الحمد لله حمدًا للشاكرين، أحمده له الحمد كله، لا أحصي ثناءً عليه، هو كما أثنى على نفسه، وأشهد أن لا إله إلا الله، إله الأولين والآخرين، لا إله إلا هو الرحمن الرحيم، وأشهد أن محمدًا عبد الله ورسوله، صفيه وخليه، خيرته من خلقه، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه، ومن اتبع سنته، واقتفى أثره بإحسانٍ إلى يوم الدين، وأما بعد:
فأبواب الخير، وطرق البر، وسبل الوصول إلى رحمة الله عز وجل عديدة، وهي في الجملة طريقان:
السبيل الأول: التقرب إلى الله ـ تعالى ـ بالفرائض والواجبات، وهذا أعلى ما يُقرِّبك إلى الله ـ عز وجل ـ ويُوصلك إلى رحمته وبرِّه، قال النبي ـ صلى الله وعلى آله وسلم ـ لرجل جاء يسأله عن شرائع الإسلام، فقال في سؤاله عن الصلاة قال: ما فرض الله عليَّ من الصلاة؟ قال: «الصلوات المكتوبات»، قال هل عليَّ غيرها؟ قال: «لا، إلا أن تطوع»، ثم سأله عن الصوم، قال: شهر رمضان، قال: هل عليه غيره؟ قال: «لا، إلا أن تطوع»، ثم سأله عن الزكاة، فبيَّن له رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ شرائع الله وفرائضه، فقال الرجل: والله يا رسول الله لا أزيد على هذه ولا أنقص، فقال النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ: «أفلح إن صدق»، وفي رواية قال: «دخل الجنة إن صدق» صحيح البخاري (46) وصحيح مسلم (11).
وهذا يدل على أن فعل الواجبات مما يوجب دخول الجِنان، وهو الطريق الأوثق الذي ينبغي أن يستمسك به الإنسان في وصوله إلى رحمة العزيز الغفَّار إلى عطاء الكريم المنَّان، فإنَّ أحب ما تقرب به العبد إلى الله ـ جلَّ وعلا ـ ما افترضه عليه؛ لذلك جاء في الصحيح من حديث أبي هريرة ـ رضي الله تعالى عنه ـ أن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ قال: «يقول الله ـ عز وجل ـ: وما تقرب إليَّ عبدي بشيءٍ أحب إليَّ مما افترضته عليه، ولا يزال عبدي يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه» صحيح البخاري (6502)، هذا هو الطريق الثاني، السبيل الثاني الذي يدرك به الإنسان عطاء الله وفضله، أن يجدَّ ويجتهد في التقرب إلى الله ـ عز وجل ـ بالنوافل والقربات.
وهذه النوافل وتلك القربات الطريق الذي يصل به الإنسان إلى عفو الله وبرِّه، إلى مغفرته ورحمته، إلى عطائه وإحسانه، فجديرٌ بالمؤمن أن يجدَّ ويجتهد في التقرب إلى الله في كل بابٍ من أبواب الخير، مبتدأً بالفرائض، ثم بعد ذلك متقربًا إلى الله ـ عز وجل ـ بما يسر الله له من النوافل والتطوعات والقربات، فإن ذلك خيرٌ، وكلما زاد العبد زاد الرب، إذا زاد العبد تقربًا وإلى الله سيرًا زاد الله له عطاءً وبرًّا وإحسانًا.
فنسأل الله العظيم رب العرش الكريم أن يسلك بنا سبيل المتقيين، وأن يثبت أقدامنا على الهدى والدين، وأن يجعلنا من حسبه المفلحين، وأوليائه المتقين، وأن يُعيننا على الطاعة والإحسان في السر والإعلان، وأن يأخذ بنواصينا إلى ما يحبه ويرضى من الأعمال.