كل مستطيع قادر أن يخرج زكاة الفطر عن نفسه. أما إخراجه عمن يمون أو عمن تكون نفقته عليه، فهذا على وجه الإحسان فيما يترجح من أقوال أهل العلم، إنما تجب هي على الإنسان نفسه، وإذا أخرجها عمن يمون فذلك إحسان منه، كأن يخرجها مثلا عن أولاده ذكورا وإناثا، وعن والديه، وعن زوجه، وعن خدمه، فذلك إحسان، لكن من حيث الفرض هذه الزكاة مفروضة على كل إنسان بنفسه، فمن لا يقدر على ذلك بأن لا يكون مالكا لصاع فاضل عن قوته في يوم العيد فإنه لا يجب عليه كسائر فرائض الشريعة، فإنما تجب على المستطيع، ﴿فاتقوا الله ما استطعتم﴾ +++التغابن: 16---، فمن كان مالكا لهذا القدر الواجب من الزكاة فاضلا عن حاجته يوم العيد فيجب عليه أن يخرجه، ويتصدق به. هكذا جاء النص عن النبي صلى الله عليه وسلم في بيان ما يجب، وفي بيان على من تجب الزكاة. وينبغي لمن أراد أن يخرجها عن غيره أن يخبره بذلك؛ لأجل أن يكفيه، ولأجل أن الزكاة لا يصلح فيها أن تخرج عن الغير دون إذنه؛ لأنه لا بد فيها من نية «إنما الأعمال بالنيات». فمن أخرج عنك الزكاة، وأنت لم توكله في الإخراج، ولم تكن قد نويت، فإن ذلك لا يجزئ، كسائر العبادات التي لا بد فيها من نية. ولهذا بعض الناس يتبرع عن غيره بإخراج الزكاة دون أن يخبره، ودون أن يستأمره، وهذا وإن كان وجها من أوجه الإحسان لكن لا يجزئ عمن أخرج عنه إلا بإذنه، لماذا؟ لأن الزكاة لا بد فيها من نية، ففي حال ما إذا أخرج دون أن يخبره أو أن يوكله فإنه يكون قد أخرج الزكاة من غير إذن من أخرجت عنه، فلا تجزئه، فلا بد من نية، إلا أن يكون ممن هم تحت يدك من أولاد ونحوهم، فإنه في هذه الحال إذا أخرجت عنهم، ولو لم يعلموا فلا حرج في ذلك، إذا كنت ممن يمونهم، ويتكفل بإنفاقهم؛ لأن هذا من جملة الإنفاق عليهم، فهو مندرج في النفقة عليهم في قول جماعة من أهل العلم. وأما مقدار الواجب إخراجه فهو ما بينه رسول الله صلى الله عليه وسلم لأصحابه، وهو صاع من طعام، فقد فرضها صاعا من طعام صلى الله عليه وسلم، والطعام المقصود به قوت البلد، فينظر إلى غالب قوت البلد ويخرج منه زكاة الفطر، سواء كان غالب القوت رزا، أو تمرا، أو غير ذلك مما يقتاته الناس، وهذا يختلف باختلاف البلدان. ولذلك كان الصحابة رضي الله عنهم يخرجونها من أجناس عدة، لا يقتصرون على جنس واحد، فقد جاء في الصحيحين من حديث أبي سعيد قال: كنا نخرجها على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم صاعا من طعام، وصاعا من تمر، وصاعا من شعير، وصاعا من أقط. وكل هذه أجناس جرى عليها عمل الصحابة رضي الله تعالى عنهم زمن النبي صلى الله عليه وسلم، وعليه فإن الصاع من قوت البلد كاف في إخراج ما يجب، فإذا كان غالب قوت البلد البر فإنه يخرج من البر، وإذا كان غالب قوت البلد الرز فإنه يخرج من الرز، وإذا كان غالب قوت البلد التمر فإنه يخرج من التمر. ومقدار الواجب فيه هو الصاع، والصاع أمره يسير، لا يحتاج إلى مشقة في معرفته؛ هو ملء يدي الرجل المتوسط أربع مرات، أربع حفنات، ملء اليدين من غالب قوت البلد، هذا هو الصاع. وقد اجتهد العلماء في تقدير ذلك وزنا، فتنوع اجتهادهم بناء على أن الوزن يحسب به الشيء ثقلا، لا حجما، بخلاف الصاع، فإن الصاع الحساب فيه بالحجم، لا بالوزن، لا بالثقل، وهذا الفرق بين المقياس بالصاع وبين المقياس بالوزن، فالمكيال الوزن فيه بالحجم، وأما الميزان فالقياس فيه بالثقل، ولهذا قد يكون الشيء لا يملأ الصاع لكنه ثقيل، فمثلا التمر نفسه يختلف ثقله، مع أنه من حيث ملئه للصاع قد يكون متقاربا، لكن الثقل مختلف، فعندما تأتي برطب تملأ به الصاع، ثم تذهب به للميزان، ستجد أنه أثقل مما إذا جئت بتمر جاف قد يبس ووضعته في المكيال، فإن الميزان عند ذلك سيكون أخف، وهذا سبب التفاوت في تقديرات العلماء للصاع؛ فمنهم من يقول: كيلوان وأربعون جراما، ومنهم من يقول: كيلوان ومائة وست وسبعون، ومنهم من يقول: كيلوان ونصف، ومنهم من يقول: ثلاثة كيلوات، وكل هذا التفاوت راجع إلى أن أصل المكيال لا عبرة فيه بالوزن. وأنا أضرب لكم مثلا: هذه الجرة إذا وضعنا فيها ماء ثم وضعناها في الميزان، سيكون لها وزن محدد قريب مثلا من نصف كيلو، وإذا وضعنا فيها عسلا، ووضعناها في الميزان، فهل ستكون بنفس الوزن، أو وزن مختلف؟ الوزن يختلف؛ لأن الميزان القياس فيه بالثقل، لا بالحجم، بخلاف المكيال، فالمكيال الوزن فيه بملء الشيء، لا بثقله، ولهذا تفاوتت آراء العلماء رحمهم الله فيما يتعلق بمقدار الصاع وزنا، والسبب في التفاوت هو أن الصاع يقاس فيه الشيء بحجمه، لا بثقله، وعلى هذا فالأمر في هذا واسع، وأنا أقول: الأمر قريب؛ من أراد أن يخرج وأن يتحقق من إخراج الصاع، فليملأ يديه أربع مرات مما يريد إخراجه، فإذا كان رزا فخذ أربع حفنات من الرز ملء يديك المعتدلتين، هذا هو الصاع، ولا حاجة للقياس، لكن أعلى ما يكون من القياس بالنسبة للصاع هو ثلاثة كيلوات، فهذا أعلى ما وقفت عليه: ثلاثة كيلوات من الرز، ثلاثة كيلوات من البر، ثلاثة كيلوات من الشعير، وما أشبه ذلك. هذا ما يتصل بمقدار الواجب من  زكاة الفطر بالنسبة للصاع. أما ما يتعلق بإخراجها نقدا، وهذا يسأل عنه كثير من الناس، فالجواب أن جمهور العلماء قالوا: لا يجزئه أن تخرج زكاة الفطر نقدا، ما السبب في هذا؟ قالوا: إن النبي صلى الله عليه وسلم فرضها صاعا من طعام، ويقول أبو سعيد: كنا نخرجها على عهد النبي صلى الله عليه وسلم صاعا من تمر، صاعا من شعير، صاعا من أقط، صاعا من بر، صاعا من زبيب، فذكر خمسة أصناف، وهذه كلها أقوات البلد، ولم يذكر أنهم كانوا يخرجونها من النقود، ولذلك لما اجتهد بعض الصحابة فأخرجها من طعام لكن بأقل من الصاع نظرا لاختلاف القيمة، قال أبو سعيد: فلا أزال أخرجها كما كنت أخرجها على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم. فدل هذا على أن الصحابة منهم من لزم ما كان عليه عمل النبي صلى الله عليه وسلم، وعلى هذا جمهور العلماء، وهذا هو مذهب الإمام مالك، ومذهب الإمام الشافعي، ومذهب الإمام أحمد رحمه الله، وهو قول جماهير العلماء. وذهب الإمام أبو حنيفة إلى جواز إخراجها من النقود؛ لأن المقصود إغناء الفقير، سواء في الطعام، أو بما يحصل به الطعام من المال. هذا ما ذهب إليه الإمام أبو حنيفة رحمه الله، وخالف في ذلك الجمهور. والأحوط للإنسان ألا يخرج زكاة الفطر إلا طعاما؛ لأنه الذي فرضه رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولأنه أيسر في الإخراج، ولأن جمهور العلماء يرون أنك إذا أخرجتها من النقود لم تقم بما يجب عليك، ومن حيث الترجيح والنظر فيما يتعلق بالأدلة فالذي يظهر والله تعالى أعلم أن الأصل أن تخرج من الطعام؛ للأحاديث التي تقدمت؛ حديث أبي سعيد، وحديث ابن عمر رضي الله تعالى عنهما، وقد جاء أيضا ما يدل على ذلك في حديث ابن عباس، حيث قال: «فرض رسول الله صلى الله عليه وسلم زكاة الفطر طهرة للصائم من اللغو والرفث، وطعمة للمساكين». وإذا أعطى نقودا لم يكن في ذلك طعمة للمساكين. المقصود أن الأصل هو إخراجها من الطعام، لكن إن كان هناك حاجة أو مصلحة في أن تخرج من غير الطعام، فإنها تخرج من غير الطعام؛ فتخرج من النقود إذا كان في ذلك مصلحة، كأن يكون مثلا الأنفع للناس في بلد من البلدان أن يعطوا نقودا بدلا من أن يعطوا طعاما، ويكون هذا أمرا ظاهرا، وليس اجتهادا شخصيا، إنما أمر بين واضح أن المصلحة فيه أن تخرج من النقود، فهنا لا بأس بإخراجها من النقود. كذلك أن تكون الحاجة داعية إلى إخراجها من النقود؛ كالبلدان التي لا يقبل فيها الطعام مثلا، فهنا تخرج من النقود؛ لأنه لن يجد من يأخذ منه طعاما، وهذا موجود، وقد يستغربه الإنسان لكنه موجود، ففي بعض البلدان لا يقبلون الطعام، فهنا تخرج من النقود. وعلى كل حال، الأصل في ذلك هو أن تكون زكاة الفطر من الطعام ما لم تدع مصلحة أو حاجة، لكن لو أن أحدا قال: أنا أخرجتها من النقود بناء على الفتوى الجارية في بلدي، فإننا نقول: المسألة خلافية، وأنت أخذت بقول من أقوال أهل العلم، ويكفيك فتوى علماء بلدك حتى لا يقع في ذلك نزاع واضطراب. وقد اختلف العلماء في ذلك قديما، لكن من جاء يسأل ويقول: ما هو الأبرأ لذمتي، وما هو الصواب؟ قلنا: الصواب أن تخرج من طعام، إلا أن يكون هناك حاجة أو مصلحة، وبهذا يجتمع القولان. وفيما يتعلق ب: كم قيمة النقود التي تخرج؟ يقال: قيمة النقود هي قيمة الصاع من الطعام الغالب في البلد، هذا إذا أخرجها نقدا على قول من يخرجها من النقود، أو أن المصلحة دعت، أو الحاجة اقتضت أن تخرج من النقود. وفيما يتعلق بمن الذي يعطى زكاة الفطر؟ تعطى زكاة الفطر الفقير، والمسكين، وهو من يأخذ الزكاة لحاجته، هذا الذي يعطى زكاة الفطر. فخرج بذلك بقية أصناف المستحقين للزكاة من المؤلفة قلوبهم، والرقاب، وما إلى ذلك ممن ذكر الله تعالى. إنما تدفع الزكاة للمسكين والفقير؛ لما جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم في حديث ابن عباس: «فرض رسول الله صلى الله عليه وسلم زكاة الفطر طهرة للصائم من اللغو والرفث، وطعمة للمساكين». ولما جاء في حديث آخر: «أغنوهم عن السؤال هذا اليوم» أي: يوم العيد. أما ما يتعلق بوقتها، فأفضل أوقاتها ما جاء به حديث ابن عمر، حيث قال: وأمر - أي: النبي صلى الله عليه وسلم- أن تؤدى - أي: تبذل وتعطى - قبل أن يخرج الناس إلى الصلاة. يقصد بذلك صلاة العيد. فأفضل أوقاتها بعد صلاة الفجر يوم العيد، وقبل الخروج للمصلى، لكن إذا كان الإنسان يخشى أن يفوت الوقت، أو لا يتمكن، أو لا يجد فقيرا، كما هو غالب الحال اليوم، فإنه قد جاءت النصوص أن الصحابة كانوا يخرجونها قبل يوم العيد بيوم أو يومين، يعني في اليوم الثامن والعشرين واليوم التاسع والعشرين إذا كان الشهر ناقصا، واليوم التاسع والعشرين واليوم الثلاثين إذا كان الشهر تماما، فمن يوم الثامن والعشرين تخرج الزكاة لمن أراد أن يتعجل بإخراجها. وقد ذهب بعض أهل العلم إلى أنه يجوز إخراجها من أول الشهر، وهذا مذهب الإمام الشافعي رحمه الله، وقد أخذ به بعض العلماء من المعاصرين في بعض البلدان. والذي يظهر - والله أعلم - أنه لا ينبغي أن يقدمها على يومين؛ لأنه هو الذي جاء عن الصحابة رضي الله تعالى عنهم، وهي مؤقتة، ومقصودها كفاية أهل الحاجة يوم العيد، فإذا أعطيت من أول الشهر جاء يوم العيد وليس عندهم ما يكفيهم، ولذلك الأفضل أن تكون يوم العيد قبل الصلاة، فإن أخرجها قبل ذلك بيوم أو يومين فقد فعل ذلك أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، وفي ذلك توسعة للناس في إيصالها للمستحقين. يسأل كثير من الناس عن التوكيل في إخراج زكاة الفطر؛ بأن يعطي دراهم لجهة خيرية تقوم بدفع الزكاة للمستحقين؛ فهذا لا بأس به، وليس هذا من دفعها نقودا؛ لأنك لا تخرجها نقودا لكن تعطي مالا لمن يشتري لك طعاما ويوصله للفقراء، فإن كان الذي وكلته جهة خاصة، ليست جهة عامة، فيجب أن تصل الصدقة قبل الوقت المحدد، وينبغي أن يحرص على إيصالها للفقراء والمساكين قبل وقتها، لكن لو أنه تأخر وهي جهة عامة مرخصة، قد رخص لها بجمع زكاة الفطر، فلو تأخرت فلا بأس؛ لأنها وكيلة عن الفقراء وقبضها كقبض الفقير، لكن الأفضل والأكمل أن يقوموا بإيصالها إلى مستحقيها قبل يوم العيد، لكن هذا قد يشق أحيانا، لاسيما عندما تكون الجمعيات واسعة، والإقبال عليها كبير، فقد يشق إيصال الزكاة في نفس اليوم، وقد لا يجدون الفقراء، وقد يصعب الوصول إليهم. المقصود أن الأفضل أن تتولى ذلك بنفسك، هذا الأفضل، وهو الأعظم أجرا، لكن لو أن أحدا وكل جهة خيرية، فإن كانت هذه الجهة الخيرية مرخصة، فلا بأس، ولو تأخر إيصالها للزكاة إلى المستحقين، وإن كان تطوعا من صاحب أو صديق، أو شخص يعرف الفقراء، فيجب عليه أن يوصلها إلى مستحقيها قبل صلاة العيد، كما جاء الأمر عن النبي صلى الله عليه وسلم فيما ذكره ابن عمر، أنه أمر أن تؤدى قبل صلاة العيد. فإن أخرها عن صلاة العيد فإنه يكره تأخيرها في قول جمهور العلماء، وقال آخرون: بل يحرم تأخيرها، فإذا أخرها عن صلاة العيد أثم بذلك على قول بعض أهل العلم، ويكون قد وقع في المكروه في قول الجمهور، وتفوت عليه فضيلة صدقة الفطر، وتكون صدقة من الصدقات. وبعض العلماء يقول: تكره إلى غروب شمس يوم العيد، ويحرم بعد ذلك، ويكون آثما بإخراجها عن يوم العيد. والذي يظهر أنه يجب إخراجها قبل صلاة العيد، وما بعده فإنه ينهى عنه، إلا أن يكون الإنسان قد فاته لعذر، فعند ذلك لا إثم عليه، ويخرجها، أما إذا فاته تكاسلا أو تهاونا فإنه يأثم، ويجب عليه إخراجها؛ لأنها ثبتت في ذمته، وإن كان قد فوت وقتها. هذه جملة من المسائل المتصلة بزكاة الفطر، نسأل الله أن يرزقنا وإياكم العلم النافع، والعمل الصالح، وأن يختم لنا وإياكم بخير، وأن يجعلنا وإياكم من المقبولين، وأن يعيدنا على أحسن حال، وأكمل عمل، وأن يجعلنا من الفائزين بمغفرته ورحمته وبره وإحسانه.

المشاهدات:5791

الحمد لله رب العالمين، نحمده حق حمده، له الحمد كله أوله وآخره، ظاهره وباطنه، وأشهد أنْ لا إله إلا الله إله الأولين والآخرين، لا إله إلا هو الرحمن الرحيم، وأشهد أن محمدًا عبد الله ورسوله، وصفيه وخليله، وخيرته من خلقه، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه، ومن اتبع سنته واقتفى أثره بإحسان إلى يوم الدين.
أما بعد:
ففي هذه الليلة - ليلة التاسع والعشرين من شهر رمضان عام 1436 من هجرة النبي صلى الله عليه وسلم - نحتاج إلى أن نتحدث عمَّا يُختم به هذا الشهر من الأعمال التي شرعها رسول الله صلى الله عليه وسلم، فإنه شرع لنا أقوم الطرق، وأكمل السبل.. ومن المهم أن يعتني المؤمن بإدراك هذه الأعمال حتى يتم عمله على الوجه الذي يرضى الله تعالى عنه.
ومن أبرز ما يُختم به هذا الشهر من الأعمال ما أمر الله تعالى به من إخراج زكاة الفطر، وهي زكاةٌ فرضها رسول الله صلى الله عليه وسلم على المسلمين؛ الصغير والكبير، والذكر والأنثى، والحر والعبد. وهي من الأعمال التي يشترك فيها الجميع، فكل مستطيعٍ يجب عليه أن يخرج هذه الزكاة التي فرضها الله عز وجل في ختام الشهر؛ تلافيًا لما يكون من قصور أو نقص.
فقد جاء في المسند والسنن من حديث عبد الله بن عباس رضي الله تعالى عنه أنه قال: «فرض رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم زكاةَ الفِطرِ طُهرةً للصائمِ مِنَ اللَّغْوِ والرَّفَثِ، وطُعمةً للمساكين».
ومن هنا يتبين الحكمة التي مِن أجلِها شُرعت هذه الزكاة، فهذه الزكاة شُرعت لجبر ما يكون من نقص في صومك، سواء كان ذلك لغشيان ما يَنقُصه مما مُنعتَ منه على وجه النص، أو كان ذلك من جملة ما يكون من القصور.
ولذلك قال: «طُهرة للصائم من اللغو والرفث». واللغو هو كل ما يَنقُص الصوم من الأعمال، سواء كان ذلك بالغِيبة، أو النميمة، أو النظر المحرم، أو غير ذلك من المحرَّمات التي تَحرُم على الصائم وعلى غيره حالَ الصيام وحال غير الصيام.
وكذلك طهرة له مما يتعلق بالمفطرات التي وقعتْ له على وجهٍ قد يَلحَقُه فيها نقصٌ، وهو المشار إليه بقول ابن عباس رضي الله عنهما: «الرفث».
فإن الرفث مُنع منه الصائم؛ كما قال تعالى: ﴿أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ إِلَى نِسَائِكُمْ﴾ البقرة: 187، ومُنع منه في نهار الصوم، فدل ذلك على أن هذه الصدقة هي جبر لما يمكن أن يكون من النقص في صوم الإنسان، سواء كان هذا النقص مما يتعلق بالمفطرات التي جاء بها النص في الكتاب والسنة، أو كان ذلك في جملة ما يكون من التقصير الذي يقع فيه الإنسان من قول الزور أو عمله.
ثم إن له حكمة أخرى، وهي الإحسان إلى الخلق بكفاية المسكين من أن يسأل أو يطوف أو يطلب من يسد حاجته في ذلك اليوم؛ لأنه يوم بهجة وسرور ويوم شعيرة يجتمع فيه أهل الإسلام، فكان من حق أهل المسكنة والفقر أن تُسد حاجتُهم في ذلك اليوم.
ولذلك قال: «طعمة للمساكين» وهذا هو المقصود الثاني من مقاصد هذه الفطرة، وهذه الزكاة.
وقد بين النبي صلى الله عليه وسلم على من تجب، وبيّن مقدارها، وبيّن وقت إخراجها، كل ذلك جاء في قول النبي صلى الله عليه وسلم، وبيانه على وجه لا يلتبس.
أما على من تجب فتجب على المسلمين؛ كما جاء في الصحيح من حديث عبد الله بن عمر، أنه قال: «فرض رسول الله صلى الله عليه وسلم زكاةَ الفِطرِ على المسلمين؛ الصغير والكبير، والحُر والعبد، والذكَر والأنثى».
وهذا يفيد عموم الفرض لكل أحدٍ ممن يستطيع ويملك صاعًا من طعام فاضلًا عن حاجته في يوم العيد، وهي زكاة وجه فيها الفرض إلى كل أحدٍ بنفسه، فيجب على كل مستطيع قادر أن يخرج زكاة الفطر عن نفسه.
أما إخراجه عمن يمون أو عمن تكون نفقته عليه، فهذا على وجه الإحسان فيما يترجح من أقوال أهل العلم، إنما تجب هي على الإنسان نفسه، وإذا أخرجها عمن يمون فذلك إحسان منه، كأن يخرجها مثلًا عن أولاده ذكورًا وإناثًا، وعن والديه، وعن زوجه، وعن خدمه، فذلك إحسان، لكن من حيث الفرض هذه الزكاة مفروضة على كل إنسان بنفسه، فمن لا يقدر على ذلك بأن لا يكون مالكًا لصاع فاضل عن قوته في يوم العيد فإنه لا يجب عليه كسائر فرائض الشريعة، فإنما تجب على المستطيع، ﴿فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ﴾ التغابن: 16، فمن كان مالكًا لهذا القدر الواجب من الزكاة فاضلًا عن حاجته يوم العيد فيجب عليه أن يخرجه، ويتصدق به.
هكذا جاء النص عن النبي صلى الله عليه وسلم في بيان ما يجب، وفي بيان على من تجب الزكاة.
وينبغي لمن أراد أن يخرجها عن غيره أن يخبره بذلك؛ لأجل أن يكفيه، ولأجل أن الزكاة لا يصلح فيها أن تخرَج عن الغير دون إذنه؛ لأنه لا بد فيها من نية «إنَّما الأعمالُ بالنِّيَّاتِ». فمن أخرج عنك الزكاة، وأنت لم توكله في الإخراج، ولم تكن قد نويت، فإن ذلك لا يجزئ، كسائر العبادات التي لا بد فيها من نية.
ولهذا بعض الناس يتبرع عن غيره بإخراج الزكاة دون أن يخبره، ودون أن يستأمره، وهذا وإن كان وجهًا من أوجه الإحسان لكن لا يجزئ عمن أخرج عنه إلا بإذنه، لماذا؟ لأن الزكاة لا بد فيها من نية، ففي حال ما إذا أخرج دون أن يخبره أو أن يوكله فإنه يكون قد أخرج الزكاة من غير إذن من أُخرجت عنه، فلا تجزئه، فلا بد من نية، إلا أن يكون ممن هم تحت يدك من أولاد ونحوهم، فإنه في هذه الحال إذا أخرجت عنهم، ولو لم يعلموا فلا حرج في ذلك، إذا كنت ممن يمونهم، ويتكفل بإنفاقهم؛ لأن هذا من جملة الإنفاق عليهم، فهو مندرج في النفقة عليهم في قول جماعة من أهل العلم.
وأما مقدار الواجب إخراجه فهو ما بينه رسول الله صلى الله عليه وسلم لأصحابه، وهو صاع من طعام، فقد فرضها صاعًا من طعام صلى الله عليه وسلم، والطعام المقصود به قوت البلد، فينظر إلى غالب قوت البلد ويخرج منه زكاة الفطر، سواء كان غالب القوت رُزًّا، أو تمرًا، أو غير ذلك مما يقتاته الناس، وهذا يختلف باختلاف البلدان.
ولذلك كان الصحابة رضي الله عنهم يخرجونها من أجناس عدة، لا يقتصرون على جنس واحد، فقد جاء في الصحيحين من حديث أبي سعيد قال: كنا نخرجها على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم صاعًا من طعام، وصاعًا من تمر، وصاعًا من شعير، وصاعًا من أقط.
وكل هذه أجناس جرى عليها عمل الصحابة رضي الله تعالى عنهم زمن النبي صلى الله عليه وسلم، وعليه فإن الصاع من قوت البلد كافٍ في إخراج ما يجب، فإذا كان غالب قوت البلد البُر فإنه يخرج من البر، وإذا كان غالب قوت البلد الرز فإنه يخرج من الرز، وإذا كان غالب قوت البلد التمر فإنه يخرج من التمر. ومقدار الواجب فيه هو الصاع، والصاع أمره يسير، لا يحتاج إلى مشقة في معرفته؛ هو ملء يدي الرجل المتوسط أربع مرات، أربع حفنات، ملء اليدين من غالب قوت البلد، هذا هو الصاع.
وقد اجتهد العلماء في تقدير ذلك وزنًا، فتنوع اجتهادهم بناء على أن الوزن يُحسب به الشيء ثِقلًا، لا حجمًا، بخلاف الصاع، فإن الصاع الحساب فيه بالحجم، لا بالوزن، لا بالثقل، وهذا الفرق بين المقياس بالصاع وبين المقياس بالوزن، فالمكيال الوزن فيه بالحجم، وأما الميزان فالقياس فيه بالثقل، ولهذا قد يكون الشيء لا يملأ الصاع لكنه ثقيل، فمثلًا التمر نفسه يختلف ثقله، مع أنه من حيث ملئه للصاع قد يكون متقاربًا، لكن الثقل مختلف، فعندما تأتي برطب تملأ به الصاع، ثم تذهب به للميزان، ستجد أنه أثقل مما إذا جئت بتمر جافٍّ قد يبِس ووضعته في المكيال، فإن الميزان عند ذلك سيكون أخف، وهذا سبب التفاوت في تقديرات العلماء للصاع؛ فمنهم من يقول: كيلوان وأربعون جرامًا، ومنهم من يقول: كيلوان ومائة وست وسبعون، ومنهم من يقول: كيلوان ونصف، ومنهم من يقول: ثلاثة كيلوات، وكل هذا التفاوت راجع إلى أن أصل المكيال لا عبرة فيه بالوزن.
وأنا أضرب لكم مثلًا: هذه الجرة إذا وضعنا فيها ماء ثم وضعناها في الميزان، سيكون لها وزن محدد قريب مثلًا من نصف كيلو، وإذا وضعنا فيها عسلًا، ووضعناها في الميزان، فهل ستكون بنفس الوزن، أو وزن مختلف؟ الوزن يختلف؛ لأن الميزان القياس فيه بالثقل، لا بالحجم، بخلاف المكيال، فالمكيال الوزن فيه بملء الشيء، لا بثقله، ولهذا تفاوتت آراء العلماء رحمهم الله فيما يتعلق بمقدار الصاع وزنًا، والسبب في التفاوت هو أن الصاع يُقاس فيه الشيء بحجمه، لا بثقله، وعلى هذا فالأمر في هذا واسع، وأنا أقول: الأمر قريب؛ من أراد أن يخرِج وأن يتحقق من إخراج الصاع، فليملأ يديه أربع مرات مما يريد إخراجه، فإذا كان رزًّا فخذ أربع حفنات من الرز ملء يديك المعتدلتين، هذا هو الصاع، ولا حاجة للقياس، لكن أعلى ما يكون من القياس بالنسبة للصاع هو ثلاثة كيلوات، فهذا أعلى ما وقفتُ عليه: ثلاثة كيلوات من الرز، ثلاثة كيلوات من البر، ثلاثة كيلوات من الشعير، وما أشبه ذلك.
هذا ما يتصل بمقدار الواجب من  زكاة الفطر بالنسبة للصاع.
أما ما يتعلق بإخراجها نقدًا، وهذا يسأل عنه كثير من الناس، فالجواب أن جمهور العلماء قالوا: لا يجزئه أن تخرج زكاة الفطر نقدًا، ما السبب في هذا؟
قالوا: إن النبي صلى الله عليه وسلم فرضها صاعًا من طعام، ويقول أبو سعيد: كنا نخرجها على عهد النبي صلى الله عليه وسلم صاعًا من تمر، صاعًا من شعير، صاعًا من أقط، صاعًا من بُرّ، صاعًا من زبيب، فذكر خمسة أصناف، وهذه كلها أقوات البلد، ولم يذكر أنهم كانوا يخرجونها من النقود، ولذلك لما اجتهد بعض الصحابة فأخرجها من طعام لكن بأقل من الصاع نظرًا لاختلاف القيمة، قال أبو سعيد: فلا أزال أخرجها كما كنت أخرجها على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم.
فدل هذا على أن الصحابة منهم من لزم ما كان عليه عمل النبي صلى الله عليه وسلم، وعلى هذا جمهور العلماء، وهذا هو مذهب الإمام مالك، ومذهب الإمام الشافعي، ومذهب الإمام أحمد رحمه الله، وهو قول جماهير العلماء. وذهب الإمام أبو حنيفة إلى جواز إخراجها من النقود؛ لأن المقصود إغناء الفقير، سواء في الطعام، أو بما يحصل به الطعام من المال. هذا ما ذهب إليه الإمام أبو حنيفة رحمه الله، وخالف في ذلك الجمهور.
والأحوط للإنسان ألا يخرج زكاة الفطر إلا طعامًا؛ لأنه الذي فرضه رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولأنه أيسر في الإخراج، ولأن جمهور العلماء يرون أنك إذا أخرجتها من النقود لم تقم بما يجب عليك، ومن حيث الترجيح والنظر فيما يتعلق بالأدلة فالذي يظهر والله تعالى أعلم أن الأصل أن تخرج من الطعام؛ للأحاديث التي تقدمت؛ حديث أبي سعيد، وحديث ابن عمر رضي الله تعالى عنهما، وقد جاء أيضًا ما يدل على ذلك في حديث ابن عباس، حيث قال: «فرض رسول الله صلى الله عليه وسلم زكاة الفطر طهرة للصائم من اللغو والرفث، وطعمة للمساكين». وإذا أعطى نقودًا لم يكن في ذلك طعمة للمساكين.
المقصود أن الأصل هو إخراجها من الطعام، لكن إن كان هناك حاجة أو مصلحة في أن تخرج من غير الطعام، فإنها تخرج من غير الطعام؛ فتخرج من النقود إذا كان في ذلك مصلحة، كأن يكون مثلًا الأنفع للناس في بلد من البلدان أن يعطوا نقودًا بدلًا من أن يعطوا طعامًا، ويكون هذا أمرًا ظاهرًا، وليس اجتهادًا شخصيًّا، إنما أمر بيِّن واضح أن المصلحة فيه أن تخرج من النقود، فهنا لا بأس بإخراجها من النقود.
كذلك أن تكون الحاجة داعية إلى إخراجها من النقود؛ كالبلدان التي لا يقبل فيها الطعام مثلًا، فهنا تخرج من النقود؛ لأنه لن يجد من يأخذ منه طعامًا، وهذا موجود، وقد يستغربه الإنسان لكنه موجود، ففي بعض البلدان لا يقبلون الطعام، فهنا تخرج من النقود.
وعلى كل حال، الأصل في ذلك هو أن تكون زكاة الفطر من الطعام ما لم تدعُ مصلحة أو حاجة، لكن لو أن أحدًا قال: أنا أخرجتها من النقود بناء على الفتوى الجارية في بلدي، فإننا نقول: المسألة خلافية، وأنت أخذت بقولٍ من أقوال أهل العلم، ويكفيك فتوى علماء بلدك حتى لا يقع في ذلك نزاع واضطراب. وقد اختلف العلماء في ذلك قديمًا، لكن من جاء يسأل ويقول: ما هو الأبرأ لذمتي، وما هو الصواب؟ قلنا: الصواب أن تخرج من طعام، إلا أن يكون هناك حاجة أو مصلحة، وبهذا يجتمع القولان.
وفيما يتعلق بـ: كم قيمة النقود التي تخرج؟ يقال: قيمة النقود هي قيمة الصاع من الطعام الغالب في البلد، هذا إذا أخرجها نقدًا على قول من يخرجها من النقود، أو أن المصلحة دعت، أو الحاجة اقتضت أن تخرج من النقود.
وفيما يتعلق بمن الذي يعطى زكاة الفطر؟ تُعطى زكاة الفطر الفقير، والمسكين، وهو من يأخذ الزكاة لحاجته، هذا الذي يعطى زكاة الفطر.
فخرج بذلك بقية أصناف المستحقين للزكاة من المؤلفة قلوبهم، والرقاب، وما إلى ذلك ممن ذكر الله تعالى.
إنما تدفع الزكاة للمسكين والفقير؛ لما جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم في حديث ابن عباس: «فرض رسول الله صلى الله عليه وسلم زكاة الفطر طهرةً للصائم من اللغو والرفث، وطعمة للمساكين».
ولِما جاء في حديث آخر: «أغنوهم عن السؤال هذا اليوم» أي: يوم العيد.
أما ما يتعلق بوقتها، فأفضل أوقاتها ما جاء به حديث ابن عمر، حيث قال: وأمر - أي: النبي صلى الله عليه وسلم- أن تؤدَّى - أي: تُبذل وتعطى - قبل أن يخرج الناس إلى الصلاة. يقصد بذلك صلاة العيد.
فأفضل أوقاتها بعد صلاة الفجر يوم العيد، وقبل الخروج للمصلى، لكن إذا كان الإنسان يخشى أن يفوت الوقت، أو لا يتمكن، أو لا يجد فقيرًا، كما هو غالب الحال اليوم، فإنه قد جاءت النصوص أن الصحابة كانوا يخرجونها قبل يوم العيد بيوم أو يومين، يعني في اليوم الثامن والعشرين واليوم التاسع والعشرين إذا كان الشهر ناقصًا، واليوم التاسع والعشرين واليوم الثلاثين إذا كان الشهر تمامًا، فمن يوم الثامن والعشرين تُخرج الزكاة لمن أراد أن يتعجل بإخراجها.
وقد ذهب بعض أهل العلم إلى أنه يجوز إخراجها من أول الشهر، وهذا مذهب الإمام الشافعي رحمه الله، وقد أخذ به بعض العلماء من المعاصرين في بعض البلدان.
والذي يظهر - والله أعلم - أنه لا ينبغي أن يقدمها على يومين؛ لأنه هو الذي جاء عن الصحابة رضي الله تعالى عنهم، وهي مؤقتة، ومقصودها كفاية أهل الحاجة يوم العيد، فإذا أُعطيت من أول الشهر جاء يوم العيد وليس عندهم ما يكفيهم، ولذلك الأفضل أن تكون يوم العيد قبل الصلاة، فإن أخرجها قبل ذلك بيوم أو يومين فقد فعل ذلك أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، وفي ذلك توسعة للناس في إيصالها للمستحقين.
يسأل كثير من الناس عن التوكيل في إخراج زكاة الفطر؛ بأن يعطي دراهم لجهة خيرية تقوم بدفع الزكاة للمستحقين؛ فهذا لا بأس به، وليس هذا من دفعها نقودًا؛ لأنك لا تخرجها نقودًا لكن تعطي مالًا لمن يشتري لك طعامًا ويوصله للفقراء، فإن كان الذي وكلته جهةً خاصةً، ليست جهةً عامةً، فيجب أن تصل الصدقة قبل الوقت المحدد، وينبغي أن يحرص على إيصالها للفقراء والمساكين قبل وقتها، لكن لو أنه تأخر وهي جهة عامة مرخصة، قد رخص لها بجمع زكاة الفطر، فلو تأخرت فلا بأس؛ لأنها وكيلة عن الفقراء وقبضها كقبض الفقير، لكن الأفضل والأكمل أن يقوموا بإيصالها إلى مستحقيها قبل يوم العيد، لكن هذا قد يشق أحيانًا، لاسيما عندما تكون الجمعيات واسعة، والإقبال عليها كبير، فقد يشق إيصال الزكاة في نفس اليوم، وقد لا يجدون الفقراء، وقد يصعب الوصول إليهم.
المقصود أن الأفضل أن تتولى ذلك بنفسك، هذا الأفضل، وهو الأعظم أجرًا، لكن لو أن أحدًا وكَّل جهةً خيريةً، فإن كانت هذه الجهة الخيرية مرخصة، فلا بأس، ولو تأخر إيصالها للزكاة إلى المستحقين، وإن كان تطوعًا من صاحب أو صديق، أو شخص يعرف الفقراء، فيجب عليه أن يوصلها إلى مستحقيها قبل صلاة العيد، كما جاء الأمر عن النبي صلى الله عليه وسلم فيما ذكره ابن عمر، أنه أمر أن تؤدى قبل صلاة العيد.
فإن أخرها عن صلاة العيد فإنه يُكره تأخيرها في قول جمهور العلماء، وقال آخرون: بل يحرم تأخيرها، فإذا أخرها عن صلاة العيد أثِم بذلك على قول بعض أهل العلم، ويكون قد وقع في المكروه في قول الجمهور، وتفوت عليه فضيلة صدقة الفطر، وتكون صدقة من الصدقات.
وبعض العلماء يقول: تُكره إلى غروب شمس يوم العيد، ويحرم بعد ذلك، ويكون آثمًا بإخراجها عن يوم العيد.
والذي يظهر أنه يجب إخراجها قبل صلاة العيد، وما بعده فإنه يُنهى عنه، إلا أن يكون الإنسان قد فاته لعذرٍ، فعند ذلك لا إثم عليه، ويخرجها، أما إذا فاته تكاسلًا أو تهاونًا فإنه يأثم، ويجب عليه إخراجها؛ لأنها ثبتت في ذمته، وإن كان قد فوت وقتها.
هذه جملة من المسائل المتصلة بزكاة الفطر، نسأل الله أن يرزقنا وإياكم العلم النافع، والعمل الصالح، وأن يختم لنا وإياكم بخير، وأن يجعلنا وإياكم من المقبولين، وأن يعيدنا على أحسن حال، وأكمل عمل، وأن يجعلنا من الفائزين بمغفرته ورحمته وبره وإحسانه.

الاكثر مشاهدة

4. لبس الحذاء أثناء العمرة ( عدد المشاهدات93792 )
6. كيف تعرف نتيجة الاستخارة؟ ( عدد المشاهدات89654 )

مواد تم زيارتها

التعليقات


×

هل ترغب فعلا بحذف المواد التي تمت زيارتها ؟؟

نعم؛ حذف