×
العربية english francais русский Deutsch فارسى اندونيسي اردو

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

الأعضاء الكرام ! اكتمل اليوم نصاب استقبال الفتاوى.

وغدا إن شاء الله تعالى في تمام السادسة صباحا يتم استقبال الفتاوى الجديدة.

ويمكنكم البحث في قسم الفتوى عما تريد الجواب عنه أو الاتصال المباشر

على الشيخ أ.د خالد المصلح على هذا الرقم 00966505147004

من الساعة العاشرة صباحا إلى الواحدة ظهرا 

بارك الله فيكم

إدارة موقع أ.د خالد المصلح

مرئيات المصلح / دروس المصلح / الفقه وأصوله / القواعد الفقهية للسعدي / الشرح الثاني / الدرس(12) من قول المؤلف "وكل شرطاً لازمٌ للعاقد".

مشاركة هذه الفقرة WhatsApp Messenger LinkedIn Facebook Twitter Pinterest AddThis

الحمد لله حمدا كثيرا طيبا مباركا فيه، كما يحب ربنا ويرضى أحمده حق حمده، لا نحصي ثناء عليه هو كما أثنى على نفسه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، إله الأولين والآخرين رب العالمين لا إله إلا هو الرحمن الرحيم، وأشهد أن محمدا عبد الله ورسوله صفيه وخليله، خيرته من خلقه بعثه الله بالهدى ودين الحق بين يدي الساعة بشيرا ونذيرا، صلى الله عليه، وعلى آله وصحبه ومن اتبع سنته واقتفى أثره بإحسان إلى يوم الدين، أما بعد: فنواصل ما كنا قد شرعنا فيه من المجالس السابقة من التعليق على منظومة القواعد الفقهية للشيخ العلامة [عبد الرحمن بن ناصر السعدي] - رحمه الله -، وكنا قد فرغنا من قوله - رحمه الله -: "و كل شرط لازم للعاقد في البيع والنكاح والمقاصد". فنسأل الله تعالى التسديد والإعانة والتيسير والتسهيل، وأن يرزقني وإياكم العلم النافع والعمل الصالح وأن يجعله خالصا لوجهه. [المتن] بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين نبينا محمد وعلى آله وصحابته ومن اتبعهم بإحسان إلى يوم الدين، ربنا اغفر لنا ولشيخنا واجعله مباركا أينما كان، واجعل مجلسنا هذا مباركا يا رب العالمين، قال الإمام السعدي رحمه الله: "وكل شرطا لازم للعاقد*** في البيع والنكاح والمقاصد. إلا شروطا حللت محرما*** أو عكسه فباطلات فاعلما" [الشرح] يقول الناظم - رحمه الله - في منظومته: "وكل شرط لازم للعاقد، في البيع والنكاح والمقاصد إلا شروطا حللت محرما، أو عكسه فباطلات فاعلما" هذان البيتان يتعلقان بأصل من الأصول وقاعدة من القواعد في ما يتعلق بالشروط في العقود والمعاملات، الشروط في المعاملات والعقود نوعان: شروط العقد وشروط في العقد، وبحثه هنا فيما يتعلق بالشروط في العقد، أما شروط العقد فإنها من وضع الشارع فلا بحث فيها من حيث ما يلزم منها وما لا يلزم، فشروط العقود لازمة بلا خلاف، وهي من وضع الشارع، كالتراضي في العقود فإنه شرطا في كل العقود بلا استثناء، لابد فيها من الرضا، قال الله تعالى: ﴿لا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل إلا أن تكون تجارة عن تراض منكم﴾[النساء:29] فجعل الله تعالى التراضي شرطا في كل العقود، عقود المعاوضات وهو كذلك شرطا في كل المعاقدات التي يتعاقد فيها الناس. أما الشروط في العقود: فالشروط في العقود هي من وضع المتعاقدين، ومن تراضي المتعاقدين، ولذلك تناولها المصنف من حيث لزومها من عدمه بالبحث، هل الشروط لازمة أو ليست لازمة؟ و ما هو الذي يلزم منها الشروط في العقد، هل هي لازمة أو لا، وما الذي يلزم منها؟ ففرق بين الشروط في الشيء وشروط الشيء، شروط الشيء - شروط العقود - من وضع من؟ الشارع , وهي لازمة لا خلاف في لزومها، بل لا تصح العقود إلا بها. أما الشروط في العقود: فمنها ما هو صحيح ومنها ما هو فاسد، فبحث المصنف في ما يتصل بالشروط في العقود هنا يتعلق بالأصل الذي ينطلق منه في العقود، ما هو الأصل في الشروط في العقود، هل الأصل في الشروط في العقود الصحة أم الفساد؟ و إذا قلنا الصحة ؛ فهل هي على اللزوم أم لا؟ المصنف - رحمه الله – يقول: "و كل شرط لازم للعاقد، في البيع والنكاح والمقاصد" فأفادنا - رحمه الله - أن جميع شروط العقد لازمة، أن جميع الشروط في العقود لازمة، أن هذا هو الأصل فيها، الأصل في الشروط في العقود اللزوم. و إذا قلنا: الأصل فيها اللزوم؟ فهذا مقتضاه أن الأصل فيها الصحة، والأصل فيها الإباحة، وهذا ما عليه عامة أهل العلم وجماهير الفقهاء، فجماهير الفقهاء على أن الأصل في العقود الصحة، جماهير العلماء على أن الأصل في العقود الصحة، واستدلوا لذلك بجملة من الأدلة، من أدلة ذلك قوله - جل في علاه -: ﴿يا أيها الذين آمنوا أوفوا بالعقود﴾[المائدة:1] و الدليل الآخر: ما في الصحيح من حديث أبي هريرة - وجاء من حديث غيره - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: [المسلمون على شروطهم إلا شرطا أحل حراما أو حرم حلا لا]. فقوله - صلوات الله وسلامه عليه -: [المسلمون على شروطهم] أي: يقرون على ما تواطئوا عليه وتوافقوا عليه من الشروط، واستثنى من ذلك: [إلا شرطا أحل حراما أو حرم حلالا] فهنا لا يصح الشرط، ولهذا المصنف - رحمه الله - بعد أن قرر الأصل في الشروط وأنها لازمة، استثنى فقال: " إلا شروطا حللت محرما" "أو عكسه" أي  - حرمت حلالا- "فباطلات" أي: فحكمها البطلان. "فاعلما" أي: فأدرك ذلك علما وأحط به معرفة. و قد ذكرت في الاستدلال آية وحديثا، والحديث بالنص، فإنه ظاهر  في الدلالة على صحة الشروط وعلى إقرار النبي - صلى الله عليه وسلم - ما تشارط عليه المتعاقدان إلا ما كان من الشروط مفضيا إلى محرم فعند ذلك لا يصح ولا يلزم. أما الآية فوجه الدلالة فيها: أمر الله تعالى بالوفاء بالعقود، والأمر بالوفاء بالعقد يشمل الوفاء بأصل العقد ووصفه، بأصل العقد ووصفه والشروط من أوصاف العقود، فيكون الأمر بالوفاء بالعقد هو أمر بالوفاء بأصل العقد وما تضمنه العقد من أوصاف وهي شروطه، فدلت الآية على وجوب الوفاء بالعقد، إذا: وجه الدلالة في الآية أن الله أمر بالوفاء بالعقد بأصله ووصفه، والشروط من أوصاف العقود. إذن تبين لنا وجه الدلالة في الآية وصحة ما قرره المصنف - رحمه الله - في هذا الموضع مما يتعلق بهذه القاعدة، وقوله - رحمه الله: " وكل شرط" يشمل  كل الشروط بلا استثناء كما تقدم. "لازم للعاقد" أي لازم للعاقد، والعاقد هنا سواء كان الموجب أو القابل، سواء كان من صدر منه لفظ الإيجاب أو صدر منه لفظ القبول. قال - رحمه الله -: "في البيع والنكاح والمقاصد"، "في البيع" أي: في عقود المعاوضات. "و النكاح" أي: في عقد النكاح، وإنما نص على النكاح على وجه التحديد لأن عقد النكاح من أعظم العقود تأكيدا في الوفاء بالشروط كما في الصحيح من حديث عقبة بن عامر أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: [إن أحق الشروط  أن توفوا به ما استحللتم به الفروج] - وهو ما كان في عقد النكاح -. و بعده قال: "و المقاصد" أي كل ما يقصد من التعاقدات والمعاملات سواء كان ذلك في المعاوضات أو كان ذلك في التوثيقات أو كان ذلك  في التبرعات، أو كان ذلك في النكاح ونحوه، فالمقاصد هنا يشمل كل ما جرى عمل الناس على التعاقد عليه، بغض النظر عن مقصود العقد هل هو معاوضة أو توثيقة أو تبرع أو نكاح وما يلتحق به. قال - رحمه الله-: هذا استثناء من كل في قوله: " وكل شرط لازم للعقد"، فقوله: "إلا شروطا" استثناء من لزوم العقود، "إلا شروطا حللت محرما" أي: أباحت محرما أو عكسه، أو عكس ذلك بأن حرمت حلالا "فباطلات" أي: فهي باطلة، ومعنى البطلان أي: عدم صحة هذا الشرط، ثم هنا سؤال؛ قوله: "فباطلات" هل يفيد أن العقد باطل أم الشرط باطل؟ الجواب: أنه حكم على الشرط، أما العقد فجهته منفكة فقد يعود على العقد بالإبطال، وقد لا يعود على العقد بالبطلان، البحث في الشرط لا في أثر بطلان شرطا في العقد، فبطلان شرط في العقد قد يعود على العقد بالإبطال وقد لا يعود على العقد بالإبطال إنما يثبت حق الفسخ لمن جهل تحريمه، -فالمسألة محل تأمل - وقد لا يعود لا بالإبطال ولا بإثبات الحق لمن شرطه. ودليل أن الشروط المحرمة التي تستلزم معارضة الشرع لا تصح قوله -صلوات الله وسلامه عليه -: [إلا شرطا أحل حراما أو حرم حلالا]، وكذلك قوله فيما روت عائشة في قصة بريرة أنه قال - صلوات الله وسلامه عليه -: [كل شرط ليس في كتاب الله فهو باطل، قضاء الله حق وشرط الله أوثق]. ومما يدل على ما ذكرت قبل قليل: أن الحكم هنا للشرط لا للعقد أو المقصود بالعمل: ما جرى في قصة بريرة: فإنهم اشترطوا عليها لما أرادت أن تدفع ما على بريرة من أقساط الكتابة أن يكون الولاء لهم، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: [اشترطي لهم] ثم قال: [ما بال أقوام يشترطون شروطا ليست في كتاب الله، كل شرط ليس في كتاب الله فهو باطل، قضاء الله حق وشرط الله أوثق]. فأبطل  النبي - صلى الله عليه وسلم - شرطهم وأمضى ما تبرعت به عائشة من الكتابة وأثبت لها الولاء، فكانت بريرة كان ولائها لعائشة -رضي الله تعالى عنها- لعموم قوله - صلى الله عليه وسلم -: [إنما الولاء لمن أعتق]. فالمقصود أن بطلان الشرط قد يعود على العقد بالإبطال وقد لا يعود على العقد بالإبطال وإنما الحكم على الشرط نفسه، فالشرط إذا كان يحل حراما أو يحرم حلالا، أو يخالف كتاب الله ؛ أو سنة رسوله فإنه باطل، ومعنى بطلانه: عدم صحته، ومقتضى عدم الصحة: عدم اللزوم، لا يكون لازما. فقوله: - رحمه الله -: " إلا شروطا " استثناء من اللزوم، ثم بين الحكم بقوله: " فباطلات " و قوله باطلات ؛ جمع باطل، والباطل هو: ما لا فائدة فيه، ما لا فائدة فيه ولا أثر له، وهو الفاسد، ولذلك أفادنا هذا النظم أن الشروط تنقسم إلى قسمين: شروط صحيحة -  وحكمها اللزوم -، وشروط فاسدة: وحكمها البطلان وعدم اللزوم. قال - رحمه الله -: " إلا شروطا حللت حراما، وعكسه فباطلات فاعلما". [المتن] [43 تستعمل القرعة عند المبهم   من الحقوق أو لدى التزاحم] [الشرح] قوله - رحمه الله -:  [تستعمل القرعة عند المبهم     من الحقوق أو لدى التزاحم]، هذه قاعدة مستقلة عن القاعدة السابقة وفيها بيان متى يشرع استعمال القرعة، متى يشرع استعمال القرعة؟، القرعة هي: نوع من الاستهام، نوع من الاستهام لإظهار المستحق عندما يستوي المستحقين، وعرفها بعضهم بأنها: استهام لتعيين المبهم، استهام لتعيين المبهم، ومعناها واضح، فالقرعة هي: إظهار للمستحق إذا استوى المستحقون، إذا استوى المستحقون. وبه يعلم أن القرعة لا تستعمل إلا عند الاستواء في الاستحقاق، وأما إذا لم يكن ثمة استواء في الاستحقاق فإنه يقدم السابق، أما إذا استووا في الاستحقاق فإن طريقة تعيين المستحق هو القرعة، وقد دلت على استعمال القرعة أدلة عديدة فمنها: ما ذكره الله تعالى في قصة يونس لما أرادوا أن يتخففوا من بعض ما حملته السفينة، قال الله تعالى: ﴿فساهم فكان من المدحضين﴾[الصافات:141] ﴿فالتقمه الحوت وهو مليم﴾[الصافات:142]، وكذلك قوله - صلى الله عليه وسلم - في الصف الأول والنداء، قال: [و لو يعلمون ما فيهما ثم لم يجدوا إلا أن يستهموا عليه لاستهموا عليه] أي: لو لم يجدوا إلا الاقتراع عليه لتنافسهم واستوائهم في الاستحقاق لاستهموا عليه. فأدلة الاقتراع لتعيين المستحق إذا تساوى المستحقون في الاستحقاق عديدة، وقد أطال ابن القيم - رحمه الله - في ذكر ذلك في بعض مؤلفاته، ويكفي في إثبات ذلك ما تقدم من الأدلة، لكن متى تستعمل القرعة؟ بين المصنف - رحمه الله - فقال: "تستعمل القرعة عند المبهم"  تستعمل القرعة عند المبهم            من الحقوق أو لدى التزاحم" فذكر - رحمه الله-  حالين من أحوال جواز استعمال القرعة لتعيين المستحق الحالة الأولى التي ذكرها: عند المبهم: أي عند الإبهام، والإبهام هو: عدم البيان والإيضاح فيما إذا لم يتبين من يتعلق به الحكم يصار عند ذلك إلى القرعة، مثال ذلك: لو قال أحد عنده مثلا جمع من العقارات فقال: أحد عقاراتي وقف لله، هنا ثبت الوقف لأحدها دون تعيين – مبهم -، في هذه الحال يصار في تعيينه - إذا لم يكن قد نوى أحدها - يصار في تعيينه إلى القرعة، يصار في تعيينها إلى القرعة فنقول: العقار واحد, اثنين، ثلاثة، أربعة، إلا أن يختار الأعلى فشأنه، لكن لو قال: أنا ما عينت ولا أعلم كيف أخرج، هل أخرج الأدنى أم أخرج الأعلى، أم أخرج الوسط؟ فإذا لم يعين لا باللفظ ولا بالنية فإنه يخرجه بالقرعة، ومثل لو قال – وكان عنده أكثر من زوجة - قال: إحدى زوجاتي طالق، الآن الطلاق واقع، لكن لم يحدد على من وقع، فليس له أن يختار من شاء، لأنهم استووا في الاستحقاق، إلا أن يكون قد نوى بلفظ أو بنية، فإن لم ينو لا بلفظ ولا بنية فعند ذلك يكون الاستحقاق مستوي، وبهذا الحال يصار إلى القرعة لتعيين المستحق، هاتان صورتان في تعيين المستحق عند الإبهام، ومثاله مساهمة يونس مع أهل السفينة، فإن أحدهم لابد أن يلحقه، لابد أن يتخفف منه ﴿فساهم فكان من المدحضين﴾[الصافات:141] هنا ليس ثمة تسابق على حق وإنما في تعلق الحكم بأحدهم، هم اتفقوا على أن ينزل بعضهم، ولم يتعين ذلك بوسيلة من وسائل التعيين إلا بالاستهام والقرعة. فقصة يونس شاهد للاستهام في حال الإبهام، لتعيين المبهم. و كذلك تستعمل القرعة عند التزاحم، أي عند التدافع في الاستحقاق - هذا معنى التزاحم -، التزاحم هو: التدافع في الاستحقاق دون مرجح لأحدهم، في هذه الحال يصار إلى القرعة لتعيين المستحق، ومثاله: الاستهام على الصف الأول، فإذا جاء ثلاثة في نفس الوقت ولم يسبق أحدهم إلى الصف ولا يسع إلا واحدا، فهنا لمن يكون هذا؟ ليس ثمة سبق، ولو كان ثمة  سبق لكان السابق هو الأحق، لكن ما في سبق، استووا في الاستحقاق، هنا لا سبيل  إلا بالاستهام، وهو المشار إليه في قوله: [ثم لم يجدوا إلا أن يستهموا عليه لاستهموا عليه]، فالاستهام هنا: لتعيين المستحق عند التزاحم، لتعيين المستحق عند التزاحم وهو ما أشار إليه في البيت حيث قال: تستعمل القرعة عند المبهم***من الحقوق أو لدى التزاحم. أي التزاحم في الاستحقاق.

المشاهدات:5504

الحمد لله حمداً كثيراً طيباً مباركاً فيه، كما يحب ربنا ويرضى أحمده حق حمده، لا نحصي ثناءً عليه هو كما أثنى على نفسه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، إله الأولين والآخرين رب العالمين لا إله إلا هو الرحمن الرحيم، وأشهد أن محمدًا عبد الله ورسوله صفيه وخليله، خيرته من خلقه بعثه الله بالهدى ودين الحق بين يدي الساعة بشيراً ونذيراً، صلى الله عليه، وعلى آله وصحبه ومن اتبع سنته واقتفى أثره بإحسانٍ إلى يوم الدين، أما بعد:
فنواصل ما كنا قد شرعنا فيه من المجالس السابقة من التعليق على منظومة القواعد الفقهية للشيخ العلامة [عبد الرحمن بن ناصر السعدي] - رحمه الله -، وكنا قد فرغنا من قوله - رحمه الله -: "و كل شرطٍ لازمٌ للعاقد في البيع والنكاح والمقاصد".
فنسأل الله تعالى التسديد والإعانة والتيسير والتسهيل، وأن يرزقني وإياكم العلم النافع والعمل الصالح وأن يجعله خالصاً لوجهه.
[المتن]
بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين نبينا محمد وعلى آله وصحابته ومن اتبعهم بإحسان إلى يوم الدين، ربنا اغفر لنا ولشيخنا واجعله مباركاً أينما كان، واجعل مجلسنا هذا مباركًا يا رب العالمين، قال الإمام السعدي رحمه الله:
"وكل شرطاً لازمٌ للعاقد*** في البيع والنكاح والمقاصدِ.
إلا شروطاً حللت محرما*** أو عكسه فباطلاتٌ فاعلما"
[الشرح]
يقول الناظم - رحمه الله - في منظومته:
"وكل شرطٍ لازمٌ للعاقد، في البيع والنكاح والمقاصدِ
إلا شروطًا حللت محرما، أو عكسه فباطلاتٌ فاعلما"
هذان البيتان يتعلقان بأصل من الأصول وقاعدة من القواعد في ما يتعلق بالشروط في العقود والمعاملات، الشروط في المعاملات والعقود نوعان:
شروط العقد وشروط في العقد، وبحثه هنا فيما يتعلق بالشروط في العقد، أما شروط العقد فإنها من وضع الشارع فلا بحث فيها من حيث ما يلزم منها وما لا يلزم، فشروط العقود لازمةٌ بلا خلاف، وهي من وضع الشارع، كالتراضي في العقود فإنه شرطاً في كل العقود بلا استثناء، لابد فيها من الرضا، قال الله تعالى: ﴿لا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ﴾[النساء:29]
فجعل الله تعالى التراضي شرطاً في كل العقود، عقود المعاوضات وهو كذلك شرطاً في كل المعاقدات التي يتعاقد فيها الناس.
أما الشروط في العقود: فالشروط في العقود هي من وضع المتعاقدين، ومن تراضي المتعاقدين، ولذلك تناولها المصنف من حيث لزومها من عدمه بالبحث، هل الشروط لازمة أو ليست لازمة؟
و ما هو الذي يلزم منها الشروط في العقد، هل هي لازمة أو لا، وما الذي يلزم منها؟
ففرقٌ بين الشروط في الشيء وشروط الشيء، شروط الشيء - شروط العقود - من وضع من؟
الشارع , وهي لازمة لا خلاف في لزومها، بل لا تصح العقود إلا بها.
أما الشروط في العقود: فمنها ما هو صحيح ومنها ما هو فاسد، فبحث المصنف في ما يتصل بالشروط في العقود هنا يتعلق بالأصل الذي ينطلق منه في العقود، ما هو الأصل في الشروط في العقود، هل الأصل في الشروط في العقود الصحة أم الفساد؟
و إذا قلنا الصحة ؛ فهل هي على اللزوم أم لا؟
المصنف - رحمه الله – يقول:
"و كل شرطٍ لازمٌ للعاقد، في البيع والنكاح والمقاصدِ"
فأفادنا - رحمه الله - أن جميع شروط العقد لازمة، أن جميع الشروط في العقود لازمة، أن هذا هو الأصل فيها، الأصل في الشروط في العقود اللزوم.
و إذا قلنا: الأصل فيها اللزوم؟ فهذا مقتضاه أن الأصل فيها الصحة، والأصل فيها الإباحة، وهذا ما عليه عامة أهل العلم وجماهير الفقهاء، فجماهير الفقهاء على أن الأصل في العقود الصحة، جماهير العلماء على أن الأصل في العقود الصحة، واستدلوا لذلك بجملة من الأدلة، من أدلة ذلك قوله - جل في علاه -: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ﴾[المائدة:1]
و الدليل الآخر: ما في الصحيح من حديث أبي هريرة - وجاء من حديث غيره - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: [المسلمون على شروطهم إلا شرطاً أحل حراماً أو حرم حلا لاً].
فقوله - صلوات الله وسلامه عليه -: [المسلمون على شروطهم] أي: يقرون على ما تواطئوا عليه وتوافقوا عليه من الشروط، واستثنى من ذلك: [إلا شرطاً أحل حراماً أو حرم حلالاً]
فهنا لا يصح الشرط، ولهذا المصنف - رحمه الله - بعد أن قرر الأصل في الشروط وأنها لازمة، استثنى فقال: " إلا شروطًا حللت محرما" "أو عكسه" أي  - حرمت حلالاً- "فباطلاتٌ" أي: فحكمها البطلان.
"فاعلما" أي: فأدرك ذلك علماً وأحط به معرفةً.
و قد ذكرت في الاستدلال آيةً وحديثاً، والحديث بالنص، فإنه ظاهر  في الدلالة على صحة الشروط وعلى إقرار النبي - صلى الله عليه وسلم - ما تشارط عليه المتعاقدان إلا ما كان من الشروط مفضياً إلى محرم فعند ذلك لا يصح ولا يلزم.
أما الآية فوجه الدلالة فيها: أمر الله تعالى بالوفاء بالعقود، والأمر بالوفاء بالعقد يشمل الوفاء بأصل العقد ووصفه، بأصل العقد ووصفه والشروط من أوصاف العقود، فيكون الأمر بالوفاء بالعقد هو أمرٌ بالوفاء بأصل العقد وما تضمنه العقد من أوصاف وهي شروطه، فدلت الآية على وجوب الوفاء بالعقد، إذاً: وجه الدلالة في الآية أن الله أمر بالوفاء بالعقد بأصله ووصفه، والشروط من أوصاف العقود.
إذن تبين لنا وجه الدلالة في الآية وصحة ما قرره المصنف - رحمه الله - في هذا الموضع مما يتعلق بهذه القاعدة، وقوله - رحمه الله: " وكل شرطٍ" يشمل  كل الشروط بلا استثناء كما تقدم.
"لازمٌ للعاقدِ" أي لازم للعاقد، والعاقد هنا سواءً كان الموجب أو القابل، سواءً كان من صدر منه لفظ الإيجاب أو صدر منه لفظ القبول.
قال - رحمه الله -: "في البيع والنكاحِ والمقاصدِ"، "في البيع" أي: في عقود المعاوضات.
"و النكاح" أي: في عقد النكاح، وإنما نص على النكاح على وجه التحديد لأن عقد النكاح من أعظم العقود تأكيداً في الوفاء بالشروط كما في الصحيح من حديث عقبة بن عامر أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: [إن أحق الشروط  أن توفوا به ما استحللتم به الفروج] - وهو ما كان في عقد النكاح -.
و بعده قال: "و المقاصد" أي كل ما يقصد من التعاقدات والمعاملات سواءً كان ذلك في المعاوضات أو كان ذلك في التوثيقات أو كان ذلك  في التبرعات، أو كان ذلك في النكاح ونحوه، فالمقاصد هنا يشمل كل ما جرى عمل الناس على التعاقد عليه، بغض النظر عن مقصود العقد هل هو معاوضة أو توثيقة أو تبرع أو نكاح وما يلتحق به.
قال - رحمه الله-: هذا استثناء من كل في قوله: " وكل شرطٍ لازمٌ للعقد"، فقوله: "إلا شروطًا" استثناء من لزوم العقود، "إلا شروطًا حللت محرما" أي: أباحت محرماً أو عكسه، أو عكس ذلك بأن حرمت حلالاً "فباطلاتٌ" أي: فهي باطلة، ومعنى البطلان أي: عدم صحة هذا الشرط، ثم هنا سؤال؛ قوله: "فباطلاتٌ" هل يفيد أن العقد باطل أم الشرط باطل؟
الجواب: أنه حكم على الشرط، أما العقد فجهته منفكة فقد يعود على العقد بالإبطال، وقد لا يعود على العقد بالبطلان، البحث في الشرط لا في أثر بطلان شرطاً في العقد، فبطلان شرطٌ في العقد قد يعود على العقد بالإبطال وقد لا يعود على العقد بالإبطال إنما يثبت حق الفسخ لمن جهل تحريمه، -فالمسألة محل تأمل - وقد لا يعود لا بالإبطال ولا بإثبات الحق لمن شرطه.
ودليل أن الشروط المحرمة التي تستلزم معارضة الشرع لا تصح قوله -صلوات الله وسلامه عليه -: [إلا شرطاً أحل حراماً أو حرم حلالاً]، وكذلك قوله فيما روت عائشة في قصة بريرة أنه قال - صلوات الله وسلامه عليه -: [كل شرط ليس في كتاب الله فهو باطل، قضاء الله حق وشرط الله أوثق].
ومما يدل على ما ذكرت قبل قليل: أن الحكم هنا للشرط لا للعقد أو المقصود بالعمل: ما جرى في قصة بريرة: فإنهم اشترطوا عليها لما أرادت أن تدفع ما على بريرة من أقساط الكتابة أن يكون الولاء لهم، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: [اشترطي لهم] ثم قال: [ما بالُ أقوامٍ يشترطون شروطاً ليست في كتاب الله، كل شرطٍ ليس في كتاب الله فهو باطل، قضاء الله حق وشرط الله أوثق].
فأبطل  النبي - صلى الله عليه وسلم - شرطهم وأمضى ما تبرعت به عائشة من الكتابة وأثبت لها الولاء، فكانت بريرة كان ولائها لعائشة -رضي الله تعالى عنها- لعموم قوله - صلى الله عليه وسلم -: [إنما الولاء لمن أعتق].
فالمقصود أن بطلان الشرط قد يعود على العقد بالإبطال وقد لا يعود على العقد بالإبطال وإنما الحكم على الشرط نفسه، فالشرط إذا كان يحل حراماً أو يحرم حلالاً، أو يخالف كتاب الله ؛ أو سنة رسوله فإنه باطل، ومعنى بطلانه: عدم صحته، ومقتضى عدم الصحة: عدم اللزوم، لا يكون لازماً.
فقوله: - رحمه الله -: " إلا شروطًا " استثناء من اللزوم، ثم بين الحكم بقوله: " فباطلاتٌ "
و قوله باطلات ؛ جمع باطل، والباطل هو: ما لا فائدة فيه، ما لا فائدة فيه ولا أثر له، وهو الفاسد، ولذلك أفادنا هذا النظم أن الشروط تنقسم إلى قسمين: شروط صحيحة -  وحكمها اللزوم -، وشروط فاسدة: وحكمها البطلان وعدم اللزوم.
قال - رحمه الله -: " إلا شروطاُ حللت حراما، وعكسه فباطلاتٌ فاعلما".
[المتن]
[43 تستعمل القرعة عند المبهــم   من الحقوق أو لــــدى التزاحم]
[الشرح]
قوله - رحمه الله -:
 [تستعمل القرعة عند المبهــم     من الحقوق أو لــــدى التزاحم]، هذه قاعدة مستقلة عن القاعدة السابقة وفيها بيان متى يشرع استعمال القرعة، متى يشرع استعمال القرعة؟، القرعة هي: نوع من الاستهام، نوعٌ من الاستهام لإظهار المستحق عندما يستوي المستحقين، وعرفها بعضهم بأنها: استهام لتعيين المبهم، استهام لتعيين المبهم، ومعناها واضح، فالقرعة هي: إظهارٌ للمستحق إذا استوى المستحقون، إذا استوى المستحقون.
وبه يعلم أن القرعة لا تستعمل إلا عند الاستواء في الاستحقاق، وأما إذا لم يكن ثمة استواء في الاستحقاق فإنه يقدم السابق، أما إذا استووا في الاستحقاق فإن طريقة تعيين المستحق هو القرعة، وقد دلت على استعمال القرعة أدلة عديدة فمنها:
ما ذكره الله تعالى في قصة يونس لما أرادوا أن يتخففوا من بعض ما حملته السفينة، قال الله تعالى: ﴿فَسَاهَمَ فَكَانَ مِنَ الْمُدْحَضِينَ﴾[الصافات:141]
﴿فَالْتَقَمَهُ الْحُوتُ وَهُوَ مُلِيمٌ﴾[الصافات:142]، وكذلك قوله - صلى الله عليه وسلم - في الصف الأول والنداء، قال: [و لو يعلمون ما فيهما ثم لم يجدوا إلا أن يستهموا عليه لاستهموا عليه] أي: لو لم يجدوا إلا الاقتراع عليه لتنافسهم واستوائهم في الاستحقاق لاستهموا عليه.
فأدلة الاقتراع لتعيين المستحق إذا تساوى المستحقون في الاستحقاق عديدة، وقد أطال ابن القيم - رحمه الله - في ذكر ذلك في بعض مؤلفاته، ويكفي في إثبات ذلك ما تقدم من الأدلة، لكن متى تستعمل القرعة؟
بين المصنف - رحمه الله - فقال: "تستعمل القرعة عند المبهـمـ"
 تستعمل القرعة عند المبهــم            من الحقوق أو لــــدى التزاحم" فذكر - رحمه الله-  حالين من أحوال جواز استعمال القرعة لتعيين المستحق
الحالة الأولى التي ذكرها: عند المبهــم: أي عند الإبهام، والإبهام هو: عدم البيان والإيضاح فيما إذا لم يتبين مَن يتعلق به الحكم يصار عند ذلك إلى القرعة، مثال ذلك: لو قال أحدٌ عنده مثلًا جمع من العقارات فقال: أحد عقاراتي وقفٌ لله، هنا ثبت الوقف لأحدها دون تعيين – مبهم -، في هذه الحال يصار في تعيينه - إذا لم يكن قد نوى أحدها - يصار في تعيينه إلى القرعة، يصار في تعيينها إلى القرعة فنقول: العقار واحد, اثنين، ثلاثة، أربعة، إلا أن يختار الأعلى فشأنه، لكن لو قال: أنا ما عينت ولا أعلم كيف أخرج، هل أخرج الأدنى أم أخرج الأعلى، أم أخرج الوسط؟
فإذا لم يعين لا باللفظ ولا بالنية فإنه يخرجه بالقرعة، ومثل لو قال – وكان عنده أكثر من زوجة - قال: إحدى زوجاتي طالق، الآن الطلاق واقع، لكن لم يحدد على من وقع، فليس له أن يختار من شاء، لأنهم استووا في الاستحقاق، إلا أن يكون قد نوى بلفظٍ أو بنية، فإن لم ينو لا بلفظٍ ولا بنية فعند ذلك يكون الاستحقاق مستوي، وبهذا الحال يصار إلى القرعة لتعيين المستحق، هاتان صورتان في تعيين المستحق عند الإبهام، ومثاله مساهمة يونس مع أهل السفينة، فإن أحدهم لابد أن يلحقه، لابد أن يتخفف منه ﴿فَسَاهَمَ فَكَانَ مِنَ الْمُدْحَضِينَ﴾[الصافات:141]
هنا ليس ثمة تسابق على حق وإنما في تعلق الحكم بأحدهم، هم اتفقوا على أن ينزل بعضهم، ولم يتعين ذلك بوسيلة من وسائل التعيين إلا بالاستهام والقرعة.
فقصة يونس شاهد للاستهام في حال الإبهام، لتعيين المبهم.
و كذلك تستعمل القرعة عند التزاحم، أي عند التدافع في الاستحقاق - هذا معنى التزاحم -، التزاحم هو: التدافع في الاستحقاق دون مرجحٍ لأحدهم، في هذه الحال يصار إلى القرعة لتعيين المستحق، ومثاله: الاستهام على الصف الأول، فإذا جاء ثلاثة في نفس الوقت ولم يسبق أحدهم إلى الصف ولا يسع إلا واحداً، فهنا لمن يكون هذا؟ ليس ثمة سبق، ولو كان ثمةَ  سبق لكان السابق هو الأحق، لكن ما في سبق، استووا في الاستحقاق، هنا لا سبيل  إلا بالاستهام، وهو المشار إليه في قوله: [ثم لم يجدوا إلا أن يستهموا عليه لاستهموا عليه]، فالاستهام هنا: لتعيين المستحق عند التزاحم، لتعيين المستحق عند التزاحم وهو ما أشار إليه في البيت حيث قال:

تستعمل القرعة عند المبهم***من الحقوق أو لدى التزاحم.
أي التزاحم في الاستحقاق.

الاكثر مشاهدة

4. لبس الحذاء أثناء العمرة ( عدد المشاهدات93612 )
6. كيف تعرف نتيجة الاستخارة؟ ( عدد المشاهدات89382 )

مواد تم زيارتها

التعليقات


×

هل ترغب فعلا بحذف المواد التي تمت زيارتها ؟؟

نعم؛ حذف