المقدم: شيخ خالد طبعًا عنوان الحلقة اليوم "افعل ولا حرج" ولكن أحببت نبدأ بفضل عشر ذي الحجة.
الشيخ: الحمد لله رب العالمين، وأصلي وأسلم على المبعوث رحمةً للعالمين نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين، أما بعد:
عشر ذي الحجة هي الأيام التي أقسم الله ـ تعالى ـ بها في قوله -جل وعلا-: ﴿وَلَيَالٍ عَشْرٍ* وَالشَّفْعِ وَالْوَتْرِ﴾ [الفجر: 2-3]، في قول جماعة من المفسرين أن الليالي العشر هي هذه الليالي المباركة التي تبتدأ بليلة واحد ذي الحجة إلى عشر ذي الحجة، وهي أفضل أيام الزمان، لما جاء في الصحيح من حديث ابن عباس ـ رضي الله عنهما ـ أن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ قال: «ما من أيام العمل الصالح فيهن أحب إلى الله من هذه العشر» يعني العشر الأول من ذي الحجة، قالوا: ولا الجهاد في سبيل الله؟ قال: «ولا الجهاد في سبيل الله، إلا رجل خرج بماله ونفسه فلم يرجع بذلك بشيء»[أخرجه أبو داود في سننه(ح2438)، والترمذي في سننه(ح757) وقال:حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ غَرِيبٌ].
هذا يبين أن هذه الأيام لها منزلة كبرى عند الله -عزوجل- ومزية عظمى، وهي من مزارع الآخرة التي يتقرب فيها الإنسان إلى الله ـ عز وجل ـ بألوان القربات وأنواع الطاعات، لذلك كل عملٍ صالحٍ في هذه الأيام مشروع وأعظمه وأعلاه ذكر الله بالقلب واللسان والجوارح، ولذلك ينبغي أن يحرص المؤمن على الإكثار من ذكر الله ـ عز وجل ـ في لحظات هذه الأيام ليلًا ونهارًا، سرًّا وجهارًا، قيامًا وقعودًا في البيوت وخارجها، وفي أماكن العمل، لما جاء في حديث ابن عمر -رضي الله عنهما- أنه قال: قال النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ: «ما من أيامٍ العمل الصالح فيهن أحبُّ إلى الله وأفضل من هذه العشر، فأكثروا فيهن من التهليل والتكبير»[أخرجه أحمد في مسنده(5446)، وقال محققو المسند:حديث صحيح] فوجه النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ إلى أعلى ما يكون من العمل الصالح في هذه الأيام وهو كثرة ذكر الله تهليلًا وتكبيرًا وتحميدًا.
فينبغي لنا أن نحرص على الاجتهاد في العمل الصالح في هذه الأيام، ما هناك عمل تقول: إنه أفضل عمل بعد الذكر، الأفضل هو الذكر في الصلاة والزكاة والصدقة والإحسان إلى الخلق، كل هذا من العمل الصالح، بعض الناس قد يلزم نوعًا من العمل، مثلًا من الناس من ينشط للصيام فتجده يجتهد في الصيام ولا يأتي ببقية الأعمال الصالحة، ونقول: أنت على خير، إذا فتح لك في باب فاجتهد فيه، لكن أفضل ما يكون الصائم إذا كان ذاكرًا، وكذلك المصلي إذا عظُم ذكره لربه ـ جل وعلا ـ كذلك المحسن ببدنه في إيصال الخير للناس ليكن ذاكرًا بلسانه، فإن كل عملٍ قارن الذكر كان أفضل من العمل الصالح الخالي عن الذكر.
ولهذا الذاكر في أعلى درجات السبق، وقد جاء في الصحيح أن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ قال: «سبق المُفرِّدون»، قالوا: من المفردون يا رسول الله؟ قال: «الذَّاكِرُونَ اللهَ كَثِيرًا، وَالذَّاكِرَاتُ»[أخرجه مسلم في صحيحه(2676/2)] فأنا أقول: يا إخواني ويا أخواتي! فرصة لا علاقة لهذه القضية بالحج، فرصة لكل مؤمنٍ يرجو عطاء الله وثوابه حاجًّا كان أو غير حاج، في بيته أو مسافر، في بلده أو في عمله، في كل مكان ينبغي أن يحرص المؤمن على اغتنام هذه الأيام بالعمل الصالح، فمن كان له نشاط في القراءة فليجتهد وليكثر من ختم كتاب الله، والمحافظة على الواجبات في الصلوات وسائر الواجبات، هذا من أفضل القربات، فما تقرب عبد، كما قال النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ في الحديث الإلهي «وما تقرب إليَّ عبد بشيء أحب إليَّ مما افترضته عليه».[أخرجه البخاري في صحيحه(6502)]
فلنفتح الباب على مصرعيه في التقرب إلى الله ـ عز وجل ـ بألوان الصالحات، وهذه المزرعة من مزارع الآخرة، أسأل الله ـ تعالى ـ أن لا يحرمني وإياكم من فضله، وأن يعيننا وإياكم على طاعته، فإن توفيق العبد إلى الطاعة هي نعمة من الله عز وجل، وهذه النعمة تُستمطر وتُستجلب بصدق الرغبة وسؤال الله، لذلك قال النبي لمعاذ: «يا معاذ! والله إني لأحبك، فلا تدع دبرَ كلِّ صلاة أن تقول: اللهم أعني على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك»[أخرجه أبو داود في سننه(1522)، والحاكم في مستدركه(1010)، وقال:هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ الشَّيْخَيْنِ، وَلَمْ يُخَرِّجَاهُ. ووافقه الذهبي]، فلنحرص على هذا السؤال، اللهم أعنا على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك، وهذ من أفضل ما يمنُّ به على العبد في عمره أن يكون لله ذاكرًا، له شاكرًا وبحقه قائمًا.