×
العربية english francais русский Deutsch فارسى اندونيسي اردو

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

الأعضاء الكرام ! اكتمل اليوم نصاب استقبال الفتاوى.

وغدا إن شاء الله تعالى في تمام السادسة صباحا يتم استقبال الفتاوى الجديدة.

ويمكنكم البحث في قسم الفتوى عما تريد الجواب عنه أو الاتصال المباشر

على الشيخ أ.د خالد المصلح على هذا الرقم 00966505147004

من الساعة العاشرة صباحا إلى الواحدة ظهرا 

بارك الله فيكم

إدارة موقع أ.د خالد المصلح

خطب المصلح / خطب صوتية / خطبة: والذين آمنوا أشد حبا لله

مشاركة هذه الفقرة WhatsApp Messenger LinkedIn Facebook Twitter Pinterest AddThis
خطبة: والذين آمنوا أشد حبا لله
00:00:01
1189.77

خطبة: والذين آمنوا أشد حبا لله إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلن تجد له وليا مرشدا، وأشهد أن لا إله إلا الله شهادة أرجو بها النجاة من النار، وأشهد أن محمدا عبد الله ورسوله _صلى الله عليه وعلى آله وصحبه_ ومن أتبع سنته بإحسان إلى يوم الدين أما بعد:  فاتقوا الله عباد الله، اتقوا الله حق التقوى، فهذه وصية رب العالمين للأولين والآخرين ﴿ولقد وصينا الذين أوتوا الكتاب من قبلكم وإياكم أن اتقوا الله ﴾+++النساء:131---  ولاشك أن الله تعالى أعلم بصلاح العباد من كل أحد، وأن رحمته جل في علاه ورأفته بعباده أجل من كل رحمة ورأفة، فلو كانت هناك خصلة هي أصلح للعباد في دنياهم وأخراهم، وأشفع للخير، وأعظم في القدر، وأنفع للخلق من التقوى لكان الأمر بها والوصية أولى وأحرى.  فلما اقتصر الله تعالى في وصيته للأولين والآخرين على تقواه جل في علاه علم أن التقوى جمعت كل نصح وإرشاد، وجمعت كل خير وفضل وسداد وبر فاتقوا الله حق تقواه، اتقوه جل وعلا وراقبوه مراقبة من يعلم أن الله يسمع قوله ويراه، واحذروا الموت قبل التوبة، وعض الأنامل يوم الأوبة يوم لا ينفع مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم. أيها المؤمنون عباد الله: إن محبة الله جل في علاه أصل الإيمان والتوحيد، إن محبة الله جل في علاه أساس الملة والدين، فلا دين ولا ملة، ولا إيمان وإسلام إلا بأن يملأ العبد قلبه بمحبة الله الرحيم الرحمن ﴿ومن الناس من يتخذ من دون الله أندادا يحبونهم كحب الله والذين آمنوا أشد حبا لله﴾ +++البقرة:165---  الكتب، والرسل، والأديان قاطبة *** خزائن الحكمة الكبرى لواعيها محبة الله أصل في مراشدها*** وخشية الله أس في مبانيها. أيها المؤمنون: إن محبة الله تعالى قد فطرت عليها قلوب العباد فلا سكن لقلبك أيها العبد ولا طمأنينة ولا راحة، ولا بهجة، ولا سعادة، ولا لذة إلا بمحبة الله عز وجل.  فالقلب: لو نال كل مليحة ورياسة ... لم يطمئن وكان ذا دوران. بل لو ينال بأسرها الدنيا لما ... قرت بما قد ناله العينان. نقل فؤادك حيث شئت من الهوى ... واختر لنفسك أحسن الإنسان. فالقلب مضطر إلى محبوبه ال ... أعلى فلا يغنيه حب ثان. وصلاحه وفلاحه ونعيمه ... تجريد هذا الحب للرحمن( ). فحب القلب لله لا عوض عنه، وصلاحه، وفلاحه ونعيمه تجد هذا الحب للرحمن، فإذا تخلى منه أصبح حائرا، ويعود في ذا الكون ذا هيمان. أيها المؤمنون: إن محبة الله تعالى أصل يصدر عنها كل محبة محمودة، فمن محبة الله ينبثق حب ما أحبه، وكره ما أبغضه وهذا أوثق عرى الإيمان كما جاء في جملة من أحاديث سيد الأنام صلوات الله وسلامه عليه «أوثق عرى الإيمان الحب في الله والبغض في الله »، وقد جاء في الصحيحين من حديث أنس قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم- يقول: «ثلاث من كن فيه » ثلاث خصال من حصلها وقامت في قلبه وعمله «ثلاث من كن فيه وجد بهن حلاوة الإيمان أن يكون الله ورسوله أحب إليه مما سواهما » وهذه الخصلة الأولى، أن يكون الله ورسوله أحب إليه مما سواهما «وأن يحب الرجل لا يحبه إلا لله » هذه هي الخصلة الثانية، والخصلة الثالثة «أن يكره أن يعود في الكفر بعد إذ أنقذه الله منه كما يكره أن يلقى في النار » فبهذا تكتمل خصال الإيمان، ويكتمل سعادة الإنسان وقيامه بحق الرحمن في دنياه إذا أحب الله، وأحب ما يحبه، وأبغض ما يبغضه. أيها المؤمنون: إن محبة الله تعالى عنها تصدر كل فضيلة فإذا امتلأ القلب بمحبة الله عز وجل انطلق البدن في البر والإحسان، واشتغل بكل حسنة جميلة، فعن محبة الله تصدر عن العبد طاعته قال الله تعالى ﴿قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله ويغفر لكم ذنوبكم والله غفور رحيم﴾+++آل عمران:31--- . وعن محبة الله يكون العبد في أمن من عذاب الجحيم، ويفوز بالزحزحة عن النار التي قال فيها جل في علاه ﴿فمن زحزح عن النار وأدخل الجنة فقد فاز ﴾+++آل عمران:185--- . فمحبة الله توجب لصاحبها الجنة، نسأل الله أن نكون من أهلها، في الصحيحين من حديث أنس قال: أن رجلا جاء إلى النبي- صلى الله عليه وسلم- فقال: يا رسول الله متى الساعة قائمة؟ قال: «ويلك وما أعددت لها » هكذا سأل الرجل وبهذا أجاب رسول الله، سأل الرجل عن الساعة متى تكون فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم «ويلك وما أعددت لها » قال الرجل مجيبا على سجيته: ما أعددت لها إلا أني أحب الله ورسوله فقال- صلى الله عليه وسلم-: «أنك مع من أحببت » فقال الصحابة: ونحن كذلك يا رسول الله؟ أي نحن لنا ما قلته لهذا الرجل أي أننا مع من أحببنا قال -صلى الله عليه وسلم-: «نعم » يقول أنس: ففرحنا يومئذ فرحا شديدا.  ذاك لعلمهم أنهم يحبون الله ورسوله، اللهم إننا نسألك حبك، وحب من يحبك، وحب كل عمل يقربنا إلى حبك. أقول هذا القول واستغفر الله العظيم لي ولكم فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.   الخطبة الثانية:  الحمد لله رب العالمين، الرحمن الرحيم، أحمده حق حمده لا أحصى ثناء عليه هو كما أثنى على نفسه، وأشهد أن لا إله إلا الله شهادة تنجي قائلها من النار، وأشهد أن محمدا عبد الله ورسوله صفيه وخليله، خيرته من خلقه لم يترك خيرا إلا دلنا عليه، ولا شرا إلا حذرنا منه، تركنا على محجة بيضاء ليلها كنهارها لا يزيغ عنها إلا هالك فصلى الله عليه وعلى آله وصحبه ومن أتبع سنته واقتفى أثره بإحسان إلى يوم الدين أما بعد:  فاتقوا الله عباد، اتقوا الله فهي خير ما تزودتم به للقاء ربكم جل في علاه: ﴿وتزودوا فإن خير الزاد التقوى﴾ +++البقرة:197---  تقوى الله قيام بالواجبات والفرائض والمطلوبات، ومسابقة ومسارعة بالنوافل وسائر المستحبات رغبة فيما عند الله جل في علاه، وخوفا من عقابه وعذابه. أيها المؤمنون: إن مما يرسخ في القلب محبة الرب جل في علاه أن يعلم العبد ما ذكره الله في كتابه، وما أخبر به رسوله صلى الله عليه وسلم من كمالات ربنا في أسمائه وصفاته، وعظيم وجميل أفعاله سبحانه وبحمده، فإن العبد إذا عرف أسماء الله، وأدرك معانيها كما أضاف إلى ذلك معرفة صفات ربه وجميل أفعاله تعلق قلبه به؛ لهذا جاءت الرسل جميعا بالله معرفين، وإليه داعين، جاءوا يعرفون بالله تعالى تعريفا تاما، فعرفوا قدر المدعو إليه، المعبود، الذي له نصلي ونصوم، عرفوه بأسمائه وصفاته، وأفعاله تعريفا مفصلا حتى كأن العبد يشاهد الله جل في علاه، ينظر إليه سبحانه فوق سماواته على عرشه، يكلم ملائكته، ويدبر أمر مملكته، يسمع أصوات خلقه، يرى أفعالهم وحركاتهم، ويشاهد بواطنهم كما يشاهد ظواهرهم، لا يخفى عليه شيء من حالهم، السر عنده علانية، يأمر وينهى، ويرضى ويغضب، ويضحك من قنوط عباده، وقرب غيره، ويجيب دعوة مضطرهم، ويغيث ملهوفهم، ويعين محتاجهم، يجبر كسيرهم، ويغني فقيرهم، يميت ويحي جل في علاه، يمنع ويعطي لا مانع لما أعطى، ولا معطي لما منع، يؤتي الحكمة من يشاء بيده الخير يرحم مسكينا، ويغيث ملهوفا، يؤتي الملك من يشاء، وينزعه ممن يشاء، يذل من يشاء ويعز من يشاء، بيده الملك وهو على كل شيء قدير.  هكذا أخبرت الرسل عن الله عز وجل فإذا عرف العبد عن ربه كل هذا، وعرف من أسماء الله وصفاته العليا ما يقوى به علمه بربه، أورثه الملك حبا لا تنفصل عراه، ويجد عند ذلك حبا لربه لا يحد مداه، فالحمد لله الذي فتح لعباده طريقا يتعرفون بها عليه، ثم أن العبد إذا سار في الكون، وتأمل أفعال الله عز وجل في سمائه وأرضه، وما أجراه من سننه في عباده علم أن له ربا كريما عظيما جليل القدر، فله ما في السماوات ومن في الأرض، ينظر في السماء وعظمها، وفي الأرض وكبير قدرها، وبديع صنع خالقها، بل ينظر في نفسه فيرى لله نعمة في كل عرض ساكن، وفي كل عرض ناظر، وفي كل عين لاحظة، بل لله عليك فضل في كل ثانية، ﴿ وما بكم من نعمة فمن الله ﴾ +++النحل:53---  حقه أن يشكر، والقلب إليه ينجذب لما أولاه من النعم وعظيم الإحسان، ثم إن العبد إذا اشتغل بذكر ربه وتلاوة كلامه وقراءة كتابه كان ذلك من موجبات محبة الله عز وجل فيكون شعار المؤمن ذكر الله عز وجل على المحبة والإجلال فالمؤمنون المحبون لا تفتر ألسنتهم عن ذكر ربهم فهو شعارهم ودثارهم. أيها المؤمنون: إن مما يزيد في القلب محبة الرب أن تسعى في طاعته ما استطعت، وقد أقام الله تعالى لذلك برهانا ودليلا، فقال: ﴿ قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله ويغفر لكم ذنوبكم والله غفور رحيم ﴾ +++آل عمران:31---   فالعبد إذا اشتغل بطاعة الله أورثه الله محبته، إذا اشتغل بعبادة الله أورثه ذلك محبة الله سبحانه وبحمده، لذلك جاء في الحديث الصحيح من حديث أبي هريرة رضي الله تعالى عنه أن النبي - صلى الله عليه وسلم- قال: «يقول الله عز وجل: من عادى لي وليا فقد آذنته بالحرب ثم يقول جل في علاه وما تقرب إلي عبدي بشيء أحب إلي مما افترضته عليه، ولا يزال عبدي يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه ».  فهذان الطريقان هما برهان محبة العبد لربه، أن تنظر في نفسك في الواجبات، والفرائض والمكتوبات، وأن تنظر بعد ذلك مدى نشاطك في التطوعات والمستحبات فإذا كملت هذين فزت بمحبة الله عز وجل كنت له محبا، مراقبا في سمعك، مراقبا لربك في بصرك، مراقبا لربك في حركاتك وسكناتك، مراقبا لربك في أخذك وعطائك.  لذلك قال: «فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به » أي يكون الله معك في سمعك «وبصره الذي يبصر به » فيكون الله معك في بصرك «ويده التي يبطش بها » فيكون الله معك في حركة يدك أخذك وعطائك، «ورجله التي يمشي بها » فيكون الله معك في قدمك التي تنقلك من مكان إلى مكان، وبهذا يعظم نصيبك من محبة الرحمن، وتفوز بعطائه فإذا استنصرته نصرك، وإذا استعذته أعاذك، فلك المنزلة الكبرى، والمكانة العليا، فهنيئا هنيئا هنيئا لمن امتلأ قلبه بمحبة ربه، إن محبة الله ألذ ما في الدنيا.  فليس في الدنيا نعيم أعظم من محبة الله، وليس في الآخرة نعيم أعظم من النظر إلى وجهه؛ ولذلك كان من دعائه- صلى الله عليه وسلم- «اللهم إني أسألك النظر إلى وجهك والشوق إلى لقائك » فجمع أعظم ما في الآخرة من النعيم سؤالا وهو النظر إلى وجهه، وأعظم ما في الدنيا وهو الشوق إلى لقائه، ولا يمكن أن يكون ذلك، أي لا يمكن أن يقوم في قلب عبد الشوق إلى الله عز وجل إلا إذا امتلأ محبة له.  اللهم املأ قلوبنا بمحبتك، اللهم املأ قلوبنا بمحبتك، اللهم املأ قلوبنا بمحبتك، واجعل محبتك أحب إلينا من كل شيء يا ذا الجلال والإكرام، اللهم إنا نسألك الهدى والتقى، والعفاف والرشاد والغنى، اللهم إنا نسألك العفو والعافية والاستقامة في السر والعلن، نعوذ بك من الخطأ والزلل، ونسألك يا ربنا التوفيق لصالح العمل، اللهم أحسن خاتمنا في الأمور كلها، أدخلنا في كل عمل مدخل صدق، وأخرجنا مخرج صدق، وأجعل لنا من لدنك سلطانا نصيرا، اللهم آمنا في أوطاننا، وأصلح أئمتنا وولاة أمورنا، وأجعل ولايتنا فيمن خافك واتقاك وأتبع رضاك يا رب العالمين، اللهم وفق ولي أمرنا إلى ما تحب وترضى، وخذ بناصيته للبر والتقوى، سدده في قوله وعمله، وأدفع عن بلادنا كل سوء وشر، اللهم أدفع عن بلادنا كل سوء وشر، واكتب مثل ذلك لسائر بلاد المسلمين يا رب العالمين. عباد الله إن الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى، وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي يعظكم لعلكم تذكرون، فاذكروا الله العظيم يذكركم واشكروه على نعمه يزدكم، ولذكر الله أكبر والله يعلم ما تصنعون. 

المشاهدات:4758

خطبة: والذين آمنوا أشد حبا لله

إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلن تجد له وليًا مرشدًا، وأشهد أن لا إله إلا الله شهادة أرجو بها النجاة من النار، وأشهد أن محمدًا عبد الله ورسوله _صلى الله عليه وعلى آله وصحبه_ ومن أتبع سنته بإحسان إلى يوم الدين أما بعد: 

فاتقوا الله عباد الله، اتقوا الله حق التقوى، فهذه وصية رب العالمين للأولين والآخرين ﴿وَلَقَدْ وَصَّيْنَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَإِيَّاكُمْ أَنِ اتَّقُوا اللَّهَ ﴾النساء:131  ولاشك أن الله تعالى أعلم بصلاح العباد من كل أحد، وأن رحمته جل في علاه ورأفته بعباده أجل من كل رحمة ورأفة، فلو كانت هناك خصلة هي أصلح للعباد في دنياهم وأخراهم، وأشفع للخير، وأعظم في القدر، وأنفع للخلق من التقوى لكان الأمر بها والوصية أولى وأحرى.

 فلما اقتصر الله تعالى في وصيته للأولين والآخرين على تقواه جل في علاه عُلم أن التقوى جمعت كل نصحٍ وإرشادٍ، وجمعت كل خيرٍ وفضل وسدادٍ وبر فاتقوا الله حق تقواه، اتقوه جل وعلا وراقبوه مراقبة من يعلم أن الله يسمع قوله ويراه، واحذروا الموت قبل التوبة، وعض الأنامل يوم الأوبة يوم لا ينفع مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلبٍ سليم.

أيها المؤمنون عباد الله: إن محبة الله جل في علاه أصل الإيمان والتوحيد، إن محبة الله جل في علاه أساس الملة والدين، فلا دين ولا ملة، ولا إيمان وإسلام إلا بأن يملأ العبد قلبه بمحبة الله الرحيم الرحمن ﴿وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَتَّخِذُ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَندَادًا يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللَّهِ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَشَدُّ حُبًّا لِلَّهِ﴾ البقرة:165 

الكتب، والرسل، والأديان قاطبةٌ *** خزائن الحكمة الكبرى لواعيها

محبة الله أصلٌ في مراشدها*** وخشية الله أسٌ في مبانيها.

أيها المؤمنون: إن محبة الله تعالى قد فُطرت عليها قلوب العباد فلا سكن لقلبك أيها العبد ولا طمأنينة ولا راحة، ولا بهجة، ولا سعادة، ولا لذة إلا بمحبة الله عز وجل.

 فالقلب:

لو نال كل مليحة ورياسة ... لم يطمئن وكان ذا دوران.

بل لو ينال بأسرها الدنيا لما ... قرت بما قد ناله العينان.

نقل فؤادك حيث شئت من الهوى ... واختر لنفسك أحسن الإنسان.

فالقلب مضطر إلى محبوبه الـ ... أعلى فلا يغنيه حب ثان.

وصلاحه وفلاحه ونعيمه ... تجريد هذا الحب للرحمن( ).

فحب القلب لله لا عوض عنه، وصلاحه، وفلاحه ونعيمه تجد هذا الحب للرحمن، فإذا تخلى منه أصبح حائرًا، ويعود في ذا الكون ذا هيمان.

أيها المؤمنون: إن محبة الله تعالى أصلٌ يصدر عنها كل محبةٍ محمودة، فمن محبة الله ينبثق حب ما أحبه، وكره ما أبغضه وهذا أوثق عرى الإيمان كما جاء في جملة من أحاديث سيد الأنام صلوات الله وسلامه عليه «أوثق عُرى الإيمان الحب في الله والبغض في الله »، وقد جاء في الصحيحين من حديث أنس قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم- يقول: «ثلاثٌ من كُن فيه » ثلاث خصال من حصلها وقامت في قلبه وعمله «ثلاثٌ من كن فيه وجد بهن حلاوة الإيمان أن يكون الله ورسوله أحب إليه مما سواهما » وهذه الخصلة الأولى، أن يكون الله ورسوله أحب إليه مما سواهما «وأن يحب الرجل لا يحبه إلا لله » هذه هي الخصلة الثانية، والخصلة الثالثة «أن يكره أن يعود في الكفر بعد إذ أنقذه الله منه كما يكره أن يُلقى في النار » فبهذا تكتمل خصال الإيمان، ويكتمل سعادة الإنسان وقيامه بحق الرحمن في دنياه إذا أحب الله، وأحب ما يحبه، وأبغض ما يبغضه.

أيها المؤمنون: إن محبة الله تعالى عنها تصدر كل فضيلة فإذا امتلأ القلب بمحبة الله عز وجل انطلق البدن في البر والإحسان، واشتغل بكل حسنةٍ جميلة، فعن محبة الله تصدر عن العبد طاعته قال الله تعالى ﴿قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ﴾آل عمران:31 .

وعن محبة الله يكون العبد في أمنٍ من عذاب الجحيم، ويفوز بالزحزحة عن النار التي قال فيها جل في علاه ﴿فَمَنْ زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ ﴾آل عمران:185 .

فمحبة الله توجب لصاحبها الجنة، نسأل الله أن نكون من أهلها، في الصحيحين من حديث أنس قال: أن رجلًا جاء إلى النبي- صلى الله عليه وسلم- فقال: يا رسول الله متى الساعة قائمة؟ قال: «ويلك وما أعددت لها » هكذا سأل الرجل وبهذا أجاب رسول الله، سأل الرجل عن الساعة متى تكون فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم «ويلك وما أعددت لها » قال الرجل مجيبًا على سجيته: ما أعددت لها إلا أني أحب الله ورسوله فقال- صلى الله عليه وسلم-: «أنك مع من أحببت » فقال الصحابة: ونحن كذلك يا رسول الله؟ أي نحن لنا ما قلته لهذا الرجل أي أننا مع من أحببنا قال -صلى الله عليه وسلم-: «نعم » يقول أنس: ففرحنا يومئذ فرحًا شديدًا. 

ذاك لعلمهم أنهم يحبون الله ورسوله، اللهم إننا نسألك حبك، وحب من يحبك، وحب كل عملٍ يقربنا إلى حبك.

أقول هذا القول واستغفر الله العظيم لي ولكم فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.

 

الخطبة الثانية: 

الحمد لله رب العالمين، الرحمن الرحيم، أحمده حق حمده لا أحصى ثناء عليه هو كما أثنى على نفسه، وأشهد أن لا إله إلا الله شهادة تنجي قائلها من النار، وأشهد أن محمدًا عبد الله ورسوله صفيه وخليله، خيرته من خلقه لم يترك خيرًا إلا دلنا عليه، ولا شرًا إلا حذرنا منه، تركنا على محجةٍ بيضاء ليلها كنهارها لا يزيغ عنها إلا هالك فصلى الله عليه وعلى آله وصحبه ومن أتبع سنته واقتفى أثره بإحسان إلى يوم الدين أما بعد: 

فاتقوا الله عباد، اتقوا الله فهي خير ما تزودتم به للقاء ربكم جل في علاه: ﴿وتَزَوَّدُوا فَإنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى﴾ البقرة:197  تقوى الله قيامٌ بالواجبات والفرائض والمطلوبات، ومسابقة ومسارعة بالنوافل وسائر المستحبات رغبة فيما عند الله جل في علاه، وخوفًا من عقابه وعذابه.

أيها المؤمنون: إن مما يرسخ في القلب محبة الرب جل في علاه أن يعلم العبد ما ذكره الله في كتابه، وما أخبر به رسوله صلى الله عليه وسلم من كمالات ربنا في أسمائه وصفاته، وعظيم وجميل أفعاله سبحانه وبحمده، فإن العبد إذا عرف أسماء الله، وأدرك معانيها كما أضاف إلى ذلك معرفة صفات ربه وجميل أفعاله تعلق قلبه به؛ لهذا جاءت الرسل جميعًا بالله معرفين، وإليه داعين، جاءوا يعرفون بالله تعالى تعريفًا تامًا، فعرفوا قدر المدعو إليه، المعبود، الذي له نصلي ونصوم، عرفوه بأسمائه وصفاته، وأفعاله تعريفًا مفصلًا حتى كأن العبد يشاهد الله جل في علاه، ينظر إليه سبحانه فوق سماواته على عرشه، يكلم ملائكته، ويدبر أمر مملكته، يسمع أصوات خلقه، يرى أفعالهم وحركاتهم، ويشاهد بواطنهم كما يشاهد ظواهرهم، لا يخفى عليه شيءٌ من حالهم، السر عنده علانية، يأمر وينهى، ويرضى ويغضب، ويضحك من قنوط عباده، وقرب غِيرِه، ويجيب دعوة مضطرهم، ويغيث ملهوفهم، ويعين محتاجهم، يجبر كسيرهم، ويغني فقيرهم، يميت ويحي جل في علاه، يمنع ويعطي لا مانع لما أعطى، ولا معطي لما منع، يؤتي الحكمة من يشاء بيده الخير يرحم مسكينًا، ويغيث ملهوفًا، يؤتي الملك من يشاء، وينزعه ممن يشاء، يذل من يشاء ويعز من يشاء، بيده الملك وهو على كل شيءٍ قدير.

 هكذا أخبرت الرسل عن الله عز وجل فإذا عرف العبد عن ربه كل هذا، وعرف من أسماء الله وصفاته العليا ما يقوى به علمه بربه، أورثه الملك حبًا لا تنفصل عُراه، ويجد عند ذلك حبًا لربه لا يُحد مداه، فالحمد لله الذي فتح لعباده طريقًا يتعرفون بها عليه، ثم أن العبد إذا سار في الكون، وتأمل أفعال الله عز وجل في سمائه وأرضه، وما أجراه من سننه في عباده عَلِم أن له ربًا كريمًا عظيمًا جليل القدر، فله ما في السماوات ومن في الأرض، ينظر في السماء وعظمها، وفي الأرض وكبير قدرها، وبديع صنع خالقها، بل ينظر في نفسه فيرى لله نعمةً في كل عرض ساكن، وفي كل عرض ناظر، وفي كل عينٍ لاحظة، بل لله عليك فضلٌ في كل ثانية، ﴿ ومَا بِكُم مِّن نِّعْمَةٍ فَمِنَ اللَّهِ ﴾ النحل:53  حقه أن يُشكر، والقلب إليه ينجذب لما أولاه من النعم وعظيم الإحسان، ثم إن العبد إذا اشتغل بذكر ربه وتلاوة كلامه وقراءة كتابه كان ذلك من موجبات محبة الله عز وجل فيكون شعار المؤمن ذكر الله عز وجل على المحبة والإجلال فالمؤمنون المحبون لا تفتر ألسنتهم عن ذكر ربهم فهو شعارهم ودثارهم.

أيها المؤمنون: إن مما يزيد في القلب محبة الرب أن تسعى في طاعته ما استطعت، وقد أقام الله تعالى لذلك برهانًا ودليلًا، فقال: ﴿ قُلْ إن كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ ويَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ واللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ ﴾ آل عمران:31   فالعبد إذا اشتغل بطاعة الله أورثه الله محبته، إذا اشتغل بعبادة الله أورثه ذلك محبة الله سبحانه وبحمده، لذلك جاء في الحديث الصحيح من حديث أبي هريرة رضي الله تعالى عنه أن النبي - صلى الله عليه وسلم- قال: «يقول الله عز وجل: من عادى لي وليًا فقد آذنته بالحرب ثم يقول جل في علاه وما تقرب إلي عبدي بشيءٍ أحب إلي مما افترضته عليه، ولا يزال عبدي يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه ».

 فهذان الطريقان هما برهان محبة العبد لربه، أن تنظر في نفسك في الواجبات، والفرائض والمكتوبات، وأن تنظر بعد ذلك مدى نشاطك في التطوعات والمستحبات فإذا كملت هذين فزت بمحبة الله عز وجل كنت له محبًا، مراقبًا في سمعك، مراقبًا لربك في بصرك، مراقبًا لربك في حركاتك وسكناتك، مراقبًا لربك في أخذك وعطائك.

 لذلك قال: «فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به » أي يكون الله معك في سمعك «وبصره الذي يبصر به » فيكون الله معك في بصرك «ويده التي يبطش بها » فيكون الله معك في حركة يدك أخذك وعطائك، «ورجله التي يمشي بها » فيكون الله معك في قدمك التي تنقلك من مكانٍ إلى مكان، وبهذا يعظم نصيبك من محبة الرحمن، وتفوز بعطائه فإذا استنصرته نصرك، وإذا استعذته أعاذك، فلك المنزلة الكبرى، والمكانة العليا، فهنيئًا هنيئًا هنيئًا لمن امتلأ قلبه بمحبة ربه، إن محبة الله ألذ ما في الدنيا.

 فليس في الدنيا نعيمٌ أعظم من محبة الله، وليس في الآخرة نعيمٌ أعظم من النظر إلى وجهه؛ ولذلك كان من دعائه- صلى الله عليه وسلم- «اللهم إني أسألك النظر إلى وجهك والشوق إلى لقائك » فجمع أعظم ما في الآخرة من النعيم سؤالًا وهو النظر إلى وجهه، وأعظم ما في الدنيا وهو الشوق إلى لقائه، ولا يمكن أن يكون ذلك، أي لا يمكن أن يقوم في قلب عبدٍ الشوق إلى الله عز وجل إلا إذا امتلأ محبةً له.

 اللهم املأ قلوبنا بمحبتك، اللهم املأ قلوبنا بمحبتك، اللهم املأ قلوبنا بمحبتك، واجعل محبتك أحب إلينا من كل شيءٍ يا ذا الجلال والإكرام، اللهم إنا نسألك الهدى والتقى، والعفاف والرشاد والغنى، اللهم إنا نسألك العفو والعافية والاستقامة في السر والعلن، نعوذ بك من الخطأ والزلل، ونسألك يا ربنا التوفيق لصالح العمل، اللهم أحسن خاتمنا في الأمور كلها، أدخلنا في كل عملٍ مدخل صدق، وأخرجنا مخرج صدقٍ، وأجعل لنا من لدنك سلطانًا نصيرًا، اللهم آمنا في أوطاننا، وأصلح أئمتنا وولاة أمورنا، وأجعل ولايتنا فيمن خافك واتقاك وأتبع رضاك يا رب العالمين، اللهم وفق ولي أمرنا إلى ما تحب وترضى، وخذ بناصيته للبر والتقوى، سدده في قوله وعمله، وأدفع عن بلادنا كل سوءٍ وشر، اللهم أدفع عن بلادنا كل سوء وشر، واكتب مثل ذلك لسائر بلاد المسلمين يا رب العالمين.

عباد الله إن الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى، وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي يعظكم لعلكم تذكرون، فاذكروا الله العظيم يذكركم واشكروه على نعمه يزدكم، ولذكر الله أكبر والله يعلم ما تصنعون. 

الاكثر مشاهدة

1. خطبة : فابتغوا عند الله الرزق ( عدد المشاهدات19193 )
4. خطبة: يسألونك عن الخمر ( عدد المشاهدات12365 )
8. خطبة : عجبا لأمر المؤمن ( عدد المشاهدات9955 )
12. الاجتهاد في الطاعة ( عدد المشاهدات8464 )

مواد تم زيارتها

التعليقات


×

هل ترغب فعلا بحذف المواد التي تمت زيارتها ؟؟

نعم؛ حذف