هَذا الحَديثُ فيهِ جُملَةٌ مِنَ الفَوائِدِ، مِنْ فَوائدِهِ: عَظيمُ فَضْلِ اللهِ عَلَى العِبادِ، فهُوَ -جَلَّ وعَلا- الكَريمُ المنَّانُ يَنزِلُ إلى السماءِ الدُّنيا -سُبحانَهُ وبحَمدِهِ- إكرامًا للسائِلينَ، وإجابةً لَهُم، وهَذا مِنْ فَضلِ رَبِّي سُبحانَهُ وبحَمدِهِ.
وإذا كانَ للمُؤمِنِ هَذا الفَضلُ العَظيمُ فإنَّهُ يُقابِلُهُ بالإقبالِ عَلَى اللهِ ـ عَزَّ وجَلَّ ـ فإنَّ اللهَ بجَلالِهِ وعَظمَتِهِ ـ سُبحانَهُ وبحَمدِهِ ـ يَنزِلُ إلى السَّماءِ الدُّنيا، وهَذا الفَضلُ ليسَ خاصَّاً بوَقْتٍ؛ بَلْ هُوَ كُلُّ ليلَةٍ، وأيُّ فَضلٍ أعظَمُ مِنْ هَذا الفَضلِ مِنْ رَبٍّ كَريمٍ يَتعَرَّضُ لعِبادِهِ، ويَدعوهُم لنَوالِهِ، ويُراقِبُهم في سُؤالِهِ ومَغفِرَتِهِ ودُعائِهِ.
أتَظنُّونَ أنَّ مَنْ هَذا شَأنُهُ ـ جَلَّ في عُلاهُ ـ يُقبِلُ عَلَيهِ عَبدُهُ بالسُّؤالِ والطلَبِ والدُّعاءِ والاستِغفارِ ثُمَّ يَرُدُّهُ! تَعالَى اللهُ عَنْ ذَلِكَ عُلُوًّا كَبيرًا.
فالجَديرُ بالمُؤمِنِ لاسِيَّما في هذهِ الأيامِ أنْ يُقبِلَ عَلَى اللهِ بصِدْقٍ، فإذا ما أقبَلْنا عَلَيهِ في مِثلِ هذهِ الأيامِ بصِدقٍ مَتَى نُقبِلُ عَلَيهِ؟!
إذا لم نُقبِلْ عَلَى اللهِ ـ تَعالَى ـ بالدُّعاءِ والسؤالِ، والاستِغفارِ، والتَّعرُّضِ لنَفحاتِ الكَرمِ، وهِباتِهِ ـ جَلَّ في عُلاهُ ـ في هذهِ الليالي التي يَفيضُ فيها بعَطاياهُ، ويَمُنُّ عَلَى عبادِهِ بالعِتْقِ والمَغفِرَةِ، والتجاوُزِ والصَّفْحِ؛ مَتَى يَكونُ هَذا؟!
لا شَكَّ إلَّا أنَّهُ حِرمانٌ عَظيمٌ أنْ تَمُرَّ عَلَينا مِثْلُ هَذهِ الليالي ونَحنُ عَنهُ غافِلونَ، ونَحنُ باللَّهْوِ مُشتَغِلونَ، وعَنِ الإقبالِ عَلَى فَضلِهِ وإحسانِهِ وَجُودِهِ في غَفلَةٍ وغَيبَةٍ.
فجَديرٌ بِنا أيُّها الإخوَةُ ونَحنُ مَتَى نَسمَعُ هَذا الفَضلَ يُخبِرُ بِهِ سَيِّدُ الأنامِ ـ صَلواتُ اللهِ وسَلامُهُ عَلَيهِ ـ يَقولُ: «يَنزِلُ رَبُّنا -تَبارَكَ وتَعالَى- كُلَّ لَيلَةٍ إلى السَّماءِ الدُّنيا حِينَ يَبقَى ثُلثُ الليلِ الآخِرِ، فيَقولُ: مَنْ يَدعوني فأستجيبَ لَهُ؟ مَنْ يَسألُني فأُعطيَهُ؟ مَنْ يَستَغفِرُني فأغفِرَ لَهُ؟» صحيحُ البُخاريِّ (1145)، وصحيحُ مُسلمٍ (758) .
أيُّ سُوءٍ أنْ يَشتَغِلَ الإنسانُ في مِثْلِ هذهِ اللَّحْظَةِ بما يُلهيهِ وبما يَشغَلُهُ عَنِ الدُّعاءِ والسؤالِ والاستِغفارِ؟! لا شَكَّ أنَّ هَذا مِنَ الغَفْلَةِ غَيْرِ الحَسَنَةِ.
نَسألُ اللهَ أنْ يُحييَ قُلوبَنا، وأنْ يُعينَنا عَلَى طاعَتِهِ، وأنْ يَسلُكَ بِنا سَبيلَهُ، وأنْ يُعيذَنا مِنْ صَوارِفِ الشرِّ، وأنْ يَملأَ قُلوبَنا بالإقبالِ عَلَيهِ، وأنْ يَجعَلنا مِنْ أعظَمِ عِبادِهِ نَصيبًا في دُعائِهِ وعَطائِهِ، وفي سُؤالِهِ، وفي استِغفارِهِ.