×
العربية english francais русский Deutsch فارسى اندونيسي اردو

نموذج طلب الفتوى

لم تنقل الارقام بشكل صحيح

مرئيات المصلح / برامج المصلح / الدين والحياة / الحلقة (41) كره لكم قيل وقال

مشاركة هذه الفقرة WhatsApp Messenger LinkedIn Facebook Twitter Pinterest AddThis

المشاهدات:4552

المقدم: بسم الله الرحمن الرحيم، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وأهلاً ومرحبًا بكم جميعًا مستمعينا الكرام في هذه الحلقة المباشرة من برنامجكم "الدين والحياة"، والتي تأتيكم عبر أثير إذاعة "نداء الإسلام" من مكة المكرمة، يسعد بصحبتكم في هذه الحلقة من الإعداد والتقديم محدثكم: عبد الله الداني، كما أيضًا يصحبنا في هذه الحلقة من الهندسة الإذاعية الزميل: ماهر ناضرة.
في هذا اليوم وفى هذه الحلقة مستمعينا الكرام سوف نتناول موضوعًا مهمًا ينطلق من قول المصطفى - صلى الله عليه وسلم -: «إنَّ الله كَرِهَ لكم ثلاثة» ، وقال - عليه الصلاة والسلام - في هذا الحديث الشريف: «قيلَ وقالَ، وكثرةَ السؤالِ، وإِضاعةَ المال»[أخرجه البخاري في صحيحه:ح1477، ومسلم:ح593/12] حديثنا يتعلق بالشِّقِّ الأول من هذا الحديث، عن قوله - صلى الله عليه وسلم -: «قيل، وقال»، وما يتعلق بالشائعات وأخطارها.
يسرُّني أن أُرحِّب بضيفي وضيفكم في هذا البرنامج:
فضيلة الشيخ الأستاذ الدكتور/ خالد بن عبد الله المصلح
أستاذ الفقه بكلية الشريعة في جامعة القصيم،
والمشرف العام على فرع الرئاسة العامة للبحوث العلمية والإفتاء في منطقة القصيم.
السلام عليكم ورحمة الله يا شيخ خالد.
الشيخ: وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته، مرحبًا بك أخ عبد الله، حياك الله، وأسأل الله أن يكون لقاءً نافعًا مباركًا.
المقدم: اللهم آمين، كما نرحب بكل المستمعين والمستمعات معنا على الهواء مباشرة، الراغبين والراغبات في التواصل معنا عبر هذه الحلقة بالاتصال على الرقم: 0125429898، شيخ خالد، عندما نتحدث عن قول المصطفى - صلى الله عليه وسلم -: «إنَّ الله كره لكم ثلاثة» وجاء في الحديث: «قيل، وقال» ما المقصود بهذه العبارة؟
الشيخ: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
المقدم: وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته.
الشيخ: الحمد لله رب العالمين، وأصلي وأسلم على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين.

 أمَّا بعد، فتحية لك أخي عبد الله، وللإخوة والأخوات، أسأل الله لي ولكم السداد والتوفيق في القول والعمل.
المقدم: اللهم آمين.
الشيخ: فيما يتصل بهذه القضية - قضية الشائعات، وتناقل الأحاديث و«قيل وقال» - هي من القضايا الرئيسة المهمة التي لها أثر كبير على الفرد والمجتمع، وقد عُني بها الشرع الحنيف عناية خاصة، فـجاء فيها من النصوص والأحاديث والأقوال المأثورة عن سلف الأُمَّة ما يبين خطورةَ هذا الأمر، وأنه ينبغي لكل مؤمن أن يحفظ لسانه عن أن ينقل أو يتحدث بشيء إلا  وهو على بصيرة منه، وعلى علم بما يتكلم به، قال الله - جلَّ وعلا -: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا أَن تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَىٰ مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ[الحجرات:6]  ،  وفي قراءة "فتثبتوا"، وقد أمر الله تعالى بالتثبت في القول ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ[التوبة:119].
ولن يتحقق لأحد هذا النص إذا كان مشتغِلاً بنقل الحديث، ونقل كل ما يسمعه دون تمييز، ودون فَرزٍ، ودون تأمُّل فيما ينقل؛ وقد حذَّر النبي - صلى الله عليه وسلم - من النقل المباشر لكل ما يسمعه الإنسان؛ فقال كما في صحيح مسلم، من حديث حفص بن عاصم: «كفى  بالمرء كَذِبًا أن يُحدِّث بِكُل ما سَمِع»[أخرجه مسلم في مقدمة صحيحه، بَابُ النَّهْيِ عَنِ الْحَدِيثِ بِكُلِّ مَا سَمِعَ:1/10]، وقد جاء في السنن من حديث أبي هريرة - رضي الله تعالى عنه -، أنَّ النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «كفى بالمرء إثمًا أن يحدث بكل ما سمع»[أخرجه أبو داود في سننه:ح4992، ابن حبان في صحيحه:ح30 ، صححه الألباني في الصحيحة:ح2025]، وذلك أنَّ الإنسان يسمع في العادة الصدق والكذب، والصواب والخطأ، والواقع والمخلوق من الأحداث والوقائع، فإذا جرى خلف كل ما يسمعه وتحدَّث به نقلاً؛ فلا بُدَّ أن يقع في الكذب الذي يهدي إلى الفجور، والفجور يهدي إلى النار كما قال النبي - صلى الله عليه وسلم-.[أخرجه البخاري في صحيحه:ح6094، ومسلم:ح2607/103]
لذلك كان المطلوب من المؤمن أن يحفظ لسانه عن أن يتكلم بما لم يثبت عنده ثبوتًا يقطع الشك ويُزيل الوهم، وحتى إذا تثبت فإنَّه ليس من المصلحة أن يتكلم بكل ما علم، وبكل ما سمع هذا إذا افترض صحة ما سمعه؛ ولذلك جاء النهي عن القول، أو ذم القول إلا أن يكون فيه خيرٌ ومصلحة، قال النبي - صلي الله عليه وسلم -: «مَن كان يُؤمن بالله واليوم الآخر فَلْيَقُل خيرًا أو لِيَصْمُت»[أخرجه البخاري في صحيحه:ح6018، مسلم:ح47/74]،  وبالتالي حتى إذا كانت المعلومة صحيحة، وواقعة فليفكر الإنسان في عواقبها، ومصلحة نقلها، والحديث بها، فإنَّ النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيرًا أو ليصمت»، والحديث الذي عنونت به الحلقة أيضًا شامل لكل ما يُنقل من القول ، فالاشتغال بالقول والقيل، والأخذ والعطاء في ما يدور في ألسنة الناس، وأحاديثهم دون تأول، دون ملاحظة الضوابط الشرعية والقواعد التي ينبغي أن يضبط الإنسان بها لسانه، لا شك أنَّها تورده المهالك؛ ولهذا كره الله تعالى لأهل الإسلام ولأهل الإيمان (قيل، وقال) لما في ذلك من مضيعة الوقت، ولما في ذلك من احتمالية الوقوع في الخطأ، ولما في ذلك من الاشتغال بما لا ينفع، ولما في ذلك من الوقوع في ما هو محظور شرعًا من الحديث بما لا يعلم، والله تعالى قال: ﴿وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَك بِهِ عِلْم إِنَّ السَّمْع وَالْبَصَر وَالْفُؤَاد كُلّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولًا[الإسراء:36]   ؛ فلذلك كره الله - عزَّ وجلَّ - لأُمَّته (قيل وقال) لهذه المعاني مجتمعة ولغيرها والله أعلم بأسرار شرعه، وحِكَمِ تشريعاته، لكن هذه بعض المعاني التي يمكن الوقوف عليها في كراهية الله - عزَّ وجلَّ - لـ (قيل وقال).

وفي حديث المغيرة بن شعبة، قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: «إنَّ الله حرم عليكم عُقوق الأمهات، ووأدَ البنات، ومنعًا وهات، وكره لكم»  وما كره الله تعالى فهو مذموم،  يجب على المؤمن أن يجتنبه، وأن ينأى عنه، فالكراهية هنا تفيد التحريم، وليست كراهية بالاصطلاح الفقهي، ما لا يعاقب تاركه، ولا يمدح فاعله. إنَّما هو الكراهة التي تبين أنَّها مَظِنَّة الوقوع في الحرام والخطأ «كره لكم قيل وقال، وكثرةَ السؤال، وإِضاعةَ المال»[أخرجه البخاري في صحيحه:ح2408، ومسلم:523/12] بهذا ينبغي للمؤمن أن يجتنب هذه الغفلة، وهي: زعموا، وقيل، وسمعنا، وتناقلوا، ويقال،
واليوم في عبارات مشابهة لهذا تجد أنَّ المتداولين للأخبار عبر وسائل الاتصال الحديث، سمعت مصدر خاص، حصري، منقول، وما إلى ذلك مما يتبين في الواقع أنَّ أكثره لا حقيقة له.
قال - صلى الله عليه وسلم -: «بِئس مَطيَّة الرجلِ زعموا»[أخرجه أبو داد في سننه:ح4972، وأحمد في مسنده:ح17075، وقال ابن حجر: رجاله ثقات. انظر الفتح:10/551] ؛ لأنَّها مطية يركبها الإنسان لتمرير ما يقوله من حق أو باطل، ومن خير أو شر، ويشير في ذلك إلى أنَّه قيل، زعموا، والزعم قريب من الكذب أو الظن كما في بعض المعاني للزعم.
المقصود: أنَّه ينبغي للإنسان أن يحفظ لسانه، لا سيما  حتى يتأكد الأمر، ويُعظم الخبر عندما يكون هناك نقل يتعلق بأشخاص، برموز، بعلماء، بقادة في العلم أو الفكر أو غير ذلك، لا شك أنَّ الجرأة على الحديث في هؤلاء الأشخاص مما يوقع الإنسان في مهالك عديدة، ويورده مخاطر لا تتعلق بأولئك الأشخاص فقط، بل بهم وبمن يتأثر بالحديث عنهم؛ ولهذا كان اللسان مبدأ كل فتنة، قال عمر بن الخطاب - رضي الله عنه -: "إياكم والفتن فإنَّ وقع اللسان فيها مثل وقع السيف"[روي من حديث ابن عمرtمرفوعا، أخرجه ابن ماجه في سننه:ح3968، وضعفه البصيري في مصباح الزجاجة:4/176، والألباني في الضعيفة:ح2479]؛ أي: تأثيره ونفاذه وخطره مثل وقع السيف؛ لأنَّ الدماء إنَّما تُستباح بالألسن، فإذا أُطلقت الألسن في الأعراض، وأطلقت الألسن في الحكاوي والأخبار المكذوبة؛ أَوغَرَت الصدور فكان هذا سبيلًا لوقع السيف؛ ولهذا يقول - رضي الله تعالى عنه -: "إياكم والفتن" احذروها وتجنَّبوها أن تقولوا قولاً يؤدِّى إلى فتنة، أن تقولوا قولاً يؤدِّي إلى شرٍّ، أن تقولوا قولاً يُحرِّض، يُفرِّق الجماعة، يُوغِر الصدور على ولاة الأمور، يوغر الصدور على العلماء، على أهل البلد فيما بينهم، في بثِّ الشائعات، وإثارة النعرات والعصبيات، وتناقُل الأحاديث التي تثير الأحقاد، وتُفرِّق بين الناس، بالتأكيد كل هذه أمور ينبغي للمؤمن أن يتجنَّبها؛ فإنَّ وقع اللسان فيها مثل وقع السيف، وقد يكون أخطر.
ينبغي للمؤمن أن يدرك هذه المعاني، لا سيما ونحن نعيش في زمن أحاطت بالأُمَّة الإسلامية والعالم الإسلامي البلايا والرزايا والأخطار من كل حَدَبٍ وصوب، فلا نجاة من هذه الأمور إلا بالتثبت والتأمل والنظر والصبر وسَبْر ما يُنقل، وهل يتكلم الإنسان بكل ما سمع أم لا بُدَّ أن يُميِّز؟ بالتأكيد أنَّه إن أطلق الإنسان لسانه في نقل كل ما يَرد إلى أُذنه؛ فإنَّه سيشارك في نقل كلِّ شرٍّ، أو فساد، أو ما يضر الأُمَّة، ويوقع بينها الفتنة؛ ولهذا نماذج وشواهد في حياة الناس كثيرة، فتناقل الناس مثلاً للأخبار المخيفة، أو الأخبار المثَبِّطة، أو الأخبار التي تُوغِر الصدور، التي تشكِّك مثلاً في استقرار البلد، التي تشكك في اقتصادها، التي تشكك في قُوَّتها، التي تشكك في أمانة ولاتها، التي تشكك في ائتلافها واجتماعها، كل هذه من الأسلحة الفتَّاكة التي يستعملها الأعداء للإضرار بالأُمَّة وتفريق جماعتها، وإيغار الصدور بين أبنائها؛ يحقق ما يأمِّلون؛ ليصلوا إلى ما يريدون من إضرار بالأُمَّة، وتفريق للصفِّ؛ لهذا من الضروري أن يعتني المؤمن بـإغلاق المنافذ، وقطع الطريق، وأن يكون الإنسان على حذر ليس فقط لأجل حفظ المصالح الدنيوية، بل هذه عبادة وطاعة فإنَّ الله تعالى كره لنا قيل وقال، فافعل ذلك تعبُّدًا، وتقرُّبًا لله تعالى، وإيقافًا لسلسلة المنقولات، ولا يقل قائل: والله يعني أنا لو ما شاركت، أنا لو ما تكلمت ماذا سيكون؟
الشائعات لها تأثير بالغ، فلا تشارك في نشرها، وكونها تقف عندك وتموت لك في ذلك أجر، وأنت مأجور على صيانة الأُمَّة، هذه الكلمات التي لها من العواقب والأخطار والمفاسد ما ينبغي أن يكون الإنسان فيه على حذر وعلى وَعيٍ، لا سيما وأنَّ المتربِّص بنا، والساعي إلى إثارة الفرقة بيننا، والداعي إلى إيقاع الشرِّ بيننا لم يتوانى، ويستعمل كلَّ أنواع الكذب، وأوجه التضليل التي من خلالها، يروِّج لما يريد من اضطرابات، يروِّج لما يريد من إرجاف، يروج لما يريد من إيقاع بين المؤمنين، وبين أهل الإسلام، وبين أهل البلد وهذا ما هو مُشاهَد وملموس عبر هذه الوسائل التي تضخُّ بالمئات الرسائل والأخبار التي لا يُعلم صدقها من كذبها، وحريٌّ بالمؤمن أن يقطع الطريق على هؤلاء المفسدين، وعلى هؤلاء المنافقين بإغلاق المنافذ، وسدِّ السُبُل، وتسكير الطرق التي من خلالها ينفذون على المجتمع.

الله - عزَّ وجلَّ - لخطورة هذا الأمر في نسيج الأُمَّة واجتماعها هدَّد تهديدًا بالغًا أولئك المنافقين المُرجفين قال تعالى في محكم الكتاب: ﴿لَئِنْ لَمْ يَنْتَهِ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ وَالْمُرْجِفُونَ فِي الْمَدِينَةِ لَنُغْرِيَنَّكَ بِهِمْ ثُمَّ لا يُجَاوِرُونَكَ فِيهَا إِلا قَلِيلا * مَلْعُونِينَ أَيْنَمَا ثُقِفُوا أُخِذُوا وَقُتِّلُوا تَقْتِيلًا.[ الأحزاب:60-61 ]
يقول الله تعالى، مُهدِّدًا هؤلاء:  إن لم تقفوا عن هذا الإرجاف، والأخبار السيئة التي تقود إلى الفتن، وتدعو إلى الاضطراب، وتفرِّق بين أهل البلد، وتُوغِر صدور الناس على حُكَّامهم وعلى ولاتهم فهم موعودون بهذا الذي ذكره - جلَّ وعلا - ﴿لَنُغْرِيَنَّكَ بِهِمْ﴾ أي: لنسلطنك عليهم فتستأصلهم بالقتل، وذلك أنَّ هؤلاء فسادهم عريض، وشرَّهم كبير لا يُتخلَّص منه إذا أصروا عليه إلا بالقتل الذي يقطع شرَّهم ويعدم ضررهم عن الأُمَّة؛ ولهذا من الضروري أن يعي الناس خطورة الاستسلام، والتمرير للشائعات سواء كانت الشائعات تتعلق بالأفراد، أو تتعلق بالجماعات، ولنعلم أنَّه ما استبيح دمُ أمير المؤمنين عثمان - رضي الله تعالى عنه - إلا بالشائعات التي تحمل الكذب والافتراء والطعن عليه - رضي الله تعالى عنه -، ولنعلم أنَّ ما وقع من خلاف وتفرق في صدر الأُمَّة غالبه عائد إلى هذا السبب الذي استغله الكفار والمنافقون وأعداء الإسلام منذ فجر التاريخ الإسلامي؛ للنيل من هذه الأُمَّة.
وأضرب لذلك مثلاً جرى في زمن النبي - صلى الله عليه وسلم-.
المقدم: اللهم صلِّ وسلم عليه.
الشيخ: في غزوة أحد حين أشاع المنافقون والكفار أنَّ النبي - صلى الله عليه وسلم - قد مات، انظر إلى هذه الإشاعة وهذا الخبر، ووقع هذا الخبر على جمهور الصحابة الكرام - رضي الله تعالى عنه - في ذلك الموقف العصيب الذي اختلَّت فيه موازين القوى بعد أن رأى الصحابة النصر، وحصل ما حصل من مخالفة أمر النبي - صلى الله عليه وسلم -، وأتى الكفار أهلَ الإسلام من أسفل منهم، ومن أعلى منهم، من جهتين، وجاؤوهم من حيث لم يحتسبوا، وأوذى رسول الله - صلى الله عليه وسلم -أذىً بالغًا، أشاع الشيطان، قيل الشيطان، وقيل بعض المشركين بين أهل الإسلام أنَّ محمدًا قد قتل؛ فوقع الاضطراب في الصفِّ، ووقع الخلل في المجموع، فجاءهم من الهم والحزن والإحباط واليأس ما جعل جماعة منهم يضعون سيوفهم ويقعدون؛ لأنَّ النبي - صلى الله عليه وسلم - قد مات أو قُتل، فجاء من أحيا هِمَم هؤلاء الصحابة كما في خبر أنس بن النضر- رضي الله تعالى عنه - أنَّه مرَّ على جماعة من الصحابة قد وضعوا سلاحَهم، قال: ما بكم؟ قالوا: قُتل النبي - صلى الله عليه وسلم -، قُتِل رسول الله، قال: "قوموا لئن كان قُتِل؛ فقاتلوا حتى تُقتَلوا على ما قُتِل، أو تموتوا على ما مات عليه - صلى الله عليه وسلم-."[دلائل النبوة للبيهقي:3/245]
فالمهم أنَّ هذه الأخبار الرديئة تؤثِّر على النفوس حتى النفوس القوية، أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - الذين لهم الإيمان والقوة والثبات ما لهم إلا إنَّه جرى بسبب الشائعة الرديئة ما تأثروا به، وفي المقابل انظر إلى أخذهم العبرة والدرس من هذا الموقف في  وقعة حمراء الأسد، بعد أحد مباشرة لما انصرفت قريش ومن معها  بسبب حسم المعركة التي أرادوا أن يحسموها مُنتصرين، رجعوا واجتمع النبي - صلى الله عليه وسلم -، وأصحابه على اللحاق بهم؛ حتى يشعروهم بالقوة والقدرة التي تَكفُّ هؤلاء، وتردعهم، وتُعْلِمهم أنَّهم لن يصيبوا من المؤمنين ما أمَّلوه من استئصال شأفتهم، واستباحة بيضتهم، بل هؤلاء الذين تزعمون أنكم انتصرتم عليهم يخرجون يلاقونكم جاء قول الله - عزَّ وجلَّ -: ﴿الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ[آل عمران:173]   ، هذا خبر بعض الذين نقلوا توصيف ما كانت قريش تعمله من الرفض والحشد للاجتماع في قتل النبي - صلى الله عليه وسلم -، أو أنَّ ذلك من اختراع القائل ليُرجِف ويُخيفَ أهلَ الإسلام، فماذا كان جواب هذا لما كان هناك سدٌّ منيع، حصانة في المجتمع من نُفوذ مثلِ هذه الشائعات التي غرضُها الهزيمة النفسية، غرضها زَعزعةُ الثقة بالله - عزَّ وجلَّ -، الثقة بوعده، الثقة بنصره؛ قال الله - جلَّ وعلا -: ﴿الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَانًا وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ[آل عمران:173]، فطابت قلوبهم، وزكَت أقوالهم زادهم إيمانا؛ ليقينهم أنَّ وعد الله حقٌّ لا يُخلف، ثم لم يبق هذا حديث القلب، بل جاء بنقيض القصد بما فعله الناقل لذلك الحديث حيث قال: حسبنا الله ونعم الوكيل، ﴿فَانْقَلَبُوا بِنِعْمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ لَمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ وَاتَّبَعُوا رِضْوَانَ اللَّهِ وَاللَّهُ ذُو فَضْلٍ عَظِيمٍ[آل عمران:174]
فيجب على المؤمن أن يحرص على أن يوقف تلك الشائعات المنقولات، والمبادرة اليوم إلى نقل الخبر صحيحًا كان أو كذبًا حقيقة أنَّها ممارسة يمارسها الأفراد، عبر قنواتهم التي يستعملونها، ووسائل الاتصال التي أتيحت لهم، تستعملها بعض الوسائل الإعلامية من صحف إلكترونية، أو غير إلكترونية.
المقدم: وسائل تواصل اجتماعية.
الشيخ: للفوز، للسبق الذي يُغري كثيرًا من الصُّحُفِيين، كثير من نقلة الأخبار حتى من غير الصحفيين، يغريهم بالمبادرة إلى النقل دون تثبت، فترتب على ذلك من المفاسد والشرور ما ينبغي الحذر منه؛ ولهذا كل الدول على اختلاف..
المقدم: لعل الاتصال انقطع بالشيخ خالد المصلح، لعلنا نعاود الاتصال بفضيلته حول ما تحدث فيه في هذه الحلقة عن موضوعنا عن الشائعات وأخطارها انطلاقًا من قول المصطفى - صلى الله عليه وسلم -: «إن الله كره لكم ثلاثة»، وذكر في هذا الحديث - عليه الصلاة والسلام -: «قيل وقال»، «إنَّ الله كره لكم ثلاثًا»، وذكر من هذه الأمور الثلاثة قوله - عليه الصلاة والسلام -: «قيل وقال».
تحدث فضيلة الشيخ أيضًا عن أخطار هذه الشائعات، وما يمكن أن تتركه من آثار سلبية على وحدة المجتمع وترابطه وتراص صفوفه، وما يمكن أيضًا أن يؤثر في لُحمة المجتمع وفي وحدته، بالإضافة إلى العديد من الآيات الكريمة، والأحاديث النبوية الشريفة التي تضافرت حول أخطار هذه الشائعات.
نرحِّب من جديد بفضيلة الشيخ خالد المصلح، شيخ خالد، حياكم الله ويمكن ربما ننطلق إلى محور آخر حول هذا الحديث الذي كنا نتحدث حوله، ألا وهو أنَّ بعض الناس يعتقد أنَّه لا تَطالُه المُسائلة، أو لا يلحقه الإثم جراء ذكره بعض المعلومات، أو بعض الكتابات التي يعتقد أنَّه بها يخرج من طائلة المسؤولية مثلاً، عندما يقول أنَّ هذه معلومة وصلتني، وأنا أنقلها كما وردتني مثلاً. بالأمس القريب الشيخ خالد، لعلنا نحن نكون نتحدث عمَّا يحصل في واقعنا الآن، بالأمس القريب تداول الكثير من الناس بعض الرسائل النصية على تطبيق الواتس آب تفيد بإضافة مثلاً بعض الرسوم على الخدمات تقدمها الدوائر الحكومية، الجميل في ذلك أنَّ هذه الدوائر الحكومية سارعت إلى النفي، لكن لو كان هناك تأخر مثلاً، وفي مقابل انتشار مثل هذه الرسائل خصوصًا في ظل وفرة هذه الوسائل المختلفة وسائل التواصل الاجتماعي التي ينتشر من خلالها الخبر كانتشار النار في يابس الحطب. هل هذا الأمر ذكر بعض الألفاظ وبعض العبارات وتذييلها في آخر هذه الرسائل يعفي صاحبها من الآثام؟
الشيخ: بالتأكيد لا يُعفي صاحبها من المؤاخذة؛ لأنَّ النبي - صلى الله عليه وسلم - ذكر «كفى بالمرء كذبًا أن يحدث بكل ما سمع»[سبق]، سواءً أدَّاه بنقله المسند، أو بنقله الموصوف. أحيانًا يقولوا: حدثني فلان، وأحيانًا يقول: منقول،سمعنا ، يقولون، خبر حصري، وما إلى ذلك من الأشياء التي تعجب من تسويق الخبر، أو في المقابل لأجل إخلاء المسؤولية، والحقيقة أنَّ المسؤولية الشرعية، وفي ظني أنَّ المسؤولية النظامية أنَّها لا تبرئ صاحب أو لا تُخلى صاحب النقل إذا كان ينقل شيئًا يؤثر على نسيج الأُمَّة، على اجتماعها، على أمنها، على اقتصادها، على وحدتها يعني أخي الكريم، والأعداء والخصوم متباينون، منهم من قد كشح عن خصومته وشره، ومنهم مما زال مستترًا، لكن هؤلاء لا يألون جهدًا في إشاعة كل ما يفرق الأُمَّة، كل ما يوغر الصدور، كل ما يشكك الإنسان في مستقبل بلده، كل ما يشكك الإنسان بولاته وحكومته.
المقدم: وكل ما يشحن النفس.
الشيخ: كل ما يشكك الإنسان بقدراته ومكتسباته، كل ما يشكك الإنسان باقتصاده، وهذا بالتأكيد يُوجب الوقفة الحاسمة؛ لا على مستوى الاجتماعي، ولا على المستوى الرسمي لقطع دابر هؤلاء الذين يشيعون الأخبار الرديئة التي لا حقيقة لها، وتُنقل على غير وجهها وليس غرضها أبدًا مصلحة الناس، إنَّما غرضها إيغار الصدور، وشحن النفوس، وتفريق الجماعة.
من الضروري أن نعي أنَّنا لسنا في حال عادية، من الضروري أن نعي أنَّ المنافقين، وأنَّ المتربِّصين بهذه البلاد، وأهلها والساعين إلى الانتقام من مكتسبات هذه البلاد المباركة، لا يستعملون الوسائل العادية فقط، بل لا يدخرون وسيلة من الوسائل إلا ويدخلون من خلالها؛ ولهذا التواجد الكثيف لأبنائنا وبناتنا، وأهل هذه البلاد في شبكات التواصل؛ الحقيقة يجب أن يكون لاصدى هذه الإشاعات، بل يجب أن يكون صدًّا وليس صدى، أن يكون سدًّا منيعًا أمام هذه الأكاذيب، أمام هذه الافتراءات، أمام هذا التشويش، التسفيه، التشكيك، التفريق الذي يسعى إليه أعداؤنا.
أحوج ما نكون أيُّها الإخوة والأخوات، أيُّها الأبناء والبنات، أحوج ما نكون إليه في هذا الظرف هو أن نجتمع على كلمة سواء، أن نجتمع في المحافظة على مكتسباتنا، أن نسموا على كل من يسعى إلى إيجاد بذور خلاف، بذور شقاق تحت أي مسمى، وتحت أي مُسوِّغ، ليس هذا زمن الحديث في هذه الأمور.

الذي يجب السعي إليه هو لمُّ الشمل، هو البعد عن كل أسباب الفرقة، قوتنا في وحدتنا، قوتنا في قطع الطريق على المتربصين بنا، ولن يتحقق لنا وحدة، ولن يتحقق لنا قوة وصد لأعداء البلد إلا بالتزام بكتاب الله وسُنَّة رسوله، واجتماعنا على ولاة أمرنا، وتحقيق الأساليب الشرعية والأحكام الشرعية التي نستطيع في تعاملاتنا وفي سائر شأننا، ﴿فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ[التغابن:16]، لن نكون على وجه الكمال في كل شيء، لكن نبذل المستطاع ﴿وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا[العنكبوت:69].
من المهم ومن الضروري أن نعي هذه القضية؛ لأنَّ الغفلة عنها تستوجب أن نتورَّط في مثل هذه الكلمات، وتلك التشكيكات والتشبيهات بدعوى إصلاح، وبدعوى السبق الإخباري، وبدعوى تحليل وكل هذا حقيقة مما ينبغي قطعه، وتحصين النفوس منه وأنا أقول: دورنا ألا نقبل كل ما قيل دون أن يستند إلى أخبار.
اليوم الأخبار ليست شيئًا نأخذه من مجاهيل، هناك مصادر موثوقة في الجهات الحكومية، هناك شفافية في نقل الأحداث والوقائع، هناك رصد في الإعلام للحوادث والوقائع؛ فلذلك ينبغي أن يكون الإنسان عنده ثقافة في سماع الخبر، في استقائه، في الوصول إليه، أيضًا بعد هذا ينبغي أن يكون عندنا حصافة وفكر في تمييز ما يُقال مما يُسكت عنه، وليس كل ما يُعلم يُقال، بل ينبغي أن يُميِّز الإنسان حتى لو قال: ثابتًا صحيحًا، يميز فيما ينقله، وما يتكلم به.
المقدم: يُراعي الإنسان المصلحة، ليس كل شيء صحيح يجب أن يُنقل في وقت معين، وفي ظرف معين، وأيضًا في إطار محدد.
دعني فضيلة الشيخ أذكِّر المستمعين بأرقام التواصل لمن أراد أن يتداخل معنا في هذه الحلقة الرقم هو 0125466757، الرقم مرة أخرى 0125466757
شيخ خالد عندما نتحدث أيضًا عن هذا الحديث الشريف قول المصطفى - صلى الله عليه وسلم -: «إنَّ الله كَرِه لكم ثلاثًا»، وذكر في الحديث الشريف: «قيل، وقال». هل هذا فقط ينصب على الشائعات أو أنَّ هذا الحديث وهذا اللفظ يعمُّ الكثير من الآفات والأخبار المتعلقة بالقول؟
الشيخ: انظر يا أخي، فيه جانبان في هذا الحديث «قيل وقال» يعنى: ما لا مستند له في الأخبار مما يُخشى ضرَرُه على الفرد، أو الجماعة. وكما ذكرت قيل وقال هو اشتغال بما لا ينفع من الحديث، وهو خروج عما أمر به النبي - صلى الله عليه وسلم - من قصر القول على ما كان خيرًا. «من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيرًا أو لِيَصْمُت»[تقدم]؛ لذلك من المهم أن نعي أنَّ هذا التوجيه النبوي يشمل هذا وهذا، وهما مرتبطان.
يا أخي، قضية اللسان قضية لا تقبل الانفكاك، هي قضية منظومة متصلة حفظ للسان يحمل الإنسان على توقي الكذب، يحمل الإنسان على قول الخير، يحمل الإنسان على ترك النميمة، ترك الغيبة، منظومة مكتملة من الفضائل والخيرات، ومنه أيضًا أن يمتنع الإنسان عن أن يتكلم في الأمور المهمة، والمصالح العامة بما يشيع المخاوف، بما يفضي إلى الإرجاف، بل الواجب فيما جاء من هذه الحوادث التي تكثر وتنتشر أن يرجع إلى المصادر؛ وهذا قطع لطريق المفسدين، الله تعالى يقول: ﴿وَإِذَا جَاءَهُمْ أَمْرٌ مِنَ الْأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ[النساء:83] أمن يعني: مما يسرُّهم، أو خوف: مما يخيفهم، ﴿أَذَاعُوا بِهِ﴾  يعني: مباشرة ذهبوا إلى إعلانه، وهذا يدل على أنَّ الإعلان لا يقتصر فقط على الأشياء التي تُكره وتُخاف، يعني: إنَّما حتى عن الأشياء الغير واقعة إذا كانت إيجابية تَسُرُّ النفس، ينبغي أن لا يتكلم بها الإنسان إلا بعد التثبت.
أمَّا مجرد أنَّه سمع طرف خبر، أو شبهة حديث حول موضوع معين يذهب ويتكلم به، هذا له آثار سلبية، هي بيئة فاسدة تدعو إلى الاشتغال بالأوهام والأكاذيب؛ فإن كانت إيجابية مما فيه أمن، أو كانت سلبية مما فيه خوف فيما يتعلق بالمصالح العامة يقول الله تعالى: ﴿وَإِذَا جَاءَهُمْ أَمْرٌ مِنَ الْأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذَاعُوا بِهِ﴾ أي: نشروه وبثوه ونقلوه، ولم يَتَرَوَوا فيه، ﴿وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُولِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ[النساء:83] هذا كان فيه تأديب من الله - عزَّ وجلَّ - لعباده عن فعلهم غير اللائق، وأنَّه ينبغي أنهم إذا جاءهم أمر من الأمور المهمة، والمصالح العامة وما يتعلق بما يسر أهل الإيمان، أو بما يخيفهم أن لا يستعجلوا قبل التثبت وألا يستعجلوا في إشاعة الخبر؛ فليردوه إلى الرسول وإلى أولى الأمر وهم ولاة الأمر وأهل الرأي وأهل العلم وأهل العقل الذين يعرفون المصالح وضِدَّها، فإن رأوا في إذاعته مصلحة ونشاطًا للمؤمنين بعد التثبت من حقيقته نشروه، وإلا كفُّوا عن الحديث عنه، واشتغلوا بما ينفع، وامتنعوا عن قيل وقال وكثرة السؤال.
المقدم: الشيخ خالد، كما يقال إنَّ الشائعة ربما تفعل ما لا تفعله القنابل والأسلحة في الحروب، ربما هذه الشائعات استُخدِمت لتفتيت جيوش أو مجتمعات، ومما جعلها ليست فقط مهدَّدة بل جاهزة لأي انهيار من أيَّةِ هِزة ربما تحصل. أسأل عن أحيانًا ربما يتذرَّع بحُسن نيته في نقل بعض الأخبار، ويقول: إنَّ المقصد سليم، والهدف شريف والنية حسنة، هل يعفيه ذلك أيضًا من الآثار، أو من العقوبات الشرعية التي تلحق ناقل الخبر دون تثبت أو تروٍّ؟
الشيخ: لا، أبدًا لا تعفيه؛ لأنَّ سلامة القصد لا تبرر صحة الفعل، سلامة القصد وحُسن النية لا تصحح الفعل الغلط؛ ولذلك قال عبد الله بن مسعود - رضى الله تعالى عنه - لجماعة أخطؤوا في طريق التعبد، قالوا: يا أبا عبد الرحمن، ما أردنا إلا الخير، يعني: نحن ما قصدنا بهذا الفعل الذي خالفنا فيه هدى النبي - صلى الله عليه وسلم -، وسُنَّته إلا الخير. قال كلمة هي القاعدة قال: "كم من مُريدٍ للخير لا يبْلُغُه"! [أخرجه الدارمي في سننه: (1/68-69)، ولهذا الأثر طرق كثيرة، صحح بعضها الهيثمي في مجمع الزوائد: (1/181)، وصححه الألباني في الصحيحة:ح2005]كم من إنسان يريد الخير بفعل، أو بقول، أو بعمل لكن لا يصل إليه، لماذا؟ لأنَّه يفتقد مع الإرادة وسلامة القصد يفتقد العلم الذي يوصله إلى الطريق الصواب، يوصله إلى الغاية والهدف، فنحن لا يكفينا النوايا الحسنة، يعني: فكم من فساد حصل بنية صالحة، أو بقصد حسن، لكن هذا لا يُعفي، ولا يُسقط  اللائمة، أو يصحح الفعل من صاحبه، لكن أنا أجزم أنَّ صاحب النية الحسنة، صاحب القصد الحسن إذا تبين له الحق؛ سيكون سريع الرجوع والرد إلى الجادَّة، وترك طرق الانحراف والضلالة، لا بُدَّ أن ندرك أنَّ المؤمن وقَّاف حتى يتبين كما قال الحسن البصري، قال: "المؤمن وقَّاف حتى يتبيَّن"[مجموع الفتاوى:10/382]، ومعنى وقَّاف: يعني يقف عندما يبلغه، يتأمل، ينظر، يسمع، يُقلِّب الأمر، يرى بعد ذلك هل من المصلحة النشر؟ هل من المصلحة النقل؟ أم أنَّ المصلحة والمطلوب فيه التوقف والتأني؟
وهذه قضايا مثل ما ذكرت قضايا تؤثر على الفرد والمجتمع، يعني يذكر بعض المؤرخين أنَّ أهل بغداد في عام من الأعوام انتشر بينهم خبرٌ أنَّ دابة تخرج أو حيوان يخرج يطوف بالليل يأكل الأطفال ويأكل بعض أجزاء الإنسان الأيدي، والأرجل، وبعض الأطراف، فـانتشر الخبر في بغداد، هذا في القرن الرابع الهجري على نحو أَفْزَعَ الناس؛ حتى كان الناس يصعدون على سُطُح بيوتهم يضربون بالقدور ونحوها؛ لينفِّروا هذا الحيوان الذى لا حقيقة له إنَّما هو وَهمٌ، إنَّما هو شائعة نُشرت بينهم؛ فأصابت منهم هذا المُصاب العظيم حتى إنَّ الفساد عمَّ البلد بكثرة السرقات، وكثرة اشتغال الناس بما لا يفيد، فأمر القائم على البلد في ذلك اليوم من يُعلِّق حيوانًا غريبًا على أنَّه قُتل، فلمَّا رآه الناس، قالوا: إنَّ هذا الحيوان الذي أنتم تخافون قد قُضي عليه؛ سكن الأمر.
المقدم: حتى يطمئنوا.
الشيخ: وهو لا حقيقة لهذا الأمر إلا ما قام في خيالات الناس، وإشاعاتهم، وتعرف الحديث يمتد، والخيال يتوسَّع في نقل مثل هذه الإشاعات والظنون، هذا في الحالات الاعتيادية، فكيف فيما إذا كان هذه الشائعة تحقق غرضًا للخصم؟
اليوم يا أخي الحرب النفسية التي لها مفعول مدمِّر، وأثر خطير في زعزعة الاستقرار وتقويض الأمن في البلدان، والنيل من الخصوم جزء كبير من هذه الحرب بناؤه على الإشاعات، بناؤه على بثِّ الأخبار الكاذبة، بناؤه على قلب الحقائق. يعني: الآن يا أخي، ما يفعله الحوثيون من تدمير لليمن، واعتداء على البلاد السعودية - حفظها الله - بلاد الحرمين، إذا سمعت إعلامهم ترى من الأكاذيب والتزوير الذي يحاولون من خلاله إخفاء الحقيقة.
المقدم: يصوِّروا واقعًا آخر.
الشيخ: عن طريق أعداء الأُمَّة من الملالي في إيران، ما تقول فعلاً نحن بحاجة إلى أن نعرف أننا على خطر عندما نستسلم لإشاعات يبثُّها هؤلاء، سواء كانت إشاعات تتعلق بالأمن، إشاعات تتعلق بالاقتصاد، إشاعات تتعلق برسوم، إشاعات تتعلق بأحداث، إشاعات تتعلق بالولاة، إشاعات تتعلق بالعسكر والجيش، كل ما ينبغي يا أخي، الحذر في كل ما يتكلم به الإنسان.
اليوم الكلمة ليست كالأمس، فالكلمة لها خطر؛ فلذلك أدعو إخواني، وأنا أقول لكل مؤمن ومؤمنة يجب عليك أن تتقي الله فيما تنشره ليس سبقًا ولا عدلاً ولا ديانة ولا عقلاً أنَّه كل خبر يأتيك من خلال الواتس آب، يأتيك من خلال تويتر حسابك في تويتر، أو من خلال بقية الحسابات من وسائل التواصل الاجتماعي، ريتويت، أو إعادة تغريد، أو قص ولصق ونشر، يا أخي، اتق الله واعلم أنَّ النبي - صلى الله عليه وسلم - قد قال: «كفى بالمرء كذبًا أن يُحدَّث بكل ما سمع»[سبق]، وهذا فقط إذا سلَّمنا إنَّ هذه الأحداث ليس لها أضرار، فإذا كان لها أضرار؛ فأنت تشارك في صنع الضرر، أنت تشارك في صنع الخطر، أنت تشارك عدوك في النيل منك.
المقدم: طيب شيخ خالد هي أيضًا نقطة مهمة جدَّا عندما نتحدث عن هذه الشائعات، أو عن هذا الكلام الذي يُنقل أحيانًا دون تثبت، أو دون معرفة لأضراره ومآلاته، يعني: هناك أحاديث نبوية شريفة غلَّظت العقوبة في هذا الأمر، وغلَّظت أيضًا العقوبة من الله - عزَّ وجلَّ -، وتوعد الله - سبحانه وتعالى - بالعذاب الأليم لناقلي هذه الأخبار، والشائعات، ومُفرِّقي المجتمعات بمثل هذه الشائعات، فضلاً عن أنَّ مثل هذه الأخبار شيخ خالد، عندما تُتَناقَل يكون إثم صاحبها بمقدار ما أحدثه هذا الفعل، وهذا التصرف من خطر على المجتمع.

إذا كان الأمر متعلقًا بدائرة صغيرة فبحسب هذه الدائرة، وإن كان متعلقًا بالمجتمع برُمَّته كان هذا الأمر أعظم وأعظم، ويزداد هذا الأمر سوءًا عندما يتعلق الأمر بما تمرُّ به المجتمعات أحيانًا من حالات اضطراب، أو من عدم سكون كما تفضلتم.
الشيخ: بالتأكيد، بالتأكيد، وأنا أقول يعني مبادرة الجهات في إصلاح هذا كما ذكرت، يعني: إلى نفي ما يَشِيع، وما أشاعه البعض مما يتعلق برسوم أو غيرها دليل على أنَّ الأجهزة المعنِيَّة تدرك خطر مثل هذه الشائعات، وأن إشاعة المعلومة الصحيحة هو أقرب طريق لقطع المعلومة الكاذبة، إشاعة الهواء النقي أسلم سبيل لطرد الهواء الفاسد، ولكن الجهات المسؤولة لن تدخر جهدًا، ولن تتوانى في بذل ما يُصحِّح الصورة، ويوضح الحقيقة لكن الحديث فيما يتعلق بمسؤوليتي أنا كفرد، ومسؤوليتك أنت كشخص، ومسؤوليتها كمواطنة في قطع الطريق على هؤلاء المفسدين.
أنا أقول يجب أن نتكاتف أيُّها الإخوة والأخوات، أيُّها الأبناء والبنات، أيُّها الشباب والشبات يجب، ضرورة قصوى في هذا الوقت أن نتكاتف لقطع الطريق على من يريد أن يستغل هذه المنافذ للنيل منَّا، هذه المنافذ إذا كانت تتضمن نشر ما يُزعزع أَمْنَنا، ما يُضعف ثقتنا بولاتنا، ما يُضعف ثقتنا بأنفسنا، بقواتنا، بجيشنا، باقتصادنا فثِق تمامًا أنَّها لا تحقق خيرًا، بل هي من أسلحة الأعداء، فالواجب قطع مثل هذه الإشاعات والواجب وأدها.
المقدم: وَأْدها في مهدها.
الشيخ: أخبار مثل هذه، نأتي إلى صاحب الخبر منين هذا الخبر، هل هناك مصدر لك في هذا الخبر؛ حتى ليتعود الناس ما مجرد يصدقون أي خبر وأي رسالة يقولونها.
المقدم: يتلقفون أي خبر.

 جميل، أشكركم صاحب الفضيلة الشيخ الأستاذ الدكتور: خالد بن عبد الله المصلح، أستاذ الفقه بكلية الشريعة في جامعة القصيم، والمشرف العام على فرع الرئاسة العامة للبحوث العلمية والافتاء في منطقة القصيم.
أسأل الله - سبحانه وتعالى - أن يجعل حديثكم في موازين حسناتكم، وأن ينفع به البلاد والعباد.
الشيخ: آمين، اللهم صلِّ على محمد، وأسأل الله العظيم رب العرش الكريم أن يبطل كيد المفسدين، وأن يحفظ هذه البلاد، وأن يديم عليها الأمن والأمان، وأن يُعزِّها، وأن ينصرها، وأن يوفق خادم الحرمين الشريفين ونائبه وولاةَ أمرنا جميعًا إلى ما فيه الخير، وأن يسددهم وأن يجعل لهم من لدنه سلطانًا نصيرًا.

 وأن يُقرَّ أعيننا بعز الإسلام وأهله وأمن المسلمين حيث كانوا، وأن يرفع الفتن في سوريا والعراق واليمن، وأن يَدْحَر المعتدين الظالمين من المفسدين في الأرض، وأن يجمع كلمتنا على الحق والهدى، وصلى الله وسلم على نبينا محمد، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
المقدم: وعليكم السلام ورحمة الله، ولكم الشكر الجزيل كذلك مستمعينا الكرام على حسن استماعكم لنا في هذه الحلقة، لقاؤنا يتجدد بكم في حلقة الأسبوع المقبل - بإذنه تعالى -، حتى ذلك الحين تقبلوا تحياتي أنا عبد الله الداني، ومن التنفيذ على الهواء مهندس الإعداد الزميل ماهر ناضرة.

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

الاكثر مشاهدة

4. لبس الحذاء أثناء العمرة ( عدد المشاهدات94000 )
6. كيف تعرف نتيجة الاستخارة؟ ( عدد المشاهدات89900 )

مواد تم زيارتها

التعليقات


×

هل ترغب فعلا بحذف المواد التي تمت زيارتها ؟؟

نعم؛ حذف