×
العربية english francais русский Deutsch فارسى اندونيسي اردو

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

الأعضاء الكرام ! اكتمل اليوم نصاب استقبال الفتاوى.

وغدا إن شاء الله تعالى في تمام السادسة صباحا يتم استقبال الفتاوى الجديدة.

ويمكنكم البحث في قسم الفتوى عما تريد الجواب عنه أو الاتصال المباشر

على الشيخ أ.د خالد المصلح على هذا الرقم 00966505147004

من الساعة العاشرة صباحا إلى الواحدة ظهرا 

بارك الله فيكم

إدارة موقع أ.د خالد المصلح

خطب المصلح / خطب مرئية / خطبة : فابتغوا عند الله الرزق

مشاركة هذه الفقرة WhatsApp Messenger LinkedIn Facebook Twitter Pinterest AddThis

المشاهدات:7497

إِنَّ الحَمْدَ للهِ, نَحْمَدُهُ وَنَسْتَعِينُهُ وَنَسْتَغْفِرُهُ، وَنَعُوذُ بِاللهِ مِنْ شُرورِ أَنْفُسِنا وَمِنْ سَيِّئاتِ أَعْمالِنا، مَنْ يَهْدِهِ اللهُ فَلا مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ وَلِيًّا مُرْشِدًا، وَأَشْهَدُ أَنْ لا إِلَهَ إِلَّا اللهُ، إِلَهُ الأَوَّلِينَ وَالآخِرِينَ، لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الرَّحْمنُ الرَّحِيمُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُ اللهِ وَرَسُولُهُ، صَفِيُّهُ وَخَلِيلُهُ خِيرَتُهُ مِنْ خَلْقِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَمَنِ اتَّبَعَ سُنَّتَهُ بِإِحْسانٍ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ, أَمَّا بَعْدُ:

فاتَّقُوا اللهَ أَيُّها المؤْمِنُونَ، اتَّقُوا اللهَ تَعالَى فَتَقْواهُ تَجْلِبُ كُلَّ ما تَتَمَنَّوْنَ، وَتَقْواهُ تَدْفَعُ عَنْكُمْ كُلَّ ما تَخافُونَ، فَبِالتَّقْوَى تُدْرَكُ المطالِبُ، وَبِالتَّقْوَىَ تُتَوَقَّى المعائِبُ وَالمصائِبُ، ﴿وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا الطلاق:2  ﴿وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ الطلاق:3 .

تَقْوَى اللهِ أَنْ تَقُومَ بِما أَمَرَكَ اللهُ تَعالَى بِهِ في الأَوامِرِ فِعْلًا، وَفِي النَّواهِي تَرْكًا، رَغْبَةً فِيما عِنْدَ اللهِ، وَخَوْفًا مِنْ عِقابِهِ فَتَقْوَى اللهِ الَّتِي أَمَرَكُمُ اللهُ تَعالَى بِها في كِتابِهِ، وَأَوْصَى بِها الأَوَّلِينَ وَالآخِرِينَ هِيَ ما عَمَّرَ قُلُوبَكُمْ مِنْ مَحَبَّتِهِ وَخَوْفِهِ، وَتَعْظِيمِهِ وَإِجْلالِهِ، وَما قامَ في جَوارِحِكُمْ مِنَ امْتِثالِ أَمْرِهِ فِعْلًا لما أَمَرَكُمْ بِهِ، وَتَرْكًا لما نَهاكُمْ عَنْهُ رَغْبةً وَرَهْبَةً.

أَيُّها المؤْمِنُونَ خَلَقُكمُ اللهُ لِتَعْبُدُوهُ ﴿وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ الذاريات:56  أَيْ: لِيُوَحِّدُونِالبَحْرُ المحيطُ(9/562)قاله الكَلْبِيُّ, وَقالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: أَيْ: إِلَّا لِيُقِرُّوا بِعِبَادَتِي طَوْعًا أَوْ كَرْهًا. قال ابْنُ كَثِيرٍ(7/425): وَهَذَا اخْتِيَارُ ابْن جَرِيرٍ، واللهُ -جَلَّ وَعَلا- خَلَقَكُمْ، وَتَكَفَّلَ بِأَرْزاقِكُمْ لَمْ يَطْلُبْ مِنْكُمْ شَيْئًا سُوَى أَنْ تُحَقِّقُوا العِبادَةَ لَهُ -جَلَّ في عُلاهُ-؛ لِتَسْعَدُوا في دُنْياكُمْ، وَتَفُوزُوا في أُخْراكُمْ، وَقَدْ تَكَفَّلَ لَكُمْ بِكُلِّ ما تَطْلُبُونَ مِنْ كُلِّ ما تَتَمَنَّوْنَ في الدُّنْيا وَالآخِرَةِ فَحَقِّقُوا ما طَلَبَهُ مِنْكُمْ، وَانْتَظِرُوا ما وَعَدَكُمْ فاللهُ لا يُخْلِفُ الميعادَ ﴿وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ الذاريات:56  ﴿مَا أُرِيدُ مِنْهُمْ مِنْ رِزْقٍ وَمَا أُرِيدُ أَنْ يُطْعِمُونِ الذاريات:57  ﴿إِنَّ اللَّهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ الذاريات:58  رَبُّكُمْ هُوَ الَّذِي يَسُوقُ لَكُمُ الأَرْزاقَ دُونَ سَبَبٍ مِنْكُمْ مُؤَثِّرٍ في تَحْصِيلِ ذَلِكَ فَما هِيَ إِلَّا إِظْهارُ رَغْبَةٍ في فِعْلِ ما أَمَرَ؛ لِإدْراكِ ما قَضَى وَقَدَّرَ، فَكُلَّ قَدْ قُدِّرَ ما لَهُ مِنْ الرِّزْقِ، وَقَدْ قُدِّرَ ما لَهُ مِنَ الأَجَلِ، وَقَدْ قُدِّرَ لَهُ ما لَهُ مِنَ العَمَلِ فَلَيْسَ شَيْءٌ خارِجٌ عَنْ تَقْدِيرِ اللهِ -جَلَّ في عُلاهُ- ﴿إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ القمر:49 ، وَالمؤْمِنُ لا يَسْتَسْلِمُ لِلقَدَرِ دُونَ عَمَلٍ بَلْ يُنازِعُ أَقْدارَ اللهِ بِأَقْدارِ اللهِ فَيَدْفَعُ المكارِهَ بِفِعْلِ ما تَنْدَفِعُ بِهِ مِنَ الأَسْبابِ الَّتي شَرَعَها اللهُ تَعالَى، وَيُبادِرُ بِالسَّبَبِ؛ لإِدْراكِ المطْلُوبِ، وَقَلْبُهُ مُعَلَّقٌ بِرَبِّ الأَسْبابِ، بِاللهَ الَّذي لا تَكُونُ الأَشْياءُ إِلاَّ بِهِ فَما شاءَ كانَ، وَما لمْ يَشَأْ لمْ يَكُنْ، وَالقَلْبُ المعَلَّقُ بِالله لا يَتَعَلَّقُ بِسِواهُ فَيَعْلَمَ أَنَّ رِزْقَهُ مِنْ قِبَلِهِ، وَأَنَّ الخَيْرَ مِنْهُ، وَأَنَّهُ لا مانِعَ لما أَعْطَى، وَأَنَّهُ لا مُعْطِيَ لما مَنَعَ يَسُوقُ -جَلَّ في عُلاهُ- الأَقْدارَ وَالأَرْزاقَ إِلَى أَهْلِها وَآجالِها عَلَى نَحْوِ ما اقْتَضَتْهُ حِكْمَتُهُ وَرَحْمَتُهُ ﴿وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الأَرْضِ إِلَّا عَلَى اللَّهِ رِزْقُهَا وَيَعْلَمُ مُسْتَقَرَّهَا وَمُسْتَوْدَعَهَا كُلٌّ فِي كِتَابٍ مُبِينٍ هود:6. أَيْ: كُلٌ مَكْتُوبٌ في كِتابٍ مُبينٍ، وَهُوَ ما قَدَّرَهُ اللهُ في اللَّوْحِ المحْفُوظِ، ﴿وَفِي السَّمَاءِ رِزْقُكُمْ وَمَا تُوعَدُونَ الذاريات:22. وَاللهُ -جَلَّ وَعَلا- يَقُولُ: ﴿وَكَأَيِّن مِنْ دَابَّةٍ لا تَحْمِلُ رِزْقَهَا العنكبوت:60  لَيْسَ عِنْدَها قُدْرَةٌ عَلَى حِمْلِ ما تَقُومُ بِهِ حَياتُها  ﴿وَكَأَيِّن مِنْ دَابَّةٍ لا تَحْمِلُ رِزْقَهَا اللَّهُ يَرْزُقُهَا وَإِيَّاكُمْ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ العنكبوت:60.

فَثِقُوا بِاللهِ، وَأَحْسِنُوا الظَّنَّ بِهِ، وَأَحْسِنُوا الصِّلَةَ بِهِ بِالقِيامِ بِأَمْرِهِ، وَالسَّعْيِ فِيما يُحِبُّ وَيَرْضَى، وَأَبْشِرُوا؛ فَإِنَّهُ مَنْ صَدَقَ اللهَ صَدَقَهُ، وَمَنْ طَرَقَ بابَهُ أَعْطاهُ كُلُّكُمْ فُقَراءُ إِلَى اللهِ غَنِيِّكُمْ وَفَقِيرِكُمْ، صَحِيحِكُمْ وَمَرِيضِكُمْ، كَبِيرِكُمْ وَصَغِيرِكُمْ، كُلُّنا إِلَى اللهِ فُقَراءُ, ﴿يَاأَيُّهَا النَّاسُ أَنْتُمُ الْفُقَرَاءُ إِلَى اللَّهِفاطر:15, فَلا تَغْتَرَّ بِما أَعْطاكَ اللهُ مِنْ قُدْرَةٍ في بَدَنِكَ أَوْ في مالِكَ أَوْ في وَلَدِكَ أَوْ في جاهِكَ أَوْ في سائِرِ ما أَعْطاكَ اللهُ فَإِنَّهُ لَوْ شاءَ ما كانَ.

فَهَذا قارُونُ خَرَجَ عَلَى قَوْمِهِ في زِينَتِهِ يَتَباهَى بِما أُمِدَّ بِهِ مِنَ المالِ فَفِي لَحْظَةٍ ﴿فَخَسَفْنَا بِهِ وَبِدَارِهِ الأَرْضَ القصص:81  زالَ كُلُّ ذَلِكَ لما اسْتَكْبَرَ وَعَلا، وَطَغَى عَلَى الخَلْقِ، وَظَنَّ أَنَّ ما عِنْدَهُ عَلَى عِلْمٍ مِنْهُ، وَعَلَى سَبَبٍ مِنْهُ، غَفَلَ عَنْ أَنَّ اللهَ هُوَ الَّذي أَطْعَمَهُ، وَهُوَ الَّذي كَساهُ، وَهُوَ الَّذي رَزَقَهُ، وَهُوَ الَّذي أَعْطاهُ فاغْتَرَّ كَما قالَ اللهُ تَعالَى: ﴿كَلَّا إِنَّ الإِنسَانَ لَيَطْغَى العلق:6 .

أَيُّها المؤْمِنُونَ, رَبُّكُمْ يُنادِيكُمْ فَيَقُولُ سُبْحانَهُ في الحَدِيثش الِإلَهِيِّ: «عِبَادِي كُلُّكُمْ ضَالٌّ إِلَّا مَنْ هَدَيْتُهُ، فَاسْتَهْدُونِي أَهْدِكُمْ، يَا عِبَادِي كُلُّكُمْ جَائِعٌ، إِلَّا مَنْ أَطْعَمْتُهُ، فَاسْتَطْعِمُونِي أُطْعِمْكُمْ، يَا عِبَادِي كُلُّكُمْ عَارٍ، إِلَّا مَنْ كَسَوْتُهُ، فَاسْتَكْسُونِي أَكْسُكُمْ»مسلم(2577).                                             

وَانْظُرُوا إِلَى هَذِهِ الثَّلاثَةِ أُمُورٍ الأَوَّلُ: هِدَايَةُ القُلُوبِ فَاسْأَلُوها مِنَ اللهِ، ﴿إِنَّكَ لا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ القصص:56 .

الثَّانِي:كِفايَةُ الأَبْدانِ بِالطَّعامِ فَإِنَّها مِنَ الرزَّاقِ -جَلَّ في عُلاهُ- يَسُوقُ الأَرْزاقَ، وَيَنْفَعُ بِها فَكَمْ مِنْ جائِعٍ يَأْكُلُ، وَلا يَشْبَعُ، وَعَطْشانٍ يَشْرَبُ وَلا يَرْوَى، وَمَرِيضٍ يَأْخُذُ الدَّواءَ وَلا يَنْتَفِعُ, ذاكَ بِقَدْرِهِ وَهُوَ عَلَى وَفْقِ حِكْمَتِهِ، وَعِلْمِهِ.

ثُمَّ ذَكَرَ ثالِثًا: ما تُسْتَرُ بِهِ الظَّواهِرُ «فاسْتَكْسُونِي أَكْسُكُمْ»، وَالكِسْوَةُ هُنا: تَشْمَلُ كُلَّ ما يَسْتَتِرُ بِهِ الإِنْسانُ وَيَتَجَمَّلُ  ﴿يَا بَنِي آدَمَ قَدْ أَنزَلْنَا عَلَيْكُمْ لِبَاسًا يُوَارِي سَوْآتِكُمْ الأعراف:26 .

هَذا سَتْرُ العَوْراتِ ﴿وَرِيشًا الأعراف:26 ،وَهَذا التَّجَمُّلُ وَالتَّزَيُّنُ، ﴿وَلِبَاسُ التَّقْوَى ذَلِكَ خَيْرٌ الأعراف:26 ، وَهَذا لِباسُ القَلْبِ.

فَجَمَعَ اللهُ لَكُمْ ثَلاثَةَ أُمُورٍ سَلُوها مِنْهُ لا يُعْطِيها إِلاَّ هُوَ.

اللَّهُمَّ أَلْهِمْنا رُشْدَنا، وَقِنا شَرَّ أَنْفُسِنا، أَعِنَّا عَلَى طاعَتِكَ، وَأَغْنِنا بِفَضْلِكَ عَمَّنْ سِواكَ.

أَقُولُ هَذا القَوْلَ وَأَسْتَغْفِرُ اللهَ العظيمَ لي وَلَكُمْ فاسْتَغْفِرُوهُ إِنَّهُ هُوَ الغَفُورُ الرَّحيمُ. 

***

الخُطْبَةُ الثَّانِيَةُ:                                                             

الحَمْدُ للهِ حَمْدَ الشَّاكِرينَ أَحْمَدُهُ حَقَّ حَمْدِهِ لَهُ الحَمْدُ كُلُّهُ أَوَّلُهُ وَآخِرُهُ، ظاهِرُهُ وَباطِنُهُ، وَأَشْهَدُ أَنْ لا إِلَهَ إِلَّا اللهُ إِلَهُ الأَوَّلِينَ وَالآخِرِينَ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُ اللهِ وَرَسُولُه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَمَنِ اتَّبَعَ سُنَّتَهُ وَاقْتَفَى أَثَرَهُ بِإِحْسانٍ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ أَمَّا بَعْدُ:

فاتَّقُوا اللهَ عِبادَ اللهِ، اتَّقُوا اللهَ حَقَّ التَّقْوَى وابْتَغُوا عِنْدَهُ الرِّزْقَ؛ فَإِنَّهُ -جَلَّ في عُلاهُ- يُطْلَبُ مِنْهُ كُلُّ مَصالحِ الدُّنْيا، وَمَصالحِ الآخِرَةِ فَهُوَ -جَلَّ في عُلاهُ- لَهُ ما في السَّمواتِ وَما في الأَرْضِ، لَهُ خَزائِنُ السَّمواتِ وَالأَرْضِ بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ سُبْحانَهُ وَبِحَمْدِهِ، فَكُلُّ ما تُأَمِّلُونَهُ، وَتَطْلُبُونَهُ فَمِنَ اللهِ.

لَقِيَ هِشامُ بْنُ عَبْدِ الملِكِ سالمَ بْنَ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ وَهُوَ يَطُوفُ فَقالَ: "ألَكَ حاجَةٌ قالَ: لا أَسْأَلُ غَيْرَ اللهِ في بَيْتِهِ فَلَمَّا خَرَجَ مِنَ الطَّوافِ قالَ: ها نَحْنُ خَرَجْنا مِنْ بَيْتِ اللهِ فَما حاجَتُكَ قالَ: أَهِيَ مِنْ حَوائِجِ الدُّنْيا أَمْ مِنْ حَوائِجِ الآخِرَةِ قالَ: مِنْ حَوائِجِ الدُّنْيا قالَ: لا أَبْتَغِيها إِلاَّ مِمَّنْ يَمْلِكُها وَهُوَ اللهُ -جَلَّ في عُلاهُ-".صِفَةُ الصَّفْوَةِ(1/352).

عَلِّقْ قَلْبَكَ بِاللهِ، ثِقْ أَنَّكَ لَنْ تَمُوتَ حَتَّى تَسْتَوْفِيَ آخِرَ قَطْرَةٍ مِنْ ماءٍ قُدِّرَتْ لَكَ، وَلَنْ تَمُوتَ حَتَّى تَسْتَوْفِي آخِرَ لُقْمَةٍ مِنْ طَعامٍ قُدِّرَتْ لَكَ فَقَدْ قالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «إنَّ رُوحَ القُدُسِ نَفَثَ في رُوعِي - أَيْ: في نَفْسِي وَقِلْبِي- أَنَّ نَفْسًا لَنْ تَمُوتَ حَتَّى تَسْتَوْفِي رِزْقَها» ثُمَّ يَقُولُ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بَعْدَ هَذِهِ الحَقِيقَةِ: «فَأَجْمِلُوا في الطَّلَبِ» ابْنُ حِبَّان(3239)  هَذا الَّذي يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ ثَمَرَةُ هَذا الاعْتِقادِ إِذا اعْتَقَدْتَ أَنَّ رِزْقَكَ لَنْ يَأْخُذَهُ غَيْرُكَ، وَأَنَّهُ لَنْ تَمُوتَ حَتَّى تَسْتَوْفِيَ ما كَتَبَ اللهُ لَكَ مِنَ الرِّزْقِ؛ فَسَيَطْمَئِنُّ قَلْبُكَ, عِنْدَها لَنْ يَكُونَ هُناكَ هَلَعٌ عِنْدَها لَنْ يَكُونَ هُناكَ طَلَبٌ لِرِزْقٍ مِنْ طَرِيق المحَرَّمِ فَإِنَّهُ ما قَدَّرَهُ اللهُ لَكَ سَيَأْتِيَكَ فَلَوْ طَلَبْتَ لَهُ طَرِيقًا حَرامًا أَتاكَ لَكِنَّهُ أَتاكَ مَحْقًا، وَإِثمًا، وَمُؤاخَذَةً في الدُّنْيا وَالآخِرَةِ لَكِنَّكَ إِنْ طَلَبْتَهُ بِالحَلالِ كَانَ أَجْرًا في الطَّلَبِ، وَبَرَكَةً في الرِّزْقِ، وَعَوْنًا عَلَى مَصالحِ الدُّنْيا وَالآخِرَةِ شَتَّانَ بَيْنَ النَّتِيجَتَيْنِ؛ "دَخَلَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طالِبٍ مَسْجِدًا فَكانَ عِنْدَ المسْجِدِ رَجُلٌ فَقِيرٌ فَأَوْكَلَهُ بِحِفْظِ دابَّتِهِ فَلَمَّا خَرَجَ وَجَدَ الدَّابَّةَ وَلَكِنَّهُ وَجَدَها مِنْ غَيْرِ لجامٍ قَدْ سَرَقَهُ ذَلِكَ الرَّجُلُ، وَكانَ قَدْ أَعَدَّ -رَضِيَ اللهُث عَنْهُ- دِرْهَمَيْنِ مُكافئةً لَهُ عَلَى حِفْظِ دَابَّتِهِ فَلَمَّا لمْ يَجِدِ اللِّجامَ أَعْطَى خادِمَهُ أَوْ صَاحِبَهُ دِرْهَمَيْنِ قالَ: اذْهَبْ إِلَى السَّوُقِ، وَائْتِنا بِلِجامٍ فَذَهَبَ إِلَى السُّوقِ فَوَجَدَ لجامَهُ قَدْ بِيعَ في السُّوقِ بِدِرْهَمَيْنِ؛ فَقالَ عَلِيٌّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ: إِنَّ العَبْدَ لَيَحْرِمُ نَفْسَهُ الرِّزْقَ الحَلالَ بِتَرْك الصّْبْرِ وَلا يَزْدادُ عَلَى ما قُدِّرَ لَهُ"المستطرف في كُلِّ فَنٍّ مُسْتَطْرَفْ ص(81) دُونَ إِسْنادٍ ، وَاعْلَمْ أَنَّ الحَرامَ مَحْقٌ في البَرَكَةِ سَواءٌ كانَ الحرامُ بَخْسًا لحِقوقِ النَّاسِ، مُطْلًا لأَمْوالِهِمْ، رِشْوًة، رِبًا، مَيْسِرًا كائِنًا مَنْ كانَ ﴿يَمْحَقُ اللَّهُ الرِّبَا وَيُرْبِي الصَّدَقَاتِ البقرة:276 .

ما زادَ في رَصِيدِكَ مِنْ مالٍ مُحَرَّمٍ ثِقْ أَنَّهُ وَبالٌ عَلَيْكَ لَيْسَ زِيادَةً لَكَ، هُوَ وَبالٌ عَلَيْكَ ﴿يَمْحَقُ اللَّهُ الرِّبَا البقرة:276 .

وَهَذا لَيْسَ قِصَرًا عَلَى نَمَطٍ مِنَ المعامَلاتِ بَلْ كُلُّ مُعامَلَةٍ مُحَرَّمَةٍ هِيَ سَبَبٌ لمَحْقِ البَرَكَةِ، وَإِذا مُحِقَتْ البَرَكَةُ في الرِّزْقِ, ما مَعْنَى مَحْقِ البَرَكَةِ في الرِّزْقِ؟ أَنَّكَ لا تَنْتَفِعْ مِنْهُ مَهْما كانَ الرَّصِيدُ عالِيًا، مَهْما كانَتْ الأَمْوالُ وَفِيرَةً لَيْسَ لها بَرَكَةً، وَلَيْسَ فِيها نَفْعٌ لا تُدْرِكُ بِها مَصالِحَ بَلْ تَتَبَدَّدُ، وَتَذْهَبُ أَوْ تُحْبَسُ عَنْها بِمَرَضٍ يَمْنَعُكَ الانْتَفاعَ بِها أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ مِنْ تَدْبِيرِ الحَكِيمِ الخَبِيرِ -جَلَّ في عُلاهُ-.

فاعْتَمِدْ عَلَى اللهِ بِقَلْبِكَ، وَثِقْ أَنَّهُ لَنْ يُخِيِّبَكَ إِذا صَدَقْتَ في سُؤالِهِ، وَطَلَبِهِ؛ فَقَدْ تَكَفَّلَ «يا عِبادِي كُلُّكُمْ جائِعٌ إِلَّا مَنْ أَطْعَمْتُهُ فاسْتَطْعِمُوني أُطْعِمْكُمْ، يا عِبادِي كُلُّكْمِ عَارٍ إِلَّا مَنْ كَسَوْتُهُ فاسْتَكْسُوني أَكْسُكُمْ»مُسْلِمٌ(2577).

اللَّهُمَّ أَلْهِمْنا رُشْدَنا وَقِنا شَرَّ أَنْفُسِنا، أَغْنِنا بِحَلالِكَ عَنْ حَرامِكَ، وَبِفَضْلِكَ عَمَّنْ سِواكَ، امْلَأْ قُلُوبَنا تَوَكُّلًا عَلَيْكَ، وَثِقَةً بِما عِنْدَكَ، وَإِيمانًا بِوَعْدِكَ، وَاجْعَلْنا مِنْ أَوْلِيائِكَ، وَحِزْبِكَ يا رَبَّ العالمينَ.

الَّلهُمَّ أَلْهِمْنا رُشْدَنا وَقِنا شَرَّ أَنْفُسِنا، أَعِنَّا وَلا تُعِنْ عَلَيْنا يا ذا الجَلالِ والإِكْرامِ.

اللَّهُمَّ آمِنَّا في أَوْطانِنا، وَأَصْلِحْ أَئِمَّتَنا، وَوُلاةَ أُمُورِنا، وَاجْعَلْ وِلايَتَنا فِيمَنْ خافَكَ، وَاتَّقاكَ، وَاتَّبَعَ رِضاكَ.

اللَّهُمَّ مَنْ أَرادَ بِلادَنا وَالمسْلِمينَ بِسُوءٍ أَوْ شَرٍّ فَأَشْغِلْهُ بِنَفْسِهِ، وَاجْعَلْ تَدْبِيرَهُ تَدْمِيرَهُ، اللّهُمَّ عَلَيْكَ بِالمعْتَدِينَ الظَّالمينَ.

اللَّهُمَّ عَلَيْكَ بِالمعْتَدِينَ الظَّالمينَ، اللَّهُمَّ عَلَيْكَ بِالَّذينَ بَغَوْا عَلَى أَهْلِ السُّنَّةِ وَالمسْلِمينَ في كُلِّ مَكانٍ يا رَبَّ العالمينَ، اللَّهُمَّ نَدْرَأُ بِكَ في نُحُورِهِمْ، وَنَعُوذُ بِكَ مِنْ شُرُورِهِمْ.

رَبَّنا آتِنا في الدُّنْيا حَسَنَةً وَفي الآخِرَةِ حَسَنَةً، وَقِنا عَذابَ النَّارِ.

عِبادَ اللهِ صَلُّوا عَلَى نَبِيِّكُمْ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؛ فَصَلاتُكُمْ في هَذا اليَوْمِ لهَا مَزِيَّةٌ فَهِيَ مَعْرُوضَةٌ عَلَيْهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ، وَأَكْثِرُوا مِنْ ذِكْرِ اللهِ -عَزَّ وَجَلَّ-؛ فَبِذِكْرِهِ تَطِيبُ القُلُوبُ ﴿أَلا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ الرعد:28 ، وَأَسْتَغْفِرُ اللهَ لي وَلَكُمْ فاسْتَغْفِرُوهُ؛ إِنَّهُ هُوَ الغَفُورُ الرَّحيمُ.

 

الاكثر مشاهدة

4. لبس الحذاء أثناء العمرة ( عدد المشاهدات93792 )
6. كيف تعرف نتيجة الاستخارة؟ ( عدد المشاهدات89654 )

مواد تم زيارتها

التعليقات


×

هل ترغب فعلا بحذف المواد التي تمت زيارتها ؟؟

نعم؛ حذف