المذيع: الحادثة الآن أول بأول بجميع أفرادها وضباطها، لعلنا إذا انتقلنا إلى موضوع حلقتنا لهذا اليوم من برنامج "مناسك"، ولعلنا نستكمل موضوعاتنا، وصلنا عند أعمال يوم النحر، ولعلنا نوجزها سريعا، أو نذكر بها سريعاً، ثم نبدأ ندخل في تفاصيلها بإذن الله.
الشيخ: أعمال يوم النحر تبتدئ برمي الجمار، برمي جمرة العقبة، برمي الجمار في جمرة العقبة، ذلك أن النبي -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- بعد أن وقف بالمزدلفة بعد صلاة الفجر، ودعا الله -عزّ وجلّ- وذكره إلى أن أسفر جدًّا، ارتحل -صلوات الله وسلامه عليه- من المزدلفة إلى منى، وكان في طريقه يلبي، كما جاء ذلك في حديث أسامة بن زيد، وحديث الفضل بن عباس[أخرجه البخاري في صحيحه:ح1544] في وصف حال النبي صلى الله عليه وسلم أنه لم يزل يلبي حتى رمى جمرة العقبة، خرج -صلوات الله وسلامه عليه- من مزدلفة إلى منى، ولما جاء بطن مُحَسِّر أسرع قليلا، والعلة في الإسراع هي أنه وادٍ يكون الإسراع فيه طبيعيًّا في النزول، وقيل: إنه مكان كان يقف فيه المشركون، ويقف فيه الجاهليون، فكان النبي صلى الله عليه وسلم يخالفهم، فكما خالفهم في الإسراع في الانصراف قبل شروق الشمس من مزدلفة، وكانوا لا ينصرفون إلا بعد أن تشرق الشمس، كذلك خالفهم في عدم الوقوف في وادي محسر في سرعة الجواز والمضي منه، مضى صلى الله عليه وسلم ملبيًا إلى أن وصل إلى جمرة العقبة، وفي طريقه أمر من يلتقط له حصى الجمرات، فالتقط له سبع حصوات، فرفعها بيده كما في مسند أحمد من حديث عبد الله بن عباس، قال صلوات الله وسلامه عليه: «بمثل هذه، وإِيَّاكُمْ وَالْغُلُوَّ فِي الدِّينِ ، فَإِنَّمَا أَهْلَكَ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمُ الْغُلُوُّ فِي الدِّينِ»[أخرجه النسائي في سننه:ح3057، وأحمد في مسنده:ح17154] والحصى هو بقدر الفول، حصى صغير، بقدر حصى الخَذْف يرمي به الإنسان سبع مرات في جمرة العقبة، النبي صلى الله عليه وسلم لما وصل بجمرة العقبة رماها من بطن الوادي، وذلك أن جمرة العقبة سميت بهذا، لأنها في أسفل الجبل، ومرتفعة قليلا، ولهذا سميت جمرة العقبة لأن الصعود إليها في عقبة، في مرتفع قليل في سفح جبل، طبعا هذا تغير، فليس ثمة الآن جبل، وهذا من السبعينات الهجرية الماضي في سنة 1377 تقريباً، أزيلت العقبة ومهد الطريق للسالكين، وذلك لسهولة وصول الناس وانتقالهم، فكان من التسهيل أن أُزيل الجبل الملتصق بجمرة العقبة، وسويت على النحو الذي هي عليه الآن، فرمي جمرة العقبة، رماها النبي صلى الله عليه وسلم من بطن الوادي، جعل منىً عن يمينه، ومكة عن يساره، ورماها بسبع حصيات، كان يُكبِّر مع كل حصى، وهذه هي تحية منى، وهي أول الأعمال التي فعلها النبي صلى الله عليه وسلم يوم النحر، وكان ذلك بعد طلوع الشمس، ثم أنه -صلوات الله وسلامه عليه- نحر هديه، وقد أهدى -صلوات الله وسلامه عليه- قريباً من ثلاث وستين بدنة بيده، نحرها بيده، قائمة معقولة اليد-صلوات الله وسلامه عليه-، وجعل ما بقي من هديه إلى علي، فوكَّله في نحر ما بقي من هديه -صلوات الله وسلامه عليه-، فكان ما أهداه النبي -صلى الله عليه وسلم-ونحره يوم النحر في منى مائة من الإبل.. مائة بدنة، لكنه نحر بيده ثلاثًا وستين، ثم أنه -صلوات الله وسلامه عليه- دعا الحلاق، فحلق رأسه -صلوات الله وسلامه عليه-، وبعد ذلك تهيأ للانصراف إلى مكة، فتطيب، تقول عائشة -رضي الله تعالى عنها-: «كنت أُطيِّب النبي صلى الله عليه وسلم لإحرامه قبل أن يحرم، ولحله قبل أن يطوف بالبيت»[صحيح البخاري:ح1839]، أي لأجل إحلاله، والإحلال حصل بما تقدم من رمي جمرة العقبة في قول جماعة من أهل العلم[مذهب المالكية(مواهب الجليل4/179)، ووجه للشافعية(روضة الطالبين4/103-104)، ورواية عن أحمد(الإنصاف للمرداوي4/31)]، وقال آخرون بل الإحلال يحصل بأمرين: برمي الجمرة، والحلاق[مذهب الشافعية(المجموع8/229)، والحنابلة(كشاف القناع2/503)]، وعلى كل حالٍ المسألة للعلماء فيها قولان، والأقرب من هذين القولين: أن التحلل يحصل برمي جمرة العقبة، وأما الحلاق أمرٌ زائد على التحلل، لقول النبي -صلى الله عليه وسلم-: «إذا رميتم جمرة العقبة فقد حلَّ لكم كل شيء إلا النساء»[أخرجه أحمد في مسنده:ح2090، وصححه الألباني في الصحيحه:ح239]، ويدل على أن الرمي به يتحلل الحاج، أن التلبية تنقطع بالشروع في الرمي على الصحيح من قول العلماء، أو بالفراغ منه على قول من يقول بأنه يخلط رميه بتلبيةٍ، فيكبر ويلبي في أثناء رميه، المقصود أن الأقرب من القولين: هو أن التحلل يحصل برمي جمرة العقبة، ثم بعد ذلك انصرف -صلوات الله وسلامه عليه- من منى إلى مكة، أفاض من منى إلى مكة، للطواف بالبيت، وهذا الطواف طواف الحج، وهو ركنٌ من أركان الحج، ويسمى طواف الإفاضة، ويسمى طواف الزيارة، وبعضهم يسميه طواف الصدر، لكنه ليس باسمٍ صحيح، إنما طواف الصدر هو طواف الوداع، فالمقصود أن له الطواف الحج يسمى له أسماء؛ طواف الحج، طواف الزيارة، طواف الإفاضة، هذه ثلاثة أسماء يسمى بها هذا الطواف، وهو المقصود بقوله تعالى: {ثُمَّ لِيَقْضُوا تَفَثَهُمْ وَلْيُوفُوا نُذُورَهُمْ وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ}[الحج:29]، هذا هو المقصود بهذا الطواف الذي ذكره الله تعالى في كتابه.
المذيع: أستأذنك شيخنا، نذهب فاصل ونعود نكمل من نقطة بعد الطواف.
مشاهدينا الكرام فاصلٌ قصير، بعده نعود ونكمل برنامج مناسك، فتفضلوا بالبقاء معنا.
المذيع: من جديد نرحب بكم مشاهدينا الكرام عبر برنامج مناسك، وعلى الهواء مباشرةً بإذن الله تعالى، في هذه الحلقة التي نتحدث فيها عن أعمال يوم النحر، وما ينبغي على الحاج فعله في هذا اليوم، نرحب بكم، ونرحب أيضاً بفضيلة الشيخ الدكتور خالد المصلح، حياكم الله يا شيخنا.
الشيخ: حياكم الله، مرحبا.
المذيع: نكمل ما تبقى فيما يخص أعمال يوم النحر.
الشيخ: نعم، فيما يتعلق بما فعله النبي -صلى الله عليه وسلم- في هذا اليوم، بدأه برمي جمرة العقبة، ضحى يوم النحر، ثم إنه أهدى بنحر هديه -صلوات الله وسلامه عليه-، ثم إنه حلق رأسه، ثم إنه أفاض إلى المسجد الحرام إلى الكعبة، فطاف بها سبعة أشواط، ثم إنه صلوات الله وسلامه عليه أدركه الظهر في مكة، فصلى بها الظهر، كما قال ذلك جماعةٌ من أهل العلم، وقال آخرون: إنه صلى الظهر في منى، والذي يظهر أنه صلاها في مكة، ثم لما جاء أصحابه لم يصلوا، صلى بهم -صلوات الله وسلامه عليه- فكان له نفلاً، ولأصحابه فرضاً، ثم أن النبي صلى الله عليه وسلم مكث بقية اليوم، وبقية أيام التشريق في منى، هذه هي أعمال الحجاج في هذا اليوم العظيم، فيما يتعلق بأعمالهم بعد خروجهم من مزدلفة، هنا السؤال: متى يبدأ وقت هذه الأعمال؟
النبي صلى الله عليه وسلم شرع في هذه الأعمال بعد طلوع الشمس، ضحى يوم النحر، وهو اليوم العاشر، إلا أن جمهور العلماء على أن الرمي والحلاق، والطواف، والطواف بالبيت، يبدأ من وقت الانصراف من مزدلفة، وذلك بمنتصف ليلة النحر، إذا مضى نصف الليل، أو إذا غاب القمر ابتدأت هذه الأعمال، ومن أهل العلم من يقول: إن الرمي لا يكون إلا بعد الفجر، ومنهم من يقول: لا يكون إلا بعد طلوع الشمس، على ثلاثة أقوال ، والذي يترجح -والله تعالى- على أن كل من جاز له الانصراف من مزدلفة ليلاً جاز له الرمي عند وصوله، في أي ساعةٍ وصل، يدل بذلك ما ذكره عمر -رضي الله تعالى عنها- وأسماء بنت أبي بكر حيث إنهما ذكرا أن النبي صلى الله عليه وسلم أَذِن للظُّعن، هذا ما ذكرته أسماء[صحيح البخاري:ح1679]، وما ذكره ابن عمر لما قدم ضعفاء أهله، فوافوا منى فمنهم من رمى قبل الفجر، ومنهم من رمى بعد الفجر، فكان يقول: هكذا رخص رسول الله صلى الله عليه وسلم هذا للضعفاء[صحيح البخاري:ح1676]، فيكون الرمي في مبدئه عند الوصول بعد الانصراف، وكذلك الحلاق، وكذلك الطواف بالبيت، فلو أنه خرج من مزدلفة، وتوجه إلى مكة مباشرة، وطاف بعد منتصف الليل لا حرج عليه، وذلك يأتي بنا إلى مسألةٍ أخرى، وهي مسألة التقديم والتأخير، لكن قبل أن ندخل في مسالة التقديم والتأخير عرفنا المبتدأ، متى يبتدئ وقت الرمي؟ وأنه بعد الانصراف من مزدلفة، ومتى ينتهي؟
من أهل العلم من قال ينتهي بغروب شمس يوم النحر، اليوم العاشر[مذهب المالكية]، فإذا لم يرمِ، رمى ثانيا، ومنهم من يقول: يلحق الليل بالنهار، فيجوز الرمي ليلة الحادي عشر لمن لم يرمِ[مذهب الحنفية]، واستدلوا لذلك بما جاء في الحديث الصحيح أن النبي صلى الله عليه وسلم سئِل فقال له السائل:" رميت بعدما أمسيت"، والمساء يصدق على آخر النهار، وعلى جزءٍ من الليل، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : «ارمِ ولا حرج»[أخرجه أبوداود في سننه:ح1983، وصححه الألباني ] فدل ذلك على أن الرمي في الليل لا حرج فيه، وأنه وقت للرمي، فيجوز أن يؤخر إلى الليل، لكن السنة والأفضل والأحوط أن يرمي نهارًا يوم العاشر، وضحى ذلك اليوم أولى، إذًا عرفنا المبتدأ والمنتهى بالنسبة للرمي، وأن الليل داخل إلى فجر ثاني يوم، أما ما يتعلق بترتيب هذه الأعمال فترتيب هذه الأعمال، السنة في الترتيب أن يبدأ بالرمي ثم النحر، ثم الحلاق، ثم الطواف، والنبي -صلى الله عليه وسلم- اقتصر على الطواف؛ لأنه كان قد سعى عند قدومه حيث كان قارناً، حيث طاف للقدوم، وسعى بعده سعي الحج والعمرة، ثم طاف طواف الإفاضة بعد عودته من مزدلفة- صلوات الله وسلامه عليه-، بعد رميه الجمار، وعودته من الوقوف بعرفة والمزدلفة -صلوات الله وسلامه عليه-.
فيما يتعلق بمسألة التقديم والتأخير، بين هذه الأنساك، التقديم والتأخير في هذه الأنساك جائز؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم جاء عنه كما في الصحيحين في حديث عبد الله بن عمرو بن العاص إنه ما سُئل عن شيءٍ قُدِّم أو أُخِّر إلا وقال:«افعل ولا حرج»[البخاري:83، ومسلم:ح1306/327]، فصلوات الله وسلامه عليه أذن بالتقديم والتأخير لكل من سأله، فجاءه من قال: حلقت قبل أن أرمي، وجاءه من قال: سعيت قبل أن أطوف، وجاء من سأله فقال: حلقت قبل أن أرمي، فكل هذه المسائل أجملها عبد الله بن عمر، فقال: «فما سئل يومئذٍ عن شيءٍ قُدِّم ولا أُخِّر إلا قال: افعل ولا حرج» فالترتيب سنة، لكن إن أخلَّ به لمصلحةٍ أو لحاجةٍ، فلا حرج عليه، وعمله مقبول.
بالنسبة لغير القارن وهو المتمتع، الذي اعتمر وتحلل، ثم أحرم بالحج في اليوم الثامن، أو الذين لم يقدموا إلى مكة وطافوا طواف القدوم، بل مباشرةً جاءوا إلى منى أو عرفة، فهؤلاء يطوفون طواف الإفاضة، ثم يسعون بعد ذلك سعي الحج، وهنا نقف عند مسألة التحلل في الحج، التحلل في الحج، تحللان:
تحلل أول، وتحلل ثاني، وهذا قول عامة العلماء، التحلل الأول: اختلف العلماء بماذا يحصل؟ فمنهم من قال: إنه يحصل برمي جمرة العقبة، كما تقدم قبل قليل، وهذا هو الصحيح، وقال آخرون: بل لابد أن يضيف إليه شيئًا ثانياً، وهو إما الحلق أو التقصير، فقالوا: التحلل لا يحصل بأمرٍ واحد، بل يحصل باثنين من ثلاثة، إما برمي وحلاق، أو رمي وطواف، أو حلاق ورمي، أو حلاق وطواف، وبالتالي هو اثنين من ثلاثة، إذا فعل اثنين من ثلاثة تحلل، والذي دلت عليه السنة أن التحلل يحصل برمي جمرة العقبة، لقوله: «إذا رميت جمرة العقبة، فقد حلّ لكم كل شيء»[تقدم]، ويقوم مقامه العمل الآخر، وهو إما الحلاق، وإما الطواف، فأي واحدٍ من هذه الأشياء الثلاثة فعلها فقد تحلل التحلل أول، وإذا عمل بالاحتياط جمع أمرين كان ذلك أحوط له، والمسألة فيها خلاف، والراجح هو أن التحلل يحصل برمي جمرة العقبة.
المذيع: جميل، شيخنا يتحلل الحاج، ويلبس ملابسه.
الشيخ: نعم، إذا تحلل، ما معنى التحلل؟ ومن الذي يستفيد بالتحلل الأول؟ يستفيد بالتحلل الأول، أنه يحل له كل شيء إلا ما يتعلق بالنساء، الجماع ومقدماته، ولذلك قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: «إذا رميتم جمرة العقبة فقد حل لكم كل شيءٍ إلا النساء»[تقدم] كل شيء؛ اللباس، الطيب، تغطية الرأس، الحلق والتقصير، الصيد في خارج الحرم، أيضاً أضاف بعضهم عقد النكاح، والخطبة، وقال آخرون: بل عقد النكاح والخطبة هو مما يلحق بالنساء، فقوله:«إلا النساء»، يعني كل ما يتعلق بالنساء من جماعٍ، ومباشرة، وعقد نكاحٍ، وخطبة.
المذيع: جميل، شيخنا لعلنا أيضا نتحدث عن غير الحاج أيضا، ماذا يفعل في ذلك اليوم؟ وهو عيد أضحى، عيد المسلمين، هل من كلمة أيضاً؟
الشيخ: طبعا هذا اليوم يومٌ عظيم، ويوم شريف، ويوم منزلته كبرى، لأهل الإسلام عموما، فهو يوم عيد، لا يحل صومه يوم العيد، لنهي النبي صلى الله عليه وسلم عن صيام يوم العيد، ويوم الأضحى، وفيه يتقرب المسلمون لله -عزّ وجل- بالتكبير وصلاة العيد، وذبح الهدايا، وذبح الأضاحي ونحرها، والتقرب إلى الله تعالى بألوان الطاعات؛ من الإحسان، وسائر أوجه الخير التي تكون في الأعياد، التي هي مواضع سرور وعبادة وشكر لله -عزّ وجل-، يوم العيد يوم ذبحٍ، وكذلك ليلة الحادي عشر، وكذلك أيام التشريق، جميعها أيام أكلٍ وشربٍ وذكر الله، يكون فيها ذبح الهدايا والأضاحي.
المذيع: شيخنا، لعلنا نذكر مشاهدينا الكرام نبدأ نستقبل اتصالاتكم التي تردنا -إن شاء الله- في هذه الحلقة عن طريق طرق التواصل في أسفل الشاشة -بإذن الله تعالى-، وأيضاً في توتير على هاشتاج مناسك، سنقرأ -إن شاء الله- بعض الأسئلة
نبدأ يا شيخنا بأسئلة المشاهدين وأسئلة المتابعين.
الشيخ: في نقطة ثاني إذا تسمح لي قبل أن نبدأ، بالنسبة للحلاق والتقصير، أين يكون؟ في أي مكان، لا يلزم أن يكون بجوار الجمار، أو في منى، بل لو حلق وقصر في منى، أو في مكة، أو في أي مكان من الحرم حصل المطلوب، وأيهما أفضل؟ الحلاق أم التقصير؟ الأفضل الحلاق لأنه أبلغ في الذلِّ لله -عزّ وجل-، والخضوع له، قد قال النبي صلى الله عليه وسلم كما في الصحيحين من حديث عبد الله بن عمر: «رَحِمَ اللَّهُ الْمُحَلِّقِينَ» ، قَالُوا : وَالْمُقَصِّرِينَ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ ، قَالَ :«رَحِمَ اللَّهُ الْمُحَلِّقِينَ» ، قَالُوا : وَالْمُقَصِّرِينَ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ ، قَالَ:«رَحِمَ اللَّهُ الْمُحَلِّقِينَ»كررها، وفي الأخير قال: «والمقصِّرين»[صحيح البخاري:1727]، فكلاهما فضيلة، وله أجرٌ، لكن فضيلة الحلاقة أعظم، بتكرار دعوة النبي صلى الله عليه وسلم؛ لأن الله قدمه فهو أبلغ في الذل لله -عزّ وجل-، وينبغي أن يبادر التقصير في يوم العيد، وفي أيام التشريق، ولو أخره عن ذلك فلا حرج، لكن ينبغي أن يعلم أنه لا يتم له نسك حتى يحلق أو يقصر، قال الله تعالى: {لَتَدْخُلُنَّ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ آمِنِينَ مُحَلِّقِينَ رُءُوسَكُمْ وَمُقَصِّرِينَ لا تَخَافُونَ }[الفتح:27] فجعل ذلك من شعائر من جاء إلى هذه البقعة بنسكٍ سواء في حجٍّ أو في عمرة، أما ما يتعلق بطواف الإفاضة له أن يفعله في نفس اليوم، وله أن يؤخره إلى ما شاء من الأيام، وكثير من الحجاج يسأل عن قضية أنه هل يجوز أن يؤخر طواف الإفاضة إلى وقت انصرافه ويكتفي به عن طواف الوداع؟ الجواب: نعم، يجوز ذلك، فلو أنه لم يأتِ البيت إلا وقت الانصراف لبلده، وطاف طواف الإفاضة، فإنه يكفيه عن طواف الوداع، لكن ينبغي أن يحرص على استحضار نية أنه طواف الحج؛ لأن طواف الوداع واجب، وقيل: سنة، أما طواف الحج فهو ركن لا يتم الحج إلا به، فيطوف بالبيت بهذه النية، ويكفيه هذا عن طواف الوداع، وإن كان متمتعاً أو كان مفرداً وقارنًا، ولم يسع قبل ذلك، فأنه يسعى بعد طوافه، ولا يضره أن يسعى بعد طواف الإفاضة؛ لأن السعي تابع للطواف.
المذيع: بدأنا بأخذ مشاركات مشاهدينا الهاتفية نبدأ بأختنا صفاء من السعودية، تفضلي يا أخت صفاء.
المتصلة: السلام عليكم.
المذيع: السلام ورحمه الله، حياكِ الله.
المتصلة: حياك الله يا شيخ.
المتصلة: أسأل عن عشر أيام ذي الحجة، وفضائلها، والأجر فيها؟
المذيع: هل هناك سؤال آخر؟ أعطينا سؤالك الثاني يا أخت صفاء، شكرا لك يا أخت صفاء.
نبيل من السعودية أيضا.
المتصل: السلام عليكم.
المذيع: سلام ورحمة الله.
المتصل: سؤالي هل يجوز أن أحلق؟ بمعنى أني -إن شاء الله- ناوي الحج هذه السنة فهل أحلق من دخول الشهر أم عندما نحرم؟
المذيع: في اتصال ثاني؟
شيخنا في نقطة بسيطة نتحدث عنها إذا ممكن، هي عن أن بعض الحجاج يظن أنه بانتهاء رمي جمرة العقبة كأن الحج انتهى ويبدأ في اللهو واللعب وإلى آخره يعني تقريباً، اعتقاد أن الحج انتهى هنا.
الشيخ: على كل حالٍ نحن بقي علينا الحديث عن أيام التشريق، والأعمال التي فيها، وما يتعلق بالفراغ من أعمال يوم النحر، هو فراغ من أ ركان الحج، لكن لا يعني هذا أنه يتحول الحج إلى لهو وعبث وغفلة، لا، الله تعالى يقول:{وَاذْكُرُوا اللَّهَ فِي أَيَّامٍ مَعْدُودَاتٍ}[البقرة:203]، وقال -جلّ وعلا-:{فَإِذَا قَضَيْتُمْ مَنَاسِكَكُمْ فَاذْكُرُوا اللَّهَ كَذِكْرِكُمْ آبَاءَكُمْ أَوْ أَشَدَّ ذِكْراً}[البقرة:200] فالمتبقي من العمل جليل وشريف ورفيع، ولا ينبغي أن يكون اللهو هو السائد الغالب، بل يجب أن يغلب على إنسان في إقامته في منى ذكر الله -جلّ وعلا-، والتقرب إليه، بتمجيده وتكبيره وتحميده، وتهليله.
المذيع: أسئلة المشاهدين، الأخت صفاء كانت تسأل عن الأيام العشر، وفضائل هذه الأيام.
الشيخ: الأيام العشر سيأتي -إن شاء الله تعالى- في أخر حلقة حديث واف عنها، لكن هي في الجملة أيامٌ مباركة، هي خير أيام الزمان، والمندوب فيها إلى كل عملٍ صالح، والأعمال الصالحة التي ندب الله تعالى الناس إليها في أيام العشر نوعان: واحد: الواجبات بإتقانها وأدائها بالوجه التي يرضى الله تعالى عنه.
الثاني: الاستزادة من النوافل والقربات بشتى صورها، فإنها مما يعظم بها الأجر، ويعلو به الذكر عند رب كريم، يعطي على القليل الكثير.
المذيع: نذهب لفاصلٍ قصير -إن شاء الله-، ونعود نستكمل الجزء الأخير من برنامج مناسك فاصل ونعود لكم.
المذيع: أهلا بكم من جديد متابعينا في الجزء الأخير من حلقتنا في هذا اليوم، ونذكركم بأرقام التواصل أسفل الشاشة، وفي أي وقتٍ آخر، وأيضا مشاركتكم التي تصلنا على هاشتاج مناسك، ونعود إلى فضيلة الشيخ خالد المصلح.
الشيخ: مرحبًا أهلاً وسهلاً.
المذيع: سؤال أخينا نبيل يسأل عن هل يجوز أن يحلق من دخول الشهر؟
الشيخ: فيما يتصل بهذا السؤال يكثر من الناس التساؤل هل لزوم الإمساك على الشعر والبشر يكون من أول شهر ذي الحجة بالنسبة لمن أراد الحج؟
الجواب: لا، من أراد الحج لا يلزمه ذلك، إنما يلزمه الإمساك عن شعره وبشره، إذا أهل بالحج، إذا لبى بالحج أو بالعمرة، أما أول الشهر فلا شأن له في الامتناع، إلا لمن أراد أن يضحي لحديث أم سلمه قال النبي صلى الله عليه وسلم: «إذا دخل العشر وأراد أحدكم أن يضحي فليمسك عن شعره وبشره»[صحيح مسلم:ح1977/39]، أما من أراد الحج فإنه ما يفعل هذا إلا عند دخوله في النسك سواء في عمرةٍ، أو في حجٍّ بالتلبية.
المذيع: جميل، سؤال أخونا سمير في تويتر، ما هي شروط المضحي وشروط الأضحية؟
الشيخ: لعلنا نتأخر في هذا إلى بعد غدٍ، لأننا سنتحدث عن الأضحية وأحكامها في شيءٍ من التفصيل في الحلقة القادمة بعد غدٍ.
المذيع: سؤال أخونا علاء تقريباً في تويتر، يقول هل ملابس الإحرام التي بها مشبك تعتبر من المخيط أو كباسين؟
لا، ليست مخيطاً، المخيط هو ما مفصل على البدن، أو على عضو منه، كالذي يفصل مثلا على البدن، أو على أسفل البدن، كالسراويلات والقمص وما يستر به الرأس، أما ما كان من الأزر والأردية، وضع فيه ما يمسكه عن السقوط، كمشبك مثلاً، فهذا كرهه بعض أهل العلم، وأذن فيه آخرون، والأقرب أنه لا حرج فيه؛ لأن النبي -صلى الله عليه وسلم- إنما منع من ألبسة محدد، ففي الصحيحين من حديث عبد الله بن عمر لما سأل صلوات الله وسلامه عليه ما يلبسه المحرم، قال: «لا يَلْبَسُ الْقُمُصَ، وَلا الْعَمَائِمَ، وَلا السَّرَاوِيلاتِ، وَلا الْبَرَانِسَ، وَلا الْخِفَافَ، إلاَّ أَحَدٌ لا يَجِدُ نَعْلَيْنِ فَلْيَلْبَس الْخُفَّيْنِ»[صحيح البخاري:1543]إلى آخر ما ذكره النبي صلى الله عليه وسلم ، فهنا النبي صلى الله عليه وسلم حدد الممنوعات، وهذه المكابس أو الأزرة التي يحتاجها الناس في أزرهم، لإمساكها عن السقوط، أو أحياناً يحتاج في ردائه، إذا كان كثير الحركة والذهاب والمجيء، ويحتاج إلى أن يجعل فيه مشبك، أو ما أشبه ذلك، هذا لا يحوله إلى مخيط، فلا حرج فيه إن شاء الله.
المذيع: في هاشتاج أيضاً مناسك، أخونا محمد، هل يجوز لبس الكمامة التي على الوجه؟
الشيخ: لبس الكمامة التي على الوجه، إن دعت إليه حاجة فلا بأس؛ لأنه لم يرد ما يمنع منها، لهذا ذهب بعض أهل العلم إلى أنه لا يجوز أن يلبس الكمام استنادًا إلى رواية في صحيح الإمام مسلم في قصة الذي وقصته راحلته فمات في زمن النبي -صلى الله عليه وسلم- سقط من الراحلة، فمات في زمنه -صلوات الله وسلامه عليه-، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «اغْسِلُوهُ بِمَاءٍ وَسِدْرٍ، وَكَفِّنُوهُ فِي ثَوْبَيْنِ، وَلاَ تُحَنِّطُوهُ، وَلاَ تُخَمِّرُوا رَأْسَهُ»[صحيح البخاري:1265] هكذا في الصحيحين، وفي رواية لمسلم: «ولا تخَمِّروا رأسه ووجهه»[صحيح مسلم:1206/98]، إذاً هذه الرواية غير محفوظة، رواية: «ولا تخمروا وجهه»، ولذلك لم يأخذ بها أكثر أهل العلم، وقالوا: ممنوع في حق المحرم ستر الرأس لا ستر الوجه، فلا دليل على منعهم من ستر الوجه، وبالتالي يجوز أن يلبس الكمام، لاسيما إذا دعت إلى ذلك الحاجة، من توقي الغبار أو توقي عدوى إذا كان ثمة ما يخشى أن يصاب به، ولا فرق في ذلك بين الرجل والمرأة على الصحيح.
المذيع: جميل معنا أيضا اتصال من مصر، أخونا مصطفى. تفضل يا مصطفى.
المتصل: السلام عليكم.
المذيع: وعليكم السلام، حياك الله
المتصل: أولا، ندعي لمن توفي في الحرم اليوم، ثانيا: بخصوص طواف القدوم، إلى أي وقت يكون انتهاؤه؟
المذيع: طيب في سؤال ثاني؟ شكرا لك، نجيب على أخينا مصطفى.
الشيخ: طواف القدوم هو الطواف الذي يبتدئ به الإنسان عند وصوله إلى البيت، ويكون طواف القدوم إلى ما قبل الوقوف بعرفة، فإذا جاء يوم عرفه، فإنه إذا ذهب إلى البيت، وطاف للقدوم فلا حرج عليه، لكن ينبغي له أن يتوجه إلى عرفة، لأنه وقتها، واشتغاله بشهودها وحضورها، أولى من اشتغاله بالذهاب إلى البيت الحرام، لكن لو أنه ذهب لا بأس، فيكون نهاية طواف القدوم هو بنهاية الوقت الذي يتمكن معه من شهود عرفة، ولو جاء إلى منى مثلاً، ومكث فيها ليلة، ثم ذهب في اليوم الثاني لطواف القدوم، فلا حرج، فإن النبي صلى الله عليه وسلم كان يدخل الحرم ويبيت في ذي طوى، وذو طوى مكان في داخل الحرم، ثم إذا أصبح حرك إلى مكة، وطاف للقدوم، فطواف القدوم لا يفوت بكون الإنسان يأتي، ويبقى في مكان ليلةً يستريح في مكان إقامته، ثم يذهب إلى البيت لطواف القدوم، لا حرج عليه في ذلك.
المذيع: جميل الأخت سلوى الغامدي في هاشتاج مناسك، شيخنا تسأل عن انقطاع التلبية، ومتى يبدأ التكبير للحج؟
الشيخ: بالنسبة للحاج يلبي ويكبر، ولذلك في الصحيحين حديث أنس أنه كان يلبي الملبي، فلا ينكر عليه، ويكبر المكبر فلا ينكر عليه، فالتلبية والتكبير يشرعان للحاج، لكن التلبية تنقطع بالشروع في رمي جمرة العقبة، كما جاء ذلك في حديث أسامة والفضل من أن النبي صلى الله عليه وسلم لبَّى حتى رمى جمرة العقبة[صحيح البخاري:1544]، فيما يتصل بالتكبير، إذا فرغ من التلبية، شرع في التكبير، يعني أصبح الذكر السائد العام هو التكبير؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يكبر وأصحابه في هذه الأيام، وقد جاء عن عمر -رضي الله تعالى عنه- أنه كان يكبر في خيمته، فيكبر من حوله، حتى يكبر أهل منى، فترتج منى تكبيرا[صحيح البخاري معلقا:2/20]، فهي أيام أكلٍ وشربٍ وذكر الله -عزّ وجل-.
المذيع: أخونا حسين أيضاً أريد أن أسأل عن القنوت، هل له دعاءٌ معين؟ وهل تجوز الإطالة فيه؟ وإذا زاد في القنوت وأتى بشيءٍ لم أعرف من قبل ماذا أفعل؟
الشيخ: القنوتإن كان يقصد القنوت في دعاء النوازل، فيقتصر على النازلة دون تطويل، لأن المحفوظ عن النبي -صلى الله عليه وسلم في دعاء النوازل-، دعاء مباشر للنازلة، وأما إذا كان دعاءً في قنوت الوتر، فيدعو كما جاء به الأثر عن الحسن في صحيح ابن حبان، وغيره، أنه علمه -صلوات الله وسلامه عليه- دعاءً يقوله في قنوته وفي بعض الروايات دعاء يدعو به، وهو أصح وأثبت«اللهم اهدنا فيمن هديت، وعافنا فيمن عافيت»[سنن الترمذي464، وحسنه] إلى آخر الدعاء المشهود المعروف، وهو دعاءٌ مختصر، ولكنه جامع، وينبغي لمن دعا لنفسه لغيره وكان إماماً أن يقتصر على ما جاءت به السنة ولا يطيل، أما من دعا لنفسه فليدعو بما شاء مادام أنه في دائرة الدعاء الذي لا اعتداء فيه ولا إثم.
المذيع: أيضا أخونا أحمد يسأل في هاشتاج مناسك، هل يجوز إعطاء الزكاة لرجل لإعانته على نفقة الحج؟
الشيخ: ذهب بعض أهل العلم إلى أن دفع الزكاة لمن أراد الحج داخل في قول الله تعالى في مصارف الزكاة:{ إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ وَاِبْنِ السَّبِيلِ }[التوبة:60] قال: هي داخلة في سبيل الله؛ لأن الحج نوع جهادٍ، قد قال النبي -صلى الله عليه وسلم- فيما رواه البخاري ومسلم من حديث عائشة بنت طلحة، عن عائشة -رضي الله تعالى عنها- أنها قالت: «يَا رَسُولَ اللَّهِ ، نَرَى الْجِهَادَ أَفْضَلَ الْعَمَلِ ، أَفَلَا نُجَاهِدُ ؟ ، قَالَ : لَا ، لَكُنَّ أَفْضَلَ الْجِهَادِ حَجٌّ مَبْرُورٌ»[صحيح البخاري:1520] وجاء عن عمر -رضي الله تعالى عنه- في صحيح البخاري أنه قال: «شدوا الرحال إلى الحج، فهو أحد الجهادين»[صحيح البخاري:1516] فقالوا: إن الحج نوع جهادٍ، فهو في سبيل الله، فتصرف الزكاة لمن أراد الحج ممن قصرت نفقته، ولهذا ذهب الحنابلة -رحمهم الله-، وذهب الجمهور إلى أن الحج ليس من مصارف الزكاة، ولعل هذا أقرب إلى الصواب -والله تعالى أعلم-؛ لأن الحج وإن كان جهادًا لكنه جهادٌ لا قتال فيه، فهو ليس كالجهاد، فلا يدخل في الجهاد إذا أطلق في قوله -جلّ وعلا-: {وفي سبيل الله}.
المذيع: أيضاً من ضمن الأسئلة التي وردتنا في هاشتاج مناسك من مشاهدينا الكرام، الأخت سحر عبد العزيز تسأل عن هل يجوز لبس القفازات البلاستيك في أوقات معينة؟ وهل يجوز لبس الكمامة للمرأة؟
الشيخ: ذكرت قبل قليل أن لبس الكمام للمرأة لا بأس به، لكن فيما يتعلق بلبس القفاز، كل صور القفاز، كل صور القفاز مما تنهى المرأة عن لبسه، وكذلك الرجل، الرجل لا يلبس قفاز لأنه مفصل على بعض أعضاء البدن، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: «وَلا تَنْتَقِبِ الْمَرْأَةُ المحرمة، وَلا تَلْبَسِ الْقُفَّازَيْن»[البخاري:1838]، فسواء كانت مؤقتةً، عارضه، دائمة، من البلاستيك، من قماش، كله مما ينهى عنه في الإحرام.
المذيع: جميل تسأل أيضا..
الشيخ: الأخوات أو الإخوة الذين يعملون في الطب ويحتاجون إلى قفازات في تحليل الدم، وما أشبه ذلك، هذه حاجة، والحاجة تبيح مثل هذا، إذا دعت إلى ذلك حاجة طبية، وهل يلزم بهذا فدية؟
للعلماء قولان: منهم من قال: تلبس وتفدي، ومنهم من قال: أنها لا تفدي؛ لأنها إنما لبسته لحاجةٍ، وهذا أقرب إلى الصواب، أن من أتى شيء من المحظورات لحاجته إليه أو اضطراره، وليس مما جاء فيه النص الفدية، فإنه لا تجب فيه الفدية، فالنبي -صلى الله عليه وسلم- قال: «من لم لا يَجِدُ نَعْلَيْنِ فَلْيَلْبَس الْخُفَّيْنِ»[صحيح البخاري:1842] ولم يقل: ليفدِ، فأباح في وقت الحاجة، في حال عدم وجود الإزار أو الرداء، أن يلبس ما منع منه المحرم، ولم يأمره بالفدية، فكذلك إذا دعت الحاجة الطبية إلى أن تلبس المرأة القفازين، أو يلبس الطبيب القفازين وهو محرم فلا حرج عليه -إن شاء الله تعالى-، ولا أرى أن الفدية واجبة في حقه.
المذيع: تسأل أيضاً أرجو شرح نسك المفرد.
الشيخ: المفرد هو أن يلبي بالحج، ولا يذكر غيره، ويبقى بإحرامه يلبي بالحج في أشهر الحج، ويبقى على إحرامه إلى أن يرمي جمرة العقبة يوم النحر، ويتحلل بذلك، ثم يبقى عليه الطواف، فإن كان قد طاف للقدوم، وسعى سعي للحج بعد طواف القدوم، فيبقى عليه طواف واحد، وهو طواف الحج بعد فراغه من رمي جمرة العقبة.
المذيع: هي عقبت أيضاً أنها تقصد بلبس القفازات في دورة المياه مثلا فقط لحاجة.
الشيخ: لا، ليست حاجة؛ لأن الناس يعني يقضون حاجتهم دون أن يستعملوا هذه القفازات، إلا إذا كان هناك ثمة حاجة طبية كمرض، أو ما أشبه ذلك، حاجة خاصة، أما الحاجة التي هي قضاء الحاجة المعتاد لا يلزم أن يكون القفاز.
المذيع: شيخنا، ما إذا كان أيضاً من بعض التنبيهات والتنويهات لأعمال يوم النحر.
الشيخ: فيما يتعلق بمنتهى طواف الإفاضة، لأن من الناس من يسأل متى ينتهي وقت طواف الإفاضة؟ من أهل العلم من قال: إنه ينبغي له ألا يؤخره عن أيام التشريق، ومنهم من قال: يجوز أن يؤخره عن أيام التشريق، لكن لا يؤخره عن شهر الحج، وهذا مذهب الإمام مالك[مواهب الجليل4/22]، ومذهب الحنابلة[المغني3/391]والشافعية[المجموع8/224] إلى أنه يجوز تأخيره عن شهر الحج، لكن يبقى عليه التحلل الثاني، فإنه لا يتحلل التحلل الثاني إلا بطواف الإفاضة، ولذلك ينبغي للحاج أن يبادر إلى أداء هذه المناسك، وإلى قضاء ما يجب عليه من أعمال، قبل أن تفرغ أيام الحج، فإنه أعظم لأجره، وأكثر قربةً لله -عزّ وجل-، هذا ما يتصل بما يتعلق بمنتهى وقت طواف الإفاضة.
المذيع: شيخنا، أيضاً بالنسبة للطواف، هل يجوز الحاج يجمع بين أكثر من طواف؟
الشيخ: نعم فيما يتعلق بطواف الإفاضة، إذا جاء يوم النحر يذهب، ويطوف طواف الإفاضة، وهو سبعة أشواط، وهذا الطواف ليس فيه رمل، لا يسرع الخطى، وليس فيه اضطباع، أي لا يكشف كتفه الأيمن، لماذا؟
لأنه يطوف وهو مُحلٌّ، وليس محرماً، إذ إنه يتحلل برمي جمرة العقبة، وقد قالت عائشة -رضي الله تعالى عنها-: «كنت أُطيِّبُ النبي صلى الله عليه وسلم لإحرامه قبل أن يحرم، ولحله قبل أن يطوف بالبيت»[صحيح البخاري:5923]، ولذلك ينبغي لمن أراد الطواف بالبيت أن يمتثل بما أمر الله تعالى به في قوله: { يَا بَنِي آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ }[الأعراف:31]، فيأخذ زينته إلى هذه البقعة المباركة، فيطوف طوافًا ساكناً ليس فيه رمل، ولا فيه اضطباع، وإذا فرغ من طوافه، صلى ركعتين لأن لكل طوافٍ ركعتين، ثم هل يجب عليه شيءٌ آخر؟ هل يشرع أن يكرر الطواف؟ الجواب لا، النبي -صلوات الله وسلامه عليه- في حجه مع أنه جاء في اليوم الرابع، وانصرف في اليوم الرابع عشر، يعني قرابة عشرة أيام، بقيها صلى الله عليه وسلم في مكة، لم يطف إلا طوافين، الطواف الأول طواف في قدومه، (عفوا) ثلاث طوافات، الطواف الأول في قدومه، عندما قدم في اليوم الرابع، والطواف الثاني في اليوم العاشر، طواف الإفاضة، والطواف الثالث في ليلة الرابع عشر، بعد أن فرغ من الحج وهو طواف الوداع، هذه الأطوفة الذي طافها صلى الله عليه وسلم، وقال ابن عباس: أن النبي -صلى الله عليه وسلم- لما فرغ من طواف القدوم، وسعى بين الصفا والمروة، نزل في الحجون في أعلى مكة، ولم يأت البيت حتى رجع من عرفة"[صحيح البخاري:ح1545]، وهذا يدل على أن النبي -صلى الله عليه وسلم- ترك المجال، ووسع للناس، واكتفى بالطواف الأول، عن أن يكرر الطواف، مع أنه عبادةٌ لا تحصل للإنسان إلا في هذه البقعة المباركة، ليست ثمة شيء في الدنيا يطاف به إلا الكعبة المشرفة، وكل طوافٍ بغير الكعبة المشرفة طوافٌ مبتدعٌ محدث ليس على هدي النبي صلى الله عليه وسلم، وهو مردودٌ على صاحبه، وهو من البدع القبيحة التي توقع الإنسان في تعظيم غير الله -عزّ وجل-، ويخشى على فاعله من الشر وسوء المآل والحال، المقصود أن الطواف بالبيت على علو القدر، وسمو منزلته، لم يفعلها النبي صلى الله عليه وسلم ولم يكررها توسعة للناس.
المذيع: يا شيخ، وصلنا إلى نهاية هذه الحلقة من برنامج مناسك شكرا لكم، وأحسن الله إليكم.
الشيخ: بارك الله فيك وأكرر الدعاء، وأوصي إخواني بالدعاء لمن قضوا في هذا الحادث الأليم، وأسأل الله تعالى رب العرش الكريم أن يحفظ حجاج بيت الله، وأن يرعاهم بحفظه، وأن يوفق القائمين على الحج، ويسددهم لما فيه الخير، وأن يكفينا وإياكم شر كل ذي شر هو أخذ بناصيته
المذيع: اللهم آمين يا رب، إلى هنا انتهت حلقتنا مشاهدينا الكرام، شكراً لمتابعتكم، ولتفاعلكم الدائم معنا، لقاؤنا كالعادة يتجدد في حلقة الغد بإذن الله عند التاسعة بتوقيت مكة المكرمة، إلى ذلكم الحين نستودعكم الله، وإلى اللقاء.555