×
العربية english francais русский Deutsch فارسى اندونيسي اردو

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

الأعضاء الكرام ! اكتمل اليوم نصاب استقبال الفتاوى.

وغدا إن شاء الله تعالى في تمام السادسة صباحا يتم استقبال الفتاوى الجديدة.

ويمكنكم البحث في قسم الفتوى عما تريد الجواب عنه أو الاتصال المباشر

على الشيخ أ.د خالد المصلح على هذا الرقم 00966505147004

من الساعة العاشرة صباحا إلى الواحدة ظهرا 

بارك الله فيكم

إدارة موقع أ.د خالد المصلح

مرئيات المصلح / من رحاب الحرمين / معاني مهمة قبل أن تعتكف

مشاركة هذه الفقرة WhatsApp Messenger LinkedIn Facebook Twitter Pinterest AddThis

المشاهدات:4341

"مَعاني مُهمَّةٌ قَبْلَ أنْ تَعتكِفَ".

الحَمدُ لِلَّهِ حَمدًا كَثيرًا طَيِّبًا مُبارَكًا فيهِ أحمَدُهُ بحَقِّ حَمدِهِ لا أحسِنُ ثَنائي عَلَيهِ وكَفاءَتُهُ عَلَى نَفسِهِ، وأشهَدُ أنْ لا إلهَ إلَّا اللهُ إلهُ الأوَّلينَ والآخِرينَ لا إلهَ إلَّا اللهُ الرَّحمنُ الرحيمُ، وأشهَدُ أنَّ مُحمدًا عَبدُ اللهِ ورَسولُهُ خِيرَتُهُ مِنْ خَلقِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وعَلَى آلهِ وصَحبِهِ ومَنِ اتَّبعَ سُنَّتَهُ، واقتَفَى أثرَهُ بإحسانٍ إلى يَومِ الدينِ أمَّا بَعْدُ:

فإنَّ مِنْ أفضَلِ الأوقاتِ ذِكْرًا لِلَّهِ -عزَّ وجلَّ- وتَمجيدًا لَهُ وتَقديسًا: "البُكورَ والآصالَ"؛ ولذَلِكَ أمَرَ اللهُ ـ تَعالَى ـ بذِكْرِهِ في هَذينِ الوَقتَيْنِ في نُصوصٍ كَثيرةٍ في كِتابِهِ ـ جلَّ في عُلاهُ ـ ولذَلِكَ قَولُهُ: ﴿وَسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلًا[الأحزابِ:42]، وتَسبيحُهُ ـ جَلَّ في عُلاهُ ـ يَشملُ الاشتِغالَ بطاعَةِ اللهِ، والعَملِ بما يُحبُّهُ ويَرضاهُ مِنْ قِراءةِ كِتابِهِ وذِكْرِهِ ـ جَلَّ في عُلاهُ ـ وكذَلِكَ مِنْ أذكارِ الصباحِ الَّذي جاءَتْ وثَبَتَتْ عَنِ النبيِّ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وعَلَى آلِهِ وسَلَّمَ ـ ولذِكْرِهِ ـ جَلَّ في عُلاهُ ـ ذِكرِهِ بتِلاوَةِ كِتابِهِ وتَدارُسِ مَعانيهِ فإنَّ ذَلِكَ مِنْ ذِكْرِ اللهِ الَّذي جاءَ فيهِ فَضلٌ عَظيمٌ، وأجْرٌ جَزيلٌ. فقَدْ جاءَ في الصحيحِ أنَّ النبيَّ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وسَلَّمَ ـ قالَ: «ما اجتَمعَ قَومٌ في بَيْتٍ مِنْ بُيوتِ اللهِ يَتلونَ كِتابَ اللهِ ويَتَدارسونَهُ بَينَهُم إلَّا نَزَلَتْ عَلَيهِمُ السكينَةُ، وغَشيتْهُمُ الرحمَةُ، وحَفَّتهُمُ الملائكَةُ، وذَكرَهُمُ اللهُ فيمَنْ عِندَهُ»صحيحُ مُسلمٍ (2699) هذهِ الهباتُ، وتِلْكَ العَطايا لكُلِّ قَومٍ يَجتَمِعونَ في بَيتٍ مِنْ بُيوتِ اللهِ عَلَى تِلاوَةِ كِتابِهِ، وفَهمِ مَعانيهِ، فإنَّ فَهْمَ مَعاني كَلامِ اللهِ -عزَّ وجلَّ- يَفتَحُ للإنسانِ تَدبُّرَ آياتِهِ وإذا أضافَ إلى تِلاوةِ الكِتابِ الفَهْمَ للمَعنَى والتدبُّرِ للآياتِ فتحَتْ أبوابَ البَرَكاتِ فقَدْ قالَ اللهُ -جَلَّ وعَلا- في مُحكَمِ كِتابِهِ: ﴿كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُوْلُوا الأَلْبَابِ[ص:29] فاللهُ -جَلَّ وعَلا- ذَكرَ حِكمةَ إنزالِ الكِتابِ بَعْدَ أنْ وَصفَهُ بالهِدايَةِ المُبارَكةِ، وهذهِ البَركَةُ في كِتابِهِ ـ جَلَّ في عُلاهُ ـ لا تُنالُ بطَريقٍ أعظَمَ مِنَ الفَهْمِ لمَعناهُ والتدبُّرِ لأسرارِهِ، وآياتِهِ، وحُكمِهِ وأحكامِهِ فإنَّ ذَلِكَ مُفتاحُ العَملِ؛ ولذَلِكَ قالَ: ﴿لِيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُوْلُوا الأَلْبَابِ[ص:29]وهُمْ أصحابُ العُقولِ وإنَّما خَصَّ أولو الألبابِ بالذِّكْرِ؛ لأنَّ التفكُّرَ والتذَكُّرَ إنَّما هُوَ لمَنْ كانَ لَهُ عَقْلٌ، لمَنْ كانَ لَهُ قَلْبٌ، لمَنْ كانَ لَهُ فَهْمٌ. فجَديرٌ بالمُؤمنِ أنْ يُعمِلَ وَقتَهُ لاسِيَّما في الأزمِنَةِ المُبارَكةِ والأوقاتِ الفاضِلةِ بتِلاوَةِ كِتابِ اللهِ وفَهْمِ ما فيهِ مِنَ المَعانِي، والاجتِهادِ في تَدبُّرِهِ، والاستِفادَةِ مِنْ هِداياتٍ، فإنَّ ذَلِكَ يَفتَحُ لَهُ خَيرًا عَظيمًا وبَابًا كَبيرًا مِنْ أبوابِ الإصلاحِ والصَّلاحِ؛ ولذَلِكَ قالَ: ﴿لِيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُوْلُوا الأَلْبَابِ[ص:29]فما أحرانا أيُّها الأخوَةُ ونَحنُ في شَهرِ القُرآنِ الَّذي خَصَّهُ اللهُ لإنزالِ هَذا الكتابِ المُبينِ أنْ نَعتَنيَ بهَذا المَعنَى غايَةَ الاعتناءِ، وأنْ لا يَكونَ فَقطْ في عِنايةٍ بعَملٍ لا عَيْبَ فيهِ، وبعَملٍ لا قَيْدَ فيهِ فإنَّ ذَلِكَ مِمَّا يُقلِّلُ الأُجورَ ويُذهِبُ برَكتَها، ويَكونُ الإنسانُ فيها عَلَى حالٍ مِنَ الضعْفِ وقِلَّةِ النفْعِ والانتِفاعِ بالعَملِ الصالِحِ ما لا يُبارَكُ لَهُ في عَملِهِ؛ ولذَلِكَ قالَ النبيُّ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وعَلَى آلِهِ وسَلَّمَ ـ: «مَنْ لم يَدَعْ قَولَ الزُّورِ والعَملَ بِهِ فليسَ لِلَّهِ حاجَةٌ في أنْ يَدَعَ طعامَهُ وشَرابَهُ»صَحيحُ البُخاريِّ (1903).

وهَذا يُشيرُ ويُفيدُ بأنَّ عَدمَ العِنايةِ بمَضمونِ العِبادَةِ ومَقصودِها ورُوحِها يُفقِدُ الإنسانَ بَرَكتَها، ولا يَبدو لَهُ الغايَةُ مِنْها فجَديرٌ بالمُؤمنِ أنْ يَحرِصَ عَلَى العِبادةِ بمَعناها ومَقصودِها، ومَشيئَةِ أجلِهِ فإنَّ الآياتِ جالياتٌ، والنُّصوصُ واضِحَةٌ في أنَّ العِباداتِ لها غاياتٌ ومَقاصِدُ مَتَى ما حَضرَتْ تِلْكَ الآياتُ والمَقاصِدُ عَظُمَ أجرُ العامِلينَ، وزادَ ثَوابُهُم عِندَ ربِّ العالَمينَ، وعَظمَةُ أُجورِهم وجَنْيُ عَواقِبِهِم في العاجِلِ والآجِلِ بخِلافِ أولئِكَ الَّذينَ غابَتْ عَنْهُم هذهِ المَعاني فإنَّهُم يُكبِّدونَ أبدانَهُم، ويَشغلونَ أوقاتَهُم لكِنْ دُونَ أنْ يُدرِكوا جَزيلًا مِنَ العطاءِ ولا كَبيرًا مِنَ النفْعِ والفائِدَةِ.

النبيُّ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وعَلَى آلهِ وسَلَّمَ ـ كانَ مِنْ هَدْيِهِ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وعَلَى آلِهِ وسَلَّمَ ـ أنَّهُ إذا صَلَّى الفَجْرَ جَلسَ في مُصلَّاهُ يَذكُرُ اللهَ -عزَّ وجلَّ- حَتَّى تَرتفِعَ الشمْسُ ارتِفاعًا حَسنًا، وهَذا في ذِكْرِ اللهِ وتَمجيدِهِ وتَقديسِهِ؛ ولذَلِكَ لَمَّا سُئِلَ جابرُ بنُ سَمرةَ ـ رَضِيَ اللهُ تَعالَى عَنهُ ـ: هَلْ كُنتَ تُجالِسُ النبيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وسَلَّمَ؟ قالَ: نَعَمْ كَثيرًا، كانَ إذا صَلَّى الفَجْرَ جَلسَ في مُصلَّاهُ يَذكرُ اللهَ حَتَّى تَرتفِعَ الشمسُ حَسنًا فعَدَّ هَذا الجُلوسَ بَيْنَ يَديهِ ـ صَلواتُ اللهِ وسَلامُهُ عَلَيهِ ـ مِنْ مُجالسَتِهِ الَّتي انتَفعَ بها وعاصَرها، ونَقلَها لمَنْ بَعدَهُ ممَّنْ سألَهُ عَنْ مُجالَسةِ النبيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وسَلَّمَ.

فلنَحرِصْ أيُّها المُؤمنونَ ونَحنُ في هذهِ الأيامِ المُبارَكةِ عَلَى عِمارَةِ أوقاتِنا بذِكْرِ اللهِ في كُلِّ الأحيانِ والأوقاتِ، ولنَكُنْ عَلَى حالَةٍ حَسنَةٍ وعَملٍ صالِحٍ واجتِهادٍ في كُلِّ ما يُقرِّبُنا إلى اللهِ. هذهِ المَساجِدُ لم تُبنَى لا للَهْوٍ ولا للعَبثِ، ولا لإزعاجِ الأوقاتِ أو الإضرارِ بالناسِ؛ إنما بُنيَتْ لذِكرِ اللهِ فكُلُّ وَقتٍ تَستطيعُ أنْ تَستثمِرَهُ في ذِكرِ اللهِ وعِبادتِهِ في هذهِ البُيوتِ المُباركةِ، وفي هَذا المَسجدِ المُباركِ في الحَرمِ الشريفِ فلا تُفوِّتْهُ فإنَّكَ في مَكانٍ عظيمِ القَدْرِ شَريفِ المَنزلَةِ.

بَعْضُ الناسِ يَتَّخِذُ المساجِدَ عُمومًا والمَسجدَ الحَرامَ مَسكنًا يَنامُ فيهِ، ويَأكلُ فيهِ، ويشربُ فيهِ عَلَى نُحْوٍ لا يُعظِّمُ فيهِ هَذا البَيتَ، ولا يُعظِّمُ هذهِ البُقعةَ المُباركةَ الَّتي عَظَّمها اللهُ ـ تَعالَى ـ اللهُ -جلَّ وعَلا- يَقولُ في كِتابِهِ: ﴿وَطَهِّرْ بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْقَائِمِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ[الحَجِّ:26].فهَذا البَيتُ كُلُّ مَنْ ذَكرَهُمُ اللهُ ـ تَعالَى ـ فيهِ مِمَّنْ طَهَّرَ لأجلِهِم أهلُ طاعَةٍ وعبادَةٍ واشتِغالٍ بصالِحٍ مِنَ العَملِ "الطوافِ العُكوفِ"، والعُكوفُ هُوَ: لُزومُ بَيتٍ لطاعَةِ اللهِ -عَزَّ وجَلَّ- لَهُ أحكامُهُ ولَهُ آدابُهُ، وليسَ مُجرَّدَ مُكْثٍ في مَسجدٍ وإمضاءِ وَقتٍ دُونَ عِنايَةٍ بما يَنبَغي أنْ يَعتَنيَ بِهِ المُؤمنُ مِنَ الأداءِ، هذهِ مِنَ المسائلِ المُهمَّةِ لاسِيَّما ونحنُ نُقبِلُ عَلَى العَشرِ الأواخرِ الَّتي مِنْ هَدْيِ النبيِّ -صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وسَلَّمَ- الاعتِكافُ فيها فإنَّ النبيَّ -صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وسَلَّمَ- كانَ يَعتكِفُ العَشرَ الأواخرَ مِنْ رَمضانَ، وكانَ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وسَلَّمَ ـ يَشتغِلُ في اعتِكافِهِ بالخَلوَةِ بذِكْرِ اللهِ وطاعَتِهِ وتِلاوةِ كِتابِهِ ويَقضِي وَقتَهُ في الطاعةِ، ليسَ في وَقتِهِ ما يَشغَلُهُ عَنْ ذِكْرِ رَبِّهِ وعِبادتِهِ حَتَّى إنَّهُ ـ صَلواتُ اللهِ وسَلامُهُ عَلَيهِ ـ بَلَغَ مِنَ الاشتغالِ بالطاعةِ ما يَستغنِي بِهِ عَنِ الطعامِ والشُّربِ فكانَ -صَلواتُ اللهِ وسَلامُهُ عَلَيهِ- يُواصِلُ الصومَ يَومًا تِلْوَ يَومٍ، يَصِلُ صيامَ يَومٍ باليومِ الذي يَليهِ في بَعْضِ أيامِهِ ـ صَلواتُ اللهِ وسَلامُهُ عَلَيهِ ـ ولِما قالَ لأصحابِهِ: «لا تُواصِلوا» لأنَّهُمُ اقتَدَوا بِهِ لَمَّا رَأَوهُ يُواصِلُ الصومَ قالَ لهُ أصحابُهُ: إنَّكَ تُواصِلُ يا رَسولَ اللهِ وهُمْ يَقتَدونَ بعَملِهِ ـ صَلواتُ اللهِ وسَلامُهُ عَلَيهِ ـ فقالَ النبيُّ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وسَلَّمَ ـ: «ليسَتْ كهَيئتِكُم؛ يَعني أنا لستُ في هَذا الأمرِ عَلَى نَحْوِ ما أنتُم عَلَيهِ لسْتُ كمِثلِكُم فإنِّي أبيتُ أُطعَمُ وأُسقَى»صحيحُ البُخاريِّ (1961).

«أبيتُ أُطعَمُ وأُسقَى»:المَقصودُ بِهِ أنَّ اللهَ يَمُدُّ رَسولَهُ ـ صَلواتُ اللهِ وسَلامُهُ عَلَيهِ ـ بقَوَّةٍ يَغتَني بها عَنِ الطعامِ والشرابِ، يَمُدُّه بقَوةٍ ومَدَدٍ وعَونٍ لا يَحتاجُ مَعَهُ إلى ما يَحتاجُ الناسُ إلَيْهِ مِنْ أكلٍ وشُربٍ. قالَ العُلَماءُ: "وذَلِكَ لانشِغالِهِ ـ صَلواتُ اللهِ وسَلامُهُ عَلَيهِ ـ بذِكْرِ رَبِّهِ" فإنَّهُ انشَغلَ بذِكْرِ اللهِ وطاعَتِهِ حَتَّى امتَلئَ قَلبُهُ ـ صَلواتُ اللهِ وسَلامُهُ عَلَيهِ ـ اغتِناءً بذِكْرِ اللهِ عَنِ المَأكلِ والمَشرَبِ. وإنِّي لأَعجَبُ مِنْ أقوامٍ يَأتونَ لعِبادةِ الاعتِكافِ لكِنَّهُم لا يُدرِكونَ مَقصودَها، ولا يَعرِفونَ آدابَها، ويَظنونَ أنَّ الاعتِكافَ هُوَ لُزومُ المَسجدِ عَلَى أيِّ سَببٍ كانَ.

المَساجِدُ عَظَّمَ اللهُ شَأنَها فأضافَها إلَيْهِ ـ جلَّ في عُلاهُ ـ وأحبَّها، فأحَبُّ البِلادِ إلى اللهِ مَساجدُها فيَنبغي أنْ تَكونَ عَلَى أعلَى ما تَكونُ مِنْ أدَبٍ في هذهِ المَساجِدِ فإنَّكَ في أحَبِّ البِقاعِ إلى اللهِ، وأمَّا المَسجدُ الحَرامُ فهُوَ أحَبُّ البِقاعِ إلى اللهِ بالمُطلَقِ في المَساجِدِ كُلِّها وفي الأرضِ كُلِّها فأنتَ في مَكانٍ هُوَ أوَّلُ بَيتٍ وُضِعَ للناسِ كما قالَ اللهُ ـ تَعالَى ـ: ﴿إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبَارَكًا وَهُدًى لِلْعَالَمِينَ[آلِ عِمرانَ:96].. فإمَّا أنْ تَفِيَ بحَقِّ هَذا المَكانِ مِنَ الأدَبِ والصيانةِ والاحترامِ، وإمَّا أنْ تتَجنَّبَ أنْ تَأتيَ إلَيْهِ عَلَى وجْهٍ تُخِلُّ فيهِ بآدابِ هذهِ البُقعةِ المُباركةِ. ونَقولُ هَذا؛ لأنَّ ثَمَّةَ مَنْ لا يَتنبَّأُ لآدابٍ مُهِمَّةٍ في الاعتكافِ ومَقصودِهِ، فالاعتِكافُ الَّذي أطلَّ عَلَى أهلِهِ بأنَّ قالَ لخَليلِهِ: ﴿وَطَهِّرْ بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْقَائِمِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ[الحَجِّ:26]فأمَرَ خَليلَهُ أنْ يُطهِّرَ بَيتَهُ خِدمَةً لهَؤلاءِ وهُمُ العاكِفونَ؛ وهَذا يَدُلُّ عَلَى رِفعَةِ شَأنِهِم وسُمُوِّ مَنزِلَتِهِم ورَفيعِ قَدرِهم عِنْدَ رَبِّ العالَمينَ.

وإلَّا لَما أمَرَ خَليلَهُ أنْ يُطهِّرَ البَيتَ لَهُم، وقَدْ ذَكَرَ اللهُ ـ تَعالَى ـ شَيءٌ مِنَ الآدابِ الَّتي يُقبِلُ أنْ يُراعيَها المُعتَكِفُ فقالَ: ﴿وَلا تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنْتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ[البَقرَةِ:187].

فجَديرٌ بالمُؤمنِ أنْ يَحفَظَ حُرمةَ هذهِ البُقعَةِ، وأنْ يَصونَ نَفسَهُ عَنْ أنْ يَقعَ فيما يُؤذيهِ والمُشاهِدُ أنَّ أسَفًا يُقصِّرُ في هَذا تَقصيرًا بَيِّنًا فيَجعَلُ المَسجِدَ مَحلًّا للذَّهابِ والمَجيءِ والأخذِ والعَطاءِ، وبَعضُهُم يَجعلُهُ مَحلًّا لسُؤالِ الناسِ، والتسولِ وهَذا مِنَ الإخلالِ بحُرمَةِ هذهِ البُقعةِ.

الإمامُ أحمَدُ -رَحِمَهُ اللهُ- سُئِلَ عمَّنْ يَتَسوَّلُ في المَساجِدِ أيُعطِى أو لا؟ هَلْ يُعطِى شَيئًا مِنَ المالِ وهُوَ يَتسوَّلُ في المَسجدِ؟

فقالَ -رَحِمَهُ اللهُ-: "المَساجدُ لم تُبْنَ لذَلِكَ".

تَنبَّه لهذهِ المَعاني "المساجِدُ لم تُبْنَ لذَلِكَ ﴿فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَنْ تُرْفَعَ[النُّورِ:36].ماذا يُصنَعُ فيها؟ ﴿أَذِنَ اللَّهُ أَنْ تُرْفَعَ﴾؛ أيُّ حَكَمَ وقَرَّرَ شَرعًا أنْ تُرفَعَ، وتُشيِّدَ. «ومَنْ بَنَى لِلَّهِ مَسجِدًا بَنَى اللهُ لهُ بَيتًا في الجَنَّةِ»سُنَنُ التِّرمذِيِّ (319)، ويُذكَرُ فيها اسمُهُ ﴿يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالآصَالِ[النُّورِ:36].، ﴿الْغُدُوِ﴾:أوَّلُ النهارِ، ﴿والآصَالِ﴾:آخِرُ النهارِ.

﴿يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالآصَالِ (36) رِجَالٌ لا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلاةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ يَخَافُونَ يَوْمًا تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالأَبْصَارُ[النُّورِ:36].فجَديرٌ بالمُؤمنِ أنْ يَعتنِيَ لتَحقيقِ الغايَةِ مِنْ خَلْوتِهِ واعتِكافِهِ حَتَّى يُدرِكَ المَقصودَ، ويَنبَغي أنْ يَتأمَّلَ قَوْلَ النبيِّ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وسَلَّمَ ـ فيما جاءَ في الصحيحِ:«المُسلمُ مَنْ سَلِمَ المُسلِمونَ مِنْ لِسانِهِ أو يَدِهِ»صَحيحُ البُخاريِّ (10)، وصحيحُ مُسلمٍ (41) فيَنبَغي أنْ يُحقِّقَ الإسلامَ في قَوْلِهِ وعَملِهِ بأنْ يَصونَ هَذهِ البُقعةَ، وأنْ يَحتَرِمَ مَنْ جاءَ إلَيْها؛ بعَدمِ أذيَّتِهِ لا بقَولٍ ولا بعَملٍ فـ «أثقَلُ شَيءٍ في الميزانِ حُسْنُ الخُلُقِ»سُنَنُ أبي داودَ (4799)، وسُنَنُ التِّرمذيِّ (2002)كما قالَ سَيِّدُ الأنامِ ـ صَلواتُ اللهِ وسَلامُهُ عَلَيهِ ـ وهُوَ قالَ: «إنَّ مِنْ خِيارِكُم أحسانَكُم أخلاقًا»صحيحُ البُخاريِّ (3559)، وصحيحُ مُسلمٍ (2321) وهذهِ مَعاني قَدْ تَغيبُ عَنْ بَعْضِ الناسِ يَظُنُّ مُجرَّدَ انشغالِهِ بعَملٍ صالِحٍ يَكفيهِ عَنْ مَعانيهِ، وعَنْ آثارِهِ، وآدابِهِ وثِمارِهِ وهُنا يَفقِدُ خَيرًا كثيرًا.

الاعتِكافُ سُنَّةٌ ثابتَةٌ عَنِ النبيِّ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وعَلَى آلِهِ وسَلَّمَ ـ ومَنْ رَغِبَ في أنْ يَعتكِفَ العَشرَ الأواخِرَ مِنْ رَمضانَ فإنَّهُ يَدخُلُ إلى المُعتَكَفِ قَبْلَ غُروبِ شَمْسِ هَذا اليَومِ؛ ليَتحقَّقَ لَهُمُ اعتِكافُ العَشرِ الأواخِرِ مِنْ رَمضانَ، فإنَّ النبيَّ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وعَلَى آلِهِ وسَلَّمَ ـ كما في الصحيحَيْنِ مِنْ حَديثِ أبي سَعيدٍ اعتَكفَ مَعَ أصحابِهِ العَشرَ الأوَّلَ مِنْ رَمضانَ ثُمَّ قالَ لأصحابِهِ: «إنَّ الَّذي تَطلُبونَ أمامَكُم» يُريدُ لَيلَةَ القَدْرِ؛ لأنَّ المَقصودَ الأعظَمَ مِنَ الاعتِكافِ أو مِنْ مَقاصِدِ الاعتِكافِ تَحرِّي لَيلَةِ القَدْرِ فقالَ لأصحابِهِ بَعْدَ العَشرِ الأوَّلِ مِنْ رَمضانَ: "إنَّ الَّذي تَطلُبونَ أمامَكُم" فاعتَكَفوا العَشرَ الأوسَطَ حَتَّى كانَ يَومُ العِشرينَ مِثْلَ هَذا اليَومِ.

يَقولُ أبو سَعيدٍ فنَقَلْنا مَتاعَنا؛ يَعني: حاجاتُهُم التي أحْضَروها مَعَهُم في مُدَّةِ اعتِكافِهِم نَقَلوها إلى بُيوتِهِم فأخرَجَ النبيُّ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وسَلَّمَ ـ رأسَهُ مِنْ قُبةٍ تُركيَّةٍ كانَ يَعتَكِفُ فيها فقالَ: «مَنْ كانَ اعتَكفَ مَعَنا فليَعتكِفِ العَشْرَ الأواخِرَ فإنِّي أُريكُم أنِّي أسجُدُ في صَبيحَتِها في ماءٍ وطَينٍ»صحيحُ البُخاريِّ (813) فرَجَعَ الصحابَةُ ـ رَضِيَ اللهُ تَعالَى عَنْهُم ـ مِنْ يَومِهِم وصَلَّى النبيُّ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وسَلَّمَ ـ تِلْكَ اللَّيلَةَ ما قَدَّرَ اللهُ لهُ هُوَ وأصحابُهُ. يَقولُ: ولم يَكُنْ في السماءِ قَزَعَةٌ ما في؛ أي سَحابٌ حَتَّى إذا كانَ آخِرُ النهارِ، آخِرُ النهارِ يَومِ عِشرينَ مِثلِ هَذا اليَومِ ثارَتِ السماءُ فأمْطَرَتْ فوَقَفَ المَسجِدُ أي: قَطَّرَ فرَأيْتُ النبيَّ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ ـ صَبيحَتَها (صَبيحَةَ يَومِ واحِدٍ وعِشرينَ) رَأيْتُ النبيَّ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وسَلَّمَ ـ يَسجُدُ في ماءٍ وطينٍ فكانَتْ هِيَ لَيلَةُ القَدْرِ التي أُريها صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وسَلَّمَ.

لكِنْ يا إخوانِي ما يَدرى عَنِ الصحابَةِ بَعْدَ هَذا هَلْ خَرَجوا مِنَ المَسجِدِ وذَهَبوا إلى بُيوتِهِم؟

لا، بَلْ بَقُوا حَتَّى أتَمَّ النبيُّ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وسَلَّمَ ـ وأصحابُهُ العَشرَ الأواخرَ مِنْ رَمَضانَ مُعتِكفًا في مَسجدِهِ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وسَلَّمَ ـ فيَنبَغي للمُؤمنِ أنْ يَعرِفَ أنَّهُ إذا أرادَ الاعتِكافَ العَشرَ الأواخِرَ أنْ يُحقِّقَها في السُّنةِ، فليَعتَكِفْ وليَدخُلْ إلى مَكانِ اعتِكافِهِ إلى مَسجَدِ اعتِكافِهِ قَبْلَ غُروبِ شَمْسِ يَوْمِ (الـعِشرينَ) ثُمَّ يَمكُثُ عابِدًا ذاكِرًا مُصليًا، قائِمًا راكعًا ساجِدًا، مُشتَغِلًا بالطاعَةِ والإحسانِ طاقَتَهُ فهِيَ خَلْوةٌ باللهِ -عَزَّ وجَلَّ- خَلْوَةٌ بذِكرِهِ والتنعُّمِ بتَمجيدِهِ وتَقديسِهِ، ويَنبغي أنْ يَتحرَّزَ مِنَ العَذابِ؛ لأنَّ الأماكِنَ المُزدَحمةَ كهَذا البَيتِ المُبارَكِ يَحصُلُ فيهِ مُشاحَّةٌ في مَكانٍ، مُشاحَّةٌ في دُخولِ في خُروجِ فليُغَلِّبِ الإنسانُ جانبَ الصبرِ والتحمُّلِ والرِّفْقِ فأنتَ لنْ تَأتيَ لتَقتطِعَ شَيئًا مِنَ الدُّنيا تُريدُ الآخِرَةَ، تُريدُ الجَنَّةَ وإذا كُنتَ كَذَلِكَ فاصبِرْ فإنَّ الجَنَّةَ طَريقُها الصبْرُ، وقَدْ قالَ اللهُ -عَزَّ وجَلَّ-: ﴿إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ[الزُّمَرِ:10] فكُنْ مِنَ الصابِرينَ ولا تَقُلِ اعتَدَى عَلَيَّ أنتَ مَأمورٌ وأنتَ صائمٌ في خارجِ هذهِ الأماكنِ المُباركةِ مَأمورٌ بأنْ تَتأدَّبَ مَعَ مَنِ اعتَدَى عَلَيكَ وآذاكَ في يَومِ صيامِكَ فقَدْ جاءَ في الصحيحِ أنَّ النبيَّ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وسَلَّمَ ـ قالَ: «إذا كانَ يَومُ صَومِ أحَدِكُم فلا يَرفُثْ ولا يَصخَبْ»صحيحُ البُخاريِّ (1904)، وصحيحُ مُسلمٍ (1151) يَعني لا يَتكلَّمُ كَلامًا قَبيحًا ولا يَرفَعُ صَوتَهُ بسَخَطٍ.

ثُمَّ قالَ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وسَلَّمَ ـ هَذا المُنطَلَقُ إنَّكَ لا يَحصُلُ مِنكَ هَذا ابتِداءً ما دامَ أنتَ سَلِمْتَ وأبعَدْتَ نَفسَكَ عَنْ ما يُمكِنُ أنْ يَكونَ مِنْ صَخبٍ، وابتلاكَ اللهُ بواحِدٍ سابَّكَ أو شاتَمكَ "فإنِ امرُؤٌ سابَّهُ أو شاتَمَهُ"جاءَ شخصٌ واعتَدَى عَلَيكَ بقَولٍ وقَدْحٍ وذَمِّ ماذا تَصنَعُ؟

الأصلُ ﴿وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُهَا[الشُّورَى:40].هَذا هُوَ الأصْلُ، وهَذا هُوَ مُقتَضَى العَدْلِ الَّذي قَضاهُ رَبُّنا في قَولِهِ ـ تَعالَى ـ: ﴿فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ[البَقرَةِ:194].لكِنْ في حالِ الصومِ يَسمُوا المُؤمنُ ويَعلُو عَنْ أنْ يُقابِلَ الإساءةَ بمِثلِها إلى أنْ يُقابِلَ الإساءةَ بالصبْرِ عَلَيها، وتَذكيرُ نَفسِهِ بأنَّكَ تَحتسِبُ الأجرَ عِندَ اللهِ إنِّي امرُؤٌ صائِمٌ «فإنْ سابَّه أحَدٌ أو شاتَمَهُ فليَقُلْ: إنِّي امرُؤٌ صائِمٌ»صحيحُ البُخاريِّ (1904)، وصحيحُ مُسلمٍ (1151)، وهَكَذا أنتُم في دُخولِكُم وخُروجُكِم وسائرِ أحوالِكُم في هَذا المَسجدِ احرِصُوا عَلَى أنْ لا تُقابِلوا إساءةَ المُسيءِ أنْ لا تَبتَدِأوا بالإساءةِ فإنْ أساءَ إلَيكُم أحَدٌ فقابِلوهُ بالصبْرِ، وسِعَةِ الصدْرِ، والتذكيرِ بالعبادَةِ، والتذكيرِ بشَرفِ المَكانِ. هَذا مَكانٌ عَظيمٌ شَريفٌ عَلَي القَدرِ عِندَ رَبِّ العالَمينَ مِنْ عُلوِّ قَدْرِهِ ورِفعةِ مَكانتِهِ أنْ عاقَبَ فيهِ عَلَى السيئَةِ إذا كانَ همًّا راسِخًا في القَلْبِ قالَ اللهُ ـ تَعالَى ـ:﴿وَمَنْ يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحَادٍ بِظُلْمٍ نُذِقْهُ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ[الحَجِّ:25].. كما أنَّهُ يَنبَغي للمُؤمنِ وأنا أقولُ هَذا أُكِّدُ عَلَيهِ أنْ يَتِّبِعَ ما يَكونُ مِنْ تَنظيماتٍ وإرشاداتٍ سواءٌ فيما يَتعلَّقُ بالدُّخولِ والخُروجِ المَسئولينَ مِنْ أفرادِ رِجالِ الأمنِ أو المَسئولينَ عَنِ النظافَةِ أو مَنسوبِ الرئاسَةِ يَنبَغي أنْ يَحترِمَ هذهِ التوجيهاتِ، وهَذا مِنْ طاعاتِ اللهِ -عزَّ وجلَّ- لأنَّ اللهَ أمرَنا بقَولِهِ ـ جَلَّ وعَلا ـ: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنْكُمْ[النِّساءِ:59].ولو كانَ الناسُ عَلَى نَحْوٍ مِنَ الفَوضَى دُونَ هَذا التنظيمِ الَّذي نَشهَدُهُ مِنْ الجِهاتِ، جِهةَ الاختِصاصِ بكافَّةِ شَرائِحِها وقِطاعاتِها لقَتلِ الناسِ بَعضُهُم بَعضًا لكِنْ مِنْ رَحمَةِ اللهِ أنْ قَيَّضَ اللهُ ـ تَعالَى ـ هَؤلاءِ الذينَ يَحرِصونَ عَلَى أنْ يُتِمَّ كُلُّ عَمَلٍ صالِحٍ في هذهِ البَقعةِ عَلَى نَحْوٍ آمِنٍ مُيسَّرٍ لا ضِيقَ فيهِ ولا خَطرَ، ولا تَعريضَ الناسِ لِما يَكرَهونَ مِنْ حَوادثَ ووقائِعَ، فنَحمَدُ اللهَ -عَزَّ وجَلَّ- وحَقُّهُم أنْ نَتعاونَ مَعَهُم بَلْ لَن يَنجحَ أيُّ عَمَلٍ فيما يَتَّصِلُ بتَيسيرِ أُمورِ الناسِ في وُصولِهِم إلى الطوافِ والسَّعْيِ والاعتِكافِ دُونَ أنْ يَكونَ بَيْنَنا تَعاونٌ واللهُ ـ تَعالَى ـ يَقولُ: ﴿وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلا تَعَاوَنُوا عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ[المائدَةِ:2]

هذهِ مَعاني مُهمَّةٌ لا بُدَّ أنْ تَكونَ حاضرَةً وهِيَ ليسَتْ فقَطْ مَعاني مَعنويةٍ لا مَعنَى لها أو مَعاني شَكليةٍ لا مَعنَى لها ولا تَأثيرَ، ولا أجرَ فيها بَلْ فيها مِنَ الأجرِ ما يَضيقُ الإنسانَ إذا احتَسبَهُ. ثُمَّ إنَّ المُعتَكِفَ إذا كانَ في مَكانٍ فهُوَ أحَقُّ به لأنَّهُ وَقْفٌ، وهَذا شأنُ كُلِّ المَساجدِ أنَّها أوقافٌ فلَهُ بالقَدْرِ الَّذي يَحتاجُهُ أمَّا أنْ يَفعلَ ما يَفعَلُهُ بَعْضُ الناسِ مِنْ أنَّهُ يُحدِّثُ خَمسةً يَمينَ وسِتَّةً يَسارَ ويَقولُ أنا سَبقْتُ إلى المَكانِ أنتَ سَبقْتَ بالقَدرِ الَّذي يَسعُكَ، وأمَّا ما زادَ هُوَ وَقْفٌ فإذا أخذْتُ ما لا تَستحِقُّ فأنتَ آثِمٌ بما تَأخُذُ زائِدًا عَنْ حاجَتِكَ والحاجَةُ هُنَا بالمَعروفِ وليسَتِ الحاجَةُ وَفْقَ ما تُقدِّرُهُ أنتَ أو ما تَراهُ أنتَ إنَّما الحاجَةُ بالمَعروفِ فهذهِ الأوقافُ يَنبَغي أنْ تُصانَ، ويُوسَّعَ فيها للناسِ بقَدْرِ الإمكانِ حَتَّى يُشارِكَكَ إخوانُكَ هذهِ الفَضائلَ وهذهِ الخَيراتِ.

أسألُ اللهَ العَظيمَ ربَّ العَرشِ الكَريمِ أنْ يَستعمِلَنا وإيَّاكُم في طاعَتِهِ، وأنْ يُعينَنا عَلَى ما فيهِ خَيرُنا في دِيننا ودُنيانا، وأنْ يُوفِّقَنا في تَحرِّي لَيلةِ القَدرِ، وأنْ يَرزُقنا بُلوغَ هذهِ الليلَةِ الشريفَةِ المُبارَكةِ.

اللهُمَّ وفِّقنا لقيامِ ليلَةِ القَدْرِ إيمانًا واحتِسابًا. اللهُمَّ وفِّقنا لقِيامِ العَشرِ الأواخِرِ إيمانًا واحتِسابًا، اللهُمَّ أعِنَّا فيها عَلَى ما تُحِبُّ وتَرضَى مِنَ الأعمالِ واستَعمِلْنا يا ذا الجَلالِ والإكرامِ فيما يُرضيكَ عَنَّا، واصرِفْ عَنَّا السُّوءَ والفَحشاءَ فَضْلًا مِنْ بَيْنَ أيدينا ومِنْ خَلفِنا، وعَنْ أيمانِنا وعَنْ شَمائِلِنا ومن فَوقِنا ونَعوذُ بِكَ أنْ نُغتالَ مِنْ تَحتِنا. اللهُم إنَّا نَسألُكَ أنْ تُعينَنا عَلَى طاعتِكَ، وأنْ تَصرِفَ عَنَّا مَعصيتَكَ، وأنْ تَجعلَنا مِنْ حِزبِكَ وأولياءِكَ، وأنْ تَملَئَ قُلوبَنا بفَضلِكَ، وأنْ تُعمِّرَها بمَحبَّتِكَ، وأنْ تَملئَها تَعظيمَكَ وأرزُقْنا رَبَّنا تَعظيمَ شَعائرِكَ. اللهُمَّ ارزُقْنا تَعظيمَ شَعائرِكَ، اللهُمَّ ارزُقْنا حِفْظَ حُرُماتِكَ وتَعظيمَ شعائرِكَ، اللهُمَّ ارزُقْنا تَعظيمَ شعائرِكَ يا ربَّ العالَمين. اللهُمَّ وأجْزِي القائِمينَ عَلَى أُمورِ المُعتَمرينَ والزائِرينَ، والقاصِدينَ لهَذا البَيتِ اجزِهِم خَيرَ الجَزاءِ يا ربِّ العالَمينَ. اللهُمَّ وفِّقْهم وأحفَظْهُم مِنْ بَيْنِ أيديهِم ومَنْ خَلفِهِم وسَدِّدْهم، وأعنْهُم واجعَلْ لَهُم مِنْ بَيْنِ أيديهِم ما يُعينُهم ويُبصِّرُهم مِنْ خَيرٍ وتَسديدٍ في القَولِ والعَملِ يا ذا الجلالِ والإكرامِ. اللهُم وفِّقْ ولاةَ أمورِ المُسلمينَ لِما تُحبُّهُ وتَرضَى، ووفِّقْ ولاةَ أمورِنا إلى السدادِ في القولِ والعملِ أعنْهُم عَلَى الخيرِ ظاهرًا وباطِنًا، أحفَظْهُم مِنْ بينِ أيديهم ومِنْ خَلفِهِم واجعَلْ لَهُم مِنْ لَدُنكَ سُلطانًا نَصيرًا. وفِّقْ ولاةَ أمورِ المُسلمينَ إلى ما فيهِ خَيرُ العِبادِ والولاةِ، وأنجِي المُستَضعفينَ مِنَ المُؤمنينَ في كُلِّ مَكانٍ. ألِّفْ بَينَ قُلوبِنا وأصلِحْ ذاتَ بَينِنا واجعَلْنا مِنْ عِبادِكَ المُتقينَ، وحَزبِ المُفلحينَ، وأولياءِكَ الصالحينَ يا رَبَّ العالَمينَ. 

المادة السابقة
المادة التالية

الاكثر مشاهدة

4. لبس الحذاء أثناء العمرة ( عدد المشاهدات94175 )
6. كيف تعرف نتيجة الاستخارة؟ ( عدد المشاهدات90095 )

مواد تم زيارتها

التعليقات


×

هل ترغب فعلا بحذف المواد التي تمت زيارتها ؟؟

نعم؛ حذف