×
العربية english francais русский Deutsch فارسى اندونيسي اردو

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

الأعضاء الكرام ! اكتمل اليوم نصاب استقبال الفتاوى.

وغدا إن شاء الله تعالى في تمام السادسة صباحا يتم استقبال الفتاوى الجديدة.

ويمكنكم البحث في قسم الفتوى عما تريد الجواب عنه أو الاتصال المباشر

على الشيخ أ.د خالد المصلح على هذا الرقم 00966505147004

من الساعة العاشرة صباحا إلى الواحدة ظهرا 

بارك الله فيكم

إدارة موقع أ.د خالد المصلح

خطب المصلح / خطب صوتية / خطبة الجمعة : الصلاة صلة ونجاة

مشاركة هذه الفقرة WhatsApp Messenger LinkedIn Facebook Twitter Pinterest AddThis
خطبة الجمعة : الصلاة صلة ونجاة
00:00:01
1102.08

إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره, ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا, من يهده الله فلا مضل له, ومن يضلل فلن تجد له وليا مرشدا, وأشهد أن لا إله إلا الله إله الأولين والآخرين, لا إله إلا هو الرحمن الرحيم, وأشهد أن محمد عبد الله ورسوله, صفيه وخليله, خيرته من خلقه, صلى الله عليه وعلى آله وصحبه ومن اتبع سنته واقتفى أثره بإحسان إلى يوم الدين. أما بعد. فاتقوا الله أيها المؤمنون, اتقوا الله تعالى حق التقوى, فتقوى الله تجلب لكم كل خير, وتدفع عنكم كل شر, يقول الله جلا وعلا: ﴿ومن يتق الله يجعل له مخرجا﴾+++الطلاق:2---   من كل ما يخافه, ومن كل ما يرهبه, ومن كل ما يضايقه, ﴿ويرزقه من حيث لا يحتسب﴾+++الطلاق:3---  يسوق إليه الرزق من حيث لا يتوقع, فذلك جزاء المتقين, الذين صاحبوا التقوى في سرهم وإعلانهم, فاتقوا الله عز وجل في السر والعلن, وإن من أعظم ما يملئ قلب المؤمن بتقوى الله جلا وعلا؛ أن يكون دائم الصلة به سبحانه وبحمده, فإن الصلة بالله تجلب كل خير, وتدفع كل شر, وتفتح أبواب البر, وتدفع عن الإنسان كل ما يخافه ويرهبه. ذاك أن الله ملك الملوك جلا في علاه, له ما في السموات والأرض, بيده ملكوت كل شيء, سبحانه وبحمده, وهو على كل شيء قدير, هو الغني الحميد, ﴿إنما أمره إذا أراد شيئا أن يقول له كن فيكون﴾+++يس:82---   فمن كان طيب الصلة, حسن العلاقة بربه, فإنه يفتح له من أبواب الخير البر, والعون والمدد, والنصر والتوفيق والتسديد, ما ليس له على بال. لذلك كلما نقصت حالك،  وكلما وجدت في نفسك قصورا أو تقصيرا فافزع إلى الله عز وجل, وفتش عن صلتك به, فإن كنت ذا صلة حسنة, فأبشر فإن الله تعالى لا يضيع من أقبل عليه, ,وأحسن الصلة به «تعرف على الله في الرخاء يعرفك في الشدة». وإن وجدت في صلتك بالله عز وجل هنات وقصورا وتقصيرا، فبادر إلى التوبة, فإنه كريم منان جلا في علاه, فتح أبواب التوبة لعباده, ويفرح بتوبة التائبين, فافزع إلى الله عز وجل في كل الأحوال, إن كنت محسنا أو كنت مسيئا, فإن كنت محسنا فازدد إحسانا, وإن كنت مسيئا فاستعتب, واطلب منه العتبى, في التوبة والمغفرة, والاستغفار والأوبة, وإصلاح العمل, وأبشر فقد قال: ﴿وإني لغفار لمن تاب وآمن وعمل صالحا ثم اهتدى﴾+++طه:82--- . وأعظم ما يوطد الصلة بينك وبين ربك؛ صلاتك فإنها مفتاح الخيرات, لذلك قال فيها النبي صلى الله عليه وسلم «الصلاة نور» نعم, إنها نور تنير القلب وتنير الدرب, تنير الحياة, وتنير القبر, وتنير المبعث والنشور, فالصلاة نور كما قال سيد الورى صلى الله عليه وسلم. أحصي كم جاء في القرآن من أمر الله بالصلاة وحثه عليها جل في علاه, يقول الله تعالى في محكم كتابه ﴿وأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة واركعوا مع الراكعين﴾+++البقرة:43--- .  ويقول جلا وعلا في صفات عباده, في أول موضع يصف به المتقين, في سورة البقرة: ﴿الم *  ذلك الكتاب لا ريب فيه هدى للمتقين﴾ ثم ماذا؟ ثم ﴿الذين يؤمنون بالغيب ويقيمون الصلاة ومما رزقناهم ينفقون﴾ +++البقرة:3--- .  فالصلاة هي المفتاح الذي تحسن الصلة مع الله عز وجل, ولذلك أمر الله تعالى بها رسوله صلى الله عليه وسلم وأمر بها الجميع من أهل الإيمان وجعل النجاح والفلاح معقودا عليها,أوصى الله بها عيسى عليه السلام, ودعا إبراهيم الله عز وجل أن يجعله وذريته مقيمين للصلاة ﴿رب اجعلني مقيم الصلاة ومن ذريتي ربنا وتقبل دعاء﴾+++إبراهيم:40--- . أمر الله بها محافظة وإقامة وحضور قلب وخشوع ونهى عن إضاعتها, وأمر بإدامتها, كل ذلك لعظيم منزلتها, بل أمر بها في أشد الظروف, في القتال ﴿وإذا كنت فيهم فأقمت لهم الصلاة فلتقم طائفة منهم معك﴾+++النساء:102---   ففي القتال والتقاء الصفوف واشتباك السيوف, لا يغفل المؤمن عن صلاته, بل الله عز وجل يقول ﴿حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى وقوموا لله قانتين﴾+++البقرة:238--- ، تتركون؟  لا, ﴿فإن خفتم فرجالا أو ركبانا﴾ أي فصلوا وأنتم تمشون, ﴿أو ركبانا﴾+++البقرة:239---  أي وأنتم راكبون, ففي كل أحوالكم أنتم مأمورون بالصلاة, فحافظوا عليها ﴿فرجالا أو ركبانا فإذا أمنتم فاذكروا الله كما علمكم ما لم تكونوا تعلمون﴾+++البقرة:239--- . إن الصلاة شأنها عظيم, بها تزكوا الأخلاق, بها تستقيم الأعمال, هي نهر بباب أحدكم كما قال النبي صلى الله عليه وسلم يتطهر به كل يوم خمس مرات, «فهل يبقى من درنه شيء؟» لا والله لا يبقى, لمن أحسن الصلاة وأقامها على الوجه الذي يرضى الله تعالى به عليه. إنها زكاة للأخلاق وليست فقط حطا للسيئات, فالصلوات الخمس كما قال النبي صلى الله عليه وسلم «كفارة لما بينهن إذا اجتنبت الكبائر» لكن في قوله فيما رواه مسلم من حديث جابر «مثل الصلوات الخمس كمثل نهر غمر» يعني جاري متدفق, «على باب أحدكم يغتسل منه كل يوم خمس مرات» وهذا الغسل يتطهر به ظاهره, كما يزكوا به باطنه, ويصلح به قلبه, فانظر نفسك في الصلاة, أين أنت من الصلاة, وكيف هي صلاتك؟ في خشوعها وإقامتها, والإتيان بها على الوجه الذي يرضى الله تعالى به عنك. الصلاة تكسبك فضائل الأخلاق  إذا أقمتها على الوجه الذي يرضى الله تعالى بها عنك, إن الصلاة تكسبك صبرا, تكسبك ذكاء, تكسبك حسن خلق, تقيك رذائل وموبقات, فحافظ عليها, واحتسب الأجر في إقامتها, وكن على ما تستطيع طاقة في إقامتها, في شروطها وواجباتها, وأركانها, واحتسب الأجر عند الله, النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا حزبه أمر فزع إلى الصلاة, وذاك أن الصلاة سكن, ﴿ألا بذكر الله تطمئن القلوب﴾+++الرعد:28---، أقول ما تسمعون وأستغفر الله لي ولكم، فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم. الخطبة الثانية: الحمد لله حمدا كثيرا طيبا مباركا فيه, ملئ السماء والأرض وملئ ما شاء من شيء بعد, أحمده حق حمده, لا أحصي ثناء عليه, هو كما أثنى على نفسه, وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له, إله الأولين والآخرين, هو الغني الحميد, العزيز المجيد, سبحانه وبحمده, وأشهد أن محمدا عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه, ومن اتبع سنته واقتفى أثره بإحسان إلى يوم الدين. أما بعد. فاتقوا الله أيها المؤمنون, اتقوا الله حق التقوى فإن التقوى تجلب لكم الخير, تدفع عنكم كل سوء وشر, اتقوا الله, فإنها وصية الله للأولين والآخرين قال الله تعالى: ﴿ولقد وصينا الذين أوتوا الكتاب من قبلكم وإياكم أن اتقوا الله﴾+++النساء:131--- ،  الدنيا مليئة بالتلون والتغير والتحول, فإقبال وإدبار, وغنى وفقر, ووفرة وقلة, والمؤمن في كل ذلك عبد لله يبحث عن رضاه في كل أحواله ﴿ولنبلونكم حتى نعلم المجاهدين منكم والصابرين﴾+++محمد:31--- . وقال الله جلا وعلا  في الحياة الدنيا ﴿الذي خلق الموت والحياة ليبلوكم أيكم أحسن عملا وهو العزيز الغفور﴾+++الملك:2---  فالله عز وجل يبتلي الناس بأحوال عدة, والناجح هو من استقبل البلاء على وفق ما أمر الله عز وجل, ففي السراء شاكر, وفي الضراء صابر, «عجبا لأمر المؤمن إن أمره كله له خير إن أصابته سراء شكر فكان خير له, وإن أصابته ضراء صبر فكان خيرا له» يقول النبي صلى الله عليه وسلم «ولا يكون ذلك إلا للمؤمن» لماذا؟  لأن المؤمن يعلم أن هذا ابتلاء واختبار, ينوع فيه الله تعالى على الناس بالبلاء, والنجاح في أن ترقب حق الله في النعماء وفي البأساء, في العطاء وفي المنع, في الوفرة وفي القلة, وإذا لم يزكي الإنسان نفسه واستسلم لطبيعته وما جبل عليه, كان مستسلما لخسارة, والله عز وجل يقول لعباده ﴿إن الإنسان خلق هلوعا﴾+++المعارج:19--- ، أيش معنى هلوعا؟ ﴿وإذا مسه الخير منوعا﴾+++المعارج:21--- هذا تعريف الهلوع, فإذا مسه خير منع وتحجر وقتر, ولم يشكر، ومنع حق الله ومنع حق الخلق في المال, حق الله في المال أن تشكره وأن تطيعه فيه, وحق الخلق في المال أن تعطي كل ذي حق حقه, لكن الإنسان, بطبيعته التي جبل عليها وإذا خلي بينه وبين طينته وخلقه, كان منوعا, في المقابل إذا مسه الشر جزوعا, كثير السخط, كثير التشكي, كثير اللوم, كثير العتاب, لكن من الذي يسلم من هذا وذاك؟ الذي يسلم من هذا وذاك ﴿إلا المصلين﴾+++المعارج:22--- .تأمل هذه الخصال, التي تنجو بها من الهلع, الذي يقتل النفوس, ويعيق مسيرتها ويعطل المعاش, ويوقع الإنسان في ألوان من المهالك, تأمل هذه الخصال وفتش عنها في نفسك, ﴿إلا المصلين *  الذين هم على صلاتهم دائمون﴾+++المعارج:23--- ، هو بيصلي وبيخلي, يصلي وقت ويترك وقت, لمن ؟ دائمون على صلاتهم, مستمرون عليها, قائمون, في حق الله فيها. ثم ذكر الله جل وعلا سمة أخرى, فقال: ﴿والذين في أموالهم حق معلوم﴾+++المعارج:24---  في الشدة والرخاء, وليس فقط في الرخاء بل في كل حال يوجب الله في المال حقا, تجده مبادرا إلى بذله, فقال: ﴿والذين في أموالهم حق معلوم *  للسائل والمحروم﴾+++المعارج:24-25--- بعد أن ذكر عملين, عمل يتعلق بالله وهو الصلاة, وإدامتها, ذكر عملا ثانيا وهو بذل المال لمستحقه, عاد إلى القلب الذي هو المحرك الأساسي لكل صلاح «ألا وأن في الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله وإذا فسدت فسد الجسد كله» قال: ﴿والذين يصدقون بيوم الدين﴾+++المعارج:26--- . وهذا مما يريح الإنسان, أن الدنيا ليست دارنا, فمهما اتسعت مها زانت ومهما جملت فأنت عنها راحل أو هي عنك راحلة, لكن الشأن كل الشأن أن تنظر كيف تكون يوم الميعاد؟ هل أنت من الفائزين أم أنت من الخاسرين؟ ﴿والذين يصدقون بيوم الدين﴾+++المعارج:26--- ، يوم الحساب والجزاء, ﴿والذين هم من عذاب ربهم مشفقون﴾+++المعارج:27---   خائفون من عذاب الله, وصفة عذابه في هذا اليوم ﴿إن عذاب ربهم غير مأمون﴾+++المعارج:28---  لا يأمنه إلا خاسر. لأن موجبات الخسارة في مسيرة الإنسان كثيرة, فإذا أمن فقد أوتي من مهلكة ومما كان يغفل عنه ﴿فلا يأمن مكر الله إلا القوم الخاسرون﴾+++الأعراف:99---  من هو على غاية الحذر في توقي أسباب العذاب ﴿إن عذاب ربهم غير مأمون﴾+++المعارج:28---  ثم يقول الله تعالى: ﴿فأولئك هم العادون﴾ وبه تصلح الصلات والأنساب, ﴿والذين هم لأماناتهم وعهدهم راعون﴾ ثم يختم الله تعالى ذكر تلك الصفات والخلال بقوله تعالى: ﴿والذين هم على صلواتهم يحافظون﴾ . فالصلاة أولا وأخيرا, الصلاة في المبدأ وفي المنتهى, هي التي تحملك على الطاعة, وهي التي تعينك على البر, وهي التي تقودك إلى الفضل, فحافظ على الصلاة، واعلم أن كل خصلة خير تأتي من قبل محافظتك على الصلاة, فمن ضيع الصلاة كان لما سواها أضيع. اللهم ألهمنا رشدنا وقنا شر أنفسنا, أعنا على الطاعة والإحسان, اصرف عنا الإساءة والتقصير يا ذا الجلال والإكرام. اللهم إنا نسألك الهدى والتقى والرشاد و الغنى, ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار, اللهم إنا نسألك من فضلك صلاحا في قلوبنا وزكاء في أعمالنا, ورضا في سعينا اللهم اجعلنا من عبادك المتقين وحزبك المفلحين وأولياءك الصالحين يا رب العالمين. اللهم أعنا ولا تعن علينا, اللهم انصرنا على من بغى علينا, اللهم آثرنا ولا تؤثر علينا, اللهم اهدنا ويسر الهدى لنا, اللهم يسر الهدى لنا, اللهم اجعلنا لك ذاكرين شاكرين راغبين راهبين أواهين منيبين, اللهم تقبل توبتنا وثبت حجتنا واغفر زلتنا, وأقل عثرتنا, ولا تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا. اللهم من أراد بلادنا والمسلمين بسوء فأشغله بنفسه, اللهم إنا ندرأ بك في نحورهم ونعوذ بك من شرورهم, اللهم ألف بين قلوبنا وأصلح ذات بيننا، اللهم أوسع في أرزاقنا, وارزقنا شكر نعمك, وأعذنا من الطغيان والبطر يا ذا الجلال والإكرام, اللهم إنا نسألك أن تصلح أحوال المسلمين في كل مكان. اللهم أمنا في أوطاننا, وأصلح أئمتنا وولاة أمورنا, اللهم وفق ولي أمرنا إلى ما تحب وترضى, خذ بناصيته إلى البر والتقوى, اجعل له من لدنك سلطانا نصيرا, اللهم ألف بين قلوبنا, واجمع كلمتنا على الحق والهدى, واصرف عنا الشقاق والنزاع, والخلاف والشر, ربنا ظلمنا أنفسنا وإن لن تغفر لنا وترحمنا لنكونن من الخاسرين,  صلوا على نبيكم محمد صلى الله عليه وسلم بها تزكوا أعمالكم وبها ترتفع درجاتكم, فإن صلاتكم في هذا اليوم معروضة عليه, اللهم صل على محمد وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيم وعلى إبراهيم إنك حميد مجيد.

المشاهدات:3335

إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره, ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا, من يهده الله فلا مضل له, ومن يضلل فلن تجد له وليا مرشدا, وأشهد أن لا إله إلا الله إله الأولين والآخرين, لا إله إلا هو الرحمن الرحيم, وأشهد أن محمد عبد الله ورسوله, صفيه وخليله, خيرته من خلقه, صلى الله عليه وعلى آله وصحبه ومن اتبع سنته واقتفى أثره بإحسان إلى يوم الدين.

أما بعد.

فاتقوا الله أيها المؤمنون, اتقوا الله تعالى حق التقوى, فتقوى الله تجلب لكم كل خير, وتدفع عنكم كل شر, يقول الله جلا وعلا: ﴿وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا﴾الطلاق:2   من كل ما يخافه, ومن كل ما يرهبه, ومن كل ما يضايقه, ﴿وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ﴾الطلاق:3  يسوق إليه الرزق من حيث لا يتوقع, فذلك جزاء المتقين, الذين صاحبوا التقوى في سرهم وإعلانهم, فاتقوا الله عز وجل في السر والعلن, وإن من أعظم ما يملئ قلب المؤمن بتقوى الله جلا وعلا؛ أن يكون دائم الصلة به سبحانه وبحمده, فإن الصلة بالله تجلب كل خير, وتدفع كل شر, وتفتح أبواب البر, وتدفع عن الإنسان كل ما يخافه ويرهبه.

ذاك أن الله ملك الملوك جلا في علاه, له ما في السموات والأرض, بيده ملكوت كل شيء, سبحانه وبحمده, وهو على كل شيء قدير, هو الغني الحميد, ﴿إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ﴾يس:82   فمن كان طيب الصلة, حسن العلاقة بربه, فإنه يفتح له من أبواب الخير البر, والعون والمدد, والنصر والتوفيق والتسديد, ما ليس له على بال.

لذلك كلما نقصت حالك،  وكلما وجدت في نفسك قصورا أو تقصيرا فافزع إلى الله عز وجل, وفتش عن صلتك به, فإن كنت ذا صلة حسنة, فأبشر فإن الله تعالى لا يضيع من أقبل عليه, ,وأحسن الصلة به «تعرف على الله في الرخاء يعرفك في الشدة».

وإن وجدت في صلتك بالله عز وجل هنات وقصورا وتقصيرا، فبادر إلى التوبة, فإنه كريم منان جلا في علاه, فتح أبواب التوبة لعباده, ويفرح بتوبة التائبين, فافزع إلى الله عز وجل في كل الأحوال, إن كنت محسنا أو كنت مسيئا, فإن كنت محسنا فازدد إحسانا, وإن كنت مسيئا فاستعتب, واطلب منه العتبى, في التوبة والمغفرة, والاستغفار والأوبة, وإصلاح العمل, وأبشر فقد قال: ﴿وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِمَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا ثُمَّ اهْتَدَى﴾طه:82 .

وأعظم ما يوطد الصلة بينك وبين ربك؛ صلاتك فإنها مفتاح الخيرات, لذلك قال فيها النبي صلى الله عليه وسلم «الصلاة نور» نعم, إنها نور تنير القلب وتنير الدرب, تنير الحياة, وتنير القبر, وتنير المبعث والنشور, فالصلاة نور كما قال سيد الورى صلى الله عليه وسلم.

أحصي كم جاء في القرآن من أمر الله بالصلاة وحثه عليها جل في علاه, يقول الله تعالى في محكم كتابه ﴿وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَارْكَعُوا مَعَ الرَّاكِعِينَ﴾البقرة:43 .  ويقول جلا وعلا في صفات عباده, في أول موضع يصف به المتقين, في سورة البقرة: ﴿الم *  ذَلِكَ الْكِتَابُ لا رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِلْمُتَّقِينَ﴾ ثم ماذا؟ ثم ﴿الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاة وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ﴾ البقرة:3 .

 فالصلاة هي المفتاح الذي تحسن الصلة مع الله عز وجل, ولذلك أمر الله تعالى بها رسوله صلى الله عليه وسلم وأمر بها الجميع من أهل الإيمان وجعل النجاح والفلاح معقودا عليها,أوصى الله بها عيسى عليه السلام, ودعا إبراهيم الله عز وجل أن يجعله وذريته مقيمين للصلاة ﴿رَبِّ اجْعَلْنِي مُقِيمَ الصَّلاةِ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي رَبَّنَا وَتَقَبَّلْ دُعَاءِ﴾إبراهيم:40 .

أمر الله بها محافظة وإقامة وحضور قلب وخشوع ونهى عن إضاعتها, وأمر بإدامتها, كل ذلك لعظيم منزلتها, بل أمر بها في أشد الظروف, في القتال ﴿وَإِذَا كُنتَ فِيهِمْ فَأَقَمْتَ لَهُمُ الصَّلاةَ فَلْتَقُمْ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ مَعَكَ﴾النساء:102   ففي القتال والتقاء الصفوف واشتباك السيوف, لا يغفل المؤمن عن صلاته, بل الله عز وجل يقول ﴿حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلاةِ الْوُسْطَى وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ﴾البقرة:238 ، تتركون؟ 

لا, ﴿فَإِنْ خِفْتُمْ فَرِجَالًا أَوْ رُكْبَانًا﴾ أي فصلوا وأنتم تمشون, ﴿أَوْ رُكْبَانًا﴾البقرة:239  أي وأنتم راكبون, ففي كل أحوالكم أنتم مأمورون بالصلاة, فحافظوا عليها ﴿فَرِجَالًا أَوْ رُكْبَانًا فَإِذَا أَمِنتُمْ فَاذْكُرُوا اللَّهَ كَمَا عَلَّمَكُمْ مَا لَمْ تَكُونُوا تَعْلَمُونَ﴾البقرة:239 .

إن الصلاة شأنها عظيم, بها تزكوا الأخلاق, بها تستقيم الأعمال, هي نهر بباب أحدكم كما قال النبي صلى الله عليه وسلم يتطهر به كل يوم خمس مرات, «فهل يبقى من درنه شيء؟» لا والله لا يبقى, لمن أحسن الصلاة وأقامها على الوجه الذي يرضى الله تعالى به عليه.

إنها زكاة للأخلاق وليست فقط حطا للسيئات, فالصلوات الخمس كما قال النبي صلى الله عليه وسلم «كفارة لما بينهن إذا اجتنبت الكبائر» لكن في قوله فيما رواه مسلم من حديث جابر «مثل الصلوات الخمس كمثل نهر غمر» يعني جاري متدفق, «على باب أحدكم يغتسل منه كل يوم خمس مرات» وهذا الغسل يتطهر به ظاهره, كما يزكوا به باطنه, ويصلح به قلبه, فانظر نفسك في الصلاة, أين أنت من الصلاة, وكيف هي صلاتك؟ في خشوعها وإقامتها, والإتيان بها على الوجه الذي يرضى الله تعالى به عنك.

الصلاة تكسبك فضائل الأخلاق  إذا أقمتها على الوجه الذي يرضى الله تعالى بها عنك, إن الصلاة تكسبك صبرا, تكسبك ذكاء, تكسبك حسن خلق, تقيك رذائل وموبقات, فحافظ عليها, واحتسب الأجر في إقامتها, وكن على ما تستطيع طاقة في إقامتها, في شروطها وواجباتها, وأركانها, واحتسب الأجر عند الله, النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا حزبه أمر فزع إلى الصلاة, وذاك أن الصلاة سكن, ﴿أَلا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ﴾الرعد:28، أقول ما تسمعون وأستغفر الله لي ولكم، فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.

الخطبة الثانية:

الحمد لله حمدا كثيرا طيبا مباركا فيه, ملئ السماء والأرض وملئ ما شاء من شيء بعد, أحمده حق حمده, لا أحصي ثناء عليه, هو كما أثنى على نفسه, وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له, إله الأولين والآخرين, هو الغني الحميد, العزيز المجيد, سبحانه وبحمده, وأشهد أن محمدا عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه, ومن اتبع سنته واقتفى أثره بإحسان إلى يوم الدين.

أما بعد.

فاتقوا الله أيها المؤمنون, اتقوا الله حق التقوى فإن التقوى تجلب لكم الخير, تدفع عنكم كل سوء وشر, اتقوا الله, فإنها وصية الله للأولين والآخرين قال الله تعالى: ﴿وَلَقَدْ وَصَّيْنَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَإِيَّاكُمْ أَنِ اتَّقُوا اللَّهَ﴾النساء:131 ،  الدنيا مليئة بالتلون والتغير والتحول, فإقبال وإدبار, وغنى وفقر, ووفرة وقلة, والمؤمن في كل ذلك عبد لله يبحث عن رضاه في كل أحواله ﴿وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ حَتَّى نَعْلَمَ الْمُجَاهِدِينَ مِنْكُمْ وَالصَّابِرِينَ﴾محمد:31 .

وقال الله جلا وعلا  في الحياة الدنيا ﴿الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا وَهُوَ الْعَزِيزُ الْغَفُورُ﴾الملك:2  فالله عز وجل يبتلي الناس بأحوال عدة, والناجح هو من استقبل البلاء على وفق ما أمر الله عز وجل, ففي السراء شاكر, وفي الضراء صابر, «عجبا لأمر المؤمن إن أمره كله له خير إن أصابته سراء شكر فكان خير له, وإن أصابته ضراء صبر فكان خيرا له» يقول النبي صلى الله عليه وسلم «ولا يكون ذلك إلا للمؤمن» لماذا؟ 

لأن المؤمن يعلم أن هذا ابتلاء واختبار, ينوع فيه الله تعالى على الناس بالبلاء, والنجاح في أن ترقب حق الله في النعماء وفي البأساء, في العطاء وفي المنع, في الوفرة وفي القلة, وإذا لم يزكي الإنسان نفسه واستسلم لطبيعته وما جُبِلَ عليه, كان مستسلما لخسارة, والله عز وجل يقول لعباده ﴿إِنَّ الإِنسَانَ خُلِقَ هَلُوعًا﴾المعارج:19 ، أيش معنى هلوعا؟ ﴿وَإِذَا مَسَّهُ الْخَيْرُ مَنُوعًا﴾المعارج:21 هذا تعريف الهلوع, فإذا مسه خير منع وتحجر وقتر, ولم يشكر، ومنع حق الله ومنع حق الخلق في المال, حق الله في المال أن تشكره وأن تطيعه فيه, وحق الخلق في المال أن تعطي كل ذي حق حقه, لكن الإنسان, بطبيعته التي جبل عليها وإذا خلي بينه وبين طينته وخلقه, كان منوعا, في المقابل إذا مسه الشر جزوعا, كثير السخط, كثير التشكي, كثير اللوم, كثير العتاب, لكن من الذي يسلم من هذا وذاك؟ الذي يسلم من هذا وذاك ﴿إِلَّا الْمُصَلِّينَ﴾المعارج:22 .تأمل هذه الخصال, التي تنجو بها من الهلع, الذي يقتل النفوس, ويعيق مسيرتها ويعطل المعاش, ويوقع الإنسان في ألوان من المهالك, تأمل هذه الخصال وفتش عنها في نفسك, ﴿إِلَّا الْمُصَلِّينَ *  الَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلاتِهِمْ دَائِمُونَ﴾المعارج:23 ، هو بيصلي وبيخلي, يصلي وقت ويترك وقت, لمن ؟ دائمون على صلاتهم, مستمرون عليها, قائمون, في حق الله فيها.

ثم ذكر الله جل وعلا سمة أخرى, فقال: ﴿وَالَّذِينَ فِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ مَعْلُومٌ﴾المعارج:24  في الشدة والرخاء, وليس فقط في الرخاء بل في كل حال يوجب الله في المال حقا, تجده مبادرا إلى بذله, فقال: ﴿وَالَّذِينَ فِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ مَعْلُومٌ *  لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ﴾المعارج:24-25 بعد أن ذكر عملين, عمل يتعلق بالله وهو الصلاة, وإدامتها, ذكر عملا ثانيا وهو بذل المال لمستحقه, عاد إلى القلب الذي هو المحرك الأساسي لكل صلاح «ألا وأن في الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله وإذا فسدت فسد الجسد كله» قال: ﴿وَالَّذِينَ يُصَدِّقُونَ بِيَوْمِ الدِّينِ﴾المعارج:26 .

وهذا مما يريح الإنسان, أن الدنيا ليست دارنا, فمهما اتسعت مها زانت ومهما جملت فأنت عنها راحل أو هي عنك راحلة, لكن الشأن كل الشأن أن تنظر كيف تكون يوم الميعاد؟ هل أنت من الفائزين أم أنت من الخاسرين؟ ﴿وَالَّذِينَ يُصَدِّقُونَ بِيَوْمِ الدِّينِ﴾المعارج:26 ، يوم الحساب والجزاء, ﴿وَالَّذِينَ هُمْ مِنْ عَذَابِ رَبِّهِمْ مُشْفِقُونَ﴾المعارج:27   خائفون من عذاب الله, وصفة عذابه في هذا اليوم ﴿إِنَّ عَذَابَ رَبِّهِمْ غَيْرُ مَأْمُونٍ﴾المعارج:28  لا يأمنه إلا خاسر.

لأن موجبات الخسارة في مسيرة الإنسان كثيرة, فإذا أمن فقد أوتي من مهلكة ومما كان يغفل عنه ﴿فَلا يَأْمَنُ مَكْرَ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْخَاسِرُونَ﴾الأعراف:99  من هو على غاية الحذر في توقي أسباب العذاب ﴿إِنَّ عَذَابَ رَبِّهِمْ غَيْرُ مَأْمُونٍ﴾المعارج:28  ثم يقول الله تعالى: ﴿فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْعَادُونَ﴾ وبه تصلح الصلات والأنساب, ﴿وَالَّذِينَ هُمْ لِأَمَانَاتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ رَاعُونَ﴾ ثم يختم الله تعالى ذكر تلك الصفات والخلال بقوله تعالى: ﴿وَالَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلَوَاتِهِمْ يُحَافِظُونَ﴾ .

فالصلاة أولا وأخيرا, الصلاة في المبدأ وفي المنتهى, هي التي تحملك على الطاعة, وهي التي تعينك على البر, وهي التي تقودك إلى الفضل, فحافظ على الصلاة، واعلم أن كل خصلة خير تأتي من قبل محافظتك على الصلاة, فمن ضيع الصلاة كان لما سواها أضيع. اللهم ألهمنا رشدنا وقنا شر أنفسنا, أعنا على الطاعة والإحسان, اصرف عنا الإساءة والتقصير يا ذا الجلال والإكرام.

اللهم إنا نسألك الهدى والتقى والرشاد و الغنى, ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار, اللهم إنا نسألك من فضلك صلاحا في قلوبنا وزكاء في أعمالنا, ورضا في سعينا اللهم اجعلنا من عبادك المتقين وحزبك المفلحين وأولياءك الصالحين يا رب العالمين.

اللهم أعنا ولا تعن علينا, اللهم انصرنا على من بغى علينا, اللهم آثرنا ولا تؤثر علينا, اللهم اهدنا ويسر الهدى لنا, اللهم يسر الهدى لنا, اللهم اجعلنا لك ذاكرين شاكرين راغبين راهبين أواهين منيبين, اللهم تقبل توبتنا وثبت حجتنا واغفر زلتنا, وأقل عثرتنا, ولا تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا.

اللهم من أراد بلادنا والمسلمين بسوء فأشغله بنفسه, اللهم إنا ندرأ بك في نحورهم ونعوذ بك من شرورهم, اللهم ألف بين قلوبنا وأصلح ذات بيننا، اللهم أوسع في أرزاقنا, وارزقنا شكر نعمك, وأعذنا من الطغيان والبطر يا ذا الجلال والإكرام, اللهم إنا نسألك أن تصلح أحوال المسلمين في كل مكان.

اللهم أمنا في أوطاننا, وأصلح أئمتنا وولاة أمورنا, اللهم وفق ولي أمرنا إلى ما تحب وترضى, خذ بناصيته إلى البر والتقوى, اجعل له من لدنك سلطانا نصيرا, اللهم ألف بين قلوبنا, واجمع كلمتنا على الحق والهدى, واصرف عنا الشقاق والنزاع, والخلاف والشر, ربنا ظلمنا أنفسنا وإن لن تغفر لنا وترحمنا لنكونن من الخاسرين, 

صلوا على نبيكم محمد صلى الله عليه وسلم بها تزكوا أعمالكم وبها ترتفع درجاتكم, فإن صلاتكم في هذا اليوم معروضة عليه, اللهم صل على محمد وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيم وعلى إبراهيم إنك حميد مجيد.

الاكثر مشاهدة

1. خطبة : فابتغوا عند الله الرزق ( عدد المشاهدات18627 )
4. خطبة: يسألونك عن الخمر ( عدد المشاهدات11949 )
8. خطبة : عجبا لأمر المؤمن ( عدد المشاهدات9099 )
12. الاجتهاد في الطاعة ( عدد المشاهدات7988 )

مواد تم زيارتها

التعليقات


×

هل ترغب فعلا بحذف المواد التي تمت زيارتها ؟؟

نعم؛ حذف