﴿ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ﴾ غافر:60 برنامجٌ نتناولُ فيه أمرَ اللهِ ـ تعالى ـ ووعده، أمرَ اللهِ الناسَ بالدعاءِ، ووعدهُ لهم بالإجابة.
سنتناولُ هذه القضية من نواحي عديدة، معنى الدعاء؟ أنواع الدعاء؟ ما يتصل بآداب الدعاء .. فضائل الدعاء .. ما هي موجبات قبول الدعاء؟
وما هي الموانع التي تحول بين الإنسانِ وبين إجابةِ دعاءه؟
كُل ذلك سنتناولهُ معكم من خلال ثلاثين حلقة، من حلقات برنامجكم: ﴿ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ﴾.
الحمدلله حمداً كثيراً طيباً مباركاً فيه، ملء السماء والأرض، وملء ما شاء من شيءٍ بعد، أحمدهُ لا أُحصي ثناءً عليه هو كما أثنى على نفسه، لهُ الحمدُ كُله، أوله، وآخره، ظاهرهُ، وباطنه، فهو المحمودُ المستحقُ لكُلِ حمدٍ، وتمجيدٍ، وتقديس: ﴿الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَجَعَلَ الظُّلُمَاتِ وَالنُّورَ ثُمَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ يَعْدِلُونَ﴾ الأنعام:1 وأشهدُ أن لا إله إلا الله، إله الأولين والآخرين، ربِّ العالمين، لا إله إلا هو الرحمن الرحيم، وأشهدُ أنَّ محمداً عبدُالله ورسوله، وصفيه، وخليله، وخيرته من خلقه، بعثه الله بالهدى، ودين الحق بالعلمِ النافع، والعملِ الصالحِ بين يدي الساعة بشيراً ونذيرا، وداعياً إلى الله بإذنه وسراجاً منيرا، بلّغ الرسالة، وأدى الأمانة، ونصح الأمة، وتركنا على محجةٍ بيضاء، وسبيلٍ بيّنٍ واضحٍ لا لبسَ فيه، ولا غبش، لا يزيغُ عنه إلا هالك، بلّغ البلاغ المبين، وأدى الأمانة على أكملِ ما يكون، فحقهُ أن يُصلى عليه، صلى الله عليه وعلى آله وسلم، اللهم صلي على محمد وعلى آلِ محمد، كما صليتَ على إبراهيم وعلى آلِ إبراهيم، إنك حميد مجيد، أمّا بعد:
فأهلاً وسهلاً .. ومرحباً بكم .. أيها الإخوة والأخوات .. في هذه الحلقة من حلقاتِ برنامجكم: ﴿ادعوني أستجب لكم﴾.
هذا البرنامج هو من جملة برامج أعدّتها "وزارة الشؤون الإسلامية"، في "المملكة العربية السعودية"، تبصيراً، وتوعيةً، وهدايةً، ودلالةً على الخير، وتبياناً لما ينبغي أن يعرفهُ المؤمن، وأن يعملَ به، ليبلُغَ رضا ربه في دينه، ودنياه، وليسعدَ في معاشهِ، ومعاده.
هذا البرنامج هو إحدى تلكَ الثمار المباركة، التي تُنتِجُها "وزارة الشؤون الإسلامية" كلَ عام، برعايةٍ كريمة من وزيرها، الوزير المبارك، معالي الشيخ: "صالح آل الشيخ".
وكذلك بإشرافٍ، ومتابعةٍ من مستشار الوزير للإعلام الشيخ: "طلال العقيل"، والوزارة بكلِ أجهزتها تسعى لتقديم المفيد الجديد، فجزاهم اللهُ خيرا، وسددَ خُطاهم، ووفقَ هذه البلاد ولاةً ورعيّة، قادةً وشعباً، إلى ما فيه خير العبادِ والبلاد، وأسأل الله أن يجعل نفعهُ عامّاً لكلِ المسلمين في أرجاء الدنيا.
أيها الإخوة والأخوات .. حديثنا في هذا البرنامج، هو تحت ظِلال هذه الآية، نتفيَّأُ معانيها، ونقف عندَ مدلولاتها، وهي قد أخذنا جزءًا منها عنواناً لبرنامجنا، قال اللهُ ـ تعالى ـ: ﴿وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ﴾ غافر:60 حديثنا عن الدعاء، حديثنا عن العبادة الجليلة، التي رفعَ اللهُ ـ تعالى ـ منزلتها، وأعلا مكانها، وجعلها في منزلةٍ لا يساميها شيء من العمل الصالح، ولا يدانيها شيء من القربات التي يُتقربُ بها إلى اللهِ عزّ وجل.
أيها الإخوة والأخوات .. خلقنا اللهُ ـ تعالى ـ في هذا الكون، وأنعمَ علينا نِعماً لا تعد ولا تُحصى، قال اللهُ ـ تعالى ـ: ﴿وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَتَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا﴾ إبراهيم:34 فنعمُ اللهِ لا يحيط بها عدد، كما أنهُ تعجزوا الألسن، والأذهان، والأفكار، في إحصاءِها، جنساً، ونوعاً، وفرداً: ﴿وَمَا بِكُمْ مِنْ نِعْمَةٍ فَمِنَ اللَّهِ﴾ النحل:53 نعمَ الله ـ عزّ وجل ـ علينا عظيمة، أولُ ذلكَ ما أنعمَ به علينا من إيجادِنا، فنحنُ لم نكن شيئاً قبل إيجادِ ربنا ـ جلّ في علاه ـ هو الّذي تفضل علينا بالوجود، قال ـ جلّ في علاه ـ: ﴿هَلْ أَتَى عَلَى الْإِنْسَانِ حِينٌ مِنَ الدَّهْرِ﴾ أي مدة من الزمن: ﴿لَمْ يَكُنْ شَيْئًا مَذْكُورًا﴾ الإنسان:1 نعمَ قد أتى علينا مُدد متطاولة لم نكن شيئا، أنا وأنتم قبل أن يمُنُّ الله علينا بالإيجاد، وقبلَ أن يخرِجنا من بطون أمهاتِنا، لم نكن شيئاً مذكورا، فلا ذكرى لنا، ولا معرفة، ولا شيء مما يسعى الناس إليه في ذكرهم، وطلبِ المنزلة، والمكانة، لم نكن شيئاً بالكُلية، كنّا عدماً، تفضل علينا بالإيجاد، ولم يتركنا ـ جلّ في علاه ـ هملاً، بل أمدّنا بكل الوسائل، التي يرتقي فيها الإنسان في مراقي الكمال، في دينه، وفي دنياه، في تربيةٍ عظيمةٍ تولاها ربِّ العالمين ـ جلّ في علاه ـ فلهُ الحمد: الحمد لله ربِّ العالمين الّذي ترَقَّ بنا: ﴿وَاللَّهُ أَخْرَجَكُمْ مِنْ بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ لَا تَعْلَمُونَ شَيْئًا﴾ النحل:78 فاللهُ أخرجنا في غاية الجهل، وغاية الضعف، ثم كمّلنا علماً، وقوةً، وقدرة، حتى بلغنا ما بلغنا من المعارف، ومن الإتقان، ومن الإدراك في شأنه، وفي حقه، وفيما يصلحُ به دنيا الناس، ومعاشهم، فكان الإنسان في غاية الإتقان خلقاً، فهو أحدُ آياتِ الله، فهو إحدى آياتِ الله العُظمى، الدالة على عظَمةِ إتقان الرب جلّ في علاه.
خلقنا الله، وبيّنَ لنا وظيفةَ هذا الخلق، فلم يتركنا دونَ بيانٍ لسببِ وجودِنا، لعلّةِ خلقنا، لماذا نحنُ في هذا الكون؟ ما الّذي يُطلبُ منّا؟ وما هي مُهمّتُنا؟ وأيُ شيءٍ ينبغي أن نشتغلَ به حتى نُحقق غاية الكون؟ غاية الكون ليست مُلتبسة، ولا مُشتبهه، بل غاية الكونِ في غاية الظهورِ، والجلاء، يقول الرب ـ جلّ في علاه ـ: ﴿وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ﴾ الذاريات:56 ويقول ـ جلّ في علاه ـ: ﴿الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ﴾ أي ليختَبِركم: ﴿أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا﴾ الملك:2 فاللهُ ـ سبحانهُ وبحمده ـ خلقنا جميعاً، منذ آدم إلى آخر نفسٍ بشرية، وخلقَ الجنَّ كذلك ليبتليهم، ويختبر هؤلاء الخلق في تحقيق الغاية من الوجود، فموضوع الاختبار هو مدى قيامنا بما أمرنا اللهُ ـ تعالى ـ به، مدى قيامنا لما خُلقنا من أجله، وهو عبادةُ الله ـ عزّ وجل ـ وعندما نفهم العبادة بمفهومها الواسع، نُدرك أنَّ العبادة ليست محصورة على صورة، وليست مقصورة في عملٍ أو نموذج، بل هي شاملة لكلِ مناحي حياتنا بلا استثناء فيما يتعلّق بصِلتنا بالله ـ عزّ وجل ـ وفيما يتعلّق بصِلتنا بالكون، سواءً صِلتنا بالناس، وسواءً صِلتنا بالحيوان، وسواءً صِلتنا بالجماد، وسواءً صِلتنا في كلِ شيء من حولنا، تصوغهُ تلكَ الشرائع المباركة، هذا الهدف، وتلكَ الغاية العظيمة التي خلقنا اللهُ ـ تعالى ـ لأجلها، من رحمتهِ بنا أن بعثَ إلينا رُسلاً يُعرِّفوننا بها، فلم يترك الأمر إلى اجتهادات البشر، ولا إلى آراءهم، لأنهُ لو تُرِكَ الأمرُ على هذا النحو لاختلفَ الناسُ في ذلكَ اختلافاً لا يمكنُ الاجتماعُ معه، ولا يمكن تحقيق مصالح المعاش، والمعاد في ظله، إنهُ عظيمُ رحمةِ الله بعبادة، كبيرُ إحسانهِ بهم، أن بعث إليهم: ﴿رُسُلًا مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ﴾ النساء:165 بعثهم ليُعرِّفوا الناس بالله، ويدركوا منِ الرب الّذي يعبدون؟ ومن الإله الّذي إليه يتوجهون؟ إنَّ الرسل جَميعَهم جاءُ يدعون الخلقَ إلى الله، يُبيّنون ما للرب من كمالات، ما لهُ من حقوق، ما لهُ من جميلِ صفاتٍ، وجميلِ أفعال، كُلُ الرسل على هذا العمل تتابعوا، من نوح – عليه السلام – إلى خاتمهم نبينا محمد – صلوات الله وسلامه عليه – إلا أنَّ أعظم الرسل بياناً، وأكملَهم إيضاحاً بما يتعلّق بالله، والتعريف به، محمد بن عبدالله، فهو صاحب الرسالة الخاتمة، وهو الّذي جاء للناس عامة، كافة، فلا يحدُّ رسالتهُ زمانٌ، ولا مكانٌ، ولا شخص بل: ﴿قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعًا﴾ الأعراف:158 فرسالته لجميع الناس، في كُلِ زمانٍ، وفي كُلِ مكانٍ بعدَ بعثته – صلوات الله وسلامه عليه – هذا العموم في الرسالة، اقتضى أن تكون في غاية الإتقان، والكمال: ﴿لَا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلَا مِنْ خَلْفِهِ تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ﴾ فصلت:42 ، ﴿كِتَابٌ أُحْكِمَتْ آيَاتُهُ ثُمَّ فُصِّلَتْ مِنْ لَدُنْ حَكِيمٍ خَبِيرٍ﴾ هود:1 .
أيها الإخوة والأخوات.. هذا البيان الّذي جاءت به الشريعة في بيانِ كمال الله عزّ وجل، وبيان الطريق الموصل إليه، هو ما قامَ به سيد ولدِ آدم – صلوات الله وسلامه عليه - هو ما جاهدَ الناس لبيانه، وبلغ الغاية في إيضاحه، وقامَ ﷺ في تبليغه غايةَ الكمال، حتى شهِدَ له أبونا ـ جلّ في علاه ـ في أعظمِ محفل، وأكبرِ جمعٍ اجتمعَ فيه العربُ، في مكة على مرِ التاريخ، الذي يُشهد، ويُحفظ، ما اجتمعوا في يوم عرفة، حيثُ أنزلَ اللهُ ـ تعالى ـ قولهُ ـ جلّ وعلا ـ: ﴿الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا﴾ المائدة:3 هذا البيان، هو مقدمة للحديث عن الأمر الّذي خاطبَ اللهُ ـ تعالى ـ به الناسَ جميعاً، خاطبَ به العالم من الأنس، والجن، خطاب أمر، وخطاب وعد، يقول ـ جلّ في علاه ـ: ﴿وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ﴾ غافر:60 هذه الآية منها سننطلق في الحديث عن ما يتعلّق بأكرم العباداتِ وأشرفها، إنه "الدعاء" الّذي قال فيه النبي ﷺ فيما رواه أحمد، وأصحاب السنن: «ليس شيءٌ أكرمَ على اللهِ من الدعاء» مسند أحمد (8748)، والترمذي (3370)، وقال محققو المسند: إسناده قابل للتحسين ليس ثمةَ ما هو أعلى منزلة، وأكثر بركة، وخير، ونفع للعباد من الدعاء، ولذلك قال: "ليس شيءٌ أكرمَ على الله" أحب إليه، وأقرب لعطاءه، وأجزل لإحسانه: "من الدعاء".
سنتحدث أيها الإخوة والأخوات .. في حلقاتِ هذا البرنامج عن الدعاء، مفهومه، وما يتعلق بأحكامه، بآدابه، بفضائله، بسائر ما يتصل به، فنحنُ لا غنى بنا عن دعائه، وسؤاله: ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَنْتُمُ الْفُقَرَاءُ إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ﴾ فاطر:15 إلى أن نلقاكم في حلقةٍ قادمة من برنامجكم: ﴿ادعوني أستجب لكم﴾ أستودعكم الله الّذي لا تضيع ودائعه، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته...