الحمد لله حمدًا كثيرًا طيبًا مباركًا فيه، أحمده لا أحصي ثناءً عليه، هو كما أثنى على نفسه، وأشهد أن لا إله إلا الله، إله الأولين والآخرين، لا إله إلا هو الرحمن الرحيم، وأشهد أن محمدًا عبد الله ورسوله، صفيه وخليله، خيرته من خلقه، صلى الله عليه، وعلى آله، وصحبه، ومن اتبع سنته، واقتفى آثره بإحسانٍ إلى يوم الدين، أما بعد،،
فإن خير ما عمرت به الأوقات، وأشغلت به الأذهان، واستعمل فيه الإنسان هو أن يحقق العبودية لله جل في علاه، فإنه إنما خلق لعبادة الله، وعبادة الله ليست محصورة في صورة، ولا مقصورة على عملٍ، أو حالة، بل هي حال الإنسان في كل تقلباته، وفي كل أحواله، وإن كان راشدًا عمر عمره كله في طاعة ربه، كما قال الله جل وعلا: ﴿قُلْ إِنَّ صَلاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ لا شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ﴾(الأنعام:162 و163) فالمؤمن الراشد هو الذي يعمر وقته فيما يرضي ربه، قائمًا وقاعدًا، وعلى جنب، في عسره ويسره، في منشطه ومكرهه، في كل شئونه، يرجو رحمة الله تعالى، ويتقرب إليه بما يرضى به عنه، وإذا وفق العبد إلى هذا فإنه قد يسر الله له سببًا يحقق به عبودية الله، وينال به رضاه، ولا تظنوا أيها الأخوة أن تحصيل رضا الله عز وجل أمرٌ عسير، ودونه مشاق، وعناء، بل رضا الله جل في علاه يدركه العبد بأيسر الأسباب إذا صدق في الرغبة، فقد جاء في الصحيح أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إن الله يرضى عن العبد يشرب الشربة فيحمده عليها، ويأكل الأكلة فيحمده عليها».
هل بعد هذا من عذر في ترك رضا ربٍ يرضى من عبد أن يأكل أكلة فيقول: الحمد لله، ويشرب شربة فيقول: الحمد لله؟، هل رضا الله أمرٌ صعب؟، هل هو عسير؟
« ذاق طعم الإيمان من رضي بالله ربًا وبالإسلام دينًا وبمحمد نبيًا صلى الله عليه وسلم»فلنجتهد في تحقيق رضا الله عز وجل، فإنه من أرضى الله رضي الله تعالى عنه، ومن سعا في طاعته يسر الله له رضاه، ومن رضي الله عنه قبله، ووفقه، وأسعده، وأعلى منزلته، وشرح صدره، وأنار قلبه وقبره، وبعثه يوم القيامة آمنًا، فإنه لا أمن يوم البعث والنشور إلا من أتى الله بقلب سليم، أعاننا الله وإياكم على طاعته، وسلك بنا وإياكم سبيل هداه، ووفقنا إلى نيل رضاه، وجعلنا من حزبه وأوليائه، اللهم آمين اللهم آمين، اللهم صلِّ على محمد.