بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
قال الشيخ العلامة عبد الرحمن السعدي رحمه الله تعالى في كتابه منهج السالكين وتوضيح الفقه في الدين:
(والفرق بين ترك الركن في الحج, وترك الواجب، أن تارك الركن لا يصح حجه حتى يفعله على صفته الشرعية, وتارك الواجب حجه صحيح، وعليه إثم ودم لتركه).
الحمد لله رب العالمين وأصلى وأسلم على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين.
أما بعد،،،
هذا بيان بعد ذكر الواجبات والأركان, للتمييز بين أثر الترك، فترك الواجبات لا يبطل الحج، ويمكن جبره، وأما تركه على الأركان فإنه يبطل الحج، لا يصح معه الحج، ولا يمكن تداركه، ولذلك قال: (والفرق بين ترك الركن في الحج, وترك الواجب، أن تارك الركن لا يصح حجه حتى يفعله على صفة الشرعية).
فلو فعله على غير صفته الشرعية لم يجزه، فمثلا من وقف في عرفه في اليوم العاشر، هذا وقف في عرفه لكنه على غير صفته الشرعية، فلا ينفعه، ولا يصح منه الحج، قال: (وتارك الواجب حجه صحيح). سواءً تركه عمدًا، أو تركة جهلًا، أو تركه نسينًا، أو خطًأ، وعليه أثم ودم لتركه، بخلاف الركن، فإن تاركه جهلًا أو عمدًا أو نسينًا لا يصح معه الحج، لأن تركه إخلال بما لا يوجد العمل إلا به، ويثبت وصفه إلا به، وهذا الفرق بين ترك الركن، وترك الواجب.
وهذا محل اتفاق بين أهل العلم لا خلاف بينهم أن ترك الواجب، لا يفضي إلى فساد الحج, بخلاف ترك الركن فإنه لا يصح معه الحج حتى يأتي به على صفته الشرعية.
(ويخير من يريد الإحرام بين التمتع وهو أفضل، والقران، والإفراد، فالتمتع هو أن يحرم بالعمرة في أشهر الحج، ويفرغ منها، ثم يحرم بالحج من عامه، وعليه دم، إن لم يكن من حاضر المسجد الحرام، والإفراد هو أن يحرم بالحج مفردا.
والقران أي يحرم بهما معا, أو يحرم بالعمرة ثم يدخل الحج عليها قبل الشروع في طوافها, ويضطر المتمتع إلى هذه الصفة إذا خاف فوات الوقوف بعرفة إذا اشتغل بعمرته.
وإذا حاضت المرأة أو نفست، وعرفت أنها لا تطهر قبل وقت الوقوف بعرفه، والمفرد والقارن فعلهما واحد، وعلى القارن هدي دون المفرد).
هذا البيان لأنواع النسك يقول رحمه الله: (ويخير من يريد الحج بين التمتع وهو أفضل، والقران، والإفراد). وهذه أنواع النسك الثلاثة، وهذا محل اتفاق أن هذه الأنساك الثلاثة هي الصفات التي يكون عليها الحج، واختلفوا في وجوب التمتع، فمنهم من ذهب إلى أن التمتع هو الواجب وأنه الذي أمر به النبي صلى الله عليه وسلم أصحابه وتمناه حيث قال: « لو أني استقبلت من أمري ما استدبرت لما سقت الهدي، ولا جعلتها عمرة » صحيح مسلم: باب حجة النبي صلى الله عليه وسلم، حديث رقم (147-(1218)).
والصواب ما عليه الجمهور من أن التمتع والقران، والإفراد, كلها أنساك جائزة، فيصح أن يحج الحاج متمتعًا، أو قارنًا، أو مفردًا، لا يتعين شيء من هذه الأنساك، والخلاف في الأفضل، أما الجواز فجماهير العلماء وقد حكا بعضهم الإجماع عليه على أنه يجوز الإفراد, والتمتع، والقران، والصواب أنه لا إجماع، بل ثمة خلاف.
ولكن الذي عليه الجماهير، وقول عامة أهل العلم أن هذه الأنساك الثلاثه جميعها جائز، وقد فعلها الصحابة رضي الله عنهم مع النبي صلى الله عليه وسلم، وإن كان قد أمرهم بالتمتع، والتحلل لمن لم يسق الهدي، لكن هذه الأنساك كانت معروفه، وابتدأ بها الصحابة.
كما قالت عائشة: «فمنا من أهل بحج وعمرة معا، ومنا من أهل بحج مفرد، ومنا من أهل بعمرة مفردة» سنن ابن ماجه: باب حجة النبي صلى الله عليه وسلم، حديث رقم (3075)، قال الألباني: حسن الإسناد . وقد جاء في الصحيح في لفظ حديث عائشة «من أراد منكم أن يهل بحج وعمرة فليفعل، ومن أراد أن يهل بحج فليهل، ومن أراد أن يهل بعمرة، فليهل» صحيح مسلم: باب بيان وجوه الإحرام وأنه يجوز، حديث رقم (114-(1211)). وهذا على وجه التخيير، وهو من قول النبي صلى الله عليه وسلم.
وقوله رحمه الله: (فالتمتع هو أن يحرم). بدء بذكر صفات هذه الأنساك الثلاثة، إذاً الخلاف هو في الأفضل, أما في الجواز فعامة العلماء على أن جميع هذه الأنساك جائزة، والمصنف أشار إلي أن الأفضل هو التمتع مطلقًا، وبهذا قال جماعه من أهل العلم، وهو مذهب الإمام أحمد، إلا لمن ساق الهدى، هذا الأفضل لمن لم يسق الهدى، أما من ساق الهدى فالأفضل له القران، لأنه الذي فعله النبي صلى الله عليه وسلم.
أما الإفراد فذهب مالك والشافعي إلى أنه أفضل من التمتع ومن القران؛ لأنه يخلص أعمال الحاج بسفرة مستقلة، وحمل أمر النبي صلى الله عليه وسلم على أنه نقض لما كان عليه أهل الجاهلية، والأقرب والله تعالى أعلم أن الأفضل التمتع، كما ذكر المصنف رحمه الله، إلا أن يكون قد اعتمر في أشهر الحج، ثم رجع إلى بلده ثم حج، فإنه في هذه الحال، الأئمة الأربعة على أن الأفضل له الإفراد، لأنه خص الحاج بسفرة، والعمرة بسفرة.
قال رحمه الله: (فالتمتع). الآن بدء في ذكر صفات هذه الأنساك, قال: (فالتمتع هو أن يحرم بالعمرة في أشهر الحج). أن يحرم بالعمرة أي يتلبس بها، ويفرغ منها، ثم يحرم بالحج من عامه، فيلبي بالحج من عامه، سواءً كان هذا منويًا في ابتداء العمل، أو طرت نية الحج بعد ذلك.
وهذا يحدث يذهب الإنسان إلى مكة لعمل، أو لحاجة، أو لشغل في أشهر الحج ويحرم بعمرة ثم يبقى، ثم إذا جاء الحج نوى الحج، هذا على المذهب ليس متمتعًا، لأنه لم ينو الحج من أول مجيئه، والصواب أنه متمتع؛ لأن التمتع هو الجمع بين الحج والعمرة في سفرة واحد، وقد بينه المصنف بقوله:(هو أن يحرم بالعمرة في أشهر الحج أي في شوال، أو في ذي القعدة، أو في العشر الأول من ذي الحجة، ويفرغ منها). أي يفرغ من أعمال العمرة، ثم يحرم بالحج من عامه.
قال: (وعليه دم). أي يجب عليه دم، وهذا الدم دم قربان، دم نسك، وليس دم جبران، أو فدا، ودليله قوله تعالى:{فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ وَسَبْعَةٍ إِذَا رَجَعْتُمْ} سورة: البقرة، الآية (196).
فجعل الله تعالى على من تمتع بالعمرة إلى الحج هديًا، ما استيسر من الهدي قوله رحمه الله تعالى: (وعليه دم إن لم يكن من حاضري المسجد الحرام). فإن كان من حاضري المسجد الحرام فليس عليه دم، لأن الله تعالى قال: {ذَلِكَ لِمَنْ لَمْ يَكُنْ أَهْلُهُ حَاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ} سورة: البقرة، الآية (196). ومن هم حاضروا المسجد الحرام؟، قيل من دون المواقيت هم حاضروا المسجد الحرام، وقيل من بينه وبين مكة دون مسافة قصر، فهو من حاضر المسجد الحرام.
وقيل حاضر المسجد الحرام هم من كان في داخل الحرم، أما من كان خارج الحرم فإنه ليس من حاضري المسجد الحرام، وهذا القول له حظ من النظر، وهو أقواها وأقربها إلى الصواب، فقوله: (وعليه دم إن لم يكن من حاضري المسجد الحرام). أي ممن سكنه وإقامته في الحرم، فإنه حاضر في هذه الحال، حاضر والحضور ضد الغياب، والإضافة هنا إضافة موصوف إلى صفته.
قال رحمه الله: (والإفراد هو أن يحرم بالحج مفردًا). أي من غير أن يقرن به شيء، فلا يريد إلا الحج، فإذا دخل مكة طاف للقدوم، ثم سعى للحج، وإن شاء أخر إلى بعد ما بعد التعريف، ولا يحل حتى يقضي حجه يوم النحر.
أما النوع الثالث من الأنساك فهو القران: وهو أن يحرم بالحج والعمرة جميعًا، يحرم بالعمرة والحج سويًا، يقول: "لبيك عمرة وحجا" أو "لبيك حجًا وعمرة"، هذه الصورة من صور التمتع، ومن صور التمتع أيضا أن يحرم بالعمرة، ثم يدخل عليها الحج، كما فعلت عائشة رضي الله عنها حيث أهلت بالعمرة، ثم إنها حاضت بسرف وخشيت أن لا تدرك العمرة قبل عرفة، فأمرها النبي صلى الله عليه وسلم أن تنقض شعرها، وأن تمتشط، وتغتسل، وتدع عمرتها وتلبي بالحج، فأدخلت الحج على العمرة، وهذا محل اتفاق أنه يجوز إدخال الحج على العمرة.
وما حكي من خلاف فهو خلاف شاذ، فالذي عليه العامة وهو الاتفاق بين أهل العلم على أنه يجوز إدخال الحج على العمرة، ويكون بذلك متمتعًا وهو الذي أشار إليه المصنف في قوله: (أو يحرم بالعمرة, ثم يدخل الحج عليها قبل الشروع في الطواف). قبل أن يشرع بالطواف وهذا شرط، أن لا يكون قارنًا بإدخال الحج على العمرة لا إذا أدخل الحج على العمرة قبل الشروع في الطواف، لماذا؟ لأنه إذا شرع في الطواف فقد شرع في التحلل، هكذا قال جماعه من أهل العلم، وبالتالي لا يتمكن من إدخال الحج على العمرة.
وقال آخرون إنه يدخل الحج على العمرة قبل الطواف، لأن السعي الذي يكون بعد الطواف هو سعي عن حجه وعمرته؛ لأنه إذا طاف بنية العمرة فطوافة ركن، أما إذا طاف بينة القدوم فإنه سنة، والذي يظهر والله تعالى أعلم أن إدخال الحج على العمرة يكون ولو بعد الطواف.
فإن النبي صلى الله عليه وسلم أمر الصحابة بالتحلل بعد سعيهم مع أن منهم من طاف بنية الحج مفردًا، وسعى بنية الحج، ومنهم من طاف قارنًا ولم يسق الهدي، ومع هذا فقد قال لهم: «لو استقبلت من أمري ما استدبرت لم أسق الهدي ولجعلتها عمرة» سنن أبي داوود: باب صفة حجة النبي صلى الله عليه وسلم، حديث رقم (1905)، قال الألباني: صحيح.. وهذا من خصائص الحج الذي له خصائص كثيرة في النية فيما يتعلق بالنية، وخروجها عن مقتضى القياس في سائر العبادات فيما يتعلق بالنية، إذا هذا هو ثالث الأنساك وهو القران .
قال رحمه الله: (ويضطر المتمتع إلى هذه الصفة). وهى إدخال الحج على العمرة قبل الشروع في الطواف، (إذا خاف فوات الوقوف بعرفة). مثال أن يأتي إلى مكة أو إلى الحرم بنية العمرة، ويعلم أنه إذا ذهب إلى الطواف والسعي من عمرته فاته الحج، لم يدرك الوقوف بعرفة، فهنا يضطر إلى إدخال الحج على العمرة، كما فعلت عائشة رضي الله عنها لما حاضت بسرف فأمراها النبي صلى الله عليه وسلم بإدخال الحج على العمرة .
قال: (وإذا حاضت المرأة أو نفست).يعني مثل الحال السابقة (وعرفت أنها لا تطهر قبل وقت الوقوف بعرفة). وهذا الذي وقع لعائشة رضي الله عنها، ثم بعد ذلك قال رحمه الله : (والمفرود والقارن فعلهما واحد). لم يتطرق المؤلف إلى صوره من صور القران، وهى إدخال العمرة على الحج، إذا أحرم بالحج ثم أدخل علية العمرة.
قال: "لبيك حجًا", ثم يوم وصل مكة قال لعلى أجعلها عمرة، بعض أهل العلم يوجب هذه الصفة، وهم الذين يرون وجوب التمتع، يوجبون عليه أن يتحلل من حجه بعمرة، جمهور العلماء على أنه لا يجوز إدخال العمرة على الحج، ويقول لم يرد في فعل النبي صلى الله عليه وسلم ولا أصحابه، والعبادات مبناها على التوقيف، إنما قلنا بجواز إدخال الحج على العمرة لورود النص به، والذي يظهر والله تعالى أعلم أنه يجوز إدخال العمرة على الحج، وقولهم إنه لا يستفيد بذلك شيئًا.
الجواب بلا يستفيد، يستفيد فائدتين، الفائدة الأولى أنه يرجع بعمرة وحج، والفائدة الثانية أنه يزيد في العمل وهو الهدي، فليس كما ذكر رحمه الله من أنه لا يدخل العمرة على الحج لأنه لا فائدة منه.
قال رحمه الله: (والمفرد والقارن فعلهما واحد) يعنى من حيث العمل، القارن يوافق المفرد في شيء، ويوافق المتمتع في شيء، يواقف المفرد في ماذا؟، في الأعمال، فلا فرق بين عمل المفرد والقارن إلا الهدي على القارن فقط، ويوافق القارن المتمتع في أمرين، في أنه يجمع في سفره بين حج وعمرة، يجتمع له حج وعمرة عملان.
والثاني في وجوب الهدي، لذلك يقول الصنف هنا (والمفرد والقارن فعلهما واحد، وعلى القارن هدي دون المفرد). بين ما يتفق فيه القارن مع المفرد وما يفارقه، ووجوب الهدى لعموم قوله تعالى:{ فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ} سورة: البقرة، الآية (196). والقارن متمتع حيث جمع الحج والعمرة في سفرٍ واحد .
ثم قال رحمه الله: (ويجتنب المحرم). هذا شروع في ذكر محظورات الإحرام.
(ويجتنب المحرم وقت إحرامه حلق الشعر، تقليم الأظفار، ولبس المخيط إن كان رجلا، وتغطيت رأسه إن كان رجلا، والطيب رجل وامرأة، وكذا يحرم على المحرم قتل صيد البر الوحشي المأكول، والدلالة عليه، والإعانة على قتله).
يقول رحمه الله في بيان محظورات الإحرام: (ويجتنب المحرم وقت إحرامه حلق الشعر). المحرم هو من تلبس بالنسك، ومعني تلبس أي دخل في النسك، سواءً كان عليه ثيابه المعتادة، أو كان عليه إزار ورداء، أو لم يكن عليه شيء، فإن كان عليه ثيابه شخص قال لبيك حجًا، الآن أوجب الدخول في النسك، أو عقد بقلبه الالتزام بأحكام النسك، فهنا يجب عليه أن يتخلى عن اللباس.
ولذلك أقول الإحرام لا يقترن بلبس الإزار والرداء، إنما يجب على المحرم أن يتجرد من الثياب، ويلبس إزارًا يستر عورته، ورداءً يستر به أعلى بدنه، المصنف يقول: (ويجتنب المحرم وقت إحرامه). أي يجب على المحرم أن يجتنب وقت إحرامه، أي زمن ومدة إحرامه، وهو التزامه أحكام الإحرام، وذلك بالدخول في النسك إلى التحلل، سواءً كان التحلل بحلق الرأس، أو تقصيره في العمرة، أو كان التحلل من الإحرام برمي جمرة العقبة، كما تقدم فيما يتعقل بالتحلل في الحج.
المحظورات تنقسم إلي ثلاث أقسام، قسم خاص بالرجال وهو الأكثر والغالب، وقسم خاص بالنساء، وقسم مشترك يشترك فيه الرجال والنساء، المصنف بدء بذكر ما يشترك فيه الرجال والنساء، فقال: (ويجتنب المحرم وقت إحرامه). أي زمن إحرامه، (حلق الشعر). حلق الشعر يعنى إزالة الشعر بالموسى، سواءً كان الشعر من الرأس، أو كان الشعر من سائر البدن.
وهذا حكمٌ يشترك فيه الرجال والنساء لقول الله تعالى: {وَلا تَحْلِقُوا رُءُوسَكُمْ حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ} سورة: البقرة، الآية (196). والخطاب هنا لجميع من أمروا بإتمام الحج والعمرة، وهم المؤمنون رجالًا ونساءً صغارًا وكبارًا, قال: {وَلا تَحْلِقُوا رُءُوسَكُمْ حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ} سورة: البقرة، الآية (196). فيمنع المحرم من إزالة الشعر بالحلق.
وهذا الذي جاء به النص، في قوله: {وَلا تَحْلِقُوا رُءُوسَكُمْ حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ} سورة: البقرة، الآية (196). هذا الذي جاء به النص، ويلحق بالحلق جميع أوجه الإزالة في قول عامة العلماء، من النتف والحلق، وسائر المعالجات التي يزول بها الشعر.
والقدر الذي لا يجوز للمحرم حلقه هو ما يناط به الأذى، هذا هو الراجح من قول العلماء، أن القدر الذي يُمنع المحرم من إزالته من شعرة، هو ما يناط به الأذى هذا في رأسه، وذهب جمهور العلماء إلى تقدير ذلك بثلاث شعرات، فإنه إذا أزال ثلاث شعرات متعمدًا فإنه يقع في المحظور الذي نهي عنه من حلق الشعر.
والصواب ما عليه مالك رحمه الله من أن الحلق المنهي عنه هو أن يزيل من الشعر ما يماط به الأذى عادة، ومعنى ما يناط به الأذى يعني لو كان فيه قمل أو هوام، ما القدر الذي إذا أزاله ذهب عنه ما يجد من أذى؟ هذا القدر هو الذي يتعلق به الكتاب المحظور الذي نهى الله تعالى عنه في قوله: {وَلا تَحْلِقُوا رُءُوسَكُمْ} سورة: البقرة، الآية (196).
ثم قال رحمه الله في ثاني المحظورات، قال: (وتقليم الأظافر). يعنى ما يمنع منه المحرم تقليم الأظافر، وتقليمها هو قصها بالقلب، وهذا مما يمنع منه المحرم، ويستوي في ذلك أظافر اليدين، وأظافر القدمين، ولهذا ذهب كثير من أهل العلم وحكى بعضهم الإجماع عليه، والعلة في ذلك قالوا لأن المحرم منهي عن الترفه، هذا علة الحكم.
وذهب طائفة من أهل العلم إلى أن علة الحكم هنا تعبديه، وليس للترفه، وإنما هو شيء ابتلى الله تعالى به الناس، ولذلك لو ترفه بما ترفه من المباحات التي لم يأت نص بمنعها، فإنه قد لا يكون قد وقع في محظور وهذا قول له وجاهه، إذا ما الذي استندوا إليه في منع قلم الأظافر بالنسبة للمحرم؟، القياس وهو إلحاق قص الأظافر بقص الشعر وإزالته.
واستدلوا أيضا بقول الله تعالى:{ ثُمَّ لْيَقْضُوا تَفَثَهُمْ وَلْيُوفُوا نُذُورَهُمْ} سورة: الحج، الآية (29). وهذا أقوى ما استدلوا به على منع أخذ شعر البشر، وقلم الأظافر، فإن قضاء التفث هو إزالة الشعور والأظافر من البدن، فجعل ذلك مما يقصد منه الحاج، ثم {ثُمَّ لْيَقْضُوا تَفَثَهُمْ وَلْيُوفُوا نُذُورَهُمْ وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ} سورة: الحج، الآية (29).. هذا بعد ما ذكره الله تعالى من المجيء إلى هذه البقعة المباركة.
وهذا مما يشترك فيه الرجال والنساء، وهذا مندرج في القس الأول الذي يشترك فيه الرجال والنساء من محظورات الإحرام، الصواب ما عليه الجمهور من أنه يمنع من أخذها إلا لحاجه، كأن ينكسر ظفر أو يتأذى به، أو ما أشبه ذلك والدليل ما ذكرت من قوله تعالى: {ثُمَّ لْيَقْضُوا تَفَثَهُمْ وَلْيُوفُوا نُذُورَهُمْ وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ} سورة: الحج، الآية (29). وأما القياس، فلا مجال للقياس، لأن القياس لا يصلح في مثل هذا لإثبات حكم لابد من توقيف، والتعليل بالترفه غير صحيح كما تقدم .
قوله رحمه الله: (ولبس المخيط إن كان رجلًا). هذا ثالث المحظورات التي ذكرها المؤلف، وهى لبس المخيط، وهذا مما يختص الرجال، فالرجل ممنوعٌ من لبس المخيط، والمخيط المقصود به ما فصل على البدن على هيئة معتادة، سواءً كان بخياطة، أو بغيرها.
فلو كان منسوجًا فإنه يدخل فيما جاء به النهي في محظورات الإحرام، والأصل في منع المخيط حديث ابن عمر رضي الله عنه أن رجلا قال: يا رسول الله ما يلبس المحرم من الثياب، فقال النبي صلى الله عليه وسلم :«لا يلبس القمص، ولا العمائم، ولا السراويلات، ولا البرانس، ولا الخفاف إلا أحد لا يجد نعلين، فليلبس خفين، وليقطعهما أسفل من الكعبين، ولا تلبسوا من الثياب شيئا مسه الزعفران أو ورس» صحيح البخاري: باب ما لا يلبس من الثياب، حديث رقم (1543).
وهذا أصلٌ فيما يمنع منه المحرم من الألبسة، فهو ممنوع من كل لباس معتاد، القمص هي الثياب التي تلبس وتتستر بها الأبدان العمائم ما يستر به الرأس، السراويلات ما يستر به أسفل البدن من الثياب التي لها أكمام تدخل فيها الأرجل، والبرانس هي قمص إلا أن فيها وصله لتغطية الرأس.
فهذا يدل على أن الناس ممنوعون من لبس ما جرت به العادة من لباسهم المعهود المفصل على البدن، وأما جعل المخيط أصلًا لمنع كل ما فيه خياطه فهذا لم يقل به أحد من أهل العلم ولا دليل عليه، فإن الممنوع هو لبس ما فصل على البدن سواءً كان مخيطًا، أو غير مخيط.
الرابع من محظورات الإحرام (تغطية رأسه أن كان رجلًا). تغطية الرأس وذلك لقوله صلى الله عليه وسلم: «لا يلبس القمص, ولا العمائم, ولا البرانس» صحيح البخاري: باب ما لا يلبس من الثياب، حديث رقم (1543). والعمائم هي ما يستر به الرأس، والبرانس هو الثوب الذي له غطاءٌ للرأس متصل به.