×
العربية english francais русский Deutsch فارسى اندونيسي اردو

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

الأعضاء الكرام ! اكتمل اليوم نصاب استقبال الفتاوى.

وغدا إن شاء الله تعالى في تمام السادسة صباحا يتم استقبال الفتاوى الجديدة.

ويمكنكم البحث في قسم الفتوى عما تريد الجواب عنه أو الاتصال المباشر

على الشيخ أ.د خالد المصلح على هذا الرقم 00966505147004

من الساعة العاشرة صباحا إلى الواحدة ظهرا 

بارك الله فيكم

إدارة موقع أ.د خالد المصلح

مرئيات المصلح / من رحاب الحرمين / يوم الجمعة سيد الأيام

مشاركة هذه الفقرة WhatsApp Messenger LinkedIn Facebook Twitter Pinterest AddThis

المشاهدات:4275

بِسمِ اللهِ الرحمَنِ الرحيمِ، الحَمدُ لِلَّهِ حَمدًا كَثيرًا طَيِّبًا مُبارَكًا فيهِ، أحمَدُهُ حَقَّ حَمدِهِ، لَهُ الحَمدُ في الأُولَى والآخرَةِ، ولَهُ الحُكمُ وإلَيْهِ تُرجَعونَ، وأشهَدُ أنْ لا إلهَ إلَّا اللهُ إلَهُ الأَوَّلينَ والآخِرينَ، لا إلهَ إلَّا هُوَ الرحمَنُ الرحيمُ، وأشهَدُ أنَّ مُحمَّدًا عَبْدُ اللهِ ورَسولُهُ، وصَفيُّهُ وخَليلُهُ، خَيرتُهُ مِنْ خَلقِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وعَلَى آلهِ وصَحبِهِ، بَلَّغَ الرِّسالةَ، وأدَّى الأمانةَ، ونَصحَ الأُمَّةَ، وجاهَدَ في اللهِ حَقَّ جهادِه حَتَّى أتاهُ اليَقينُ وهُوَ عَلَى ذَلِكَ؛ فـصَلَّى اللهُ عَلَيْهِ، اللهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحمدٍ، وعَلَى آلِ مُحمدٍ، كما صَلَّيْتَ عَلَى إبراهيمَ وعَلَى آلِ إبراهيمَ إنَّكَ حَميدٌ مَجيدٌ، أمَّا بَعْدُ:

فإنَّ هَذا اليومَ يَومٌ لَهُ مِنَ الخَصائصِ القَدَريةِ والشرعيَّةِ ما يَنبَغي لكُلِّ مُؤمنٍ أنْ يَحتَفيَ بِها، وأنْ يَعتنِيَ بمَعرفتِها؛ فإنَّ يَومَ الجُمعةِ يَومٌ عَظيمٌ، هُوَ سَيِّدُ أيامِ الأُسبوعِ، وقَدْ جاءَ وَصفُهُ في قولِ النبيِّ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وسَلَّمَ ـ بأنَّهُ «سَيِّدُ الأيامِ» مُسنَدُ أحمدَ (15548)، وسُننُ ابنِ ماجَةَ (1084)، وحسَّنَهُ الألبانيُّ في صحيحِ الجامعِ (2279) ؛ لأنَّهُ جَمعَ خِصالَ الخيرِ التي تَفرَّقَتْ في غَيرِه، فالسيِّدُ في الشيءِ هُوَ مَنْ جَمعَ أسبابَ الشرفِ والتميُّزِ.

وهَذا اليومُ، يَومُ الجُمعةِ جَمعَ اللهُ ـ تَعالَى ـ فيهِ مِنْ أسبابِ الشرَفِ والتميُّزِ ما تَميَّزَ بِهِ عَنْ سائرِ أيامِ الأسبوعِ، وقَدْ بَيَّنَ النبيُّ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وسَلَّمَ ـ شَيئًا مِنْ ذَلِكَ فيما رَواهُ الإمامُ مُسلمٌ مِنْ حَديثِ عبدِ الرحمَنِ بنِ الأعرَجِ، عَنْ أبي هُرَيرَةَ عبدِ الرحمنِ بنِ صَخْرٍ الدَّوسيِّ ـ رَضِيَ اللهُ تَعالَى عَنهُ ـ قالَ: قالَ رَسولُ اللهِ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وسَلَّمَ ـ : «خَيرُ يَومٍ طَلَعتْ عَلَيهِ الشمسُ يَومُ الجُمُعةِ»، هَذا الذي في صَحيحِ الإمامِ مُسلمٍ. ثُمَّ ذَكرَ النبيُّ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وسَلَّمَ  ـ جُملةً مِنَ الخَصائصِ التي تَميَّزَ بها هَذا اليومُ عَنْ سائرِ أيامِ الأُسبوعِ، فقالَ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وسَلَّمَ ـ: «فيهِ خُلِقَ آدمُ، وفيهِ أُدخِلَ الجَنَّةَ، وفيهِ أُخرِجَ مِنها، وفيهِ تَقومُ الساعَةُ» صحيحُ مسلمٍ (854) .

هذهِ أربَعُ خصائصَ ذَكرَها النبيُّ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وسَلَّمَ ـ ميَّزَتْ هَذا اليومَ عَنْ غَيرِه مِنَ الأيامِ، وهَذا التمْييزُ لهَذا اليومِ بهذهِ الخَصائصِ هُوَ ذِكْرٌ لِما تَميَّزَ بِهِ قَدَرًا، أي: أنَّ اللهَ ـ تَعالَى ـ أوقَعَ في هَذا اليومِ مِنَ الحَوادِثِ الخَلْقيةِ، والوقائعِ الكَونيةِ، والأُمورِ القَدريةِ التي تَميَّزَ بها عَنْ سائرِ الأيامِ.

فكُلُّ هذهِ الخصائصِ خَصائصٌ قَدَريةٌ، قَدَّرَ اللهُ تَعالَى -واللهُ يَخلُقُ ما يَشاءُ ويَختارُ- أنْ تكونَ في هَذا اليومِ، وهِيَ مما يَتَّصِلُ ببني آدَمَ في مبدَأِ خَلْقِهِم ومُنتهاهُ، فإنَّ اللهَ ـ تَعالَى ـ خَلَقَ فيهِ آدمَ، وهَذا مَبدَأُ الخَلقِ، ومَبدأُ البَشريةِ، كما قالَ ـ تَعالَى ـ: ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ[النساءِ:1] ، هِيَ نَفْسُ آدمَ ﴿وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ[النساءِ:1]، هَذا مَبدأُ الخَلقِ.

وفيهِ أُدخِلَ الجَنَّةَ، والجنةُ التي أُدخِلَها آدمُ -عَلَيهِ السَّلامُ- هِيَ جَنَّةُ اختِبارٍ، وليسَتْ دارَ قَرارٍ، لم تَكُنْ لآدمَ ـ عَلَيهِ السَّلامُ ـ دارُ قَرارٍ؛ بَلْ كانَتْ دارَ اختِبارٍ وامتِحانٍ؛ ولذَلِكَ اختَبرَهُ اللهُ ـ تَعالَى ـ وامتَحنَهُ بأنْ مَنعَ عَنهُ شَجَرةً، وحَرَّمَها عَلَيهِ، ونَهاهُ عَنْ قُربانِها، فوَسوسَ إلَيهِ الشيطانُ، وزَيَّنَها لَهُ، فضَيَّقَ أمامَهُ كُلَّ ذَلِكَ النعيمِ الذي أَحَلَّهُ اللهُ تَعالَى وأذِنَ لَهُ في أنْ يَتمتَعَ بِهِ إلَّا تِلْكَ الشَّجرَةَ، فأكَلَ مِنْها، ﴿وَعَصَى آدَمُ رَبَّهُ فَغَوَى* ثُمَّ اجْتَبَاهُ رَبُّهُ فَتَابَ عَلَيْهِ وَهَدَى[طه:122 -123] .

فأخرجَهُ اللهُ ـ تَعالَى ـ بتِلْكَ الأكلَةِ مِنَ الجَنَّةِ، وكانَ إخراجُهُ مِنَ الجَنَّةِ في اليَومِ الذي أُدخِلَ فيهِ الجَّنةَ، وهُوَ يَومُ الجُمُعةِ، أي: وافقَ إخراجُهُ يَومُ الجُمعةِ، فآدمُ دَخلَ الجَنَّةَ بإذنِ اللهِ ـ عَزَّ وجَلَّ ـ دُخولَ اختِبارٍ وامتِحانٍ، فكانَ ما كانَ مِنْ مَعصيَةِ المَلَكِ الدَّيَّانِ ـ جَلَّ في عُلاهُ ـ فأُخرِجَ مِنَ الجنةِ،أُخرِجَ مِنَ الجنةِ، وكانَ ذَلِكَ في يَومِ الجُمعةِ، وهَبطَ إلى الأرضِ التي فيها الاختِبارُ والامتحانُ، والتي خَلَقها اللهُ ـ تَعالَي ـ ليَبتلِيَ الناسَ بالسَّراءِ والضَّراءِ، والخَيرِ والشرِّ؛ ليَرَى اللهُ ـ تَعالَى ـ الصادِقينَ مِنَ الكاذِبينَ، ﴿الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا وَهُوَ الْعَزِيزُ الْغَفُورُ[المُلْكِ:2] .

ولا زالَ الناسُ في هذهِ الدارِ وعَلَى هذهِ الأرضِ إلى أنْ يَأذَنَ اللهُ ـ تَعالَي ـ بانقِضاءِ الدُّنيا، وذَلِكَ بمَجيءِ الساعَةِ، والساعَةُ تَأتي يَومَ الجُمعةِ؛ ولذَلِكَ قالَ النبيُّ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وسَلَّمَ ـ: «وفيهِ تَقومُ الساعَةُ».

والمَقصودُ بالساعةِ: يَومُ القيامَةِ الذي يَقومُ فيهِ الناسُ لرَبِّ العالَمينَ، والذي يَتحوَّلُ الناسُ فيهِ مِنَ الدارِ التي كانوا فِيها إلى الدارِ الآخِرَةِ التي يُجزَونَ فِيها عَلَى أعمالِهِم، ويُحاسَبونَ فيها عَلَى ما كانَ مِنْ إحسانِهِم أو تَقصيرِهِم، فمَنْ وَجدَ خَيرًا فليَحمَدِ اللهَ، ومَنْ وَجدَ غَيْرَ ذَلِكَ فلا يَلُومَنَّ إلَّا نَفسَهُ.

كُلُّ هذهِ الحَوادِثِ العَظيمةِ التي هِيَ حَوادِثُ مَصيريةٌ، وحَوادِثُ كُبرَى في وَقائِعِ تاريخِ البَشريةِ، كُلُّ هذهِ الحَوادِثِ وَقعَتْ يَومَ الجُمعةِ؛ ولذَلِكَ كانَ هَذا اليومُ مِنْ حَيثُ المَنزلَةُ والمَكانةُ بهذهِ المَرتَبةِ، أنْ كانَ خَيرَ يَومٍ طَلعَتْ فيهِ الشمسُ، كما قالَ مَنْ لا يَنطِقُ عَنِ الهَوَى ـ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وسَلَّمَ ـ: «فخَيرُ يَومٍ طَلَعَتْ فيهِ الشمسُ يَومُ الجُمعةِ، فيهِ خُلِقَ آدمُ، وفيهِ أُدخِلَ الجَنةَ، وفيهِ أُخرِجَ مِنها، وفيهِ تَقومُ الساعَةُ».

ثُمَّ إنَّ النبيَّ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وسَلَّمَ ـ ذَكرَ أيضًا أمْرًا يَتعلَّقُ باصطِفاءِ اللهِ ـ عَزَّ وجَلَّ ـ بهَذا اليومِ، فقالَ: «وفيهِ ساعَةٌ لا يُوافِقُها عَبدٌ مُسلِمٌ يُصلِّي فيَسألُ اللهَ شَيئًا إلَّا أعطاهُ اللهُ إيَّاهُ» صحيحُ البُخاريِّ (935)، وصحيحُ مُسلمٍ (852).

هذهِ الساعَةُ هِيَ مِنحَةٌ إلاهيَّةٌ، ونَفحَةٌ رَبَّانيةٌ للمُسلمينَ الطائِعينَ العابِدينَ، فإنَّ اللهَ ـ عَزَّ وجَلَّ ـ يَمنَحُ الطائِعَ العابِدَ في هَذا اليومِ ساعةً، والساعَةُ المَقصودُ بها: البُرهَةُ مِنَ الزمَنِ، وليسَ المَقصودُ مِنَ الساعَةِ هُنا الساعَةُ الاصطِلاحيةِ التي تَعارَفَ عَلَيها الناسُ، وهِيَ سِتُّونَ دَقيقةً، فهَذا اصطِلاحٌ حادِثٌ وتَعارُفٌ جَديدٌ لم يَكنْ عَلَى عَهدِ سَيِّدِ الوَرَى ـ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وسَلَّمَ ـ إنَّما المَقصودُ بالساعَةِ المُدَّةِ مِنَ الزمَنِ، وذَلِكَ في هَذا اليومِ.

وقَدِ اختَلفَ العُلَماءُ ـ رَحمهُمُ اللهُ ـ في تَعيينِ هذهِ الساعةِ، مَتَى تَكونُ؟ عَلَى أقوالٍ شَتَّى، أقرَبُها قَولانِ:

القَولُ الأوَّلُ: أنَّها مِنْ دُخولِ الإمامِ لخُطبةِ الجُمعةِ إلى فَراغِهِ مِنَ الصلاةِ، كُلُّ هَذا وَقتٌ تُرجَى فيهِ هذهِ الساعَةِ، جاءَ ذَلِكَ فيما رَواهُ الإمامُ مُسلمٌ، ففي صحيحِه مِنْ حَديثِ أبي مُوسَى الأشعريِّ ـ رَضِيَ اللهُ تَعالَى عَنهُ ـ فإنَّهُ أخبَرَ أنَّ النبيَّ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وسَلَّمَ  ـ أخبَرَ أنَّها تَكونُ «مِنْ دُخولِ الإمامِ حَتَّى يَقضِيَ الإمامُ صَلاتَهُ» صحيحُ مُسلمٍ (853) .

أمَّا الوَقتُ الثاني:فهُوَ مِنْ بَعدِ صَلاةِ العَصرِ حَتَّى تَغرُبَ الشمسُ، وكِلا الوَقتَيْنِ يَنبَغي للمُؤمنِ أنْ يَتحرَّى فيهِما فَضلَ اللهِ عَزَّ وجَلَّ.

أمَّا الوَقتُ الأوَّلُ: وهُوَ وَقتُ دُخولِ الخَطيبِ للخُطبةِ إلى فَراغِ الصلاةِ، فالدُّعاءُ يَكونُ في وَقتٍ بَينَ الخُطبتَيْنِ، وبَعدَ فَراغِ الإمامِ مِنَ الخُطبةِ، وفي أثناءِ الصلاةِ في السُّجودِ، وفي آخِرِ الصلاةِ قَبلَ التسليمِ.

وكُلُّ هذهِ المَواطنِ مِمَّا تَدعُو فيهِ المُؤمِنَ أنْ يَتحرَّى ساعَةَ الإجابَةِ التي قالَ فيها النبيُّ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وسَلَّمَ ـ: «وفيهِ ساعَةٌ لا يُوافِقُها عَبدٌ مُسلِمٌ يُصلِّي فيَسألُ اللهَ شَيئًا إلَّا أعطاهُ اللهُ إياهُ».

فيَنبَغي للمُؤمنِ أنْ يَتحرَّى هذهِ الساعةَ في هذهِ الأوقاتِ، وكذَلِكَ بَعدَ صَلاةِ العَصرِ إلى غُروبِ الشمسِ، وليَعلَمْ أنَّ سُؤالَ اللهِ ـ عَزَّ وجَلَّ ـ أكمَلُ ما يَكونُ عِندَما يَجمَعُ الإنسانُ قَلبَهُ عَلَى حُسنِ الظنِّ باللهِ ـ عَزَّ وجَلَّ ـ وصِدْقِ الرغبَةِ فيما عِندَه، وسُؤالِهِ خَيرَ الدُّنيا والآخِرَةِ، وذَلِكَ بالإكثارِ مِنْ قَولِ: ﴿رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ[البقرَةِ:201] .

فهَذا أجمَعُ دُعاءٍ يَدعو بِهِ المُسلِمُ في كُلِّ مُناسبةٍ، فإنَّ النبيَّ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وعَلَى آلِهِ وسَلَّمَ ـ كانَ يُكثِرُ مِنْ أنْ يَقولَ في دُعائِهِ كما جاءَ في الصحيحِ مِنْ حَديثِ أنَسٍ: كانَ يُكثِرُ أنْ يَقولَ في دُعائِهِ: ﴿رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ[البَقرَةِ:201]. صحيحُ البُخاريِّ (6389) .

فجَديرٌ بالمُؤمنِ أنْ يُعمِّرَ أوقاتَ دُعائِهِ بسُؤالِ اللهِ مِنْ خَيرِ الدُّنيا والآخِرَةِ، وأنْ يَجتهِدَ في ذَلِكَ لنَفسِهِ ولأهلِه، ولولَدِه ووالديهِ، ومِنْ يُحبُّ، ولأهلِ الإسلامِ كافَةً، فإنَّهُ لا يُؤمِنُ أحدُكُم حَتَّى يُحبَّ لأخيهِ ما يُحبُّ لنَفسِهِ.

وإذا كانَ المُؤمِنُ إذا استَغفرَ للمُؤمنينَ والمُؤمناتِ جاءَهُ بكُلِّ مُؤمنٍ ومُؤمنةٍ حَسنةٌ فإنَّهُ سَيجنِي عَطاءً جزيلًا وأجرًا كبيرًا بقَولِه: "رَبِّي اغفِرْ لي ولوالِديَّ، وللمُؤمنينَ والمُؤمناتِ"، فإنَّهُ يَجني بذَلِكَ حَسنَةً في حَقِّ كُلِّ مُؤمِنٍ شَمَلَهُ هَذا الدُّعاءُ، ولكُلِّ مُؤمِنةٍ شَملهَا هَذا الدُّعاءُ.

فيَنبَغي أنْ نَحرِصَ عَلَى تَحري هذه الساعَةِ، ونَسألَ اللهَ ـ تَعالَى ـ الخَيرَ والبِرَّ والإحِسانَ، وليُجملِ المؤمِنُ في الطلَبِ، وليَتحرَّ الدُّعاءَ النبويَّ، وليُكثِرْ مِنَ الصلاةِ عَلَى النبيِّ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وسَلَّمَ ـ فإنَّ صَلاةِ المُؤمنِ علَى النبيِّ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وسَلَّمَ  ـ تُوجِبُ لَهُ مَزيدَ عَطاءٍ مِنَ اللهِ ـ عَزَّ وجَلَّ ـ فقَدْ جاءَ في الصحيحِ أنَّهُ قالَ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وسَلَّمَ ـ: «مَنْ صَلَّى عَلَيَّ صَلاةً واحدَةً صَلَّى اللهُ عَلَيهِ بها -أي: بسَببِها- عَشْرةً» صحيحُ مُسلمٍ (384) ، وذَلِكَ فَضلُ اللهِ وإحسانِهِ، وجَزيلِ عَطائِهِ، وبَرِّهِ وكَرمِهِ.

فيَنبَغي للمُؤمنِ أنْ يَحرِصَ عَلَى إكثارِ الصلاةِ عَلَى النبيِّ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وسَلَّمَ ـ حَتَّى في مَواطنِ الإجابةِ، فإنَّ ذَلِكَ مما يُكفَى بِهِ هَمُّه، ويُغفَرُ بهِ ذَنبُه، جاءَ ذَلِكَ فيما رَواهُ أحمدُ وأصحابُ السُّننِ مِنْ حَديثِ أُبيِّ بنِ كَعبٍ ـ رَضِيَ اللهُ تَعالَى عَنهُ ـ أنَّهُ قالَ للنبيِّ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وعَلَى آلِهِ وسَلَّمَ ـ: يا رسولَ اللهِ، إني أدعُو لَكَ في صَلاتي فأجعَلُ لَك رُبعَ صَلاتي، فقالَ النبيُّ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وسَلَّمَ ـ: «ذَلِكَ خَيرٌ، وإنْ زِدْتَ فهُوَ خَيرٌ لَكَ»، ثُمَّ قالَ: أجعَلُ لَك ثُلثَ صَلاتي، ثُمَّ قالَ: أجعَلُ لكَ شَطرَ صَلاتي، حتَّى قالَ: أجعَلُ لكَ صَلاتي كُلَّها،فقالَ لَهُ النبيُّ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وسَلَّمَ ـ وكانَ يَقولُ لَهُ في كُلِّ مَرةٍ: «ذَلِكَ خَيرٌ، وإنْ زِدتَ فهُوَ خَيرٌ لكَ»، قالَ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وسَلَّمَ ـ لَمَّا قالَ لَهُ: أجعَلُ لكَ كُلَّ صَلاتي –يَعني: كُلُّ دُعائي في ذَلِكَ المَوقفِ أو في تِلْكَ الدعوَةِ- قالَ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وسَلَّمَ ـ: «إذًا تُكفَى همُّك،ويُغفِرُ اللهُ ذَنبَكَ» سُنَنُ الترمذيِّ (2457) وقالَ: هَذا حَديثٌ حَسنٌ .

وهَذا عَطاءٌ عَظيمٌ، وإحسانٌ جَزيلٌ مِنْ ثِمارِ الصلاةِ والسلامِ عَلَى سَيِّدِ المُرسَلينَ ـ صَلواتُ اللهِ وسَلامُهُ عَلَيهِ ـ فليجِدَّ المُؤمِنُ بالإكثارِ مِنَ الصلاةِ عَلَى النبيِّ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وسَلَّمَ  ـ في هَذا اليومِ؛ لعَلَّهُ أنْ يُدرِكَ هَذا العطاءَ الجَزيلَ مِنَ اللهِ ـ عَزَّ وجَلَّ ـ الذي يُعطي عَلَى القَليلِ الكثيرَ، فالعَملُ القَليلُ عِندَ رَبِّنا كَثيرٌ بثَوابِه وعَطائِه، وجَزيلِ إحسانِه سُبحانَه وبحَمدِه، هَذا بَعضُ ما يَتعلَّقُ بهَذا اليومِ.

نَسألُ اللهَ ـ عَزَّ وجَلَّ ـ أنْ يَمنحَنا بَركتَهُ، وأنْ يَرزُقَنا فيهِ صالِحَ العَملِ، وأنْ يُعينَنا فيهِ عَلَى ما يُحِبُّ ويَرضَى في السرِّ والعَلنِ.

وأفضَلُ ما في هَذا اليومِ مِنَ الخصائصِ الشَّرعيةِ: الصلاةُ التي أمَرَ اللهُ -عَزَّ وجَلَّ- بالسعْيِ إلَيها في قَولِه: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِيَ لِلصَّلاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنتُمْ تَعْلَمُونَ[الجُمُعةِ:9] .

فيَنبَغي للمُؤمنِ أنْ يَحرِصَ عَلَى هذهِ الصلاةِ، وأنْ يُبادِرَ إلَيها، وأنْ تَكونَ عَظيمَةَ الشأنِ في قَلبِه، وأنْ يَتهيَّأَ لها،وأنْ يَخشَى مِنْ ضياعِها أو فَواتِها، فإنَّ النبيَّ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وسَلَّمَ ـ حَذَّرَ مِنْ ذَلِكَ، جاءَ في الصحيحِ مِنْ حديثِ عَبدِ اللهِ بنِ عُمرَ، مِنْ حديثِ أبي هُرَيرَةَ، أنَّ النبيَّ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وسَلَّمَ ـ قالَ: «لَيَنْتَهِيَنَّ أَقْوَامٌ عَنْ وَدْعِهِمُ الْجُمُعَاتِ -يعني: عَنْ تَركِهِم صَلاةَ الجُمعةِ-أَوْ لَيَخْتِمَنَّ اللهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ، ثُمَّ لَيَكُونُنَّ مِنَ الْغَافِلِين» صحيحُ مُسلمٍ (865)، أي: يَختِمُ اللهُ ـ تَعالَى ـ عَلَى قَلبِ العَبدِ، فإذا خُتِمَ عَلَى قَلبِه كانَ غافِلًا، لا يَنتفِعُ بمَوعِظةٍ، ولا تُجدِي مَعَهُ ذِكرَى، ولا تُثمِرُ مَعَهُ نَصيحَةٌ؛ لإغلاقِ قَلبِه وخَتمِه،كما تَختِمُ عَلَى الخِطابِ أو الجَوابِ الذي تَبعَثُه بالخِتْمِ الذي يُقفِلُه، فكَذلِكَ الخَتْمُ عَلَى القلبِ هُوَ إغلاقٌ لَهُ؛ ولذَلِكَ قالَ: «ثُمَّ لَيَكُونُنَّ مِنَ الْغَافِلِين».

فيَنبَغي للمؤمنِ أنْ يَحرِصَ عَلَى كَثرَةِ ذِكْرِ اللهِ ـ عَزَّ وجَلَّ ـ وتَعظيمِه وتَمجيدِه، والمُبادَرةِ إلى ما فَرضَ اللهُ ـ تَعالَى ـ مِنَ الصلاةِ، فقَدْ أمرَ اللهُ بالسَّعْيِ إلَيها في قَولِه: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِيَ لِلصَّلاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ[الجُمعةِ:9] .

الاكثر مشاهدة

4. لبس الحذاء أثناء العمرة ( عدد المشاهدات94176 )
6. كيف تعرف نتيجة الاستخارة؟ ( عدد المشاهدات90095 )

مواد تم زيارتها

التعليقات


×

هل ترغب فعلا بحذف المواد التي تمت زيارتها ؟؟

نعم؛ حذف