×
العربية english francais русский Deutsch فارسى اندونيسي اردو

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

الأعضاء الكرام ! اكتمل اليوم نصاب استقبال الفتاوى.

وغدا إن شاء الله تعالى في تمام السادسة صباحا يتم استقبال الفتاوى الجديدة.

ويمكنكم البحث في قسم الفتوى عما تريد الجواب عنه أو الاتصال المباشر

على الشيخ أ.د خالد المصلح على هذا الرقم 00966505147004

من الساعة العاشرة صباحا إلى الواحدة ظهرا 

بارك الله فيكم

إدارة موقع أ.د خالد المصلح

زاد الحاج والمعتمر / مرئيات في أحكام الحج / مناسك 1436 / الحلقة (2) وجوب الحج وفضله وأنواع النسك.

مشاركة هذه الفقرة WhatsApp Messenger LinkedIn Facebook Twitter Pinterest AddThis

المذيع: بسم الله الرحمن الرحيم، مشاهدينا الكرام في كل مكان، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، نرحب بكم أجمل ترحيب في الحلقة الثانية من برنامج "مناسك"، وهي سلسلة حلقات مباشرة تنظمها وزارة الشؤون الإسلامية والأوقاف والدعوة والإرشاد بالمملكة العربية السعودية ضمن خطتها التوعوية لضيوف الرحمن لهذا العام 1436 للهجرة، سنكون معكم -إن شاء الله- في هذه الحلقات حتى غرة شهر ذي الحجة بإذن الله تعالى، لنتحدث عن كل ما يتعلق بأداء فريضة الحج، وأيضا نجيب على أسئلتكم واستفساراتكم على الهواء مباشرة أثناء الحلقات.
باسمي وباسمكم مشاهدينا الكرام نرحب بضيف البرنامج الدائم فضيلة الشيخ الدكتور/ خالد بن عبد الله المصلح أستاذ الفقه بكلية الشريعة بجامعة القصيم، وعضو التوعية الإسلامية في الحج.
فضيلة الشيخ حياك الله معنا في حلقتنا الثانية لهذا اليوم.
الشيخ: أهلا وسهلا مرحبا بك، حيا الله الأخ الكريم، وحيا الله الإخوة والأخوات، أسأل الله أن يكون لقاء نافعا ومباركا
المذيع: إن شاء الله وبإذن الله يا دكتور، ولعلنا -إن شاء الله- في هذه الحلقة شيخنا الكريم وأيضا مشاهدينا الكرام، سنتحدث عن الحج كركن من أركان الإسلام، ثم نشرع -إن شاء الله- في الحديث عن مناسك الحج، وأيضا شرحها، ونستعرض أيضا بعض من الأدلة المستقاة من الكتاب والسنة عن تلك المناسك.
فضيلة الشيخ، إذا افتتحنا حديثنا عن الحكمة من مشروعية الحج، نحن بالحلقة الماضية تحدثنا عن أركان الإسلام، وتحدثنا عن تاريخ الإسلام، وذكرنا أن الإسلام يعتمد على شهادة أن لا إله إلا الله، وأن محمدا رسول الله كركن أساسي تندرج عليه الأركان الأخرى من العبادات، اليوم نشرع في الحديث كمقدمة عن الحج، وعن هذا الركن العظيم، والحكمة من مشروعية الحج.
الشيخ: الحمد لله رب العالمين، وأصلي وأسلم على المبعوث رحمة للعاملين نبينا محمد، وعلى آله وأصحابه أجمعين، أما بعد..
الحج ركن من أركان الإسلام، لا ريب في ذلك، وعلى هذا أجمعت الأمة، وقد دل عليه الكتاب والسنة، وتواترت عليه كلمة أهل العلم على اختلاف مذاهبهم، ولذلك لا خلاف في وجوب الحج على المستطيع، وهو فرض فرضه الله تعالى على الناس وشرطه إذا استطاعه، فقال -جل وعلا-: {ولله على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلا ومن كفر فإن الله غني عن العالمين}+++[ آل عمران:97
]---، وفي الصحيح من حديث أبي هريرة –رضي الله عنه- أن النبي –صلى الله عليه وسلم- قال: ((يا أيها الناس إن الله فرض عليكم الحج)) +++[ صحيح ابن حبان:ح(3705)،قال شعيب الأرنؤوط: إسناده صحيح على شرط مسلم]---، وجاء في ذكر دعائم الإسلام وأركانه في حديث عبد الله بن عمر -رضي الله عنه أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: «بني الإسلام على خمس: شهادة أن لا إله إلا الله، وأن محمدا رسول الله، وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة والحج، وصوم رمضان»+++[أخرجه البخاري في صحيحه:ح8]---
وفي الصحيح من حديث في صحيح مسلم عبد الله بن عمر عن عمر في قصة مجيء جبريل إلى النبي صلى الله عليه وسلم وسؤاله عن الإسلام، قال: «أن تشهد أن لا إله إلا الله، وأن محمدا رسول الله، وأن تقيم الصلاة، وتؤتي الزكاة، وتحج البيت إن استطعت إليه سبيلا، وتصوم رمضان»+++[صحيح البخاري:ح8]--- فذكر حج البيت من جملة ما عرف به النبي -صلى الله عليه وسلم- الإسلام، وفي ختمه قال: «هذا جبريل أتاكم يعلمكم دينكم».

 المقصود أن الأدلة متوافرة في بيان فرضية الحج، وأنه ركن من أركان الإسلام، وفي كل الموارد التي جاء فيها فرض الحج، جاء تقييده بالاستطاعة، أصل ذلك في كتاب الله -عز وجل-، وكذلك في حديث ابن عمر رضي الله عنه، وفي غيره من الأحاديث، يذكر النبي -عليه الصلاة والسلام- الاستطاعة.
المذيع: لما ارتبط بالاستطاعة؟
الشيخ: هو كل أعمال الشريعة مبنية على الاستطاعة، ما من عمل إلا وهو مقيد بالاستطاعة، الله تعالى يقول: {فاتقوا الله ما استطعتم} +++[ التغابن:16]---، فهذا قانون ينظم كل التشريعات، لا يخرج عنه شيء من أحكام الشريعة، لا في صلاة، ولا في صوم، ولا في زكاة، ولا في حج، ولا في بر الوالدين، ولا في طاعة من تجب طاعته، ولا في حقوق الله وحقوق الخلق.
كلها مبنية على الاستطاعة؛ لأن الله تعالى قد قال في كتابه: {لا يكلف الله نفسا إلا ما آتاها}+++[الطلاق:7]---، {لا يكلف الله نفسا إلا وسعها} +++[ البقرة:286]---
 وهذه النصوص تدل دلالة ظاهرة وواضحة على أن الاستطاعة هي الشرط الذي يجب أن يراعى في كل الأعمال، لكن في الحج على وجه الخصوص جاء النص على الاستطاعة في موارد عديدة منها آية: {ولله على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلا} +++[ آل عمران:97]---، السبب في ذلك أن الحج فيه من الكلفة والمشقة ما ليس في سائر الأركان التي بني عليها الإسلام، وذلك أن فيه عملا بدنيا خارجا عن المألوف، أن فيه مغادرة ومفارقة للمكان، لأنه قصد مكان تعبد الله بقصد مكة للقريب والبعيد أن فيه كلفة مادية في الغالب؛ لأن الذي يخرج لابد أن يكون معه من المال ما يبلغه مكة.
المذيع: نجد -سبحان الله- الذين يدفعون جميع ما يملكون من مال حتى يأتوا إلى مكة؟!!
الشيخ: نعم، فلذلك هذه المعاني كلها مما يبين مشقة الحج، ولذلك هو أحد الجهادين، كما قالها عمر رضي الله عنه: "شدوا الرحال إلى الحج فهو أحد الجهادين"، كما في البخاري معلقا منقولا عن عمر رضي الله عنه، هذا الأثر في البخاري عن عمر رضي الله عنه.+++[أخرجه البخاري في صحيحه معلقا:ح1516]---
 وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم كما في الصحيحين من حديث عائشة، كما في الصحيح البخاري من حديث عائشة، أنها قالت للنبي -صلى الله عليه وسلم: نرى الجهاد أفضل عملا، أفلا نجاهد؟ قال: «لا، لكن أفضل الجهاد حج مبرور»+++[صحيح البخاري:ح1448]---، فدل ذلك على أن الحج المبرور هو من أفضل ما يتقرب به إلى الله تعالى من الأعمال المقاربة للجهاد الذي هو ذروة سنام الإسلام؛ فلذلك كان هذا العمل مقيدا بالاستطاعة لما يتضمنه من المشقة والعناء الذي يوجب رعاية وعناية زائدة على سائر الأعمال.
المذيع: شيخنا، مصداقا أيضا لكلامك حديث الرسول -عليه الصلاة والسلام-: «الحج المبرور ليس له جزاء إلا الجنة»+++[ أخرجه البخاري في صحيحه:ح1773.]---، لو قسمنا هذا الحديث إلى شقين: «الحج المبرور» كيف نصل إلى هذه الدرجة من الحج المبرور؟ ولماذا اختير له هذا الجزاء العظيم- الجنة- أو دخول الجنة؟
الشيخ: جيد، قبل أن ندخل في هذا وما يتعلق بفضل الحج، وأيضا فيما يتعلق بما هي صفات الحج المبرور؟ هناك قضية قبل أن نغادر مسألة فرض الحج.
فرض الحج ثمة أمران يميزانه، تكلمنا على الأمر الأول وهو أنه مقيد بالاستطاعة، الأمر الثاني: أنه فرض في العمر مرة واحدة، فلا يجب الحج أكثر من مرة، وهذا جاء به النص في حديث أبي هريرة عندما سئل النبي صلى الله عليه وسلم في توجيهه: «يا أيها الناس إن الله كتب عليكم الحج فحجوا»، قال -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- للناس: إن الله كتب عليكم الحج فحجوا»، فقال رجل: أكل عام يا رسول الله؟ فسكت النبي صلى الله عليه وسلم حتى عادها عليه ثلاثا يسأله: أكل عام يا رسول الله؟ يعني هذا الذي أمرتنا به من حج البيت أكل عام؟ كره النبي مسألته؛ لأنه لو كان كل عام لبينه، هذا أمر لا يقبل التأخير؛ لأنه بيان للواجب، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «لو قلت نعم لوجبت ولما استطعتم» +++[صحيح مسلم:ح1337]---، وفي رواية أحمد قال: «الحج مرة، فما زاد فتطوع)) +++[أخرجه أبوداود في سننه:ح1721، والحاكم في مستدركه:ح3155، وقال:هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه. ووافقه الذهبي]---، معنى هذا أن الحج لا يجب على المكلف إلا مرة واحدة.
نرجع إلى قضية الاستطاعة، ما هي الاستطاعة التي يثبت بها وجوب الحج على الإنسان؟ إن كثيرا من الناس يلتبس عليهم موضوع الاستطاعة، فيظن أن الاستطاعة هي القدرة البدنية فقط، لا، الاستطاعة ليست القدرة البدنية على الراجح من قول العلماء؛ الاستطاعة تجمع قدرة بدنية وقدرة مالية، القدرة البدنية هي الصحة التي يتمكن بها من أداء المناسك والرجوع إلى بلده، أما القدرة المالية فهي أن يملك من المال فاضلا عن حوائجه الأصلية الأساسية في مسكن ومأكل ومشرب، وحاجة من يعوله ممن تجب نفقته من زوجة وولد، وغير ذلك ممن تجب نفقتهم، وأن يفضل من هذا قدر من المال يمكنه من الذهاب إلى مكة والرجوع إلى بلده، ولأن الرجوع تتمة الذهاب فليس المقصود الذهاب والإقامة في مكة، إنما الذهاب والرجوع إلى البلد.
والله تعالى فرض الحج، قصد هذه البقعة لأعمال محددة، فإذا انتهت الأعمال يرجع الإنسان، ولذلك النبي- صلى الله عليه وعلى آله وسلم- لما فرغ من حجه لم يبق في مكة بل مباشرة جاء إلى المدينة، عملا بقوله: «إذا قضى أحدكم نهمته» فيما رواه البخاري ومسلم من حديث أبي هريرةt: «السفر قطعة من العذاب؛ يمنع أحدكم نومه وطعامه، فإذا قضى نهمته من وجهه فليعجل إلى أهله»+++[أخرجه البخاري في صحيحه:ح1804 ]--- فليعجل العودة إلى أهله، إلى بلده لأنه انتهت حاجته، ولذلك لما انتهت حاجته في اليوم الثالث عشر، فرغ من أعمال الحج في اليوم الرابع عشر، فجر اليوم الرابع عشر رحل عن مكة إلى المدينة، رحل- توجه- من مكة إلى المدينة صلى الله عليه وسلم، مع فضل مكة وعظيم الأجر المترتب على الإقامة فيها، والصلوات والعبادات التي يتقرب فيها إلى الله تعالى من طواف ونحوه، المقصود أن الاستطاعة هي القدرة المالية والبدنية التي يستطيع بها الإنسان أن يذهب إلى مكة لأداء النسك، ويرجع إلى بلده.
المذيع: يعني ذلك أن من ليس لديه قدرة مالية، ليس عليه؟
الشيخ: طبعا، من ليس لديه قدرة مالية لا يجب عليه، لكن من كان عنده قدرة مالية، لكن ليس عنده قدرة بدنية كأن يكون مريضا مرضا لا يتمكن معه من الذهاب إلى مكة وأداء المناسك، هل يجب عليه أن يبذل مالا لمن يحج عنه؟ أو هل يبحث عن من يحج عنه سواء بمال أو بتبرع من أولاده وأقاربه وما إلى ذلك؟
الذي يظهر من قول العلماء، نعم أنه إن كان قادرا بماله دون بدنه، فإن الحج واجب عليه أن يقيم بماله من يحج عنه، والنيابة في الحج دلت عليها النصوص، ومنها حديث يتعلق بهذه الصورة بالذات، وهي أن إنسانا عنده قدرة مالية لكن ما عنده القدرة البدنية.
 
جاء في الصحيحين من حديث عبد الله بن عباس -رضي الله تعالى عنه- قال: جاءت امرأة من  خثعم إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- ، فقالت: يا رسول الله، إن فريضة الله على عباده في الحج أدركت أبي شيخا كبيرا، لا يثبت على الراحلة- تخبر النبي -صلى الله عليه وسلم- بحال والدها، إن فريضة الله على عباده في الحج أدركت أبي، يعني أدركه الفرض لقدرته المالية، لا يثبت على الراحلة، إشكاليته أنه ليس أنه ما عنده مال، عنده راحلته تبلغه المكان، لكن ليس عنده قدرة بدنية تمكنه من الوصول إلى مكة، قالت: أفأحج عنه؟ قال: «نعم»+++[أخرجه البخاري في صحيحه:ح1513]---. فدل الحديث هذا أصل استند إليه الحنابلة وأيضا الشافعية وغيرهم إلى أنه إذا استطاع الإنسان بماله ولم يستطع ببدنه فإنه يجب عليه أن يقيم من يحج عنه.
وعلى هذا تكون الاستطاعة على مرتبتين:

 المرتبة العليا: هي أن يجمع الاستطاعة البدنية والمالية، فهنا يجب أن يحج بنفسه، ولا يجوز له أن يقيم غيره مقامه في الحج.
 
الحالة الثانية: أن يكون قادرا بماله لكنه ليس قادرا ببدنه لعارض يمنعه- عارض دائم وليس عارضا مؤقتا- العارض الدائم يعني المستمر، لا يرجى زواله كإنسان مشلول، كإنسان لا يرجى أن يطيب، كإنسان لا يستطيع ركوب الطائرة، وبلده يستوجب أنه لا يتمكن من الوصول إلا بطائرة وما أشبه ذلك من الأسباب، في هذه الحال يقيم من يحج عنه.
 
أما إذا كان المرض مرضا عارضا ففي هذه الحال ينتظرون، أو حتى الذين عليهم عقوبات مثلا سجن، وعنده قدرة مالية وسيقضي مدة في السجن، هذا لا نقول: يحج عنه؛ لأن هذا مانع مؤقت، ومثله أيضا الذين لم يأت عليهم الدور- التصاريح التي يحتاج إليها- في الوصول إلى مكة، نقول لهم: انتظر؛ لأن هذا أمر يأتي وفق نظام معين، فلا تستعجل بإنابة من يحج عنك، وبناء على أنك قادر بمالك لكن لست قادرا ببدنك، بل انتظر وأمهل حتى تتمكن من ذلك بمجيء الدور عليك.
المذيع: بعضهم يتوقع أنه ستأتيه المنية ولم يذهب إلى الحج.
الشيخ: في هذه الحال، إذا مات الإنسان وهو قادر بماله ولم يحج، فإنه يقيم من يحج عنه من ماله، يكون هذا دينا في التركة كسائر الديون، يوصي وصية إني إذا مت ولم أحج بسبب مثلا تأخر التصريح، بسبب أي سبب عارض من الأسباب التي تمنع من الوصول، في هذه الحال يسجل ذلك في وصيته ليخرج من تركته فيحج عنه.
المذيع: جميل، إذا أننا بينا في هذه الأمور قليلا، وأعتقد أنه إذا أراد أحد من المتصلين السؤال نرحب بكل المشاركات معنا.

 لو استفتحنا الحديث أيضا عن المناسك شيخنا، وهي موضوع حلقتنا لهذا اليوم؟
الشيخ: جيد، هو في الحقيقة قبلها الفضائل، سألت سؤالا فيما يتعلق بفضيلة الحج، الحج من فضائله أنه ركن من أركان الإسلام، ومن فضائله أنه من الأعمال الجليلة التي يدرك بها الإنسان أجرا عظيما وفضلا كبيرا، ويدرك فائدتين:

 الفائدة الأولى: التنقية والتطهير.

 والفائدة الثانية: التحلية والرفعة في الدرجات.
 
أما ما يتعلق بالفائدة الأولى وهي إزالة الأوزار والسيئات والآثام عنه، جاء ذلك فيما رواه البخاري ومسلم من حديث أبي هريرة، أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: «من حج لله -عز وجل- فلم يرفث ولم يفسق رجع كيوم ولدته أمه»+++[أخرجه البخاري في صحيحه:ح1521]---، هذا الحديث الشريف يبين فضيلة الحج «من حج»، وفي بعض الروايات: «من أتى هذا البيت»+++[أخرجه مسلم في صحيحه:ح1350/438]--- وهذا يشمل الحج والعمرة، لكن بيانه في الروايات التي صرحت بصفة المجيء، وأنه مجيء للحج؛ لأنه العمل الذي فيه عناء ومشقة، أما العمرة فهي دونه في المشقة والعناء.
قال: «من حج فلم يرفث ولم يفسق» لم يرفث: أي لم يقع في ما يتعلق بمخالفة الممنوعات في الحج، مما يتعلق بالنساء واستمتاع الرجل بالمرأة، والمرأة بالرجل، من الطرفين، «فلم يرفث» سواء كان من رجل أو امرأة، «ولم يفسق» أي ولم يقع في معصية، فرجع «رجع» أي من حجه «كيوم ولدته أمه» خاليا من الذنوب والسيئات.
 
ما الذي يحصله بهذا؟ الصغائر بالاتفاق تغفر، «رجع كيوم ولدته أمه» يشمل الصغائر بالاتفاق، كل صغيرة، الثاني: الكبائر في قول جماعة من أهل العلم، جمهور العلماء على تقييد الحديث بالصغائر، وذهب طائفة من أهل العلم منهم: الطبري، وشيخ الإسلام ابن تيمية، وابن المنذر من الشافعية وغيرهم من أهل العلم إلى أن اللفظ عام، «رجع كيوم ولدته أمه»، ويوم ولدته أمه ليس عليه صغيرة ولا كبيرة، بل من أهل العلم من أضاف التبعات، حقوق العباد، حتى حقوق العباد تغفر فيما إذا حج وقد حقق هذين الوصفين.
 
لكن فيما يظهر لي -والله تعالى أعلم- أن الإصرار على المعصية، الإصرار على المعصية يحول دون تحقيق هذا، تحصيل هذه الفضيلة، سواء كانت المعصية صغيرة أو كانت المعصية كبيرة، أو كانت المعصية تتعلق بحقوق الخلق، كيف ذلك؟ أن
المذيع: نستكمل بعد الفاصل شيخنا؟
الشيخ: نعم.
المذيع: الإصرار على المعصية، إذا مشاهدينا الكرام، نستأذنكم في هذا الفاصل القصير، بعده لنا عودة إن شاء الله، ونكمل معكم برنامج "مناسك"، وأيضا نستقبل اتصالاتكم ومشاركاتكم، ابقوا معنا.
المذيع: حياكم الله من جديد مشاهدينا الكرام، لا نزال معكم على الهواء مباشرة في برنامج "مناسك"، وموضوعنا هو عن مناسك الحج وشرح تلك المناسك، وضيفنا وضيفكم فضيلة الشيخ الدكتور /خالد المصلح، حياك الله شيخنا..
الشيخ: مرحبا بك.
المذيع: كنت تتحدث عن نقطة مهمة قبل الفاصل "الإصرار على المعصية" كيف يحول بين العبد وبين أن يعود كيوم ولدته أمه؟
الشيخ: نعم، هذه مسألة مهمة وهي أن من شرط الفوز بهذا الأجر قوله صلى الله عليه وسلم: «من حج فلم يرفث ولم يفسق»+++[تقدم]---، والفسق اسم عام لكل معصية، ومنه الإصرار على الذنب، فمن كان في قلبه أنه إذا عاد سيعاود ما كان عليه من سيئ العمل صغيرا أو كبيرا، فإنه لم يحقق الوصف، «من حج فلم يرفث ولم يفسق رجع كيوم ولدته أمه»، فيفوت الفضل كل المصرين، يفوت الفضل كل المصرين الذين بيتوا أن يعودوا إلى حالهم بعد الحج، يدركون فيها ما كانوا من إصرار في الخطأ.
 
فيما يتعلق بالحديث ظاهره- والله أعلم- هو العموم لمغفرة الصغائر والكبائر والتبعات، قيد بعض أهل العلم التبعات بحقوق العباد، في الحقوق التي ندم الإنسان على أخذها وعجز عن ردها، وهذا الوجه فيما يظهر لي.
 
لكن أيضا التبعات التي ندم عليها ولم يستطع ردها، سواء لعجزه أو لعدم معرفة أهلها، أو لعدم تمكنه من إظهارها، فالذي يظهر التبعات شاملة إلا ما كان يمكن أن يرده ولم يرده، هذا يرجع فيما ذكرنا قبل قليل إلى الإصرار على العصيان، يعني مثلا إنسان اقتطع شبرا من الأرض، أخذ مال أحد، استباح عرضه، ما إلى ذلك من الحقوق التي تكون بين العباد، ولم يأخذ بأسباب الاستباحة، لم يرد المال إلى أهله، لم يطلب التحلل، لم يسعى في رد الحقوق إلى أهلها، ومصر على إمساك حقوق العباد، على التعدي عليهم، هذا هو مصر على الإساءة، وبالتالي هذا لم يحقق الوصف المذكور في قوله صلى الله عليه وسلم:«من حج فلم يرفث  ولم يفسق رجع كيوم ولدته أمه»
إذا تحصيل هذه الفضيلة يستوجب أن يخرج الإنسان من الذنوب تائبا إلى الله -عز وجل- من كل خطيئة وسيئة، فإن الحج يمحو ذلك كله، حتى ما كان من سيء العمل لكنه يعني السابق، لكنه لم يستحضر التوبة منه، لكنه ليس مصرا عليه، هذا أيضا يندرج فيه المغفرة التي شملها هذا الحديث فيما يظهر، والله تعالى أعلم.
من فضائله ما جاء في الصحيحين أيضا من حديث أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «الحج المبرور ليس له جزاء إلا الجنة»+++[أخرجه البخاري في صحيحه:ح1773]---، وهذا يبين لنا الفضيلة الثانية التي في ذكرها الحج، نحن ذكرنا قبل قليل أنه تنقية وتخلية من الذنوب وآثارها والسيئات وأوزارها، والثاني: هو التحلية بالفضائل والدرجات والعطايا والهبات من الله -عز وجل-، وذلك في قوله: «الحج المبرور ليس له جزاء إلا الجنة»، هناك قال:« لم يرفث ولم يفسق»، امتناع سبب لإدراك الفضيلة، هنا لا، الحج المبرور هذا ليس فقط امتناع.. هو امتناع وزيادة، فهو إضافة إلى ما تقدم من الحديث السابق الذي فيه أنه لم يرفث ولم يفسق، لا، هنا فيه بر في العمل، وبر العمل هو الطاعة فيه، وأن يكون على الوجه الذي أمر الله تعالى به، وأن يكون قائما على النحو الذي شرعه الله -جل وعلا-، هنا يحقق الإنسان الشرط؛ فينال العطاء والفضل الذي هو قوله -صلى الله عليه وسلم-: «ليس له جزاء إلا الجنة» يعني لا يكافئه في عطاء ولا يعادله في هباته وفضله إلا أن يكون جزاؤه الجنة، عطاء الله له الجنة، هذا الجزاء.
إذا تبين لنا الفضل العظيم المرتب على هذا العمل الجليل، وهو هذا الحج الذي فرضه الله تعالى في العمر مرة واحدة، يمكن أن نجمل لو قال قائل: اعطونا خطة للحاج يحقق بها أوصاف الحج المبرور، اعطوني نقاط محددة، كيف يحقق الحاج الحج المبرور؟ كيف يحقق من أتى إلى هذا البيت الحج المبرور؟
يحقق ذلك بأعمال، العمل الأول: أن يكون عمله لله خالصا، وهذا مصرح به في فرض الحج، فإن الله أول ما ذكر في فرض الحج ذكر المقصود بالحج من؟ الله، فقال: ﴿ولله﴾ليس لسواه،   ﴿على ٱلناس حج ٱلۡبيۡت﴾+++[آل عمران:97]---، فقبل أن يذكر العمل ذكر المقصود به، ولذلك من المهم أن نستحضر هذا المعنى لتحقيق أوصاف الحج المبرور أن يكون الحج لله.
 
الثاني من الأمور التي يتحقق بها معنى الحج المبرور: أن يكون على وفق هدي النبي صلى الله عليه وسلم، فإن النبي قد حرص على تعليم أصحابه، فكان في المناسك يقول:«لتأخذوا عني مناسككم فإني لا أدري لعلي لا أحج بعد حجتي هذه»+++[أخرجه مسلم في صحيحه:ح1297/310]---، قال ذلك في حجة الوداع كما في الصحيح من حديث جابر، وقاله أيضا في رواية النسائي:«لتأخذوا عني مناسككم، لعلي لا ألقاكم بعد عامي هذا»+++[النسائي في المجتبى:ح3062]---، وأتم الناس به، بل كلهم جاؤوا، كل من حج يريد مع النبي صلى الله عليه وسلم أراد الائتمام به، فإنه قد كان يتنزل عليه القرآن وهو يعلم تأويله والصحابة يقتدون به، فكانوا يأتسون به في أقواله وأعماله وأحواله، لأنه هو الذي يترجم لهم ما فرض الله تعالى عليهم، هذا الثاني من أوصاف الحج المبرور، أن يكون على وفق هدي النبي صلى الله عليه وسلم.
هناك أنه هذان كافيان في المعنى العام، لكن على وجه التفصيل أيضا أن يكون الحاج ملتزما طاعة الله -عز وجل- العامة والخاصة، العامة في الصلاة وفي أداء الحقوق، والخاصة فيما يتعلق بواجبات الحج وأركان الحج وأعمال الحج، يحرص على أن يأتي بها كاملة حتى يحقق الحج المبرور.
أيضا عندما نقول الطاعة العامة والطاعة الخاصة، الطاعة العامة مثل الصلاة، مثل أداء الحقوق التي للوالدين، أداء الحقوق التي للخلق، أيضا طاعة ولاة الأمر فيما ينظمونه من تنظيمات، هذا مما يتعلق بالمعنى العام الذي يتحقق به بر الحج.
ولذلك لما جاء رجل إلى عبد الله بن عمر، وانظر إلى السلف الصالح في نظرتهم إلى تنظيم الناس، وأن يكون الناس تحت ولاية تقودهم وترتبهم حتى في أعمال الحج، جاء قال له وفي حديث وبره في الصحيح البخاري، قال له: متى أرمي؟ قال: "إذا رمى إمامك فارمه"+++[أخرجه البخاري في صحيحه:ح1746]---، إذا رمى أميرك فارم، والمقصود بالأمير أمير الحج.. إمام الحج، فجعل ذلك منوطا به، فلا يتقدم عليه، وذاك أنه إنما جعل إماما ليؤتم به، ويتبعه الناس في أعمال المناسك، وهنا نقول: الآن الإمام قد لا يظهر للناس بشخصه، لكثرة الناس وتفرقهم، لكن الإمام الآن يظهر بالتوجيهات التي ترتبها الجهات ذات الاختصاص فيما يتعلق بالأمن، سواء فيما يتعلق بالتفويج، سواء فيما يتعلق بأعمال الحج، سواء فيما يتعلق بالصحة، سواء فيما يتعلق بالتوجيهات الشرعية، كل ذلك يرجع إلى أهل الاختصاص، فالولاية هنا موزعة على كل الجهات التي لها شأن في تنظيم وترتيب هذا المنسك وأعمال الحجاج وأعمال الحج التي تكون في هذه الأيام.
المعنى الثالث أو الرابع الذي يتحقق به وصف الحج المبرور:
 
أن يكون خالصا من الإثم، خالصا من المعصية، سواء كانت معصية عامة، كترك الصلاة، والغيبة، والنظر للمحرم، وأذية الخلق بأنواع الأذى الذي يحصل، ومنه أذى تتعدى على الحقوق، فعندما أستأجر خيمة مثلا بمبلغ، وآتي وأجد من احتلها، هذا من الأذى الذي يفوت الحج المبرور، عندما يلتزم متعهد بأن يعطي الحجاج واجبات معينة وأعمال معينة، وثم يخل بذلك، هذا يفوت الحج المبرور؛ لأنه إخلال بالعقود التي أمر الله تعالى بالوفاء بها {يا أيها الذين آمنوا أوفوا بالعقود}+++[المائدة:1]---، هذا مثال للمعصية العامة.
المعصية الخاصة هي محظورات الإحرام المتعلقة بتجنب مثلا حلاقة الرأس، تجنب الطيب، تجنب عقد النكاح، الخطبة، قتل الصيد، وما أشبه ذلك مما يمنع منه المحرم، أما الوصف الأخير الذي يتحقق به وصف الحج المبرور هو أن يكون من مال حلال، لأن المال الحلال طيب، والله طيب لا يقبل إلا طيبا، وأما المال الحرام فهو خبيث والله تعالى يقول: {يا أيها الذين آمنوا أنفقوا من طيبات ما كسبتم ومما أخرجنا لكم من الأرض ولا تيمموا الخبيث منه تنفقون ولستم بآخذيه إلا أن تغمضوا فيه}+++[البقرة:267]---، فنهانا الله عن قصد الخبيث في الإنفاق، وفي إخراج أموال الواجبة في الزكوات وكذلك في سائر الطاعات، لا يخرج من مال حرام.
هذه خمسة أوصاف بها يتحقق الحج الموصوف، أن يكون لله خالصا، أن يكون وفق سنة النبي صلى الله عليه وسلم، أن يحقق طاعات الله العامة وطاعات الأوامر، طاعة الله في الأوامر العامة والخاصة المتعلقة بالحج، أن يجتنب معصية الله العامة والخاصة في الحج، أن يكون الحج من مال حلال.
المذيع: سبحان الله.. هذا يعني يا شيخنا أنه قد يشتبه معنا المشاهد ويقول نحن لسنا ملائكة، نحن بشر نخطئ، فأنا إذا أخطأت في الحج ماذا أفعل؟ الشيء الثاني أيضا نريد أن نركز على نقطة أنه لابد أن تذهب إلى الحج ولديك نية التغيير في نفسك أنك ستعود -إن شاء الله- أفضل من السابق؟
الشيخ: نعم، وهذه إشارة أنه عندما تكلم العلماء عن أوصاف الحج المبرور، منهم من قال: من أوصاف الحج المبرور أن يكون الإنسان بعد عوده خيرا منه قبل ذهابه، وهذا معناه أنه حصل تغيير، حصل تقدم في السير إلى الله -عز وجل، حصل تخلي عن السيئ من العمل، وهذا المعنى صحيح؛ لأنه لا يمكن أن يحقق الحج المبرور، ويكون كما ذكرت يعني مصرا على السيئة، مصرا على أنه إذا عاد بعد الحج، عاد إلى سابق سيئاته ومألوفه من معصية الله -عز وجل-، بل هي مرحلة وخطوة يقلب فيها الإنسان صفحة، ويبدأ صفحة جديدة خالية من السيئات والخطايا، خالية من الأوزار والعثرات، يطلب من الله تعالى فيها الصفح، لا يعني أنه يكون معصوما، إنما أن يبذل قصارى جهده في تحقيق هذه الصفات، أما العصمة، فإنه لا أحد يعصم «كل ابن آدم خطاء»كما في الترمذي من حديث أنس بن مالك رضي الله عنه، قال -صلى الله عليه وسلم-: «كل ابن آدم خطاء، وخير الخطائين التوابون»+++[أخرجه الترمذي في سننه:ح2499، والحاكم في مستدركه:ح7617، وقال:هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه]--- ونسأل الله أن يتوب علينا وعلى المسلمين، وأن يجعله حجا مبرورا وسعيا مشكورا.
المذيع: طبعا نحن نذكر السادة المشاهدين أن أرقام التواصل تظهر بين وقت وآخر أسفل الشاشة، بإمكانكم المشاركة معنا بالاتصال أو أيضا عن طريق هاشتاج البرنامج في تويتر "مناسك"، سنقرأ -إن شاء الله- بعضا من تغريداتكم وأسئلتكم لفضيلة الشيخ.
طيب فضلية الشيخ، لعلنا قبل أن نتحدث عن الأنساك ونشرح الأنساك الثلاثة، لماذا شرع الله -عز وجل- هذه الأنساك، هل هناك حكمة لهذا الموضوع؟
الشيخ: في الحقيقة نحن نحتاج أولا إلى أن نعرف الأنساك ثم نعرف الحكمة من مشروعيتها.
الأنساك؛ معنى الأنساك يعني صفات الحج، كيف يحج الناس؟ ما هي الأعمال التي يقوم بها الحجاج؟ هذا معنى الأنساك، أنه يقول: الأنساك ثلاثة، يعني صفات أعمال الحجاج على ثلاثة أنحاء، على ثلاثة أقسام، على ثلاثة صور، على ثلاثة أنواع، هذا معنى الأنساك.
إذا النسك هو صفة العمل، فلما نقول: الأنساك ثلاثة يعني صفات أعمال الحجاج التي يفعلونها في مجيئهم إلى مكة ثلاثة أنواع:
النوع الأول: الحج مفردا، وهو أن يأتي إلى مكة لا يقصد إلا الحج، ولا يعمل عملا إلا الحج، يلبي بالحج في أشهره، وهي أشهر الحج الثلاثة: شوال، وذو القعدة، وذو الحجة أو عشر من ذي الحجة، على قول أهل العلم، إذا لبى بالحج، قال: لبيك حجا، الآن دخل في الحج، وبالتالي الآن ماذا سيصنع؟ هو سيلبي ويذهب ويطوف ويسعى ويقف المواقف، لكنه لا يقصد بهذا إلا الحج، ليس ثمة عمل آخر، هذا النسك الأول وهو الإفراد، يسمى الإفراد، وهو أن يأتي بالحج فقط، ولذلك يسمى الإفراد؛ لأنه ليس هناك عمل آخر، فهو حج فقط لم يضف إليه عملا آخر.
القسم الثاني: أن يضيف إلى الحج العمرة، وهذا على صورتين: تمتع وقران، تمتع وقران.
نبدأ بالقران لأنه قريب من الحج، عندنا الآن الصورة الأولى: أن يأتي فقط للحج، الصورة الثانية أن يأتي بحج وعمرة مقترنتين جميعا، لا يفرق بينهما بفاصل، بل كل ما يفعله هو لحجه وعمرته، طوافه لحجه وعمرته، سعيه لحجه وعمرته، فهما مقترنان، ولذلك سمي صاحبهما قارنا، هذا لا يحل، يأتي محرما يقول: لبيك عمرة مثل المفرد، ولا يتحلل إلا يوم العيد، يبقى على إحرامه ملبيا ممتنعا من محظورات الإحرام إلى أن يأتي يوم النحر، يوم العيد، يوم العاشر من ذي الحجة، هذا يسمى قارنا، لكن هذا عندما دخل في النسك قال: لبيك حجا وعمرة، أو لبيك عمرة في حجة، أو لبيك عمرة وحجة.
المذيع: اختلف التلبية عن الإفراد؟
الشيخ: هناك قال فقط: لبيك حجة، فهنا أضاف إليه عمرة، أضافها بقلبه نية وقصدا، وفي عمله لا يفترق المفرد عن القارن، المفرد والقارن أعمالهما واحدة إنما يفترقان في أمرين؛ الأمر الأول: النية، فالقارن ينوي العمرة مع الحج، وأيضا يجب عليه هدي وهو مندرج في قوله تعالى: {فمن تمتع بالعمرة إلى الحج} أي جمع في سفرة واحدة بين العمرة والحج، {فما استيسر من الهدي}+++[البقرة:196]---، هذا الصنف الثاني، أو النوع الثاني من أنواع الأنساك.
 
النوع الثالث من أنواع الأنساك: التمتع، سمي تمتعا لأن الحاج يأتي، المتقرب المتعبد يأتي في أشهر الحج بعمرة، يقول: لبيك عمرة، الآن يقول: لبيك عمرة، ثم يأتي إلى مكة ويطوف ويسعى، ويتحلل بالحلاقة أو بالتقصير، يتحلل بمعنى أنه يخرج من أحكام الإحرام، يكون حلالا يتطيب، ليس سمة شيء ممنوع، يرجع كحاله التي كانت قبل إحرامه، كل شيء مباح له مما أباح الله تعالى للحلال، إلى أن يأتي يوم الثامن من ذي الحجة ويحرم بالحج من عامه، في هذه الحال يكون متمتعا، وهي أن يجمع بين العمرة أن يحرم بالعمرة في أشهر الحج، ثم يتحلل منها ويحرم بالحج من عامه، كل من فعل هذا فهو متمتع، ولا فرق بين ذلك أن يكون قد قال عند إحرامه بالعمرة: لبيك عمرة وحجة، لبيك عمرة متمتعا بها إلى الحج، أو قال لبيك عمرة.
وقد جمعت عائشة رضي الله عنها هذه الأنساك الثلاثة في حديث واحد: قالت:- ذكر في الصحيح- "خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع، فمنا من أهل بعمرة" هذا ماذا؟ المتمتع، "فمنا من أهل بعمرة، ومنا من أهل بحج وعمرة" هذا ماذا؟ القارن، "ومنا من أهل بالحج" هذا من؟ المفرد، هذه هي الأنساك الثلاثة: تمتع، قران، إفراد، مسألة أيهما أفضل نأخذها بعد.+++[البخاري:ح319]---
المذيع: الفاصل..
الشيخ: نعم.
المذيع: جميل جدا، إذا شيخنا نستكمل هذا الموضوع بعد هذا الفاصل القصير من برنامج "مناسك" ابقوا معنا..
فاصل
المذيع: أهلا بكم من جديد متابعينا في الجزء الأخير من حلقتنا لهذا اليوم، ونحن نتحدث عن مناسك الحج، ومع فضيلة الشيخ الدكتور خالد بن عبد الله المصلح، الضيف الدائم للبرنامج، حياك الله يا دكتور.
الشيخ: حياك الله، مرحبا.
المذيع: نتحدث عن أفضل الأنساك من الأنساك الثلاثة التي ذكرناها قبل الفاصل؟
الشيخ: فيما يتعلق بالأنساك الثلاثة، اتفق العلماء أو نقول عامة أهل العلم على أن كل من حج بنوع من هذه الأنساك فقد برأت ذمته وأدى ما فرض الله تعالى عليه من الحج، إذا هي من حيث الإجزاء وأداء ما فرض الله تعالى، كلها تؤدي الغرض متمتعا كان أم قارنا أم مفردا، لكنهم اختلفوا في أي هذه الأنساك أفضل، فمن أهل العلم من قال: إن الأفضل الإفراد واستدلوا لذلك بأدلة، ومنهم من قال: الأفضل التمتع واستدلوا لذلك بأدلة، ومنهم من قال: الأفضل القران ومنهم من استدل لذلك بأدلة.
وأقرب هذه الأقوال خروجا من التشعيبات لأن الكلام فيها كثير، والمذاهب فيها متفرقة، أن من ساق الهدي يعني من جاء بالهدي وهو ما يتقرب إلى الله بذبحه في الحرم، من جاء به من خارج الحرم فالقران هو الأفضل له، لما كان عليه حال النبي -صلى الله عليه وسلم فإنه ساق الهدي، ولما ساق الهدي امتنع من الإحلال، وكان قارنا، فالأفضل له القران، إن ساق الهدي من خارج الحرم.
إن لم يسق الهدي فالأفضل له التمتع، إن لم يسق الهدي فالأفضل له التمتع، وذلك أنه الأكثر عملا وأنه الذي أمر به النبي صلى الله عليه وسلم أصحابه، وأنه الذي تمناه -صلوات الله وسلامه عليه- حيث قال: «لو استقبلت من أمري ما استدبرت لما سقت الهدي، ولجعلتها عمرة»+++[البخاري:ح1651]--- فهذا أقرب ما يقال في التفضيل.
حكى بعض أهل العلم أن الأئمة الأربعة يرون أنه من أتى العمرة بسفرة، ثم جاء إلى الحج بسفرة، أفضل من التمتع، أفضل من التمتع في هذه الصورة، لأنه أفرد كل نسك بسفرة، وهذا..
المذيع: يعني يذهب ويعود شيخنا؟
الشيخ: نعم، والأمر سهل يعني مثلا جاء في  شوال وأخذ عمرة ثم رجع إلى بلده، ولما جاء الحج فالأفضل له أن يأتي مفردا، لأنه يكون قد أفرد العمرة بسفرة والحج بسفرة، هذا الذي عليه حكاه بعض أهل العلم عن الأئمة الأربعة أصحاب المذاهب الشهيرة.
والذي يظهر -والله تعالى- أعلم، أن المسألة فيها سعة، وهذا هو الأفضل على وجه العموم، لكن الأفضل على وجه الخصوص قد يختلف باختلاف الناس وأحوالهم، فحيث ما فعل من هذه الأنساك فإنه على خير، ونسأل الله لنا وله القبول.
المذيع: لكننا نتفق أن الجزاء واحد -إن شاء الله- يا شيخنا؟
الشيخ: من حيث تحقق المطلوب، نعم، لكن بالتأكيد أن من جاء بعمرة وحج يكون عمله أكثر على من حج مفردا أو قارنا، فثمة كثرة في كونه على حال من الإحرام التزم فيها بأحكام فيكون مأجورا، فالفضائل من حيث الأجر لها نواحي مختلفة، تتجاذبها عدة أمور.
المذيع: جميل، قبل أن نأخذ مشاركات مشاهدينا الكرام على هاشتاج "مناسك" في عدة أسئلة وإن شاء الله اتصالات أيضا، نتكلم عن النقطة اللي كنا أجلناها وهي الحكمة من هذه الأنساك الثلاثة يا شيخنا؟
الشيخ: الحكمة من هذه الأنساك التوسيع على الناس فيما يتعلق بأنواع النسك، فهذا من تيسير الله تعالى، والشريعة جاءت في كثير من الأعمال على أنحاء عديدة، وهذه الأنحاء توافق مصالح الناس، وتحقق أغراضهم، وتيسر لهم، فمثلا الذي يأتي في أول الوقت كالذي يأتي في شهر ذي القعدة أو في شهر شوال، فيطول عليه وقت يصعب عليه البقاء بالإحرام كل هذه المدة،  فيعتمر ويتحلل وينتظر إلى أن يأتي، أما الذي يأتي قريبا من الحج في اليوم السادس أو السابع هنا ذهابه للعمرة لاسيما حيث الاكتظاظ والزحام سيشق عليه، ولذلك يكون أنه يقرن ويبقى محرما، قد يكون أرفق به.
المذيع: جميل، أحد الرسائل الموجودة في تويتر في هاشتاج مناسك، سؤال: هل يجوز أن يحج شخص عن شخص متوفى قبل أن يحج عن نفسه؟
الشيخ: لا؛
 الجواب: لا، بالاتفاق، لا يحج إنسان عن غيره حتى يحج عن نفسه، هذا مذهب الأئمة الأربعة+++[مذهب مالك وأبي حنيفة الجواز]---، وحكي اتفاقا+++[نقل الإجماع على ذلك ابن المنذر(الإجماع59)، وابن قدامة(المغني3/223)، وابن حجر(فتح الباري4/70)]---، وقد يكون فيه خلاف، لكن الذي دلت عليه النصوص أن الإنسان لا يبدأ بعمل غيره قبل عمل نفسه، وجاء فيه الحديث في المسند والسنن والحديث عن عبد الله بن عباس في قصة الرجل، أن النبي صلى الله عليه وسلم سمع رجلا يقول:"لبيك عن شبرمة"، قال: «ومن شبرمة؟»، قال: أخ لي أو قريب، قال: «حججت عن نفسك؟»، قال:لا، قال: «حج عن نفسك، ثم حج عن شبرمة» +++[ سنن أبوداود: ح(1811)، قال الألباني:صحيح.]---
المذيع: نعم، إذا الإنسان يحج عن نفسه حجة الفريضة بعد ذلك يستطيع أن يحج لغيره
الشيخ: نعم، في النيابة لابد أن يكون قد حج عن نفسه، سواء كانت النيابة عن فرض للغير، أو كانت النيابة عن نفل للغير.
المذيع: سؤال آخر شيخنا من خليفة في تويتر على هاشتاج مناسك، يقول: هل تكفير الكبائر يقتصر على حج الفريضة؟
الشيخ: الذي يظهر لا، ليس خاصا بالفريضة لعموم قوله: «من حج فلم يرفث ولم يفسق»+++[تقدم]---، ولم يحدد الحج بالفريضة، بل هو في كل حج، سواء كان فريضة أو نافلة.
المذيع: طيب إلى أن يجهز معنا أيضا اتصال مع المخرج، لعل هناك حديث للرسول -عليه الصلاة والسلام- يا شيخنا يتحدث عنه: «خذوا عني مناسككم»+++[تقدم]--- ما هو المعنى خلف هذا الحديث؟
الشيخ: مثل ما ذكرنا الله عز وجل أمر بالحج فقال: {ولله على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلا}+++[ال عمران:97]---، وجاء تفصيل بعض أحكامه في سورة البقرة حيث قال تعالى: {الحج أشهر معلومات فمن فرض فيهن الحج} +++[البقرة:197]---، {ليس عليكم جناح أن تبتغوا فضلا من ربكم فإذا أفضتم من عرفات فاذكروا الله عند المشعر الحرام واذكروه كما هداكم وإن كنتم من قبله لمن الضالين* ثم أفيضوا من حيث أفاض الناس واستغفروا الله إن الله غفور رحيم* فإذا قضيتم مناسككم}+++[البقرة:198-200]---،ذكر الله جملة {واذ  كروا الله في أيام معدودات} +++[البقرة:203]---ذكر الله تعالى الحج إجمالا في التناقلات والأعمال، لكن تفصيل ذلك لم يأت به بيان في القرآن العظيم، وإنما جاء بيانه في هدي سيد الأنام -صلوات الله وسلامه عليه-.
 
فكان القرآن مبينا لأصول الأعمال في الحج، وبيان ذلك على وجه التفصيل في هديه -صلوات الله وسلامه عليه-، الإحرام من الميقات مثلا، صفة الإحرام، ما الذي يجتنبه المحرم في إحرامه؟ ما الذي يجب عليه عند قدومه؟ ما الذي يبدأ به من الأعمال عند قدوم مكة؟ سائر هذه الأعمال التي جاءت في سنته -صلوات الله وسلامه عليه- هي مبينة وموضحة لما فرضه الله تعالى من حج هذا البيت، وهذا دليل ليس فقط في الحج بل في كثير من الأعمال، جاء فيها الأمر في الكتاب وفي السنة إجمالا، وجاء بيان ذلك وإيضاحه في سنته -صلوات الله وسلامه عليه-.
المذيع: جميل، معنا اتصال شيخنا من السودان، أخونا عبد المعبود، اتفضل .. السلام عليكم..
المتصل: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
المذيع: وعليكم السلام ورحمة الله، حياك الله.
المتصل: الله يبارك فيك، الحمد لله.
المذيع: اتفضل سؤالك.. تفضل يا أخي عبد المعبود سؤالك.. يبدو في تقطيع في الصوت يا أخي عبد المعبود.. أعد السؤال من جديد..
المتصل: نعم..
المذيع: أعد السؤال، كان هناك تقطيع في الصوت يا أخ عبد المعبود..
المتصل: بالنسبة لسياق الهدي، للقارن والمتمتع فمن كان يدفع القيمة ويقوم بعمل وكالة مع الراجحي على أساس توفير الهدي في منى، هل يعتبر هذا سياقا للهدي من خارج الميقات بالنسبة للمتمتع وبالنسبة للقارن؟
المذيع: واضح شيخنا، طيب، شكرا لك يا أخ عبد المعبود، شكرا جزيلا لك.. نجيب عليه لأن يجهز معنا اتصال آخر..
الشيخ: طيب، فيما يتعلق بسياق الهدي، سياق الهدي هو أن يأتي به من الحل إلى الحرم، وهذا في وقتنا الحاضر يمكن أن يكون نادرا، من أندر النادر أن يكون، لكن على كل حال، لو أن أحدا اشترى شاة، من بحرة مثلا، ودخل بها الحرم وهو محرم، فهذا قد ساق الهدي، ساق الهدي أتى به من خارج الحرم.
 
ما يتعلق بسؤال الأخ عن توكيل الشركات التي تقوم بذبح الهدايا عن الحجاج، هل هذا التوكيل بالشرع يعتبر سياقا للهدي فيكون الأفضل القران؟
 الجواب: لا، لأن هذا يوكلهم في أن يوفروا له هديا في مكة، ويذبحوه، ليس على باله ولا في خاطره أن يأتوا به من الخارج، بل هذه الشركات في الحقيقة تجهز كميات كبيرة من الهدايا، وبأنواعها من بهيمة الأنعام في الحرم لأجل ذبحها والتقرب إلى الله تعالى بإهدائها في يوم النحر وفي أيام التشريق.
 
فليس هذا من سياق الهدي، هذا توكيل وليس سياقا للهدي، التوكيل في سياق الهدي مثل ما فعل النبي صلى الله عليه وسلم لما جاء علي -رضي الله تعالى عنه- بإبل للنبي -صلى الله عليه وسلم- من اليمن، فهنا قدم النبي صلى الله عليه وسلم بهدي معه من المدينة، وقدم علي ببعض الهدي من اليمن للنبي صلى الله عليه وسلم فأشركه النبي صلى الله عليه وسلم في بعضها.
المقصود أن التوكيل هو أن توكل شخصا يأتي  لك بهدي من بحرة، من جدة، من الجامور، من سائر الجهات التي خارج الحرم، ويدخل به إلى الحرم، هذا التوكيل في سياق الهدي، أما توكيل الشركات التي تشرف على هدايا الحجاج هذا ليست سياقا للهدي، ثم إن المتمتع لا يشرع له أن يسوق هديا، لأن المتمتع إذا ساق الهدي فالأفضل له القران.
المذيع: نعم، جميل، أيضا شيخنا نريد كلمة لهذه الجهات المسئولة عن الأضحية، وأيضا كلمة للحجاج، بمعنى هل بعض الحجاج يقول لك: أنا ما أثق أو مثلا يكون عندي شك في هذا الموضوع من ناحية هذه الشركات التي تتولى ذبح الهدي والأضاحي؟
الشيخ: فيما يتعلق بالشركات المعروفة التي اعتمدتها الجهات المختصة القائمة على الحج هي جهات موثوقة، وعليها رقابة وإشراف من جهات متعددة، جهات صحية، وجهات شرعية، وجهات أمنية، وسائر الجهات المسئولة التي ترقب تحقيق الغرض من هذه المؤسسات القائمة على الهدي، فموضوع الثقة وعدم الثقة هذا نسبي، والناس يختلفون فيه، لكن من وكل الجهات الموثوقة الرسمية فقد برئت ذمته؛ لأنها جهات عليها إشراف ولها أنظمة وعليها رقابة، فبالتالي لا محل للتشكيك في المسألة هذه.
 
لو أن الإنسان أراد أن يضحي بنفسه أو أن يهدي بنفسه فالمجال مفتوح، فثمة مسالخ في مكان، وإن كانت ليست بالكثرة التي تستوعب هذه الأعداد الضخمة، لكن لو أن شخصا أراد فثمة وسائل في تحقيق غرضه من أن يقوم بذبح الهدي بنفسه.
المذيع: جميل، شيخنا نحن وصلنا معك إلى نهاية هذه الحلقة، ونريدك إذا كان هناك كلمة أخيرة نختم به

المشاهدات:2396

المذيع: بسم الله الرحمن الرحيم، مشاهدينا الكرام في كل مكان، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، نرحب بكم أجمل ترحيب في الحلقة الثانية من برنامج "مناسك"، وهي سلسلة حلقات مباشرة تنظمها وزارة الشؤون الإسلامية والأوقاف والدعوة والإرشاد بالمملكة العربية السعودية ضمن خطتها التوعوية لضيوف الرحمن لهذا العام 1436 للهجرة، سنكون معكم -إن شاء الله- في هذه الحلقات حتى غرة شهر ذي الحجة بإذن الله تعالى، لنتحدث عن كل ما يتعلق بأداء فريضة الحج، وأيضاً نجيب على أسئلتكم واستفساراتكم على الهواء مباشرةً أثناء الحلقات.
باسمي وباسمكم مشاهدينا الكرام نرحب بضيف البرنامج الدائم فضيلة الشيخ الدكتور/ خالد بن عبد الله المصلح أستاذ الفقه بكلية الشريعة بجامعة القصيم، وعضو التوعية الإسلامية في الحج.
فضيلة الشيخ حياك الله معنا في حلقتنا الثانية لهذا اليوم.
الشيخ: أهلاً وسهلاً مرحباً بك، حيا الله الأخ الكريم، وحيا الله الإخوة والأخوات، أسأل الله أن يكون لقاءً نافعاً ومباركاً
المذيع: إن شاء الله وبإذن الله يا دكتور، ولعلنا -إن شاء الله- في هذه الحلقة شيخنا الكريم وأيضاً مشاهدينا الكرام، سنتحدث عن الحج كركن من أركان الإسلام، ثم نشرع -إن شاء الله- في الحديث عن مناسك الحج، وأيضاً شرحها، ونستعرض أيضاً بعض من الأدلة المستقاة من الكتاب والسنة عن تلك المناسك.
فضيلة الشيخ، إذا افتتحنا حديثنا عن الحكمة من مشروعية الحج، نحن بالحلقة الماضية تحدثنا عن أركان الإسلام، وتحدثنا عن تاريخ الإسلام، وذكرنا أن الإسلام يعتمد على شهادة أن لا إله إلا الله، وأن محمداً رسول الله كركن أساسي تندرج عليه الأركان الأخرى من العبادات، اليوم نشرع في الحديث كمقدمة عن الحج، وعن هذا الركن العظيم، والحكمة من مشروعية الحج.
الشيخ: الحمد لله رب العالمين، وأصلي وأسلم على المبعوث رحمةً للعاملين نبينا محمد، وعلى آله وأصحابه أجمعين، أما بعد..
الحج ركن من أركان الإسلام، لا ريب في ذلك، وعلى هذا أجمعت الأمة، وقد دل عليه الكتاب والسنة، وتواترت عليه كلمة أهل العلم على اختلاف مذاهبهم، ولذلك لا خلاف في وجوب الحج على المستطيع، وهو فرضٌ فرضه الله تعالى على الناس وشرطه إذا استطاعه، فقال -جلَّ وعلا-: {وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ}[ آل عمران:97
]
، وفي الصحيح من حديث أبي هريرة –رضي الله عنه- أن النبي –صلى الله عليه وسلم- قال: ((يا أيها الناس إن الله فَرضَ عليكم الحجَّ)) [ صحيح ابن حبان:ح(3705)،قال شعيب الأرنؤوط: إسناده صحيح على شرط مسلم]، وجاء في ذكر دعائم الإسلام وأركانه في حديث عبد الله بن عمر -رضي الله عنه أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: «بُني الإسلام على خمس: شهادة أن لا إله إلا الله، وأن محمدا رسول الله، وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة والحج، وصوم رمضان»[أخرجه البخاري في صحيحه:ح8]
وفي الصحيح من حديث في صحيح مسلم عبد الله بن عمر عن عمر في قصة مجيء جبريل إلى النبي صلى الله عليه وسلم وسؤاله عن الإسلام، قال: «أن تشهد أن لا إله إلا الله، وأن محمداً رسول الله، وأن تقيم الصلاة، وتؤتي الزكاة، وتحج البيت إن استطعت إليه سبيلاً، وتصوم رمضان»[صحيح البخاري:ح8] فذكر حج البيت من جملة ما عرَّف به النبي -صلى الله عليه وسلم- الإسلام، وفي ختمه قال: «هذا جبريل أتاكم يعلِّمكم دينَكم».

 المقصود أن الأدلة متوافرة في بيان فرضية الحج، وأنه ركنٌ من أركان الإسلام، وفي كل الموارد التي جاء فيها فرض الحج، جاء تقييده بالاستطاعة، أصل ذلك في كتاب الله -عزَّ وجلَّ-، وكذلك في حديث ابن عمر رضي الله عنه، وفي غيره من الأحاديث، يذكر النبي -عليه الصلاة والسلام- الاستطاعة.
المذيع: لما ارتبط بالاستطاعة؟
الشيخ: هو كل أعمال الشريعة مبنية على الاستطاعة، ما من عمل إلا وهو مقيدٌ بالاستطاعة، الله تعالى يقول: {فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ} [ التغابن:16]، فهذا قانون ينظم كلَّ التشريعات، لا يخرج عنه شيءٌ من أحكام الشريعة، لا في صلاةٍ، ولا في صومٍ، ولا في زكاةٍ، ولا في حجٍّ، ولا في بر الوالدين، ولا في طاعة من تجب طاعته، ولا في حقوق الله وحقوق الخلق.
كلها مبنية على الاستطاعة؛ لأن الله تعالى قد قال في كتابه: {لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا مَا آتَاهَا}[الطلاق:7]، {لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا} [ البقرة:286]
 وهذه النصوص تدل دلالةً ظاهرة وواضحة على أن الاستطاعة هي الشرط الذي يجب أن يُراعى في كل الأعمال، لكن في الحج على وجه الخصوص جاء النص على الاستطاعة في موارد عديدة منها آية: {وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا} [ آل عمران:97]، السبب في ذلك أن الحج فيه من الكلفة والمشقة ما ليس في سائر الأركان التي بُني عليها الإسلام، وذلك أن فيه عملاً بدنياً خارجاً عن المألوف، أن فيه مغادرةً ومفارقة للمكان، لأنه قصد مكان تعبُّد الله بقصد مكة للقريب والبعيد أن فيه كلفة مادية في الغالب؛ لأن الذي يخرج لابد أن يكون معه من المال ما يبلِّغه مكة.
المذيع: نجد -سبحان الله- الذين يدفعون جميع ما يملكون من مال حتى يأتوا إلى مكة؟!!
الشيخ: نعم، فلذلك هذه المعاني كلها مما يبين مشقة الحج، ولذلك هو أحد الجهادين، كما قالها عمر رضي الله عنه: "شُدوا الرحال إلى الحج فهو أحد الجهادين"، كما في البخاري معلقاً منقولاً عن عمر رضي الله عنه، هذا الأثر في البخاري عن عمر رضي الله عنه.[أخرجه البخاري في صحيحه معلقا:ح1516]
 وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم كما في الصحيحين من حديث عائشة، كما في الصحيح البخاري من حديث عائشة، أنها قالت للنبي -صلى الله عليه وسلم: نرى الجهاد أفضل عملاً، أفلا نجاهد؟ قال: «لا، لكن أفضل الجهاد حجٌّ مبرور»[صحيح البخاري:ح1448]، فدل ذلك على أن الحج المبرور هو من أفضل ما يُتقرَّب به إلى الله تعالى من الأعمال المقاربة للجهاد الذي هو ذروة سنام الإسلام؛ فلذلك كان هذا العمل مقيداً بالاستطاعة لما يتضمنه من المشقة والعناء الذي يوجب رعايةً وعنايةً زائدة على سائر الأعمال.
المذيع: شيخنا، مصداقاً أيضاً لكلامك حديث الرسول -عليه الصلاة والسلام-: «الحجُّ المبرور ليس له جزاءٌ إلا الجنة»[ أخرجه البخاري في صحيحه:ح1773.]، لو قسمنا هذا الحديث إلى شقين: «الحج المبرور» كيف نصل إلى هذه الدرجة من الحج المبرور؟ ولماذا اختير له هذا الجزاء العظيم- الجنة- أو دخول الجنة؟
الشيخ: جيد، قبل أن ندخل في هذا وما يتعلق بفضل الحج، وأيضاً فيما يتعلق بما هي صفات الحج المبرور؟ هناك قضية قبل أن نغادر مسألة فرض الحج.
فرض الحج ثمة أمران يميزانه، تكلمنا على الأمر الأول وهو أنه مقيد بالاستطاعة، الأمر الثاني: أنه فرض في العمر مرةً واحدة، فلا يجب الحج أكثر من مرة، وهذا جاء به النص في حديث أبي هريرة عندما سُئِل النبي صلى الله عليه وسلم في توجيهه: «يا أيها الناس إن الله كتب عليكم الحجَّ فحُجُّوا»، قال -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- للناس: إن الله كتب عليكم الحج فحُجُّوا»، فقال رجل: أكلَّ عامٍ يا رسول الله؟ فسكت النبي صلى الله عليه وسلم حتى عادها عليه ثلاثاً يسأله: أكل عامٍ يا رسول الله؟ يعني هذا الذي أمرتنا به من حج البيت أكل عامٍ؟ كره النبي مسألته؛ لأنه لو كان كل عام لبينه، هذا أمر لا يقبل التأخير؛ لأنه بيان للواجب، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «لو قلت نعم لوَجَبَت ولما استطعتم» [صحيح مسلم:ح1337]، وفي رواية أحمد قال: «الحج مَرَّة، فما زاد فتطوُّع)) [أخرجه أبوداود في سننه:ح1721، والحاكم في مستدركه:ح3155، وقال:هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ الشَّيْخَيْنِ وَلَمْ يُخْرِجَاهُ. ووافقه الذهبي]، معنى هذا أن الحج لا يجب على المكلف إلا مرةً واحدة.
نرجع إلى قضية الاستطاعة، ما هي الاستطاعة التي يثبت بها وجوب الحج على الإنسان؟ إن كثيرًا من الناس يلتبس عليهم موضوع الاستطاعة، فيظن أن الاستطاعة هي القدرة البدنية فقط، لا، الاستطاعة ليست القدرة البدنية على الراجح من قول العلماء؛ الاستطاعة تجمع قدرة بدنية وقدرة مالية، القدرة البدنية هي الصحة التي يتمكن بها من أداء المناسك والرجوع إلى بلده، أما القدرة المالية فهي أن يملك من المال فاضلاً عن حوائجه الأصلية الأساسية في مسكن ومأكل ومشرب، وحاجة من يعوله ممن تجب نفقته من زوجة وولد، وغير ذلك ممن تجب نفقتهم، وأن يفضل من هذا قدرٌ من المال يمكنه من الذهاب إلى مكة والرجوع إلى بلده، ولأن الرجوع تتمة الذهاب فليس المقصود الذهاب والإقامة في مكة، إنما الذهاب والرجوع إلى البلد.
والله تعالى فرض الحج، قَصْدَ هذه البقعة لأعمالٍ محددة، فإذا انتهت الأعمال يرجع الإنسان، ولذلك النبي- صلى الله عليه وعلى آله وسلم- لما فرغ من حجه لم يبق في مكة بل مباشرة جاء إلى المدينة، عملاً بقوله: «إذا قضى أحدُكم نَهمَتَه» فيما رواه البخاري ومسلم من حديث أبي هريرةt: «السفر قطعة من العذاب؛ يمنع أحدَكم نومَه وطعامَه، فإذا قضى نهمته من وَجْهِه فليعجِّل إلى أهله»[أخرجه البخاري في صحيحه:ح1804 ] فليُعجِّل العودة إلى أهله، إلى بلده لأنه انتهت حاجته، ولذلك لما انتهت حاجته في اليوم الثالث عشر، فرغ من أعمال الحج في اليوم الرابع عشر، فجر اليوم الرابع عشر رحل عن مكة إلى المدينة، رحل- توجه- من مكة إلى المدينة صلى الله عليه وسلم، مع فضل مكة وعظيم الأجر المترتب على الإقامة فيها، والصلوات والعبادات التي يُتقرب فيها إلى الله تعالى من طوافٍ ونحوه، المقصود أن الاستطاعة هي القدرة المالية والبدنية التي يستطيع بها الإنسان أن يذهب إلى مكة لأداء النسك، ويرجع إلى بلده.
المذيع: يعني ذلك أن مَن ليس لديه قدرة مالية، ليس عليه؟
الشيخ: طبعاً، من ليس لديه قدرة مالية لا يجب عليه، لكن من كان عنده قدرة مالية، لكن ليس عنده قدرة بدنية كأن يكون مريضاً مرضاً لا يتمكن معه من الذهاب إلى مكة وأداء المناسك، هل يجب عليه أن يبذل مالاً لمن يحج عنه؟ أو هل يبحث عن من يحج عنه سواء بمال أو بتبرع من أولاده وأقاربه وما إلى ذلك؟
الذي يظهر من قول العلماء، نعم أنه إن كان قادراً بماله دون بدنه، فإن الحج واجب عليه أن يقيم بماله من يحج عنه، والنيابة في الحج دلَّت عليها النصوص، ومنها حديث يتعلق بهذه الصورة بالذات، وهي أن إنسانًا عنده قدرة مالية لكن ما عنده القدرة البدنية.
 
جاء في الصحيحين من حديث عبد الله بن عباس -رضي الله تعالى عنه- قال: جاءت امرأة من  خثعم إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- ، فقالت: يا رسول الله، إن فريضة الله على عباده في الحج أدركت أبي شيخاً كبيراً، لا يثبت على الراحلة- تخبر النبي -صلى الله عليه وسلم- بحال والدها، إن فريضة الله على عباده في الحج أدركت أبي، يعني أدركه الفرض لقدرته المالية، لا يثبت على الراحلة، إشكاليته أنه ليس أنه ما عنده مال، عنده راحلته تبلغه المكان، لكن ليس عنده قدرة بدنية تمكنه من الوصول إلى مكة، قالت: أفأحج عنه؟ قال: «نعم»[أخرجه البخاري في صحيحه:ح1513]. فدل الحديث هذا أصل استند إليه الحنابلة وأيضاً الشافعية وغيرهم إلى أنه إذا استطاع الإنسان بماله ولم يستطع ببدنه فإنه يجب عليه أن يُقيم من يحجُّ عنه.
وعلى هذا تكون الاستطاعة على مرتبتين:

 المرتبة العليا: هي أن يجمع الاستطاعة البدنية والمالية، فهنا يجب أن يحج بنفسه، ولا يجوز له أن يقيم غيره مقامه في الحج.
 
الحالة الثانية: أن يكون قادراً بماله لكنه ليس قادراً ببدنه لعارض يمنعه- عارض دائم وليس عارضًا مؤقتًا- العارض الدائم يعني المستمر، لا يرجى زواله كإنسان مشلول، كإنسان لا يُرجى أن يطيب، كإنسان لا يستطيع ركوب الطائرة، وبلده يستوجب أنه لا يتمكن من الوصول إلا بطائرة وما أشبه ذلك من الأسباب، في هذه الحال يقيم من يحج عنه.
 
أما إذا كان المرض مرضاً عارضاً ففي هذه الحال ينتظرون، أو حتى الذين عليهم عقوبات مثلاً سجن، وعنده قدرة مالية وسيقضي مدة في السجن، هذا لا نقول: يُحج عنه؛ لأن هذا مانع مؤقت، ومثله أيضاً الذين لم يأت عليهم الدور- التصاريح التي يُحتاج إليها- في الوصول إلى مكة، نقول لهم: انتظر؛ لأن هذا أمرٌ يأتي وفق نظام معين، فلا تستعجل بإنابة من يحج عنك، وبناءً على أنك قادر بمالك لكن لست قادراً ببدنك، بل انتظر وأمهل حتى تتمكن من ذلك بمجيء الدور عليك.
المذيع: بعضهم يتوقع أنه ستأتيه المنية ولم يذهب إلى الحج.
الشيخ: في هذه الحال، إذا مات الإنسان وهو قادرٌ بماله ولم يحج، فإنه يقيم من يحج عنه من ماله، يكون هذا دينًا في التركة كسائر الديون، يوصي وصيةً إني إذا متُّ ولم أحج بسبب مثلاً تأخر التصريح، بسبب أي سبب عارض من الأسباب التي تمنع من الوصول، في هذه الحال يسجل ذلك في وصيته ليُخرَج من تركته فيحج عنه.
المذيع: جميل، إذاً أننا بيَّنا في هذه الأمور قليلاً، وأعتقد أنه إذا أراد أحدٌ من المتصلين السؤال نرحب بكل المشاركات معنا.

 لو استفتحنا الحديث أيضاً عن المناسك شيخنا، وهي موضوع حلقتنا لهذا اليوم؟
الشيخ: جيد، هو في الحقيقة قبلها الفضائل، سألت سؤالًا فيما يتعلق بفضيلة الحج، الحج من فضائله أنه ركنٌ من أركان الإسلام، ومن فضائله أنه من الأعمال الجليلة التي يدرك بها الإنسان أجراً عظيماً وفضلاً كبيراً، ويدرك فائدتين:

 الفائدة الأولى: التنقية والتطهير.

 والفائدة الثانية: التحلية والرفعة في الدرجات.
 
أما ما يتعلق بالفائدة الأولى وهي إزالة الأوزار والسيئات والآثام عنه، جاء ذلك فيما رواه البخاري ومسلم من حديث أبي هريرة، أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: «من حجَّ لله -عز وجل- فلم يرفث ولم يفسق رجع كيومَ ولَدَتْه أُمُّه»[أخرجه البخاري في صحيحه:ح1521]، هذا الحديث الشريف يبين فضيلة الحج «من حجَّ»، وفي بعض الروايات: «من أتى هذا البيتَ»[أخرجه مسلم في صحيحه:ح1350/438] وهذا يشمل الحج والعمرة، لكن بيانه في الروايات التي صرحت بصفة المجيء، وأنه مجيء للحج؛ لأنه العمل الذي فيه عناء ومشقة، أما العمرة فهي دونه في المشقة والعناء.
قال: «من حج فلم يرفُث ولم يفسق» لم يرفث: أي لم يقع في ما يتعلق بمخالفة الممنوعات في الحج، مما يتعلق بالنساء واستمتاع الرجل بالمرأة، والمرأة بالرجل، من الطرفين، «فلم يرفث» سواءٌ كان من رجلٍ أو امرأة، «ولم يفسق» أي ولم يقع في معصية، فرجع «رجع» أي من حجه «كيومَ ولدته أمه» خالياً من الذنوب والسيئات.
 
ما الذي يحصله بهذا؟ الصغائر بالاتفاق تُغفر، «رجع كيومَ ولدته أُمُّه» يشمل الصغائر بالاتفاق، كل صغيرة، الثاني: الكبائر في قول جماعة من أهل العلم، جمهور العلماء على تقييد الحديث بالصغائر، وذهب طائفة من أهل العلم منهم: الطبري، وشيخ الإسلام ابن تيمية، وابن المنذر من الشافعية وغيرهم من أهل العلم إلى أن اللفظ عام، «رجع كيوم ولدته أمه»، ويوم ولدته أمه ليس عليه صغيرة ولا كبيرة، بل من أهل العلم من أضاف التبعات، حقوق العباد، حتى حقوق العباد تُغفر فيما إذا حج وقد حقق هذين الوصفين.
 
لكن فيما يظهر لي -والله تعالى أعلم- أن الإصرار على المعصية، الإصرار على المعصية يحول دون تحقيق هذا، تحصيل هذه الفضيلة، سواء كانت المعصية صغيرة أو كانت المعصية كبيرة، أو كانت المعصية تتعلق بحقوق الخلق، كيف ذلك؟ أن
المذيع: نستكمل بعد الفاصل شيخنا؟
الشيخ: نعم.
المذيع: الإصرار على المعصية، إذاً مشاهدينا الكرام، نستأذنكم في هذا الفاصل القصير، بعده لنا عودة إن شاء الله، ونكمل معكم برنامج "مناسك"، وأيضاً نستقبل اتصالاتكم ومشاركاتكم، ابقوا معنا.
المذيع: حياكم الله من جديد مشاهدينا الكرام، لا نزال معكم على الهواء مباشرةً في برنامج "مناسك"، وموضوعنا هو عن مناسك الحج وشرح تلك المناسك، وضيفنا وضيفكم فضيلة الشيخ الدكتور /خالد المصلح، حياك الله شيخنا..
الشيخ: مرحباً بك.
المذيع: كنت تتحدث عن نقطة مهمة قبل الفاصل "الإصرار على المعصية" كيف يحول بين العبد وبين أن يعود كيوم ولدته أمه؟
الشيخ: نعم، هذه مسألةٌ مهمة وهي أن من شرط الفوز بهذا الأجر قوله صلى الله عليه وسلم: «من حجَّ فلم يرفُث ولم يفسق»[تقدم]، والفسق اسم عام لكل معصية، ومنه الإصرار على الذنب، فمن كان في قلبه أنه إذا عاد سيعاود ما كان عليه من سيئ العمل صغيرًا أو كبيرًا، فإنه لم يحقق الوصف، «من حج فلم يرفث ولم يفسق رجع كيومَ ولدته أمه»، فيفوت الفضلُ كلَّ المُصرِّين، يفوت الفضل كل المصرين الذين بيَّتوا أن يعودوا إلى حالهم بعد الحج، يدركون فيها ما كانوا من إصرارٍ في الخطأ.
 
فيما يتعلق بالحديث ظاهره- والله أعلم- هو العموم لمغفرة الصغائر والكبائر والتبِعات، قيد بعض أهل العلم التبعات بحقوق العباد، في الحقوق التي ندم الإنسان على أخذها وعجز عن ردها، وهذا الوجه فيما يظهر لي.
 
لكن أيضاً التبعات التي ندم عليها ولم يستطع ردها، سواءً لعجزه أو لعدم معرفة أهلها، أو لعدم تمكنه من إظهارها، فالذي يظهر التبعات شاملة إلا ما كان يمكن أن يردَّه ولم يرده، هذا يرجع فيما ذكرنا قبل قليل إلى الإصرار على العصيان، يعني مثلاً إنسان اقتطع شبراً من الأرض، أخذ مال أحدٍ، استباح عرضه، ما إلى ذلك من الحقوق التي تكون بين العباد، ولم يأخذ بأسباب الاستباحة، لم يرد المال إلى أهله، لم يطلب التحلل، لم يسعى في رد الحقوق إلى أهلها، ومُصِرٌّ على إمساك حقوق العباد، على التعدي عليهم، هذا هو مُصِرٌّ على الإساءة، وبالتالي هذا لم يحقق الوصف المذكور في قوله صلى الله عليه وسلم:«من حج فلم يرفث  ولم يفسق رجع كيوم ولدته أمه»
إذاً تحصيل هذه الفضيلة يستوجب أن يخرج الإنسان من الذنوب تائباً إلى الله -عزَّ وجلَّ- من كل خطيئة وسيئة، فإن الحج يمحو ذلك كله، حتى ما كان من سيء العمل لكنه يعني السابق، لكنه لم يستحضر التوبة منه، لكنه ليس مصرًّا عليه، هذا أيضاً يندرج فيه المغفرة التي شملها هذا الحديث فيما يظهر، والله تعالى أعلم.
من فضائله ما جاء في الصحيحين أيضاً من حديث أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «الحجُّ المبرور ليس له جزاءٌ إلا الجنة»[أخرجه البخاري في صحيحه:ح1773]، وهذا يبين لنا الفضيلة الثانية التي في ذكرها الحج، نحن ذكرنا قبل قليل أنه تنقيةٌ وتخليةٌ من الذنوب وآثارها والسيئات وأوزارها، والثاني: هو التحلية بالفضائل والدرجات والعطايا والهبات من الله -عزَّ وجلَّ-، وذلك في قوله: «الحج المبرور ليس له جزاءٌ إلا الجنة»، هناك قال:« لم يرفث ولم يفسق»، امتناع سببٍ لإدراك الفضيلة، هنا لا، الحج المبرور هذا ليس فقط امتناع.. هو امتناع وزيادة، فهو إضافة إلى ما تقدم من الحديث السابق الذي فيه أنه لم يرفث ولم يفسق، لا، هنا فيه برٌّ في العمل، وبر العمل هو الطاعة فيه، وأن يكون على الوجه الذي أمر الله تعالى به، وأن يكون قائماً على النحو الذي شرعه الله -جلَّ وعلا-، هنا يحقق الإنسان الشرط؛ فينال العطاء والفضل الذي هو قوله -صلى الله عليه وسلم-: «ليس له جزاء إلا الجنة» يعني لا يكافئه في عطاءٍ ولا يعادله في هباته وفضله إلا أن يكون جزاؤه الجنة، عطاء الله له الجنة، هذا الجزاء.
إذاً تبين لنا الفضل العظيم المرتب على هذا العمل الجليل، وهو هذا الحج الذي فرضه الله تعالى في العمر مرةً واحدة، يمكن أن نجمل لو قال قائل: اعطونا خطة للحاج يحقق بها أوصاف الحج المبرور، اعطوني نقاط محددة، كيف يحقق الحاج الحج المبرور؟ كيف يحقق من أتى إلى هذا البيت الحج المبرور؟
يحقق ذلك بأعمال، العمل الأول: أن يكون عمله لله خالصاً، وهذا مصرَّح به في فرض الحج، فإن الله أول ما ذكر في فرض الحج ذكر المقصود بالحج من؟ الله، فقال: ﴿وَلِلَّهِ﴾ليس لسواه،   ﴿عَلَى ٱلنَّاسِ حِجُّ ٱلۡبَيۡتِ[آل عمران:97]، فقبل أن يذكر العمل ذكر المقصود به، ولذلك من المهم أن نستحضر هذا المعنى لتحقيق أوصاف الحج المبرور أن يكون الحج لله.
 
الثاني من الأمور التي يتحقق بها معنى الحج المبرور: أن يكون على وفق هدي النبي صلى الله عليه وسلم، فإن النبي قد حرص على تعليم أصحابه، فكان في المناسك يقول:«لِتأخذوا عني مَنَاسِكَكم فإني لا أدري لعلي لا أحج بعد حجتي هذه»[أخرجه مسلم في صحيحه:ح1297/310]، قال ذلك في حجة الوداع كما في الصحيح من حديث جابر، وقاله أيضاً في رواية النسائي:«لتأخذوا عني مناسككم، لعلّي لا ألقاكم بعد عامي هذا»[النسائي في المجتبى:ح3062]، وأتمَّ الناس به، بل كلهم جاؤوا، كل من حج يريد مع النبي صلى الله عليه وسلم أراد الائتمام به، فإنه قد كان يتنزل عليه القرآن وهو يعلم تأويله والصحابة يقتدون به، فكانوا يأتسَّون به في أقواله وأعماله وأحواله، لأنه هو الذي يترجم لهم ما فرض الله تعالى عليهم، هذا الثاني من أوصاف الحج المبرور، أن يكون على وفق هدي النبي صلى الله عليه وسلم.
هناك أنه هذان كافيان في المعنى العام، لكن على وجه التفصيل أيضاً أن يكون الحاج ملتزماً طاعة الله -عزَّ وجلَّ- العامة والخاصة، العامة في الصلاة وفي أداء الحقوق، والخاصة فيما يتعلق بواجبات الحج وأركان الحج وأعمال الحج، يحرص على أن يأتي بها كاملةً حتى يحقق الحج المبرور.
أيضاً عندما نقول الطاعة العامة والطاعة الخاصة، الطاعة العامة مثل الصلاة، مثل أداء الحقوق التي للوالدين، أداء الحقوق التي للخلق، أيضاً طاعة ولاة الأمر فيما ينظمونه من تنظيمات، هذا مما يتعلق بالمعنى العام الذي يتحقق به برُّ الحج.
ولذلك لما جاء رجل إلى عبد الله بن عمر، وانظر إلى السلف الصالح في نظرتهم إلى تنظيم الناس، وأن يكون الناس تحت ولايةٍ تقودهم وترتبهم حتى في أعمال الحج، جاء قال له وفي حديث وَبْرَه في الصحيح البخاري، قال له: متى أرمي؟ قال: "إذا رمى إمامك فارمِه"[أخرجه البخاري في صحيحه:ح1746]، إذا رمى أميرك فارمِ، والمقصود بالأمير أمير الحج.. إمام الحج، فجعل ذلك منوطاً به، فلا يتقدم عليه، وذاك أنه إنما جعل إماماً ليؤتم به، ويتبعه الناس في أعمال المناسك، وهنا نقول: الآن الإمام قد لا يظهر للناس بشخصه، لكثرة الناس وتفرقهم، لكن الإمام الآن يظهر بالتوجيهات التي ترتبها الجهات ذات الاختصاص فيما يتعلق بالأمن، سواء فيما يتعلق بالتفويج، سواء فيما يتعلق بأعمال الحج، سواء فيما يتعلق بالصحة، سواء فيما يتعلق بالتوجيهات الشرعية، كل ذلك يرجع إلى أهل الاختصاص، فالولاية هنا موزعة على كل الجهات التي لها شأنٌ في تنظيم وترتيب هذا المنسك وأعمال الحجاج وأعمال الحج التي تكون في هذه الأيام.
المعنى الثالث أو الرابع الذي يتحقق به وصف الحج المبرور:
 
أن يكون خالصاً من الإثم، خالصاً من المعصية، سواء كانت معصية عامة، كترك الصلاة، والغيبة، والنظر للمحرم، وأذية الخلق بأنواع الأذى الذي يحصل، ومنه أذى تتعدى على الحقوق، فعندما أستأجر خيمةً مثلاً بمبلغ، وآتي وأجد من احتلها، هذا من الأذى الذي يفوت الحج المبرور، عندما يلتزم متعهد بأن يعطي الحجاج واجبات معينة وأعمال معينة، وثم يخل بذلك، هذا يفوت الحج المبرور؛ لأنه إخلال بالعقود التي أمر الله تعالى بالوفاء بها {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ}[المائدة:1]، هذا مثال للمعصية العامة.
المعصية الخاصة هي محظورات الإحرام المتعلقة بتجنب مثلاً حلاقة الرأس، تجنب الطيب، تجنب عقد النكاح، الخطبة، قتل الصيد، وما أشبه ذلك مما يمنع منه المحرم، أما الوصف الأخير الذي يتحقق به وصف الحج المبرور هو أن يكون من مالٍ حلال، لأن المال الحلال طيب، والله طيبٌ لا يقبل إلا طيباً، وأما المال الحرام فهو خبيث والله تعالى يقول: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَنفِقُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا كَسَبْتُمْ وَمِمَّا أَخْرَجْنَا لَكُمْ مِنَ الأَرْضِ وَلا تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنفِقُونَ وَلَسْتُمْ بِآخِذِيهِ إِلَّا أَنْ تُغْمِضُوا فِيهِ}[البقرة:267]، فنهانا الله عن قصد الخبيث في الإنفاق، وفي إخراج أموال الواجبة في الزكوات وكذلك في سائر الطاعات، لا يخُرج من مالٍ حرام.
هذه خمسة أوصاف بها يتحقق الحج الموصوف، أن يكون لله خالصاً، أن يكون وفق سنة النبي صلى الله عليه وسلم، أن يحقق طاعات الله العامة وطاعات الأوامر، طاعة الله في الأوامر العامة والخاصة المتعلقة بالحج، أن يجتنب معصية الله العامة والخاصة في الحج، أن يكون الحج من مال حلال.
المذيع: سبحان الله.. هذا يعني يا شيخنا أنه قد يشتبه معنا المشاهد ويقول نحن لسنا ملائكة، نحن بشر نخطئ، فأنا إذا أخطأت في الحج ماذا أفعل؟ الشيء الثاني أيضاً نريد أن نركز على نقطة أنه لابد أن تذهب إلى الحج ولديك نية التغيير في نفسك أنك ستعود -إن شاء الله- أفضل من السابق؟
الشيخ: نعم، وهذه إشارة أنه عندما تكلم العلماء عن أوصاف الحج المبرور، منهم من قال: من أوصاف الحج المبرور أن يكون الإنسان بعد عوده خيراً منه قبل ذهابه، وهذا معناه أنه حصل تغيير، حصل تقدم في السير إلى الله -عزَّ وجلَّ، حصل تخلي عن السيئ من العمل، وهذا المعنى صحيح؛ لأنه لا يمكن أن يحقق الحج المبرور، ويكون كما ذكرت يعني مصرًّا على السيئة، مصرًّا على أنه إذا عاد بعد الحج، عاد إلى سابق سيئاته ومألوفه من معصية الله -عزَّ وجلَّ-، بل هي مرحلة وخطوة يقلب فيها الإنسان صفحة، ويبدأ صفحةً جديدة خالية من السيئات والخطايا، خاليةً من الأوزار والعثرات، يطلب من الله تعالى فيها الصفح، لا يعني أنه يكون معصوماً، إنما أن يبذل قصارى جهده في تحقيق هذه الصفات، أما العصمة، فإنه لا أحدٌ يعصم «كل ابن آدم خطَّاء»كما في الترمذي من حديث أنس بن مالك رضي الله عنه، قال -صلى الله عليه وسلم-: «كلُّ ابن آدم خطَّاء، وخير الخطَّائين التوَّابون»[أخرجه الترمذي في سننه:ح2499، والحاكم في مستدركه:ح7617، وقال:هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحُ الْإِسْنَادِ وَلَمْ يُخَرِّجَاهُ] ونسأل الله أن يتوب علينا وعلى المسلمين، وأن يجعله حجًّا مبروراً وسعياً مشكوراً.
المذيع: طبعاً نحن نذكر السادة المشاهدين أن أرقام التواصل تظهر بين وقتٍ وآخر أسفل الشاشة، بإمكانكم المشاركة معنا بالاتصال أو أيضاً عن طريق هاشتاج البرنامج في تويتر "مناسك"، سنقرأ -إن شاء الله- بعضًا من تغريداتكم وأسئلتكم لفضيلة الشيخ.
طيب فضلية الشيخ، لعلنا قبل أن نتحدث عن الأنساك ونشرح الأنساك الثلاثة، لماذا شرع الله -عزَّ وجلَّ- هذه الأنساك، هل هناك حكمة لهذا الموضوع؟
الشيخ: في الحقيقة نحن نحتاج أولاً إلى أن نعرف الأنساك ثم نعرف الحكمة من مشروعيتها.
الأنساك؛ معنى الأنساك يعني صفات الحج، كيف يحج الناس؟ ما هي الأعمال التي يقوم بها الحجاج؟ هذا معنى الأنساك، أنه يقول: الأنساك ثلاثة، يعني صفات أعمال الحجاج على ثلاثة أنحاء، على ثلاثة أقسام، على ثلاثة صور، على ثلاثة أنواع، هذا معنى الأنساك.
إذاً النسك هو صفة العمل، فلما نقول: الأنساك ثلاثة يعني صفات أعمال الحجاج التي يفعلونها في مجيئهم إلى مكة ثلاثة أنواع:
النوع الأول: الحج مفرداً، وهو أن يأتي إلى مكة لا يقصد إلا الحج، ولا يعمل عملًا إلا الحج، يلبِّي بالحج في أشهره، وهي أشهر الحج الثلاثة: شوال، وذو القعدة، وذو الحجة أو عشر من ذي الحجة، على قول أهل العلم، إذا لبى بالحج، قال: لبيك حجًّا، الآن دخل في الحج، وبالتالي الآن ماذا سيصنع؟ هو سيلبي ويذهب ويطوف ويسعى ويقف المواقف، لكنه لا يقصد بهذا إلا الحج، ليس ثمة عملٌ آخر، هذا النسك الأول وهو الإفراد، يسمى الإفراد، وهو أن يأتي بالحج فقط، ولذلك يسمى الإفراد؛ لأنه ليس هناك عمل آخر، فهو حج فقط لم يضِف إليه عملاً آخر.
القسم الثاني: أن يضيف إلى الحج العمرة، وهذا على صورتين: تمتع وقران، تمتع وقران.
نبدأ بالقران لأنه قريب من الحج، عندنا الآن الصورة الأولى: أن يأتي فقط للحج، الصورة الثانية أن يأتي بحجٍّ وعمرةٍ مقترنتين جميعاً، لا يفرق بينهما بفاصل، بل كل ما يفعله هو لحجه وعمرته، طوافه لحجه وعمرته، سعيه لحجه وعمرته، فهما مقترنان، ولذلك سمي صاحبهما قارناً، هذا لا يحل، يأتي محرماً يقول: لبيك عمرة مثل المفرد، ولا يتحلل إلا يوم العيد، يبقى على إحرامه ملبِّياً ممتنعاً من محظورات الإحرام إلى أن يأتي يوم النحر، يوم العيد، يوم العاشر من ذي الحجة، هذا يسمى قارنا، لكن هذا عندما دخل في النسك قال: لبيك حجًّا وعمرة، أو لبيك عمرةً في حجة، أو لبيك عمرةً وحجة.
المذيع: اختلف التلبية عن الإفراد؟
الشيخ: هناك قال فقط: لبيك حجة، فهنا أضاف إليه عمرة، أضافها بقلبه نيةً وقصداً، وفي عمله لا يفترق المفرد عن القارن، المفرد والقارن أعمالهما واحدة إنما يفترقان في أمرين؛ الأمر الأول: النية، فالقارن ينوي العمرة مع الحج، وأيضاً يجب عليه هديٌ وهو مندرج في قوله تعالى: {فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ} أي جمع في سفرة واحدة بين العمرة والحج، {فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ}[البقرة:196]، هذا الصنف الثاني، أو النوع الثاني من أنواع الأنساك.
 
النوع الثالث من أنواع الأنساك: التمتع، سُمي تمتعًا لأن الحاج يأتي، المتقرب المتعبد يأتي في أشهر الحج بعمرة، يقول: لبيك عمرة، الآن يقول: لبيك عمرة، ثم يأتي إلى مكة ويطوف ويسعى، ويتحلل بالحلاقة أو بالتقصير، يتحلل بمعنى أنه يخرج من أحكام الإحرام، يكون حلالاً يتطيب، ليس سمة شيءٍ ممنوع، يرجع كحاله التي كانت قبل إحرامه، كل شيءٍ مباح له مما أباح الله تعالى للحلال، إلى أن يأتي يوم الثامن من ذي الحجة ويُحرم بالحج من عامِه، في هذه الحال يكون متمتعاً، وهي أن يجمع بين العمرة أن يحرم بالعمرة في أشهر الحج، ثم يتحلل منها ويحرم بالحج من عامه، كل من فعل هذا فهو متمتع، ولا فرق بين ذلك أن يكون قد قال عند إحرامه بالعمرة: لبيك عمرةً وحجة، لبيك عمرةً متمتعاً بها إلى الحج، أو قال لبيك عمرة.
وقد جمعت عائشة رضي الله عنها هذه الأنساك الثلاثة في حديثٍ واحد: قالت:- ذكر في الصحيح- "خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع، فمنا من أهل بعمرةٍ" هذا ماذا؟ المتمتع، "فمنا من أهل بعمرةٍ، ومنا من أهل بحجٍّ وعمرة" هذا ماذا؟ القارن، "ومنا من أهل بالحج" هذا من؟ المفرد، هذه هي الأنساك الثلاثة: تمتع، قران، إفراد، مسألة أيهما أفضل نأخذها بعد.[البخاري:ح319]
المذيع: الفاصل..
الشيخ: نعم.
المذيع: جميل جداً، إذاً شيخنا نستكمل هذا الموضوع بعد هذا الفاصل القصير من برنامج "مناسك" ابقوا معنا..
فاصل
المذيع: أهلاً بكم من جديد متابعينا في الجزء الأخير من حلقتنا لهذا اليوم، ونحن نتحدث عن مناسك الحج، ومع فضيلة الشيخ الدكتور خالد بن عبد الله المصلح، الضيف الدائم للبرنامج، حياك الله يا دكتور.
الشيخ: حياك الله، مرحبا.
المذيع: نتحدث عن أفضل الأنساك من الأنساك الثلاثة التي ذكرناها قبل الفاصل؟
الشيخ: فيما يتعلق بالأنساك الثلاثة، اتفق العلماء أو نقول عامة أهل العلم على أن كل من حجَّ بنوع من هذه الأنساك فقد برأت ذمته وأدَّى ما فرض الله تعالى عليه من الحج، إذاً هي من حيث الإجزاء وأداء ما فرض الله تعالى، كلها تؤدي الغرض متمتعاً كان أم قارناً أم مفرداً، لكنهم اختلفوا في أي هذه الأنساك أفضل، فمن أهل العلم من قال: إن الأفضل الإفراد واستدلوا لذلك بأدلة، ومنهم من قال: الأفضل التمتع واستدلوا لذلك بأدلة، ومنهم من قال: الأفضل القران ومنهم من استدل لذلك بأدلة.
وأقرب هذه الأقوال خروجاً من التشعيبات لأن الكلام فيها كثير، والمذاهب فيها متفرقة، أن من ساق الهدي يعني من جاء بالهدي وهو ما يُتقرب إلى الله بذبحه في الحرم، من جاء به من خارج الحرم فالقران هو الأفضل له، لما كان عليه حال النبي -صلى الله عليه وسلم فإنه ساق الهدي، ولما ساق الهدي امتنع من الإحلال، وكان قارناً، فالأفضل له القران، إن ساق الهدي من خارج الحرم.
إن لم يسق الهدي فالأفضل له التمتع، إن لم يسق الهدي فالأفضل له التمتع، وذلك أنه الأكثر عملاً وأنه الذي أمر به النبي صلى الله عليه وسلم أصحابه، وأنه الذي تمناه -صلوات الله وسلامه عليه- حيث قال: «لو استَقبَلتُ من أمري ما استدبرتُ لما سُقتُ الهديَ، ولجعلتها عمرة»[البخاري:ح1651] فهذا أقرب ما يقال في التفضيل.
حكى بعض أهل العلم أن الأئمة الأربعة يرون أنه من أتى العمرة بسفرة، ثم جاء إلى الحج بسفرة، أفضل من التمتع، أفضل من التمتع في هذه الصورة، لأنه أفرد كلَّ نسكٍ بسفرة، وهذا..
المذيع: يعني يذهب ويعود شيخنا؟
الشيخ: نعم، والأمر سهل يعني مثلاً جاء في  شوال وأخذ عمرة ثم رجع إلى بلده، ولما جاء الحج فالأفضل له أن يأتي مفرداً، لأنه يكون قد أفرد العمرة بسفرة والحج بسفرة، هذا الذي عليه حكاه بعض أهل العلم عن الأئمة الأربعة أصحاب المذاهب الشهيرة.
والذي يظهر -والله تعالى- أعلم، أن المسألة فيها سعة، وهذا هو الأفضل على وجه العموم، لكن الأفضل على وجه الخصوص قد يختلف باختلاف الناس وأحوالهم، فحيث ما فعل من هذه الأنساك فإنه على خير، ونسأل الله لنا وله القبول.
المذيع: لكننا نتفق أن الجزاء واحد -إن شاء الله- يا شيخنا؟
الشيخ: من حيث تحقق المطلوب، نعم، لكن بالتأكيد أن من جاء بعمرة وحج يكون عمله أكثر على من حج مفرداً أو قارناً، فثمة كثرة في كونه على حالٍ من الإحرام التزم فيها بأحكام فيكون مأجوراً، فالفضائل من حيث الأجر لها نواحي مختلفة، تتجاذبها عدة أمور.
المذيع: جميل، قبل أن نأخذ مشاركات مشاهدينا الكرام على هاشتاج "مناسك" في عدة أسئلة وإن شاء الله اتصالات أيضاً، نتكلم عن النقطة اللي كنا أجلناها وهي الحكمة من هذه الأنساك الثلاثة يا شيخنا؟
الشيخ: الحكمة من هذه الأنساك التوسيع على الناس فيما يتعلق بأنواع النسك، فهذا من تيسير الله تعالى، والشريعة جاءت في كثيرٍ من الأعمال على أنحاءٍ عديدة، وهذه الأنحاء توافق مصالح الناس، وتحقق أغراضهم، وتيسر لهم، فمثلاً الذي يأتي في أول الوقت كالذي يأتي في شهر ذي القعدة أو في شهر شوال، فيطول عليه وقت يصعب عليه البقاء بالإحرام كل هذه المدة،  فيعتمر ويتحلل وينتظر إلى أن يأتي، أما الذي يأتي قريباً من الحج في اليوم السادس أو السابع هنا ذهابه للعمرة لاسيما حيث الاكتظاظ والزحام سيشق عليه، ولذلك يكون أنه يقرن ويبقى محرماً، قد يكون أرفق به.
المذيع: جميل، أحد الرسائل الموجودة في تويتر في هاشتاج مناسك، سؤال: هل يجوز أن يحج شخصٌ عن شخصٍ متوفى قبل أن يحج عن نفسه؟
الشيخ: لا؛
 الجواب: لا، بالاتفاق، لا يحج إنسان عن غيره حتى يحج عن نفسه، هذا مذهب الأئمة الأربعة[مذهب مالك وأبي حنيفة الجواز]، وحكي اتفاقاً[نقل الإجماع على ذلك ابن المنذر(الإجماع59)، وابن قدامة(المغني3/223)، وابن حجر(فتح الباري4/70)]، وقد يكون فيه خلاف، لكن الذي دلت عليه النصوص أن الإنسان لا يبدأ بعمل غيره قبل عمل نفسه، وجاء فيه الحديث في المسند والسنن والحديث عن عبد الله بن عباس في قصة الرجل، أن النبي صلى الله عليه وسلم سمع رجلاً يقول:"لبيك عن شُبْرُمة"، قال: «ومن شُبرُمة؟»، قال: أخٌ لي أو قريب، قال: «حَجَجتَ عن نفسك؟»، قال:لا، قال: «حُجَّ عن نفسك، ثم حجَّ عن شُبرُمة» [ سنن أبوداود: ح(1811)، قال الألباني:صحيح.]
المذيع: نعم، إذاً الإنسان يحج عن نفسه حجة الفريضة بعد ذلك يستطيع أن يحج لغيره
الشيخ: نعم، في النيابة لابد أن يكون قد حج عن نفسه، سواء كانت النيابة عن فرض للغير، أو كانت النيابة عن نفل للغير.
المذيع: سؤال آخر شيخنا من خليفة في تويتر على هاشتاج مناسك، يقول: هل تكفير الكبائر يقتصر على حج الفريضة؟
الشيخ: الذي يظهر لا، ليس خاصًّا بالفريضة لعموم قوله: «من حجَّ فلم يرفث ولم يفسق»[تقدم]، ولم يحدد الحج بالفريضة، بل هو في كل حج، سواء كان فريضةً أو نافلةً.
المذيع: طيب إلى أن يجهز معنا أيضاً اتصال مع المخرج، لعل هناك حديث للرسول -عليه الصلاة والسلام- يا شيخنا يتحدث عنه: «خذوا عني مناسككم»[تقدم] ما هو المعنى خلف هذا الحديث؟
الشيخ: مثل ما ذكرنا الله عزَّ وجلَّ أمر بالحج فقال: {وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا}[ال عمران:97]، وجاء تفصيل بعض أحكامه في سورة البقرة حيث قال تعالى: {الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ} [البقرة:197]، {لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَبْتَغُوا فَضْلًا مِنْ رَبِّكُمْ فَإِذَا أَفَضْتُمْ مِنْ عَرَفَاتٍ فَاذْكُرُوا اللَّهَ عِنْدَ الْمشْعَرِ الْحَرَامِ وَاذْكُرُوهُ كَمَا هَدَاكُمْ وَإِنْ كُنتُمْ مِنْ قَبْلِهِ لَمِنَ الضَّالِّينَ* ثُمَّ أَفِيضُوا مِنْ حَيْثُ أَفَاضَ النَّاسُ وَاسْتَغْفِرُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ* فَإِذَا قَضَيْتُمْ مَنَاسِكَكُمْ}[البقرة:198-200]،ذكر الله جملة {وَاذ  كُرُوا اللَّهَ فِي أَيَّامٍ مَعْدُودَاتٍ} [البقرة:203]ذكر الله تعالى الحج إجمالاً في التناقلات والأعمال، لكن تفصيل ذلك لم يأتِ به بيانٌ في القرآن العظيم، وإنما جاء بيانه في هدي سيد الأنام -صلوات الله وسلامه عليه-.
 
فكان القرآن مبيِّناً لأصول الأعمال في الحج، وبيان ذلك على وجه التفصيل في هديه -صلوات الله وسلامه عليه-، الإحرام من الميقات مثلاً، صفة الإحرام، ما الذي يجتنبه المحرم في إحرامه؟ ما الذي يجب عليه عند قدومه؟ ما الذي يبدأ به من الأعمال عند قدوم مكة؟ سائر هذه الأعمال التي جاءت في سنته -صلوات الله وسلامه عليه- هي مبينة وموضحة لما فرضه الله تعالى من حج هذا البيت، وهذا دليل ليس فقط في الحج بل في كثير من الأعمال، جاء فيها الأمر في الكتاب وفي السنة إجمالاً، وجاء بيان ذلك وإيضاحه في سنته -صلوات الله وسلامه عليه-.
المذيع: جميل، معنا اتصال شيخنا من السودان، أخونا عبد المعبود، اتفضل .. السلام عليكم..
المتصل: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
المذيع: وعليكم السلام ورحمة الله، حياك الله.
المتصل: الله يبارك فيك، الحمد لله.
المذيع: اتفضل سؤالك.. تفضل يا أخي عبد المعبود سؤالك.. يبدو في تقطيع في الصوت يا أخي عبد المعبود.. أعد السؤال من جديد..
المتصل: نعم..
المذيع: أعد السؤال، كان هناك تقطيع في الصوت يا أخ عبد المعبود..
المتصل: بالنسبة لسياق الهدي، للقارن والمتمتع فمن كان يدفع القيمة ويقوم بعمل وكالة مع الراجحي على أساس توفير الهدي في منى، هل يعتبر هذا سياقا للهدي من خارج الميقات بالنسبة للمتمتع وبالنسبة للقارن؟
المذيع: واضح شيخنا، طيب، شكرا لك يا أخ عبد المعبود، شكراً جزيلاً لك.. نجيب عليه لأن يجهز معنا اتصال آخر..
الشيخ: طيب، فيما يتعلق بسياق الهدي، سياق الهدي هو أن يأتي به من الحل إلى الحرم، وهذا في وقتنا الحاضر يمكن أن يكون نادراً، من أندر النادر أن يكون، لكن على كل حال، لو أن أحداً اشترى شاةً، من بحرة مثلاً، ودخل بها الحرم وهو محرم، فهذا قد ساق الهدي، ساق الهدي أتى به من خارج الحرم.
 
ما يتعلق بسؤال الأخ عن توكيل الشركات التي تقوم بذبح الهدايا عن الحجاج، هل هذا التوكيل بالشرع يعتبر سياقًا للهدي فيكون الأفضل القران؟
 الجواب: لا، لأن هذا يوكلهم في أن يوفروا له هدياً في مكة، ويذبحوه، ليس على باله ولا في خاطره أن يأتوا به من الخارج، بل هذه الشركات في الحقيقة تجهز كميات كبيرة من الهدايا، وبأنواعها من بهيمة الأنعام في الحرم لأجل ذبحها والتقرب إلى الله تعالى بإهدائها في يوم النحر وفي أيام التشريق.
 
فليس هذا من سياق الهدي، هذا توكيل وليس سياقاً للهدي، التوكيل في سياق الهدي مثل ما فعل النبي صلى الله عليه وسلم لما جاء علي -رضي الله تعالى عنه- بإبلٍ للنبي -صلى الله عليه وسلم- من اليمن، فهنا قدم النبي صلى الله عليه وسلم بهديٍ معه من المدينة، وقدم عليٌّ ببعض الهدي من اليمن للنبي صلى الله عليه وسلم فأشركه النبي صلى الله عليه وسلم في بعضها.
المقصود أن التوكيل هو أن توكِّل شخصًا يأتي  لك بهدي من بحرة، من جدة، من الجامور، من سائر الجهات التي خارج الحرم، ويدخل به إلى الحرم، هذا التوكيل في سياق الهدي، أما توكيل الشركات التي تشرف على هدايا الحجاج هذا

الاكثر مشاهدة

1. خطبة : الخوف من الله تعالى ( عدد المشاهدات42479 )
3. خطبة : الحسد ( عدد المشاهدات29251 )
4. خطبة: يوم الجمعة سيد الأيام ( عدد المشاهدات24290 )
5. خطبة : الأعمال بالخواتيم ( عدد المشاهدات22102 )
6. حكم الإيجار المنتهي بالتمليك ( عدد المشاهدات20673 )
7. خطبة : احرص على ما ينفعك ( عدد المشاهدات20171 )
8. خطبة : الخلاف شر ( عدد المشاهدات15564 )
9. خطبة: يا ليتنا أطعناه ( عدد المشاهدات12210 )
10. خطبة : يتقارب الزمان ( عدد المشاهدات12191 )
11. خطبة : بماذا تتقي النار. ( عدد المشاهدات10859 )
12. خطبة: أثر الربا ( عدد المشاهدات10727 )
14. خطبة : أحوال المحتضرين ( عدد المشاهدات10508 )

مواد تم زيارتها

التعليقات


×

هل ترغب فعلا بحذف المواد التي تمت زيارتها ؟؟

نعم؛ حذف