المذيع: بسم الله الرحمن الرحيم، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته مشاهدينا الكرام، نحييكم أجمل وأرق تحية، في حلقةٍ جديدةٍ من حلقات برنامجكم «مناسك»، هذا البرنامج الذي يستعرض لك صفة مناسك الحج خطوةً بخطوة، ويجيب على أسئلتكم واستفساراتكم على الهواء مباشرةً، هذا البرنامج مشاهدينا تنظمه وزارة الشئون الإسلامية والأوقاف والدعوة والإرشاد بالمملكة العربية السعودية ضمن خطتها الدعوية لضيوف الرحمن هذا العام 1436هـ.
نرحب بكم أينما تتابعونا، وفي بداية هذه الحلقة نرحب بضيف البرنامج الدائم، فضيلة الشيخ الدكتور «خالد بن عبد الله المصلح» أستاذ الفقه بكلية الشريعة بجامعة القصيم، وعضو التوعية الإسلامية في الحج؛ حياكم الله يا شيخنا.
الشيخ: أهلاً وسهلاً بك؛ مرحباً بك حياك الله، وحيا الله الإخوة والأخوات، وأسأل الله أن يكون لقاءً نافعاً مباركاً.
المذيع: آمين، إن شاء الله يا شيخنا، في حلقتنا لهذا اليوم مشاهدينا سنتحدث عن أيام الحج؛ ونخصص الحديث أكثر عن يومي الثامن والتاسع من ذي الحجة؛ وما هي أعمالهما( يوم التروية ويوم عرفة)، وننوه لكم أن أرقام التواصل ستظهر إن شاء الله أسفل الشاشة، نرحب بكم وبتفاعلهم المعتاد معنا في برنامج «مناسك».
شيحنا لعلنا في البداية نبدأ الحديث في هذه الحلقة عن أيام الحج؛ ما هي هذه الأيام وما عددها؟
الشيخ: الحمد لله رب العالمين، وأصلي وأسلم على نبينا محمد، وعلى آله وأصحابه أجمعين؛ أما بعد،
أيام الحج 6 أيام، نبدؤها في اليوم الثامن من ذي الحجة، وهو يوم التروية، ثم يوم عرفة وهو يوم التاسع من ذي الحجة، ثم يوم النحر وهو يوم العاشر من ذي الحجة، وهذه الأيام الثلاثة مندرجة في خير أيام الزمان، التي قال فيها النبي -صلى الله عليه وسلم-: «ما من أيام العمل الصالح فيهن أحب إلى الله من هذه الأيام» يعني العشر، قالوا: ولا الجهاد في سبيل الله، قال: «ولا الجهاد في سبيل الله؛ إلا رجلٌ خرج بنفسه وماله ولم يرجع من ذلك بشيء»[أخرجه البخاري في صحيحه:ح969]، فهذه الأيام الثلاثة كلها من أيام الحج، وفيها أهم أعماله وأعظم أركانه.
ثم بعد ذلك اليوم الحادي عشر وهو يوم القرّ، وهو اليوم الذي يقر فيه الناس في منى؛ ولذلك سمي يوم القر، ويسمى أيضاً يوم الرؤوس؛ لأن الناس كانوا يأكلون فيه رؤوس هداياهم وما ذبحوه تقرباً لله -عزّ وجلّ-، وهو أول أيام التشريق الثلاثة التي تمثل نصف أيام الحج، إذن اليوم الرابع من أيام الحج هو يوم الحادي عشر وهو يوم القر.
المذيع: لماذا سُمي القر شيخنا؟
الشيخ: قلت: إنه هو اليوم الذي يقر فيه الحجاج في منى ما ينتقلون، ليس ثمة عملٍ في غير منى، ولذلك سمي يوم القر من القرار؛ لأنهم يقرون في منى، وسمي يوم الرؤوس؛ لأنهم يأكلون فيه الرؤوس، وهذه تسميات قديمة، على كل حال يوم الحادي عشر وهو أول أيام التشريق، بعد ذلك يوم الثاني عشر ويسمى يوم النَّفر الأول، وهو ثاني أيام التشريق، وسمي يوم النفر الأول؛ لأن المتعجلين بالحج ينصرفون من منى قبل غروب الشمس، كما قال الله تعالى ﴿وَاذْكُرُوا اللَّهَ فِي أَيَّامٍ مَعْدُودَاتٍ فَمَنْ تَعَجَّلَ فِي يَوْمَيْنِ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ﴾[البقرة:203]، المقصود باليومين، اليومان الأولان من أيام التشريق يوم الحادي عشر ويوم الثاني عشر، ﴿وَمَنْ تَأَخَّرَ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ لِمَنِ اتَّقَى﴾ وهو خاتمة أيام التشريق وهو يوم الثالث عشر، وهو آخر أيام الحج، فبغروب شمس يومه تنتهي أيام الحج، ويسمى يوم النفر الثاني أو الأخير؛ لأنه الذي ينفر فيه من تأخر من الحجاج، هذه هي أيام الحج الستة، واضح أن كل يوم من هذه الأيام له تسمية؛ إما بعمل يقوم فيه، وهذا الغالب؛ أنه يسمى بالأعمال التي تكون فيه، وإما بالمكان الذي يكون فيه الناس.
فيوم التروية هذا يكون اليوم الثامن، وسبب تسمية بهذا الاسم وهو عملٌ من الأعمال يوم عرفة، سمي به لأن الناس يكونون في عرفة، فسمي اليوم باسم المكان الذي يكون فيه الحجاج، يوم النحر سمي بيوم النحر وهو اليوم العاشر من ذي الحجة وهو ثالث أيام التشريق، لأنه اليوم الذي تنحر فيه الهدايا، وما يتقرب به الحجاج إلى الله تعالى بالذبح في منى والحرم، وكذلك ينحر الناس ضحاياهم في الأمصار، يوم الحادي عشر وهو يوم القر، وسمي بذلك؛ لأن الناس يقرون فيه في منى، واليوم الخامس من أيام الحج يوم النفر الأول وهو يوم الثاني عشر، واليوم الأخير وهو يوم الثالث عشر، ويسمى يوم النفر الأخير ولاحظنا من خلال التسميات أنها بالأعمال، وأيضاً بالمكان بخصوص يوم عرفة.
نحن في هذه الحلقة سنتناول يومين من أيام الحج، ولما نقول: أيام الحج نحن نقول: الأيام التي تُعمل فيها مناسك الحج، تُعمل فيها العبادات المتعلقة بالحج، ولا يعني هذا أنه لا يكون عملٌ قبل ذلك، فمعلوم أن من يأتي في أشهر الحج إلى مكة وهو مفرد أو قارن يطوف طواف القدوم وهو من أعمال الحج، ويسعى سعي الحج، وهو من أعمال الحج، لكن الأعمال التي تتعلق بالأماكن إقامةً ونزولاً لا تكون إلا في هذه الأيام الستة، وهي أيام الحج التي عددناها، تبتدئ بيوم الثامن من ذي الحجة.
حتى نعرف ما هي الأعمال التي تكون يوم التروية وفي يوم عرفة وسائر الأيام نحتاج أن نقف مع كل يومين على حدة، ونستعرض ماذا فعل النبي صلى الله عليه وسلم في هذا اليوم؟
قبل أن ندخل إلى العمل في اليوم الثامن من ذي الحجة؛ نقف مع الاسم، هذا اليوم سمي بيوم التروية، وتسميته بيوم التروية لأنه اليوم الذي يروي فيه الناس الماء من مكة إلى منى؛ وقيل: مكة إلى عرفة لأنه ليس معهم، ليس في ذلك المكان ماء فيحتاجون إلى أن يحملوا معهم الماء، فهو من التروية، من الري، من روّى الماء إذا جمعه وحمله واصطحبه معه في الروايا وغيرها من وسائل الحمل، وقيل: لأنه اليوم الذي رأى فيه آدم حواء، لكن هذا ليس ثمة له أصل يمكن أن يستند إليه، هو مما قيل، وقيل: لأنه اليوم الذي تراءى فيه إبراهيم ما أمره الله تعالى به من ذبح ابنه إسماعيل، والترائي هنا إما أن يكون من الرؤية التي أُريها، ﴿يَا بُنَيَّ إِنِّي أَرَى فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ﴾[الصافات:102] ، وإما أن يكون من التفكير في هذه الرؤية، وماذا يصنع بهذه الرؤيا التي هي وحيٌ من الله؟ وهي أمرٌ عظيمٌ شديد على نفسه وعلى ولده، فهذه ثلاثة أسباب قيلت في سبب تسمية يوم التروية بهذا الاسم.
وعلى كل حالٍ اليوم لا يفعل الناس شيئًا من هذا، لا يروون فيه الماء، وما يتعلق برؤية آدم لحواء لا دليل على ثبوتها، وكذلك قضية رؤية إبراهيم -عليه السلام-، أو الرؤية التي رآها أو التفكير في الرؤية التي رآها، لا نعلم لذلك أصلا وإنما نذكر هذا فقط لمعرفة ماذا قاله العلماء، ماذا قال المؤرخون في سبب تسمية هذا اليوم بهذا الاسم، إنما هو يوم الثامن من ذي الحجة، وهو مشهور بهذا الاسم في زمن النبي صلى الله عليه وسلم، بأنه هو يوم التروية.
يوم التروية هو أول أيام الحج، النبي -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- خرج من المدينة متجهاً إلى مكة لخمس بقين من ذي القعدة، يعني في يوم الخامس والعشرين تقريباً السادس والعشرين من ذي القعدة، ارتحل النبي من المدينة إلى مكة في الخمس الباقين من ذي القعدة، ووصل مكة في اليوم الرابع حيث بلغها لأربع خلون من ذي الحجة، فجاء صبيحة اليوم الرابع إلى مكة -صلاة الله وسلامه عليه-، طاف وسعى، طاف طواف القدوم، وسعى سعي الحج-صلوات الله وسلامه عليه-، وقد أمر أصحابه قبل أن يقدم مكة أن يجعلها عمرة توجيها لهم، وذلك في حق من لم يسق الهدي، والنبي قد اصطحب معه بُدنه وقلَّدها من المدينة، قلدها أي جعل عليها شعارًا، علامة تعرف بها تميزها عن سائر ما يسوقه الناس من الإبل، فقال لأصحابه: اجعلوها عمرةً.
لما فرغ من طوافه وسعيه صلوات الله وسلامه عليه، أمر الناس أن يحلوا أمراً لازماً، فشق على الناس، فقال صلى الله عليه وسلم:«لَوِ اسْتَقْبَلْتُ مِنْ أَمْرِي مَا اسْتَدْبَرْتُ مَا أَهْدَيْتُ، وَلَوْلاَ أَنَّ مَعِي الهَدْيَ لَأَحْلَلْتُ»[أخرجه البخاري في صحيحه:1651]، يعني يوم النحر، النبي صلى الله عليه وسلم، بقي محرماً وتحلل الصحابة، تحللوا منعمرتهم الذين لم يسوقوا الهدي، جميع من مع النبي -صلى الله عليه وسلم-، ممن لم يسق الهدي تحلل في تلك الحجة لأمره -صلوات الله وسلامه عليه-، بقوا في الحجون أعلى مكة، لما فرع النبي صلى الله عليه وسلم، من الطواف والسعي اتجه إلى الحجون ولم يأت البيت بعد ذلك، أي في مدة إقامته قبل الحج إلى البيت للطواف، أو للصلاة في المسجد الحرام، أو لتكرار العمرة كما يفعله بعض الناس، ولم يأمر أحدًا بذلك ولم يندب، ولم يُنقل عن أحدٍ أنه فعله في ذلك الوقت، بقي الناس إلى أن جاء اليوم الثامن وهو يوم التروية، فأمرهم النبي صلى الله عليه وسلم، أن يهلوا بالحج من أماكنهم، فأهلوا بالحج -رضي الله تعالى عنهم-، أي لبوا بالحج، وبهذا يكونون متمتعين، هذا من لم يسق الهدي، كانوا قد فرغوا من عمرتهم وأهلوا بالحج، فتوجه النبي صلى الله عليه وسلم ضحى يوم الثامن إلى منى فصلى بهم الظهر والعصر والمغرب والعشاء من اليوم الثامن، والفجر من يوم عرفة، هذه الصلوات الخمس فعلها النبي -صلى الله عليه وسلم- في اليوم الثامن من ذي الحجة في منى، وهذا هو السنة في حق الحجيج، أن يحرموا ضحى يوم الثامن، وأن يبقوا بإحرامهم أو على إحرامهم إلى أن يفرغوا من أعمال النسك، والسنة لهم، إذن السنة أن يحرموا بالحج في اليوم الثامن ويصلوا الظهر محرمين، والسنة أن يأتوا لهذه الصلوات في منى، فعندنا سنتان ولذلك من لم يتيسر له المجيء إلى منى فيسن له أن يحرم ولو كان في غير منى –في مكة في العزيزية في أي جهة من جهات الحرم- يحرم ويصلي الظهر محرماً لكن يسن أن يأتي إلى منى ويبقى فيها متعبداً لله -عزّ وجل-، وهذا المجيء يقول القائل ماذا يصنع الناس في منى يوم الثامن؟ ما هو العمل الذي يعملون في منى في يوم الثامن؟ ليس ثمة عمل من طواف، من رمي، من عمل يتعلق بنسك من (حلاقة وغيرها) ليس ثمة عمل، يأتي الناس إلى منى لذكر الله وعبادته، وذكره بالصلاة والتعبد له بالإقامة في هذا الوادي المبارك، وفي هذه المنازل الطاهرة، تقرباً إلى الله بالبقاء في هذه البقعة، ذاكرين الله بقلوبهم وبألسنتهم وبأعمالهم التي يتقربون بها لله -عزّ وجل-، لكن ليس ثمة عمل محدد، إنما جاء النبي صلى الله عليه وسلم، وكل من وصف حجَّ النبي صلى الله عليه وسلم، قال: إنه صلى الظهر والمغرب والعشاء والفجر في منى، فالتعبد لله بالمجيء هو بالمكث في هذا المكان، وشهود هذه الصلوات في هذه البقعة المباركة.
المذيع: شيخنا نعيد نقطة فقط لمن لم يستطع الذهاب إلى منى للتروية؟
الشيخ: نعم قبل هذا، يبين هذا ويوضحه هو ما حكم مجيء الحجاج إلى منى في يوم الثامن من ذي الحجة؟ حكم المجيء أنه سنة بالاتفاق، لا خلاف بين العلماء أن المجيء إلى منى في اليوم الثامن من ذي الحجة إنما هو سنةٌ وليس واجباً، فيسن للحجيج أن يأتوا ولا يجب عليهم، فلا إثم على من تأخر ولم يأتِ، أو من ذهب مباشرةً إلى عرفة في اليوم التاسع، فالمجيء إلى منى هو سنة، لكن عندما نقول: سنة لا يعني هذا أن يتخفف الناس منها؛ بل ينبغي لهم أن يحرصوا عليها؛ لأن هذه السنن لها تأثيرٌ في تحضير القلب وتهيئته لليوم الذي يأتي، ولذلك انظر إلى أن الشريعة في الفرائض قدمت بمقدمات تحضِّر القلب لتلك العبادة، وأضرب لذلك مثلاً( الصلاة) كل فريضة من الفرائض يسن أن يصلي المسلم قبلها ركعتين إما راتبة وإما سنة مطلقة، لقول النبي صلى الله عليه وسلم، فيما رواه البخاري ومسلم من حديث عبد الله بن مغفل، «بين كلِّ أذانين صلاة»[أخرجه البخاري في صحيحه:ح624]، هذه الصلاة ركعتين هي تهيئة، إعدادٌ للقلب، تهيئةٌ للروح في إقبالها على الفريضة، حتى إذا جاءت الفريضة وقد استعدت وتهيأت للإقبال على الله -عزّ وجلّ-، أيضاً في الصوم، النبي -صلى الله عليه وعلى آله سلم- كان يصوم شعبان حتى إنه قيل: إنه يصومه كله أو أكثره -صلوات الله وسلامة عليه- لماذا؟ لأنه يهيئه لصيام رمضان، وهكذا المجيء إلى منى في اليوم الثامن هو تهيئة لليوم العظيم الذي هو ركن الحج الأعظم وهو المجيء إلى عرفة، «الحجُّ عَرَفَة»[أخرجه الترمذي في سننه:889، والحاكم في مستدركه:ح3100، وقال:هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ، وَلَمْ يُخَرِّجَاهُ]، كما قال النبي -صلى الله عليه وسلم-، وسنأتي للحديث عن هذا بعد قليل، إنما المقصود لو قال قائل: ما الحكمة من المجيء؟ الحكمة أن تتهيأ النفوس وتتروض على الذكر والعبادة والدعاء والإقبال على الله تعالى ولزوم أمره، حتى إذا جاء يوم عرفة يكون الإنسان قد تهيأ لذلك، إذاً عرفنا أن حكم المجيء إلى منى في يوم التروية سنةٌ وليس واجباً، وعليه فإنه من لم يتمكن لا نقص في حجه من حيث النقص الذي يُخلُّ بالحج أن ينقص أجره، لكن ينقص أجر السنة المتعلقة بهذا العمل.
أحيانا لا يستطيع الإنسان أن يأتي لكون ليس له مكان، هذا لا شيء عليه؛ تسقط عنه السنة لعدم إمكان فعلها، أيضاً أحياناً لا يستطيع المجيء لأنه مرتبطٌ برفقةٍ لهم ترتيبٌ معين في التفويج، كأن يذهبوا مثلاً إلى عرفة في مساء يوم الثامن أو يباشرون المسير من مساكنهم إلى عرفة في ضحى يوم التاسع، فهذا لا حرج عليه، لأنه لا يملك مسكناً واقتضت المصلحة والحاجة أن يبقى مع رفقته.
المذيع: أول اتصال معنا في حلقتنا اليوم من محمد من السعودية، تفضل يا محمد.
المتصل: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
المذيع: حياك الله.
الشيخ: وعليكم السلام وحمة الله وبركاته.
المتصل: حياك الله بالخير.
المذيع: تفضل يا محمد.
المتصل: عندي سؤال لو تكرمت.
المذيع: تفضل.
المتصل: حكم الأضحية لأولي الأمر وهل يأثم من تركها مع الاستطاعة؟
المذيع: طيب في سؤال ثاني؟
المتصل: السؤال الثاني؛ بالنسبة للذهب الملبوس هل يزكى؟ لكم الشكر.
المذيع: شكراً لك يا محمد.
شيخنا لعلنا نكمل ما توقفنا عنده بالنسبة للأعمال، نقطة صغيرة في موضوع يوم التروية أن هناك من الناس من يجمع الصلوات في يوم التروية.
الشيخ: لا، يسن أن يصلي كل صلاة في وقتها، فيصلي الظهر في وقتها ركعتين، والعصر ركعتين، والمغرب ثلاث ركعات، والفجر ركعتين، هذا هو السنة فيما يتعلق بالصلاة في منى في يوم التروية.
نواصل؟ في يوم عرفة صلى النبي صلى الله عليه وسلم، الفجر في منى، ومكث قليلا حتى طلعت الشمس ثم ارتحل -صلوات الله وسلامه عليه- من منى إلى عرفة، هذا اليوم قبل أن نذكر الأعمال نعرف قيمة هذا اليوم، وزن هذا اليوم، فضل هذا اليوم فضل عظيم وليس خاصًّا بالحجيج، بل هو فضلٌ على أمة الإسلام على وجه، لأمة الإسلام، وعلى أمة الإسلام على وجه العموم، ولذلك الفضل العام هو نبدأ به قبل الفضل الخاص أن الله -عزّ وجلّ- أكمل فيه الدين، قال الله -جل وعلا-: ﴿الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلامَ دِينًا﴾[المائدة:3]، جاء في الصحيحين من حديث طارق بن شهاب، عن عمر -رضي الله تعالى عنه-: «أن رجلاً من اليهود أتى عمرt، فقال: يا أمير المؤمنين، آية في كتابكم لو نزلت علينا معشر يهود، لاتخذنا ذلك اليوم عيداً، قال أي آية هي؟ عمر يسأل اليهودي، فقال: ﴿الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلامَ دِينًا﴾[المائدة:3]، فقال عمر -رضي الله تعالى عنه-: لقد علمت أين أُنزلت، ومتى، أنزلت على رسول الله -صلى الله عليه وسلم عشية عرفة يوم الجمعة»[أخرجه البخاري في صحيحه:ح45]، فدل ذلك على أن هذا اليوم يوم عظيم له مكانة، وهو يوم كمال الدين، وإتمام النعمة ورضى الله -جل وعلا- عن هذا الدين الذي أشرقت به الأرض بعد ظلماتها.
إذاً هذه فضيلة عظيمة لهذا اليوم، لهذا اليوم فضل، اليوم الذي أكمل الله فيه دين الإسلام.
أيضاً من فضائل هذا اليوم وهي فضيلٌة عامة؛ أنه أقسم الله تعالى به كما قال جماعة من أهل العلم في قول الله -عزّ وجلّ-: ﴿وَشَاهِدٍ وَمَشْهُودٍ﴾[البروج:3]، قال الشاهد يوم القيامة، ومشهود هو يوم عرفة، وقيل أيضاً: أنه الوتر الذي أقسم الله تعالى به في قوله: ﴿وَالْفَجْرِ* وَلَيَالٍ عَشْرٍ* وَالشَّفْعِ وَالْوَتْرِ﴾[الفجر:1-3]، والوتر هو يوم التاسع والشفع يوم العاشر، هكذا قال جماعة من المفسرين، وهذا قد يستند إلى آثار وبعضها إلى أحاديث، الأحاديث الواردة في ذلك فيها بعض الضعف لكن هو مما يذكر سياق ما ورد في فضيلة هذا اليوم، من فضائل اليوم العامة؛ أنه يومٌ يكثر فيه عتق الله تعالى لعباده من الناس، فما من يومٍ أكثر من أن يعتق الله فيه عبداً من النار من يوم عرفة، وهذا ليس خاصًّا بأهل الموقف، آل عرفة، بل هو عام..
المذيع: نتحدث في العموم الآن
الشيخ: نعم، ولكن أهل عرفة هم أحق الناس وأولى الناس فيها بهذا الفضل، لكن ليس خاصًّا بهم بل هو عام.
من فضائل هذا اليوم العامة أنه جاء فيه حديث أبي قتادة الذي قال فيه النبي صلى الله عليه وسلم: «إني لأحتسب على الله في صيام يوم عرفة أن يكفر السنة التي قبله، والسنة التي بعده»[أخرجه مسلم في صحيحه:ح1162/196]، فصيامه يكفر سنتين، يحط خطايا سنتين، وهذا فضلٌ عام ليس خاصًّا بأهل الموقف، بل كما سيأتي في حكم صيام الحجاج في عرفة بعد قليل.
إذاً عرفنا الآن جملة من النصوص الواردة التي تبيّن فضيلة هذا اليوم وشرفه، وأيضاً هو أحد الأيام كما تقدم قبل قليل، أحد الأيام التي هي من خير أيام الزمان، ما من أيام العمل الصالح فيهن أحب إلى الله من هذه العشر ومنها يوم عرفة.
أما ما يتعلق بعمل النبي -صلى الله عليه وسلم- في هذا اليوم وهو عمل الحجاج، ارتحل النبي -صلى الله عليه وسلم- من منى إلى عرفة ضحى يوم عرفة، لكنه لم يدخل عرفة -صلوات الله وسلامه عليه- بل لما جاء وأقبل على عرفة في وادٍ يسمى نمرة، وجد قبةً قد ضربت فنزل فيها صلى الله عليه وسلم حتى زالت الشمس، ثم ارتحل ناقته وأتى موضع الصلاة فصلى بالناس، فخطب أولاً ثم صلى بالناس، خطب -صلوات الله وسلامه عليه- خطبةً جامعةً عظيمة، بيّن فيها حدود الشريعة، وبيّن فيها أحكام الدين وأصول التشريع، وما إلى ذلك من الجمل العامة، واستشهد الله -عزّ وجلّ- على الناس أنه قد بلغ الرسالة، ثم صلى الظهر والعصر، هذه الخطبة لم تكن خطبة الجمعة، هي خطبة واحدة أذن بعدها المؤذن وصلى- صلى الله عليه وسلم- الظهر ركعتين والعصر ركعتين، وهذا في نمرة، ولم يكن في عرفة، ثم دخل النبي صلى الله عليه وسلم إلى عرفة، نمرة الآن مقدم المسجد الموجود الآن في مسجد نمرة هو خارج حدود عرفة، وهو الموضع الذي صلى فيه النبي صلى الله عليه وسلم، ثم إن النبي -صلى الله عليه وسلم- ارتحل إلى داخل عرفة، فجاء إلى عرفة وجاء على بطن ناقته القصواء إلى الصخرات وحبل الناس يمر بين يديه، يعني وقف النبي على راحلته، ومكث في عرفة داعياً إلى أن غربت الشمس، يدعوا الله- عزّ وجل-، ويبتهل ويتضرع وذاك أن هذا اليوم يومٌ شريفٌ عظيم، ففيه الهبات والعطايا والفضل والمباهاة من الله -عز وجل-، وهو أفضل أيام الزمان من حيث الدعاء، وقد جاء أن خير الأيام يوم عرفة، خير يوم طلعت عليه الشمس يوم عرفة، وهذا بالنظر إلى أيام السنة، وجاء أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال كما في الترمذي وغيره من حديث عمر بن هشام، عن أبيه، عن جده أنه النبي صلى الله عليه وسلم قال:«خير الدعاء دعاء عرفة، وخير ما قلت أنا والنبيون من قبلي: لا إله إلا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد وهو على كل شيءٍ قدير»[أخرجه الترمذي في سننه:ح3585، وحسنه الألباني في صحيح الجامع:ح1102]، فهذا اليوم يومٌ عظيم ومنزلته من حيث الدعاء ليست خاصة بالحجاج، يمكن يضاف هذا إلى الفضل العام المتقدم الذي يكون لأهل عرفة ولغيرهم، لكن أهل عرفة هم أجدر الناس بإجابة الدعاء، ولذلك حريٌّ أن يجاب دعاء كل داعي في هذا اليوم، وقد ذكر ذلك جماعة من أهل العلم منهم الحافظ ابن عبد البر في التمهيد عندما علق على حديث«خير الدعاء دعاء عرفة»، خيريته من حيث فضله وعظيم أجره، وأيضاً من حيث قربه من الإجابة وأنه من أحرى الأدعية إجابة فينبغي أن يجتهد فيه المسلم حاجًّا أو غير حاج بالدعاء، النبي -صلى الله عليه وسلم- وقف مبتهلاً رافعاً صلى الله عليه وسلم يدعوا الله -عز وجل- منكسراً بين يديه، يظهر فاقته إلى ربه، ويقضي حوائج الناس من السائلين الذين كانوا يسألونه، اشتبه على الناس هل كان النبي -صلى الله عليه وسلم- صائماً أو لا، فأرسلت أم الفضل بنت الحارث، وهي أم عبد الله بن عباس -رضي الله تعالى عنها- إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- بقدحٍ من لبن فشربه والناس ينظرون، فدل ذلك على أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يكن صائماً، وعلى هذا جرى عمل أبي بكر وعمر وعثمان، وعليه جماعات من صحابة النبي صلى الله عليه وسلم أنه لا يصوم الحاج في عرفة يوم عرفة؛ لأن صيامه يضعفه عما ينبغي أن يشتغل به من أعمال تتعلق بهذا اليوم من كثرة الدعاء والنشاط في العبادة، والإقبال على الله -عزّ وجل-، والصوم قد يضعف معه الإنسان عن هذه الأعمال، ثم إنه مسافرٌ، والمسافر يسن ألا يصوم، وأن يكون مفطراً.
متى يبتدئ وقت النبي صلى الله عليه وسلم مكث في عرفة بعد دخوله إياها إلى أن غربت الصفرة، ثم ارتحل -صلوات الله وسلامه عليه-، بعد أن غربت الصفرة إلى مزدلفة وهذا ما سنأتي عليه، هنا مسائل تتعلق بيوم عرفة.
المذيع: طيب نأخذ اتصالات لأن معنا اتصالين شيخنا ونرجع -إن شاء الله- للحديث، معنا عامر من السعودية، تفضل يا عامر.
المتصل: السلام عليكم
المذيع: السلام ورحمة الله، حياك الله.
المتصل: بالله يا أستاذ بس استفسار صغير
المذيع: تفضل.
المتصل: ما هو حكم لبس الإحرام التنورة للرجل؟
المذيع: طيب
المتصل: هذا هو السؤال
المذيع: شكرا لك يا عامر، طيب معنا محمد يا شباب، السعودية
المتصل: السلام عليكم.
المذيع: عليكم السلام ورحمة الله
الشيخ: وعليكم السلام.
المتصل: حياك الله يا شيخ.
الشيخ: مرحباً، الله يحييك.
المتصل: السلام عليكم.
الشيخ: وعليكم السلام تفضل يا محمد.
المتصل: أحسن الله إليك يا شيخ، بالنسبة للحجاج عندما يكونون في العزيزية ومكة يوم التروية هل يقصرون الصلوات أم يصلون أربعًا، على الخصوص فقط في منى، وجزاك الله خيراً، ورحم الله والدينا ووالديك وكل أموات المسلمين.
الشيخ: آمين
المذيع: آمين
جزاك الله خيرا يا محمد، يعطيكم العافية، ونرحب ببقية المشاركات -إن شاء الله-، نعود ونكمل يا شيخنا، المزايا في يوم عرفة.
الشيخ: طيب بعد أن تكلمنا عن هدي النبي صلى الله عليه وسلم ماذا فعل النبي صلى الله عليه وسلم في عرفة؟ نحتاج إلى جملة من المسائل:
المسألة الأولى: ما منزلة الوقوف بعرفة في الحج؟
الوقوف بعرفة ركن من أركان الحج، من لم يقف بعرفة فإنه لا حج له، جاء في حديث عبد الرحمن بن عمر الديلي؛ أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «الحج عرفة»[تقدم]، فمن جاء قبل فجر يوم النحر ووقف بعرفة فقد تم حجه، وفي حديث عروة بن المضرِّس أنه قال للنبي صلى الله عليه وسلم: «يا رسول الله جئت من جبلي طي أتعبتُ نفسي وأَكْلَلتُ راحلتي- يعني في التنقل- فلم أترك جبلاً إلا وقفت عليه، فهل لي من حج؟- أدركه في مزدلفة-،فقال له النبي صلى الله عليه وسلم:«من أدرك صلاتنا هذه»أي في مزدلفة«وكان قد وقف» ووقف معنا حتى نذبح«وكان قد وقف قبل ذلك بعرفة أي ساعة من ليل أو نهار، فقد تم حجة وقضى تَفَثَه»[أخرجه أبوداود في سننه:ح1950، والترمذي:ح891، وقال:هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ]، هذا يدل على أن الحج لا يتم إلا بالوقوف بعرفة، ويحصل ذلك بأدنى وقوف يكون في عرفة، متى يبدأ الوقوف بعرفة؟ اتفق جمهور العلماء على أن مبدأ وقت الوقوف بعرفة من الزوال، وأن من جاء إلى عرفة نهاراً يجب عليه أن يبقى فيها إلى أن تغرب الشمس، ولا يجوز له الانصراف قبل ذلك ومن انصرف قبل ذلك فجمهور العلماء أنه ترك واجباً يأثم عليه ويجب عليه دم، وذهب الإمام مالك إلى أنه ليس له حجُّ إذا لم يعد فيقف ليلاً؛ لأن الإمام مالك رأى أن عمدة الوقوف بالليل، وأنه من انصرف قبل ذلك فلا حج له إذا لم يرجع إلى عرفة.
إذاً عرفنا الآن في قول الجمهور مبدأ الوقوف بعرفة من زوال الشمس ويمتد لمن جاء نهاراً إلى أن تغرب الشمس، ومن جاء بعد غروب الشمس يكفيه أدنى لحظة، ويستمر وقت الوقوف- ينتهي وقت الوقوف- بطلوع فجر يوم النحر يوم العيد، يوم العاشر من ذي الحجة، ينتهي وقت الوقوف بعرفة، فمن لم يدرك عرفة قبل الفجر من يوم النحر فإنه لا حج له ولو أتعب نفسه وجاء من بلدٍ بعيد وصرف ما صرف؛ فاته الحج، لا يدرك الحج لأن الحج عرفة، ولذلك ينبغي للحاج أن يتحرى الوجود في عرفة أن يكون موجوداً في عرفة، أن يحضر عرفة أي ساعةٍ من ليلٍ أو نهارٍ على النحو الذي ذكرنا، وأن يعرف أنه لا حج له إذا لم يقف بعرفة.
في مسألة تتعلق بالسنة في حق الواقف بعرفة أن ينصرف بعد غروب الشمس اتباعاً لهدي النبي صلى الله عليه وسلم، ولو تأخر بسبب الزحام أو ما إلى ذلك فلا حرج عليه.
هنا مسائل تتعلق بالوقوف: من جاء في أول النهار قبل الزوال، وانصرف قبل الزوال، هذا جمهور العلماء على أنه لا حج له[مذهب الحنفية، والمالكية، والشافعية، ورواية عن أحمد]؛ لأن الوقوف يبتدئ من الزوال، وذهب الحنابلة[ قال اين تيمية:أحد القولين بل أشهرهما في مذهب أحمد أنه يجزئ الوقوف قبل الزوال. انظر نقد مراتب الإجماع(ص291)] إلى أن مبدأ الوقوف من طلوع الفجر، وهذا لعله أقرب إلى الصواب أن مبدأ الوقوف من طلوع فجر يوم عرفة، أي ساعةٍ من ليلٍ أو نهارٍ لأن العموم في حديث عروة ابن المضرِّس يشمل هذا وهذا.
المذيع: معنا اتصال، الوقت يا فضيلة الشيخ حتى لا نتأخر على أم خالد من السودان، تفضلي يا أم خالد.
المتصلة: السلام عليكم.
المذيع: وعليكم السلام، حياكِ الله.
المتصلة: أسأل عن إذا دخلت مكة بدون أن أحرم، دخلت ناويةً الحج لكن دخلت مكة بدون إحرام، بدون ما نحرم، هل ممكن أن أحرم من التنعيم وأقضي مناسك الحج؟
الشيخ: لم لا،تأتين من السودان، لماذا لم تحرمي من الميقات يا أختي؟
المتصلة: أنا أصلا كنت داخلة زيارة ودخلت مكة، دخلت ولكني لست محرمة، يمكن قبل شهر.
الشيخ: وأحرمتِ بشيءٍ، أخذتِ عمرة؟
المتصلة: لا لا
الشيخ: ما اعتمرتِ إلى الآن؟
المتصلة: لا، أنا جئت في رمضان اعتمرت وكنت في الرياض مع والدي هناك، لكن ما دخلت محرمة.
الشيخ: طيب نجيبك إن شاء الله.
المذيع: شكراً لكِ يا أم خالد، طيب تفضل يا شيخنا، نكمل المسائل المتعلقة.
الشيخ: طيب فيما يتعلق بماذا يشتغل به المؤمن في وقوفه بعرفة ليلاً أو نهاراً، الذكر والدعاء وكثرة الإلحاح على الله -عزّ وجل- بطلب المغفرة، وطلب العفو وطلب التجاوز والصفح، وكثرة قول: لا إله إلا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد وهو على كل شيءٍ قدير، وبخصوص الوقوف يقف إن شاء على راحلته، وإن شاء في الخيمة، يفعل ما هو الأصلح ويدعو واقفاً أو جالساً أو مضطجعاً أو راكباً على دابته، على سيارته، كل هذا مما يفعله الإنسان وفق ما تقتضيه مصلحة حضور قلبه، لكن إن استوت له الأمور فالأفضل أن يرتفع على راحلة، وهنا أنبه أنه يجب على المؤمن أن يتقي الله تعالى في حجه، الحج شعاره التوحيد، ولذلك ما نسمعه في بعض المخيمات من دعاء غير الله -عزّ وجل- هو وثنيةٌ وشركٌ، وهو مضاد لهذه الدعوة التي جاء بها النبي صلى الله عليه وسلم، فالذين يهتفون بأسماء الأموات سواءً كانوا أنبياء، أو كانوا صالحين، أو كانوا صحابة، أو كانوا من أهل البيت، كانوا من كانوا، الذين يهتفون بأسمائهم هؤلاء لم يحققوا لبيك اللهم لبيك، لبيك لا شريك لك لبيك، فإنه لا شريك لله -عزّ وجل- في العبادة، فلا يهتف إلا باسمه -جلّ في علاه-، ولا يدعى إلا هو، ولذلك كان دعاء يوم عرفة: لا إله إلا الله وحدة لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيءٍ قدير، وهؤلاء يؤذون أنفسهم، الذين يدعون غير الله في المواقف المباركة بل يعظم إثمهم؛ لأنهم يأتون بالوثنية في مقرِّ التوحيد ومَعقِلِه، وفي المكان الذي أبطل فيه النبي صلى الله عليه وسلم كل شعارات الجاهلية، وأقام فيه شعار التوحيد، لا إله إلا الله لبيك اللهم لبيك، لبيك لا شريك لك لبيك، إن الحمد والنعمة لك والملك، لا شريك لك، فلذلك ينبغي أن يتنبه كل حاجٍّ على أي مذهبٍ كان أن الحج إنما قصده وغرضه تعظيم الله لا تعظيم أحد من الخلق، فالذي يريد أن يعظم الأموات يذهب إليهم في قبورهم، لا يأت إلى البقاع وأرض التوحيد ويدعو غير الله -عزّ وجل- ويهتف بأسمائهم، هؤلاء الأموات لا ينفعون أحداً كما قال -جلّ وعلا-: ﴿وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنْ يَدْعُو مِنْ دُونِ اللَّهِ مَنْ لا يَسْتَجِيبُ لَهُ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَهُمْ عَنْ دُعَائِهِمْ غَافِلُونَ * وَإِذَا حُشِرَ النَّاسُ كَانُوا لَهُمْ أَعْدَاءً وَكَانُوا بِعِبَادَتِهِمْ كَافِرِينَ﴾[الأحقاف:6-7]، وقد قال الله -جلّ وعلا-: ﴿وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ فَلا تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَدًا﴾[الجن :18]، فلا يجوز لأحدٍ أن يتورط في هذه السيئة الكبيرة، وإنما أنا نبهت لهذا؛ لأنه يلاحظ أن ثمة مجاميع من الحجيج يحصل منهم مثل هذا بالمكبرات وغيرها إظهار الدعاء لغير الله، ونقول لهم: تحققوا ما دعاكم له الله من عبادته وحده لا شريك له، نسأل الله الهداية لضالي المسلمين، وأن يعيذنا وإياكم من الشرك وشعائره.
المذيع: آمين يا شيخ.
الشيخ: أنبه إلى قضيةٍ مهمة فيما يتعلق بالوقوف بعرفة، من لم يتيسر له المجيء إلى المسجد للصلاة وهذا حال أكثر الحجاج؛ لأن المسجد لا يتسع لهذه الكثافة فليصلِّ في مكانه، ويصلِّ على نحو ما صلى النبي صلى الله عليه وسلم يؤذن المجموعة ويصلي بهم الإمام الظهر ركعتين والعصر ركعتين، ثم بعد ذلك يتفرغون للدعاء.
الأمر الثاني: المجيء إلى الجبل، بعض الحاج يقصد الجبل ويكلف نفسه في المجيء إليه، النبي صلى الله عليه وسلم قال:«وقَفتُ ها هنا، وعرفةُ كلها مَوقِف»[أخرجه مسلم في صحيحه:ح1218/149]، فدل ذلك على أن وقوفه في هذا الموضع ليس لخاصيةٍ فيه، فيقصد المجيء إليه، بل حيثما وقف الإنسان من عرفة فإنه فيما يتعلق بداخل الحدود فإنه قد أتى بما طُلب منه، والنبي -صلى الله عليه وسلم- لم يصلِّ عند الجبل شيئاً، ولم يرق الجبل كما يفعله كثيرٌ من الحجاج، والعلامة الموضوعة- الشعار الأبيض- أعلى الجبل إنما هو لتمييز هذا الموضع وليس لشيءٍ آخر، لا لأجل الصعود إليه، ولا لأجل أن يأتي ويصلي إليه، ولا للطواف، بعض الحجاج يأتي ويطوف، كل هذا من البدع والمحدثات التي لم يكن لها أصل في هدي سيد الأنام -صلوات الله وسلامه عليه-، ونحن نقول: ينبغي أن نعرف أنه لن يكون العمل صالحاً مقبولاً إلا بشرطين:
- الشرط الأول أن يكون لله خالصاً.
- الثاني أن يكون على وفق هدي النبي صلى الله عليه وسلم.
ولو كان هذا المجيء إلى هذا الموضع والصعود إلى الجبل والصلاة عنده خيراً وبرًّا لما ترك النبي صلى الله عليه وسلم الأمة دون بيانٍ لفعله ولأولى بيانه للناس اهتماما بقوله -صلوات الله وسلامه عليه-، لم يفعلهr، ولم يفعله أصحابه فينبغي الحذر من المحدثات والبدع، نسأل الله أن يوفقنا وإياكم إلى البر والطاعة، وأن يتم لنا النسك على الوجه الذي يرضى به عنا -جلّ في علاه-.
المذيع: آمين، معنا اتصال يا شيخنا من عبد الله من موريتانيا، تفضل يا عبد الله، عبد الله، أخي عبد الله تسمعنا.
المتصل: نعم أسمعك.
المذيع: ارفع صوتك وأعطنا سؤالك، تفضل.
المتصل: هل الرسول صلى الله عليه وسلم يوم عرفة نزل عن راحلته، أم تم عليها حتى ذهب إلى منى؟
المذيع: أعد السؤال، الرسول يوم عرفة نزل عن راحلته؟ أعطني السؤال الأول.
المتصل: الصحابة هل أحدٌ منهم طلع إلى عرفة؟
المذيع: طيب، هل أحد الصحابة طلع إلى عرفة.
المتصل: إلى جبل عرفة؟
المذيع: إلى جبل عرفة، طيب السؤال الأول ما هو يا أخي عبد الله؟
المتصل: هل الرسول نزل عن راحلته يوم عرفة، أم تم عليها حتى رحل إلى منى؟
المذيع: طيب، تسمع الإجابة -إن شاء الله- شكراً لك أخي عبد الله.
إذاً نعود نجيب على أسئلة المشاهدين، شيخنا السؤال الأول كان لأخينا محمد من السعودية، عن حكم الأضحية، وهل من يتركها هو آثم؟
الشيخ: لا، ليس آثماً وسيأتي مزيد من التفصيل لهذا -إن شاء الله- في الحلقة الأخيرة، لكن الأضحية سنةٌ مؤكدة في حق المستطيع، ينبغي ألا يخلى بها.
المذيع: السؤال الثاني عن الذهب الملبوس هل يزكَّى؟
الشيخ: لا تجب فيه الزكاة على الراجح من قول العلماء، وهو قول جمهور العلماء.
المذيع: سؤال من أخينا عامر من السعودية عن حكم لبس الإحرام التنورة للرجل؟
الشيخ: لبس المخيط الذي فيه خياطة تمسكه عن السقوط، وقد يكون فيه أيضاً إلصاق بعض طرفي الإزار الذي يظهر -والله تعالى أعلم- أنه لا بأس بذلك، وقد نص على جواز لبس الإزار الذي فيه تكة لوضع ما يمسكه عن السقوط جماعةٌ من الفقهاء، من فقهاء الشافعية[المجموع للنووي:7/270]، والحنفية[المبسوط:4/126-127] والحنابلة، وإنما شدَّد في ذلك جماعةٌ من فقهاء المالكية رحمهم الله[الكافي لابن عبدالبر:1/153]، والذي يظهر أن لبس هذا الإزار الذي وُضع فيه موضع يمسكها عن السقوط؛ لا حرج فيه، وإذا كان هذا محل اشتباهٍ عند الشخص وأحب أن يتركه، فذاك شأنه لكن هل مما يُمنع منه المحرم؟ الجواب لا؛ لأن الممنوعات في الإحرام بيَّنها سيد ولد آدم -صلوات الله وسلامه عليه- بقولٍ بيّنٍ واضحٍ فاصل، ففي الصحيحين من حديث عبد الله بن عمر "أن رجلاً سأل النبي صلى الله عليه وسلم ما يلبس المحرم؟" أي شيءٍ يلبسه المحرم؟ فقال -صلوات الله وسلامه عليه- «لا يلبس القُمص»، القمص يعني الثياب «ولا العمائم»، وهو ما يُغطى به الرأس، «ولا البرانس»، وهي الثياب الذي يلتصق فيها غطاء الرأس بالبدن، «ولا السراويلات»، وهي ما يغطى به أسفل البدن مما له كُمان تدخل فيه الرجلان سواءً كان طويلاً أو قصيراً «ولا الخفاف إلا أحدٌ لا يجد نعليه فيلبس الخفين ويقطعهما أسفل من الكعبين، ولا تلبسوا شيئاً من الثياب مسَّه وَرْس ولا زعفران»[أخرجه البخاري في صحيحه:ح1543]، وهذا يدل على أن الممنوع في اللباس محدود، وهذه الأُزر ليست مما يندرج تحت أحد هذه الممنوعات، بل إن النبي -صلى الله عليه وسلم- جاء عنه كما في حديث ابن عباس، أنه لما خرج، خرج الناس بأنواعٍ من الأُزر والأردية؛ فلم ينكر على أحدٍ منهم شيئاً من الأُزر والأردية التي كانوا يلبسونها، فدل ذلك على أن كل ما يسمى إزارً فإنه يجوز للمحرم لبسه، ومنه هذا الإزار المخيط، من أهل العلم من يرى أنه لا يجوز، وهذا لابد من توضيحه، من أهل العلم من يرى أنه لا يجوز لكن الراجح من القولين هو القول بالجواز والله أعلم.
المذيع: جميل، معنا اتصال من أبو أحمد من السعودية، تفضل يا أبو أحمد.
المتصل: السلام عليكم.
المذيع: السلام وحمة الله وبركاته، ارفع صوتك يا أبو أحمد.
الشيخ: وعليكم السلام.
المتصل: بارك الله فيكم.
الشيخ: آمين وإياك
المتصل: سؤالي إذا وصل الحاج إلى المزدلفة وأُجبر على الخروج من ناحية منى، فهل يلزمه أن يكون قريبًا من الحجاج، أن يجلس في مكان قريب من الحجاج في منى أو يروح يكمل يعني يرمي الجمرات ويطوف و..
الشيخ: هذه ليلة غدٍ سنتكلم عنها.
المذيع: نتحفظ على الإجابة، تسمع الإجابة يوم غد بالتفصيل.
الشيخ: غداً سنتكلم عن أعمال ليلة المزدلفة -إن شاء الله- ويوم النحر.
المذيع: شكراً لك أخونا أبو أحمد، طيب نكمل إجابات مشاهدينا يا شيخنا، وصلنا عند أخينا محمد من السعودية أن هناك حجاج ساكنين في العزيزية، فهل يقصرون مثل الحجاج الذين في منى؟
الشيخ: ذكرت قبل قليل أنه يسن يوم الثامن أن يحرم الحجاج، أينما كانوا ويسن أن يأتوا للصلاة للمكث وصلاة الظهر والعصر والمغرب والعشاء والفجر في منى، لكن من لم يتيسر له هذا فإنه يصلي في مكانه، هل يقصر؟ نعم، إذا كان مسافرًا نعم يقصر، يصلي الظهر ركعتين والعصر ركعتين دون جمع، والمغرب ثلاثاً والعشاء ركعتين والفجر ركعتين.
المذيع: جميل، أم خالد من السودان كانت تسأل أنها أتت إلى السعودية ولم تحرم، فما هو السؤال؟
الشيخ: الآن إذا جاءت إلى الحرم يجب عليها أن تحرم من الميقات إذا كانت ناويةً النسك، لقول النبي -صلى الله عليه وسلم- بعد أن ذكر المواقيت قال:«هنَّ لهن ولمن أتى عليهن من غير أهلهن ممن أراد الحج أو العمرة»[أخرجه البخاري في صحيحه:ح1524]، فكل من أراد الحج أو العمرة وتوجه مارًّا بأحد هذه المواقيت يجب عليه أن يحرم منها، إن ترك الإحرام من الميقات فإنه آثم بهذا، وفي قول جمهور العلماء يجب عليه دم لتركه ما يجب عليه من الإحرام من الميقات[مذهب الحنفية(بدائع الصنائع2/165)، والمالكية(بداية المجتهد1/324)، والشافعية(المجموع7/206)، والحنابلة(المغني3/252)].
المذيع: جميل، أخونا عبد الله من موريتانيا كان يسأل عن الرسول صلى الله عليه وسلم يوم عرفة نزل من على راحلته أم تم عليها؟
الشيخ: أم تم عليها؟ في صفة حج النبي صلى الله عليه وسلم الذي ذكره جابر قال:«ثم جاء فجعل بطن راحلته إلى الصخرات واستقبل القبلة ووقف حتى غربت الشمس»[أخرجه مسلم في صحيحه:ح1218/147]، ومعنى وقف أي على هذه الحال، أنه على راحلته إلى أن غربت الشمس، لم ينقل أنه نزل، لكن يحتمل أن ثمة نزولاً عارضاً؛ الله أعلم، لا ندري، لا نجزم بهذا، لكن الوصف الذي جاءنا أن النبي صلى الله عليه وسلم لم ينزل من على راحلته؛ لأنه وقف على راحلته إلى أن غربت الشمس وذهبت الصفرة، ثم ارتحل -صلوات الله وسلامه عليه-.
المذيع: السؤال الثاني سنأخذه بعد هذا الاتصال من منصور من تونس، تفضل يا منصور.
المتصل: السلام عليكم ورحمة الله.
المذيع: عليكم السلام ورحمة الله، حياك الله.
المتصل:كيف حالك ياشيخ؟ سلمك الله
المذيع:أخي منصور، على مهلك علينا، أعطيني سؤالك.
الشيخ:لا ما هو سؤال هو قصيدة شعرية.
المذيع: لا، إحنا ما عندنا وقت، نجيب على الأسئلة أولى، طيب شيخنا بالنسبة لسؤال عبد الله الثاني كان؛ هل أحد الصحابة صعد إلى جبل عرفة، مذكور يعني؟
الشيخ:الجواب: لا، لم ينقل ذلك عن أحدٍ من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، السؤال هل فعل ذلك النبي صلى الله عليه وسلم؟ الجواب: لم يفعله، والوصف واضح بيّن في أنه لم يصعد الجبل، ولم يصل فيه، ولم يندب إلى ذلك بل قال: «وقَفْتُ ها هنا، وعرفة كلها موقف»[تقدم]
فدل ذلك على أنه لا خصوصية في هذا الموقف حتى يتحرى الناس المجيء إليه، إنما من تيسر له ذلك في محل إقامته فذاك خيرٌ، وإن لم يتيسر له فإنه يقف حيث تيسر له من عرفة، أما الصعود فلم ينقل عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه صعد، وأما تسمية هذا الجبل بجبل الرحمة يتصور بعض الناس أن الرحمة في صعوده لا، إنما هو تسمية لأنه الجبل البارز في عرفة، وعرفة محل لتنزل رحمات الله -عزّ وجل-، حيث إن الله تعالى يدنوا عشية عرفة إلى أهل الموقف ويباهي بهم الملائكة ما أراد هؤلاء؟ إيذاناً بأنهم سيعطون ما طلبوا، ويأخذون ما سألوا، ويجابون إلى ما دعوا.
المذيع: جميل، طيب شيخنا، نأخذ صالح باختصار، تفضل يا صالح من السعودية.
المتصل: سلام عليكم.
الشيخ: وعليكم السلام.
المذيع: أعطنا سؤالك باختصار لضيق الوقت
المتصل: سلام عليكم.
المذيع: وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته، حياك الله يا صالح.
المتصل: يا أخي، المرأة التي تحج هل تلبس ملابس داخلية ولا بدون.
المذيع: طيب، هنا أبو أحمد من السعودية، كان يسأل أنه حج في مزدلفة ووجب عليه الخروج في منى، هل يلزمه أن يكون قريبًا من الحجاج كي يذهب مباشرةً.
الشيخ: نعم وسيأتي بيان هذا، إذا لم يستطع الوقوف في مزدلفة فإنه لا شيء عليه، وعند ذلك له أن يذهب حيث تيسر له، إن وقف قريباً من الحجاج فهذا احتياط منه، وأما مسألة هل يذهب ويفعل أعمال الحج، لا يفعل ذلك قبل منتصف الليل.
المذيع: سؤال أخونا صالح، عن الملابس الداخلية للنساء؟
الشيخ: لا حرج في المرأة أن تلبس ما شاءت من الملابس في الداخل وفي الخارج، لأنها إنما تمنع من القفازين والنقاب، كما جاء في صحيح الإمام البخاري من حديث عبد الله بن عمر -رضي الله تعالى عنه- أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «لا تَنْتَقِبِ المرأة المحرمة ولا تلبس القفَّازين[أخرجه البخاري في صحيحه:ح1838]، أما ما عدا هذا فإنها لا تمنع منه، فيما يتعلق باللباس.
المذيع: جزاك الله خير يا شيخ، وصلنا إلى نهاية حلقتنا لهذا اليوم، وأيضاً كانت حلقةً جميلة ورائعة، شكراً جزيلاً لك شيخنا.
الشيخ: حياك الله.555