قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله:"روى مسلم في صحيحه عن عائشة - رضي الله عنها - قالت : «ألا أحدثكم عني وعن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قلنا : بلى قالت : لما كانت ليلتي التي النبي صلى الله عليه وسلم فيها عندي انقلب فوضع رداءه وخلع نعليه فوضعها عند رجليه وبسط طرف إزاره على فراشه واضطجع فلم يثبت إلا ريثما ظن أني رقدت فأخذ رداءه رويدا وانتقل رويدا وفتح الباب رويدا فخرج ثم أجافه رويدا فجعلت درعي في رأسي واختمرت وتقنعت إزاري ثم انطلقت على إثره حتى جاء البقيع . فقام فأطال القيام ثم رفع يديه ثلاث مرات ثم انحرف فانحرفت وأسرع فأسرعت فهرول وهرولت وأحضر وأحضرت فسبقته فدخلت فليس إلا أن اضطجعت فقال : ما لك يا عائشة حشيا رابية ؟ قالت : لا شيء . قال : لتخبريني أو ليخبرني اللطيف الخبير . قالت : قلت : يا رسول الله بأبي أنت وأمي فأخبرته . قال : فأنت السواد الذي رأيت أمامي ؟ قلت : نعم فلهزني في صدري لهزة أوجعتني . ثم قال : أظننت أن يحيف الله عليك ورسوله قالت : قلت مهما يكتم الناس يعلمه الله قال : نعم قال : فإن جبريل - عليه السلام - أتاني حين رأيت فناداني - فأخفاه منك فأجبته وأخفيته منك ولم يكن يدخل عليك وقد وضعت ثيابك وظننت أنك رقدت وكرهت أن أوقظك وخشيت أن تستوحشي - فقال : إن ربك يأمرك أن تأتي أهل البقيع فتستغفر لهم . قلت : كيف أقول يا رسول الله ؟ قال : قولي : السلام على أهل الديار من المؤمنين والمسلمين ويرحم الله المستقدمين منا والمستأخرين وإنا إن شاء الله للاحقون ».
فهذه عائشة أم المؤمنين : سألت النبي - صلى الله عليه وسلم - هل يعلم الله كل ما يكتم الناس ؟ فقال لها النبي صلى الله عليه وسلم نعم وهذا يدل على أنها لم تكن تعلم ذلك ولم تكن قبل معرفتها بأن الله عالم بكل شيء يكتمه الناس كافرة وإن كان الإقرار بذلك بعد قيام الحجة من أصول الإيمان وإنكار علمه بكل شيء كإنكار قدرته على كل شيء هذا مع أنها كانت ممن يستحق اللوم على الذنب ولهذا لهزها النبي صلى الله عليه وسلم وقال : أتخافين أن يحيف الله عليك ورسوله وهذا الأصل مبسوط في غير هذا الموضع".
"مجموع الفتاوى" ( 11/411-413).