×
العربية english francais русский Deutsch فارسى اندونيسي اردو

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

الأعضاء الكرام ! اكتمل اليوم نصاب استقبال الفتاوى.

وغدا إن شاء الله تعالى في تمام السادسة صباحا يتم استقبال الفتاوى الجديدة.

ويمكنكم البحث في قسم الفتوى عما تريد الجواب عنه أو الاتصال المباشر

على الشيخ أ.د خالد المصلح على هذا الرقم 00966505147004

من الساعة العاشرة صباحا إلى الواحدة ظهرا 

بارك الله فيكم

إدارة موقع أ.د خالد المصلح

زاد الحاج والمعتمر / دروس الحج / كتاب الحج من منهج السالكين / الدرس(2) من قول المؤلف :"قال جابر: لسنا ننوي إلا الحج".

مشاركة هذه الفقرة WhatsApp Messenger LinkedIn Facebook Twitter Pinterest AddThis

تفريغ الشرح: بسم الله الرحمن الرحيم  الحمد لله رب العالمين وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين. قال الشيح العلامة عبد الرحمن السعدي رحمه الله تعالى في كتابه منهج السالكين وتوضيح الفقه في الدين: («قال جابر: لسنا ننوي إلا الحج، لسنا نعرف العمرة، حتى إذا أتينا البيت معه استلم الركن فطاف سبعا، فرمل ثلاثا ومشى أربعا، ثم نفذ إلى مقام إبراهيم فقرأ:{ واتخذوا من مقام إبراهيم مصلى}+++ سورة: البقرة، الآية (125)---. فصلى ركعتين، فجعل المقام بينه وبين البيت, وفي رواية أنه قرأ في الركعتين: { قل هو الله أحد}+++ سورة: الإخلاص، الآية (1) --- و{قل يا أيها الكافرون}+++ سورة: الكافرون، الآية (1).---  ثم رجع إلى الركن واستلمه، ثم خرج من الباب إلى الصفا، فلما دنا من الصفا قرأ: { إن الصفا والمروة من شعائر الله}+++ سورة: البقرة، الآية (158).--- . فرقي عليه، حتى رأى البيت، فاستقبل القبلة فوحد الله وكبره، وقال: " لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد، وهو على كل شيء قدير، لا إله إلا الله وحده أنجز وعده ونصر عبده وهزم الأحزاب وحده ".  ثم دعا بين ذلك - قال مثل هذا ثلاث مرات - ثم نزل ومشى إلى المروة حتى إذا انصبت قدماه في بطن الوادي سعى، حتى إذا صعدتا مشى، حتى أتى المروة ، ففعل على المروة كما فعل على الصفا، حتى إذا كان آخر طواف على المروة، فقال: لو أني استقبلت من أمري ما استدبرت لم أسق الهدي, وجعلتها عمرة، فمن كان منكم ليس معه هدي فليحل وليجعلها عمرة. فقام سراقة ابن مالك أبن جعشم، فقال: يا رسول الله ألعامنا هذا أم لأبد؟ فشبك رسول الله صلى الله عليه وسلم أصابعه واحدة في الأخرى وقال:  دخلت العمرة في الحج - مرتين - لا ، بل لأبد أبد »+++ صحيح مسلم: باب حجة النبي صلى الله عليه وسلم، حديث رقم (147-(1218))---. الحمد لله رب العالمين، وأصلى وأسلم على المبعوث رحمة للعالمين نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين. أما بعد،،، فيقول المصنف رحمه الله في سياق ما ذكره مما يتعلق بأحكام الحج فقد ساق حديث جابر، قال وحديث جابر في حج النبي صلى الله عليه وسلم يشتمل على أعظم أحكام الحج، يعني أغلبها وأكثرها، فأغلب أحكام الحج تضمنها هذا الحديث كما تقدم في تعليقنا على أوله، وقد ذكر المصنف رحمه الله أول هذا الحديث، وتكلمنا على قوله"وأهل الناس في هذا الذي يهلون به". قوله رحمه الله: «قال جابر: لسنا ننوي إلا الحج لسنا نعرف العمرة ».هذا بيان لما كان عليه غالب الناس، وقد تكلمنا على هذا وبينت فيما مضى أن الذين حجوا مع النبي صلى الله عليه وسلم  حجوا منهم من أهل بعمرة، ومنهم من أهل بحج، ومنهم من أهل بعمرة وحج، وكان النبي صلى الله عليه وسلم قد أهل بعمرة وحج امتثالا لما أمره الله تعالى به فيما جاء في الصحيح من حديث عمر رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم : « أتاني الليلة آت من ربي فقال صل في هذا الوادي المبارك وقل عمرة في حجة »+++ صحيح البخاري: باب قول النبي صلى الله عليه و سلم ( العقيق واد مبارك )، حديث رقم(1461).---. قوله رحمه الله تعالى: «حتى إذا أتينا البيت معه أستلم الركن». أي حتى إذا وصلنا الكعبة مع النبي صلى الله عليه وسلم استلم الركن، أي ابتدأ باستلام الركن، والركن المراد به الجانب الذي فيه الحجر الأسود، أي أن يمسه بيده، وأن يقبله، فالاستلام هو مس الحجر بيده وتقبيله, وهذا أكمل ما يكون. فإن قبله فقط فهذا من السنة، وإن لم يتمكن من الاستلام والتقبيل، واستطاع أن يستلمه بشيء في يده كما فعل النبي صلى الله عليه وسلم حيث استلم الحجر بمحجر في يده وقبله فهذا مرتبة ثالثة، إن لم يستطيع ذلك أشار بيده إلى الحجر، هذا ثالث المراتب، فإن لم يتيسر له ذلك أستلمه بيده وقبل يده، فإن لم يتيسر أستلمها بعصا ونحوه وقبلها، فإن لم يتيسر أشار إليه. إذا هذه المراتب، المرتبة الأولي أكملها الاستلام مع التقبيل، ثم بعد ذلك الاستلام بيده أو بشيء في يده وتقبيلها، ثم بعد ذلك الإشارة إذا عجز عن ما تقدم من المراتب. قال رحمه الله تعالى:«فرمل ثلاثا ومشي أربع». فرمل ثلاثا، أي أن النبي صلى الله عليه وسلم أسرع في سيره ثلاثا، فالرمل هو الإسراع في المشي مع مقاربة الخطى، وهذا معروف، وقال: «ومشى أربعا». أي ومشى أربعة أشواط، فرمل ثلاث أشواط ومشى أربع أشواط . قال: «ثم نفذ إلى مقام إبراهيم عليه السلام». كل هذا من حديث جابر في صفة حج النبي صلى الله عليه وسلم، «نفذ إلى مقام إبراهيم» يعني مضى إلى مقام إبراهيم. «وقرأ: { واتخذوا من مقام إبراهيم مصلى}+++ سورة: البقرة، الآية (125).--- ». ومقام إبراهيم في زمن النبي صلى الله عليه وسلم كان ملتصق بالبيت, ثم إنه أخر قليلا حتى وصل إلى مكانه الذي هو فيه الآن, في مقابل باب الكعبة, والأمر في هذا قريب فإن صلى حيث وضع المقام الآن أو حيث تيسر له، فذاك يتحقق به المطلوب من السنة بركعتين بعد الطواف، لأن ركعتي الطواف سنة، سواء كانت عند المقام أو في غيره.  ومعلوم أنه إذا لم يتمكن، كما هو الحال في أيام الزحام، أن يصلى عند المقام, فإنه يصلى حيث يتيسر له في أي اتجاه كان، لا يلزم أن يكون ذلك في جهة المقام بل في أي مكان كان؛ لأن الركعتين سنة ويسن أن تكون عند المقام، فإن لم يتيسر صلاهما حيث تيسر له. وقد قيل في معنى مقام إبراهيم قولان: القول الأول: أن المراد بذلك المكان المعروف الذي في مقابل الكعبة، وأن المراد بهذا ركعتي الطواف، فيستحب أن تكون خلف مقام إبراهيم، وعليه جمهور المفسرين.  وقيل إن المراد بمقام إبراهيم جميع مقامات إبراهيم, وليس مقاما واحدا، وبهذا يشمل كل الأماكن التي قام فيها إبراهيم، وتعبد الله تعالى فيها من الطواف بالبيت، والسعي والوقوف بعرفه, ومزدلفة، ورمي الجمار، والنحر وغير ذلك من أفعال الحج.  فيكون معنى قوله: { واتخذوا من مقام إبراهيم مصلى}+++ سورة: البقرة، الآية (125).---.على هذا التفسير، ماذا يكون المعنى؟  المعنى أي عباده، :{ واتخذوا من مقام إبراهيم مصلى}+++ سورة: البقرة، الآية (125).---.. أي معبدا، أي مكانا للتعبد، ومحلا للتقرب إلى الله تعالى، سواء كان ذلك بالذكر، أو كان بالصلاة، أو كان بمكان من الأعمال الصالحات.  وفي هذه الصلاة يسن أن يقرأ ما جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قرأ الإخلاص والكافرون، قد في رواية لصفة حجه صلى الله عليه وسلم أنه قرأ في الركعتين { قل هو الله أحد}+++ سورة: الإخلاص، الآية (1).--- و{قل يا أيها الكافرون}+++ سورة: الكافرون، الآية (1)---. قوله رحمه الله: «ثم رجع إلى الركن فأستلمه». أي بعد أن فرغ من الركعتين رجع إلى الركن، وهذا يشير إلى أن الركعتين متصلتان بالطواف؛ لأنه رجع إلى البيت وأستلمه، أستلم الحجر الأسود، وبهذا يكون انتهى ما يتعلق بالطواف. واختلف العلماء في هذا الرجوع، هل هو في كل طواف، أم إنه في بعض الطوافات؟، للعلماء في ذلك قولان، والذي يظهر والله أعلم أنه ثبت في طواف الحج ولم ينقل عنه في غيره، ولم ينقل أنه فعله في طواف ولا في طواف الإفاضة، إنما فعله أول ما قدم صلى الله عليه وسلم . يقول: «ثم خرج من باب الصفا، فلما دنا من الصفا قرأ: { إن الصفا والمروة من شعائر الله}+++ سورة: البقرة، الآية (158)---. أبدأ بما بدأ الله به». يعني يسن أن يبدأ بالصفا، وهو الذي بدأ الله تعالى بذكره، ويقرأ هذه الآية عند إقباله على الصفا، لكن لا يفعلها في كل شوط، إنما في أول سعيه، وليس في كل سعيه. قال: «فبدأ بالصفا فرقي عليه». رقي عليه صعد عليه «حتى رأى البيت فأستقبل القبلة». والبيت من الصفا يمكن رؤيته الآن، لكن من المروة لا يمكن، وعلى هذا فيتحرى من ذهب إلى الصفا مكانا يرى من خلاله البيت، ويدعوا الله تعالى بما شاء من فضله فيستقبل القبلة، ويوحد الله ويكبره، وذلك بأن يرفع يديه على صفة الداعي كما جاء في بعض روايات حديث جابر فرفع يديه، وذلك على صفة الدعاء لا على ما يفعله بعض الناس من الإشارة، هذه الإشارة لم تنقل إلا في التكبير عن الطواف، وبيد واحدة لا باليدين.  فيرفع يديه مكبرا، الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، ثم يقول «لا إله إلا الله وحده لا شريك له, له الملك، وله الحمد، وهو على كل شيء قدير، لا إله إلا الله وحده أنجز وعده, ونصر عبده، وهزم الأحزاب وحده».  «ثم دعا بين ذلك قال مثل ذلك ثلاث مرات». يعني كبر في أول الأمر ثلاث مرات، ثم هلل، ثم دعا، ثم كبر ثلاثا، ثم هلل، ثم دعا، ثم كبر ثلاثا، ثم هلل، وينصرف لا يدعو بعد الثالثة، ويكون هناك تسع تكبيرات وثلاث تهليلات بالمجموع، ويكون هناك دعاءان، هذا مجموع ما تكمل به السنة. لو اقتصر على ما دون ذلك بأن كبر ثلاثا، أو كبر واحدة، وهلل ودعا، أو لم يفعل ذلك كل هذا سنة, فما جاء به منه فهو حسن، وله فيه أجر، وإن لم يأت بشيء من ذلك أو جاء ببعضه فله من الأجر بقدر ما جاء به. قوله رحمه الله: «ثم نزل إلى المروة حتى إذا انصبت قدماه في بطن الوادي سعى». وبطن الوادي اليوم معلم بالأنوار الخضر، وهذه الأعلام ليست حديثة هي قديمه منذ زمن بعيد منذ قرون، إذ أن المسعى في أصله بطن وادي بين جبلين، بين الصفا والمروة وبينهما وادي، كان الناس يسعون فيه، ثم أنه عدل هذا الموضع الذي فيه السعي بأن رصف ومهد ليسهل على الناس السعي فيه، وهذا من زمن بعيد. ووضعت لما انطمست بطن الوادي الذي كان فيه السعي، لما انطمست معالمه، وضع عليه علامات تدل عليه، لأنه الآن أنت في المسعى لا يوجد نزول وصعود إلا في أطراف المسعى من جهة الصفا، ومن جهة المروة في صعود.  لكن عامة السعي يكون في أرض مستوية منبسطة, ليسا فيها انحناء، ولا فيها وادي, وذلك لما جرى من تعديلات في المسعى منذ زمن سابق وقديم، فوضعت هذه العلامات للإشارة إلى موضع السعي الذي سعى فيه النبي صلى الله عليه وسلم وكان بطن الوادي الذي قال فيه النبي صلى الله عليه وسلم : « لا يقطع الأبطح إلا شدا »+++ سنن ابن ماجة: باب السعي بين الصفا والمروة، حديث رقم (2987)،قال شعيب الأرنؤوط : حديث حسن ---. الأبطح هو مكان البطحاء الذي يكون بين الجبلين، وهو بطن الوادي. «ثم نزل إلى المروة حتى إذا انصبت قدماه في بطن الوادي سعى» أي أشتد سيرة «حتى إذا صعدتا مشي». أي حتى إذا ارتفع مشى، «ففعل على المروة كما فعل على الصفا» من التكبير، والتهليل، والدعاء. قوله: «حتى إذا كانت آخر طوافه». يعني حتى جاء وحصل آخر طوافه على المروة فقال: «لو أني استقبلت من أمري ما استدبرت لم أسق الهدي، وجعلتها عمرة ، فمن كان منكم ليس معه هدي فليحل وليجعلها عمرة ». هذا بيان ما كان عليه فعل النبي صلى الله عليه وسلم بعد أن فرغ من السعي، لما فرغ من السعي، قال لأصحابه «لو استقبلت من أمري ما استدبرت لم أسق الهدي». حيث إنه صلى الله عليه وسلم ساق الهدي معه من المدينة, «وجعلتها عمرة». أي وجعلت هذا العمل الذي قمت به عمرة، ومعنى هذا أنه يتحلل بعد سعيه؛ لأن العمرة بعد السعي يحصل التقصير, أو الحلاق الذي يحصل به التحليل. «فمن كان منكم ليس معه هدي فليحل». هذا توجيه نبوي، أن كل من كان لم يسق الهدى فإنه يتحلل، ويجعلها عمرة، يعنى ولو نواها حجا مفردة، ولو نواه حجا مع عمرة، هذا توجيه لكل لم يسق الهدي ممن أحرم بحج مفردا أو بحج وعمرة وهو القران. وهذا الأمر لم يكن معهودا عندهم، وكان من عظائم ما يرونه في الجاهلية أن يحرم أحد بالعمرة في أشهر الحج، ولذلك استنكروا هذا الأمر، وأمرهم النبي صلى الله عليه وسلم بعد هذا أمرا جازما، حتى قال كما في رواية البخاري «افعلوا ما أمرتكم به»+++ صحيح البخاري: باب التمتع والإقران والإفراد بالحج وفسخ الحج لمن لم يكن معه هدي، حديث رقم(1493)---. لما راجعوه في ذلك قال: «افعلوا ما أمرتكم به». وهذا حسم للأمر يقطع المناقشة والمراجعة التي حصلت من الصحابة رضي الله عنهم في أنهم أرادوا الاستمرار فيما هم فيه من إحرام، فتحللوا رضي الله عنهم وبقي النبي صلى الله عليه وسلم، تحلل منهم من لم يسق الهدي، وبقي النبي صلى الله عليه وسلم ومن معه ممن ساق الهدي، وهم قله بقوا على ما هم عليه من إحرام وقوله: «لو أني استقبلت من أمري ما استدبرت لم أسق الهدي وجعلتها عمرة». يعني كان فيه من التطييب والتسميح لخواطرهم ما فيه، وفيه وجوب التحلل لأنه قال: «أنظروا ما إمرتكم به فافعلوه» أو «افعلوا ما أمرتكم به»+++ صحيح البخاري: باب التمتع والإقران والإفراد بالحج وفسخ الحج لمن لم يكن معه هدي، حديث رقم(1493)--- في رواية أخرى.  وهذا يدل على وجوب التحلل من الحج المفرد، ومن القران إذا لم يسق الهدي، لكن هذا الوجوب كان في زمانه فقط، لينفي ما كان عليه أهل الجاهلية من إنكار العمرة في أشهر الحج، وأما بعد ذلك فعامة العلماء على أن الأنساك الثلاثة جائزة، وأن الوجوب إنما كان في زمانه صلى الله عليه وسلم، وذهب بعض أهل العلم وهو منقول عن ابن عباس إلى وجوب التحلل بعمرة، وأنه يجب على كل من لم يسق الهدى أن يتحلل بعمرة.  لكن هذا خلاف ما عليه الجماهير وهو مذهب الأئمة الأربعة من إجازة الأنساك كلها، وأن الأمر إنما كان حتما على أولئك رضي الله عنهم, والقول وهو دال على جواز فسخ الحج إلى العمرة هذا الأمر النبوي، وهو مذهب أحمد إذا لم يسق الهدي. وخالف هذا الأئمة الثلاثة فخصوه بزمن النبي صلى الله عليه وسلم, وعللوا ذلك بأن من أحرم بالحج ثم تحلل بعمرة لم يمتثل ما أمره الله تعالى في قوله: {وأتموا الحج والعمرة لله}+++ سورة: البقرة، الآية (196)---. ولكن الذي يظهر والذي دلت عليه السنة أنه يجوز لمن أحرم بالحج، ولم يسق الهدى، وكذلك من أحرم بحج وعمرة، ولم يسق الهدى أن يتحلل بعمرة ولو بعد السعي. قوله رحمه الله: «فقام سراقة أبن مالك فقال يا رسول الله: ألعامنا هذا أم لأبد, فشبك رسول الله صلى الله عليه وسلم أصابعه واحدة في الأخرى وقال: دخلت العمرة في الحج». شبك أصابعه واحد في الأخرى، يعني على هذه الهيئة، وقال صلى الله عليه وسلم: «دخلت العمرة في الحج» أي امتزجت معها، من حيث جوازها في أشهر الحج، ومن حيث اقتران أعمال الحج بالعمرة في مثل القران، فإن الطواف بالبيت، والطواف بين الصفا والمروة يكفي للحج والعمرة.  ولذلك قال: «لا بل لأبد الأبد». أي هذا ليس مقصور على ذلك العام، بل هو لأبد الأبد، وفي هذا رد على من زعم أن فسخ الحج للعمرة منسوخ، فدل هذا أن فسخ الحج إلى العمرة ليس خاص بأصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، ولا بتلك السنة، بل هو عام للأمة لقول النبي صلى الله عليه وسلم: «لا بل لأبد الأبد». وأما زعمهم بأن فسخ الحج والعمرة إبطال له فهذا ليس بصحيح؛ لأن من قال بأنه يفسخ الحج إلى العمرة، يقول لابد أن يحج من عامه, لا يفسخ الحج إلى العمرة فرارا من الحج هنا لا يجوز له، إنما يفسخ العمرة ليكمل بذلك نسكه فيكون متمتعا. قال رحمه الله في سياق حديث جابر: «وقدم علي من اليمن ببدن النبي صلى الله عليه وسلم فوجد فاطمة رضي الله عنها ممن حل، ولبست ثيابا صبيغا واكتحلت، فأنكر ذلك عليها فقالت: إن أبي أمرني بهذا، قال: فكان علي يقول بالعراق: فذهبت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم محرشا على فاطمة للذي صنعت، مستفتيا لرسول الله صلى الله عليه وسلم فيما ذكرت عنه، فأخبرته أني أنكرت عليها، فقال: صدقت، صدقت، ماذا قلت حين فرضت الحج؟ قال: قلت: اللهم إني أهل بما أهل به رسولك. قال: فإن معي الهدي فلا تحل، قال : فكان جماعة الهدي الذي قدم به علي من اليمن ، والذي أتى به النبي صلى الله عليه وسلم مائة»+++ صحيح مسلم: باب حجة النبي صلى الله عليه وسلم، حديث رقم (147-(1218)).--- قوله: «وقدم علي من اليمن ببدن النبي صلى الله عليه وسلم». على بعثه النبي إلى اليمن واليا وقاضيا رضي الله عنه فقدم ببدن النبي صلى الله عليه وسلم من اليمن، وهو مما أفائه الله تعالى على رسوله، فوجد فاطمة رضي الله عنها –زوجه- ممن حل لأنها لم تسق الهدي، «ولبست ثيابا صبيغا واكتحلت» والثياب الصبيغ أي التي صبغت بما لا يلبسه المحرم من ورس وزعفران ونحو ذلك. «واكتحلت» أي وتجملت على حال لا تتناسب مع الإحرام، «فأنكر ذلك عليها, فقالت أن أبى أمرني بهذا». أي أمرني بأن أحل، لا بهذا اللبس، إنما أمر بالإحلال، وإذا حلت فعلت ما تشاء مما يفعله المحل.  قال: «فكان على يقول بالعراق فذهبت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم محرشا على فاطمة». أي مهيجا له عليها، في ظنه أنها فهمته على غير ما أراد «للذي صنعت». أي لأجل الذي صنعت، من كونها لبست ثيابا صبيغا وحلت واكتحلت. قال: «مستفتيا لرسول الله صلى الله عليه وسلم فيما ذكرت عنه». أي مستبينا وطالبا الجواب, فالاستفتاء هو طلب الجواب، «فأخبرته أني أنكرت ذلك عليها فقال: صدقت, صدقت». أي فيما أخبرتك من أنى أخبرتهم بالحل، ثم أنتقل النبي صلى الله عليه وسلم إلى السؤال عن حال، على حيث أنه قدم محرم.  فقال: «ماذا قلت حين فرضت الحج». أي ماذا قلت حين أهللت به، حين لبيت, بأي شيء لبيت، «قال: قلت اللهم أنى أهل بما أهل به رسولك». هذا الإهلال إهلال معلق بعمل الغير، حيث قال أهل بما أهل به رسولك، ولا يعلم بماذا أهل النبي صلى الله عليه وسلم، أهل بحج، أم أهل بعمرة، أم أهل بعمرة وحج. والإهلال إما أن يكون بحج، وإما أن يكون بحج وعمرة، وإما أن يكون بعمرة، وإما أن يكون معلقا، كهذا الذي فعل على رضي الله عنه، وكذلك أبو موسي الأشعري، وإما أن يكون -وهذا النوع الخامس من أنواع الإهلالات- أن يكون مطلقا، وهو أن لا يسمي شيئا بأن يقول "لبيك اللهم لبيك" دون أن يسمى حجا أو عمرة أو جمعا بينهما أو يكون معلقا.  قال النبي صلى الله عليه وسلم بعد أن سأله «فإن معي الهدي فلا تحل». أي معي هدى يمنعني من الإحلال، «وأنت أهللتها بما أهللت به فلا تحل». وذلك أنه أشركه معه في هديه، «فكان جماعة الهدى الذي قدم به على من اليمن, والذي أتى به النبي صلى الله عليه وسلم مائة». أي أهدى النبي صلى الله عليه وسلم في تلك الحجة مائه من الإبل. «فحل الناس كلهم». أي من لم يسق الهدي «وقصروا». وهذا فيه الندب أن التقصير أفضل لمن كان إهلاله بالعمرة قريبا من أيام الحج, ليوفر شعره للحج، إلا النبي صلى الله عليه وسلم ومن كان معه هدى فهؤلاء بقوا على إحرامهم حتى حلوا يوم النحر.

المشاهدات:3327

تفريغ الشرح:

بسم الله الرحمن الرحيم

 الحمد لله رب العالمين وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

قال الشيح العلامة عبد الرحمن السعدي رحمه الله تعالى في كتابه منهج السالكين وتوضيح الفقه في الدين:

قال جابر: لسنا ننوي إلا الحج، لسنا نعرف العمرة، حتى إذا أتينا البيت معه استلم الركن فطاف سبعا، فَرَمَلَ ثلاثا ومشى أربعا، ثمّ نفذ إلى مقام إبراهيم فقرأ:{ وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى} سورة: البقرة، الآية (125). فصلى ركعتين، فجعل المقام بينه وبين البيت, وفي رواية أنه قرأ في الركعتين: { قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} سورة: الإخلاص، الآية (1)  و{قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ} سورة: الكافرون، الآية (1).

 ثمّ رجع إلى الركن واستلمه، ثمّ خرج من الباب إلى الصفا، فلما دنا من الصفا قرأ: { إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ} سورة: البقرة، الآية (158). .

فرقي عليه، حتى رأى البيت، فاستقبل القبلة فوحد الله وكبره، وقال: " لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد، وهو على كل شيء قدير، لا إله إلا الله وحده أنجز وعده ونصر عبده وهزم الأحزاب وحده ".

 ثمّ دعا بين ذلك - قال مثل هذا ثلاث مرات - ثمّ نزل ومشى إلى المروة حتى إذا انصبت قدماه في بطن الوادي سعى، حتى إذا صعدتا مشى، حتى أتى المروة ، ففعل على المروة كما فعل على الصفا، حتى إذا كان آخر طواف على المروة، فقال: لو أني استقبلت من أمري ما استدبرت لم أسق الهدي, وجعلتها عمرة، فمن كان منكم ليس معه هدي فليحل وليجعلها عمرة.

فقام سراقة ابن مالك أبن جعشم، فقال: يا رسول الله ألعامنا هذا أم لأبد؟ فشبك رسول الله صلى الله عليه وسلم أصابعه واحدة في الأخرى وقال:  دخلت العمرة في الحج - مرتين - لا ، بل لأبد أبد » صحيح مسلم: باب حجة النبي صلى الله عليه وسلم، حديث رقم (147-(1218)).

الحمد لله رب العالمين، وأصلى وأسلم على المبعوث رحمة للعالمين نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين.

أما بعد،،،

فيقول المصنف رحمه الله في سياق ما ذكره مما يتعلق بأحكام الحج فقد ساق حديث جابر، قال وحديث جابر في حج النبي صلى الله عليه وسلم يشتمل على أعظم أحكام الحج، يعني أغلبها وأكثرها، فأغلب أحكام الحج تضمنها هذا الحديث كما تقدم في تعليقنا على أوله، وقد ذكر المصنف رحمه الله أول هذا الحديث، وتكلمنا على قوله"وأهل الناس في هذا الذي يهلون به".

قوله رحمه الله: «قال جابر: لسنا ننوي إلا الحج لسنا نعرف العمرة ».هذا بيان لما كان عليه غالب الناس، وقد تكلمنا على هذا وبينت فيما مضى أن الذين حجوا مع النبي صلى الله عليه وسلم  حجوا منهم من أهل بعمرة، ومنهم من أهل بحج، ومنهم من أهل بعمرة وحج، وكان النبي صلى الله عليه وسلم قد أهل بعمرة وحج امتثالًا لما أمره الله تعالى به فيما جاء في الصحيح من حديث عمر رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم : « أتاني الليلة آت من ربي فقال صل في هذا الوادي المبارك وقل عمرة في حجة » صحيح البخاري: باب قول النبي صلى الله عليه و سلم ( العقيق واد مبارك )، حديث رقم(1461)..

قوله رحمه الله تعالى: «حتى إذا أتينا البيت معه أستلم الركن». أي حتى إذا وصلنا الكعبة مع النبي صلى الله عليه وسلم استلم الركن، أي ابتدأ باستلام الركن، والركن المراد به الجانب الذي فيه الحجر الأسود، أي أن يمسه بيده، وأن يقبله، فالاستلام هو مس الحجر بيده وتقبيله, وهذا أكمل ما يكون.

فإن قبله فقط فهذا من السنة، وإن لم يتمكن من الاستلام والتقبيل، واستطاع أن يستلمه بشيء في يده كما فعل النبي صلى الله عليه وسلم حيث استلم الحجر بمحجر في يده وقبله فهذا مرتبة ثالثة، إن لم يستطيع ذلك أشار بيده إلى الحجر، هذا ثالث المراتب، فإن لم يتيسر له ذلك أستلمه بيده وقبل يده، فإن لم يتيسر أستلمها بعصا ونحوه وقبلها، فإن لم يتيسر أشار إليه.

إذا هذه المراتب، المرتبة الأولي أكملها الاستلام مع التقبيل، ثم بعد ذلك الاستلام بيده أو بشيء في يده وتقبيلها، ثم بعد ذلك الإشارة إذا عجز عن ما تقدم من المراتب.

قال رحمه الله تعالى:«فرمل ثلاثًا ومشي أربع». فرمل ثلاثًا، أي أن النبي صلى الله عليه وسلم أسرع في سيره ثلاثًا، فالرمل هو الإسراع في المشي مع مقاربة الخطى، وهذا معروف، وقال: «ومشى أربعًا». أي ومشى أربعة أشواط، فرمل ثلاث أشواط ومشى أربع أشواط .

قال: «ثم نفذ إلى مقام إبراهيم عليه السلام». كل هذا من حديث جابر في صفة حج النبي صلى الله عليه وسلم، «نفذ إلى مقام إبراهيم» يعني مضى إلى مقام إبراهيم.

«وقرأ: { وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى} سورة: البقرة، الآية (125). ». ومقام إبراهيم في زمن النبي صلى الله عليه وسلم كان ملتصق بالبيت, ثم إنه أُخر قليلًا حتى وصل إلى مكانه الذي هو فيه الآن, في مقابل باب الكعبة, والأمر في هذا قريب فإن صلى حيث وضع المقام الآن أو حيث تيسر له، فذاك يتحقق به المطلوب من السنة بركعتين بعد الطواف، لأن ركعتي الطواف سنة، سواءً كانت عند المقام أو في غيره.

 ومعلوم أنه إذا لم يتمكن، كما هو الحال في أيام الزحام، أن يصلى عند المقام, فإنه يصلى حيث يتيسر له في أي اتجاه كان، لا يلزم أن يكون ذلك في جهة المقام بل في أي مكان كان؛ لأن الركعتين سنة ويسن أن تكون عند المقام، فإن لم يتيسر صلاهما حيث تيسر له.

وقد قيل في معنى مقام إبراهيم قولان:

القول الأول: أن المراد بذلك المكان المعروف الذي في مقابل الكعبة، وأن المراد بهذا ركعتي الطواف، فيستحب أن تكون خلف مقام إبراهيم، وعليه جمهور المفسرين.

 وقيل إن المراد بمقام إبراهيم جميع مقامات إبراهيم, وليس مقامًا واحدًا، وبهذا يشمل كل الأماكن التي قام فيها إبراهيم، وتعبد الله تعالى فيها من الطواف بالبيت، والسعي والوقوف بعرفه, ومزدلفة، ورمي الجمار، والنحر وغير ذلك من أفعال الحج.

 فيكون معنى قوله: { وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى} سورة: البقرة، الآية (125)..على هذا التفسير، ماذا يكون المعنى؟  المعنى أي عباده، :{ وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى} سورة: البقرة، الآية (125)... أي معبدًا، أي مكانًا للتعبد، ومحلًا للتقرب إلى الله تعالى، سواءً كان ذلك بالذكر، أو كان بالصلاة، أو كان بمكان من الأعمال الصالحات.

 وفي هذه الصلاة يسن أن يقرأ ما جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قرأ الإخلاص والكافرون، قد في رواية لصفة حجه صلى الله عليه وسلم أنه قرأ في الركعتين { قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} سورة: الإخلاص، الآية (1). و{قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ} سورة: الكافرون، الآية (1).

قوله رحمه الله: «ثم رجع إلى الركن فأستلمه». أي بعد أن فرغ من الركعتين رجع إلى الركن، وهذا يشير إلى أن الركعتين متصلتان بالطواف؛ لأنه رجع إلى البيت وأستلمه، أستلم الحجر الأسود، وبهذا يكون انتهى ما يتعلق بالطواف.

واختلف العلماء في هذا الرجوع، هل هو في كل طواف، أم إنه في بعض الطوافات؟، للعلماء في ذلك قولان، والذي يظهر والله أعلم أنه ثبت في طواف الحج ولم ينقل عنه في غيره، ولم ينقل أنه فعله في طواف ولا في طواف الإفاضة، إنما فعله أول ما قدم صلى الله عليه وسلم .

يقول: «ثم خرج من باب الصفا، فلما دنا من الصفا قرأ: { إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ} سورة: البقرة، الآية (158). أبدأ بما بدأ الله به». يعني يسن أن يبدأ بالصفا، وهو الذي بدأ الله تعالى بذكره، ويقرأ هذه الآية عند إقباله على الصفا، لكن لا يفعلها في كل شوط، إنما في أول سعيه، وليس في كل سعيه.

قال: «فبدأ بالصفا فرقي عليه». رقي عليه صعد عليه «حتى رأى البيت فأستقبل القبلة». والبيت من الصفا يمكن رؤيته الآن، لكن من المروة لا يمكن، وعلى هذا فيتحرى من ذهب إلى الصفا مكانًا يرى من خلاله البيت، ويدعوا الله تعالى بما شاء من فضله فيستقبل القبلة، ويوحد الله ويكبره، وذلك بأن يرفع يديه على صفة الداعي كما جاء في بعض روايات حديث جابر فرفع يديه، وذلك على صفة الدعاء لا على ما يفعله بعض الناس من الإشارة، هذه الإشارة لم تنقل إلا في التكبير عن الطواف، وبيد واحدة لا باليدين.

 فيرفع يديه مكبرًا، الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، ثم يقول «لا إله إلا الله وحده لا شريك له, له الملك، وله الحمد، وهو على كل شيء قدير، لا إله إلا الله وحده أنجز وعده, ونصر عبده، وهزم الأحزاب وحده».

 «ثم دعا بين ذلك قال مثل ذلك ثلاث مرات». يعني كبر في أول الأمر ثلاث مرات، ثم هلل، ثم دعا، ثم كبر ثلاثًا، ثم هلل، ثم دعا، ثم كبر ثلاثًا، ثم هلل، وينصرف لا يدعو بعد الثالثة، ويكون هناك تسع تكبيرات وثلاث تهليلات بالمجموع، ويكون هناك دعاءان، هذا مجموع ما تكمل به السنة.

لو اقتصر على ما دون ذلك بأن كبر ثلاثًا، أو كبر واحدة، وهلل ودعا، أو لم يفعل ذلك كل هذا سنة, فما جاء به منه فهو حسن، وله فيه أجر، وإن لم يأت بشيء من ذلك أو جاء ببعضه فله من الأجر بقدر ما جاء به.

قوله رحمه الله: «ثم نزل إلى المروة حتى إذا انصبت قدماه في بطن الوادي سعى». وبطن الوادي اليوم معلم بالأنوار الخضر، وهذه الأعلام ليست حديثة هي قديمه منذ زمنٍ بعيد منذ قرون، إذ أن المسعى في أصله بطن وادي بين جبلين، بين الصفا والمروة وبينهما وادي، كان الناس يسعون فيه، ثم أنه عدل هذا الموضع الذي فيه السعي بأن رصف ومهد ليسهل على الناس السعي فيه، وهذا من زمن بعيد.

ووضعت لما انطمست بطن الوادي الذي كان فيه السعي، لما انطمست معالمه، وضع عليه علامات تدل عليه، لأنه الآن أنت في المسعى لا يوجد نزول وصعود إلا في أطراف المسعى من جهة الصفا، ومن جهة المروة في صعود.

 لكن عامة السعي يكون في أرض مستوية منبسطة, ليسا فيها انحناء، ولا فيها وادي, وذلك لما جرى من تعديلات في المسعى منذ زمن سابق وقديم، فوضعت هذه العلامات للإشارة إلى موضع السعي الذي سعى فيه النبي صلى الله عليه وسلم وكان بطن الوادي الذي قال فيه النبي صلى الله عليه وسلم : « لا يقطع الأبطح إلا شدا » سنن ابن ماجة: باب السعي بين الصفا والمروة، حديث رقم (2987)،قال شعيب الأرنؤوط : حديث حسن . الأبطح هو مكان البطحاء الذي يكون بين الجبلين، وهو بطن الوادي.

«ثم نزل إلى المروة حتى إذا انصبت قدماه في بطن الوادي سعى» أي أشتد سيرة «حتى إذا صعدتا مشي». أي حتى إذا ارتفع مشى، «ففعل على المروة كما فعل على الصفا» من التكبير، والتهليل، والدعاء.

قوله: «حتى إذا كانت آخر طوافه». يعني حتى جاء وحصل آخر طوافه على المروة فقال: «لو أني استقبلت من أمري ما استدبرت لم أسق الهدي، وجعلتها عمرة ، فمن كان منكم ليس معه هدي فليحل وليجعلها عمرة ».

هذا بيان ما كان عليه فعل النبي صلى الله عليه وسلم بعد أن فرغ من السعي، لما فرغ من السعي، قال لأصحابه «لو استقبلت من أمري ما استدبرت لم أسق الهدي». حيث إنه صلى الله عليه وسلم ساق الهدي معه من المدينة, «وجعلتها عمرة». أي وجعلت هذا العمل الذي قمت به عمرًة، ومعنى هذا أنه يتحلل بعد سعيه؛ لأن العمرة بعد السعي يحصل التقصير, أو الحلاق الذي يحصل به التحليل.

«فمن كان منكم ليس معه هدي فليحل». هذا توجيه نبوي، أن كل من كان لم يسق الهدى فإنه يتحلل، ويجعلها عمرة، يعنى ولو نواها حجًا مفردًة، ولو نواه حجًا مع عمرة، هذا توجيه لكل لم يسق الهدي ممن أحرم بحجٍ مفردًا أو بحجٍ وعمرةٍ وهو القران.

وهذا الأمر لم يكن معهودًا عندهم، وكان من عظائم ما يرونه في الجاهلية أن يحرم أحدٌ بالعمرة في أشهر الحج، ولذلك استنكروا هذا الأمر، وأمرهم النبي صلى الله عليه وسلم بعد هذا أمرًا جازمًا، حتى قال كما في رواية البخاري «افعلوا ما أمرتكم به» صحيح البخاري: باب التمتع والإقران والإفراد بالحج وفسخ الحج لمن لم يكن معه هدي، حديث رقم(1493). لما راجعوه في ذلك قال: «افعلوا ما أمرتكم به».

وهذا حسم للأمر يقطع المناقشة والمراجعة التي حصلت من الصحابة رضي الله عنهم في أنهم أرادوا الاستمرار فيما هم فيه من إحرام، فتحللوا رضي الله عنهم وبقي النبي صلى الله عليه وسلم، تحلل منهم من لم يسق الهدي، وبقي النبي صلى الله عليه وسلم ومن معه ممن ساق الهدي، وهم قله بقوا على ما هم عليه من إحرام

وقوله: «لو أني استقبلت من أمري ما استدبرت لم أسق الهدي وجعلتها عمرة». يعني كان فيه من التطييب والتسميح لخواطرهم ما فيه، وفيه وجوب التحلل لأنه قال: «أنظروا ما إمرتكم به فافعلوه» أو «افعلوا ما أمرتكم به» صحيح البخاري: باب التمتع والإقران والإفراد بالحج وفسخ الحج لمن لم يكن معه هدي، حديث رقم(1493) في رواية أخرى.

 وهذا يدل على وجوب التحلل من الحج المفرد، ومن القران إذا لم يسق الهدي، لكن هذا الوجوب كان في زمانه فقط، لينفي ما كان عليه أهل الجاهلية من إنكار العمرة في أشهر الحج، وأما بعد ذلك فعامة العلماء على أن الأنساك الثلاثة جائزة، وأن الوجوب إنما كان في زمانه صلى الله عليه وسلم، وذهب بعض أهل العلم وهو منقول عن ابن عباس إلى وجوب التحلل بعمرة، وأنه يجب على كل من لم يسق الهدى أن يتحلل بعمرة.

 لكن هذا خلاف ما عليه الجماهير وهو مذهب الأئمة الأربعة من إجازة الأنساك كلها، وأن الأمر إنما كان حتمًا على أولئك رضي الله عنهم, والقول وهو دال على جواز فسخ الحج إلى العمرة هذا الأمر النبوي، وهو مذهب أحمد إذا لم يسق الهدي.

وخالف هذا الأئمة الثلاثة فخصوه بزمن النبي صلى الله عليه وسلم, وعللوا ذلك بأن من أحرم بالحج ثم تحلل بعمرة لم يمتثل ما أمره الله تعالى في قوله: {وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ} سورة: البقرة، الآية (196). ولكن الذي يظهر والذي دلت عليه السنة أنه يجوز لمن أحرم بالحج، ولم يسق الهدى، وكذلك من أحرم بحجٍ وعمرة، ولم يسق الهدى أن يتحلل بعمرة ولو بعد السعي.

قوله رحمه الله: «فقام سراقة أبن مالك فقال يا رسول الله: ألعامنا هذا أم لأبد, فشبك رسول الله صلى الله عليه وسلم أصابعه واحدة في الأخرى وقال: دخلت العمرة في الحج». شبك أصابعه واحد في الأخرى، يعني على هذه الهيئة، وقال صلى الله عليه وسلم: «دخلت العمرة في الحج» أي امتزجت معها، من حيث جوازها في أشهر الحج، ومن حيث اقتران أعمال الحج بالعمرة في مثل القران، فإن الطواف بالبيت، والطواف بين الصفا والمروة يكفي للحج والعمرة.

 ولذلك قال: «لا بل لأبد الأبد». أي هذا ليس مقصور على ذلك العام، بل هو لأبد الأبد، وفي هذا رد على من زعم أن فسخ الحج للعمرة منسوخ، فدل هذا أن فسخ الحج إلى العمرة ليس خاص بأصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، ولا بتلك السنة، بل هو عام للأمة لقول النبي صلى الله عليه وسلم: «لا بل لأبد الأبد».

وأما زعمهم بأن فسخ الحج والعمرة إبطال له فهذا ليس بصحيح؛ لأن من قال بأنه يفسخ الحج إلى العمرة، يقول لابد أن يحج من عامه, لا يفسخ الحج إلى العمرة فرارًا من الحج هنا لا يجوز له، إنما يفسخ العمرة ليكمل بذلك نسكه فيكون متمتعًا.

قال رحمه الله في سياق حديث جابر: «وقدم عَلِيٌّ من اليمن ببدن النبي صلى الله عليه وسلم فوجد فاطمة رضي الله عنها ممن حل، ولبست ثيابًا صبيغًا واكتحلت، فأنكر ذلك عليها فقالت: إن أبي أمرني بهذا، قال: فكان علي يقول بالعراق: فذهبت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم مُحرِّشا على فاطمة للذي صنعت، مستفتيًا لرسول الله صلى الله عليه وسلم فيما ذكرت عنه، فأخبرته أني أنكرت عليها، فقال: صدقت، صدقت، ماذا قلتَ حين فرضتَ الحج؟ قال: قلتُ: اللهم إني أُهلُّ بما أَهَلَّ به رسولك. قال: فإن معي الهدي فلا تحل، قال : فكان جماعة الهدي الذي قدم به عليٌّ من اليمن ، والذي أتى به النبي صلى الله عليه وسلم مائة» صحيح مسلم: باب حجة النبي صلى الله عليه وسلم، حديث رقم (147-(1218)).

قوله: «وقدم علي من اليمن ببدن النبي صلى الله عليه وسلم». على بعثه النبي إلى اليمن واليًا وقاضيًا رضي الله عنه فقدم ببدن النبي صلى الله عليه وسلم من اليمن، وهو مما أفائه الله تعالى على رسوله، فوجد فاطمة رضي الله عنها –زوجه- ممن حل لأنها لم تسق الهدي، «ولبست ثيابًا صبيغًا واكتحلت» والثياب الصبيغ أي التي صبغت بما لا يلبسه المحرم من ورس وزعفران ونحو ذلك.

«واكتحلت» أي وتجملت على حالٍ لا تتناسب مع الإحرام، «فأنكر ذلك عليها, فقالت أن أبى أمرني بهذا». أي أمرني بأن أحل، لا بهذا اللبس، إنما أمر بالإحلال، وإذا حلت فعلت ما تشاء مما يفعله المحل.

 قال: «فكان على يقول بالعراق فذهبت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم محرشًا على فاطمة». أي مهيجًا له عليها، في ظنه أنها فهمته على غير ما أراد «للذي صنعت». أي لأجل الذي صنعت، من كونها لبست ثيابًا صبيغًا وحلت واكتحلت.

قال: «مستفتيًا لرسول الله صلى الله عليه وسلم فيما ذكرت عنه». أي مستبينًا وطالبًا الجواب, فالاستفتاء هو طلب الجواب، «فأخبرته أني أنكرت ذلك عليها فقال: صدقت, صدقت». أي فيما أخبرتك من أنى أخبرتهم بالحل، ثم أنتقل النبي صلى الله عليه وسلم إلى السؤال عن حال، على حيث أنه قدم محرم.

 فقال: «ماذا قلت حين فرضت الحج». أي ماذا قلت حين أهللت به، حين لبيت, بأي شيء لبيت، «قال: قلت اللهم أنى أهل بما أهل به رسولك». هذا الإهلال إهلال معلق بعمل الغير، حيث قال أهل بما أهل به رسولك، ولا يعلم بماذا أهل النبي صلى الله عليه وسلم، أهل بحج، أم أهل بعمرة، أم أهل بعمرة وحج.

والإهلال إما أن يكون بحج، وإما أن يكون بحج وعمرة، وإما أن يكون بعمرة، وإما أن يكون معلقًا، كهذا الذي فعل على رضي الله عنه، وكذلك أبو موسي الأشعري، وإما أن يكون -وهذا النوع الخامس من أنواع الإهلالات- أن يكون مطلقًا، وهو أن لا يسمي شيئًا بأن يقول "لبيك اللهم لبيك" دون أن يسمى حجًا أو عمرًة أو جمعًا بينهما أو يكون معلقًا.

 قال النبي صلى الله عليه وسلم بعد أن سأله «فإن معي الهدي فلا تحل». أي معي هدى يمنعني من الإحلال، «وأنت أهللتها بما أهللت به فلا تحل». وذلك أنه أشركه معه في هديه، «فكان جماعة الهدى الذي قدم به على من اليمن, والذي أتى به النبي صلى الله عليه وسلم مائة». أي أهدى النبي صلى الله عليه وسلم في تلك الحجة مائه من الإبل.

«فحل الناس كلهم». أي من لم يسق الهدي «وقصروا». وهذا فيه الندب أن التقصير أفضل لمن كان إهلاله بالعمرة قريبًا من أيام الحج, ليوفر شعره للحج، إلا النبي صلى الله عليه وسلم ومن كان معه هدى فهؤلاء بقوا على إحرامهم حتى حلوا يوم النحر.

الاكثر مشاهدة

4. لبس الحذاء أثناء العمرة ( عدد المشاهدات94004 )
6. كيف تعرف نتيجة الاستخارة؟ ( عدد المشاهدات89900 )

التعليقات


×

هل ترغب فعلا بحذف المواد التي تمت زيارتها ؟؟

نعم؛ حذف