المقدم: بسم ﺍﻟﻠﻪ ﺍﻟﺮﺣﻤﻦ ﺍﻟﺮﺣﻴﻢ، ﺍﻟﺴﻼﻡ ﻋﻠﻴﻜﻢ ﻭﺭﺣﻤﺔ ﺍﻟﻠﻪ ﻭﺑﺮﻛﺎﺗﻪ، ﻭﺃﻫﻼً ﻭﻣﺮﺣﺒًﺎ ﺑﻜﻢ ﺟﻤﻴﻌًﺎ ﻣﺴﺘﻤﻌﻴﻨﺎ ﺍﻟﻜﺮﺍﻡ ﺇلى ﻫﺬﻩ ﺍﻟﺤﻠﻘﺔ ﺍﻟﻤﺒﺎﺷﺮﺓ ﻣﻦ ﺑﺮﻧﺎﻣﺠﻜﻢ "ﺍﻟﺪﻳﻦ ﻭﺍﻟﺤﻴﺎﺓ"، ﻭﺍﻟﺘﻲ ﺗﺄﺗﻴﻜﻢ ﻋﺒﺮ ﺃﺛﻴﺮ ﺇﺫﺍﻋﺔ "ﻧﺪﺍﺀ ﺍﻹﺳﻼﻡ" ﻣﻦ ﻣﻜﺔ ﺍﻟﻤﻜﺮﻣﺔ، ﻳﺴﻌﺪ ﺑﺼﺤﺒﺘﻜﻢ ﻓﻲ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﺤﻠﻘﺔ ﻣﻦ ﺍﻹﻋﺪﺍﺩ ﻭﺍﻟﺘﻘﺪﻳﻢ ﻣﺤﺪﺛﻜﻢ: ﻋﺒﺪ ﺍﻟﻠﻪ ﺍﻟﺪﺍﻧﻲ، ﻭﻫﺬﻩ ﺃﻳﻀًﺎ ﺃﺟﻤﻞ ﺗﺤﻴﺔ ﻣﻦ ﺍﻟﻤﻬﻨﺪﺱ ﺍﻹﺫﺍﻋﻲ ﺍﻟﺰﻣﻴﻞ: ﻣﺤﻤﺪ ﺑاﺻﻮﻳﻠﺢ.
ﻓﻲ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﺤﻠﻘﺔ ﻣﺴﺘﻤﻌﻴﻨﺎ ﺍﻟﻜﺮﺍﻡ ﺳﻮﻑ ﻧﺘﻨﺎﻭﻝ ﻣﻮﺿﻮﻋًﺎ ﻋﻦ:
ﺍﻟﻌﺎﻡ ﺍﻟﻬﺠﺮﻱ ﺍﻟﺠﺪﻳﺪ، ﻧﺘﻨﺎﻭﻝ ﺃﺑﺮﺯَ ﻣﺎ يمكن ﺃﻥ يُتحدث ﻓﻴﻪ، ﻭﺃﻥ ﻳﺘﻜﻠﻢ ﻓﻴﻪ ﻋﻦ ﺍﻟﺠﻮﺍﻧﺐ ﺍﻟﺸﺮﻋﻴﺔ، ﻭﻣﺎ ﻳﻤﻜﻦ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﻤﺴﻠﻢ ﺃﻥ ﻳﺘﺨﺬﻩ ﻣﻦ ﺃﻣﻮﺭٍ ﺗﺠﺎﻩ ﻫﺬﺍ ﺍﻷﻣﺮ، ﺳﻮﻑ ﻧﺘﺤﺪﺙ ﺃﻳﻀًﺎ ﻋﻦ ﻣﺎ ﻳﻨﺒﻐﻲ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﻤﺴﻠﻢ ﺃﻥ يحاسب ﻓﻴﻪ ﻧﻔﺴﻪ ﻓﻲ ﻣﻄﻠﻊ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﻌﺎﻡ، ﻭﺍﻟﻌﺪﻳﺪ ﻣﻦ ﺍﻷﺣﻜﺎﻡ ﻭﺍﻟﻤﻮﺿﻮﻋﺎﺕ ﺍﻟﺘﻲ ﺳﻮﻑ ﻧﺘﺤﺪﺙ ﻋﻨﻬﺎ ﺗﺤﺖ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﻤﻮﺿﻮﻉ ﺍﻟﻜﺒﻴﺮ، ﺇذًﺍ ﻓﻲ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﺤﻠﻘﺔ ﻣﺴﺘﻤﻌﻴﻨﺎ ﺍﻟﻜﺮﺍﻡ ﻣﻮﺿﻮﻋﻨﺎ ﻋﻦ ﺍﻟﻌﺎﻡ ﺍﻟﻬﺠﺮﻱ ﺍﻟﺠﺪﻳﺪ، ﻭﻧُﺮﺣﺐ ﺃﻳﻀًﺎ ﺑﻀﻴﻔﻨﺎ، ﻭﺿﻴﻔﻜﻢ ﻓﻲ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﺒﺮﻧﺎﻣﺞ:
ﻓﻀﻴﻠﺔ ﺍﻟﺸﻴﺦ ﺍﻟﺪﻛﺘﻮﺭ / ﺧﺎﻟﺪ ﺑﻦ ﻋﺒﺪ ﺍﻟﻠﻪ ﺍﻟﻤﺼﻠﺢ.
ﺍﻟﻤﺸﺮﻑ ﺍﻟﻌﺎﻡ ﻋﻠﻰ ﻓﺮﻉ ﺍﻟﺮﺋﺎﺳﺔ ﺍﻟﻌﺎﻣﺔ ﻟﻠﺒﺤﻮﺙ ﺍﻟﻌﻠﻤﻴﺔ ﻭﺍﻹﻓﺘﺎﺀ ﻓﻲ ﻣﻨﻄﻘﺔ ﺍﻟﻘﺼﻴﻢ.
ﻭﺃﺳﺘﺎﺫ ﺍﻟﻔﻘﻪ ﺑﻜﻠﻴﺔ ﺍﻟﺸﺮﻳﻌﺔ ﻓﻲ ﺟﺎﻣﻌﺔ ﺍﻟﻘﺼﻴﻢ.
ﺍﻟﺴﻼﻡ ﻋﻠﻴﻜﻢ ﻭﺭﺣﻤﺔ ﺍﻟﻠﻪ ﺍﻟﺸﻴﺦ ﺧﺎﻟﺪ، ﻭﺃﻫﻠًﺎ ﻭﻣﺮﺣﺒًﺎ ﺑﻜﻢ.
ﺍﻟﺸﻴﺦ: ﻭﻋﻠﻴﻜﻢ ﺍﻟﺴﻼﻡ ﻭﺭﺣﻤﺔ ﺍﻟﻠﻪ ﻭﺑﺮﻛﺎﺗﻪ، ﻣﺮﺣﺒًﺎ ﺑﻚ ﺃﻫﻠًﺎ ﻭﺳﻬﻠًﺎ، كيف الصحة؟ بخير؟
ﺍﻟﻤﻘﺪﻡ: ﺃﺳﻌﺪﻛﻢ ﺍﻟﻠﻪ ﻳﺎ ﺷﻴﺦ ﺧﺎﻟﺪ، ﺑﺎﺭﻙ ﺍﻟﻠﻪ ﻓﻴﻜﻢ.
الشيخ: حياك الله.
المقدم: ﺣﻴﺎﻛﻢ ﺍﻟﻠﻪ، ﺣﻴﺎ ﺍﻟﻠﻪ ﺍﻟﻤﺴﺘﻤﻌﻴﻦ ﻭﺍﻟﻤﺴﺘﻤﻌﺎﺕ، الراغبين والراغبات في التواصل معنا عبر هذه الحلقة، وعبر هذا الموضوع المهم على الأرقام التالية الرقم الأول هو: 0126477117، والرقم الثاني هو: 0126493028.
كما يمكنكم مستمعينا الكرام مشاركتنا في هذه الحلقة بالتغريد في هاشتاج البرنامج "الدين والحياة".
إذًا نُرحب بكل المستمعين، والمستمعات في هذه الحلقة التي موضوعها عن العام الهجري الجديد، فأهلًا ومرحبًا بكم.
"الدين والحياة" برنامج يُناقش النوازل، والمستجدَّات العصرية في القضايا القرآنية، والفقهية، والعَقدية، والأُسرية، وكل ما يتعلق بالأمور الشرعية.
"الدين والحياة" برنامجٌ أسبوعي مع فضيلة الشيخ الدكتور / خالد المصلح.
يأتيكم في الأوقات التالية مباشرًة الأحد عند الثانية ظهرًا، ويُعاد عند الثانية عشر منتصف الليل.
إذاعة "نداء الإسلام" من مكة المكرمة أصلها ثابت، وفرعها في السماء.
المقدم: حياكم الله من جديد مستمعينا الكرام من هذه الحلقة المباشرة من برنامجكم "الدين والحياة"، ونرحب مجددًا أيضًا بضيفنا، وضيفكم فضيلة الشيخ الدكتور/ خالد المصلح.
شيخ خالد بين عامٍ أَفَلَ، وعامٍ أَطَلَّ في بداية هذا العام الهجري الجديد، وفي هذا اليوم غُرَّة شهر محرم من عام ألفٍ وأربعمائة وثمانية وثلاثين للهجرة.
في البداية ماذا يمكن أن يُقال في مطلع هذا العام الهجري قبل أن نتحدث عن أحكام التهنئة، وغير ذلك؟
في البداية ماذا يمكن على المسلم أن يُحاسب فيه نفسه فيما يتعلق بالعام الهجري الذي مضى؟ إضافًة إلى ما يمكن أن يجعله المسلم من حسن نية ويتخذه من عملٍ طيب؟ على الأقل بنية طيبة في استقبال هذا العام مثلًا بنية طيبة؛ لإحسان العمل، والإخلاص لله - عزَّ وجلَّ -، وأيضًا إصلاح ما يمكن إصلاحه مما كان من تقصيرٍ في العام الماضي؟
الشيخ: الحمد لله رب العالمين، وأُصلي وأسلم على نبينا محمد، وعلى آله وأصحابه أجمعين أما بعد:
فالسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
المقدم: عليكم السلام.
الشيخ: مرحبًا بك يا أخي عبد الله، ومرحبًا بالإخوة والأخوات المستمعين والمستمعات.
المقدم: حياكم الله يا شيخ.
الشيخ: وأسأل الله تعالى لي ولهم التوفيق والسداد، وأن يجعل أيامنا حُبورًا، وأعوامَنا سُرورًا، وأن يُتابع لنا الفضل، والإحسان، وأن يجمعنا على الطاعة، والتوفيق، وما يحب ويرضى من الأعمال.
في بداية عام، ونهاية عام. حقيقة البدايات، والنهايات تجذِب أنظار كثير من الناس فتَلْفِت انتباهَهم؛ لأنَّه نوع من التغير الذي يجري في حياة الناس، وهذا التغير بالتأكيد أنَّه يحفِّز النفوس إلى طمع، ورغبة في أن لا يكون التغيُّر فقط تغيرًا صُوريًّا أو تغيرًا رقميًّا إنما هو تغير حقيقي، ولذلك من حكمة الله - عزَّ وجلَّ - أن نوَّع في أحوال الناس، وجعل أمورهم على حالٍ ليست واحدة، بل مختلفة فالخلق أطوار ﴿لَتَرْكَبُنَّ طَبَقًا عَنْ طَبَقٍ﴾ [الانشقاق:19]. ، والأطوار أحوال، وهذه الأحوال يجري عليها، وفيها من التغيير ما يُلفت الانتباه، ويجعل الإنسان في حال من اليقظة، والتنبُّه ينتفع ويستفيد مما يُجريه الله تعالى من هذه التغيرات.
من أبرز التغيرات التي لفت القرآن النظر إليها: التغير الذي يجري في كل صباح ومساء، إنَّه التغير الذي يشاهده الناس كافَّة على اختلاف أماكنهم، وعلى اختلاف أزمانهم، وعلى اختلاف أماكنهم، وعلى اختلاف أعمالهم.
يشهده كلُّ أحد لا يغيب عن نظر ناظر مهما كان، وأينما كان.
حتى الذي لا يُبصر يُحسُّ به، إنَّه تعاقب الليل والنهار، قال الله تعالى: ﴿تَبَارَكَ الَّذِي جَعَلَ فِي السَّمَاءِ بُرُوجًا وَجَعَلَ فِيهَا سِرَاجًا وَقَمَرًا مُنِيرًا (61) وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ خِلْفَةً لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يَذَّكَّرَ أَوْ أَرَادَ شُكُورًا﴾ سورة الفرقان..
ذكر الله -جل وعلا- في هذه الآية تعاليَه، ومَجَّد نفسَه -سبحانه وبحمده-، وأخبر بعظيم بركاته -سبحانه وبحمده- أن جعل في السماء بُروجًا.
والبروج هي: منازل سير الشمس والقمر، ينزِلُها القمر في العام مرًة واحدة، والشمس في العام مرًة واحدة.
هذه البروج تتعاقب، وتتحوَّل، وتتغير، ومنها يرقُب الناس تحوُّلات القمر اكتمالًا، ونقصانًا حتى يُعرف مبدأ الشهور، ومنتهاها ﴿يَسْأَلُونَكَ عَنِ الأَهِلَّةِ قُلْ هِيَ مَوَاقِيتُ لِلنَّاسِ وَالْحَجِّ﴾[البقرة:189] .
ثم بعد أن ذكر هذا المسير، وهذه البروج التي تنزلها هذه المخلوقات العظيمة الشمس، والقمر، وبهما يجري تعاقب الليل، والنهار، والشهور، والأعوام قال تعالى: ﴿وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ خِلْفَة﴾[الفرقان:62].
هذا التعاقب لليل والنهار فيه من العبرة والعظة ما ينبغي أن يقف عليه وأن يعتبر به كل ذي عينٍ بصيرة، وقلبٍ حاضر، وعقلٍ نيّر، وفكرٍ مُعتبر.
فإن الله -جل وعلا- قال في مُحكم كتابه في الحكمة بهذا التعاقب خلفة، يعني: يأتي ليلٌ يعقبه نهار، ويأتي نهار يعقبه ليل قال: ﴿لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يَذَّكَّرَ﴾ [الفرقان:62].. أي: يعتبر وينتبه ويتعظ ويعلم من هذا التعاقب ما يفيده من دلائل عظيمة، وإشارات كبيرة؛ للتحول الذي يعتري البشرية، التحول الذي ينبغي أن يرقُب فيه الإنسان حاله، ومسيرَه إلى ربه؛ لأنَّ هذا التحول مُعلِم بانقضاء الليل، وانتهاء النهار، مُعْلِم بأنَّ أحوال الدنيا مهما تنوَّعت من إضاءة أو ظلمة، من نهارٍ أو ليل، من سرورٍ أو حزن، من غنًى أو فقر، من صحة كل ذلك ينتهي. فلابُدَّ أن ينتهي ويتحول.
هذه الآيات العظيمة التي يشهدها الناس في سماء الله وأرضه، الذي يشاهدون في هذا التحول الكوني الكبير هو مما يبعث القلوب على الاعتبار والاتعاظ.
وفي هذه التحولات عبرة لكل من كان ذا قلب، عبرةٌ لكل من كان ذا لُبٍّ، عبرة لمن كان ذا ذهن حاضر، ذلك أن تعاقب الليل والنهار فيه من العبرة ما ينبغي أن يقف عنده الإنسان، فكيف بتعاقب الأسابيع؟ كيف بتعاقب الشهور؟ كيف بتعاقب الأعوام؟
إنَّ دخول عامٍ، وخروجَ عام لا يعني فقط تغيُّرَ الرقم من ألف وأربعمائة وسبعة وثلاثين إلى ألف وأربعمائة وثمانية وثلاثين، أو من ألفين وستة عشر إلى ألفين وسبعة عشر.
إنَّ هذا التغير حقيقته أنه إيذان بتسرُّب الأعمار، إيذان بمُضيِّ الأيام، إيذان بأنَّ الدنيا تجري، وأنَّها كالراحلة لا تقف، لا وقوف فيها بل تمرُّ بحُلوِها ومرِّها، بصحتها ومرضها، بغناها وفقرها، بكل أحوالها.
والذي يفوز، ويسبق، وينتصر في هذا المرور هو من اغتنم لحظاته فيما يعمُر به دنياه، ويلقى به ربه وعلى وجهٍ يسره.
ﻣﺮﺕ ﺳﻨﻴـﻦ ﺑﺎﻟﻮﺻـﺎﻝ ﻭﺑاﻟﻬﻨـﺎ***ﻓﻜﺄﻧﻬﺎ ﻣﻦ ﻗﺼﺮﻫﺎ ﺃﻳـﺎﻡ
ﺛﻢ ﺍﻧﺜﻨـــﺖ ﺃﻳـﺎﻡ ﻫﺠـــﺮ ﺑﻌـﺪﻫﺎ***ﻓﻜﺄﻧﻬﺎ ﻣﻦ ﻃﻮﻟﻬﺎ ﺃﻋﻮﺍﻡ
هذه الدنيا إمَّا مسرات سرعان ما تنقضي، أو مكروهات تطول، وتثقل على النفوس حتى تكون أيَّامُها أعوامًا.
ﺛﻢ اﻧﻘﻀﺖ ﺗﻠﻚ ﺍﻟﺴﻨﻮﻥ ﻭﺃﻫﻠﻬﺎ***ﻓﻜـﺄﻧﻬﺎ ﻭﻛﺄﻧـﻬﻢ ﺃﺣـــﻼﻡ
هكذا هي الدنيا يجري الإنسان فيها على ألوان مما يكره، ومما يسره، لكنه في النهاية يلقى ربه - جلَّ وعلا -: ﴿يَا أَيُّهَا الإِنسَانُ إِنَّكَ كَادِحٌ إِلَى رَبِّكَ كَدْحًا فَمُلاقِيهِ﴾[الإنشقاق:6].
المنتهى في كل الأحوال هو لقاء رب العالمين، هذا في الحال الاعتيادية، في حال الأيام التي تكون فيها سعة، فكيف في أحوال آخر الزمان التي نحن فيما يظهر -والله تعالى أعلم- نعيش في شيءٍ منها، حيث قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: «لا تقوم الساعة حتى يتقارب الزمان» أخرجه البخاري في صحيحه:ح1036بطوله. ، وتقارب الزمان هو قِصَره، ونزع بَرَكَتِه، هو سرعة انقضائه، هو تحولاته السريعة التي تتجاوز في العادة مقدار ما ينقضي في أيام من خَلَوا، وأيام من سَبَق.
هذا الانقضاء للأحوال، والتغير في الأمور، والتسارع في مجرى الأيام؛ حتى أصبحت السنة كالشهر، والشهر كالجمعة، والجمعة كاليوم، واليوم كالساعة، يُعلِم بوجوب العناية بالوقت، والاهتمام بهذا التقارب هذا الزمان حتى يتمكن الإنسان من عِمارة أعوامه، وأحواله بما يُرضي ربه -جل في علاه-؛ لأنَّ النبي -صلى الله عليه وسلم- عندما ذكر هذا التقارب لم يكن هذا ذكرًا فقط ما يجري في زمانٍ قادم، بل كل ذلك إيذانًا وإخبارًا بأنَّ هذا التقارب يستوجِب أن يستعدَّ له الناس بالمبادرة، ولذلك قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: «بادِروا بالأعمال فِتنًا كقِطَع الليل المظلم يصبُح الرجل فيها مؤمنًا، ويُمسي كافرًا، ويمسي مؤمناً ويصبح كافراً يبيع دينه بعرضٍ من الدنيا» أخرجه مسلم في صحيحه :ح118/186 هذا التنبيه النبوي الشريف بالمبادرة بالأعمال يُوجب أن يَبتَدِر الإنسان كل ما يستطيع من عمل صالح، فإنَّ الأيام لا تدوم على حال، بل هي في تغيرات وتقلُّبات.
ولهذا في الحديث الآخر فيما رواه الترمذي بإسنادٍ جيد عن أبي هريرة -رضي الله تعالى عنه-، قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: «بادروا بالأعمال سَبعًا هل تنتظرون إلا فَقرًا مُنسِيًا، أو غنًى مُطغيًا، أو مَرضًا مُفسِدا، أو هرمًا مُفندا، أو موتًا مُجهزا، أو الدجال فشرُّها ما يُنتظر، أو الساعة -يعني القيامة-، والساعة أدهى وأمر» أخرجه الترمذي في سننه:ح2306، وقال: حسن غريب، والحاكم في مستدركه:ح 7906، وقال: صحيح على شرط الشيخين..
هذا التنبيه النبوي للمبادرة قبل تغير الأحوال، قبل تحول حال الإنسان إلى ما يمكن أن يفوتَ معه خيرٌ كثير عن الإنسان، أو يشتغل بشيءٍ يفوِّت عليه الخير، ينبغي أن يتنبه له الإنسان، وأن يُبادر إليه.
أصل الخلقة، الإنسان ليس خِلقة ثابتة، بل هي خلقة مُتحوِّلة، وهذا التحول إذا لم يتنبه له الإنسان تنقضي أعماره، تذهب أيامه دون وعي، ولا اعتبار ﴿اللَّهُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ ضَعْفٍ ثُمَّ جَعَلَ مِنْ بَعْدِ ضَعْفٍ قُوَّةً ثُمَّ جَعَلَ مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ ضَعْفًا وَشَيْبَةً يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَهُوَ الْعَلِيمُ الْقَدِيرُ﴾ [الروم:54] .
إذًا لا بُدَّ أن يُبادر الإنسان إلى الاعتبار بمرور هذه الأيام، الاعتبار بانقضاء هذه السنون، المُضيّ في اغتنام ما تبقَّى، نحن نشاهد ما يعني ما تقع من قضايا، وما يجري من حوادث، وهذا يُوجب أن يعتبر الإنسان.
الله - عزَّ وجلَّ - يقول في كتابه: ﴿يُقَلِّبُ اللَّهُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ﴾، ثم بعد ذلك يقول: ﴿َإِنَّ فِي ذَلِكَ لَعِبْرَةً لِأُوْلِي الأَبْصَارِ﴾[النور:44 ]، إذا كان تقلُّب الليل والنهار كما ذكرنا في الآية السابقة موجبًا للادِّكار والافتقار والاعتبار والاتعاظ فكيف بتقلب الأعوام؟ كيف بتحوُّل الشهور؟ كيف بتغير الأحوال؟ يتغير حال الإنسان من الشباب إلى الكهول، من الكهولة إلى الشيخوخة، وهو على حاله من الغفلة، والإعراض عن الخير، والاشتغال بما لا ينفع، واللهو فيما يعود عليه بالخسارة، لا شك أنَّ هذا ليس من أولئك الذين قال فيهم -جل وعلا-: ﴿إِنَّ فِي ذَلِكَ لَعِبْرَةً لِأُوْلِي الأَبْصَارِ﴾.
المقدم: يعني يا شيخ خالد، في مثل تصرُّم الأيام والشهور والسنين لعلها فرصة، وكما يُقال لعله جرس إنذارٍ لكل إنسان حتى يعني هي كالمحطَّات، أشبه ما تكون بالمحطات التي تُقرِّب الإنسان إلى الله - عزَّ وجلَّ -، كلما تقدَّم به الزمن، كلما تقدَّمت به السنين يعلم أنه يقترب أكثر إلى الله - عزَّ وجلَّ - إلى الدار الآخرة.
يعلم أيضًا في ذات الوقت أيضًا أنه يحاسِب نفسه ماذا عمل؟ ماذا قدَّم؟ يعمل كما يسمَّى بكشف حسابٍ، يراقِب نفسه أولًا بأوَّل، ويتَّخذ من تصرُّم الأيام والشهور والسنين فرصًة للإدكار، وفرصًة لمراجعة ومحاسبة النفس.
الشيخ: بالتأكيد، هذه من فوائد هذا التحوُّل اليومي والشهري والعامِيّ والحالي الذي أجرى الله تعالى عليه نظامَ الكون حتى يعتبِرَ الإنسان، ويعلم أنَّه إن لم يستدرِك فإنَّه خاسر ﴿إِنَّ الإِنسَانَ لَفِي خُسْرٍ﴾[العصر:2]. ، ثم ذكر الله تعالى أسباب النجاة، ﴿إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ﴾[العصر:3].
الدنيا ليست قارَّة، وليست مستمرة بل هي متحوِّلة، ولذلك قال أبو ذر -رضي الله تعالى عنه- في التنبيه إلى تحولات الدنيا: ''إنما أنت أيام، فكلما مَضَى منك يومٌ نقُص من أيامك، ونقص من عمرك''.[أخرجه أبو نعيم في الحلية بسنده إلى الحسن البصري رحمه الله:2/128]
وبالتالي ضروري أن يستدرك الإنسان هذا المعنى، وأن يبادر، وأن يتخذ ما كان من توجيهات النبي -صلى الله عليه وسلم-. لأصحابه
المقدم: صلى الله عليه وسلم.
الشيخ: حتى الصغار منهم، يعني أنت لما تقرأ قوله لعبد الله بن عمر، وهو شابٌّ في العشرين قبل أن يصل إلى العشرين، تسعة عشر، عشرين يعني ما هذا الحلم عندما نهز العشرين عندما تُوفي رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يحفظ عن النبي يقول: أخذ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بمنكبي، فقال-هذا الحديث ليس مع تسعيني، ولا مع ثمانيني، ولا مع سبعيني، هذا الحديث مع شاب في أول مراحل شبابه ما بين الخمسة عشر، والعشرين-، يقول له النبي -صلى الله عليه وسلم-: «كُن في الدنيا كَأَنَّك غريبٌ أو عابر سبيل» أخرجه البخاري في صحيحه:ح 6053. حتى انتفع منها ابن عمر، مع أنَّ ابن عمر امتدَّ عمره -رضي الله تعالى عنه- بعد النبي -صلى الله عليه وسلم-، حتى سُمِّي -رضي الله تعالى عنه- بشيخ الإسلام، ومفتي الإسلام؛ لأنَّه أفتى في الإسلام ستين سنة بعد النبي -صلى الله عليه وسلم- في بيان الشريعة، وتبليغ الدين -رضي الله تعالى عنه-.
هذا المقام النبوي الذي لفت نظر هذا الشاب في مقتبل العمر إلى الاستعداد هو إيذان بأنَّ العمر مهما طال هو قصير، وهو فرصة ومِنحة يعتبر بها الإنسان، ويغتنم ما يمكن أن يغتنمه في صلاح معاشه، وفي صلاح معاده.
أنت الآن مطلوب منك أن تسعى لإصلاح معاشك؛ لأنَّها الدنيا التي تعيش فيها، وصلاح الدنيا طريق لإصلاح الدين، وأنت أيضًا مأمور، ومطلوب منك أن يكون همَّك صلاحُ دينك؛ لأنَّ صلاح دينك به سعادتك في الدنيا، وسعادتك في الآخرة.
نقول يعني جدير بنا أيها الإخوة والأخوات يعني ونحن نمضي من عامٍ فسخنا أيامه في الليلة البارحة، وولَجْنا ودخلنا عامًا لبسنا حُلَّته قبل ساعات أن نجتهد في الاعتبار، والاتعاظ لا يكون يا أخي ويا أختي التغير هو فقط تغير رقم ألف وأربعمائة وسبعة وثلاثين إلى ألف أربعمائة ثمانية وثلاثين ليكن تغيرًا حقيقي، أنت الآن فتِّش في نفسك، انظر في أخلاقك، انظر في صلتك بالله - عزَّ وجلَّ -، انظر في صلتك بالخلق، انظر في حقوق الله - عزَّ وجلَّ -، انظر في حقوق الخلق عليك، وفتِّش أين القصور؟ أين الإيجابيات؟ أين السلبيات؟ أين الحسنات؟ وأين السيئات؟ فإذا كانت الحسنات قائمة فاحمد الله، وسَلْه المزيد، واجتهد في أن تتقدم خطوات في هذه الحسنات.
وفيما يتعلق بجانب السيئات تخلَّ عنه، إذا لم تستطع أن تتركها بالكلية تخفف ما استطعت.
المقدم: وزاحمها بالطاعات، وبالحسنات كذلك نعم.
الشيخ: بالتأكيد، فهذا العمل يبعث الإنسان على هذا الفكر، هذه النظرة لانفساخ عام، ودخول عام يبعث الإنسان على أن يبعث في نفسه هِمَّة يصفو بها إلى العليا، همةً يعلو بها إلى الثريَّا كما قال الشاعر:
همة تنطح الثريا وعزم نبوي يزعزع الجبال
إذا صدق الإنسان في الرغبة والله ما يقف أمامه شيء.
المقدم: جميل.
الشيخ: ويبلغ من العالية والسُّؤْدَد، والسمو لم يبلغه غيره، ولو كان قد يعني بذَلَ جُهدَه في الوصول إليه.
المهم، هو الهمة العالية مع بذل الممكن من العمل.
المقدم: جميل.
الشيخ: أقول.
المقدم: نعم اتفضل.
الشيخ: نحن في هذه المحطة، محطة العام الجديد يعني دعونا إخواني وأخواتي من كثير من القضايا التي تشغل الناس، وتُزاحم فِكرَهم، يعني الذي ينبغي أن يُصَبَّ إليه الاهتمام الأعلى، أنا لا أقول لا يهتم الإنسان بالأحكام الشرعية لكن يعني فرق بين أن يكون همِّي ماذا سأُنجز خلال العام القادم؟ وبين أن أُمضي في يعني، وأعتبر بما هو، نعم. أن أهتم بما سأُنجز، وأُفتِّش فيما حصل من قصور.
فرق بين من همُّه هذا، وبين يعني من صَرَف جُلَّ اهتمامِه هل نُهنِّئ بالعام؟ هل يجوز التهنئة بالعام الجديد أو لا؟ يعني الحقيقة ما في مانع تسأل، لكن لا يكون هذا هو رقم واحد في اهتماماتك في خروج عام ودخول عام، هل تجوز التهنئة أو لا؟ يعني أنت هنِّيت ولا ما هنيت العام الماضى؟
المقدم: صحيح.
الشيخ: وجاء عام جديد، وسرت إلى الله - عزَّ وجلَّ - فينبغي لك أن تنظر إلى ما يقرِّبُك إلى الله، إلى ما ينفعك، إلى ما تزيِّن به أيَّامَك، إلى ما تهنأ به في معاشك، ومعادك طيب.
لذلك من المهم في مبدأ هذا العام أن نتأمَّل هذا المعنى، وهو ما الذي خلَّفته خلف ظهري من أيام وأعمال وأحوال وأقوال، وما الذي سأستَقْبِلُه؟ يعني من المهم أن تقف وقفةَ تأمُّل في إنجازاتك العام الماضي، وما الذي ستُنجِزُه في العام القادم؟ طبعًا من الناس من لا إنجاز له، مرَّت أيامُه دون حساب، وهذا حال كثير من الناس وللأسف أنَّه ما يُفكر يعني ما في تفكير يعني، لو تقول له أنت: هذه مضت سنة ألف وأربعمائة وسبعة وثلاثين، أخبرني ما الذي أنجزت؟ ما الذي حقَّقت؟ ما هي أهدافك التي كنت تُؤمِّل أن تبلُغَها في دين أو دنيا، وماذا حصَّلت منها؟ وما الذي فات منها؟ أنا أقول: تسعون في المئة إن لم أزد إلى خمسة وتسعين في المئة، أو أكثر لا ينظر هذه النظرة لانفساخ عام واستقبال عام.
طيب فات العام الماضي، وما فات لا يمكن تداركُه، لكن نحن نستقبل عامًا جديد.
سؤالي الآن لنفسي ولإخواني وأخواتي: ما الذي سننجزه في عام ألف وأربعمائة وثمانية وثلاثين؟
سؤال لا بُدَّ أن يَطرُقَ أذهانَنا، لا بُدَّ أن يمُرَّ علينا ولو مرورًا؛ حتى يكون عندنا فقط رؤية واضحة عن الأهداف العامَّة الكلية التي سنسعى إلى تحقيقها، وهذا سواءً على مستوى الشخصي، أو المستوى الأُسري، أو المستوى الوظيفي، فيما يتعلق بِصِلَتِك بالله، فيما يتعلق بصلتك بالخلق، سؤال لا بُدَّ أن تُجيب عليه. يعني: ما هي سلبيِّاتُك التي تريد أن تتخلَّى عنها؟ هذا جانب من الجوانب التي ينبغي أن يطرح الإنسانُ السؤال حولها.
ما هي سلبياتك التي تشعر أنَّها تُعيقُك عن حياة سعيدة؟ ما هي سلبياتك التي تُعيقك عن تحقيق رضا الله - عزَّ وجلَّ -؟ وما هي إيجابياتُك، وحسناتك التي تشعر أنَّها تُقربك إلى الله، وتُحقق لك نوعًا من الهناء في معاشك؟ سل نفسك هذا السؤال.
المقدم: يعني يعمل على تحسين السلبيات.
الشيخ: سل نفسك هذا السؤال؛ تجد جوابًا على هذا حتى يمكن أن تستدركَه في العام الذي دخلناه، عام ألف وأربعمائة وثمانية وثلاثين.
المقدم: بعض الناس للأسف يعني هو يتعامل مع مرور هذه السنين كما هو الحال بمن يُدفع إلى هذا التغيُّر دفعًا دون أن يعي ماذا يمكن أن تحويه هذه التغيرات، أو ماذا يمكن أن تتضمَّنه هذه التغيرات من معاني ودلالات، وكذلك أيضًا أمور واجب الأخذ بها، وبالتالي الإنسان أيضًا يتفكر في هذا الجانب كما تفضَّلتم بمحاسبة النفس، وكذلك يعني تعزيز الإيجابيات، وتلافي هذه السلبيات.
أستأذنكم شيخ خالد في الإعلان عن أرقام التواصل التي من خلالها يستطيع المتَّصِلون مستمعينا الكرام الاتصال بنا، ومشاركتتا في هذه الحلقة.
الرقم الأول مستمعينا الكرام هو: 0126477117، والرقم الثاني هو: 0126493028 أو بالتغريد في هشتاج البرنامج الدين والحياة.
نأخذ أول اتصال عبد العزيز الشريف من الرياض اتفضل.
المتصل: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
المقدم: وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته.
المتصل: حيَّا الله الأستاذ عبد الله، مسَّاك الله بالخير.
المقدم: حياك الله، ونعتذر عن الإطالة.
المتصل: حياكم الله، حيَّا الله شيخنا الشيخ خالد، مساء الخير يا شيخ.
الشيخ: الله يحييك مرحبًا بك أخي.
المتصل: الله يبارك، فضيلة الشيخ ألا ترى معي أنَّ التنوع في العبادة أحيانًا قد يؤدِّي بالإنسان إلى الكسل، والنبي -صلى الله عليه وسلم- يقول: «أحبُّ العمل إلى الله أدومُه وإن قَلَّ» أخرجه البخاري:ح 6100، ومسلم :ح783.. هل ينبغي للمسلم في هذا العام وفي غيره أن يتَّخذ له عملًا معيَّنًا ويُحافظ عليه؟ أم أنَّه لا بُدَّ من التنوع في العبادات؟
الأمر الثاني: بارك الله فيك، نسمع بعض الخطباء في بداية عام، ونهايته الخُطاب أنَّ هذا العام كذا وكذا، هل هذا له أصل في السُّنَّة؟ وهل أنَّ الخطيب يُنَبِّه عن بداية عام، ونهاية عام، أم أنَّ هذا اجتهاد من الخطباء يفعلونه، بارك الله فيك؟
الأمر الثالث: هل من السُّنَّة أن يدعو الإنسان في بداية العام، يعني يقول: اللهم اجعله عامَ خيرٍ وبركة وصحة وعافية، وأن يطلب الله فيه أن يوفِّقه لما يحب ويرضى، أم أن هذا لا أصل له وبارك الله فيكم؟
المقدم: شكرًا لك أخي عبد العزيز.
طيب نتواصل أيضًا مع المستمعين الكرام الراغبين في التفاعل معنا من خلال هذه الحلقة عن موضوعنا في هذا اليوم، أو في موضوعنا في هذا اليوم، وفي هذه الحلقة عن العام الهجري الجديد. الرقم أُذكر به مرة أخرى رقم التواصل 0126477117، 0126493028، وكذلك يمكنكم مشاركتنا بالتغريد في هشتاج البرنامج "الدين والحياة".
حتى يجهز الاتصال الثاني شيخ خالد لو بالإمكان نُجيب على الأسئلة التي طرحها الأخ عبد العزيز الشريف، يسأل عن مسألة التنوع في العبادة؟ وطبعًا هو من وحي ما ذكرتموه في هذه الحلقة في مسألة الاجتهاد في الطاعة والعبادة، لكن يسأل هل التنوع في العبادة أو التركيز على عبادة معينة هو وسيلة إلى أن يلتزم الإنسان في هذه العبادة، ولا يتركها؟
الشيخ: هو يا أخي الكريم، يعني ما يتعلَّق بالفرائض، الفرائض نوَّعها الله - عزَّ وجلَّ - من صلاة، وزكاة، وصوم، وحج، وبرِّ والدين، وأداء الأمانات، والوصية بالجيران، فما فرضه الله - عزَّ وجلَّ - من عبادات متنوِّعة حقٌّ على المؤمن أن يأتيَ به، ولا صلاح له إلا بالإتيان بما فرضه الله - عزَّ وجلَّ -.
المقدم: جميل.
الشيخ: ما يتعلق بما وراء ذلك من القُربات، يعني: ما وراء الواجبات من الطاعات، وهي النوافل، والمستحبات.
النوافل والمستحبات نوَّعها الله - عزَّ وجلَّ -، وفتح فيها الباب للناس، والناس فيها مختلفون، من الناس من يضرِب في كل باب من أبواب الخير بسهم، ومنهم من يقتصِر على بابٍ واحدٍ من أبواب البرِّ، ومسألة أنَّه يعني كون الإنسان يقول أنَّه يعني التنويع قد يُفضي به إلى الملل أو السآمة، يعني غير واضح هذا؛ لأنَّه الواقع أنَّ من علل التنويع في أبواب الطاعات والقربات هو دفع السآمة والملل؛ لأنَّ لزوم الإنسان عملًا واحدًا لا يتغيَّر هو مما يُوقعه في السآمة والملل أحيانًا، ولذلك جاء في الصحيح أنَّ النبي -صلى الله عليه وسلم- من حديث أبي هريرة قال: «ﻣَﻦْ ﺃَﻧْﻔَﻖَ ﺯَﻭْﺟَﻴْﻦِ ﻓِﻲ ﺳَﺒِﻴﻞِ ﺍﻟﻠَّﻪِ ﻧُﻮﺩِﻱَ من أبواب ﺍﻟْﺠَﻨَّﺔِ ﻳَﺎ ﻋَﺒْﺪَ ﺍﻟﻠَّﻪِ ﻫَﺬَﺍ ﺧَﻴْﺮٌ ﻓَﻤَﻦْ ﻛَﺎﻥَ ﻣِﻦْ ﺃَﻫْﻞِ ﺍﻟﺼَّﻠَﺎﺓِ ﺩُﻋِﻲَ ﻣِﻦْ ﺑَﺎﺏِ ﺍﻟﺼَّﻠَﺎﺓ،ِ ﻭَﻣَﻦْ ﻛَﺎﻥَ ﻣِﻦْ ﺃَﻫْﻞِ ﺍﻟْﺠِﻬَﺎﺩِ ﺩُﻋِﻲَ ﻣِﻦْ ﺑَﺎﺏِ ﺍﻟْﺠِﻬَﺎﺩ،ِ ﻭَﻣَﻦْ ﻛَﺎﻥَ ﻣِﻦْ ﺃَﻫْﻞِ ﺍﻟﺼِّﻴَﺎﻡِ ﺩُﻋِﻲَ ﻣِﻦْ ﺑَﺎﺏِ ﺍﻟﺮَّﻳَّﺎﻥِ، ﻭَﻣَﻦْ ﻛَﺎﻥَ ﻣِﻦْ ﺃَﻫْﻞِ ﺍﻟﺼَّﺪَﻗَﺔِ ﺩُﻋِﻲَ ﻣِﻦْ ﺑَﺎﺏِ ﺍﻟﺼَّﺪَﻗَﺔ» ﻓَﻘَﺎﻝَ ﺃَﺑُﻮ ﺑَﻜْﺮٍ: يا رسول الله، ﺑِﺄَﺑِﻲ ﺃَﻧْﺖَ ﻭَﺃُﻣِّﻲ ﻣَﺎ ﻋَﻠَﻰ ﻣَﻦْ ﺩُﻋِﻲَ ﻣِﻦْ ﻫَﺬِﻩِ ﺍﻟْﺄَﺑْﻮَﺍﺏِ ﻣِﻦْ ﺿَﺮُﻭﺭَﺓٍ؟ يعني: لا ضرر على من دُعي من تلك الأبواب، وهذه هِمَّة عالية، قال: ﻓَﻬَﻞْ ﻳُﺪْﻋَﻰ ﺃَﺣَﺪٌ ﻣِﻦْ ﺗِﻠْﻚَ ﺍﻟْﺄَﺑْﻮَﺍﺏِ ﻛُﻠِّﻬَﺎ؟ ﻗَﺎﻝَ: «ﻧَﻌَﻢْ، ﻭَﺃَﺭْﺟُﻮ ﺃَﻥْ ﺗَﻜُﻮﻥَ ﻣِﻨْﻬُﻢْ» أخرجه البخاري:ح 1798، ومسلم :ح 1027
إذًا من الأُمَّة، من السابقين الصالحين المشتغلين بالطاعة، من يُدعى من تلك الأبواب.
المقدم: جميل؛ لأنَّه جمع بين العبادات، نوع بينها.
الشيخ: لأنَّه جمع بين تلك الأبواب المباركة.
المقدم: جميل.
الشيخ: ولذلك أيضًا، وهذا تطبيقه العملي، لما سأل النبي -صلى الله عليه وسلم-: «مَن أَصبَحَ منكم اليوم صائمًا؟»، قال: أبو بكر أنا، «مَن عَادَ منكم اليوم مريضًا؟» قال أبو بكر: أنا، «مَن تصدق اليوم بصدقة؟» قال أبو بكر: أنا، قال: «مَن صلى منكم اليوم على جنازة؟» قال أبو بكر: أنا، فقال: النبي -صلى الله عليه وسلم-: «ما اجتمعن في رجلٍ في يوم إلا دخل الجنة» أخرجه مسلم في صحيحه:ح (1028).
هذا التنوع مما تسمو إليه النفوس، لكن إذا كان الإنسان وجد صلاحًا في عمل من الأعمال؛ فليُكثر منه، يعني أقصد: وجد صلاحًا لقلبه، حضورًا لقلبه في باب من الأبواب؛ فليُكثر منه، لكن لا يعني هذا أن يُعطِّل؛ لأنَّ هناك أشياء طبيعية، يعني: «تبسُّمُك في وجه أخيك صدقة» أخرجه البخاري في الأدب المفرد:ح 891، والترمذي في سننه:ح 1956، وقال: حسن غريب. وابن حبان في صحيحه:ح 529، وصححه الألباني في الصحيحة:ح572
، هذا باب من أبواب البر، فهل يعني لا يتبسم؛ لأنَّه مشتغل بباب من أبواب البر الأخرى؟
الجواب: لا، بل تبَسَّم، واقرأ القرآن، وتصدَّق، وتنفَّل بالصلاة، وما إلى ذلك من أبواب الخير.
المقدم: نأخذ الاتصال الثاني، ولكن أذكر قبله بأرقام الاتصال 0126477117، و0126493028، علي شماخي، من جازان، اتفضل أخي علي.
المتصل: السلام عليكم.
المقدم: وعليكم السلام ورحمة الله.
المتصل: نبغي نسأل: ما هي العبادة، وهل لها عدد معين للوقوف عن العبادة؟
والسؤال الثاني: إذا دخل عليك أحد من المصلين، أو أحد في الوضوء وسلَّم، هل ترد عليه السلام، أم تلتزم بالسكوت؟
المقدم: في بيت الخلاء يعني؟
المتصل: أي، بيت الخلاء.
المقدم: طيب، شكرًا لك أخي علي.
المتصل: حيَّاك الله.
المقدم: حيَّاك الله. شيخ خالد، الأخ عبد العزيز، كان يسأل عن قبل أن نذهب إلى أسئلة الأخ علي، لعلنا نتم فقط الإجابة على أسئلة المتصل عبد العزيز الشريف، كان يسأل عن مسألة التنبيه - تنبيه بعض الخطباء - على بداية العام، ونهاية هذا العام، يقول: هل هذا من السُّنَّة، أو أنَّه فقط مما ينبغي من اجتهاد حيال تذكير الناس بذلك؟
الشيخ: يعني الأمر في هذا واسع، يعني: هي ليست سُنَّة، بمعنى أنَّه لا يُقال أنَّ الإنسان أن يُذكِّر الناس بنهاية العام، وبداية العام؛ لأنَّ تحديد الأعوام لم يكن في زمن النبي - صلى الله عليه وسلم -، فلا يُمكن أن يُقال إنَّه سُنَّة؛ لأنَّ الاصطلاح بأنَّ العام الهجري، وكذا، والتقييد بترتيب العام الهجري في زمن عمر بن الخطاب - رضي الله تعالى عنه -، وعليه جرت الأُمَّة بعده، فهو من الاجتهادات العُمَرية في هذه الأُمَّة.
لكن عمومًا التذكير بهذا الأمر فهو من الخير الذي يحتاج الناس إلى أن يقفوا معه، لكن يعني بعض الناس قد يخصُّ التذكير بمُضي الأيام والأعمار وتقاضيه فقط بهذا الموقف، مع أنَّه ينبغي أن يكون الإنسان مدركًا لهذا الأمر؛ لأنَّ الناس يحتاجون إلى أن يُذكَّروا، ونحن نحتاج إلى ذكرى؛ لذلك الله - جلَّ في علاه - قال في محكم كتابه: ﴿وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ خِلْفَةً لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يَذَّكَّرَ أَوْ أَرَادَ شُكُورًا﴾[الفرقان:6]. ، فالتذكير بهذا التعاقب اليومي، معناه: أنَّه ينبغي التذكير بما نحن فيه من حال الدنيا، وتحوُّلِها، وتغيرها، واغتنامها، والمسابقة إلى الصالحات والخيرات فيها.
المقدم: السؤال الأخير للأخ عبد العزيز، يسأل عن: هل الدعاء في بداية العام، ونهايته هل هو من السُّنَّة، أو ما حكم ذلك؟
الشيخ: لا، ليس سُنَّة، لكن لو دعى الإنسان بخير فلا بأس، ولكن لا يُقال بأنَّه يُسنُّ أن يدعو في أول العام، أو في آخر العام، أو يُكثر من الاستغفار، يعني أنا قلت في أول حديثي إنَّ الناس عندهم اهتمام بالبدايات والنهايات على نحو يستغربون فيه البداية والنهاية دون التأمُّل والفكر فيما وراء البدايات.
المقدم: تقلُّب الزمان.
الشيخ: من المهم أن نفهم أنَّه ليس هناك فيما يتعلق بدخول عام، وخروج عام عبادةٌ خاصة، لا في صلاة، ولا في صوم، ولا في صدقة، ولا في ذِكر، ولا في دعاء، ولا في شيءٍ من هذا، لكن كون الإنسان يسأل الله - عزَّ وجلَّ - الخير، فهذا من الطيب، ويُشرع للمؤمن كما جاء في دعاء النبي - صلى الله عليه وسلم - عند رؤية الهلال: «اللهم أَهِلَّه علينا بالأمن والإيمان، والسلامة والإسلام، ووفِّقنا إلى ما تُحِبُّه وترضاه من الأعمال» أخرجه الترمذي في سننه:ح3451، وحسنه، وأخرجه الحاكم في المستدرك:ح7767، وحسنه ابن حجر في نتائج الأفكار(كما في الفتوحات الربانية لابن علان:ص:4/329). هذا مما جاءت به السُّنَّة، وليس خاصًّا بأول العام، بل مما يكون في العام كله، في بداية الأشهر كلها.
المقدم: نُذكِّر بأرقام التواصل: 0126477117، و0126493028، هذا سؤال عبر تويتر، شيخ خالد فيما يتعلق بمن لديه نية صالحة لحُسن العمل في هذا العام، هل يوفَّق إلى هذا العمل، هل إذا لم يوفَّق إلى هذا العمل يؤجر على هذه النية الصالحة نواها في بداية هذا العام فيما يتعلق بتعديل أوضاعه، وإصلاح حاله وشأنه؟
الشيخ: بالتأكيد أنَّ من نوى صالحًا من توبة، ونَزعٍ عن سوء، واستقامة لا شكَّ أنَّ ذلك من العمل الصالح الذي يؤجر عليه، سواءً حصل هذا أم لم يحصل، المهم أن توجد نية صالحة، وقد جاء في الصحيحين من حديث عبد الله بن عباس - رضي الله تعالى عنه -، وكذلك حديث أبي هريرة، أنَّ النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «إنَّ الله كَتَبَ الحسنات والسيئات ثم بيَّن ذلك، فمَن همَّ بحسنة فلم يعمَلْها كتَبَها الله عنده حسنة كامِلَة» مجرد الهم، وهو العزم الجازم على الفعل الصالح؛ يُكتب للإنسان به أجر، «فإن هو همَّ بها فعملها كتبها الله له بها عنده عشرَ حسناتٍ إلى سبعمائة ضعف إلى أضعاف كثيرة» أخرجه البخاري في صحيحه:ح 6126، ومسلم :ح 131.
هذا جزاء وعطاء جزيل من الله - عزَّ وجلَّ - في حقِّ من همَّ بالحسنة، ولو لم يعملها، وفي حديث أبي هريرة «من همَّ بحسنة فلم يعملها كتبت له حسنة، ومن همَّ بحسنة فعملها كتبت له عشر إلى سبعمائة ضعف» أخرجه مسلم في صحيحه:ح 130 ، ثم ذكر الهمَّ بالسيئات، فالمقصود أنَّ الهم بالحسنة مما يؤجر عليه الإنسان، وهو طريق لبلوغ الإحسان؛ لأنَّ الهمَّ بالحسنات يفتح أبوابها، كما أنَّ الهمَّ بالسيئات طريق مواقعتها، فمن كانت همومه في الصالحات؛ يُسِّرت له، ومن كانت همومه في السيئات يوشِك أن تُهلِكَه، وأن يتورَّط فيها؛ فلذلك ليحرص المؤمن على الهمِّ بالحسنة، والاجتهاد في تحصيلها، وبذل الوسع، والله - عزَّ وجلَّ - يُعطي على القليل الكثير - سبحانه وتعالى -.
المقدم: اللهم لك الحمد، أرقام التواصل لمن أراد أن يتواصل معنا في هذه الحلقة، وموضوعنا: العام الهجري الجديد مستمعينا الكرام، 0126477117، و10126493028.
سؤال الأخ علي، كان يسأل عن معنى العبادة، ما هي العبادة؟ هل هي محصورة في شيء معين، أو أنَّه مفهوم واسع؟
الشيخ: العبادة مفهوم واسع ينتظم كلَّ ما يكون من الإنسان، من قول، أو عمل، من سرٍّ، أو إعلان، في معاملة الله، أو في معاملة الخلق. قال الله تعالى: ﴿قُلْ إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ (162) لَا شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ﴾ سورة الأنعام:162- 163. فالله - جلَّ وعلا - أخبر في هذه الآية عن ما أمر رسوله - صلى الله عليه وسلم - أن يُبلِّغه للأُمَّة، من أنَّ مَحياه، ومَمَاتَه هو لله - عزَّ وجلَّ -، وكونه لله، أي: يجب أن يُخلص لله - عزَّ وجلَّ -، ولا يُشرك فيه أحدًا سواه - سبحانه وبحمده-.
فإنَّ كون المحيا والممات لله، أي: أن يعمُر الإنسان عمره كله بما يرضى به عنه ربه - جلَّ في علاه -، وقد قال الله - جلَّ وعلا - لرسوله - صلى الله عليه وسلم - في خطاب موجَّهٍ إليه - صلى الله عليه وسلم - في أول رسالته: ﴿وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ﴾[الحجر:99]. ، فأمره الله - عزَّ وجلَّ - بأن يعبده - جلَّ في علاه -، ولا يعبد سواه، فقوله تعالى: ﴿وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي﴾ أي: حياتي وموتي لله - عزَّ وجلَّ -، ليست لسواه، ولا لغيره فهي له - جلَّ وعلا - مِلكًا، وهي له طاعة وعبادة، وانقيادًا وامتثالًا لأمره - جلَّ في علاه -.
فالعبادة مفهوم واسع، وهي: كل ما أمر الله تعالى به ورسوله من الأعمال الظاهرة والباطنة، الواجبة والمستحبة، هذا هو المفهوم الواسع للعبادة، وهو الشامل لكل مناحي الحياة؛ لأنَّ ما من لحظة من لحظات العمر، إلا والإنسان مأمور فيها بطاعة لله - عزَّ وجلَّ -، في كل أحواله، وفي كل أوقاته. إمَّا بالمباشرة والفعل، أو بالترك.
المقدم: نذكر بأرقام التواصل لمن أحبَّ أن يتواصل معنا في هذه الحلقة، 0126477117، و0126493028.
شيخ خالد، أيضًا من ضمن أسئلة الأخ علي، يسأل عن إذا ما دخل عليه وهو في بيت الخلاء، هل يرد السلام، أو يُسلِّم بعد أن يخرج؟
الشيخ: لا، أن لا يُسلَّم على من هو على حاجته.
المقدم: ابتداءً.
الشيخ: ابتداءً، فإذا سلَّم عليه أحد، فإنَّه يُمهل حتى يقضي حاجته، ثم يرد عليه السلام بعد قضاء حاجته، فإنَّ النبي - صلى الله عليه وسلم - كره أن يُذكر الله على هذه الحال، فمرَّ به رجلٌ وسلَّم عليه وهو على حاجته، فأمهل - صلى الله عليه وسلم - حتى أقبل على الجدار، فضرب بيديه الجدار، ثم ردَّ عليه السلام. يعني: تيمم، ثم ردَّ عليه السلام، فقال: «إنَّي كرهتُ أن أذكر الله على غير طهارة» رواه أبو داود في سننه:ح17، وأحمد في " المسند "ح:19034، والحاكم 1 / 167 وصححه ووافقه الذهبي.. فإذا سلَّم عليك أحد وأنت في الخلاء انتظر حتى تخرج، وترد عليه السلام.
المقدم: جميل، أيضًا من الأسئلة، هذا أبو الحسن يسأل عن إذا كان هناك بعض الأعمال التي يُمكن أن تؤدَّى في بداية هذا العام من العبادات، هل هناك ما اقترن ببداية العام أو نهاية العام؟
الشيخ: مثل ما ذكرت من قليل، أنَّه ما في هناك شيء في الكتاب، ولا في السُّنَّة يتعلق بالعمل في بداية العام أو نهايته، لكن يعني بداية العام هي في شهر الله المحرم، ومناسب أن يُعرف أنَّ هذا الترتيب للأشهر لم يكن في زمن النبي - صلى الله عليه وسلم -، ترتيب السنوات لم يكن في زمن النبي - صلى الله عليه وسلم -، إنَّما كان ذلك باجتهاد من الصحابة - رضي الله تعالى عنهم - في زمن عمر بن الخطاب - رضي الله تعالى عنه -، حيث إنَّ الصحابة اختلفوا، لمَّا جمعهم عمر في بداية السنة الهجرية، فمنهم من قال: يُبدأ بربيع، ومنهم من قال: يُبدأ بمحرم، فمال عمر - رضي الله تعالى عنه - إلى أن يكون المبدأ محرم، فكان شهر الله المحرم أول الأشهر في السنة الهجرية، وهذه البداية اصطلاحية اتفق عليها الصحابة، وأجمعوا عليها، وجرت عليها الأُمَّة بعد عمر - رضي الله تعالى عنه -، فالبداية بشهر محرم، والنهاية بشهر ذي الحجة.
طبعًا شهر محرم، شهر حرام وفيه من الفضائل التي تخصه أنَّ النبي - صلى الله عليه وسلم - أخبر بفضل صيامه، فلمَّا سُئِل: أي الصيام أفضل بعد رمضان؟ قال: «شهر الله المحرم» حديث أبى هريرة: أخرجه مسلم في صحيحه: ح 1163..
المقدم: أيضًا سؤال من رغد، تسأل عن شهر محرم، معناه وكذلك أيضًا ما يغفل الناس عنه من وجوب تعظيم الله في مثل هذه الأشهر، في شهر محرم، وأيضًا ماذا يُمكن أن يُستفاد من هذا الشهر؟ لأنَّ البعض كما تفضلتم يا شيخ، ينشغل بقضايا هامشيه ما ينبغي أن يشغل فيها بالشكل الكبير الذي ينبغي أن يصرفه في أمر أكثر أهمية، مثل يعني هذه المدلولات التي يعني يدل عليها هذا الشهر الكريم، شهر المحرم، بالإضافة إلى أيضًا ما ينبغي أن يكون فيه المسلم من تدبُّر، واتعاظ، وأيضًا تأمل لحاله وتحسين أحواله وإصلاحه.
الشيخ: يعني من مزايا هذا الشهر الذي تميَّز به عن سائر الشهور، أنَّ النبي - صلى الله عليه وسلم - أضافه لله - عزَّ وجلَّ -، وإضافة الشيء إلى الله - عزَّ وجلَّ - تدلُّ على مكانته، وحرمته، وشرفه، ورفعة منزلته، ففي صحيح الإمام مسلم، من حديث أبي هريرة - رضي الله تعالى عنه -، أنَّ النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «أَفضَلُ الصيام بعد رمضان، شهرُ الله المُحرَّم»، فأضاف الله تعالى هذا الشهر إليه، فقال: «شهر الله»، وما أضيف إلى الله - عزَّ وجلَّ - يكتسب مكانة، ومنزلة، وسموًّا، ورفعة، فهذا الشهر تميز بأنَّ الله أضافه إليه، بأنَّ الله تعالى حرَّمه، فهو من الأشهر الحُرُم، التي قال فيها تعالى: ﴿إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللَّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا فِي كِتَابِ اللَّهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ﴾[التوبة:36]. ، وقد بيَّنها النبي - صلى الله عليه وسلم -، فقال: «رجب مُضَر، وشهر ذو القعدة، وشهر ذو الحجة، وشهر الله المحرم» البخاري 3/459. هذه الأربعة أشهر، هي الأشهر الحرم، فمحرم من الأشهر الحرم، إضافة إلى أنَّه شهر صيامه مميَّز على سائر الشهور، حيث قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: «أفضل الصيام بعد رمضان، شهر الله المحرم»، لم يُنقل عنه - صلى الله عليه وسلم - أنَّه كان يصومه، أو يصوم أكثره، لكن كانت فضيلة صيامه بقوله - صلى الله عليه وسلم -.
كما أنَّ فيه يوم عاشوراء، وهو يوم عظيم مجيد، يوم صالح، وسنتحدث عنه وعن فضله فيما نستقبل، لكن عاشوراء هذا اليوم المبارك، هو من أيام هذا الشهر، وهو يوم نجَّى الله فيه موسى ومن معه، ومن فضله أنَّ من صامه يُكفِّر السنة التي قبلها، هذه مزايا الشهر.
أمَّا تخصيصه بعبادة، ما يُقال من افتتاحه بصوم، واختتام العام الماضي بصوم، هذا كله لا دليل عليه، ولم يرد في فضيلة العشر الأول منه فضيلة خاصة، هذا مما ينبغي أن يُعتنى به، وأن يُهتم؛ لأنَّ فضائل الأشهر والأيام والأعوام والأحوال والأعمال ليست أمورًا يختلف على الناس، بل هي أمور منوطة بالنص. أي: يُرجع فيها إلى قول الله، وقول رسوله - صلى الله عليه وسلم -، فما جاء في الكتاب والسُّنَّة أُخِذ، وما لم يأتِ يُقتصر على ما جاء به الدليل، وفي سُنتي كفاية.
المقدم: شيخ خالد أيضًا، لعلها فرصة للتذكير بما يُتداول أحيانًا في مواقع التواصل في هذه التطبيقات التي تحتويها هذه الهواتف الذكية، من نشر لبعض الأحاديث المكذوبة، وبعض الآثار المختلقة، مما يدل على وجود فضل معين في هذا الشهر، أو عفوًا في بداية هذا العام، وفي نهاية هذا العام، وبعض الأدعية التي تُنسب أحيانًا زورًا إلى بعض المشايخ عبر حسابات مثلاً منتحلة، وغير ذلك، لعلها فرصة للتذكير بهذا الأمر.
الشيخ: والله أنا أوصي كل مؤمن ومؤمنة أن يتوقى التورط في نقل ما لم يعلم «كفى بالمرء كَذِبًا أن يُحدِّث بكلِّ ما سَمِع» - رواه مسلم 1 / 10 في المقدمة، باب النهي عن الحديث بكل ما سمع، وأبو داودفي سننه:ح4992، صححه الألباني في الصحيحة:ح2025 ، فجدير بالمؤمن أن يتحرَّى لا سيما فيما يتعلق بما جاءت به النصوص، أو ما نُقِل، أو ما يُضاف إلى الشريعة من أحاديث، أو أحكام يجب على المؤمن أن يتروَّى، وأن يتمهَّل، وأن لا يُبادر إلى نقل ما ليس له به علم، فإنَّ ذلك مَزلَّة قدم، ويوقع الإنسان في الإثم، وقد تكلمنا عن هذا مرارًا، وأكرر أنَّ قضايا الشريعة لا تؤخذ من أسماء مستعارة، ولا تؤخذ من أشخاص مجهولين، بل لا تؤخذ إلا من أثبات ينقلون نقلاً بيِّنًا واضحًا، يُعرفون بالثقة والأمانة والرسوخ في العلم؛ ولذلك أوصى السلف - رحمهم الله - بالتحري فيمن يؤخذ عنه الدين؛ ولذلك كانوا يقولون: "إنَّ هذا الأمر دين، فانظر عن من تأخذ دينك"[أخرجه مسلم في المقدمه:ص14 بسنده إلى ابن سيرين رحمه الله، وروي مرفوعا، ولا يصح]، وهذا من التحرِّي، والله - عزَّ وجلَّ - قال في مُحكم كتابه: ﴿فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ﴾[النحل:43]. ، فالواجب الرجوع إلى أهل الذكر، وهم أهل العلم بالكتاب، والعلم بالسُّنَّة ودلالتهما، هذا الذي يُرجع إليه في معرفة الشرع.
المقدم: فضيلة الشيخ، دكتور: خالد بن عبد الله المصلح، أستاذ الفقه بكلية الشريعة في جامعة القصيم، والمشرف العام على فرع الرئاسة العامة للبحوث العلمية والإفتاء في منطقة القصيم، شكر الله لفضيلتكم على ما تفضلتم به من حديث ماتع في هذا اليوم، وفي هذه الحلقة، وأسأل الله تعالى أن ينفعنا بما سمعنا، وأن يجعلنا ممن وفقوا لعمل الخير، وممن أصلح الله أحوالهم، وأصلح شأنهم.
شكر الله لكم فضيلة الشيخ، وبارك الله فيكم وفي علمكم.
الشيخ: بارك الله فيكم، وفي الإخوة والأخوات، وأسأل الله لي ولهم السداد والتوفيق، وأن يجعله عام خير وبركة علينا جميعًا، وعلى أُمَّتنا، وعلى ولاة أمرنا، وعلى بلادنا، وأن ينصرنا، وأن لا ينصر علينا، وأن يُمكِّن لهذه البلاد بالعلم، والنصر، والتأييد، والرغد في العيش، والأمن والاستقرار والاجتماع على ولاة الأمر، إنَّه القادر على ذلك. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.