الشيخ: أن يُعلم الناس بقصد هذه البقعة {وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ}[الحج:27]فيعلمهم بأن الله فرض عليهم الحج، شرع لهم الحج، {يَأْتُوكَ رِجَالًا وَعَلَىٰ كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِن كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ* لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَّعْلُومَاتٍ عَلَى مَا رَزَقَهُم مِّن بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ}[الحج27، 28]
الله -جلّ في علاه- أخبر بأن هذه البقعة مقصودة، وأنه سيأتيها الناسُ ماشين وراكبين، معظِّمين لها، يقصدون ما عند الله -عز وجل- من فضله وإحسانه، هذا المجيء ليس مجيئاً عاديًّا؛ إنما مجيء له أحكامه وتفاصيله، وله شروطه وواجباته التي حريٌّ بالمؤمن أن يعتني بها، ولذلك من المهمات بكل عامل، عامل بحجٍّ أو عمرة أو بغيرهما من الطاعات، أن يتعرف على أحكام النسك، على أحكام العبادة، على أحكام الطاعة التي يُقبِل عليها قبل أن يدخل فيها، ذاك أن معرفة هذه الأحكام تُعطيه تصوراً عما سيفعله وتحمله على إتقان ذلك العمل، بخلاف أن يكون مفاجئًا للإنسان، فإنه لا يعرفه فإنه لم يتصوره، ثم إذا أُخبر به لم يدركه إدراكاً مكتملاً، كما لو كان عنده فكرةٌ واضحة وجلية، وأُمثل بالبناء الذي يدخله الإنسان بأي مصلحة من المصالح؛ إذا لم يكن هناك توضيحٌ في باحة هذا المبنى لأدواره وأقسامه ومرافقه، والخدمات المقدمة في كل جزءٍ منه، يتفاجأ الإنسان، ممكن أن يصعد إلى الدور الأول مثلاً أن هذا مكتب مدير الإدارة، وهو لا يريد مكتب مدير الإدارة، وإنما يريد قبله أحدًا، المقصود أن التقديم بالعلم والمعرفة السابقة، مما يفيد الإنسان تهيؤًا للعبادة ويُعطيه حضور قلبٍ للقيام بها، ويكشف له مقصودها والغاية منها، ولذلك من المفيد والجدير بالمؤمن أن يعتني بهذا الأمر عنايةً فائقة، وأن يحرص على التعلم قبل أن يدخل في النسك.
المذيع: جميل.
الشيخ: موضوعنا في هذه الحلقة هو الإحرام.
الشيخ: والإحرام يعرفه الجميع، لكن كثير من الناس يتصور أن الإحرام هو لبس الإزار والرداء، إذا قيل: أحرم فلان لا سيما في حق الرجال، ينصرف الذهن إلى أنه لبس إزاراً ورداءاً.
المذيع: نعم
الشيخ: وهذا في الحقيقة خطأ في مفهوم الإحرام، لأن لُبس الإزار والرداء هو من واجبات الإحرام وليس هو الإحرام ذاته.
المذيع: لكن ما هو الإحرام يا شيخ؟
الشيخ: الإحرام هو أن يدخل الإنسان في النُسك، هو عملٌ قلبي في الأصل، أحرم فلان أي دخل في التحريم، وهو أن يلتزم الأحكام المتعلقة بالحج أو العمرة، النسك العبادة التي دخل فيها مثل عندما يأتي الإنسان إلى الميقات فمثلاً إذا جاء الإنسان إلى الميقات هو من خروجه من بلده عندما يسافر من الرياض مثلاً من أبها، من القاهرة، من أي بلد من البلدان.
المذيع: قاصداً مكة.
الشيخ: قاصداً مكة هو ما خرج إلا يريد العمرة أو يريد الحج لكنه ليس محرماً كل هذه المسافة إلى أن يصل الميقات ليس محرماً، لماذا ليس محرماً؟ لأنه لم يلتزم بأحكام الإحرام، لم يمتنع من قص الشعر، لم يمتنع من الطيب، لم يمتنع من اللباس المعهود من القُمُص والسراويلات وسائر ما يلبسه الإنسان في لباسه العادي، لم يمتنع من هذا مع أنه في سيره هو قاصد إلى الحج والعمرة، إذا الإحرام ليس هو القصد ولا هو القصد إلى مكة، ولا هو لبس الإزار والرداء، إنما هو عمل القلب.
ولذلك عرفه بعض العلماء وهذا تعريف كثير من أهل العلم بأن الإحرام: نية الدخول في النُسك، نية الدخول في النُسك. وآخرون قالوا: بل هو الدخول في النسُك، أي الدخول في التحريم، الإحرام هو الدخول في التحريم، كما لو قلت: أشرق أي دخل في الشروق، أغرب أي دخل في الغرب، أنجد أي دخل في نجد، أَتْهَم أي دخل في تِهامة، فهذه الصيغة تدل على الدخول في الشيء، فأحرم أي دخل في الإحرام، ومعنى هذا أنه التزم أحكام الإحرام من الامتناع من المحظورات، ومن المباشرة لمشروعات المحرم من الذِّكر والتلبية، من تسمية النسك، من أفعال الحج والعمرة، إذا كان قد دخل إلى مواطن في أفعال الحج والعمرة.
إذاً الخلاصة التي ننتهي إليها من هذا الكلام: حقيقة الإحرام الدخول في النُسك.
المذيع: وليس لبس الرداء والإزار.
الشيخ: نعم، وليست لبس إزار ورداء، بمعنى أني أنا الآن ممكن أقول: لبيك عمرة، ممكن أن أدخل في النسك وأنا على هذه الثياب، لكن عندما أدخل في النسك يجب علي أن أتجرَّد مما يحرُم على المحرم، من اللباس المعتاد. فإذا قلت: لبيك عمرة دخلت هنا بلفظٍ وقصد قلب، أو قلت بقلبي: نويت الإحرام، هنا يجب علي أن أنزع العِمامة، وأنزع اللباس المعهود، وأقتصر على لباس هو الإزار والرداء، فمعنى هذا أنه ليس هناك تلازم، من السنة أن يتجرد لإحرامه، لكن أضرب لك مثالًا الآن: في الطائرة وهذا يقع كثيرًا يريد أن يُحرم المحرم، ولكن يصير مانع للإحرام، أو نسي إحرامه في حقيبته، في الشحن، في العفش، في أسفل الطائرة، أو لم يتيسر له، بُلِّغ بأنه في محاذاة الميقات، وهو لم يتهيأ، لم ينزع لباسه، ماذا يصنع؟ يقول: لبيك عمرة.
المذيع: يلبي وهو.
الشيخ: يلبي فقط، تَلَفَّظ بذلك، أو عقده بقلبه، ولو لم يتلفظ به، فهذا يدخله في النسك، يكون به محرماً مع أن عليه ثيابه المعتادة، لكن إذا أحرم وجب عليه أن يتخلى عما يكون من الألبسة التي لا تجوز. جاء رجلٌ إلى النبي صلى الله عليه وسلم.
المذيع: عليه الصلاة والسلام.
الشيخ: وعليه جُبة وقد تَلطَّخ، طيب نفسه بالخلوق، نوع من الطيب له لون، فقال يا رسول الله: "أرأيت من أحرم بهذا ما عليه"، قال: فأُوحي إليه صلى الله عليه وسلم، وهو في تلك الحال فأمره، "فقال: «أين أُراه السائل؟»، أين السائل عن العمرة؟ فقال:«انزع هذه الجبة، واغسل عنك هذا الخَلوق»[أخرجه البخاري في صحيحه:ح1789]، انزع عنك هذه الجبة التي كانت عليه وهو مُحرم، واغسل هذا الخلُوق الطيب الذي منع منه في إحرامه، فدل ذلك على أن الإحرام لا يستلزم أن يكون ذلك بإزار ورداء، ممكن الآن أنا ألبس إزارًا ورداء وأجي أقدم هذا البرنامج، وأنا علىَّ إزار ورداء دون أن أكون محرماً، لماذا؟ لأني لم أنوِ بقلبي الدخول في أحكام الإحرام، الإزار والرداء في زمن النبي -عليه الصلاة والسلام- كانا لباساً معهوداً يلبسه الناس.
المذيع: لبس عامة.
الشيخ: نعم، وليس مما لا يلبسه إلا أهل النُسك، من الحجاج والمعتمرين، بل كان لقلة ذات اليد من الناس من لا يجد إلا إزاراً، ومن الناس من يجد إزارًا ورداءً، الإزار هو ما يستر به أسفل، والرداء ما يستر أعلى البدن.
إذاً من المهم أن نعرف أن الإحرام عملٌ قلبي وهو الدخول في النُسك، معنى الدخول في النُسك أي الدخول في أعمال الحج، أو الدخول في أحكام الحج وأحكام العمرة وذلك بالامتناع بما يمتنع منه المحرم، والاشتغال بما يشرع أن يشتغل به المحرم في حجه أو عمرته، ولا صلة لهذا بنوع اللباس الذي يكون حال الدخول في النُسك.
المذيع: هل هناك حُكم شرعي؟ البعض قد يسأل أنه هذا قبل أن يتجرد من المخيط، هل أنوي الإحرام أفضل بعد ما يقول، أو لا كما ذكرت أنت ممكن الإنسان ينوي الدخول في النسك وهو يلبس ملابسه العادية؟
الشيخ: نعم.
المذيع: البعض يقول.
الشيخ: هو التجرد، هو التجرد سُنة لما جاء في حديث زيد بن ثابت أن النبي -عليه الصلاة والسلام-"تجرد لإهلاله واغتسل"[أخرجه الترمذي في سننه:ح830، وحسنه]، وقد رواه الترمذي بإسناد فيه مقال، لكن الظاهر أن النبي -عليه الصلاة والسلام- تهيأ لإحرامه بنزع اللباس المعهود قبل أن يدخل في النُسك، قبل أن يلبي بالحج أو بالعمرة، هذا الظاهر من هديه، ولذلك الاتفاق منعقد بين أهل العلم أنه يُسن لمن أراد الحج والعمرة أن يتجرد من لباسه المعهود قبل أن يدخل النُسك، لكن لو أن أحدًا مثل ما ذكرت قبل قليل.
المذيع: قبل أن يدخل في النُسك.
الشيخ: أحد جاء وقال: والله أنا الآن أريد أن أحرم، والطائرة في محاذاة الإحرام، معلوم أن الطائرة في محاذاة في لحظات الطيران لحظات وجيزة.
المذيع: لحظات سريعة.
الشيخ: هنا يجب عليه أن يقول: أحرم الآن أنوي النسك، أنوي الدخول فيه، ولكن لا حرج فيما عليك من لباس بادر إلى نزعها، انزع ثوبك، وانزع لباسك وأتزر، والبس الرداء فهنا يكون قد أحرم بدخوله في النُسك لا بلبس الإزار والرداء.
لكن السنة أن يقدم ذلك، السنة أن يتقدم لباس الإزار والرداء عفواً التجرد من اللباس المعهود المعتاد قبل أن يدخل في النُسك.
المذيع: جميل.
الشيخ: هذا فيما يتعلق بحقيقة الإحرام.
هناك مسائل تتعلق بالإحرام، هل يشترط مع هذه النية القلبية أن يقرنه بقولٍ أو عمل؟ أم يكفي نية القلب في الدخول في النُسك؟
هذه المسألة للعلماء فيها قولان:
جمهور العلماء على أنه يكفي للدخول في النُسك أن ينوي بقلبه؛ لأنه عملٌ قلبي فلو أنه لم يقرنه بتلبيةٍ، ولو لم يقرنه بسوق هديٍ، أو تقليد هديٍ، أو إشعار هديٍ، وهذه أعمال تفعل في الهدي ليتميز عن سائر ما يكون من بهيمة الأنعام، لو لم يقترن بفعل ولا بقول فإنه يكون محرماً.
ومن أهل العلم من ذهب أنه لابد أن تقترن هذه النية التي في القلب لابد أن تقترن إما بقول أو بفعل، لأنها المترجمة عن نية القلب.
والذي يظهر لي -والله أعلم- أنه مجرد تجرده عن اللباس مع النية كافي؛ لأنه عمل وفعل يتبين به الإحرام بالتالي لا حاجة لأن يقرن ذلك بفعل، ومن اشترط فعله فهذا فعل من الأفعال التي يتبين بها الإحرام فلا يلزمه سوى ذلك، وبهذا يتبين أن الإحرام يكفي فيه نية القلب.
هل يلزم المحرم أن يُسمي النُسك؟ أن يعين النُسك؟
التعيين سنة؛ لأنه جاء في الصحيح من حديث" عمر بن الخطاب -رضي الله تعالى عنه- أنه قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-:«أتاني آتٍ فقال صلِّ في هذا الوادي المبارك»، يريد به وادي ذي الحُليفة وهو الوادي الذي فيه ميقات أهل المدينة، حيث أن النبي صلى الله عليه وسلم وقَّت لأهل المدينة ذا الحليفة، وقل الشاهد هو الآن، «وقل: عُمرةً في حَجَّة»[أخرجه البخاري في صحيحه:ح1534]، أو عمرة وحجة، أو حجة وعمرة، فالشاهد أن النبي أن جبريل الذي أوحى إلى النبي -صلى الله عليه وسلم متى يُهل؟ وأين يُهل؟ ذكر التسمية، التعيين للنُسك وهو أن يقول: لبيك حجة وعمرة، أو لبيك عمرة، أو لبيك حجة، و"عائشة رضي الله عنها قالت: "خرجنا مع النبي -صلى الله عليه وسلم- في حجة الوداع فمنا من أهلَّ بعُمرة أي قال لبيك عمرة، ومنا من أهل بحج وعمرة أي قرن بينهما، ومنا من أهل بحج"[أخرجه البخاري في صحيحه:ح1562]، فدل هذا على أن الجميع كانوا قد سمَّوا النُسك، يقال سمى تسمية النُسك.
المذيع: نعم.
الشيخ: يعني تعيين النُسك، وهل هذا هو جهر بالنية؟ الجواب ليس جهراً بالنية؛ لأن الجهر بالنية أن تخبر بما ستعمل عند أول العمل، لكن هذا يُسميه العلماء تسمية النُسك، وليس جهراً بالنية؛ لأنه يُسن لك في أثناء نُسكك ليس فقط في الأول أن تقول: لبيك عمرة، وأنت سائر مثلاً بعد أن فارقت الميقات وسرت مسيراً إلى النُسكِ إلى مكة، أن تقول: لبيك عمرة إن كنت معتمراً، لبيك حجًّا إن كنت حاجًّا في ثنايا التلبية، لبيك اللهم لبيك، لبيك لا شريك لك لبيك، إن الحمد والنعمة لك والملك لا شريك لك، لبيك اللهم عمرة، هذا ما هو تسمية، هذا تسمية للنُسك، هذا ليس جهراً بالنية لأن موضع النية انتهى في أول المقام.
المذيع: انتهى خلاص نعم.
الشيخ: إنما العلماء يسمون هذا تسمية للنُسك، وهو سنة في قول عامة العلماء، سنة لأن النبي صلى الله عليه وسلم فعله وقد فعله أصحابه -رضي الله تعالى عنهم-، فقد جاء في حديث عائشة، وحديث جابر، "خرجنا نصرخ بالحج"[أخرجه مسلم في صحيحه:ح1248/212] نصرخ بالحج أي نرفع أصواتنا بالحج، أي أننا نقول: لبيك حج لبيك حج لبيك حج، وما أشبه ذلك من الصيغ التي تُسمى فيها النُسك هذا سنة مستقلة.
المذيع: جميل إذاً سنتحدث أيضاً شيخنا بإسهابٍ عن هذا الموضوع، لكن بعد هذا الفاصل القصير، نستأذن أيضاً السادة المشاهدين، فاصل قصير ونعود ونكمل برنامج مناسك تفضلوا بالبقاء معنا.
المذيع: حياكم الله من جديد مشاهدينا، ولا نزال معكم على الهواء مباشرةً في برنامج "مناسك" وموضوعنا اليوم عن (الإحرام سننه وأحكامه) مع ضيفنا الدائم الدكتور/ خالد المصلح. حياكم الله شيخ.
الشيخ: أهلا وسهلا، مرحبا.
المذيع: دكتور.. نقطة صغيرة قبل أن ننتقل لموضوع السنن عند الإحرام، شيخنا، أنت ذكرت أن الدخول في الإحرام يقترن بقولٍ أو عمل، العمل هل يتضمن صلاة؟ قد يعتقد البعض أن هناك ركعتين؟
الشيخ: هذا ما يتصل بسؤال الإحرام، ومسألة الكلام قلت:إنه لا يحتاج في الدخول إلى النُسك إلا إلى النية، القصد إلى التزام أحكام الإحرام، أحكام الحج والعمرة، الإحرام هو الدخول في النُسك لا أكثر من ذلك، من أشترط القول أو الفعل لا دليل على هذا، ومن اشترط ذلك لا بد له أن يقيم دليلاً عليه وإلا في الأصل عدم الاشتراط، ما يتعلق بسنن.
المذيع: الإحرام.
الشيخ: مما يتعلق بسنن الإحرام، أولها أنه يُسن لمن أراد الإحرام أن يغتسل، أنه يتجرد من لباسه بالتأكيد، وأن يغتسل لما جاء في السنة النبوية، من أمر النبي صلى الله عليه وسلم أسماءَبنت عُميس بالاغتسال وكانت قد نفست، ولدت محمد بن أبي بكر -رضي الله تعالى عنه-، ولدته في حجة الوداع في الميقات فسألت النبي -صلى الله عليه وسلم- فأمرها -صلى الله عليه وسلم- أن تَستَثْفِر بثوب، وأن تغتسل" أن تغتسل وأن تستثفر بثوبها"[أخرجه مسلم في صحيحه:ح1209/109]، وأمر به عائشة -رضي الله تعالى عنها- أيضاً لما حاضت بسرف، وكانت قد أحرمت بالعمرة ثم إنها حاضت، فضاق خاطرها وصدرها أن حاضت وتمنت أن لم تكن قد حجت تلك السنة، فسكنها رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال: "إن هذا أمر قد كتبه الله على بنات آدم، ثم قال لها: انقضي شعرك وامتشطي واغتسلي"[البخاري في صحيحه:ح316]، فأمرها بالاغتسال لتدخل في الحج "وأحرمي بالحج، ودعي عمرتك، وأحرمي بالحج" فأمرها -صلى الله عليه وسلم- أن تُدخل الحج على العمرة، وشرع لها الاغتسال لذلك.
الثالث: هو أنه جاء عنه صلى الله عليه وسلم أنه اغتسل لإحرامه، اغتسل لإحرامه كما في حديث زيد بن ثابت الذي ذكرت أنه أخبر أن "النبي صلى الله عليه وسلم تجرد لإهلاله واغتسل".
المذيع: هل الغسل أنواع يا شيخنا؟
الشيخ: الغسل، المقصود بالغسل المشروع للإحرام، هو الغسل الذي يكون للجمعة الذي يبتدئ بالوضوء، ثم بإفاضة الماء على سائر البدن هذه هي السُنة الأولى.
المذيع: جميل.
الشيخ: المتعلقة بالإحرام أن يغتسل المحرم قبل إحرامه، وذلك للتطيب.
بعض الناس يسأل عن أخذ الشعور من حلق العانة أو نتف الإبط في الإحرام، هل هو من سنن الإحرام؟
لا علاقة لها بالإحرام، هذه سنن عامة في الفطرة، إن احتاج إلى ذلك في حال إحرامه فحسب، إن لم يحتج إلى ذلك فلا علاقة لها بالإحرام، لكن من الناس من يتصور أنها ملازمة لسنن الإحرام وهي لا علاقة لها بسُنة الإحرام، إنما هي من السُنن التي ينبغي عموماً أن يراعيَها على وجه العموم بصفة عامة فهي من سنن الفطرة.
مما يُسن للمحرم أن يتطيب، في الصحيحين من حديث عائشة -رضي الله تعالى عنها- أنها قالت: "كنت أطيب النبيَّ- صلى الله عليه وسلم- لإحرامه قبل أن يُحرم، ولحِلة قبل أن يطوف بالبيت"[أخرجه البخاري في صحيحه:ح1539] قالت: لإحرامه أي لأجل دخوله في الإحرام، هذا معنى كنت أطيب النبي صلى الله عليه وسلم لإحرامه قبل أن يُحرم، لأجل إحرامه قبل أن يدخل فيه، فكانت تطيبه بطيب كثير ولهذا ،جاء عنها -رضي الله تعالى عنها- أنها قالت: "كنت أرى وَبيصَ الطيب في مفارق رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وهو محرم"[أخرجه البخاري في صحيحه:ح271] وبيصُ الطيب يعني بريقه في مفارق، يعني في موضع الفرق في الرأس، يُفرق في أوسط الرأس، وفي جنباته، فكانت ترى لمعان الطيب الذي طُيّب به رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو مُحرم ، فدل ذلك على أنه يُسن للمحرم أن يتطيب في رأسه، ولحيته، وفي بدنه، والمرأة تتطيب بما لا يظهر رائحته؛ لأنها مأمورة بالطيب الخفي، ولا يجوز لها أن تتطيب بما يجده الرجال الأجانب من رائحتها، هذا ما يتعلق بالسُنة الثانية، وهي سُنة التطيب.
إذاً الاغتسال، التطيب، ثم بعد ذلك يُسن له يُحرم بعد صلاة فرضٍ، إن كان قد وافق فرضاً، أو صلاة نفلٍ مقصود، إن كان ثمة صلاة نفلٍ مقصود، كأن يُصلي مثلاً الضُحى، أو يُصلى مثلاً سُنة الوضوء، أو ما أشبه ذلك من السنن.
المذيع: السُنن.
الشيخ: لكن فيما إذا أحرم من ذي الحُليفة يُسن له أن يُصلى سواء فرضاً، أو نفلاً؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يُصلي في هذا الوادي، لأمر الله له -عزّ وجلّ- أن يصلي فيه لأنه وادي مبارك، ولذلك كان يُصلي فيه في إحرامه، ويُصلي فيه بعد أن عاد من مكة، بعد إحرامه، يصلي في ذي الحليفة وينزل فيه -صلوات الله وسلامه عليه-.
المذيع: نُكمل السنن بعد الاتصال.
الشيخ: طيب.
المذيع: شيخنا معنا اتصال من أم عبد العزيز من السعودية، تفضلي يا أم عبد العزيز.
السائل: السلام عليكم.
المذيع: عليكم السلام ورحمة الله، حياك الله.
السائلة: أنا أريد أن أسأل، أنا الآن حججت، وكنا مستعجلين، يعني الميقات، الجمرات ونطلع مباشرةً على الطائرة، صار عندي ظرف، إني لقيت زحمة ما استطعت أن أرجع ثاني مرة للحرم حتى نطوف طواف الوداع، وأطلع مرة واحدة، قلت: خلاص أنا لا أريد؛ لأني رميت الثلاث جمرات، أردنا الذهاب إلى الحرم فوجدت زحامًا، ما استطعت أن أطوف طواف الوداع، قلت: سأنتظر لباكر، بمعنى أنه ثالث يوم لأرمي الجمرات وأطوف طواف الوداع، وأطلع على الطائرة.
المذيع: طيب.
السائلة: لا أعلم ماذا علي، أم أن ما فعلته جائز؟
المذيع: وهل انتظرتِ؟
السائلة: نعم، أيضا رميت الجمرات.
الشيخ: طيب.
المذيع: طيب شكراً لك يا أم عبد العزيز.
شيخ نكمل السُنن؟
الشيخ: طيب، إذاً من السنن أن يُصلي قبل إحرامه فرضاً، هذا هو الذي فعله النبي صلى الله عليه وسلم، فإنه صلى الظهر في المدينة، والعصر في ذي الحليفة كما قال ذلك جماعة من أصحابه، وأحرم -صلوات الله وسلامه عليه- بعد صلاة العصر، وهو الذي أُمر به صلي في هذا الوادي المبارك، وقل:«عمرةً في حجة»، إذا لم يوافق وقت صلاة، ولا صلاة فرض ولا صلاة نفل مقصود.
هل للإحرام صلاة تخصُّه؟ هل من السُنن أن يُصلى ركعتين لأجل إحرامه؟
من أهل العلم من قال: نعم يُسن أن يُصلي ركعتين لإحرامه[مذهب المالكية(مواهب الجليل4/147)، والحنفية(بدائع الصنائع2/144)، والحنابلة(كشاف القناع2/407)، والشافعية(نهاية المحتاج3/272)]، وقال آخرون: إن ذلك لم يرد، إنما الوارد هو إحرامه صلى الله عليه وسلم بعد فرضٍ، وليس إحراما يُخصُّ بصلاة، وهذا هو الأقرب للصواب[قول بعض الشافعية(الغرر البهية2/315)، ورواية عن أحمد(الإنصاف للمرداوي3/307)، واختاره ابن تيمية(مجموع الفتاوى26/108 -109)]، إنه إذا لم يكن يوافق وقتا من الأوقات فلا حاجة إلى الصلاة. من سنن الإحرام وآدابه: أن يُحرم بعد صلاته، وهذا أقرب الأقوال لوقت الإحرام بعد الصلاة مباشرةً، فإذا سلم من صلاته قال: لبيك عمرة، أو قال: لبيك حجة، أو قال: لبيك عمرة وحجة إذا كان قد تهيأ بمعنى أنه تطيب، ولبس إزاره ورداءه واستعد استعداداً فرغ به من حوائجه، أما إذا كان له حوائج فينتظر حتى يقضي حاجته من التطيب وسائر ما يحتاجه لإحرامه، ثم بعد ذلك يُلبي، لكن إن كان قد تهيأ فالسنة أن يحرم من موضع صلاته.
المذيع: مباشرة.
الشيخ:من موضع صلاته "لقوله -صلى الله عليه وسلم-: صلِّ في هذا الوادي المبارك وقل عمرة وحجة"[تقدم]، وقل هذه لا تستلزم المباشرة، لكن فيما يظهر إن الأمر بالصلاة وقول النُسك بعدها مما يقرن، ولهذا جاء عن ابن عباس فيما أخبر به سعيد بن جبير في المسند وغيره قال: "عجباً لكم أصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، اختلفتم في إحرامه، مع أنه لم يحج إلا حجة واحدة"[أخرجه أحمد في مسنده:ح2358، والحاكم في مستدركه:1/451،وصححه الحاكم على شرط مسلم، ووافقه الذهبي]، وذلك من الصحابة من قال: يُسن أن يُحرم بعد الصلاة، ومنهم من قال: إذا استوت به راحلته، إذا ركب دابته، ومنهم من قال: إذا استوى على البيداء وعلا على مكانٍ مرتفع في مكان الميقات لبَّى، كما في حديث جابر، وكلٌّ قال بهذا القول، ابن عباس الحديث في إسناده مقال لكنه جمع واضح بين هذه الأقوال، بيَّن أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يفد عليه الناس أرسالاً فمنهم من أدركه يلبي بعد الصلاة، فقال: إنما أهلَّ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بعد الصلاة عند المسجد، ومنهم من رآه، سمعه، يلبي عندما علا على راحلته واستوت قائمة، قال: لبى لما ركب راحلته واستوت به قائمة، ومنهم من سمع تلبيته عندما علا على البيداء، وأشرف على مكانٍ مرتفع فأخبر بما رأى عن النبي صلى الله عليه وسلم، والأقرب فيما يظهر والله تعالى أعلم، أن السنة في الإحرام أن يكون بعد الصلاة، إلا أن يكون له حاجة فينتظر حتى يركب دابته، وهذا هو الجمع بين هذه الأخبار المختلفة عن أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم.
بماذا يلبي؟ بتسمية النُسك: لبيك عمرة، لبيك اللهم لبيك، أو لبيك اللهم لبيك أو لبيك اللهم لبيك، بتسمية النُسك، أو بالتلبية المطلقة لبيك اللهم لبيك، لبيك لا شريك لك لبيك، إن الحمد والنعمة لك والملك، وبه يَشْرَع في التلبية إلى أن ينتهي من نسكه، فيما إذا كان حجًّا، وبالنسبة للعمرة إلى أن يشرع في الطواف، كما سيأتي إن شاء الله تعالى.
هذه السُنن والآداب المتعلقة بالإحرام، ويُسن له أن يُحرم في إزار ورداء طيبين نظيفين، ويستحب أن يكونا أبيضين، ولو كان من غير البياض فإنه لا حرج في ذلك، وأن يلبس نعالاً لأن "النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: «فمن لم يجد النعلين فلْيَلَبِس الخُفَّين»[أخرجه البخاري في صحيحه:ح134]، فجعل الأصل في لباس القدمين في حق المحرم أن يكون من النعال، ولذلك قالوا يستحب أن يُحرم في نعلين.
المذيع: جميل، فيما يخص يا شيخنا النساء بالنسبة لآداب الإحرام؟
الشيخ: لا فرق بين النساء والرجال فيما يتعلق بالآداب العامة من حيث الصلاة، من حيث الإحرام بعد الصلاة، من حيث التطيب بالطيب، الذي لا يظهر عند الرجال، أما التجرد من اللباس فإن المرأة لا تمنع من هذا، لأنه محظورات الإحرام كما سيأتي فيما يتعلق باللباس، فيما يتصل بالمرأة محدود بأمرين ألا تلبس قفازاً ولا نقاباً، وأما ماعدا ذلك فإنها تلبس ما شاءت من اللباس الساتر الذي أمر الله تعالى به المؤمنات.
وسيأتي تفصيل ذلك فيما يتعلق بمحظورات الإحرام، ليس للإحرام بالنسبة للمرأة لون يخصه لا سواد ولا أخضر، ولا أبيض، ولا سائر ما يظن الناس أن المرأة مأمورة بهذا النوع من اللباس على وجه الخصوص، لا، ليس هناك دليل على هذا، بل تلبس ما شاءت من الألبسة التي تحقق الستر، ولا فتنة فيها، وتستر ما يجب ستره من الرجال الأجانب.
المذيع: جميل، طبعاً نذكر السادة المستمعين بأرقام التواصل معنا سنستقبل -إن شاء الله-، جميع المشاركات سواء الهاتفية أو التي تردنا على هاشتاج البرنامج "مناسك" -بإذن الله تعالى- مشاهدينا الكرام.
طيب، شيخنا يعنى نقطة أيضاً مما يختص نتكلم على الميقات، والمواقيت التي شرعها الله -سبحانه وتعالى- للناس لكي يحجوا من خلالها.
لماذا شرع الله -سبحانه وتعالى- هذه المواقيت؟
الشيخ: طيب المواقيت سنتكلم عنها، لكن قبل أن أتكلم عن المواقيت، أحب أن ننوه، يُسن أن يُسمي النُسك، أنا ذكرت يُسمي يعين النُسك من أوله، والناس لهم ثلاثة أحوال في أنواع النُسك أو صفاته، تكلمنا عنها في لقاء أمس ونعيدها على وجه الإجمال:
- إما أن يُلبي بعمرة فيقول: لبيك عمرة، ويكون بذلك متمتعاً، إذا أحرم بالعمرة في أشهر الحج ثم أحرم بالحج من عامه، وتحلل منها، ثم أحرم بالحج من عامه.
- الحالة الثانية: أن يُلبي بالحج والعمرة جميعاً، ويكون بذلك.
المذيع: قارناً.
الشيخ: قارناً بأن يقول: لبيك حجًّا وعمرة.
الحالة الثالثة: أن يُلبي بالحج فقط، فيقول لبيك حجًّا.
هذه هي الأحوال الثلاثة، لو أحرم إحراماً مطلقاً ولم يسم شيئاً من النُسك، كما هو الحال من عمل بعض الحجاج لا يسمي نُسكاً، يقول: لبيك اللهم لبيك ولا يعرف تمتع، ولا قِران، ولا إفراد، فهذا يصرفه إلى ما شاء، يعني هذا صحيح ويسمي إحراماً مطلقاً، لأنه لم يحدد فيه
المذيع: أي نوع؟
الشيخ: نوع النسك.
المذيع: نوع النسك.
الشيخ: فله أن يحدده، بمعنى أني قلت عند الميقات: لبيك عمرة، ثم لقيت من يقول: فيه إفراد، وفيه قران، وأنا ليس لدي فكرة عن الموضوع، ولا لدي خبر، فيه إفراد، فيه تمتع، فيه قران، فأختار ما أشاء من هذه الأنواع الثلاثة واضح.
المذيع: جميل.
الشيخ: هناك إحرام أحياناً لا يُحدِّد شيء، يذهب ويرى الناس يسعون ويقصرون، يطوف ويسعى ويقصر، هذا حجه متمتع، هو لم يسمِّ ذلك، لم يلبي بعمرة لكن الواقع العمل الذي وقع أنه تحلل من إحرامه، فكان متمتعاً، ويحرم بالحج في اليوم الثامن، إذًا هذا هو الإحرام المطلق.
ثم هناك إحرام مقيَّد، وهو أن يقول: أنا مثلاً سأحج أنا وإياك، وأنا قادمٌ من المدينة، وأنت قادمٌ من الطائف، ولا أعرف النسكك الذي أحرمت به، وسنلتقي في مكة عند الإحرام أقول: لبيك بما لبى به إبراهيم.
المذيع: أها.
الشيخ: لبيك اللهم لبيك بما لبى به إبراهيم. الآن أنا لا أدري ما هو نسكك؟ أنت قد تكون مُفرِدًا، قد تكون قارنًا، قد تكون متمتعًا، عندما أحضر وتخبرني بواقعك أنا أكون كأنت في الإحرام، وهذا حدث بين اثنين من الصحابة -رضي الله تعالى عنهما-:أبي موسىالأشعري ، وعلي بن أبي طالب -رضي الله تعالى عنهما-، حيث جاءا إلى مكة أي من اليمن، ولم يكونا مع النبي صلى الله عليه وسلم في مَقدِمِه من المدينة، فلما لقيهم -صلى الله عليه وسلم- قال لأبي موسي:« بم أَهلَلْتَ؟» قال: "أهللت، فقلت: لبيك اللهم لبيك بإهلالٍ كإهلال رسول الله صلى الله عليه وسلم"،[أخرجه مسلم في صحيحه:ح1221/154] بإهلالٍ كإهلال النبي صلى الله عليه وسلم، هو لا يدري بماذا أهل النبي صلى الله عليه وسلم، وكذلك علي بن أبي طالب -رضي الله تعالى عنهما- [حديث علي أخرجه البخاري في صحيحه:ح4352].
فهذا يسمي إهلال إحرام معلق، فيم يتعلق؟ بنوع النُسك.
ما يتصل بالجزئية الثانية وهي ما يتعلق بالمواقيت.
المذيع: نعم.
الشيخ: المواقيت للحج نوعان:
المذيع: نأخذها بعد الاتصال، اتصال دولي من مصر وطولنا عليه، أخونا وليد معذرة منك يا وليد، تفضل.
السائل: السلام عليكم يا شيخ.
المذيع: عليكم السلام ورحمة الله، حياك الله.
السائل: هو عفواً أنا مقيم في الدمام، لأن السؤال له علاقة بمواقيت الإحرام لأنني غير مقيم بمصر.
المذيع: طيب، تفضل.
السائل: أنا قادم من الدمام وسأترك أولادي عند أخي في مدينة رابغ، التي هي ميقات الجحفة، فمن أي مكان أُحرم؟ تعرفون أنه يوجد طريق من الدمام للجحفة، فهناك عدة طرق، يوجد طريق يمر عبر المدينة، وطريق مباشر على طريق عفيف.
المذيع: هل ستترك أولادك في رابغ؟
السائل: نعم
المذيع: وتسأل إلى أين تتجه؟
السائل: من أي مكان أحرم؟ هل أحرم من رابغ؟ أم يلزم أن أمر على ميقات أبيار علي؟
المذيع: واضح يا شيخنا؟
الشيخ: نعم واضح.
المذيع: طيب جميل، شكراً لك يا وليد. سوف نعود نكمل حديثنا يا شيخنا بعد الفاصل -إن شاء الله-.
فاصلٌ قصير مستمعينا ومشاهدينا الكرام ونعود -إن شاء الله- في برنامج "مناسك" فابقوا معنا.
المذيع: من جديد نرحب بكم مشاهدينا الكرام في الجزء الأخير من برنامج "مناسك" نذكركم بأرقام التواصل معنا التي تظهر -إن شاء الله- أسفل الشاشة بين وقتٍ وآخر، لمشاركتكم وأسئلتكم التي نطرحها على الدكتور/ خالد المصلح، الضيف الدائم للبرنامج.
حياكم الله يا دكتور.
الشيخ: أهلا وسهلا.
المذيع: نكمل الجزئية التي توقفنا عندها؟
الشيخ: نعم. كنا نتحدث عن المواقيت، المواقيت نوعان بالنسبة للحج والعمرة.
بالنسبة للحج:له مواقيت زمانية، ومواقيت مكانية، المواقيت الزمانية ذكرها الله في كتابه،فقال:{وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ} [آل عمران:97] وقال:{الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَّعْلُومَاتٌ فَمَن فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلَا رَفَثَ وَلَا فُسُوقَ وَلَا جِدَالَ فِي الْحَجِّ} [البقرة:197]، الشاهد قوله:{الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَّعْلُومَاتٌ} فهو وقتٌ محدود وليس في كل سنة، وهذا ما يفارق فيه الحج العمرة، العمرة في كل العام، وأما الحج فهو في أشهرٍ معلومات حددها الله تعالى؛ وهي ثلاثة أشهر في قول الإمام مالك[مواهب الجليل:4/22، وهو اختيار ابن حزم(المحلى7/69)، واختاره الشوكاني، وابن عثيمين]، أو شهران وبعض الشهر الثالث، عشرة أيام من الشهر الثالث وهي شهر شوال، وشهر ذي القعدة وشهر ذي الحجة، وقيل وعشر من ذي الحجة[مذهب الأحناف والحنابلة، واختاره الطبري وابن تيمية.انظر المبسوط(4/55)، المغني(3/275)، مجموع الفتاوي(26/101)]، هذه هي الأشهر التي يكون فيها الحج، وهي مواقيته الزمانية.
ما فائدة المواقيت الزمانية؟
أنه من أحرم بالعمرة قبل أشهر الحج، وتحلل منها ثم حج من عامه لا يكون متمتعاً، إنسان إذا جاء إلى مكة في رمضان واعتمر ثم تحلل، وبقي في مكة حتى جاء الحج، وأحرم بالحج هذا لا يكون متمتعاً لكن شخص جاء في يوم واحد من شوال في ليلة العيد، وأحرم بالعمرة ثم تحلل منها وبقي في مكة وحج من عامه، هذا متمتع.
المذيع: ها ها.
الشيخ: إذاً أشهر الحج فائدتها أن من اعتمر فيه ثم حج، فإنه من عامه فهو متمتع. أيضاً الإحرام بالحج في قول جماعة من أهل العلم لا يجوز قبل أشهره[مذهب الشافعية، وقول للمالكية، ورواية عن أحمد.انظر المجموع(7/144)،ومواهب الجليل(4/25)]، وقال آخرون بل يكره قبل أشهره[مذهب الأحناف، والمالكية، والحنابلة.انظر البحر الرائق(2/343)، الذخيرة للقرافي3/204)]، بمعني إنه لو جاء شخص وقال: لبيك حجاً في مُحرَّم، أو في صفر، أو في رمضان، فإنه يتحلل بعمرة؛ لأنه لم يأت وقت الحج الذي أمر الله تعالى، الذي حده الله تعالى، ووقته للحج في المواقيت الزمانية، {الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَّعْلُومَاتٌ}[البقرة:197] وهذا خارج عنها.
القسم الثاني من المواقيت: المواقيت المكانية وهي أيضاً محددة بتحديد النبي صلى الله عليه وسلم، سُمِّيت مواقيت لأنها وقِّتَت، وأصلها الجامع ما في الصحيحين من حديث "عبد الله بن عباس رضي الله عنه أنه قال:"وقَّت رسول الله صلى الله عليه وسلم لأهل المدينة: ذا الحليفة، ولأهل نجد: قرناً، ولأهل اليمن: يلملم، ولأهلِ الشام: الجُحفة، «هُنَّ لهُنَّ»- هذه المواقيت لأهل هذه الجهات- «ولمن أتى عليهن»- أي لمن أتى هذه المواقيت -«من غير أَهلِهِنَّ»،أي من أتى عليهن أي من غير أهل هذه الجهات، «ممن أراد الحج أو العمرة ومن كان دون ذلك»، ومن كان دون ذلك، وهو القسم الثاني: وهم الذين دون المواقيت، الذين بيوتهم وأماكن إقامتهم لا يمرون في طريقهم إلي مكة بميقات، «ومن كان دون ذلك فمن حيث أنشأ» يعني من حيث نوى الحج والعمرة يجب عليه أن يُحرم، حتى أهل مكة يحرمون من مكة،«حتى أهل مكة من مكة»[أخرجه البخاري في صحيحه:ح1524]، أي يحرمون بالحج من مكة، أما العمرة، فقول العامة من أهل العلم على أنه يجب أن يكون إحرامُ العمرة للمَكِّي "من الحِلِّ" كما أمر النبي -صلى الله عليه وسلم- في قصة عمرة عائشة -رضي الله تعالى عنها-[أخرج حديثها البخاري في صحيحه:ح316].
إذًا المواقيت المكانية: هي أماكن محددة وهي أربعة أماكن بنصِّ النبي صلى الله عليه وسلم، ذو الحليفة –وهو أبعد المواقيت- قرن المنازل، يلملم، الجحفة، اختلف العلماء في ذات عرق وهو الميقات الخامس، هل هو بتوقيت النبي صلى الله عليه وسلم أم باجتهاد عمر؟ والراجح أنه بتوقيت النبي صلى الله عليه وسلم، واجتهاد عمر الذي وافق فيه توقيتَ النبي -صلى الله عليه وعلى آله وسلم-، فتكون المواقيت التي جاء بها النص خمسةً، وما عداها فإنهم يُحرمون من إذا كان لا يمر بميقات، فإن كان يمر بمحاذاة ميقات فيجب أن يُحرم منه حذو الميقات الذي يمر عليه، وإلا فإنه إذا كان دون المواقيت يُحرم من حيث أنشأ، من حيث عزم نية الحج والعمرة، وأهل مكة يحرمون بالحج من مكة، وبالعمرة من الحل.
المذيع: طبعاً سكان جدة شيخنا وأعتقد بحرة والشرايع؟
الشيخ: هؤلاء دون المواقيت فيحرمون من حيث أنشأوا حيث نووا، طبعاً أنت عندما تتكلم عن دون المواقيت، كل من كان في طريق مكة من ذي الحليفة هو من دون الميقات.
المذيع: يعني قلب قديد، عسلان، ووادي الفراع .. إلخ؟
الشيخ: وأنت سائرٌ هناك شيء كثير من القُرى والهجر، الأماكن هذه كلها دون الميقات، هؤلاء يُحرمون من حيث أنشأوا.
المذيع: جميل. معنا اتصالان، الأول: أحمد من السعودية، تفضل يا أحمد.
السائل: السلام عليكم.
المذيع: عليكم السلام ورحمة الله.
الشيخ: عليكم السلام ورحمة الله.
السائل: هل من الممكن أن أكلم الشيخ يا أخي؟
المذيع: يسمعك اتفضل.
السائل: يا شيخ أنا حجيت منذ أكثر من 15 سنة، فوق 15 سنة وكنت ناوي من العام أني أحج هذه السنة، ولكن والدتي مريضة، فقررت إني لن أحج بسبب مرض والدتي، فهل علي شيء إذا ألغيت الحج هذه السنة؟
المذيع: طيب.
الشيخ: شفاها الله.
المذيع: الله يشفيها إن شاء الله.
السائل: ادع لها بالدعاء يا شيخ، الله يوفقك -إن شاء الله-، ويتقبل أعمالك.
الشيخ: الله يحفظها لكم -إن شاء الله-، الله يعطيك العافية.
المذيع: يعطيك العافية يا أحمد شكراً لك.
أيضاً معنا اتصالٌ آخر من عبد الله من السعودية، تفضل يا عبد الله
السائل: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
الشيخ: عليكم السلام ورحمة الله وبركاته.
المذيع: عليكم السلام.
السائل: الله يجزيك خير، أعطني تصريح يا شيخ الله يجزيك خير، لأن معي أولادي وأحج بهم، وأنا فقير يا شيخ؟
المذيع: طيب بخصوص التصريح، تصريح الحج يعني هاهه، شكراً لك يا عبد الله.نجيب على الأسئلة يا شيخنا.
الشيخ: طيب، فيما يتعلق بالمواقيت، اتضح المواقيت تنقسم إلى قسمين: زمانية ومكانية، والمكانية: هي ما حدده النبي -صلى الله عليه وسلم- لأهل هذه الجهات، وكل من جاء إليها ولو لم يكن من أهلها إذا يريد الحج أو العمرة في سفره إلى مكة، أما من لا يريد حجًّا ولا عمرة في سفره إلى مكة، فإنه لا يجب عليه الإحرام؛ لأن النبي إنما فرض الإحرام من هذه المواقيت لمن أراد الحج أو العُمرة.
فيما يتصل بالأسئلة.
المذيع: في الأول معانا أم عبد العزيز كانت تقول إنها حجت، وكانوا مستعجلين، استعجلت وذهبت الحرم وجدته مزدحم.
الشيخ: هي تقول إنها نوت التعجل وخرجت.
المذيع: أيه.
الشيخ: فلما صادفت زحمة رجعت ونوت البقاء إلى الغد فلا شيء عليها تقبل الله منا ومنها.
المذيع: جميل.
الشيخ: يعني الإنسان إذا غير رأيه في التعجل، عزم على التعجل ثم وجد ما يمنعه أو ما يرى معه المصلحة أن يتأخر، أو أراد أن يتأخر فذاك زيادة فضلٍ وخير، نسأل الله لنا ولها القبول.
المذيع:آمين، أخونا وليد من مصر، مقيم هو في الدمام، وسيترك أولاده في رابغ، هل يُحرم من المدينة أم أعتقد من قرن المنازل كما هو ذكر ويعتقد؟
الشيخ: هو يُحرم من الميقات الذي يمر عليه.
المذيع: أو الأقرب.
الشيخ: من الميقات الذي يمر عليه، فإن مر على ذي الحليفة فيُحرم من ذي الحليفة، وإن لم يمر على ذي الحليفة أو جاء من جهة أخرى لا ميقات فيها كأن يأتي من جهة الساحل فهذا يُحرم من الجحفة، رابغ على وزن الجحفة يُحرمون منها، يُحرم منها الناس لأنها في محاذاة الجحفة، الأمر في هذا يسير.
فلو أنه قال: أنا سأُحرم من رابغ. فمن أهل العلم من يقول: يصح إحرامه؛ لأنه وإن ترك الميقات الأول وأحرم من الميقات الثاني يصح. ولكني أوصيه بالأخذ بقول عامة العلماء جمهور العلماء، حيث أن جمهور العلماء يرون أن يُحرم من الميقات الذي يمر عليه أولاً ولا يؤخر، لكن لو أخَّر إحرامه إلى رابغ فإحرامه صحيح، هو مذهب الإمام مالك، واختيار الشيخ سيف الدين رحمه الله.
المذيع: جميل، كان فيه سؤال أيضاً أخونا أحمد من السعودية نوى أن يحج هذا العام ولم يستطيع لظروف والدته؟
الشيخ: من نوى عملاً صالحاً، ثم حال دونه حائلٌ، مانع فأجَّله، أو أخَّره، أو تركه، كُتب له ما نواه من عمل صالح، فأسأل الله تعالى لك القبول. وأنت على خيرٍ لعل بقاؤك في تمريض أمك، ورعايتها ما يكون أعظم أجراً من أن تحج، شفاها الله وعافاها.
المذيع: آمين يا رب العالمين، أخونا عبد الله كان يسأل أيضاً عن موضوع، وهو عدم القدرة المادية لدفع تصريح الحج على ما أعتقد.
الشيخ: الله تعالى فرض الحج على المستطيع، قال الله تعالى:{وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ البَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً}[آل عمران:97]، هو من لا يملك أجرة الحج، أجرة الحملات التي يحج الناس من طريقها، فإنه غير مستطيع وبالتالي لا حجَّ عليه، وأما من يحج بدون تصريح فإنه يُعرض نفسه إلى المخالفة، وإلى الإثم بعدم طاعته التنظيمات التي ترتبها الجهات ذات الاختصاص، ومقصودها وغرضها الرفق بالناس، وأن يقوموا بالنسك على أحسن وجه، ولذلك الالتزام بالأنظمة ليس المقصود منه الإشقاق على الناس، وتكليف الناس مالا يطيقون، إنما لأجل الرفق بهم وإصلاح شؤونهم.
المذيع: صحيح.
الشيخ: ورعاية نسكهم، وأن يكون على وجهٍ لا مشقة فيه، ولا ضيق على الناس فيه، وما يتعلق بالأسعار، يعني عُرضت أسعار حملات مخفضة هذه السنة، ثم ثمة حملات مجانية، لمن يعني قصرت يده على أنه لا يجب عليه، لكن إن كان قد عزم فليشترك في مثل هذه الحملات، أما أن يأتي بلا تصريح؛ ويُعرض نفسه للمخالفة، فلا أرى أن ذلك مسلكا رشيدا، ويوقعه في مخالفة ولي الأمر.
المذيع: جميل، معنا اتصال هاتفي، من أم أميمة من المغرب، تفضلي يا أم أميمة.
السائلة: السلام عليكم.
المذيع: عليكم السلام ورحمة الله، حياكِ الله.
السائلة: جزاكم الله خيراً، يا شيخ أنا عندي سؤال.
المذيع: يسمعك الشيخ، تفضلي.
السائلة: أنا حججت سنة 2012.
الشيخ: تقبل الله.
السائلة: حججت مع والدي ووالدتي.
المذيع: نعم.
السائلة: وأتذكر أننا لما كنا في مكة، طلب مني حاج مغربي أن أرم عليه الجمرات.
الشيخ: ترمي عنه.
السائلة: أن أرم عنه الجمرات.
الشيخ: نعم.
السائلة: وأنا يا سيدي لما كنت في الحج كنت جد ورعة، لا أُكلم الرجال، وأخاف أن يفسد عني هذا الأمر الحج.
الشيخ: الله يديمه عليك.
السائلة: فقلت له: سأستشير أبي، ولكن في الحقيقة لم تكن في نيتي أن أستشير أبي، حتى لا يظن بي أبي ظن سوءٍ، فلم أقل لأبي شيئا، ولم أرم عليه الجمرات.
المذيع: ليس عليه، عنه.
السائلة: عنه، فلم أرم عنه الجمرات فهل أنا آثمة؟ في كل سنة في يوم عرفة أتذكر هذه القصة فأتساءل إن كنت أنا آثمة؟
المذيع: شكراً لك يا أم أميمة، وتسمعين الإجابة إن شاء الله.
طيب يا شيخ إلى أن يجهز معنا اتصال نجيب على أم أميمة.
الشيخ: أولاً، أسأل الله لها القبول والتوفيق، فيما يظهر لي لا إثم عليها؛ لأنها لم تلتزم له بالنيابة، وإنما قالت له: أستشير، ولم ترد عليه خبراً فلا إشكال عليها، ولا حاجة إلى التذكر لهذا الموقف، لأنه لا إثم عليها، هي لم تلتزم له بالوكالة، أو أنها توكلت عنه بالرمي وبالتالي لا إثم عليها، وكونها تخلصت من طلبه بهذا المخرج الذي رأت أنه هو الأنسب بعداً عن..
المذيع: الشك.
الشيخ: عن الأخذ والعطاء فيما قد تخشى عاقبته فلا حرج عليها، وكونها لم تستشر والدها خشية التُهمة أرجو أن يكون ذلك.
المذيع: إن شاء الله.
الشيخ: لا حرج عليها، المهم ليس عليك شيء فيما يتعلق بالنُسك.
المذيع: جميل، الوقت يمضي سريعاً شيخنا، لا أدري إذا كان هناك كلمة أخيرة نعقب بها؟
الشيخ: نعم، أنا أوصي الحجاج بأن يعتنوا بالسنن، والعناية بالسنن مما يزيد أجر الإنسان في عمله؛ لأن بعض الناس حتى الواجبات تجده يتساءل، هل أفعل الواجب أم أتركه وأفدي؟ لا المسألة ليست على هذه الصورة، بل ينبغي أن نحرص على النُسك كما فعله النبي صلى الله عليه وسلم، في واجباته، في أركانه، في سننه، في آدابه، فإن ذلك مما تعلو به المراتب ويتحقق به ما أمر به -صلوات الله وسل