الحمد لله رب العالمين، له الحمد في الأولى والآخرة وله الحكم وإليه ترجعون، أحمده لا أحصي ثناء عليه كما أثنى على نفسه، هو أهل الثناء والمجد جل في علاه، سبحانه وبحمده. وأشهد أن لا إله إلا الله ، إله الأولين رب العالمين لا إله إلا هو الرحمن الرحيم، وأشهد أن محمداً عبد الله ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه ومن اتبع سنته واقتفى أثره بإحسان إلى يوم الدين. أما بعد.
فمرحباً بكم وأهلاً وسهلاً - أيها الإخوة والأخوات - في هذا اللقاء المتجدد في برنامج أحكام، وهو من البرامج التي تنظمها وزارة الشؤون الإسلامية والأوقاف والدعوة والإرشاد لتبصير إخوانهم من حجاج بيت الله وقُصَّاد هذا المكان المبارك العظيم.
هذه الحلقة سنتناول فيها أيام التشريق، تلك الأيام المشرقة، تلك الأيام التي فيها من الخير والعطاء ما يستكمل به المؤمنون في بقاع الدنيا كلها الخير والفضل. قال النبي ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ:«يوم عرفة، ويوم النحر وأيام التشريق عيدُنا أهل الإسلام» أخرجه الترمذي (773)، والنسائي(3004) من حديث عقبة بن عامر ، يريد ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ أنها من الأيام التي يبتهج بها المسلمون ويفرحون ويسرون. ما هذه الأيام وما الأعمال التي تشرع فيها.
* أيام التشريق هي اليوم الحادي عشر، واليوم الثاني عشر، واليوم الثالث عشر من شهر ذي الحجة. فهي الأيام التي تلي يوم النحر وهي ثلاثة، الحادي عشر، والثاني عشر، والثالث عشر.
هذه الأيام الثلاثة لها أسماء:
اليوم الحادي عشر: يوم القر، وسمي بذلك ؛ لأن الحجاج يقرون في اليوم الحادي عشر في منى، فلا ينتقلون منه، لا يطلب منهم عمل لا في مكة ولا في غيرها، بل يقرون ويستقرون في منى، ولذلك سمي يوم القر.
والثاني عشر: وهو يوم النفر الأول، هكذا سمي، وسمي بهذا الاسم ؛ لأن الحجاج المتعجلين ينفرون من منى، كما قال الله ـ تعالى ـ:{وَاذْكُرُوا اللَّهَ فِي أَيَّامٍ مَعْدُودَاتٍ فَمَنْ تَعَجَّلَ فِي يَوْمَيْنِ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ وَمَنْ تَأَخَّرَ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ لِمَنِ اتَّقَى} سورة البقرة: 203
اليوم الثالث عشر: يسمى يوم النفر الأخير، أو يوم النفر الثاني، وهو اليوم الذي ينفر فيه الحجاج وتنتهي فيه أعمال الحج.
لماذا سميت هذه الأيام الثلاثة بأيام التشريق؟
سميت هذه الأيام بهذا الاسم ؛ لأن الحجاج في الزمان السابق كانوا يقطعون اللحم إلى قطع وقدد، ويشرقونها، أي ينشرونها في الشمس تجفيفاً لها لينتفعوا بها، وهذا من أسباب تسمية هذه الأيام بأيام التشريق.
طبعاً: لقائل يقول: هذه التسمية ليست خاصة بيوم الحادي عشر والثاني عشر والثالث عشر، إنما تكون أيضاً في يوم النحر ؛ لكن الذي ميَّز يوم النحر أنه ابتداء أيام الذبح، وهو يوم الحج الأكبر، ولذلك خصَّ بهذا الاسم دون سائر الأيام وهي اليوم الحادي عشر، والثاني عشر، والثالث عشر.
قيل: إن تسمية هذه الأيام بأيام التشريق ؛ لأن أعمال العيد ومنه صلاة العيد تبدأ بعد شروق الشمس.
وقيل: لأن الذبح يبدأ بعد شروق الشمس، ولذلك سميت بأيام التشريق. وقيل: إنها سميت بهذا ؛ لأن المشركين كانوا لا ينفرون من مزدلفة إلى منى إلا بعد شروق الشمس، هكذا قيل، وأقرب هذه المعاني من حيث التطبيق ومن حيث وقوع العمل في هذه الأيام هو تشريق اللحم ونشره وإظهاره.
هذه الأيام أيام مباركة، أيام فاضلة، أيام خيِّرة ، وهي أيامٌ من أيام الله تعالى كما قال النبي ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ لما ذكر يوم عرفة ويوم النحر قال:«وأيام التشريق عيدنا أهل الإسلام» أخرجه الترمذي (773)، والنسائي(3004) من حديث عقبة بن عامر ، فهي من أيام العيد، ومن أيام البركة والخير التي يرجى فيها العمل الصالح عند رب العالمين.
* بالنسبة إلى غير الحجاج هي أيام مباركة أيضاً فليست أياماً عادية، فلا يشرع فيها أن يصوم أحد، ولذلك قالت عائشة ـ رضي الله عنها ـ وقال ابن عمر ـ رضي الله عنه ـ كما في "الصحيح" «لم يرخص النبي ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ أن يصمن إلا لمن لم يجد الهدي»"صحيح البخاري" (1998) يعني ما في رخصة لأحد أن يصوم ويترك الفطر في هذه الأيام إلا لمن لم يجد الهدي، وهو من كان عاجزاً عن الهدي، كما قال ـ تعالى ـ:{فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ} هدياً {فَصِيَامُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ وَسَبْعَةٍ إِذَا رَجَعْتُمْ} سورة البقرة:196 صيام ثلاثة أيام، هذه الأيام الثلاثة تتعين وتجب في هذه الأيام إذا لم يكن قد صامها قبل ذلك، وبهذا قال عامة فقهاء الأمة أن هذه الأيام لا يصومها أحد إلا من لم يجد الهدي، فإنه يصوم ثلاثة أيام إذا لم يكن صام قبل ذلك، أما ما عدا هؤلاء فإنه لا يصوم، بل ينبغي له أن يقبل ضيافة الله ـ تعالى ـ وهي ضيافة لا تختص الحجاج بل هي لكل أهل الإسلام في سائر الأمصار.
ومنهم من يكون في هذه البقعة المباركة يتقربون إلى الله ـ تعالى ـ بأنواع من القربات وأعظمها ذكر الله ـ تعالى ـ وهذا ما سنأتي إليه في الفقرة الثانية من فقرات هذا البرنامج في التقرير الذي يبين لنا ما هي الأعمال المشروعة في هذه الأيام.
عرفنا الآن أن أيام التشريق هي يوم الحادي عشر، ويوم الثاني عشر، ويوم الثالث عشر، وتنتهي كل الأعمال المتعلقة بالحج، وكل الأعمال المتعلقة بالأضحية بغروب شمس يوم الثالث عشر، فإنها نهاية أيام التشريق، هي نهاية أيام الحج، هي نهاية أيام الذكر والعبادة وسائر ما يكون لأهل الأمصار.
* ما هي الأعمال المشروعة في أيام التشريق.
عرفنا من قبل أن أيام التشريق هي أيام عيد كما أخرج الترمذي من حديث عقبة بن عامر أن النبي ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ قال:«يوم عرفة، ويوم النحر، وأيام التشريق، عيدنا أهل الإسلام» أخرجه الترمذي (773)، والنسائي(3004) .
ومن المعلوم أن المشروع في أيام العيد أن لا يصوم الإنسان، فقد جاء النهي صريحاً صحيحاً عن صيام يوم الفطر ويوم الأضحى -يوم النحر- كما في " الصحيح" من حديث أبي سعيد الخدري ـ رضي الله عنه ـ "أن النبي ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ نهى عن صيام يومين: يوم النحر ويوم الفطر""صحيح مسلم "(1138). .
وكذلك هذه الأيام مما نهي عن صيامها ؛ لأنها أيام عيد، وهي أيام ضيَّف الله ـ تعالى ـ فيها عباده بما شرع لهم من الأكل والشرب وسائر ما أباح لهم من المباحات، وهي أيام ابتهاج وسرور، ولذلك ينبغي أن تحفظ لهذه الأيام مكانتها، فهي عيد عند أهل الإسلام.
إذاً: هذا أبرز ما يميز هذه الأيام أنها أيام عيد، ما الذي يشرع في أيام الأعياد؟.
الملاحظ أن أيام الأعياد في الإسلام هي أيام عبادية، أيام قربات وطاعات. ولذلك قال أهل العلم الأعياد عبادات ، يعني هي أيام عبادة وطاعة، وليس أيام مخترعة للسرور الذي لا يضبط بضابط الشرع ؛ بل هي أيام مسرات بلا شك، فالنبي ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ ابتهج وأظهر البهجة، وأذن بها، وأذن بأشياء لم تكن في سائر الأيام، لكن مع هذا هي أيام قربة وعبادة.
فهذه الأيام الثلاثة، جاء فيها من حديث نبيشة الهزلي ـ رضي الله عنه ـ ومن حديث كعب بن مالك أن النبي ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ قال:«أَيَّامُ التَّشْرِيقِ أَيَّامُ أَكْلٍ وَشُرْبٍ وذكر لله تعالى» أخرجه مسلم (1141)، وأبو داود (2813)، والنسائي (4230) وجاء مثل هذا في حديث كعب عند الإمام مسلم"صحيح مسلم" (1142). «أيام أكل وشرب».
وهي أيام يستبيح فيها المؤمن ما أباح الله ـ تعالى ـ له من المأكولات والمشروبات، كما أنها أيام ذكر لله ـ تعالى ـ وهذا معنى يغفل عنه كثير من الناس، يظنون أن هذه الأيام أيام لهو، وهي أيام ذكر، كما قال النبي ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ ولهذا ينبغي للمؤمن أن يحرص جهده وطاقته أن يملأها بذكر الله تعالى.
* لمحة من حياة الصحابة ـ رضي الله عنهم ـ تبين كيف كانوا يذكرون الله ـ تعالى ـ في هذه الأيام. جاء في "صحيح البخاري" أن عمر ـ رضي الله تعالى عنه ـ كان يكبر الله ـ تعالى ـ في قبته فيكبر أهل المسجد إذا سمعوا تكبيرة، ويكبر أهل بمنى بتكبيره حتى ترتج منى تكبيراً أخرجه البخاري معلقاً جازماً به تحت باب "التَّكْبِيرِ أَيَّامَ مِنًى"
الله أكبر .. ما أجلَّ هذا المظهر وأبهى التعبد لله ـ تعالى ـ حتى قال بعض أهل العلم فلا يزال التكبير يتسع حتى يبلغ أهل الحرم، أهل المسجد الحرام تكبير المكبرين فيعلمون أن عمر رضي الله عنه كبَّر الله جل وعلا.
هكذا تكون الأمة بجميع شرائحها، بجميع طبقاتها، الحاكم والمحكوم، الشريف والوضيع، الكبير والصغير ، كلهم مشتغلون بتكبيرهم لله تعالى. هكذا ينبغي أن نكون في هذه الأيام نظهر التكبير في كل مكان، وفي كل حين، وفي كل وقت تقرباً إلى الله تعالى.
فهي أيام أكل وشرب وذكر لله ـ تعالى ـ ومقتضى أن تكون أيام ذكر أن يكون الذكر قد ملأ الوقت كله، بكرة وأصيلاً، غدوة وعشياً، ليلاً ونهارا. هكذا تكون الأعمال ظاهرة بهذا الذكر الكبير، العظيم، ومن ذكر الله ـ تعالى ـ أن يتقرب العبد إلى الله ـ تعالى ـ بأكل ما أحلَّ الله ـ تعالى ـ له، وما أذن له من الهدي والأضاحي. النبي ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ أهدى مئة من الإبل، نحر ثلاثاً وستين بيده ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ وجعل علي بن أبي طالب ـ رضي الله عنه ـ ينحر ما غبر، ما بقي . ثم إن النبي ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ أمر ببضعة - أي قطعة صغيرة - من كل هدي أهداه فطبخ فأكل منه وشرب من مرقه ليتحقق بذلك قول الله ـ جل وعلا ـ: {فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْبَائِسَ الْفَقِيرَ}سورة الحج:28 وقوله:{فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْقَانِعَ وَالْمُعْتَرَّ}سورة الحج:36 ، هكذا يكون المؤمن محققاً لذكر الله حتى في أكله، متقرباً إلى الله ـ تعالى ـ حتى في شربه، وبذلك تتحقق العبودية بأكمل أوجهها التي تشمل كل مناحي الحياة.
* إن مما يشرع في هذه الأيام، وهذا المشروع من الذكر ليس خاصاً بأهل منى، بل هو عام لأهل الإسلام، فكان الصحابة يكبرون ويظهرون التكبير في بلدانهم وأماكنهم وسائر أمصارهم، والله ـ تعالى ـ يقول:{وَاذْكُرُوا اللَّهَ فِي أَيَّامٍ مَعْدُودَاتٍ}، ثم قال:{فَمَنْ تَعَجَّلَ فِي يَوْمَيْنِ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ وَمَنْ تَأَخَّرَ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ لِمَنِ اتَّقَى}سورة البقرة:203.
هكذا يكون الذكر شاملاً لكل أهل الإسلام، من حج، ومن لم يحج، من الأعمال التي تكون في هذه الأيام ذبح الهدايا والأضاحي فإنها مما يتقرب به إلى الله تعالى سواء في الأمصار ، أو في الحج فإنها قربة وهذا يمتد في اليوم الحادي عشر، واليوم الثاني عشر، واليوم الثالث عشر.
* كذلك بالنسبة للحجاج مما يتقربون به إلى الله ـ تعالى ـ هو مكثهم في منى، فإن النبي ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ لما قضى حجه بالطواف يوم النحر وسعى من سعى ممن كان معه عادوا إلى منى وبقوا فيها أيام التشريق اليوم الحادي عشر، ويوم الثاني عشر تعجَّل من تعجَّل، وبقي النبي ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ إلى يوم الثالث عشر حتى رمى جمرة العقبة، ثم خرج منها قبل أن يصلي الظهر ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ فصلى الظهر في منزله الذي نزله ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ خارج منى. هكذا يشرع للحجاج أن يمكثوا في منى.
اليوم منى محدودة، مقسمة الأماكن فإذا ضاقت عن أهلها ولم يكن فيها مكان، فإن المشروع للحاج أن يكون حيث تيسر له من خارج منى، لا يلزمه أن يأتي إليها إذا كان ليس له مكان، الطرقات والكباري، والمرافق العامة ليست محلاً للافتراش ولا للمكث والبقاء، بل يخرج ولا يشق على نفسه ولا يؤذي غيره، بل يكون حيث تيسر له من الأماكن في العزيزية في أي مكان تيسر له من الحرم، فإنه يتحقق له المقصود ؛ لأنه عجز عن تحقيق ما أمر الله ـ تعالى ـ به، حيث لا يوجد له مكان، والله ـ تعالى ـ يقول{فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ}سورة التغابن:16 .
هذا من المشروع، ومن المشروع أيضاً للحجاج في هذه الأيام، أيام التشريق رمي الجمار.
طبعاً الحجاج يتفتتحون الرمي يوم النحر بعد مجيئهم من المزدلفة، يرمون جمرة العقبة، وهي الجمرة الكبرى، يرمونها بسبع حصيات، يذكرون الله تعالى مع كل رمية.
في أيام التشريق أيضاً يرمون الجمار، ويبتدأ رمي الجمار في أيام التشريق بعد زوال الشمس، كما كان النبي ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ يرمي الجمار. لكن من أراد التعجل فرمى قبل الزوال فالأمر في هذا سهل وقريب، والأمر في هذا واسع، فالرمي بعد الزوال سنة وليس أمراً لازماً لا يجوز تجاوزه قبل الزوال كما هو ظاهر من قولي العلماء.
فالمسألة فيها للعلماء قولين، هذا أرجحهما وأقربهما للصواب أنه يجوز الرمي قبل الزوال في يوم الحادي عشر، وفي يوم الثاني عشر قبل الخروج من منى لمن كان متعجلاً.
المقصود أن الأعمال التي تكون في هذه الأيام رمي الجمار، فإذا رمى الجمار في هذه الأيام فقد حقق ذكر الله ـ تعالى ـ لما جاء في السنن والمسند من حديث عائشة ـ رضي الله عنها ـ أن النبي ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ قال: « إِنَّمَا جُعِلَ الطَّوَافُ بِالْبَيْتِ وَبَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ وَرَمْيُ الْجِمَارِ لِإِقَامَةِ ذِكْرِ اللَّهِ» أخرجه أبو داود (1890) وأحمد (6/64).
وهنا أقول - يا إخواني ويا أخواتي- يا من تقصدون هذه الأماكن وهذه البقاع للرمي، أنتم تذكرون الله ـ تعالى ـ فاشتغلوا بذكر الله ـ تعالى ـ في ذهابهم ومجيئكم واعلموا أن هذا الرمي هو امتثال لأمر الله ـ تعالى ـ له فيه حكمة بالغة، أنت تأتي إلى هذه البقعة على وجه الخصوص طاعة لمن؟ طاعة لله تعالى.
ترمي بسبع حصيات، طاعة لمن؟ طاعة لله تعالى.
تحقق بذلك معنى العبودية، لأنه ليس هناك معنى معقول في رمي الجمار بهذا العدد، وفي هذا المكان على وجه الخصوص إلا أنه لإقامة ذكر الله، وتحقيق العبودية لله رب الأرض والسماء جل في علاه.
ولهذا ينبغي أن تمتلأ قلوبنا يقيناً وطمأنينة لذكر الله ـ تعالى ـ وإجلالاً له، وسؤالاً له ـ سبحانه وتعالى ـ أن يرزقنا القبول، وأن يرزقنا الفوز بما يرضيه عنا، فإن مجيئك إلى هذا هو من ذكر الله جل وعلا.
والمشروع في الرمي يوم الثاني عشر والثالث عشر أن يبدأ بالصغرى، ثم الوسطى، ثم الكبرى، هكذا رمى النبي ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ يرمي الصغرى بسبع حصيات، ثم يقف بعدها حيث تيسر له، دون أن يزاحم، ودون أن يؤذي، يقف يدعو ما تيسر من الدعاء. والنبي ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ ثبت عنه طول الموقف في الدعاء، ثم يرمي الوسطى بسبع حصيات من أي جهة تيسرت، ثم بعد ذلك يقف للدعاء، ثم يرمي الكبرى بسبع حصيات، وبعدها ينصرف، ليس هناك وقوف للدعاء بعد الثالثة.
وبهذا يتبين أن أعمال الحجاج في أيام التشريق في أبرز ما يكون هو: مبيت ليالي منى في منى، ورمي الجمار في أيام التشريق، في اليوم الحادي عشر، واليوم الثاني عشر للمتعجل، والمتأخر أيضاً يرمي اليوم الثالث عشر.
من تعجل لا يحتاج أن يرمي ليوم الثالث عشر كما يتوهمه بعض الحجاج يرمي عن يومين لأنه متعجل، لا. يسقط عنك رمي اليوم الثالث عشر بتعجلك.
وبهذا تكون هذه الأيام أيام عبادة، وطاعة، وليست خاصة بالحجاج كما تقدم وتبين، إنما هي للحجاج ولغيرهم، لكن الحجاج يخصهم أنها أيام مبيت في منى وأنها أيام يذكرون الله ـ تعالى ـ فيها برمي الجمار .
وبهذا يكتمل للحجاج حجهم فبغروب شمس يوم الثالث عشر من ذي الحجة ينتهي كل ما يكون من أعمال الحج.
فأسأل الله ـ تعالى ـ لي ولكم القبول، وأن يعيننا وإياكم على الطاعة والإحسان، وأن يجعلنا وإياكم من المقبولين، وأن يجعلنا ممن فاز بحج مبرور وسعي مشكور، وإلى أن نلقاكم في حلقة جديدة من برنامج أحكام، أستودعكم الله الذي لا تضيع ودائعه، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.