المذيع: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، مشاهدينا ومتابعي برنامج "مناسك"، هذا البرنامج الذي تنظمه وزارة الشئون الإسلامية والأوقاف والدعوة والإرشاد من المملكة العربية السعودية ضمن خطتها التوعوية لضيوف الرحمن لهذا العام، أهلاً وسهلاً بكم مع حلقة جديدة وموضوع جديد، ولكن في البدء نرحب بضيف البرنامج الدائم فضيلة الشيخ الدكتور خالد بن عبد الله المصلح أستاذ الفقه بكلية الشريعة بجامعة القصيم، وعضو التوعية الإسلامية في الحج، أهلاً وسهلاً بكم شيخنا وحياكم الله.
الشيخ: أهلا بك، جزاك الله خيرًا، وحيا الله الإخوة والأخوات، وأسأل الله أن يكون لقاءً نافعاً مباركاً.
المذيع: شيخنا، تحدثنا في حلقة الأمس، تحدثنا عن يوم عرفة وأيضاً يوم التروية، وفي حلقتنا -بإذن الله تعالى- سوف نتابع مواضيعنا وأيضاً سنتحدث عن الأعمال التي يفعلها الحاج في مزدلفة، بعد النفر طبعاً من عرفة إلى مزدلفة، وأيضاً يوم النحر وأعمال ذلك اليوم.
يسعدنا بالطبع مشاركتكم مستمعينا الكرام ومشاهدينا على طرق التواصل التي ستظهر -إن شاء الله- في أسفل الشاشة بين وقت وآخر.
شيخنا، لعلنا توقفنا في الحديث عند غروب شمس يوم عرفة وبعد ذلك نفرة الحجيج.
الشيخ: الحمد لله رب العالمين، وصلِّ وسلم على المبعوث رحمة للعالمين، نبينا محمد، وعلى آله و أصحابه ومن تبع سنته بإحسانٍ إلى يوم الدين، أما بعد
فاليوم التاسع هو أعظم أيام الحج، من حيث أنه الزمان الذي يكون فيه الركن الأعظم من أركان الحج وهو الوقوف بعرفة، حيث قال النبي -صلى الله عليه وعلى آله وسلم-:«الحج عَرَفَة»[سنن الترمذي:ح889، وصححه الألباني]، الرسول -صلى الله عليه وسلم- يبين أنه من لم يدرك الحج في هذا اليوم بعرفة فإنه يفوته الحج.
ذكرنا أن النبي صلى الله عليه وسلم، مكث في عرفة واقفاً على راحلته متضرعاً، مستقبلاً القبلة، داعياً إلى أن غربت الشمس، وذهبت الصفرة، ثم أنه -صلوات الله وسلامه عليه- تحرك متجهاً إلى مزدلفة، وقد أردف معه أسامة بن زيد، أي أركب خلفه أسامة بن زيد، وهو حب رسول الله، وابن حب رسول الله-صلوات الله وسلامه عليه- لما اتجه صلى الله عليه وسلم إلى مزدلفة بعد وقوفه بعرفة، رأى من الناس عجلة، في انصرافهم وتدافعهم، فكان -صلوات الله وسلامه عليه- يحبس ناقته ويشد وثاقها حتى إن رأسها- رأس الراحلة القصواء- لا يصيب موكب رحله، يعني شدة الجذب لأنها مندفعة، مع الاندفاع الذي حصل من الناس إلى مزدلفة، كان صلى الله عليه وسلم يجذبها حتى لا تنطلق في سيرها، خشية أن يتضرر أحد بهذا الاندفاع.
وكان يقول -صلوات الله وسلامه عليه للناس-: «يا أيها الناس عليكم السكينة، السكينة ليس البر بالإيضاع»[أخرجه البخاري في صحيحه:ح1671]، ليس البر بالإسراع، ولا البر بالوصول قبل غيره، إنما البر في أن تذهب وعليك السكينة، وهي طمأنينة القلب التي يترجمها هدوء المسير، وسكون السائر، في هذا الخضوع والخشوع، في هذه العبادة الجليلة لله -عز وجل-، في دفعه من عرفات إلى مزدلفة، وقد ذكر الله تعالى هذا المسير المبارك، فقال -جلّ وعلا:-
{لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَبْتَغُوا فَضْلًا مِنْ رَبِّكُمْ فَإِذَا أَفَضْتُمْ مِنْ عَرَفَاتٍ أى انصرفتم منها فَاذْكُرُوا اللَّهَ عِنْدَ الْمَشْعَرِ الْحَرَامِ [البقرة:198]
والمشعر الحرام هو مزدلفة، وهي أول المنازل التي ينزلها الحجاج بعد انصرافهم من عرفة، عرفة في خارج الحل، ولذلك تسمى المشعر الحلال لأنها في الحل، وليس في داخل حدود الحرم، بينها وبين الحرم الوادي؛ وادي نمرة، فإنه وادي نمرة ووادي عرنة يفصل بين الحرم وبين عرفة، أول المنازل التي ينزلها الحاج، عندما يدخل الحرم (مزدلفة)، ولذلك سميت مزدلفة لأن الحاج يقترب بها إلى الحرم، وسميت جُمعاً أيضاً لأن الناس يجتمعون فيها، فإنه في سابق عهد الناس قبل مجيء النبي صلى الله عليه وسلم وبيانه لأحكام الحج كان أهل مكة من قريش إذا خرجوا مع الناس إلى الحج وقفوا عند مزدلفة، ولم يتجاوزوها إلى عرفة.
فيوم عرفة يقفون في مزدلفة، ولكن ذهبوا إلى عرفة، لماذا؟ لأنهم كانوا يرون أن خروجهم عن الحرم تعظيم لمكان خارج الحرم فينقص به تعظيم الحرم، هكذا زين لهم الشيطان، ولذلك الله تعالى يقول: {ثُمَّ أَفِيضُوا مِنْ حَيْثُ أَفَاضَ النَّاسُ }[البقرة:199]
فساوى الله تعالى بين القرشيين وبين غيرهم، من أنهم إذا خرجوا إلى عرفة يخرجون مع الناس إليها ويقفون بها، كما فعل النبي صلى الله عليه وسلم عندما خرج مع الناس إلى عرفة ووقف بها -صلوات الله وسلامه عليه-، كما رجع إلى مزدلفة.
فلهذا سميت جُمعًا؛ لأن الحجيج كانوا يجتمعون، في حين أن عرفة لا يأتيها أهل قريش من أهل مكة وهم الحنس، لماذا؟ لأنهم كانوا كما ذكرت يرون أن التعظيم خارج الحرم يفضي إلى إنقاص عظمة الحرم.
المذيع: فيبقون في عرفة؟
الشيخ: فيبقون في مزدلفة، لا يخرجون في جمع في مزدلفة، ولا يخرجون، ولذلك سميت جمع لأنهم يجتمعون مع الحجيج الذين جاءوا من عرفة، بعد وقوفهم، هذه البقعة المباركة محدودة بحدود واضحة وقد جعلت عليها الدولة -وفقها الله- علامات بينة واضحة تبين بداية حدود مزدلفة ونهاية حدود مزدلفة، فينبغي الحاج أن يحرص على أن يكون في هذه الحدود في هذه الليلة. النبي -صلوات الله وسلامه عليه- في مسيره قضى حاجته، وتوضأ وضوءاً خفيفاً، فقال له أسامة: "الصلاة يارسول الله"، فقال: «الصلاة أمامك»[أخرجه البخاري في صحيحه:ح139]. قال أسامة: الصلاة يا رسول الله مذكرًا له بصلاة المغرب والعشاء، لأنه نفر من مزدلفة عفواً نفر من عرفة إلى مزدلفة بعد غروب الشمس وذهاب الصفرة، أي أنه دخل وقت العشاء، لكن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال لأسامة لما ذكره بالصلاة في طريقه إلى مزدلفة قال: «الصلاة أمامك»، أي ستكون بين يديك عندما نصل إلى مزدلفة، ولذلك فعلاً لما وصل النبي -صلى الله عليه وسلم إلى مزدلفة أمر المؤذن فأذن، ثم أقام فصلى المغرب، قبل أن ينزل الناس رحالهم، ثم لما صلى المغرب أنزل كل أحد رحله وأقام صلاة العشاء-صلوات الله وسلامه عليه- أمر بأن تقام العشاء فأقيمت العشاء فصلى العشاء ركعتين، فجمع بين المغرب والعشاء في مزدلفة عند أول وصوله، وهذا امتثال لما أمر الله تعالى به النبي صلى الله عليه وسلم قال: (فَإِذَا أَفَضْتُمْ مِنْ عَرَفَاتٍ فَاذْكُرُوا اللَّهَ عِنْدَ الْمَشْعَرِ الْحَرَامِ)[البقرة:198] فأول ذكر الله تعالى في المشعر الحرام هو في هذه البقعة المباركة، في هذا المنزل الطاهر وهو مزدلفة، فكان ذلك بالصلاة التي أذن لها وأقام وصلى المغرب والعشاء، ثم إن النبي صلى الله عليه وسلم اتضجع، بعد صلاة العشاء مباشرة، هذا الاتضجاع هو لإعطاء البدن حقه، وأيضاً للاستعداد، لما سيأتي من أعمال في اليوم التالي.
ولذلك لم ينقل أن النبي صلى الله عليه وسلم أقام تلك الليلة، فاختلف الصحابة، هل ترك النبي صلى الله عليه وسلم صلاة الوتر تلك الليلة أو لا؟ والصواب أنه لم يتركها، وإن لم ينقل لأنه -صلوات الله وسلامه عليه- لم يكن يترك الوتر لا في حضر ولا في سفر.
المقصود أن النبي نام -صلوات الله وسلامه عليه- مباشرة بعد صلاة العشاء، وقام في أول الوقت، في أول وقت الفجر، أمر المؤذن فأذن وصلى الفجر، إذاً ماذا اشتغل؟ لم ينقل عملٌ بعد مجيئه إلى مزدلفة إلا إنه صلى المغرب والعشاء ثم اتضجع، ثم صلى الفجر في أول وقته حتى إن من الصحابة -رضي الله تعالى عنهم- من ظن أنه صلى قبل الوقت، فقال: إنه لم يكن يصلي قبل الوقت إلا ما كان في مزدلفة في صلاة الفجر، والصواب: أنه صلاها في الوقت، ولكنه صلاها في وقت مبكر جدًّا، حتى إنه اشتبه على بعض من حضر هل صلاها في الوقت أم أنه تقدم؟
السبب في المبادرة إلى صلاة الفجر في يوم النحر في مزدلفة؛ هو التفرغ للذكر بعدها، فإن مقصود المبيت هو الذكر بعد صلاة الفجر، ولذلك لما جاءه ابن مضرس فقال: يارسول الله أتعبت نفسي، وجئت من جبل طي، أتعبت نفسي وأكللت راحلتي فهل لي من حج؟ فقال -صلوات الله وسلامه عليه-: «من شهد صلاتنا هذه، وكان قد وقف وصلى معنا، وكان قد وقف قبل ذلك بعرفة، أي ساعة من ليل أو نهار فقد تم حجه وقضى تفثه»[أخرجه البخاري في صحيحه:ح1950]، فقال: من صلى صلاتنا هذه، يعني صلاة الفجر في مزدلفة، ووقف معنا حتى ندفع، وكان قد وقف قبل ذلك.
إذاً نقول: «ووقف معنا حتى ندفع» بيان أن الوقوف بعد صلاة الفجر مقصود بل هو المقصود من المبيت كما قال ذلك جماعة من أهل العلم، النبي صلى الله عليه وسلم بعد ما صلى الفجر، تحرك من المكان الذي نزل فيه، إلى المشعر الحرام، وهو جبل صغير في وسط مزدلفة، وهو الذي عليه المسجد الأعلى، وهو يسمى بالمشعر الحرام، وإن كان المشعر الحرام اسم لكل مزدلفة، لكن خص هذا الاسم بهذا الاسم أو خص هذا الجبل بهذا الاسم لأنه المشعر الحرام الذي وقف فيه النبي صلى الله عليه وسلم، وقد قال الله -جلّ وعلا-(فَإِذَا أَفَضْتُمْ مِنْ عَرَفَاتٍ فَاذْكُرُوا اللَّهَ عِنْدَ الْمَشْعَرِ الْحَرَامِ)[البقرة:198]، وقد قال -صلوات الله وسلامه عليه-: «وقفت هَا هُنَا» يعني في هذا الموضع «وَجمع كلهَا موقف»[أخرجه مسلم في صحيحه:ح1218/149] فحيث ما وقف الإنسان في أي جهة فإنه يكون قد حقق المطلوب من الوقوف بمزدلفة، والمجيء إلى جمع لمن تيسر إليه سنة؛ لأنه قصده رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ووقف عليه، ماذا صنع؟ حمد الله، وكبره، وذكره -جلّ وعلا- ودعا بما فتح الله عليه إلى أن انتشر الضياء، انتشر الضوء وأسفر جدًّا انتقل النبي -صلى الله عليه وسلم- إلى منى، ارتحل بعد أن أسفر الجو، أسفر جدًّا قبل شروق الشمس، فإنه لم يكن صلى الله عليه وسلم يمكث فيها حتى تشرق الشمس، مخالفةً اليهود، عفواً، مخالفاً المشركين، الذين كانوا يبقون حتى تظهر الشمس، ويقولون: أشرق ثبير كيما نغير، ثبير جبل في شرق مزدلفة يحجب الشمس عند صعودها، فيقول فكان الجاهلون يقولون: أشرق ثبير يعني استدعاء لخروج الشمس من ورائه حتى يرتحل، أشرق ثبير أي الجبل كيما نغير أى نرتحل من مزدلفة إلى منى.
النبي صلى الله عليه وسلم تحرك من مزدلفة إلى منى قبل أن تشرق الشمس، ومن هنا يبدأ يوم النحر، من هنا يبدأ يوم النحر، نحن نحتاج نقف الآن مع بعض المسائل المتعلقة بالوقوف بمزدلفة، من ذلك،
أولا: ماهو الوقت الذي يجب أن يبقاه الحاج في مزدلفة إذا جاء أول الليل؟
من العلماء من قال: يبقى إلى منتصف الليل، وهذا قول جمهور العلماء، وإذا احتاج إلى الخروج فإنه يخرج، طبعاً قبل هذا نقول: السنة أن تبقى حتى تصلي الفجر وتذكر الله تعالى، حتى تدفع كما فعل النبي صلى الله عليه وسلم، لما جاءت الرخصة حيث أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قدم ضعفة أهله ليلاً، أخذ العلماء من ذلك جواز تقدم الضعفاء، ومن يلحق بهم ممن تدعو الحاجة إلى تقدمه قبل الفجر، واختلفوا في ذلك: منهم من قال: يبدأ الدفع من بعد منتصف الليل، وقال آخرون: بل من بعد مغيب القمر، ثم القائلون بالخروج من مزدلفة سواء منتصف الليل أو بعد غروب القمر وقبل الفجر، اختلفوا في حكم الرمي عند وصوله إلى منى، هل يجوز أن يرمي قبل الفجر أم ينتظر إلى الفجر، أم يجب عليه أن ينتظر إلى مابعد الفجر؟ هذه أقوال سنأتي عليها في مسألة متى يبدأ وقت الرمي؟
لكن فيما يتعلق بالدفع الراجح فيما يظهر -والله تعالى أعلم- أنه بعد منتصف الليل، وهذا الذي ذهب إليه الجمهور، السبب في هذا أنه النصوص مطلقة، ولم يأت تقييد للوقت الذي يجوز فيه الدفع بمزدلفة، وإذا كان كذلك فإن الحكم يأخذ من حيث البقاء في مزدلفة أكثر الليل، وأكثر الليل يكون بعد منتصفه، أن يمضي أكثر الليل بأن يمضي منتصف الليل ويزيد، فلذلك إذا دفع بعد منتصف الليل، فلا حرج، ولو تحرى بعد مغيب القمر كما جاء فيما رواه البخاري من طريق عبد الله مولى أسماء أنها كانت تسأله- أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنه- كانت تسأله في مزدلفة عن مغيب القمر، فلما قال لها أن القمر قد غاب ارتحلت إلى منى، ثم ذهبت ورمت الجمرة، وصلت في رحلها، فقال لها مولاها: "يا هنتاه، ما أرانا إلا قد غلسنا"، يعني قد بكَّرنا، قد بكرنا في الانصراف من مزدلفة، فقالت -رضي الله عنها-:" إن النبي صلى الله عليه وسلم قد أذن للظُّعن"[أخرجه البخاري في صحيحه:ح1679] أي للنساء في الانصراف، واستأذنته في الانصراف من مزدلفة مبكراً سودةُ رضي الله عنها لأنها كانت ثقيلة فأذن لها، فقدمها في ضعفة أهله، واستأذنته أم سلمة رضي الله عنها، وقد رغبت عائشة رضي الله عنها بعد ذلك أنها لو استأذنت كما استأذنت سودة لما لقيته من شدة الزحام رضي الله عنها، المقصود أنه وقت الانصراف من بعد الزوال من بعد منتصف الليل، هذا لمن جاء من أوله، أما من جاء تأخر به المسير إلى منتصف الليل فيأتي إلى مزدلفة ويجلس يسأل الله تعالى وينصرف لا يلزم أن يقضي نفس الوقت الذي يكون من منتصف الليل من حيث عدد الساعات بل بعد منتصف الليل من أتى وجلس يسيراً أو مرَّمروراً وانصرف إلى منى، فإنه يكون قد حقَّق الوقوف بمزدلفة إذا كان من الضعفاء.
أما الأقوياء: فإن السنة في حقهم أن يبقوا حتى يصلوا الفجر ثم يذكر الله وينصرف بعد أن يسفر جدًّا.
ما يتعلق بحكم المبيت بمزدلفة هل هو واجب؟ هل هو مستحب؟ هل هو سنة؟ هل هو فرض؟
للعلماء في ذلك أقوال: ذهب جماعة من أهل العلم إلى أن المبيت بمزدلفة ركن، فمن فاته المبيت بمزدلفة فلا حج له، كما لو فاته الوقوف بعرفة، استدلوا لذلك بقول الله تعالى: (فَإِذَا أَفَضْتُمْ مِنْ عَرَفَاتٍ فَاذْكُرُوا اللَّهَ عِنْدَ الْمَشْعَرِ الْحَرَامِ)[البقرة:198]، فأمر الله بذكره عند المشعر الحرام دل ذلك على أنه ركن، وإذا في حديث عروة بن المضرس أنه قال:« من أدرك صلاتنا هذه ووقف معنا حتى ندفع، وكان قد وقف قبل ذلك بعرفة أي ساعة من الليل أو النهار، فقد أتم حجه وقضى تفثه»[تقدم] هذا مايتعلق بالقول بأنه ركن.[مذهب ابن عباس، وابن الزبير، وإليه ذهب النخعي والشعبي. انظر المحلى(7/118)، بداية المجتهد(1/376)]
قال جماعة من أهل العلم بأنه واجب، وهذا قول جماهير العلماء[مذهب المالكية(مواهب الجليل196/4)، والشافعية في الأصح(المجموع134/8)، والحنابلة(المغني3/376)]، وهو الأصح في سياق الأقوال؛ لأن هذه النصوص لا تدل على الركنية إنما هي دالة على أنه مطلوب وذلك بالوجوب، أما الدليل الآخر، أما القول الآخر فهو سنة وهذا أضعف الأقوال[رواية عن أحمد].
إذًا الأصوب في مسألة المبيت بمزدلفة أنه واجب.
المذيع: بعض المسائل البسيطة في موضوع أثناء النفرة من عرفة إلى مزدلفة هل هناك وقت معين نضمن فيه عدم تدافع الحجيج مع بعضهم البعض؟
الشيخ: مبدأ الخروج من غروب الشمس وذهاب السفرة هكذا فعل النبي صلى الله عليه وسلم، واليوم تم الترتيب من حيث فتح الطرقات للناس وإزالة الحواجز المانعة من خروج الناس من عرفة، وهذا إذا أزيلت الحواجز بعد مغرب الشمس، وذهاب السفرة فلينصرف الناس. ثمة مسألة وهي أن هناك تفويجًا أحياناً للحملات، بمعنى أن من الحملات من يعمل ينصرف في أول وقت الدفع من عرفة، هناك حملات من أول الوقت، وهناك حملات تتأخر أحياناً إلى العاشرة، الحادية عشر، بناءً على التفويج سواء عبر وسائل النقل السيارة، أو عبر القطار الذي له توقيتات محددة في انصراف الحجاج.
من كان وقته مبكراً فيصلي المغرب و العشاء عند وصوله، من كان وقته متأخراً، أحياناً يتأخر إلى وقت طويل، في هذه الحال إذا كان سيخرج وقت العشاء قبل انصرافه فيجب عليه أن يصلي العشاء في وقتها لأنه الصلاة قال الله تعالى فيها (إِنَّ الصَّلاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَابًا مَوْقُوتًا)[النساء:103] والراجح في وقت العشاء إنه إلى منتصف الليل، لحديث عبد الله بن عمرو رضي الله عنه في ذكر المواقيت:«وَوقت صَلَاة الْعشَاء إِلَى نصف اللَّيْل الْأَوْسَط»[صحيح مسلم:612/173]، فالوقت الذي ينتهي فيه صلاة العشاء يعني قريب من 11 ونصف تقريباً شيء من هذا القبيل، ويمكن حسابه من خلال الساعات من مغرب الشمس لطلوع الفجر وعدد الساعات تقسمها إلى اثنين، ثم تعرف منتصف الليل في عرفة. أو في المكان اللي أنت فيه.
فإذا خشيت خروج الوقت فلتصلِّ، وهنا ننبه أن بعض الحجاج لا يصلي، يعني يقولون: الصلاة في مزدلفة ولو أفضى ذلك إلى إخراجها عن وقتها، وهذا غلط، يجب عليه أن يصلي الصلاة في وقتها، وأحياناً قد تدركه الصلاة أو وقتها يوشك أن يخرج وهم في باصات في السير، قد حجزهم المسير هنا نقول: صلوا ولو أنتم في أماكنكم، ما دام أنكم لا تستطيعون إلا هذا الذي هو حاضر بالصلاة على هذا الصلاة، فالله تعالى يقول:(فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُم)[التغابن:16]والنبي -صلى الله عليه وسلم- يقول:«صلِّ قَائِما، فَإِن لم تستطع فقاعداً، فَإِن لم تستطع فعلَى جنب»[أخرجه البخاري في صحيحه:ح1117 ] يصلي على ما تسير من حال سواء كان من حيث الطهارة، ومن حيث استقبال القبلة، ومن حيث ما يأتي به من أركان، قيام وركوع وسجود، يفعل ما يستطيع من ذلك ويصلي، لكن لا يخرج الصلاة عن وقتها، وأؤكد على هذا المعنى؛ لأن بعض الحجاج يغفل مع هذا الزحام ويقول: أصلي في مزدلفة، ولو أدى ذلك أن يصليها في آخر الليل بعد خروج وقتها، وهذا لا يجوز.
فيما يتصل أيضاً بقضية أخرى في وقت الصلاة بعض الحجاج يقدم صلاة الفجر بوقتٍ طويل من أجل أن ينصرف، لا، لايجوز هذا، الصلاة كتاب موقوت محدد، فلا يصح أن يصلي الظهر ولا يصح أن يصلي الفجر الآن، لأنه لا يأتي وقتها، الصلاة قبل وقتها بالإجماع لا تصح، وبالتالي لابد من تحري الأوقات، واليوم معرفة الأوقات يسيرة من خلال وسائل الاتصال أو من خلال الساعات، أو من خلال الأذان؛ لأن الأذان يؤذن في هذه البقاع المباركة، الأذان ظاهر ومشهور ويسمعه الناس وعلى ضوئه يستطيعون أن يصلوا الفجر في أول وقتها، مما يعني يبغي التنبه له أن في هذا التنقل هذه الكميات الكبيرة من الناس، وهذا الحشد العظيم من وسائل النقل، ينبغي للمؤمن أن يتحلى بالصبر، وأن يتحلى بسعة الصدر، وأن يحتسب الأجر فيما يجري له، وأن يتذكر قول النبي صلى الله عليه وسلم:«السكينَةَ السكينَة»[صحيح مسلم:1218/147] الزم السكينة في تعاملك مع الناس، في تنقلاتك، في ذهابك، في ركوبك، عليك بالسكينة فالأجر فيها، وهي التي يتحقق بها المطلوب، أنت في سير عبادي، وفي طاعة في تنقلك، فكن في أكمل ما تستطيع من الهيئة والصورة، في إخباتك وإقبالك على الله، ويسن للحاج أن يلبي في انتقاله من عرفة إلى مزدلفة، ويظهر ذلك في التلبية، لبيك اللهم لبيك، لبيك لا شريك لك لبيك، إن الحمد والنعمة لك والملك، لا شريك لك، فالتلبية تتأكد في مثل هذه المحال التي ينتقل فيها الحاج من مكان إلى مكان؛ لأنه يلبي أمر الله، أنت لما تنتقل من عرفة إلى مزدلفة، أنت تجيب ما أمر الله تعالى به في قوله:(فَإِذَا أَفَضْتُمْ مِنْ عَرَفَاتٍ فَاذْكُرُوا اللَّهَ عِنْدَ الْمَشْعَرِ الْحَرَامِ)[البقرة:198]، فكن ملبياً قل: لبيك، واستحضر أنك تلبي الله في مجيئك إلى هذه البقعة.
من المسائل التي ينبغي التنبه لها أن من الناس إذا وصل إلى مزدلفة لا يبالي بهذه الجموع الكبيرة التي خلفه، تجده يقف كيفما اتفق له، يعطل المسير، يخالف الأنظمة، لا يتعاون مع رجال الأمن، قد يقف في الطريق نفسه، يا أخي اتقِ الله، إذا يسر الله لك الوصول مبكراً، فتذكر أن مئات الآلاف وراءك سيحتاجون إلى أن يصلوا لهذه النقطة فاحرص على أن تكون على حال من المجيء، وفق الأنظمة، وفق التوجيهات، وفق التفادي لكل ما يكون سببًا لإعاقة ذلك التفويج لهذه الأعداد الضخمة، في هذا الوقت المحدود، وفي هذه الكثافة الكبيرة، حتى يصل الجميع إلى مبتغاهم، أحياناً يحتاج أن يحصل مع بعض الحجيج أنه لا يتيسر له الوقوف، أن يكون التوجيه أن نزل الركاب وامش، وبعض الركاب لا ينزل من السيارات، إما لخوف الضياع أو لأي سبب، فتجده في سيارته حتى يخرج عن مزدلفة.
هنا نأتي لمسألة وهي المسألة التي تناولناها قبل قليل، أنه ما حكم المبيت بمزدلفة؟ البقاء بمزدلفة؟ البقاء بمزدلفة واجب من واجبات الحج على الصحيح من قول أهل العلم.
لكن هذا الواجب منوط بالاستطاعة، فإذا حال بينه وبين ذلك حائل، كأن يكون ما استطاع الوصول إلى مزدلفة بسبب تكدس السيارات التي حالت دون دخوله مزدلفة، حتى طلع الفجر، وأشرقت الشمس، في هذه الحال الراجح يقول العلماء: أنه لا شيء عليه، وأنه لا إثم عليه؛ لأن الله تعالى قال:(فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ)[التغابن:16]، وإلى هذا ذهب فقهاء الحنفية و المالكية و الشافعية، وأوجب فقهاء الحنابلة على من ترك المبيت بمزدلفة، ولو كان ذلك لعذر يجب عليه أن يفديه لتركه واجباً من واجبات النسك،والصواب أنه إذا تركه لعذر فلا حرج عليه.
المذيع: نأخذ اتصالًا يا شيخ، أستأذنك وبعد ذلك نعود إذا كان من المسائل في مزدلفة، معنا نعيمة من المغرب، تفضلي يا أخت نعيمة
المتصل: سلام عليك أخي
المذيع: وعليكم السلام ورحمة الله
المتصل: سؤالي إلى الشيخ، بعد انتهائي من جمرة العقبة الكبرى والذهاب لمكة لإنهاء نسك طواف الإفاضة، وجاء وقت صلاة المغرب سؤالي: هل أذهب للمبيت في منى أم ماذا أفعل؟
المذيع: طيب، شكراً لكِ يا أخت نعيمة، طيب، بالعودة شيخنا إلى ما كنا توقفنا عنده ذكرنا أن النبي -عليه الصلاة والسلام- اتضجع بمعنى أنه ارتاح في تلك الليلة في مزدلفة، إذاً عدم الانشغال بشيءٍ آخر
أو أيضاً ذكر الله -سبحانه وتعالى- هل يصح ذلك؟
الشيخ: نعم، هو على كل حال يعني، كثير من الحجاج قد لا يتسنى لهم النوم، في هذه البقعة المباركة، بسبب الكثافة في حضور الناس، والسيارات والإضاءة التي قد تحول دون السكون الذي يريده الإنسان لأجل النوم، لكن يجب عليه أن يراعي أنه في مكثه في عبادةٍ فليجتهد فيما يقربه إلى الله تعالى، اشتغال الحجيج في هذه البقعة المباركة بجمع الحصى، وهذا سمة عامة، في كثير من أعمال الحجاج تجده يبحث عن حصى ويجمع حصى لجميع أيام الرمي، فيجمع حصى جمرة العقبة وبقية الأيام، وهذا ليس له أصل في فعله -صلوات الله وسلامه عليه-، الحصى لا يلزم أن تؤخذ من مزدلفة، بل السنة أن يأخذها من الطريق، فالنبي -صلى الله عليه وسلم- لم يلتقط الحصى من مزدلفة.
لكن لو أن إنسانًا أخذها لأنه لا يعتقد سنية الأخذ من هذا المكان أو أنه يفعل قربة بأخذه من هذا المكان، إنما لأنه قد لا يجد الحصى متيسراً في منى، لا سيما مع هذا الترتيب الذي جعل منى مرصوفةً ومهيأة على نحو قد يعسر عليه أن يجد الحصى ففي هذا الحال لا حرج أن يأخذ الحصى من مزدلفة، لكن ليس على وجه السنة والعبادة، فأخذ الحصى من مزدلفة ليس سنةً، إنما أن يأخذ الحصى من حيث تيسر له من طريقه في توجهه إلى منى.
المذيع: أحجام الحصى أيضاً شيخنا نركز على هذه النقطة.
الشيخ: هذا سنأتي عليه في صفة الرمي، وما ينبغي أن يكون من الأحكام المتعلقة بالرمي، فيما يتصل أيضاً بالأحكام المتصلة بمزدلفة، إنه الذي يخرج من مزدلفة يسن له قبل خروجه من مزدلفة، إذا خرج مبكراً كالضعفاء أن يقف داعياً بعض الوقت كما كان يفعل ابن عمر، فإنه كان إذا قدم ضعفة أهله أمرهم أن يقفوا ويدعوا ويذكروا الله شيئاً من الوقت، ثم يدفع بالخروج بعد ذلك، وذلك لتحقيق ما أمروا به من قول الله -جلّ وعلا-(فَإِذَا أَفَضْتُمْ مِنْ عَرَفَاتٍ فَاذْكُرُوا اللَّهَ عِنْدَ الْمَشْعَرِ الْحَرَامِ)[البقرة:198]، هذه معاني لابد من استحضارها والعناية بها، وفيها خير وبركة للمؤمن في هذه البقعة المباركة.
ننتقل إلى يوم النحر؟
المذيع: أكيد
الشيخ: طيب، عندما ينصرف الحجيج من مزدلفة إلى منى، فإن أول الأعمال المطلوبة من الحاج في يوم النحر، وهو يوم الحج الأكبر اليوم العاشر من ذي الحجة أن يبدؤوا برمي جمرة العقبة، فرمي جمرة العقبة هو تحية منى، هذا اليوم يوم العاشر من ذي الحجة ويوم النحر، ويسمى يوم الحج الأكبر، وقد جاءت تسميته بالحج الأكبر فيما رواه أبو داوود وغيره من أصحاب السنن، عن ابن عمر رضي الله عنه أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال في يوم النحر: «أَي يَوْم هَذَا؟» قالوا: يوم النحر، قال -صلوات الله وسلامه عليه- قال والله ورسوله أعلم قال يوم النحر هذا يوم الحج الأكبر[أخرجه البخاري في صحيحه:ح1742]، فسماه النبي -صلى الله عليه وسلم- يوم الحج الأكبر، وتسميته بهذا الاسم لأجل أن في ليلته ويومه معظم أعمال الحج، ففي ليلته، جزء منه الوقوف بعرفة، والوقوف بمزدلفة، ورمي الجمار، والطواف، والسعي، والحلاق، ونحر الهدي وذبحه، وهذه معظم أعمال الحج، ولذلك سمي يوم الحج الأكبر، لأن في ليلته وفي يومه معظم أعمال الحج، ففي ليلته الوقوف بعرفة، وفي ليلته الوقوف بمزدلفة، وفي صباحه الوقوف بمزدلفة، في أول النهار، ثم رميٌ للجمار، ثم حلاق أوتقصير، ثم نحر هدي، ثم حلاقٌ وتقصير، ثم طوافٌ وسعي، وهذا معظم أعمال الحج، معظم أعمال الحج في هذه التي ذكرت سواء كانت واجبةً أو كانت ركناً أو كانت مستحبةً، فيما يتعلق بأعمال هذا اليوم، أما تسميته بالحج الأكبر فقد جاء الإشارة إليه أيضاً في القرآن حيث قال الله تعالى: (وَأَذَانٌ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ إِلَى النَّاسِ يَوْمَ الْحَجِّ الأَكْبَرِ)[التوبة:3]، يقول أبو هريرة:" كنت فيمن بعثني أبو بكر أن أؤذن في الناس يوم الحج الأكبر يوم النحر، ألا يطوف بالبيت عريان، وأن لا يحج بعد العام مشرك"[أخرجه البخاري في صحيحه:ح369]، فهذا اليوم هو يوم الحج الأكبر، وقد اختلف العلماء أيهما أفضل؟ يوم عرفة؟ أو يوم الحج الأكبر يوم النحر؟ والذي يظهر والله أعلم أن يوم عرفة له فضل خاصٌّ يتعلق به لا يوجد في يوم النحر، ويوم النحر له فضائل خاصة لا توجد في يوم عرفة.
وفي كليهما فضلٌ وأجرٌ وخيرٌ وبر.
المذيع: أستأذنك شيخنا معنا اتصال من كينيا أم أحمد، تفضلي يا أم أحمد
المتصل: السلام عليكم
المذيع: وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته، حياك الله
المتصل: شكرًا، أمسيكم بكل خير نحن نتعلم يعني كثير من علمكم.
المذيع: الحمد لله، سؤالك يا أم أحمد.
المتصل: قال الشيخ خالد أن المرأة التي تحرم للحج تتجنب النقاب يعني كيف تتجنب النقاب وفي مكة اختلاطٌ كثير.
المذيع: وفي مكة ماذا؟
الشيخ: اختلاط كثير
المتصل: اختلاط يعني يختلط الرجال مع النساء
المذيع: طيب
المتصل: يعني كيف تجنب النقاب؟ أنا أريد أن أعرف كيف سأستر وجهي في مكة؟
المذيع: طيب، جزاكي الله خير يا أم أحمد، تسمعين الإجابة -إن شاء الله- من شيخنا، معنا اتصال من أم أحمد من كينيا لديها سؤال آخر بقيت معنا على الخط، تفضلي يا أم أحمد.
المتصل: السلام عليكم
المذيع: وعليكم السلام تفضلي ماهو سؤالك الثاني يا أم أحمد؟
المتصل: سؤالي هو أريد أن أعرف هل يجوز للإمام أو الإمامة أن تدعو في يوم عرفة، أن تدعو للناس دعاءً والناس يقولون آمين آمين آمين هل هذا من السنة؟
المذيع: طيب
المتصل: هذا سؤالي الثاني، والثالث من أي ميقات في أي مكان يحرم أهل كينيا، الميقات في جدة أم أي مكان؟
المذيع: طيب طيب شكرا لكِ يا أم أحمد
مشاهدينا الكرام كما ذكرنا لكم أنه ستظهر طرق التواصل -إن شاء الله- أسفل الشاشة، نرحب طبعاً بجميع مشاركاتكم وأسئلتكم التي نطرحها على ضيفنا الدكتور خالد المصلح، دكتور تبقى شيء نتكلم عنه في يوم النحر أو نجيب على الأسئلة؟
الشيخ: فيما يتعلق بيوم النحر بقي ما لم نتكلم عنه كلاماً واسعاً إن شئت شرعنا فيها أو نجيب على أسئلة الإخوة والأخوات.
المذيع: نشرع قليل في بعض الأمور نذكر كرؤوس أقلام، وممكن بكرة نحاول نفصل بعض الأمور.
الشيخ: طيب ذكرت أنه في فضل يوم النحر وأنه يوم الحج الأكبر، وأنه يومٌ فضيل لا يختص أهل منى، بل هو للحجيج، بل هو فضيلٌ لسائر الأمة، فإنه اليوم الذي يتقرب فيه المسلمون إلى الله تعالى بصلاة العيد وبذبح الهدايا والضحايا، الهدايا لمن بعثها إلى مكة، والضحايا لمن ذبحها في الأمصار في سائر بلاد الإسلام، وهذا اليوم ما يتعلق بأعماله، أهل منى صلاة العيد لا تشرع لهم، لأن النبي -صلى الله عليه وسلم- لم يصلي العيد في منى ولا أصحابه -رضي الله تعالى عنهم-، لاشتغالهم بأعمال النسك، ولأنهم مشغولون بذكر الله -عزّ وجلّ- على نحو ما ذكرنا من الوقوف بمزدلفة ثم مسيره -صلوات الله وسلامه عليه- إلى منى.
النبي صلى الله عليه وسلم لما خرج من مزدلفة إلى منى لبى في الطريق، وأردف الفضل بن عباس في طريقه، وقد لقيه أناس وسألوه في طريقهم، تحرك -صلوات الله وسلامه عليه من مزدلفة-، ومر بوادي محسر وهو الوادي الذي يفصل مزدلفة عن منى، هذا الوادي لما نزل فيه النبي صلى الله عليه وسلم، أسرع قدر رمية الحجر، يعني مقدار المسافة التي أسرعها هي مقدار مايرمي الإنسان بالحجر، يعني قريب من ثلاثين متر أو نحو ذلك، اختلف العلماء في سبب هذا الإسراع، وأصح الأقوال: أنه إسراع طبيعي لأن الوادي يكون منحدراً فتسير الدابة فيه سيراً حثيثاً، من أهل العلم من قال أنه أسرع فيه لأنه موضع عقوبة، وهذا ليس بصحيح، نقول هذا لأن بعض الحجاج الآن بسبب الضيق في منى امتدت مخيماتهم حتى كان بعض مخيماتهم في وادي محسر، بل يمتد بعض مخيماتهم إلى مزدلفة، فهذا المكان ليس مكان عقوبة، بل عقوبة أهل الفيل، أصحاب الفيل، الذين ذكر الله تعالى عقوبتهم في سورة الفيل:(أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِأَصْحَابِ الْفِيلِ)[الفيل:1] لم تكن في داخل الحرم، كانت خارج الحرم في المغمس، هذا هو الصحيح من قول أهل العلم في موضع عقوبة من جاءوا لهدم الكعبة مع إبرهة، وهم أصحاب الفيل، السبب في هذا، سبب هذا الترجيح أن النبي صلى الله عليه وسلم لما قدم من المدينة في السنة السادسة من الهجرة إلى مكة لأجل العمرة، لما جاءت ناقته إلى الحرم حُبست، حرنت، فقالوا: خلأت القصواء، فقال النبي -صلى الله عليه وسلم-«ما خلأت القصواء وما ذاك لها بخلق، وإنما حبسها حابس الفيل»[البخاري:2731]، أى حبسها حجزها عن الدخول للحرم حاجر الفيل، فدل ذلك على أن الفيل حُبس خارج الحرم، ولم يحبس داخل الحرم، وهذا الكلام إنما أفضت فيه وبينته لأنه في سنة من السنوات كنت أتجوَّل في مخيمات الحجاج فجئت إلى حجاج من بنجلاديش فكان معهم بعض العلماء لتلك الجهة، ومعهم شيخ كبير قد عكف ظهره على كتابٍ يبحث فيه عن حدود مزدلفة، وحدود منى ووادى محسر، فقال: نحن في وادي محسر وكأنه ضاق صدره أن موقعهم كان في وادي محسر، فقلت له: نعم هذا وادي محسر ولكن هذا الوادي ليس فيه ما يوجب الحذر والخوف فهذه العقوبة لم تكن في هذا الموضع، وإسراع النبي صلى الله عليه وسلم كان طبيعيًّا، وليس لأنه موضع العقوبة، هذا مايتصل بانصرافه من مزدلفة إلى منى
المذيع: معنا اتصال ياشيخ.
الشيخ: طيب.
المذيع: طيب نستأذنك في هذا الاتصال من الجزائر أخونا جيلاني، تفضل يا جيلاني، حياك الله، طيب انقطع الخط، شيخنا، نكمل.
الشيخ: لعلنا نأخذ أسئلة، ونكمل حديثنا عن يوم النحر في يوم غدٍ إن شاء الله
المذيع: إن شاء الله شيخنا، نعيمة كانت من المغرب تسأل أنه بعد رمية العقبة وكانت تود الذهاب إلى المسجد الحرام ولكن أذن المغرب عليها فهل تبيت في منى؟
الشيخ: هذا ما يتعلق بالتعجل، سيأتي بيانه وتفصيله في الحلقات الباقية -إن شاء الله تعالى-، لكن فيما يتصل بجواب سؤالها إذا حبسها المسير كما هو الحال حتى غربت الشمس وهي في منى، وهذا لأمر خارج عن اختيارها، فلا يلزمها المبيت بل تنصرف وتمضي متى ما فتح لها السير إمكانية الإنصراف.
المذيع: طيب أيضاً سؤال أم أحمد من كينيا شيخنا عن وضع النقاب؟هي كانت تتحدث عن النقاب والاختلاط الذي يحدث في مكة، وماذا تفعل لكي تستر وجهها؟
الشيخ: نعم، هو نهي النبي صلى الله عليه وسلم عن النقاب، فيما رواه البخاري من حديث عبد الله بن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:«وَلَا تنتقب الْمَرْأَة الْمُحرمَة، وَلَا تلبس القفازين»[أخرجه البخاري في صحيحه:ح1838] حتى هذا ليس نهياً للمرأة عن ستر وجهها، إنما هو نهي عن ثياب خاصة، عن ساتر خاص وهو النقاب، كما قال صلى الله عليه وسلم في حق الرجال:«لَا تلبسوا القُمُص، وَلَا العمائم ، وَلَا السراويلات ، وَلَا البرانس»[البخاري:1543]، هذا لا يعني أنه لا يستر بدنه بساتر آخر كالإزار والرداء، إنما هو ممنوع من هذه الثياب المحددة، فكذلك المرأة لما مُنعت من النقاب وهو ما فُصِّل على الوجه مما فيه ثقب لتبصر من خلاله بعينها، لا يؤثر، لا يعني أن لا تستر وجهها، بل جاء في مسند أحمد وسنن أبي داوود من حديث عائشة -رضي الله تعالى عنها- أنها قالت: "كنا مع النبي -صلى الله عليه وسلم- فإذا مر بنا الرجال، أو حازوا بنا الرجال، سدلت إحدانا من جلبابها على وجهها، فإذا جازوا يعني مروا، كشفناه"[سنن أبي داود:ح1833، مسند أحمد:ح24021]، أي كشفنا وجوهنا، فدل ذلك على أن المرأة تستر وجهها بما يتيسر من ساتر تلقيه على وجهها، من غطاء ليس فيه ثقب وهذا ليس مما تمنع منه المرأة بالاتفاق.
لا تمنع المرأة من هذا، وإنما تمنع من النقاب على وجه الخصوص.
المذيع: جميل، سنستكمل أسئلة أم أحمد لكن نأخذ اتصالًا من أم محمد من إيران، تفضلي يا أم محمد، مرحبا حياكِ الله.
المتصل: السلام عليكم
المذيع: وعليكم السلام ورحمة الله
المتصل: الله يبارك فيكم، أنا العام السابق الحمد لله رب العالمين حججت، ولكن لأني كنت مع حملة فما كنا لنبيت بمزدلفة، يعني يحتمل من بعد غروب الشمس إلى يوم عرفة من بعد
ذلك ذهبنا إلى منى، وكما علمت الآن أن الوقوف واجب؟
المذيع: طيب
المتصل: أنا ما كنت أعرف هيك احكيها، والوقوف بمزدلفة، إذا تجاوبون على سؤالي؟
المذيع: طيب إن شاء الله، أنا ما سمعت جيدا السؤال الثاني، لكن إن شاء الله الشيخ سمع، شكراً لكي يا أم محمد من إيران. نرجع لأم أحمد من كينيا شيخنا التي كانت تتحدث عن أنها تؤم الناس أنها تدعو والناس يرددون خلفها.
الشيخ: هي تسأل عن الإمام هل يوم عرفة يدعو ويؤمن الناس؟ هذا ليس مشروعاً، النبي لم يكن يفعله في المدينة في سنواته كلها، وإنما يعني يدعو كل أحد بمفرده، ولا حاجة إلى أن يجتمعوا على دعاء، وفضيلة الدعاء يوم عرفة في الأصل هي لأهل عرفة، ولكن غيرهم يشاركهم في هذه الفضيلة، نسأل الله أن يتقبل منا ومنهم، لكن ينبغي في مثل هذا أن يسلك ما كان يعمله النبي صلى الله عليه وسلم، وأصحابه.
المذيع: دعوت لأخي جيلاني أن يرجع ورجع يا شيخنا.
الشيخ: حياه الله
المذيع: جيلاني من الجزائر، تفضل يا جيلاني.
المتصل: سلام عليكم
المذيع: وعليكم السلام ورحمة الله، حياك الله
المتصل: سؤالي هل يجوز للحجاج الجزائريين الإحرام من جدة؟
المذيع: طيب في سؤال آخر؟
المتصل: لا، سؤال واحد.
المذيع: شكراً لك يا أخ جيلاني، أعتقد نفس سؤال أختنا أم أحمد لأهل كينيا.
الشيخ: أهل كينيا الحقيقة جدة ليست ميقاتاً، إنما هي في محاذاة ميقات، فمن جاء إلى جدة ولم يمر بميقات، أو يجهل هل يحازي ميقات لأن بعض الخطوط لا تنبه إنها في محازاة ميقات، أو قد لا تعرف هذا الأمر ففي هذا الحال من لم يحرم من محاذاة ميقاته فيحرم من جدة؛ لأن جدة في محازاة ميقات.
المذيع: أم محمد من إيران كانت تسأل عن الحملة أنهم لم يبيتوا في مزدلفة وذهبوا مباشرة.
الشيخ: أولاً، يعني كان شعرت من خلال الحديث أن حجها ناقص أو أنها تحتاج أن تعيده، ما فعلتيه إن شاء الله تعالى أسأل الله أن يقبله، وأن يجعله في ميزان الحسنات، ولكن فيما يتعلق بما ذكرت أحياناً أن المرور بمزدلفة لا يتمكن الحجاج من النزول بسبب عدم تيسر الوقوف، فتجدهم يمرون على مذهب الإمام أبي حنيفة، وكذلك مذهب الإمام مالك، يكون قد حصل المطلوب من الوقوف وحتى على قول غيرهم من مذهب الشافعي أنه إذا لم يتمكن، ولا سبيل من الوقوف فإنه يسقط عنهم للعذر، ومن الأعذار شدة الزحام نص على ذلك الفقهاء، وبالتالي بما أنكم مررتم مروراً بمزدلفة فليس عليكم شيء.
أما ما يتعلق بالسكينة يكون يعني نشتغل في مخيمات النساء، السكينة هي شيء في القلب من السكون والطمأنينة، وهذا يكتسبه الإنسان بتعظيم الموقف، بتعظيم الحال التي هو فيها وهي الإحرام بتعظيم الذكر بكثرة ذكر الله -عزّ وجلّ-، إذا أخل الحاج بشيء من هذا فلا يؤثر ذلك على صحة حجه، لكنه ينقص الأجر، بقدر ما ينقص من حضور القلب.
لكنها لا تحتاج إلى أن تعيد، أسأل الله لها القبول، ولجميع حجاج بيت الله.
المذيع: اللهم آمين يا شيخنا، أختنا سلوى الغامدي في هاشتاج مناسك في تويتر تسأل هل يجوز للحاج الجمع والقصر في الصلاة؟ إذا كانت تقصد هي مزدلفة ممكن حلقتنا في هذا اليوم؟
الشيخ: إذا هل يجوز....؟
المذيع: هل يجوز للحاج الجمع والقصر في الصلاة؟
أو بصفة عامة لم توضح ذلك
الشيخ: على كل حال الحاج الذي يأتي من غير مكة نعم
يجمع ويقصر في عرفة الظهر والعصر وفي مزدلفة، أما بقية ذلك فإنه يصلي كل صلاة في وقتها، لكنه إن كان مسافر فإنه يقصر، في منى وكذلك في غيرها في أماكن نزوله في مكة، إلا أن يصلي مع المقيمين فإنه يصلي تماماً.
المذيع: جميل، شيخنا، تسأل أيضاً بالنسبة للحج المتأخر في يوم الثالث عشر هل يجب عليهم الخروج من منى قبل غروب الشمس؟
الشيخ: المتأخر أو المتعجل، المتأخر يسن له إذا رمى جمرة العقبة، عفواً إذا رمى الجمار بعد زوال الشمس، يوم الثالث عشر أن يخرج من منى، ويصلى الظهر في غيرها، هذا مافعله النبي -صلى الله عليه وسلم-، فإنه لما جاء اليوم الثالث عشر رمى الجمرة الصغرى ثم الوسطى ثم الكبرى، ثم خرج من منى ونزل -صلى الله عليه وسلم في المحسر، صلوات الله وسلامه عليه، فدل ذلك على أن السنة الخروج مباشرة، وأن يصلي الظهر في غير منى. لكن لو ليس له مكان، أو أنه هذا موضع الحملة، فيجوز له البقاء لا على نية التعبد؛ لأنه التعبد بالبقاء انتهى بخروج النبي صلى الله عليه وسلم، وإنما يبقى لأنه هذا المكان المتيسر له، ولو أدركه الليل وهو في منى لاحرج عليه.
المذيع: شيخنا نصف دقيقة كلمة أخيرة نجمل فيها الحديث؟
الشيخ: يعني هو من المهم الذي ينبغي للحاج أن يعتني به إدراك مقاصد هذه الأعمال؛ لأنه أحياناً مع توالي العمل، ومع التنقلات يغيب عن الحاج لماذا هذا، لماذا أن أفعل هذا؟ تأمل أن الله تعالى أمرك في كل المواقف بذكر الله، فأنت ذاكر الله في كل تنقلاتك وفي كل أحوالك، فاحرض على أن تستحضر ذكر الله بقلبك، وذكر الله بلسانك، وذكر الله بجوارحك وأبشر، فبذكره- جلّ وعلا- تطمئن القلوب.
المذيع: جزاك الله خير شيخنا، وشكراً على هذا اليوم، بارك الله فيك.555