المذيع: مقدمة: بسم الله الرحمن الرحيم، مشاهدينا الكرام السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، نحييكم أجمل تحيةٍ في حلقتنا لهذه الليلة من برنامجكم "مناسك" هذا البرنامج الذي يستعرض لكم صفة مناسك الحج ويجيب على أسئلتكم واستفساراتكم التي نتلقاها على الهواء مباشرة من خلال طرق التواصل المختلفة في هذا البرنامج، الذي تنظمه وزارة الشئون الإسلامية والأوقاف والدعوة والإرشاد بالمملكة العربية السعودية، ضمن خطتها التوعوية لضيوف الرحمن لهذا العام.
في البداية وفي بداية الحلقة كالعادة نرحب بضيف البرنامج الدائم فضيلة الشيخ – الدكتور خالد بن عبد الله المصلح- أستاذ الفقه بكلية الشريعة بجامعة القصيم وعضو التوعية الإسلامية في الحج،حياكم الله شيخنا في حلقتنا اليوم.
الشيخ: الله يحييك، حياك الله وحيّا الله الإخوة والأخوات، وأسأل الله أن يجعلنا وإياكم من المقبولين، وأن يعيننا على الطاعات والإحسان، وليبارك في أوقاتنا وأعمالنا.
المذيع: اللهم آمين، حلقتنا اليوم -إن شاء الله- مشاهدينا الكرام سيتم تخصيصها -بإذن الله تعالى- عن محظورات الإحرام، ما هي الأمور التي يجب على المحرم أن يمتنع عنها مدة إحرامه؟ وأيضا محاور وتفاصيل أخرى -بإذن الله تعالى- في ثنايا هذه الحلقة، وكما ذكرنا لكم نرحب بمشاركتكم وأسئلتكم.
شيخنا الفاضل لو بدأنا بتعريف لمحظورات الإحرام؟
الشيخ: الحمد لله رب العالمين، وأصلي وأسلم على المبعوث رحمةً للعالمين نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين أما بعد،،
فالإحرام هو دخول في تحريم، ولذلك إذا أحرم الإنسان بحجٍّ أو عمرة دخل في منطقة تحريم زمنية، تمتد من دخوله وعقده الإحرام إلى أن يفرغ منه بالتحلل، بانتهاء ما يتعلق بأعمال النسك في الحج أو في العمرة، وهذه المدة لها حقوق ينبغي أن تصان من حيث الواجبات التي فرض الله تعالى فيها، ولها ممنوعات يجب أن تُجتنب وتحذر، وقد أشار الله تعالى في هذا في قوله {الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ}[البقرة:197]، أي دخل فيه والتزم أحكامه وأحرم به فَلا رَفَثَ وَلا فُسُوقَ وَلا جِدَالَ فِي الْحَجِّ }، دل هذا على أن الحج له من الأحكام فيما يمتنع منه الإنسان ما ينبغي أن يراعيه المسلم؛ ليحقق ما أمر الله تعالى فإنه قد قال " فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلا رَفَثَ وَلا فُسُوقَ وَلا جِدَالَ فِي الْحَجِّ " }، إذن مدة الإحرام بالحج مختلفة عن العمرة، والعمرة مختلفة عما قبلها وما بعدها بعد الفراغ من النسك، ولذلك جعل الله تعالى هذه الحال من الأحوال التي ينبغي أن يصونها الإنسان؛ ليدرك الفضل، بل رتب الأجر وحط الخطايا والسيئات على ملاحظة هذه الممنوعات والتزامها، جاء في الصحيحين من حديث أبي هريرة -رضي الله عنه- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: ‹‹مَنْ حَجَّ فَلَمْ يَرْفُثْ وَلَمْ يَفْسُقْ رَجَعَ كَمَا وَلَدَتْهُ أُمُّهُ ››[أخرجه البخاري في صحيحه:ح1521] وهذا عنوان يندرج فيه كل ما يمنع منه المحرم.
إن تحصيل فضائل الحج إنما يتحقق بالتزام ما أوجب الله تعالى فيه وترك ما حرَّمه ونهى عنه فيه، فإن ذلك هو السبيل والطريق الذي من خلاله يمكن أن يصل الإنسان إلى ما يريد من مغفرة الله ورحمته، ولذلك الحج المبرور من صفاته أن يمتنع الإنسان فيه عن محظورات الإحرام، وهي ما مُنع منه الإنسان وقت إحرامه.
إذا محظورات الإحرام هي الممنوعات التي يمنع منها المحرم أو يمنع منها المسلم، رجلًا كان أو امرأة وقت إحرامه، وهذه المحظورات متنوعة ويمكن تقسيمها إلى ثلاثة أقسام في الجملة:-
-ما يشترك فيها الرجال والنساء.
-وما ينفرد به الرجل دون النساء.
-وما ينفرد به النساء دون الرجال.
هذا من حيث التقسيم لمحظورات الإحرام، لكن الذي تقدم قبل أن نخوض في تفاصيل هذه الأحكام، هو تعريف محظورات الإحرام.
محظورات الإحرام، محظورات: جمع محظور وهو الممنوع، والمقصود: الممنوعات مدة الإحرام، فهذا من باب إضافة الشيء إلى زمانه، وهي الممنوعات التي يمنع منها الإنسان وقت إحرامه، وهذه الممنوعات الأصل فيها كتاب الله تعالى وسنة رسوله، بمعنى أنه عندما نقول ما هي المحظورات؟ فإننا نرجع إلى القرآن، إلى السنة لنعرف ما هذه المحظورات، وليس شيئًا يمكن أن يقترحه الإنسان، أو أن يتوقعه، أو أن يأتي به من قِبَل نفسه؛ بل لابد في كل محظور أن يأتي به نصٌّ حتى يمتنع منه الإنسان، وحتى يقال: إنه لا يجوز للمحرم أن يفعل كذا أو أن يعمل كذا، وليس الأمر يعني اقتراحيًّا أو ذوقيًّا، إنما هو شيئ مرتب على النصوص.
ما فضل التزام محظورات الإحرام والعناية بها؟
فضل ذلك أن به يتحقق امتثال ما أمر الله تعالى به في قوله "{ فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلا رَفَثَ وَلا فُسُوقَ وَلا جِدَالَ فِي الْحَجِّ }[البقرة:197]
ثانياً: إنه سبب لنيل الفضائل المرتبة على الحج، فإن الفضائل المرتبة على الحج بحط السيئات والخطايا وإدراك الجزاء الوفير والأجر العظيم، إنما هو في حق من صان حجه وعمرته عما حرم عليه، ولذلك قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: ‹‹مَنْ حَجَّ فَلَمْ يَرْفُثْ وَلَمْ يَفْسُقْ رَجَعَ كَيوم وَلَدَتْهُ أُمُّهُ ››[تقدم] لا يرجع إلى هذه الحال إلا إذا راعى هذا المعنى، وهو أنه اجتنب الرفث وهو ما يمنع على المحرم واجتنب ما يتعلق بالنساء والشهوة، واجتنب الفسق، وسيأتي تفاصيل هذا عندما نتكلم عنه من المحظورات.
المذيع: جميل إذًا أنت قسمت يا شيخنا إلى ثلاثة أنواع:
ما يشترك فيه الرجل والمرأة، وما ينفرد به الرجل، وما تنفرد به المرأة.
الشيخ: نعم، هذا ما يتعلق بتفاصيل محظورات الإحرام.
المذيع: نبدأ بالتفاصيل.
الشيخ: طيب هناك محظورات مشتركة قبل ما ندخل فيها، أبرز محظور ذكره الله تعالى في كتابه تنصيصاً هو حلق الرأس، فقال الله تعالى: {وَلا تَحْلِقُوا رُءُوسَكُمْ حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ}[البقرة:196] ، وهذا يدل على أن حلق الرأس بالنسبة للمحرم محرّم، ولا فرق في هذا بين الرجل والمرأة، هذا في القسم الأول، وهو أبرز محظور ذكره الله في كتابه بالنص عليه باسمه، وأما المحظورات فقد ذكر الله الرفث وهو: الجماع، والجماع هو أعظم المحظورات؛ لأنه يترتب عليه من الأحكام ما لا يترتب على غيره، ولذلك هو أعظم المحظورات؛ إذ إنه يفسد به النسك ويترتب عليه الفدية، ويجب على الحاج المضي في النسك، سيأتي أحكام متعلقة سنتطرق لها، لكن أنا قلت: أبرز يعني ذكر الله تعالى ذلك على وجهٍ ظاهرٍ بيّن، ليس ملتبسا، ولا دخل فيه للمعاني، بل للنص.
{وَلا تَحْلِقُوا رُءُوسَكُمْ حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ}[البقرة:196]، ولهذا جرت طريقة أهل العلم في عد المحظورات أن يبدؤوه بذكر الحلاقة، لماذا؟ لأنه الذي جاء به النص في القرآن الكريم في قوله -جلّ وعلا-:{وَلا تَحْلِقُوا رُءُوسَكُمْ حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ}، يعني حتى تحللوه، وأين يعني حتى يبلغ الهدي محله؟ يعني إما به التحلل من العمرة وإما بالتحلل من الحج برمي جمرة العقبة يوم النحر.
ما يتعلق بهذا المحظور هو حلق الرأس، وعمم جماعة من العلماء الحلق لجميع البدن وليس فقط الرأس، بل إزالة الشعر من سائر البدن أيضا ممنوعة، وذلك بالإلحاق على ما ذكر مما جرت العادة بحلقه وهو الرأس، فإذا كان ممنوعاً من حلق رأسه فغيره من باب أولى مما قد يحتاج الإنسان إلى إزالته كشعر العانة وشعر الإبط، فإنه يمنع من ذلك وسائر شعور بدنه أيضاً يمنع من إزالته، استدلوا لذلك بقوله -جلّ وعلا- في سورة الحج في ذِكر ما يفعله الحجاج، قال: {ثُمَّ لْيَقْضُوا تَفَثَهُمْ وَلْيُوفُوا نُذُورَهُمْ وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ}[الحج:29] هذا في أسباب المجيء لما قال: {وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالًا وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِنْ كُلِّ فَجٍّ عَمِيق * لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَعْلُومَاتٍ عَلَى مَا رَزَقَهُمْ مِنْ بَهِيمَةِ الأَنْعَامِ فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْبَائِسَ الْفَقِيرَ * ثُمَّ لْيَقْضُوا تَفَثَهُمْ وَلْيُوفُوا نُذُورَهُمْ وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ}[الحج:27-29] قوله " ثُمَّ لْيَقْضُوا تَفَثَهُمْ "؛ أي ليزيلوا الأوساخ التي علقت بأبدانهم من الشعور التي تركت ومن الأظافر، ومما علق بالبدن من جراء الإحرام وعنائه الذي كان يصيب الناس في الزمن السابق، والآن أيضا يصيبهم بسبب تركهم الترفه وما يتمتعون به في حال الحلال من الطيب وما أشبه ذلك.
المقصود أن الآية هذه استدل بها الجمهور على منع حلق الرأس، على منع حلق سائر شعور البدن وإنها مُلحقة بالرأس، وأضافوا إلى ذلك أيضاً أن المحرم ممنوعٌ من تقليم أظافره وأخذ شيئا من بشرته، فإنه يمنع من ذلك بنص الآية التي ذكرت في قوله:{ثُمَّ لْيَقْضُوا تَفَثَهُمْ وَلْيُوفُوا نُذُورَهُمْ.
المذيع: حتى ولو كان باليد شيخنا يعني لو أحد مثلاً كان يلعب في يديه؟
الشيخ: يعني مسألة الخطأ، الجهل، النسيان، هذا سنأتي عليها بعد الفراغ من عدِّ محظورات الإحرام،
المذيع: بشكل متعمد
الشيخ: نعم، الكلام على ما فعله الإنسان قاصدًا مريداً، المعنى الثاني أو المحظور الثالث، نحن ذكرنا محظورين: حلق الرأس، وإزالة الشعر من سائر البدن
الثاني: تقليم الأظافر
الثالث: الطيب، فإنه مما يشترك في تحريمه الرجال والنساء، فإنه محظورٌ على الرجال ومحظورٌ على النساء، دليل ذلك ما جاء في قول عائشة في الصحيحين: ‹‹كنت أُطَيِّبُ النبيَّ صلى الله عليه وسلم لإحرامه قبل أن يُحرم»[أخرجه البخاري في صحيحه:ح1539] ويدل له أيضاً ما جاء في الصحيحين من حديث عبد الله بن عباس في الرجل الذي
وقصته راحلته، سقط من على البعير فمات -رضي الله تعالى عنه- في حجة الوداع فسألوا النبي صلى الله
عليه وسلم: ما نفعل به؟ قال:« كفِّنوه واغسلوه بماءٍ وسدر، ولا تُحنِّطوه، وكفنوه في ثوبيه ولا تخمروا رأسه»[أخرجه البخاري في صحيحه:ح1265] فقوله: «لا تُحنِّطوه» أي: لا تقربوا حانوطًا وهو نوع من الطيب يستعمل لتقوية البدن في غسل الموتى، فإذا كان ممنوعاً من الطيب وهو الحانوط فإنه ممنوع من كل طيب، استدلوا أيضا بقول النبي -صلى الله عليه وسلم-: ‹‹وَلا يَلْبَسْ مِنْ الثِّيَابِ شَيْئاً مَسَّـهُ وَرْسٌ َأوْ زَعْفَرَانٌ››[أخرجه البخاري في صحيحه:ح366]، هذا مما استدل به أهل العلم على منع المحرم من الطيب في بدنه، ابتداء التطيب في بدنه وفي ثوبه هذا من محظورات الإحرام، لكن استدامة الطيب السابق الذي كان قبل الإحرام هذا لا يمنع منه لما جاء في الصحيحين من حديث عائشة -رضي الله تعالى عنها- قالت: ‹‹كَأَنِّي أَنْظُرُ إِلَى وَبِيصِ الطِّيبِ فِي مَفَارِقِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَهُوَ مُحْرِمٌ‹‹[أخرجه البخاري في صحيحه:ح271]
المذيع: يعني هذه يا شيخ يدخل تحتها وضمنها مُزيلُ العرق والأشياء هذه من التطيب؟
الشيخ: فيما يتعلق بمزيل العرق ليس طيباً إنما هو قطع للرائحة الكريهة، كذلك الطيب المقصود به وهو ما
يقصد به التطيب عادةً وليس المقصود ما فيه من الروائح الذكية، فإن المحرم لا يمنع من شم الروائح الذكية، وذكر عن ابن عباس أنه لا يمنع أن المحرم يشم الريحان[أخرجه البخاري في صحيحه معلقا، باب:الطِّيبِ عِنْدَ الإِحْرَامِ، وَمَا يَلْبَسُ إِذَا أَرَادَ أَنْ يُحْرِمَ، وَيَتَرَجَّلَ وَيَدَّهِنَ:2/136]، وكذلك يشم روائح الفواكه التي ليست طيباً، وكذلك يستعمل الصابون الذي ليس طيباً، وإن كان فيه رائحة ذكية لكنها ليست طيبًا، فالعرف لم يجد أن التطيب يكون بصابونٍ أو يكون بنحو ذلك، لكن المنظفات التي يخلط معها طيب كالتي يخلط معه ماء ورد أو يخلط معها ياسمين.
المذيع: التي يكون فيها رائحة شيخنا؟
الشيخ: الرائحة الذكية ليست مؤثِّرة، إنما المؤثر هو رائحة الطيب، ولذلك ذكرت إنه يشم الريحان، وشم الروائح الذكية لا يمنع من ذلك إنما يمنع من التطيب.
هذا ما يتعلق بالقسم الثالث من أقسام محظورات الإحرام المشتركة بين الرجال والنساء، أيضًا مما يشترك فيه الرجال والنساء من محظورات الإحرام الجماع، فإنه محرَّم على الرجل والمرأة، دليل ذلك قوله -جلّ وعلا- " فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلا رَفَثَ وَلا فُسُوقَ وَلا جِدَالَ فِي الْحَجِّ}[البقرة:197]، وهو من أعظم المحظورات، سبب أنه أعظم المحظورات إنما يترتب عليه أحكام كثيرة من أعظمها فساد النسك، سواء كان حجًّا أو عمرةً، وهذا محل اتفاقٍ بين الصحابة -رضي الله تعالى عنهم-، وأيضا يترتب عليه وجوب الفدية، ووجوب المضي في النسك الفاسدة، وكذلك وجوب الإعادة أن يأتي به صحيحاً هذا ما يتصل بالجماع.
المذيع: نقطة صغيرة يا شيخنا، هل يدخل في ذلك ولا حياء في الدين التقبيل أو الغمز؟
الشيخ: سيأتي هذا في المحظور الخامس وما يتصل بالمباشرة؛ المباشرة هي: أن يباشر الرجل المرأة، إذا باشر الرجل المرأة على نحوٍ لا شهوة فيه، كأن يمسك يد زوجته في الطواف، في السعي، في مواطن الحاجة، أو حتى يصافحها مصافحةً عادية، هذا لا يمنع منه المحرم، وهو أمرٌ معتاد لا حرج فيه، وإنما يمنع من المباشرة التي تقترن بالرغبة والشهوة، هذا محظورٌ من محظورات الإحرام، دليله قول الله -جلّ وعلا- {فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلا رَفَثَ وَلا فُسُوقَ وَلا جِدَالَ فِي الْحَجِّ }[البقرة:197]والرفث: اسم جامع لكل ما يريده الرجل من المرأة، وتريده المرأة من الرجل، يعني محظور مشترك من الرجل ومن المرأة، وليس خاصًّا بالرجل فقط، فيمنع كل ما يكون من دواعي الشهوة وقت الإحرام، هذا ما يتصل بالمحظور السادس من المحظورات المشتركة بين الرجال والنساء.
من المحظورات المشتركة بين الرجال والنساء أيضا: قتل الصيد، فإنه يحرم على الرجل والمرأة لقول الله تعالى :{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَقْتُلُوا الصَّيْدَ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ وَمَنْ قَتَلَهُ مِنْكُمْ مُتَعَمِّدًا فَجَزَاءٌ مِثْلُ مَا قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ }[المائدة:96] إلى آخر ما ذكر الله تعالى من الأحكام المترتبة على قتل الصيد.
المذيع: ما هو قتل الصيد باختصار؟
الشيخ: الصيد هو كل ما يقصد لحمه مما أحل الله تعالى صيده كالغزال والظبى وسائر الطيور التي تقصد للأكل، كل هذه مما يندرج في الصيد الذي حرمه الله تعالى، أما صيد البحر فقد اختلف العلماء فيه بالنسبة للمحرم، والصحيح أن صيد البحر لا يمنع منه المحرم، ولا يمنع في الحرم، لقول الله تعالى "{أُحِلَّ لَكُمْ صَيْدُ الْبَحْرِ وَطَعَامُهُ مَتَاعًا لَكُمْ وَلِلسَّيَّارَةِ وَحُرِّمَ عَلَيْكُمْ صَيْدُ الْبَرِّ مَا دُمْتُمْ حُرُمًا وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ}[المائدة:96]، فالآية ذكرت تحريم صيد البر وإباحة صيد البحر، وهذا سادس المحظورات المشتركة بين الرجال والنساء.
المذيع: جميل نستكمل شيخنا هذه المحظورات -بإذن الله تعالى- بعد هذا الفاصل.
حياكم الله من جديد مشاهدينا الكرام، ولا نزال معكم على الهواء مباشرةً في برنامج "مناسك"، ونحن نتحدث في هذه الحلقة عن محظورات الإحرام مع ضيفنا الدائم فضيلة الشيخ الدكتور خالد المصلح، حياك الله يا شيخ
الشيخ: مرحبا، أهلاً وسهلاً.
المذيع: نكمل هذه النقطة
الشيخ: نحن تكلمنا الآن عن المحظورات المشتركة، وذكرنا أنها عدة أمور تتفق في المانع بين الرجال والنساء، حلق الرأس وسائر شعور البدن، تقليم الأظافر، الطيب، الجماع، المباشرة، الصيد. وكنا قد ذكرنا الصيد، ولما سألت ما هو الصيد الذي يمنع؟ قلنا: الصيد الذي يمنع هو ما يكون من صيد البَرِّ، وأما صيد البحر فقد أحله الله تعالى، وجاء به النص في قوله "{أُحِلَّ لَكُمْ صَيْدُ الْبَحْرِ وَطَعَامُهُ مَتَاعًا لَكُمْ وَلِلسَّيَّارَةِ وَحُرِّمَ عَلَيْكُمْ صَيْدُ الْبَرِّ مَا دُمْتُمْ حُرُمًا }[المائدة:96]، فأباح الله تعالى صيد البحر وما يكون من طعامه ومنع ما يتعلق بصيد البر، بعد هذا النقطة الأخيرة المشتركة من محظورات الإحرام بين الرجال والنساء "النكاح" لما جاء في الصحيحين من حديث عثمان -رضي الله تعالى عنه- أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «لا ينكح المُحرِم ولا يخْطُب»[أخرجه مسلم في صحيحه:ح1409/41]، وهذا لا فرق فيه بين الرجال والنساء، يحرم على الرجل أن يتزوج ويحرم على المرأة أن تتزوج، ويحرم على الرجل أن يزوِّج موليته وتحرم الخطبة أيضاً وقت الإحرام، إذن هذه السبعة محظورات، هذه السبع المحظورات، محظورات مشتركة بين الرجال والنساء.
المذيع: نجملها سريعا: حلق الرأس، وتقليم الأظافر، التطيب، والجماع، والمباشرة، بالإضافة إلى الصيد والنكاح، ما يشترك فيه الرجل والمرأة.
الشيخ: هذه سبعة محظورات يشترك فيها الرجال والنساء، أما ما يختص الرجل، فيختص الرجال نوعان من المحظورات: هما في اللباس وفي تغطية الرأس، لما جاء في الصحيحين من حديث عبد الله بن عمر -رضي الله تعالى عنهما- أنه سُئل -صلى الله عليه وسلم- ما يلبس المحرم؟ فقال: «لايلبس القُمُص»- القمص هي الثياب- هذه سواء كانت سابغة أو كانت قصيرة أو كانت إلى الوسط كلها تسمى قمص، «القُمُص والعمائم» وهذا ما يتصل بالثاني هو تغطية الرأس «ولا البرانس»، وهذا ما يتعلق بالبدن والرأس، لأن البرنس هو ثوب فيه يحلق به اللبس المغربي غطاء الرأس مثل لباس الإخوة في المغرب العربي، ثم أيضا قال:« ولا السراويلات ولا الخفاف»، هذه مما يمنع منه المحرم وقت إحرامه في اللباس لكنها تختص الرجل، وأفادت أن الذي يخص الرجل مما منع منه في محظورات الإحرام هو ما يتعلق باللباس في بدنه أو في رأسه، إذن ما يختص الرجل من محظورات الإحرام اللباس المعهود، ويسميه بعض الناس المخيط، والحقيقة أن تسميته المخيط يوقع بعض الناس في نوع من الالتباس فيتوهم أن كل ما فيه خياطة يمنع منه المحرم، وهذا لا دليل عليه إذ إن الأدلة واضحة وجلية في تحديد وتنصيص النبي صلى الله عليه وسلم على المنوعات؛ لأن الرجل جاء يسأل النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله ما يلبس المحرم؟ يعني أي شيء يلبسه ؟ فأجابه قال:( لا يلبس) إجابة بالممنوعات، ولم يجبه بما يلبسه؛ لأن ما يلبسه واسع لكن ما يمنع منه محصور محدود، وبالتالي جاء النص عليه في قوله -صلى الله عليه وسلم-: «لا يلبس القمص، ولا العمائم، ولا البرانس، ولا السراويلات، ولا الخِفاف إلا أحد لم يجد نعلين ولا يلبس ثوبًا مسَّه وَرْث ولا زعفران»[تقدم].
هذا مجمل ما يمنع منه المحرم، وهو الرجل مما يخصه في محظورات الإحرام سواء كان ذلك في بدنه أو كان ذلك رأسه.
أما المخيط، فإنه لا يمنع منه إذا كان الإزار فيه شقٌّ وخاطه، أو كان الرداء فيه شق وخاطه، أو كان يحتاج إلى خياطة رداءين حتى يغطي بدنه، أو إزارين حتى يستر أسفل بدنه، فإنه لا حرج عليه في ذلك، ومن هنا نجيب على سؤال يكثر، هذه الأُزر التي يوضع فيها خيط يمسك الإزار عن السقوط هل تجوز للمحرم أو لا تجوز؟ الجواب: نعم؛ فإن ذلك لا يمنع منه لأنه ليس قميصاً ولا سروالاً ولا برنساً فما المانع منه؟ إذا كان لا يندرج تحت اسم سماه النبي صلى الله عليه وسلم ،كونه مخيطًا، فيه خياطة هذا لا دليل على المنع منه، والاتفاق منعقد على أن وجود الخيط في الإزار والرداء لا يسيره محرَّمًا إذا كان غير مفصلًا على جزء من البدن كالتفصيل الثياب المعتادة.
إذاً عرفنا أن الذي يخص المحرم الذكر من المحظورات هو اللباس وما يغطى به الرأس، كل غطاء معهود كالقبعة والعمامة كالطربوش، أما لو وضع على رأسه مثلاً متاعاً يحمله فهذا لا يسمى غطاءً، فهذا لا حرج عليه في ذلك، ولو توقى به الشمس فإنه لا حرج عليه مادام أنه يقصد به الحمل وهذا ليس لباساً. المحظور الذي تختص به النساء دون الرجال جاء في حديث ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم ذكر فقال:« لا تنتقب المرأة المحرمة»[أخرجه البخاري في صحيحه:ح1838]، وفي رواية الترمذي :«لا تَنْتَقِبِ المرأة الحرام ولا تلبس القُفَّازين»[أخرجه الترمذي في سننه:ح833]، شيءٌ يتعلق فما تمنع منه المرأة على وجه الخصوص أيضا يتعلق باللباس، لاحظ أنه الخاص بالرجال والخاص بالنساء شيء باللباس، وليس في غيره من محظورات الإحرام التي يشترك فيها الرجال والنساء.
المذيع: نستكمل شيخنا وندخل في تفاصيل ما يختص النساء، لكن نأخذ بس اتصالًا أو اتصالين على السريع أخونا عصام من مصر، تفضل يا عصام.
السائل: السلام عليكم
المذيع: عليكم السلام ورحمة الله، حياك الله
السؤال: جاءت لي دعوة من ابني مقيمٌ في مكة، حضرت في 14 شوال فقال لي: وأنت آتٍ من مصر لا تنوِ عمرة ولا حجًّا إلا إذا مكثت في مكة، فبعد ثلاثة أيام في مكة اعتمرت- خرجت خارج حد الإحرام واعتمرت- لا أدري هل الذي فعلته صحيح أو خطأ؟ ولو يسر لنا الحج أي أنواع الحج الذي أحجه؟
المذيع: الاتصال الثاني أم نزار من السعودية تفضلي يا أم نزار
السؤال: السلام عليكم
المذيع: عليكم السلام ورحمة الله
السؤال: أنا ذاهبة -إن شاء الله- إلى الحج أنا وابني يوم 15 ذو القعدة، هل واجب علينا أن أحرم من يوم 15 أم بعد أن ننزل إلى جدة قرب موعد الحملة يوم خمسة ذو الحجة؟ نحن نازلون يوم سبعة تبدأ الحملة، هل يصح أن نحرم من ميقات الإحرام مسجد السيدة عائشة؟ أم نحرم أول ما أركب الطائرة يوم الخامس؟
الشيخ: من أين تحجون يا أم نزار؟
السائلة: من شمال المملكة جدة، نأتي من جدة لكن نأتي يوم خمسة، ومن الصعب أن نلبس لبس الإحرام قبل الحج ثلاثة أيام أو يومين بالنسبة لمن يحرم من جدة، ونحن ناوين الحج أنا وإياه؟
المذيع: تسمعين الإجابة يا أم نزار، تسمعين من الشيخ.
السائلة: الله يعطيك العافية
المذيع: الله يعافيك، شكرا جزيلاً.
المذيع : نريد أن نتحدث في المحظورات الخاصة بالنساء
الشيخ: ذكرت مما يخص النساء أمرين من المحظورات: هما تحريم لبس النقاب وتحريم لبس القفازين، النقاب هو ما كل فصل على الوجه مما فيه ثقب للعين يسمى نقابًا، فتمنع منه المرأة بنص حديث النبي صلى الله عليه وسلم، وهل هذا يعني أن المرأة تكشف وجهها عند الرجال الأجانب؟ الجواب: لا، دليل ذلك ما جاء في سنن أبي داوود وغيره من حديث عائشة -رضي الله تعالى عنها- أنها قالت : «كَانَ الرُّكْبَانُ يَمُرُّونَ بِنَا وَنَحْنُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُحْرِمَاتٌ ، فَإِذَا حَاذَوْا بِنَا أَسْدَلَتْ إِحْدَانَا جِلْبَابَهَا مِنْ رَأْسِهَا عَلَى وَجْهِهَا ، فَإِذَا جَاوَزونَا كَشَفْنَاهُ»[أخرجه أبوداود في سننه:ح1833، وضعفه الألباني في ضعيف أبي داود:ح317]إذا جاوزونا يعني مروا كشفناه، فدل ذلك على أن المرأة ليست ممنوعةً من أن تستر وجهها في الإحرام إنما هي ممنوعة من لباسٍ خاص، تماماً مثل الرجل، الرجل ممنوع من لباسٍ خاص لكن ليس ممنوعا من أن يستر ما يجب ستره من عورةٍ أو من سائر بدنه، فكون النص جاء بمنع لباسٍ معين لا يدل على وجوب الكشف وعدم الستر، بل دلت النصوص على أنه تستر وجهها عن الرجال الأجانب بما يكون الساتر بغير النقاب، أما ما يتعلق بقول العلماء: إن المرأة إحرامها في وجهها والرجل إحرامه في رأسه، فهذا ليس دقيقاً؛ لأن إحرام المرأة في وجهها هو فيما يتعلق بالنقاب فقط وأما في ما عدا ذلك مما تستر بها أوجه النساء فلا تمنع منها حتى لو كان مما يلتصق بالوجه.
كذلك فيما يتعلق بالقفازين هذا مما تمنع منه المرأة المحرمة تمنع من لبس القفازين، وهو ما فصل لستر اليدين، لا فرق بين ذلك من أن يكون القفاز من قماش، أو يكون من بلاستيك، أو أن يكون من أي مادة من المواد التي تفصل لليدين، ولكن هل يعني هذا أنه لا يجوز لها أن تستره بملاءتها؟ لا، تستره، هذه اليد الآن يمكن أن تسترها بالقفاز ويمكن أن تسترها بالعباءة والملاءة التي تلبسها المرأة.
جميل، إذاً انتهينا الآن من التصور الإجمالي لما يكون من المحظورات الممنوعة في وقت الإحرام ثمة محظور يشترك فيه الرجال والنساء وهو المعاصي والسيئات على وجه العموم هذا مما يجب تجنبه، فإن ذلك مما ينقص أجر الحج والعمرة لعموم قوله -جلّ وعلا-:( فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلا رَفَثَ وَلا فُسُوقَ وَلا جِدَالَ فِي الْحَجِّ ) فُسوق اسم جامع لكل ما حرمه الله تعالى مما يتعلق بالحج، كما جاء النص على جملة من المحظورات مما لا صلة له بالحج كالغيبة والنميمة، ولذلك أوصي إخواني الحجاج أن يتقوا الله تعالى في حَجِّهم وأن يصونوه عن الغيبة، وعن النميمة، وعن أذية الخلق، وعن الكلام الفاحش، وعن النظر المحرم، وعن السمع المحرم، وعن عدم التزام الأنظمة التي تقصد الرفق بالحجاج وإتمام النسك على وجه تام، كل هذا مما ينبغي للحجاج أن يعتنوا به، فهذا مجمل لما يتصل بمحظورات الإحرام.
المذيع: جميل، سنتحدث وسنكمل حوارنا يا شيخنا بعد أن نأخذ اتصالًا من أخينا أبي فارس من السعودية، تفضل يا أبا فارس
السائل: السلام عليكم
المذيع: وعليكم السلام ورحمه الله، حياك الله
السائل: الله يبارك فيكم، والله أنا مقيم في الرياض، وأنا الآن موجود في مكة، جئت قبل فترة الحج، حوالي الثاني من ذو القعدة، أنا أول الحج جئت إلى الميقات وما أحرمت، أنا ناوي للحج لكن لا أنوي العمرة ولا أي شيء، هل على شيء؟
المذيع: تسمع الإجابة -إن شاء الله- من شيخنا، شكرا لك يا أبو فارس.
شيخنا بعد ما أجملنا جمع المحظورات نسأل الآن السؤال، من يقع في هذه المحظورات؟
الشيخ: هذه المحظورات ممنوعات، وإذا كانت ممنوعة فيجب اجتنابها، وإذا وقع منها شيء حال الجهل أو النسيان أو الإكراه أو الخطأ فإنه لا حرج عليه في ذلك، هذا الراجح من قول العلماء، لا يترتب عليه شيء؛ لأن هذه الأمور مما يرتفع بها التكليف «رُفع عن أمتي الخطأ والنسيان وما استُكرِهوا عليه»[أخرجه ابن ماجه في سننه:ح2045، والحاكم في مستدركه:ح2801، وقال:هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ الشَّيْخَيْنِ، وَلَمْ يُخَرِّجَاهُ "ووافقه الذهبي] والعفو هو رفع المؤاخذة على الفعل، ورفع ما يترتب على ذلك مما يتعلق بالكفارات، إذا كان يترتب على الفعل كفارة أو فدية، ودليل هذا قول الله -جل وعلا-: {وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ فِيمَا أَخْطَأْتُمْ بِهِ وَلَكِنْ مَا تَعَمَّدَتْ قُلُوبُكُمْ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا}[الأحزاب:5] وقوله: «عُفي عن أمتي الخطأ وما استكرهوه عليه»[تقدم]، وقوله: {رَبَّنَا لا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا َ}[البقرة:286]
فهذه كلها من النصوص الدالة على أن الإنسان إذا فعل شيئًا من هذه المحظورات وهو جاهلٌ أو ناسي أو مكره فإنه لا إثم عليه، لكن أن فعلها مختاراً ذاكراً عالماً فإنه يكون بذلك قد وقع في محظور من محظورات الإحرام، يترتب على هذا الفدية. والفدية ليست أمراً خياراً، بمعنى ليس الأمر أنك تفعل هذه المحظورات، اجتنب هذه المحظورات ولك خيار أن تفعلها وتفدي، بعض الناس يتعامل مع الواجبات في الحج وكذلك مع المحظورات من هذا المنطلق، الواجب: أنت مخيرٌ أنك تفعل أو تذبح شاةً، المحظورات: أنت مخيَّرٌ أن تجتنب هذه المحظورات أو أن تأتي بفدية، وهذا ليس بصحيح، بل الواجب التجنب لقول الله تعالى: (فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلا رَفَثَ وَلا فُسُوقَ وَلا جِدَالَ فِي الْحَجِّ)، فنهى الله تعالى عنها وحرمها فيجب اجتنابها، لكن لو وقع الإنسان في شيءٍ من ذلك، إما لغلبة نفسه وهواه وشهوته، في شيءٍ من المحرمات هذه أو لحاجته، فثمة أحكام تترتب على هذا الفعل، وهو الفدية.
المذيع: نأخذ تفاصيل الفدية، نأخذ اتصالين سريعين ونرجع إلى الفاصل، لكن نأخذ أسماء من السعودية، تفضلي يا أسماء، ارفعي صوتك يا أسماء، اتفضلي
السائل: السلام عليكم
المذيع: وعليكم السلام ورحمة الله، تفضلي.
السائلة: يا شيخ عندي استفسار عن الحج، إن شاء الله أحج متمتعة، لو أجلت طواف الإفاضة إلى طواف الوداع، متى أسعى سعي الحج؟
المذيع: لو أجلت طواف الإفاضة إلى طواف الوداع
المذيع: شكرا لكِ يا أخت أسماء من السعودية، نأخذ اتصالًا من أخينا أمجد، ثم نكمل جزئية الفدية، أخي أمجد من السعودية تفضل.
السائل السلام عليكم
المذيع وعليكم السلام ورحمه الله وبركاته، حياك الله، تفضل ارفع صوتك يا أمجد لو تكرمت
السائل: أنا نويت الذهاب إلى الحج مقرنًا أو ممكن مفردًا لست متأكداً إلى الآن، لكن وصولي سوف يكون إلى مكة المكرمة في واحد من ذي الحجة، هل أدخل معتمرًا أو غير معتمر، وكيف يكون الوضع بالضبط، هل أحرم من مكة المكرمة؟ لأن لي أهلًا في مكة المكرمة، وأنا إقامتي في الدمام ووصولي إلى مكة سيكون -إن شاء الله تعالى- يوم واحد من ذي الحجة، وأنا نويت الذهاب مفردًا أو مقرنًا كيف يكون الوضع يا شيخ؟
المذيع: طيب يا أمجد تسمع الإجابة -إن شاء الله-، أخونا أزهري من السودان، تفضل يا أزهري.
السائل: حججت قبل ثلاث أعوام، وبعد أن رميت في العقبة الكبرى، عملت طواف الإفاضة والسعي، فهل علي شيء من هذه الحالة؟
المذيع: شكرا يا أزهري يعطيك العافية، نكمل جزية الفدية يا شيخ.
الشيخ: طيب ذكرت أن الفدية ما يترتب على ارتكاب المحظور، وهي على أنواع باختلاف المحظورات، أولا ما لا فدية فيه من المحظورات وهو محظورٌ واحد وهو النكاح والخطبة، فإذا نكح أو أنكح المحرم أو خطب فإنه آثم بفعله، لكن لا يترتب على ذلك فدية باتفاق العلماء، ما الذي يترتب عليه؟ يترتب عليه بطلان العقد، أن العقد لا يصح ولا فدية فيه، هذا أن النوع الأول مما يترتب من مخالفة المحظورات ما لا فدية فيه.
النوع الثاني: ما فديته مغلظة وهو الجماع، وذلك بإيجاب البدنة، وإبطال النسك، ووجوب المُضيِّ فيه، ووجوب الإتيان بنسك صحيح، سواء أكان حجًّا أو عمرة، وهذه فدية مغلظة والأصل في هذا والمرجع في هذا المترتبات على الجماع إنما هو ما جاء عن الصحابة -رضي الله تعالى عنهم-.
النوع الثالث من المحظورات: ما فيه فدية وهي فدية أذى، فدية الأذى هي ما جاء النص عليه في قوله تعالى :{وَلا تَحْلِقُوا رُءُوسَكُمْ حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ بِهِ أَذًى مِنْ رَأْسِهِ }[البقرة:196]
فاحتاج إلى أن يفعل محظوراً وهو الحلاقة ففدية من صيامٍ أو صدقةٍ أو نسك، خيّره بين ثلاثة أمور، وقد جاء تفصيل ذلك فيما رواه البخاري ومسلم من حديث كعب بن عجرة أن النبي -صلى الله عليه وسلم- لما رآه وقد بلغ به الوجع ما بلغ، قال: «انسك بشاة، أو صم ثلاثة أيام، أو أطعم ستة مساكين لكل مسكين نصف صاع»[أخرجه البخاري في صحيحه:ح1814]، فخيره النبي صلى الله عليه وسلم بين هذه الخصال الثلاثة، وبالتالي إذا فعل الإنسان محظوراً من محظورات الإحرام كلبس الثياب أو تغطية الرأس أو التطيب أو ما إلى ذلك أو تقليم الأظافر أو لبس ما فيه طيب وسائر بقية المحظورات إذا فعلها ففيها واحدة مما سبق. القسم الرابع من محظورات الإحرام: ما يجب فيه الجزاء وهو الصيد فإن الله تعالى قال : {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَقْتُلُوا الصَّيْدَ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ وَمَنْ قَتَلَهُ مِنْكُمْ مُتَعَمِّدًا فَجَزَاءٌ مِثْلُ مَا قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ يَحْكُمُ بِهِ ذَوَا عَدْلٍ مِنْكُمْ هَدْيًا بَالِغَ الْكَعْبَةِ أَوْ كَفَّارَةٌ طَعَامُ مَسَاكِينَ أَوْ عَدْلُ ذَلِكَ صِيَامًا لِيَذُوقَ وَبَالَ أَمْرِهِ }[المائدة:95] فيبين الله تعالى المترتب على قتل الصيد، إذن الفدية وهي ما يترتب على مخالفة ما وجب اجتنابه من محظورات الإحرام على هذه الأقسام الأربعة:ما لا فدية فيه وهو النكاح، ما فيه فدية مغلظة وهو الجماع،ما فيه فدية أذى وهو غالب محظورات الإحرام، ما فيه الجزاء بالمثل وهو قتل الصيد.
المذيع: جميل، إذن نجيب على أسئلة المشاهدين شيخنا.
المذيع: كان بداية سؤال أخونا عصام من مصر، ابنه مقيمٌ في مكة ودعاه، وبعدما وصل بعد ثلاثة أيام اعتمر ويريد أن يحج أيضاً؟
الشيخ: أخطأ في أنه لم يحرم من الميقات ذلك عند المجيء، وإن كانت زيارة ولده، لكن نية العمرة مصطحبة وبالتالي يجب عليه أن يحرم من الميقات، كونه أتى إلى الميقات وهو ينوي نيتين ينوي زيارة ولده مثلا أو قضاء حاجة في مكة وينوي النسك، يجب عليه أن يحرم من الميقات، لقول النبي صلى الله عليه وسلم:«هُنَّ لَهُنَّ، وَلِمَنْ أَتَى عَلَيْهِنَّ مِنْ غَيْرِهِنَّ مِمَّنْ أَرَادَ الحَجَّ وَالعُمْرَةَ»[أخرجه البخاري في صحيحه:ح1524 ] وهذا مريد الحج والعمرة، وإن كانت له إرادةٌ أخرى، خطأ إذا كان جاهلاً، فلا شيء عليه وإحرامه من خارج حدود الحرم وقع وانتهى، لكن لو سألنا قبل أن يحرم نقول: ارجع للميقات الذي مررت عليه، إذا حج من عامه فإنه يكون متمتعًا، إذا حج هذه السنة فإنه يكون متمتعاً؛ وذلك لأن العمرة وقعت في أشهر الحج، وحج من عامه.
المذيع: عظيم، معنا اتصال من أخينا أبي صلاح من السعودية، تفضل يا أخونا أبو صلاح.
السائل: السلام عليكم
المذيع: وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته، حياك الله.
السائل: طال عمرك، سؤالي: الحرمة تلبس النقاب أو تضع على وجهها شيلة؟ هذا السؤال الأول، الثاني: هل الأفضل للنسك المتمتع أو المفرد وما شابه ذلك، جزاكم الله خيرًا.
المذيع: شكر لك يا أبو صلاح يعطيك العافية، السؤال الثاني يا شيخ كان من أم نزار من السعودية أنها ذاهبة إلى الحج ووصولها سيكون يوم خمسة تقريباً قبل الحج بثلاثة أيام؟
الشيخ: هو أيضاً تكرر نفس السؤال تقريباً أحد الإخوان في مكة الواجب على كل من أتى إلى مكة يريد النسك يجب عليه أن يحرم من الميقات، جاء يوم ثمانية أو جاء يوم واحد شوال لا فرق لأنه جاء في أشهر الحج، الله تعالى يقول: "{الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلا رَفَثَ وَلا فُسُوقَ وَلا جِدَالَ فِي الْحَجِّ}[البقرة:197] ، فإذا جاء بنيةٍ جازمةٍ أنه سيحج في عامه هذا فيجب عليه أن يحرم من الميقات، فعليهم أن يحرموا في اليوم الخامس ويتمتعوا ويطوفوا ويتحللوا، وإذا جاءه في الثامن أحرموا من الحج، هذا بالنسبة لسؤال الأخت التي تقول: إنها تريد هي وابنها أن يأتوا في اليوم الخامس، حتى نجمع بجوابٍ واحد، الأخ الذي قال أنه سيأتي في يوم واحد ويريد القران والإفراد، نقول: يجب عليك الإحرام فإذا كنت مفرداً وجب عليك أن تبقى حتى يوم النحر وتحلل برمي جمرة العقبة، وكذلك إذا أردت القران، وإذا أردت أن تتحلل فتحرم بعمرة ثم تتحلل منها ثم تحرم بالحج من عامك، ويكون أهلك هنا وأنت في منطقة أخرى، كون الأهل هنا لا يؤثر هذا، العبرة بك أنت من أهل مكة أو أنت من غير أهلها، الواضح أنه الآن انتقلت عن مكة إلى بلد آخر فتأخذ حكم القادم إلى مكة يجب الإحرام من المواقيت.
المذيع: أبو فارس شيخنا مقيمٌ في الرياض، طبعا هو الآن في مكة ويقول: إنه نوى أن يحج فأتى الميقات، الواضح أنه نفس الطريقة ما أحرم، نفس الإجابة.
الشيخ: نفس الإجابة التي تقدمنا بها، وهذا نقول: يبدو أنها يعني تشغل كثيرًا من الناس، لأنه ما وده أنه بعضنا يتفادى أن يكون متمتعاً لأجل ألا يهدي، وبعضهم يقول: أنا آتي مبكرًا هل علي أن أهدي، وكيف أحرم؟ يخالف النظام ويأتي من غير تصريح لأجل هذا يريد أن يتهرب من مكة، وهذا كل هؤلاء مخطئون في أنهم تركوا ما وجب عليهم من الإحرام من الميقات،
المذيع: أسماء من السعودية تقول: إنها تريد أن تحج متمتعة، وتؤجل طواف الإفاضة إلى الوداع، متى تسعى للحج؟
الشيخ: تسعى للحج بعد طوافها، ولو قدمت السعي على الطواف لا بأس به، لكن تطوف بنية الإفاضة ويكفيها عن الوداع، ولو سعت بعدها كما فعلت عائشة -رضي الله تعالى عنها- في عمرتها فإنها لما أمرها النبي صلى الله عليه وسلم من التنعيم طافت وسعت، ثم ارتحلت مع النبي -صلى الله عليه وعلى آله وسلم-.
المذيع: كان هناك سؤالٌ أيضًا أخونا أزهري من السودان.
الشيخ: أخونا أزهري من السودان قال: إنه رمى جمرة العقبة ولم يحلق وطاف وسعى في الحج الماضي هل عليه شيء؟ الجواب: لا، ليس عليه شيءٌ، التقديم والطواف والسعي على الحلاق لا حرج فيه، فإن النبي -صلى الله عليه وسلم- ما سئل عن شيءٍ قُدِّم ولا أُخِّر من أعمال يوم النحر إلا قال: افعل ولا حرج
المذيع: جميل، نأخذ اتصالًا من أخينا أبي بكر من السعودية، تفضل.
السائل: السلام عليكم ورحمة الله.
المذيع: وعليكم السلام ورحمة الله.
المذيع: سؤالك
السائل: أنا جئت إلى عمرة، جئت من السودان واعتمرت، ورجعت جدة ومشيت إلى الجنوب، ورجعت، أديتها في رمضان، كيف الإحرام؟
المذيع: اعتمرت في رجوعك إلى مكة وبعدين الآن هل اعتمرت؟
السائل: لما جئت من مكة ما اعتمرت
المذيع: لما جئت من الجنوب ما اعتمرت، لماذا؟
شكرا لك يا أخونا أبا بكر تسمع الإجابة إن شاء الله،
وصلنا إلى عند أخونا أبي صلاح من السعودية بالنسبة لموضوع النقاب
الشيخ: النقاب تقدم تفصيله أنه لا يجوز لبس ما فيه فتحة، ولو وضعت عليه ما يسيره بعد ذلك من غطاء، لا تلبس شيئاً من النقاب مما فيه ثقب، لا فرق في ذلك من أن يكون النقاب بادياً أو أن تطرح عليه وتستر عليه غطاء بعد ذلك، لأنه مثل لو لبس الرجل سروالاً ولبس الإزار فوقه هذا يكون قد وقع في محظور من محظورات الإحرام.
المذيع: أيضاً نذكر السادة المشاهدين والمستمعين يوجد تويتر وهاشتاج البرنامج( مناسك)، سنحاول إن شاء الله قراءة التغريدات التي تردنا -إن شاء الله-، طبعًا هو سأل عن النسك وأفضلها.
الشيخ: هذا تقدم بالتفصيل في الماضي وحاول الرجوع إلى هذه الحلقة على اليوتيوب فيها بيان ذلك إن شاء الله تعالى.
المذيع: هنا أخونا أبو بكر قبل قليل من السعودية.
الشيخ: هو الواجب على أخينا أبي بكر أن يحرم من الميقات؛ لأنه الآن مجيئه من الحج في سفر مستقل عن السفر الذي كان في رمضان، فيجب عليه أن يحرم من الميقات، إن كان قد تجاوز فيجب عليه الرجوع إن أمكن، إذا لم يمكن وأحرم بالحج من مكة فإن عليه دمًا في قول جمهور العلماء.
المذيع: شيخنا هل هناك بعض الأمور التي يباح للمحرم أن يفعلها إذا احتاجها في الحج؟
الشيخ: هو على كل حالٍ الأصل أنه يباح له فعل كل ما يفعله الحلال، إلا ما ورد به النص مثل ما ذكرت قبل قليل، إن المحظورات ليست شيئاً اقتراحيا ولا ذوقيًّا، شيءٌ موقوفٌ على النص، إذا جاء النص على أن المحرم لا يجوز له الطيب فلا يجوز الطيب، جاء النص أنه لا يجوز له الحلاق فلا يجوز له حلاقة الرأس، جاء النص بأنه لا يجوز أن يلبس القمص فلا يجوز أن يلبس القمص، أما أنه يأتي شخص يقول: لا يجوز للمحرم مثلا أن يشرب الماء، ما الدليل؟ لا يجوز أن يشرب الشاي، ما الدليل؟ لا يجوز أن يشرب العصير، ما الدليل؟ هنا لابد من إقامة الدليل على كل ما يقال: إنه ممنوعٌ، هناك أشياء تشتبه على الناس، مثلاً في لبس الساعات، لبس النظارات، لبس الخاتم، هل هذا مما يمنع منه المحرم؟ الجواب: لا، لا يمنع المحرم من هذا بالكلية، عن الصحابة أولاً لم يأتِ به نص يمنع منه، وثانياً طبعاً نقول: لم يكن هناك ساعة في زمن النبي ولا نظارة، لكن في أمثال مثل الخاتم، لا يمنع من لبس الخاتم، بل جاء عن الصحابة أنه لا يمنع المحرم من التختم، ومثل أيضاً لبس ما يشد في الوسط، فإن ابن عمرو -رضي الله تعالى عنه- طاف وشد على وسطه ثوبًا، فدل ذلك على أنه لبس هذه المشدات التي توضع على الوسط للتقوية على العمل، أو لأجل مثلاً شيءٍ في ظهره يحتاج معه إلى مشد أو ركبته أو قدمه فإنه لا يمنع من ذلك.
المذيع: جميل، وصلنا إلى نهاية الحلقة، حلقة ثرية يا شيخنا وجميلة أيضاً أتمنى أن نكون وفقنا فيها
الشيخ: بارك الله فيكم، حياك الله.
المذيع: شكرا جزيلا للدكتور خالد المصلح وشكراً لكم أيضا أنتم متابعينا الكرام في كل مكان.555