الحمد لله حمدًا كثيرًا طيبًا مباركًا فيه، الحمد لله حمدًا يرضيه، الحمد لله ملأ السماء والأرض، وملأ ما شاء من شيءٍ بعد، أحمده له الحمد كله، فله المحامد كلها، لا نُحصي ثناءً عليه، هو كما أثنى على نفسه، وأشهد أن لا إله إلا الله، إله الأولين والآخرين، رب العالمين، الرحمن الرحيم، وأشهد أن محمدًا عبد الله ورسوله، خيرته من خلقه، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه، ومَن اقتفى أثره، واتبع سنته بإحسانٍ إلى يوم الدين، أما بعد:
فمع غروب شمس يوم غدٍ تدخل العشر الأواخر، التي فيها خير ليالي الزمان: ليلة القدر.
فبغروب شمس يوم غدٍ العشرين من رمضان، تكون قد دخلت ليالي العشر الأخير من رمضان، والنبي ـ صلوات الله وسلامه عليه ـ كان له مِن الجدِّ والاجتهاد في رمضان ما ليس لغيره من أيام وليالي الزمان؛ ولذلك جاء في الصحيح "أن النبي ـ صلى الله وعليه وسلم ـ كان يجتهد في رمضان ما لا يجتهده في غيره".صحيح مسلم (1175).
وجاء في الصحيحين من حديث عبد الله بن عباس ـ رضي الله تعالى عنهما ـ: «أن النبي ـ صلى الله وعليه وسلم ـ كان أجود الناس، وكان أجود ما يكون في رمضان» صحيح البخاري (6)، وصحيح مسلم (2308) ، فيزداد جهده ـ صلوات الله وسلامه عليه ـ في هذا الشهر أكثر من غيره من الشهور، إلا أن النبي ـ صلى الله عليه وعلى آله وسلم ـ كان إذا دخل العشر زاد في الجدِّ والطاعة، والاجتهاد فيما يقرب إلى الله جل في علاه.
لذلك جاء في الصحيحين من حديث عائشة ـ رضي الله تعالى عنها ـ أنها قالت: "كان النبي ـ صلى الله وعليه وسلم ـ إذا دخل العشر أحيا ليله، وشد المئزر، وأيقظ أهله"، هكذا في الصحيحين صحيح البخاري (2024)، وصحيح مسلم (1174) ، وفي رواية مسلم: "وَجَدَّ" أي: وَجَدَّ في طاعة الله ـ عز وجل ـ والتقرب إليه.
هذا الوصف لحاله ـ صلى الله وعليه وسلم ـ يُلخص لنا ما ينبغي أن تكون عليه حال المؤمن التقي، حال المؤمن الراشد، حال المؤمن الصادق في طلب ما عند الله عز وجل.
هي ليالٍ ما أسرع أن تنقضي وتنتهي، الراشد فيها مَن جدَّ بالعمل الصالح، واجتهد فيما يقرب إلى الله ـ جل وعلا ـ وبذل الوُسْعَ في التقرب إليه بأنواع القربات، فما هي إلا ليالٍ معدودات، سرعان ما تنقضي.
كان ـ صلى الله وعليه وسلم ـ فيها يبلغ الغاية والذروة في اجتهاده في ألوان الطاعات، وصنوف المبرَّات، حتى أنه ـ صلى الله وعليه وسلم ـ لشدة اشتغاله بالطاعة والهمة بها كان ـ صلى الله وعليه وسلم ـ يَصِل صوم يومٍ بيوم، فلا يفطر بين اليومين بشيءٍ من المفطرات؛ لشدة سعيه وبذله،حتى إن الصحابة لما رأوه على هذه الحال ائتسوا به واقتدوا، فواصلوا يومًا تلو يوم، فقال لهم ـ صلى الله وعليه وسلم ـ: «لا تواصلوا» ؛شفقةً بهم،ورحمةً لهم،فقالوا: "إنك تواصل يا رسول الله"، وهو الأسوة والقدوة ـ صلوات الله وسلامه عليه ـ ﴿لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ﴾ [الأحزاب:21] ،فقال: «إني لست كهيئتكم؛ إني أبيت أُطعم وأُسقى» صحيح البخاري (1922).
والراجح في معنى قوله ـ صلوات الله وسلامه عليه ـ: «إني أبيت أُطعم وأُسقى» أي: أن الله يُمدني بقوةٍ وعَونٍ ومدد مِن لدنه يُغنيني عن الطعام والشراب؛ وذلك أن استيعاب قلبه للاشتغال بما يقرب إلى الله يذهبه عن الطعام والشراب، هذا معنى قوله ـ صلى الله وعليه وسلم ـ: «إني أبيت أُطعم وأُسقى».
فليس المراد ولا المقصود أنه كان يأكل ـ صلى الله وعليه وسلم ـ شيئًا لا يرونه، أو يُطعم طعامًا لا يرونه، فإنه إذا كان كذلك فإنه لن يكون صائمًا لقال: «لست مواصلًا؛ بل أكلت»؛ لكنه أقر أنه يواصل ـ صلوات الله وسلامه عليه ـ وأخبر بأنه ليس كَهُم في هذا الشهر؛ لأن له من الله عونًا، ولأن له مع الله حالًا تُغنيه عن الطعام والشراب، وذلك باستيعاب قلبه واشتغاله بذكر مولاه، ألا يحتاج معه إلى غذاءٍ وشراب.
هذا حاله ـ صلى الله عليه وعلى آله وسلم ـ هذه حاله في العشر الأخير من رمضان، وهذه الليالي أيها الإخوة ليالي مباركة، فيها ليلة هي خير ليالي الزمان، بالنسبة لمن وُفِّق فيها إلى صالح الإعمال، ليلة القدر التي قال فيها الله ـ عز وجل ـ: ﴿إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ* وَمَا أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ﴾ [القدر:1 -2].
هذا تعظيم لشأنها، فإذا قيل: (ما أدراك) أشعر في كلام العرب التفخيم والتضخيم، وعلو المكانة، ورفعة القدر،﴿وَمَا أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ* لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ﴾ [القدر:2 -3]، هذا بعض ما فيها من الفوائد،﴿خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ﴾ في الطاعة والعبادة، ففيها القربة على هذه المنزلة عند الله عز وجل، وهذا بعض ما فيها من الخير.
وفيها أيضًا ما ذكره النبي ـ صلى الله وعليه وسلم ـ في قوله: «مَن قام ليلة القدر إيمانًا واحتسابًا غُفر له ما تقدم من ذنبه» صحيح البخاري (1901)، وصحيح مسلم (760) .
وفيها أيضًا قول الحكيم في محكم التنزيل: ﴿فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ﴾ [الدخان:4] ، وقد وصفها الله ـ تعالى ـ بأنها مباركة: ﴿إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُبَارَكَةٍ إِنَّا كُنَّا مُنذِرِينَ﴾ [الدخان:3] .
فهي مباركة لما جرى فيها من واقعٍ وحدث؛ وهو إنزال القرآن العظيم، هذا من أعظم بركاتها، كما أنها مباركة بما يجريه الله ـ عز وجل ـ من محو السيئات والذنوب، مباركة بما يعطيه الله ـ عز وجل ـ السائلين، ويجيب به الداعين، مباركة يحطّ الله بها الخطايا، «من قام ليلة القدر إيمانًا واحتسابًا غُفر له ما تقدم من ذنبه».
هذه من أوجه البركات، وفيها القضاء الحولي الذي يقضي الله تعالى فيه أحداث العام، قد جاء ذلك في قوله ـ تعالى ـ: ﴿فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍحَكِيمٍ﴾ [الدخان:4] .
﴿فِيهَا يُفْرَقُ﴾أي: يُقضى.
﴿كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ﴾ أي: كل أمرٍ محكم من الله العزيز الحكيم سبحانه وبحمده.
فالتقدير والقضاء له مراحل ومراتب:
فمن مراحله ومراتبه: (التقدير الأزلي)؛ الذي قدَّر الله ـ تعالى ـ فيه مقادير الخلائق قبل أن يخلق السماوات والأرض بخمسين ألف سنة، كما جاء في صحيح الإمام مسلم من حديث عبد الله بن عمرو.
وكذلك: (التقدير العُمري) الذي يكون عند نفخ الروح في كل واحدٍ منَّا، يُرسل مَلك على رأس مائة وعشرين يومًا، فيؤمر بكتب أجله، ورزقه، وعمله، وشقيٍ أو سعيد، فيكتب الشقاء والسعادة، هذا التقدير العمري.
ثمة (تقدير حولي)، وهو ما يكون في ليلة القدر، التي قال فيها ـ جل وعلا ـ: ﴿فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ﴾[الدخان:4].
وهناك (تقديرٌ يومي)، وهو ما يجريه الله من الأقدار اليومية، وما يقضيه فيها، كما قال ـ جل في علاه ـ: ﴿كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِي شَأْنٍ﴾[الدخان:4].
فهو في كل يومٍ يقضي ما يشاء، فيرفع أقوامًا، ويضع آخرين، يُجيب داعيًا، ويعطي سائلًا، ويغيث ملهوفًا، وينجي مكروبًا، ويفتح عطاءً، ويمسك عمن يشاء، لا مانع لما أعطى، ولا معطي لما منع سبحانه وبحمد.
هذا معنى قوله ـ جل في علاه ـ: ﴿كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِي شَأْنٍ﴾، فله في كل يومٍ شأن سبحانه وبحمد، وهو رفيع الشأن، عَليُّ القدر، عظيم المكانة ـ سبحانه وبحمده ـ لا يحيط به عباده إدراكًا لمجده وحقه، ﴿وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ﴾[الأنعام:91].
إخواني هذه الليالي المباركة ليالي لا تعوَّض بثمنٍ لو فاتته، الرابح فيها من جدَّ بألوان القروبات، يبتغي ما عند الله، ولتعلموا أيها المؤمنون أن النبي ـ صلى الله وعليه وسلم ـ اعتكف شهرًا كاملًا، يطلب ليلة القدر.
فينبغي للمؤمن أن يحرص على عمارة وقته في هذه الليالي بما تعلو به مراتبه، وتحطّ به سيئاته، ويدرك به فضائل هذه الليلة المباركة.
احرصوا على الأعمال الصالحة، فمن أصلح فيما مضى من أيام ليجدّ فيما بقي، فالنبي كان يجدّ ويزيد في الإحسان حتى يحيي ليله ـ صلى الله وعليه وسلم ـ يحيي كل الليل في طاعة الله، والتقرب إليه.
فينبغي أن يكون الجدول في هذه الليالي المقبلة مختلف عن سائر الليالي، يجدّ فيها الإنسان بقراءة القرآن، بالإحسان، بلزوم المساجد، بقيام ما يسر الله من الصلاة والزيادة في ذلك، فإن النبي ـ صلى الله وعليه وسلم ـ كان يحيي ليله، والليل إنما يحيى بطاعة الله، لا بالصفق في الأسواق، ولا بتقليب القنوات، ومتابعة المسلسلات، ولا بشيءٍ من هذه الملاهي والملذات؛ بل لا يحيي الليل إلا بطاعة الله، بتلاوة القرآن، بذكر الله ـ عز وجل ـ الذي به تحيا القلوب.
فإنه لا حياة لحياتك إلا بذكر ربك، لا حياة لحياتك حقيقةً إلا بذكر ربك، فذكر الله هو الحياة، والإعراض عنه موت؛ لذلك جاء في الصحيح من حديث أبي موسى الأشعري ـ رضي الله تعالى عنه ـ أن النبي ـ صلى الله وعليه وسلم ـ قال: «مثل الذي يذكر ربه والذي لا يذكر ربه كمثل الحي والميت»صحيح البخاري (6407).
فإذا أردت أن تحيا وتحيي ليلك فأكثر من ذِكر الله، وتخفف من المُشغولات والمُلهيات، وسائر ما يُشغلك عن الطاعة والإحسان.
هي ليالي معدودة، هي نفحات، فلا تفوتك هذه النفحات، نفحات يا أخي وقرائبوعطايا وهبات، يجود الله ـ تعالى ـ بها على عباده، الآن لو واحد واقف يوزع دراهم على ريال واحد لوجدت الناس عليه هكذا، وهو يعطي ريال، ريال، وانظروهم في الساحات، وفي خارج الـ، لو يوزع أي شيء اجتمع الناس عليه على نحوٍ مُذهل، وريال، يا أخي الله يوزع الجنة، ويحط الخطايا، ويرفع الدرجات، ويقضي الحاجات، يغيث اللهفات، يعطي عطاءً واسعًا عظيمًا، فلماذا لا ترفع يديك وتستنزل هذه العطايا بصالح الأعمال؟ لماذا لا تسجد وتطلبما عند الله؟ والله كريم الذي لا يرجع خائبًا، ولا يمكن أن يضيع أو يضل ما تسعى به لربك جل في علاه.
فجدَّ واجتهد وأبذل وسعك في الاستكثار من عطاء ربك، واسأل الله عز وجل من خير الدنيا والآخرة، فسيصلح الله قلبك، ويشرح صدرك، ويقضي حاجتك، ويُبلغك مأمولك، ويحط وزرك، ويرفع درجتك، يعني القعود عن هذه العطايا خُسران، القعود عن هذه الهبات غاية الخبال.
فعليك بالإيمان، والعمل الصالح، والتواصي بالحق، والتواصي بالصبر، فما هي إلا ساعة ثم تنقضي، ويصبح ذو الأعمال فرحان جاذلًا، إن ربحت قد تسعد بقية عمرك، إن ربحت في هذه الأيام، فسألت الله صلاحًا في قلبك، صلاحًا في عملك، قضاءً لحاجاتك، سعدت بقية عمرك.
الإنسان قد يحبس نفسه في بعض الأمور على مصالح دنيوية، ويحبس نفسه عن ملذات لأجل أن يُحصِّل المكاسب، أصحاب التجارات الآن الذين يشتغلون في المواسم إذا جاء الموسم التجاري وصل الليل بالنهار؛ لئلا يفوته ما يمكن أن يربحه من كسب، فكيف بهذه المكاسب الباقية التي لا تفنى ولا تبيد، التي تجدها في موازين الحسنات، وتدرك بها هبات ذي الفضل والإنعام الوهاب جل في علاه؟
لا شك أن فواتها غَبنٌ وخسارة، فلنجدَّ ونجتهد، كلنا نحتاج إلى أن نتعاون، وأن نتواصى، وأن نتذاكر، فإذا وجدت من نفسك تقصيرًا حثها بالنظر في سيرة النبي ـ صلى الله وعليه وسلم ـ والنظر في إخوانك الذين يشتغلون بالطاعة، ولم يكلوا على كبرٍ في سنِّهم، وعجز بأبدانهم، تجدهم يزاحمون ويأتون، ويصبرون ويصابرون لإدراك فضل الله، وأنت تمشي وتذهب،وقوي ومعافى،فأحمد الله،وليكن لك فيهم أسوة،وليكن لك فيهم عبرة.
نرى بعض الناس انحنى ظهره كِبرًا ومع ذلك تجده قائمًا راكعًا ساجدًا، ونحن في صحة وعافية ونذهب ونجيء وليس عندنا من النشاط كما عند هذا، فلينظر الإنسان من حوله حتى يتشجع وينشط في طاعة الله عز وجل.
ما هي إلا ليالي سرعان ما تنقضي،لا تستطيلها، فما مضى كان بالأمس طويلًا،نقول: متى تأتي العشر الأواخر؟ جاءت العشر الأواخر الآن،متى تأتي العشر الأواخر؟ ها قد قدم العشر الأواخر، فأين نحن من الجدّ والاجتهاد؟ نحتاج إلى أن نقوي أنفسنا،نتعاون على البر والتقوى،ونتواصى.
وإذا وجدت من إخوان الكسل أو برود في الطاعة قول لهم: لا تفوتكم الهبات،لا تفوتكم العطايا،لا تفوتكم المنح،خسران أن تضيع علينا هذه الأيام دون مكسب،قد جاد الله عليك بفضلٍ أن كنت في رحاب بيته،وبين عباده،بين تالٍ ومصلٍ ومعتكف،أين أنت من هؤلاء؟ أين أنت من الطاعة والإحسان؟
نعم الله ـ عز وجل ـ أن ساقك ويسر لك المجيء إلى هذه البقاع، فعمرها بالطاعة،ولا تذهب عليك الليالي صواريف وحكاوي،ومقاهي وشواهي،وذهاب ومجيء فيما لا يفيد ولا ينفع.
هذا كل هذا يا إخواني وصية لنفسي ولكم ونحن نستقبل العشر،فلنجدَّ ونجتهد بكل صالح،لا تذخر شيئًا من الصالحات،لا تحقرن من المعروف شيئًا ولو أن تلقى أخاك بوجه طلق.
كان النبي أجود ما يكون،وأجود ما يكون في رمضان،أجود الناس وأجود ما يكون في رمضان،فلنحقق الجود في أعلى ما نستطيع،أعلى ما عندك من جود ائتِ به هذه الأيام.
أعلى ما عندك من طيب حققه في هذه الأيام،أقصى ما تستطيعه من صلاح لا يفوتك في هذه الأيام،فالعطاء فيها جزيل، الهبات فيها كبيرة، كم من الخطايا جنته أيدينا؟ وكم من الذنوب حصدته جوارحنا؟ وكم من السيئات أثقل كواهلنا؟ كثير،افنبخس أنفسنا، ولا نتعرض لرحمات الله ـ عز وجل ـ بهذه الأيام، التي العمل الصالح فيها عظيم الشأن عند رب العالمين؟
اجتمع لكم فضل المكان،وفضل الزمان، أنت في بيته،وفي رحاب مسجده، وفي زمانٍ مبارك،فلكم من المكانة وفرص النجاح أعلى من غيركم، فلا تفوتكم هذه الهبات والعطايا،المكان ليس هو المؤثر الوحيد؛ لأن كل إنسان جاء إلى رحاب بيت الله ليست هذه نهاية المطاف،أبو جهل وأبو لهب كانوا في هذه الزوايا، ما نفعهم المكان لمَّا فسدت قلوبهم،لكن أنا أقول: نحن في مكان مبارك، وأهل إسلام،وجئنا لعمل صالح،فلنصلح القلوب، ولتكن منة حاضرة بذكر الله،وتعظيمه وإجلاله، فينضاف إلى صلاح الحال إلى صلاح المكان والزمان صلاح العمل والقلب،وبه تشرق الأنوار.
وتلك مواهب الرحمن ليست تُحصَّل باجتهاد دور كسب؛ ولكن لا غنى عن بذل جهدٍ بإخلاصٍ وجدٍّ، لا غنى عنه، هي مواهب وعطايا يفيء الله بها على من يشاء من عباده، ما تُحصِّلها الأعمال فقط،إنما لابد من العمل، العمل لا يكفي لحصول المراتب العالية، لكن العمل برهان، مثل ما قال ـ صلى الله وعليه وسلم ـ: « الصدقة برهان»صحيح البخاري (6094)، وصحيح مسلم (223): دليل، دليل صدق، دليل إقبال،دليل رغبه، دليل حرص.
فلنجدّ ونجتهد،ونسأل الله بصدق أن يستعملنا في الصالحات،اسأل الله بصدق أن يجعلك من الفائزين في هذه العشرة، ادعو الله برغبة صادقة أن يوفقك لقيام ليلة القدر وصلاح العمل فيها.
هذه من الأسباب التي يدرك بها الإنسان العطايا،ومن الأسباب التي يدرك بها الفوز،فلنسلُك هذه الأسباب،ولنسأل الله من فضله، ومَن صدق الله صدقه، ولا تفوت علينا هذه الأيام بما لا عوض عنه، فإن كل شيءٍ من أمور الدنيا يمكن أن يعوض إلا ما كان في طاعة الله وذكره وعبادته، فإنه إذا فات فاتت الخيرات التيتوافقه.
وقول عائشة ـ رضي الله تعالى عنها ـ: "أيقظ أهله"صحيح البخاري (2024)، وصحيح مسلم (1174) إشارة إلى العناية بمن أنت مسئول عنهم،فلا تغفل عن ذريتك وأهلك، ومَن لهم حقٌّ عليك بالنصيحة،بالوصية،بالتشجيع، ما كنت عندهم تقول: والله مسافر بعيد عنهم، تليفون، اتصل عليهم، زوجك، أمك، أختك، أولادك من الذكور والإناث،كل من عيالك، الغريم والغريمة.
هذه ليالي مباركة، والكلمة يا إخواني ترى تترك أثرًا كل ما كانت نابعة من صدق ونصح، ورغبة في الخير للآخرين،كلما صدق الإنسان في هذه المعاني كتب الله لكلامه نفوذًا وقبولًا، فاصدق في نصيحتك لزوجتك وولدك، وأهلك.
ولنعلم أن أعلى المراتب في الطاعات الفرائض، لكن هذه المراحل،هذه الأيام يعني ينبغي أن نتكلم عن ما زاد عن الفرائض؛ لأن الفرائض يجب العناية بها في كل الأحوال،في كل الأزمان، لكن نؤكد أنه أفضل ما تقرب إليه العبد تتقرب العبد به إلى ربه في هذه الأيام الفرائض، ثم بعد ذلك أبواب الخير مُشرع من الصيام، والقيام، وذكر الرحمن، وسائر صالح الإعمال.
اللهم إنا نسألك بأنك أنت الله، لا إله إلا أنت، الحي القيوم، الأحد الصمد، الذي لم يلد ولم يولد، ونسألك أن تشرح صدورنا للبر والتقوى، اللهم خذ بنواصينا إلى ما تحب وترضى، اللهم بارك لنا فيما بقي من شهرنا.
اللهم أعنا فيه على الصيام والقيام إيمانًا واحتسابًا، اللهم اجعلنا ممن مننت عليه ووفقته إلى قيام ليلة القدر إيمانًا واحتسابًا، اللهم أعنا على قيامها على الوجه الذي ترضى به عنا، حط عنا بها الأوزار، وارفع بها الدرجات.
اللهم استعملنا فيما تحب وترضى، وأصلح نياتنا، وذرياتنا، وتولى شأننا يا ذا الجلال والإكرام، وأصرف عنا السوء والفحشاء، واجعلنا من عبادك وأوليائك يا ذا الجلال والإكرام.
اللهم أعنا على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك، اللهم أعنا على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك، اللهم أعنا على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك، اللهم أمنَّا في أوطاننا، وأصلح أئمتنا وولاة أمورنا، واجعل ولايتنا فيمن خافك واتقاك واتبع رضاك يا رب العالمين.
اللهم وفق ولي أمرنا إلى ما تحب وترضى، وخذ بناصيته إلى السداد والتقوى، اللهم واكتب لنا ذلك في سائر ولاة المسلمين، واجعل كلمتهم على الحق والهدى.
اللهم أصلح أحوال إخواننا، وأنجي المستضعفين من المؤمنين في كل مكان،﴿رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنْفُسَنَا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ﴾[الأعراف: 23]،﴿رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ﴾[ البقرة: 201]،اللهم صلِّ على محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين.