×
العربية english francais русский Deutsch فارسى اندونيسي اردو

نموذج طلب الفتوى

لم تنقل الارقام بشكل صحيح

خطب المصلح / خطب مرئية / خطبة الجمعة يسألونك عن الخمر

مشاركة هذه الفقرة WhatsApp Messenger LinkedIn Facebook Twitter Pinterest AddThis

المشاهدات:9855

إِنَّ الحَمْدَ للهِ, نَحْمَدُهُ وَنَسْتَعِينُهُ وَنَسْتَغْفِرُهُ, وَنَعُوذُ بِاللهِ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنا وَسَيِّئاتِ أَعْمالِنا, مَنْ يَهْدِهِ اللهُ فَلا مُضِلَّ لَهُ, وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ وَلِيًّا مُرْشِدًا, وَأَشْهَدُ أَنْ لا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ, وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُ اللهِ وَرَسُولُهُ, صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَمَنِ اتَّبَعَ سُنَّتَهُ بِإِحْسانٍ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ, أَمَّا بَعْدُ:

فاتَّقُوا اللهَ أَيُّها المؤْمِنُونَ,{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ}[آل عمران:102].

عِبادَ اللهِ, بَعَثَ اللهُ مُحَمَّدًا صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالهُدَى وَدِينِ الحَقَّ بَيْنَ يَدِيِّ السَّاعَةِ بَشِيرًا وَنَذِيرًا, يَأْمُرُ بِالمعْرُوفِ وَيَنْهَىَ عَنِ المنْكَرِ, يُحِلُّ الطَّيِّباتِ وُيُحَرِّمُ الخَبائِثَ, كَما قالَ ـ جَلَّ في عُلاهُ ـ: {يَأْمُرُهُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ}[الأعراف:157]. فَكُلُّ ما أَمَرَ اللهُ تَعالَى بِهِ, فِيهِ خَيْرٌ وَبِرٌّ وَإِصْلاحٌ وَنَفْعٌ لِلخَلْقِ في الدُّنْيا وَالآخِرَةِ, وَكُلُّ ما نَهاهُمُ اللهُ تَعالَى عَنْهُ فَهُوَ شَرٌّ وَفَسادٌ وَوَبالٌ عَلَيْهِمْ في الدُّنْيا وَالآخِرَةِ, فَلَيْسَ شَيْءٌ مِمَّا أَمَرَ اللهث تَعالَى بِهِ إِلَّا وَفِيهِ الخَيْرُ لِلبَشَرِيَّةِ جَمْعاءَ, وَلَيْسَ شَيْءٌ فِيما نَهَى اللهُ تَعالَى عَنْهُ إِلاَّ فِيهِ مِنْ الشَّرَّ ما أَوْجَبَ بِرَحْمَةِ اللهِ وَحِكْمَتِهِ أَنْ يَحْرِمَهُ عَلَى العِبادِ, وَقَدْ جاءَتِ الشَّرِيعَةُ فِيما جاءَتْ بِهِ مِنْ شَرائِعَ وَأَحْكامٍ, لِتَحْقِيقِ مَقاصِدَ عُظْمَى, بَعْدَ تَوْحِيدِ اللهِ وَعِبادَتِهِ, فالتَّشْرِيعُ دائِرٌ عَلَى حِفْظِ الدِّينِ, وَعَلَى حِفْظِ العَقْلِ, وَعَلَى حِفظِ النَّفْسِ, وَعَلَى حِفْظِ المالِ, وَعَلَى حِفْظِ العِرْضِ, هَذِهِ مَقاصِدُ تَدُورُ عَلَيْها أَحْكامُ الشَّرِيعَةِ, فَالشَّرِيعَةُ جاءَتْ بِمَنْعِ كُلِّ ما يُفْسِدُ الأَدْيانَ, وَيُهْلِكُ الأَنْفُسَ, وَيُعَطِّلُ العُقُولَ, وَيَهْتِكُ الأَعْراضَ, وَيُتْلِفُ الأَمْوالَ, فَكُلُّ ما كانَ سَبَبًا لِنَقْصٍ في شَيْءٍ مِنْ هَذِهِ الأُمُورِ الخَمْسَةِ, الدِّينُ, النَّفْسُ, العَقْلُ, العِرْضُ, المالُ, فَإِنَّ الشَّرِيعَةَ نَهَتْ عَنْهُ, وَكُلُّ ما يُعَزِّزُ هَذِهِ الأُصُولَ الخَمْسَةَ فَجاءَتْ الشَّرِيعَةُ آمرةً بِهِ, وَحاثَّةً عَلَيْهِ , وَمُشَرِّعَةً لَهُ, وَإِنَّ أَعْظَمَ ما يُفْسِدُ هَذِهِ الأُصُولَ الخَمْسَةَ, أَعْظَمُ ما يُفْسِدُ الدِّينَ, وَالنَّفْسَ وَالعَقْلَ وَالمالَ وَالعِرْضَ, تِلْكَ الموبِقَةُ الكَبيرَةُ, ذَلِكَ الإثْمُ العَظيمُ, الَّذِي وَصَفَهُ سَيِّدُ الوَرَى بِأُمِّ الخَبائِثِ, الخَمْرُ, تِلْكَ الَّتي قالَ فِيها صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «الخَمْرُ أُمُّ الفَواحِشِ وَأَكْبَرُ الكَبائِرِ مَنْ شَرِبَها وَقَعَ عَلَى أُمِّهِ وَخالَتِهِ وَعَمَّتِهِ»سُنَنُ الدَّارَقُطْنِيِّ(4612), الصَّحِيحَةُ للأَلْبانِيِّ: (1853).

فاتَّقُوا اللهَ أَيُّها المؤْمِنُونَ, وَاعْلَمُوا أَنَّ ما حَرَّمَهُ اللهُ تَعالَى عَلَيْكُمْ, لَيْسَ شُحًّا وَلا بُخْلًا, إِنَّما حَرَّمَهُ عَلَيْكُمْ رَحْمَةً بِكُمْ, وَلَمَّا ما فِيهِ مِنْ فَسادِ دِينِكُمْ وَدُنْياكُمْ, {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالأَنصَابُ وَالأَزْلامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ}[المائدة:90].

ثُمَّ يُبَيِّنُ اللهُ تَعالَى المفاسِدَ الَّتي تَحْصُلُ بِهذا الوَباءِ العَظيمِ, وَهَذا الشَّرِّ الكَبِيرِ, مِمَّا ذَكَرَهُ وَحَرَّمَهُ في الآيَةِ السَّابِقَةِ, {إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَعَنِ الصَّلاةِ فَهَلْ أَنْتُمْ مُنتَهُونَ}[المائدة:91].

وَقَدْ تَوافَرَتْ الأَدِلَّةُ, في الكِتابِ وَالسُّنَّةِ عَلَى تَحْرِيمِ هَذِهِ, الموبِقَةِ, وَعَلَى بَيانِ خَطَرِها, وَقَدْ قالَ فِيها رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ, قَوْلًا جامِعًا, حَتَّى لا يَقُولُ أَحَدُ, ما هِيَ الخَمْرُ؟ قالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَما في الصَّحيحِ, مِنْ حَدِيثِ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ, «كُلُّ مُسْكِرٍ خَمْرٌ, وَكُلُّ خَمْرٍ حَرامٌ»مُسْلِمٌ(2003) فَكُلُّ ما أَسْكَرَ فَهُوَ حَرامٌ, سَواءٌ كانَ مَشْرُوبًا, أَوْ مَشْمُومًا, أَوْ مُدَخِّنًا, أَوْ مَحْقُونًا, فَكُلُّ ذَلِكَ يَدْخُلُ في قَوْلِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «كُلُّ مُسْكِرٍ خَمْرٌ وَكُلٌّ خمَرْ ٍحرامٌ» وَقَدْ قالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ, «كُلُّ شَرابٍ أَسْكَرَ فَهُوَ حَرامٌ»البُخارِيُّ(242), وَمُسْلِمٌ(2001) وَعَلَى هَذا إِجْماعُ عُلَماءِ الأُمَّةِ, فَلا خِلافَ بَيْنَهُمْ, في تَحْرِيمِ الخُمُورِ, وَما يَلْحَقُ بِها, مِمَّا يُغَيِّبُ العُقُولَ, وَيُفْسِدُها. يُنْظُرُ:الإِقْناعُ في مَسائِلِ الِإجْماعَ لابْنِ القَطَّانِ(1/327).

أَيُّها المؤْمِنوُنَ, إِنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَعَنَ في الخَمْرِ تِسْعَةً, وَلَمْ يَأْتِ في ذَنْبٍ كَما جاءَ في هَذا الذَّنْبِ مِنَ اللَّعْنِ, فَقَدْ لَعَنَ فِيهِ تِسْعَةَ, وَفي الرِّبا لَعَنَ خَمْسَةً, صَلَواتُ اللهِ وَسَلامُهُ عَلَيْهِ, لَعَنَ «آكِلَ الرِّبَا، وَمُؤْكِلَهُ، وَكَاتِبَهُ، وَشَاهِدَيْهِ»مسلم(1598), وَفِي الخَمْرِ لَعَنَ تِسْعَةً صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ, «الخَمْرَ وَشارِبَها وَساقِيَها، وَبائِعَها وَمُبْتاعَها، وَعاصِرَها وَمُعْتَصِرَها، وَحامِلَها وَالمحْمُولَةَ إِلَيْهِ»أَبُو داودَ(3674) , وَهُوَ: صَحِيحٌ بِمَجْمُوعِهِ, كُلُّ هَذا يُبَيِّنُ أَنَّ هَذا مِنْ كَبائِرِ الذُّنُوبِ, وَأَنَّهُ مِنْ عَظائِمِ الِإثْمِ, سَواءٌ كانَ شُرْبًا أَوْ مُباشَرَةً, أَوْ كانَ ذَلِكَ إِعانَةً بِأَيِّ نَوْعٍ مِنَ الِإعانَةِ, بِتَيْسِيرِ شُرْبِهِ, بِتَوْصِيلِهِ, أَوْ بِتَحْضِيرِهِ, أَوْ بِتَهْرِيبِهِ, أَوْ بِتَصْنِيعِهِ, أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ مِنْ وَسائِلِ إِيصالِ هَذِهِ الموبِقَةِ لِلنَّاسِ, وَقَدْ قالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ  في بَيانِ شاربِ الخَمْرِ حِينَ يَشْرَبُها, قالَ «لا يَشْرَبُ الخَمْرَ حِينَ يَشْرَبُها وَهُوَ مُؤْمِنٌ»البُخارِيُّ(2475), وَمُسْلِمٌ(57) وَلَوْ لَمْ يَرِدْ في وَعِيدِ شُرْبِ الخَمْرِ إِلَّا هَذا لَكانَ كافِيًا, كَيْفَ تَرْضَى, يا مَنْ تُؤْمِنُ بِاللهِ وَاليَوْمِ الآخِرِ أَنْ يَرْتَفِعَ عَنْكَ الإيمانُ وَأَنْ يَزُولَ عَنْكَ وَصْفُ الإيمانِ, بِسَبَبِ شُرْبِكَ لِلخَمْرِ, «وَلا يَشْرَبُ الخَمْرُ حِينَ يَشْرَبُها وَهُوَ مُؤْمِنٌ» قالَ أَبُو هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ تَعالَى عَنْهُ, مَرْفُوعًا: «مِنْ زِنَى أَوْ شَرِبَ الخَمْرَ, نَزَعَ اللهُ مِنْهُ الإيمانَ, كَما يَخْلَعُ الإِنْسانُ القَميصَ مِنْ رَأْسِهِ»المسْتَدْرَكُ لِلحاكِمِ(57), بِسَنَدٍ فِيهِ مَقالٌ, وَأَخْرَجَ قَبْلَهُ بِسَنَدٍ صَحيحٍ مَرْفُوعًا:" إِذا زَنَى العَبْدُ خَرَجَ مِنْهُ الإيمانُ وَكانَ كالظُّلَّةِ، فَإِذا انْقَلَعَ مِنْها رَجَعَ إِلَيْهِ الإيمانُ ",- نَعُوذُ بِاللهِ مِنَ الخُذْلانِ-.

أَيُّها المؤْمِنُونَ, إِنَّ الخَمْرَ عَظِيمَةٌ العٌقٌوبَةُ, في كَلامِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؛ وَذَلِكَ لِعَظِيمِ الفَسادِ الحاصِلِ بِها, فَقَدْ قالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَما في «السُّنَنِ» وَ«المسْنَدِ» مِنْ حَدِيثِ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ, وَعَبْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ وَعَبْدِ اللهِ بْنِ عَبَّاسٍ, رَضِيَ اللهُ تَعالَى عَنْهُمْ, «مَنْ شَرِبَ الخَمْرَ وَسَكِرَ لَمْ تُقْبَلْ لَهُ صَلاةٌ أَرْبَعينَ صَباحًا , وَإِنْ ماتَ دَخَلَ النَّارَ وَإِنْ تابَ تابَ اللهُ عَلَيْهِ»,  «مَنْ شَرِبَ الخَمْرَ وَسَكِرَ لَمْ تُقْبَلْ لَهُ صَلاةٌ أَرْبَعِينَ صَباحًا» مُسْنَدُ أَحْمَدَ(6644), وَالتِّرْمِذِيُّ(1862), وَقالَ: حَسَنٌوَمَعْنَى هَذا, أَنَّ مَنْ شَرِبَ الخَمْرَ فَإِثْمُ شُرْبِهِ لِلخَمْرِ, يُذْهِبُ أَجْرَ صَلاةٍ أَرْبَعِينَ يَوْمًا, تَخَيَّلْ, جُرْعَةَ خَمْرٍ تَشْرَبُها, تُذْهِبُ أَجْرَ صَلاةٍ أَرْبَعينَ يَوْمًا, هَكَذا يَقُولُ مَنْ لا يَنْطِقُ عَنِ الهَوَى, صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ, وَهَذا يُبَيِّنُ عَظيمَ خَطَرِها وَكَبِيرَ مَوْبِقِها, إِنَّها مِنْ أَسْبابِ فَسادِ الدِّينِ وَالدُّنْيا, وَمِنْ أَسْبابِ عُقُوبَةِ الآخِرَةِ, قالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «مَنْ شَرِبَ الخَمْرَ في الدُّنْيا فماتَ وَهُوَ يُدْمِنُها لَمْ يَشْرَبْها في الآخِرَةِ»البُخارِيُّ( 5575), وَمُسْلِمٌ(2003) التِّرْمِذِيُّ(1861), وَقالَ:حَسَنٌ صَحيحٌ.

أَيُّها المؤْمِنُونَ, «لا يَدْخُلُ الجَنَّةَ عاقٌّ وَلا مُدْمِنُ خَمْرٍ وَلا مُكَذِّبٌ بِالقَدَرِ»التَّرْغِيبُ لِقَوامِ السُّنَّةِ(2205) كَما قالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ, وَقَدْ قالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَيْضًا «ثلاثَةٌ لا يَدْخُلُونَ الجَنَّةَ: مُدْمِنُ خَمْرٍ، وَقاطِعُ رَحِمٍ، وَمُصَدِّقٌ بِالسِّحْرِ»أَحْمَدُ في مُسْنَدِهِ(19568), وَهُوَ حَسَنٌ لِغَيْرِهِ.

فاتَّقُوا اللهَ أَيُّها المؤْمِنُونَ, وَاعْلَمُوا أَنَّ هَذِهِ الموبِقَةَ تُوجِبُ عُقُوبَةً مُعَجَّلَةً في الدُّنْيا وَهُوَ الحدُّ الَّذي حَدَّهُ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ, فَقَدْ جَلَدَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في الخَمْرِ؛ أَيْ بِسَبَبِها, بِالجَرِيدِ وَالنِّعالِ, وَجَلَدَ أَبُو بَكْرٍ وَكَذَلِكَ عُمَرُ وَسائِرُ الصَّحابَةِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْيُنْظَرُ: مُسْلِمٌ(1707), وَجاءَ فِيها مِنَ العُقُوبَةِ المغَلَّظَةِ, ما رَواهُ أَحْمَدُ مِنْ حَدِيثِ مُعاوِيَةَ رَضِيَ اللهُ تَعالَى عَنْهُ أَنَّ النَّبِيَّ صلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قالَ «مَنْ شَرِبَ الخَمْرَ فاجْلِدُوهُ فَإِنْ عادَ في الرَّابِعَةِ فاقْتُلُوهُ»الترمذِيُّ(1444), وَهُوَ: صَحيحٌ.

عِبادَ اللهِ, أَيُّها المؤْمِنُونَ, إِنَّ الخَمْرَ سَبَبٌ لِفَسادِ الدِّينِ وَالدُّنْيا, وَلَها مِنَ العُقوباتِ المعَجَّلَةِ في النَّفْسِ وَالوَلَدِ وَالأُسْرَةِ وَالمجْتَمَعِ ما يَجِبُ عَلَى المؤْمِنِ أَنْ يَتَوَقَّىَ هَذِهِ الموبِقَةِ, وَأَنْ يَتَجَنَّبَها وَأَنْ يَحْرِصَ عَلَى البُعْدِ عَنْها, فَإِنَّها فَسادٌ في الدِّينِ وَفَسادٌ في الدُّنْيا.

اللَّهُمَّ إِناَّ نَسْأَلُكَ الهُدَى وَالتَّقَى وَالعَفافَ وَالرَّشادَ وَالغِنَى, أَعِذْنا مِنَ الفَسادِ ما ظَهَرَ مِنْهُ وَما بَطَنَ, أَقُولُ هَذا القَوْلَ وَأَسْتَغْفِرُ اللهَ العَظيمَ لي وَلَكُمْ فاسْتَغْفِرُوهُ إِنَّهُ هُوَ الغُفُورُ الرَّحِيمُ.

***                                                                                 

الخُطْبَةُ الثَّانِيَةُ:                                                               

الحَمْدُ للهِ حَمْدًا كَثِيرًا طَيِّبًا مُبارَكاً فِيهِ, وَأَشْهَدُ أَنْ لا إِلَهَ إِلَّا اللهُ, وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ, وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُ اللهِ وَرَسُولُهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَمَنِ اتَّبَعَ سُنَّتَهُ وَاقْتَفَى أَثَرَهُ بِإِحْسانٍ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ.

أَمَّا بَعْدُ, فاتَّقُوا اللهَ أَيُّها المؤْمِنُونَ, اتَّقُوا اللهَ حَقَّ التَّقْوَىَ, وَاعْلَمُوا أَنَّهُ لا تَقْوَى لمنْ لا اجْتِنابَ لِلمَعاصِي عِنْدَهُ, وَلا قِيامَ بِالواجِباتِ عِنْدَهُ؛ فَإِنَّ تَقْوَى اللهِ تَعالَى جِماعُها أَنْ تَقُومَ بِما أَمَرَكَ اللهُ تَعالَى بِهِ, رَغْبَةً فِيما عِنْدَهُ, وَخَوْفًا مِنْ عِقابِهِ, وَأَنْ تَجْتَنِبَ ما نَهاكَ اللهُ تَعالَى عَنْهُ, خَوْفًا مِنْ عِقابِهِ وَرَغَبْةً في ثَوابِهِ.

فاتَّقُوا اللهَ أَيُّها المؤْمِنُونَ, وَاعْلَمُوا أَنَّ الخَمْرَ مِنْ أَعْظَمِ ما يُفْسِدُ عَلَى الإِنْسانِ دِينَهُ وَدُنْياهُ, وَمِنْ أَعْظَمِ أَسْبابِ لحُوقِ الشَّرِّ في الدُّنْيا وَالآخِرَةِ, للإِنْسانِ, وَلِذَلِكَ سَمَّاها النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِأُمِّ الفَواحِشِ, وَأُمِّ الكَبائِرِ, وَوَصَفَها بِأَنَّها مِفْتاحٌ كُلِّ شَرٍّ, قالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «لا تَشْرَبِ الخَمْرِ فإَنَِّها مِفْتاحٌ كُلِّ شَرٍّ»ابنُ ماجة(3371)بإسْنادٍ حَسَنٍ.

فاتَّقِ اللهَ يا عَبْدَ اللهِ, إِنَّ مِنْ النَّاسِ مَنْ خَفَّ عِنْدَهُمْ قَدْرُ شُرْبِ الخَمْرِ, لأَسْبابِ كَثِيرَةٍ, مِنْ ذَلِكَ, تَرْويِجُها وَتَزْيِينُها, مِنْ ذَلِكَ إِشاعَةُ الخَمْرِ في الأَفْلامِ وَالمسَلْسَلاتِ وَما يُشاهِدُهُ النَّاسُ, في وَسائِلِ الِإعْلامِ, مِنْ ذَلِكَ كَثْرَةُ السَّفَرِ إِلَى الخارِجِ, مِنْ ذَلِكَ مُعاشَرَةُ أَصْحابِ الخُمُورِ الَّذينَ يَتَهاوَنُونَ في شُرْبِها, وَبَعْضُهُمْ يَقُولُ: أَشْرَبُ وَلا تُسْكِرْنِي وَهُوَ في ذَلِكَ مُكَذِّبٌ لما قالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم «كُلُّ مُسْكِرٍ خَمْرٌ وَكُلُّ خَمْرٍ حَرامٌ»مُسْلِمٌ(2003)  فَإِنَّ الخَمْرَ, سَبَبًا لِلإِسْكارِ, وَقَدْ قالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «ما أَسْكَرَ كَثِيرُهُ فَقَلِيلُهُ حَرامٌ»التِّرْمِذِيٌّ(1865) وَقالَ: حَسَنٌ فَلَيْسَ العِبْرَةُ في ذَهابِ العَقْلِ, إِنَّما العِبْرَةُ في كَوْنِ ذَلِكَ مِمَّا يَنْدَرِجُ في مُسَمَّى الخَمْرِ, الَّذي حَرَّمَهُ اللهُ تَعالَى وَرَسُولُهُ, «ما أَسْكَرَ كَثِيرُهُ» فَإِذا شَرِبَ الإِنْسانُ قَلِيلُهُ فَقَدْ وَقَعَ في مُوبِقَةً وَكَبِيرَةً مِنْ كَبائِرِ الذُّنُوبِ, وَهِيَ شُرْبُ الخَمْرِ, فَعَدَمُ غِيابِ العَقْلِ بِالكُلِّيَّةِ أَوْ تَماسُكِ الإِنْسانِ عِنْدما يَشْرَبُ أَوْ بَعْضُهُمْ يَشْرَبُهُ عَلَى حَفْلِ عَشاءٍ وَما إِلَى ذَلِكَ مِمَّا يُزَيِّنُهُ الشَّيْطانُ لِبَعْضِ النَّاسِ, وَيَقُولُ: لَمْ يَغِبْ عَقْلِي, وَلا يُؤَثِّرُ عَلَيَّ, فَهَؤُلاءِ كُلُّهُمْ مَغْرُورونَ خَدَعَهُمُ الشَّيْطانُ, وَلَبَّسُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ, «ما أَسْكَرَ كَثِيرُهُ فَقَلِيلُهُ حَرامٌ»التِّرْمِذِيُّ(1865) وَقالَ: حَسَنٌ هَكَذا يَقُولُ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.

وَيَلْحَقُ بِالخَمْرِ تِلْكَ الآفَةُ الَّتي تَنْتَشِرُ بَيْنَ المدَخَِنينَ وَهِيَ التَّحْشِيشُ, وَهُوَ نَوْعٌ مِنَ المسْكِراتِ, يَتَهاوَنُ فِيهِ بَعْضُ النَّاسِ, لَأَنَّهُ لا يَغِيبُ العَقْلُ بِالكُلِّيِّةِ لَكِنَّهُ يُفْسِدُ عَلَى الإِنْسانِ دِينَهُ, وَيُفْسِدُ عَلَيْهِ عَقْلَهُ, فَواجِبٌ عَلَى كُلِّ مُؤْمِنٍ وَمُؤْمِنَةٍ أَنْ يَجْتَنِبَ هَذا وَأَنْ يُحَذِّرَ مِنْهُ, وَإِنَّنا نَقُولُ هَذا لِكَثْرَةِ مَنْ نَسْمَعُهُ مِنَ انْتِشارِ هَذِهِ الموبِقَةِ وَهَذا الشَّرُّ وَالفَسادُ بَيْنَ النَّاسِ, وَتَهاوُنِ بَعْضِ النَّاسِ فِيهِ حَتَّى ظَنَّهُمْ بَعْضُهُمْ أَمْرًا مِنْ ثَقافَةِ العَصْرِ, وَبَعْضُهُمْ يَتَزَيَّا بِهِ وَيَتَجَمَّلُ بِهِ, وَيَظُنُّ أَنَّهُ لا يُنْقِصُ دِينَهُ, وَاللهُ تَعالَى يَقُولُ {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالأَنصَابُ وَالأَزْلامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ}[المائدة:90]{إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَعَنِ الصَّلاةِ فَهَلْ أَنْتُمْ مُنتَهُونَ}[المائدة:91].

الخَمْرُ هِيَ أَشَدُّ ما حُرِّمَ عَلَى الصَّحابَةِ رَضِيَ اللهُ تَعالَى عَنْهُمْ, لأَنَّها كانَتْ شائِعَةً في زَمانِهِمْ, وَكانُوا في مُجْتَمَعٍ الخَمْرُ فِيهِ أَطْيَبُ عَيْشِهِمْ, كَما قالَ أَنَسٌ رَضِيَ اللهُ تَعالَى عَنْهُ, لَكِنَّهُ لماَّ نَزَلَ تَحْرِيمُها, أَراقُوها في الأَسْواقِ, وَاجْتَنَبُوها, وَسَلِمُوا مِنْها, فَسَلَّمَهُمُ اللهُ امْتِثالًا لِقَوْلِ اللهِ تَعالَى {فَهَلْ أَنْتُمْ مُنتَهُونَ}قالُوا: انْتَهَيْنا رَبَّنا انْتَهَيْنا.وَقِصَّةُ أَنَسْ أَخْرَجَها: البُخارِيُّ(2464), وَمُسْلِمٌ(1980).

وَمَنْ بُلِيَ بِهِذِهِ الآفَةِ أَوْ كانَ يَعْرِفُ مَنْ بُلِيَ بِهَذِهِ الآفَةِ, فَحَقٌّ عَلَيْهِ أَنْ يُناصِحَهُ أَوْ أَنْ يَبْذُلَ لَهُ النُّصْحَ في البُعْدِ عَنْ هَذا الشَّرِّ, وَالسَّلامَةُ مِنْهُ, في سِرِّهِ وَإِعْلانِهِ, فالاسْتِسْرارُ بِشُرْبِ الخَمْرِ, لا يُسْقِطُ عُقُوبَتَهُ, بَلْ ذاكَ بِاقٍ لِصاحِبِهِ, فَإِذا جَهَرَ بِهِ وَوَضَعَ القَوارِيرَ وَالأَكْوابَ بَيْنَ يَدَيِ النَّاسِ, كانَ مُجاهِرًا قَدْ جاءَ بِظُلْمَةٍ عَلَى ظُلْمَةٍ, {ظُلُمَاتٌ بَعْضُهَا فَوْقَ بَعْضٍ إِذَا أَخْرَجَ يَدَهُ لَمْ يَكَدْ يَرَاهَا وَمَنْ لَمْ يَجْعَلِ اللَّهُ لَهُ نُورًا فَمَا لَهُ مِنْ نُورٍ}[النور:40]فَلَمْ يَسْلَمْ مِنْ شُرْبِ الخَمْرِ, وَلَمْ يَسْلَمْ مِنَ المجاهَرَةِ بِهِ.

فاتَّقُوا اللهَ أَيُّها المؤْمِنُونَ وَاسْتَحْضِرُوا هَذا المعْنَى, وَذَكِّرُوا أَنْفُسَكُمْ بِهِ, وَذَكِّرُوا أَوْلادَكُمْ بِحُرْمَةِ الخَمْرِ, فَإِنَّ الغَفْلَةَ عَنِ التَّنْبِيهِ إِلَى هَذا مِمَّا يَجْعُلُهُ سائِغًا مُنْتَشِرًا مَقْبُولًا عِنْدَ بَعْضِ ضِعافِ النُّفُوسِ, يَظُنُّهُ كَسائِرِ ما يَكُونُ مِنَ الصَّغائِرِ, لا يُؤْثِّرُ عَلَى دِينِهِ, وَهُوَ أُمُّ الخَبائِثِ, وَهُوَ أُمُّ الفَواحِشِ, وَهُوَ مِفْتاحُ كُلِّ شَرٍّ, هَكَذا وَصَفَها سَيِّدُ الأَنامِ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ ابْنُ ماجَةَ(3371)بِإِسْنادٍ حَسَنٍ.

اللَّهُمَّ أَلْهِمْنا رُشْدَنا وَقِنا شَرَّ أَنْفُسِنا, وَأَعِنَّا عَلَى طاعَتِكَ وَاصْرِفْ عَنَّا مَعْصِيَتَكَ, احْفِظْنا مِنْ بَيْنَ أَيْدِينا وَمِنْ خَلْفِنا مِنْ كُلِّ سُوءٍ وَشَرٍّ يا ذا الجَلالِ وَالإِكْرامِ, اللَّهُمَّ طَهِّرْ قُلُوبَنا مِمَّا يُغْضِبُكَ وَطَهِّرْ أَفْئِدَتَنا مِمَّا لا تَرْضاهُ يا ذا الجَلالِ وَالإِكْرامِ, اللَّهُمَّ إِنَّا نَسْأَلُكَ الهُدَى وَالتُّقَى وَالعَفافَ وَالرَّشادَ وَالغِنَى, اللَّهُمَّ آمِنا في أَوْطانِنا, وَأَصْلِحْ أَئِمَّتَنا وَوُلاةَ أُمُورِنا, اجْعَلْ وِلايَتَنا فِيمَنْ خافَكَ وَاتَّقاكَ وَاتَّبَعَ رِضاكَ يا رَبَّ العالمينَ.

اللُّهُمَّ وَفِّقْ وَلِيَّ أَمْرِنا إِلَى ما تُحِبُّ وَتَرْضَى, خُذْ بِناصِيَتِهِ إِلَىَ البِرِّ وَالتَّقْوَى, سَدِّدْهُ في قَوْلِهِ وَعَمَلِهِ, اللَّهُمَّ اجْعَلْ لَهُ مِنْ لَدُنْكِ سُلْطانًا نَصِيرًا, اللَّهُمَّ إِنَّا نَسْأَلُكَ أَنْ تَحْفَظَ هَذِهِ البِلادِ مِمَّنْ أَرادَ بِها سُوءًا أَوْ شَرًّا ظاهِرًا أَوْ مُسْتَتِرًا.

اللَّهُمَّ احْفَظْنا بِحِفْظِ, اللَّهُمَّ احْفَظْ بِلادَ الحَرَمَيْنِ, مِنْ كُلِّ سُوءٍ وَشَرٍّ, اللَّهُمَّ انْصُرْ جُنودَنا المقاتلِينَ الَّذينَ يُقاتِلُونَ لإِعْلاءِ كَلِمَتَكَ في كُلِّ مَكانٍ, اللَّهُمَّ انْصُرْهُمْ في الحَدِّ الجَنُوبِيِّ وَفي سائِرِ البِقاعِ, يا ذا الجَلالِ وَالإِكْرامِ, رَبَّنا آتِنا في الدُّنْيا حَسَنَةً وَفي الآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنا عَذابَ النَّارِ, اللَّهُمَّ رَبَّنا لا تُؤاخِذْنا إِنْ نَسِينا أَوْ أَخْطَأْنا وَاصْرِفْ عَنَّا كُلَّ شَرٍّ وَفَسادٍ.

 

الاكثر مشاهدة

4. لبس الحذاء أثناء العمرة ( عدد المشاهدات94000 )
6. كيف تعرف نتيجة الاستخارة؟ ( عدد المشاهدات89900 )

مواد تم زيارتها

التعليقات


×

هل ترغب فعلا بحذف المواد التي تمت زيارتها ؟؟

نعم؛ حذف