×
العربية english francais русский Deutsch فارسى اندونيسي اردو

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

الأعضاء الكرام ! اكتمل اليوم نصاب استقبال الفتاوى.

وغدا إن شاء الله تعالى في تمام السادسة صباحا يتم استقبال الفتاوى الجديدة.

ويمكنكم البحث في قسم الفتوى عما تريد الجواب عنه أو الاتصال المباشر

على الشيخ أ.د خالد المصلح على هذا الرقم 00966505147004

من الساعة العاشرة صباحا إلى الواحدة ظهرا 

بارك الله فيكم

إدارة موقع أ.د خالد المصلح

خطب المصلح / خطب مطبوعة / خطبة:بر الوالدين

مشاركة هذه الفقرة WhatsApp Messenger LinkedIn Facebook Twitter Pinterest AddThis

إن الحمد لله 25- بر الوالدين الخطبة الأولى   إن الحمد لله نحمده ونستعينه، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأن محمدا عبده ورسوله. أما بعد.  فاتقوا الله أيها المؤمنون، واعلموا أن تقوى الله تعالى لا تستقيم لكم حتى تقوموا بما فرض الله عليكم من الواجبات والحقوق، وتذكروا ما نهاكم عنه من القطيعة والعقوق.  أيها المؤمنون. إن بر الوالدين من آكد ما أمر الله به عباده، كيف لا؟ وقد قرن الله حقهما بحقه سبحانه وتعالى، وشكرهما بشكره جل في علاه، فقال الله تعالى:﴿واعبدوا الله ولا تشركوا به شيئا وبالوالدين إحسانا)+++ سورة النساء: 36---، وقال جل وعلا: ﴿أن اشكر لي ولوالديك إلي المصير)+++ سورة لقمان: 14---.  ومما يظهر مكانة بر الوالدين في ديننا الحنيف النصوص النبوية الكثيرة المستفيضة، والتي تحث على بر الوالدين، وتنهى عن عقوقهما، فمن ذلك ما في "الصحيحين" من حديث ابن مسعود  رضي الله عنه  قال:«سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم: أي العمل أحب إلى الله؟ قال: الصلاة على وقتها، قلت: ثم أي ؟ قال: بر الوالدين، قلت: ثم أي ؟ قال: الجهاد في سبيل الله»+++"صحيح  البخاري" (5970)،ومسلم (85)---. وفيهما أيضا من حديث عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما قال: جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم يستأذنه في الجهاد، فقال: «أحي والداك؟ قال: نعم، قال: ففيهما فجاهد»+++ صحيح البخاري" (3004)، و مسلم (2549)---. وعنه أيضا قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:«رضا الرب في رضا الوالد، وسخط الرب في سخط الوالد»+++ أخرجه الترمذي (1899) والحاكم (4/168)ح(7249) وقال: "صحيح على شرط مسلم". ---.  أيها المؤمنون. فضل الوالدين كبير، وإحسانهما سابق عظيم، تذكر رعايتهما لك حال الصغر، وضعف الطفولة. حملتك أمك يا عبد الله في أحشائها تسعة أشهر، وهنا على وهن، حملتك كرها ووضعتك كرها. فبالله يا عبد الله : كم ليلة باتت بثقلك تشتكي    ......  لها من جواها أنة وزفير     وفي الوضع لو تدري عليك مشقة ....... فكم غصص منها الفؤاد يطير   وكم مرة جاعت وأعطتك قوتها   ......  صفواوإشفاقا وأنت صغير        هذه حال أمك. أما أبوك أيها الأخ فتذكر كده وسعيه وتنقله وسفره، وتحمله الأخطار والأكدار؛ بحثا عن كل ما تصلح به معيشتك، وإن كنت ناسيا فلا تنس انشغاله بك وبصلاحك ومستقبلك وهمومك.  نعم أيها الأخ الكريم، هذان هما والداك، ألا يستحقان منك البر والإحسان والعطف والحنان؟! بلى، والله إن ذلك لمن أعظم الحقوق.  أيها المؤمنون. إن مما يحثنا ويشجعنا على بر الوالدين تلك الفضائل التي رتبها الكريم العليم على بر الوالدين. فمن تلك الفضائل: أن بر الوالدين سبب لدخول الجنة، ففي "صحيح مسلم" عن أبي هريرة  رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلمقال:«رغم أنفه، ثم رغم أنفه، ثم رغم أنفه، من أدرك أبويه عند الكبر، أحدهما أو كليهما، ثم لم يدخلاه الجنة» +++" صحيح مسلم" (2551)---.   ومن فضائل بر الوالدين: تفريج الكربات، وإجابة الدعوات، فعن ابن عمر رضي الله عنهما قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:«انطلق ثلاثة رهط ممن كان قبلكم حتى أووا المبيت إلى غار فدخلوه، فانحدرت صخرة من الجبل فسدت عليهم الغار، فقالوا: إنه لا ينجيكم من هذه الصخرة إلا أن تدعوا الله بصالح أعمالكم، فقال رجل منهم: اللهم كان لي أبوان شيخان كبيران، وكنت لا أغبق قبلهما أهلا ولا مالا، فنأى بي في طلب شيء يوما فلم أرح عليهما حتى ناما، فحلبت لهما غبوقهما فوجدتهما نائمين، وكرهت أن أغبق قبلهما أهلا أو مالا، فلبثت والقدح على يدي أنتظر استيقاظهما، حتى برق الفجر، فاستيقظا فشربا غبوقهما، اللهم إن كنت فعلت ذلك ابتغاء وجهك ففرج عنا ما نحن فيه من هذه الصخرة، فانفرجت شيئا، لا يستطيعون الخروج. قال النبي صلى الله عليه وسلم: وقال الآخر: اللهم كانت لي بنت عم كانت أحب الناس إلي فأردتها عن نفسها فامتنعت مني، حتى ألمت بها سنة من السنين، فجاءتني فأعطيتها عشرين ومئة دينار على أن تخلي بيني وبين نفسها، ففعلت حتى إذا قدرت عليها، قالت لا أحل لك أن تفض الخاتم إلا بحقه، فتحرجت من الوقوع عليها، فانصرفت عنها وهي أحب الناس إلي، وتركت الذهب الذي أعطيتها، اللهم إن كنت فعلت ذلك ابتغاء وجهك فافرج عنا ما نحن فيه، فانفرجت الصخرة غير أنهم لا يستطيعون الخروج منها. قال النبي صلى الله عليه وسلم: وقال الثالث: اللهم إني استأجرت أجراء، فأعطيتهم أجرهم غير رجل واحد ترك الذي له وذهب، فثمرت أجره حتى كثرت منه الأموال، فجاءني بعد حين فقال: يا عبد الله أد إلي أجري، فقلت له كل ما ترى من أجرك من الإبل والبقر والغنم والرقيق، فقال: يا عبد الله، لا تستهزئ بي فقلت: إني لا أستهزئ بك فأخذه كله فاستاقه، فلم يترك منه شيئا، اللهم فإن كنت فعلت ذلك ابتغاء وجهك فافرج عنا ما نحن فيه، فانفرجت الصخرة فخرجوا يمشون »+++ أخرجه البخاري (2272)، وأخرجه مسلم (2743)---. ومن فضائل بر الوالدين: سعة الرزق، وطول العمر، ففي "الصحيحين" عن أنس رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:«من سره أن يبسط عليه رزقه، وينسأ في أثره فليصل رحمه»+++ أخرجه البخاري (5985)، وأخرجه مسلم (2557)---، وبر الوالدين أعظم صور صلة الرحم.  ومن فضائل بر الوالدين: ما ورد في شأن من عق والديه، فإن الأحاديث كثيرة مستفيضة في تغليظ عقوق الوالدين، ولو لم يكن في ذلك إلا تحريم الجنة على العاق -نعوذ بالله من الخسران- لكفى، ففي "الصحيحين" من حديث عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا يدخل الجنة قاطع رحم»+++ أخرجه البخاري (5984)، وأخرجه مسلم (2556)---.  أيها المؤمنون. لو لم يكن في عقوق الوالدين وترك برهما، إلا أنه غصص وأنكاد يتجرعها من لم يأل جهدا في الإحسان إليك، لكان كافيا في حملك على تركه، واستمع بارك الله فيك إلى تلك الزفرات التي أطلقها والد ابتلي بعقوق ابنه له، حتى ترى عظم ذلك وفداحته،  قال الوالد مخاطبا ذلك الابن العاق:   فلما بلغت السن والغاية التي  .....  إليها مدى ماكنت فيك أؤمل جعلت جزائي غلظة وفظاظة  .....   كأنك أنت المنعم المتفضل فليتك إذ لم ترع حق أبوتي  ......  فعلت كما الجار المجاور يفعل فأوليتني حق الجوار ولم تكن   .......  علي بمالي دون مالك تبخل فيا أيها المؤمنون: اتقوا الله، وقوموا بما فرض الله عليكم من بر والديكم، والإحسان إليهم، فإن حقهما عليكم عظيم كبير، جاء رجل إلى أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه ، فقال: إن لي أما قد بلغ منها الكبر، أنها لا تقضي حوائجها، إلا وظهري لها مطية، فهل أديت حقها؟ فقال الفاروق المحدث  رضي الله عنه :"لا؛ لأنها كانت تصنع بك ذلك، وهي تتمنى بقاءك، وأنت تصنعه، وأنت تتمنى فراقها"+++ الجامع في الحديث (89)---، ولكنك محسن، والله يجزي المحسنين على القليل الكثير.      الخطبة الثانية  : أما بعد.  فياأيها المؤمنون. إن للوالدين حقوقا وواجبات، أذكر ببعضها؛ رجاء أن يثمر ذلك عملا صالحا، وبرا حانيا، فلئن كانت النفوس السوية مجبولة على حب من أحسن إليها، فإن من شرائع الدين، وسمات المروءة، وضرورات العقل أن يقابل الإحسان بالإحسان، قال الله تعالى: ﴿هل جزاء الإحسان إلا الإحسان)+++ سورة الرحمن: 60---. فمن حقوق الوالدين عليك: محبتهما وتوقيرهما على من سواهما، روى البخاري في الأدب المفرد أن أبا هريرة  رضي الله عنه  أبصر رجلين، فقال لأحدهما: ما هذا منك؟ فقال: أبي، فقال: "لا تسمه باسمه، ولا تمش أمامه، ولا تجلس قبله"+++ الأدب المفرد(30)،وصححه الألباني ---.  ومن برهما:الإحسان إليهما بالقول والعمل، كما قال الله تعالى:﴿وبالوالدين إحسانا﴾.  ومن حقوقهما:الدعاء لهما في الحياة، وبعد الممات، قال الله تعالى: ﴿وقل رب ارحمهما كما ربياني صغيرا﴾، وفي الحديث:«إن الرجل ليرتفع في الجنة، فيقول: أنى لي هذا؟ فيقال: باستغفار ولدك لك»+++ أخرجه أحمد (10232) من حديث أبي هريرة  رضي الله عنه ، والحديث حسن إسناده العراقي---.  ومن حقوقهما: صلة أهل ودهما، فقد روي عن ابن عمر رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إن أبر البر صلة الرجل أهل ود أبيه»+++ أخرجه مسلم (2552)---.  ومن حقوقهما: النفقة عليهما إذا كانا محتاجين للنفقة، وعند الولد ما يزيد على حاجته، قال شيخ الإسلام رحمه الله: "على الولد الموسر أن ينفق على أبيه وزوجة أبيه، وعلى إخوته الصغار، وإن لم يفعل ذلك كان عاقا لأبيه، قاطعا لرحمه، مستحقا لعقوبة الله في الدنيا والآخرة"+++ مجموع الفتاوى 34/101---.  ومن حقوقهما: التواضع لهما، وخفض الجناح، قال الله تعالى: ﴿إما يبلغن عندك الكبر أحدهما أو كلاهما فلا تقل لهما أف ولا تنهرهما وقل لهما قولا كريما * واخفض لهما جناح الذل من الرحمة وقل رب ارحمهما كما ربياني صغيرا)+++ سورة الإسراء: 23 -24---.  ومن حقوقهما: إنفاذ عهدهما ؛أي: وصيتهما، ففي سنن أبي داود أن رجلا قال: يارسول الله هل بقي من بر أبوي شيء، أبرهما بعد موتهما؟ قال: «نعم، الصلاة عليهما- ؛أي: الدعاء لهما – وإنفاذ عهدهما من بعدهما، وصلة الرحم، التي لا توصل إلا بهما»+++ أخرجه أبوداود (5142) من حديث مالك بن ربيعة بن البدن رضي الله عنه---.   هذه أيها المؤمنون بعض الحقوق التي افترضها الله عليكم لوالديكم، ولا يظن من وفقه الله في القيام ببعض الحقوق أنه قد قام بما عليه، وقد جزى والديه حقهما، قال النبي صلى الله عليه وسلم:«لا يجزي ولد والده، إلا أن يجده مملوكا فيشتريه، فيعتقه»+++ أخرجه مسلم (1510) من حديث أبي هريرة  رضي الله عنه ---، ورأى ابن عمر رضي الله عنهما رجلا يمانيا بالبيت، قد حمل أمه وراء ظهره، وهو يقول: إني لها بعيرها المذلل إن أذعرت ركابها لم أذعر ثم قال: يا ابن عمر، أتراني جزيتها ؟ قال: لا، ولا بزفرة واحدة+++ أخرجه البخاري في الأدب المفرد (18)---؛ أي: عند الولادة.  اللهم إنا نسألك أن تعيننا على القيام بما افترضت علينا من بر الوالدين.

المشاهدات:51189

إن الحمد لله 25- بِرُّ الوالِدَيْن

الخطبة الأولى  
إِنَّ الْحَمْدَ لِلهِ نَحْمَدُهُ وَنَسْتَعِينُهُ، مَنْ يَهْدِهِ اللهُ فَلاَ مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلاَ هَادِيَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ الله وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ، وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ.
أما بعد. 
فاتقوا اللهَ أيها المؤمنون، واعلموا أن تقوى اللهِ تعالى لا تستقيمُ لكم حتى تقوموا بما فرضَ اللهُ عليكم من الواجباتِ والحقوقِ، وتذكَّروا ما نهاكم عنه من القطيعةِ والعقوقِ. 
أيها المؤمنون.
إن برَّ الوالدين من آكَدِ ما أمرَ اللهُ به عبادَه، كيف لا؟ وقد قرَنَ اللهُ حقَّهُما بحقِّه سبحانه وتعالى، وشُكْرَهُما بشُكرِهِ جلَّ في علاه، فقال الله تعالى:﴿وَاعْبُدُوا اللهَ وَلا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئاً وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً) سورة النساء: 36، وقال جل وعلا: ﴿أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ) سورة لقمان: 14
ومما يُظهِرُ مكانةَ بِرِّ الوالدين في دينِنا الحنيفِ النصوصُ النبويةُ الكثيرةُ المستفيضةُ، والتي تحثُّ على بِرِّ الوالدين، وتنهى عن عقوقِهِما، فمن ذلك ما في "الصحيحين" من حديث ابن مسعود  رضي الله عنه  قال:«سألتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم: أيُّ العملِ أحبُّ إلى اللهِ؟ قال: الصلاةُ على وقتِها، قلت: ثم أيُّ ؟ قال: بِرُّ الوالدين، قلت: ثم أيُّ ؟ قال: الجهادُ في سبيلِ اللهِ»"صحيح  البخاري" (5970)،ومسلم (85).
وفيهما أيضاً من حديث عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما قال: جاء رجلٌ إلى النبيِّ صلى الله عليه وسلم يستأذنُه في الجهادِ، فقال: «أحيٌّ والداك؟ قال: نعم، قال: ففيهما فجاهدْ» صحيح البخاري" (3004)، و مسلم (2549).
وعنه أيضاً قال: قال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم:«رضا الرَّبِّ في رضا الوالدِ، وسخطُ الرَّبِّ في سخطِ الوالدِ» أخرجه الترمذي (1899) والحاكم (4/168)ح(7249) وقال: "صحيح على شرط مسلم".
أيها المؤمنون.
فضلُ الوالدين كبيرٌ، وإحسانُهما سابقٌ عظيمٌ، تذكَّرْ رعايتَهُما لك حالَ الصِّغَرِ، وضَعفِ الطفولةِ.
حملتْك أُمُّك يا عبدَ اللهِ في أحشائِها تسعةَ أشْهُرٍ، وهناً على وهنٍ، حملتك كُرْهاً ووضعتك كُرْهاً. فبالله يا عبد الله :
كم ليــلةٍ باتتْ بثقلِك تشتكِي    ......  لها من جَــواها أنَّةٌ وزَفِيرُ 
   وفي الوضعِ لو تدرِي عليك مشقة ....... فكم غَصَصٍ منها الفؤادُ يطيرُ
  وكم مرةٍ جاعت وأعطتك قوتَها   ......  صفواًوإشـفاقاً وأنت صغيرُ
    
 
هذه حالُ أمِّك.
أما أبوك أيها الأخُ فتذكَّر كَدَّه وسعيَه وتنقُّلَه وسفرَه، وتحمُّلَه الأخطار والأكدار؛ بحثاً عن كل ما تصلح به معيشتُك، وإن كنت ناسياً فلا تنس انشغالَه بك وبصلاحِك ومستقبلِك وهمومِك. 
نعم أيها الأخُ الكريمُ، هذان هما والداك، ألا يستحِقَّان منك البرَّ والإحسانَ والعطفَ والحنانَ؟! بلى، والله إن ذلك لمن أعظمِ الحقوقِ. 
أيها المؤمنون.
إنَّ مما يحثُّنا ويشجِّعُنا على برِّ الوالدين تلك الفضائلُ التي رتَّبها الكريمُ العليمُ على برِّ الوالدين.
فمن تلك الفضائلِ: أن برَّ الوالدين سببٌ لدخولِ الجنةِ، ففي "صحيح مسلم" عن أبي هريرة  رضي الله عنه أن النبيَّ صلى الله عليه وسلمقال:«رغِمَ أنفُه، ثم رغِمَ أنفُه، ثم رغِمَ أنفُه، من أدرك أبويه عند الكِبَرِ، أحدَهما أو كليْهما، ثم لم يدخِلاه الجنةَ» " صحيح مسلم" (2551).  
ومن فضائل برِّ الوالدين: تفريجُ الكُرُباتِ، وإجابةُ الدعواتِ، فعن ابن عمر رضي الله عنهما قال: سمعت رسولَ الله صلى الله عليه وسلم يقول:«انْطَلَقَ ثَلاَثَةُ رَهْطٍ مِمَّنْ كَانَ قَبْلَكُمْ حَتَّى أَوَوُا الْمَبِيتَ إِلَى غَارٍ فَدَخَلُوهُ، فَانْحَدَرَتْ صَخْرَةٌ مِنَ الْجَبَلِ فَسَدَّتْ عَلَيْهِمُ الْغَارَ، فَقَالُوا: إِنَّهُ لاَ يُنْجِيكُمْ مِنْ هَذِهِ الصَّخْرَةِ إِلاَّ أَنْ تَدْعُوا اللهَ بِصَالِحِ أَعْمَالِكُمْ، فَقَالَ رَجُلٌ مِنْهُمُ: اللَّهُمَّ كَانَ لِي أَبَوَانِ شَيْخَانِ كَبِيرَان،ِ وَكُنْتُ لاَ أَغْبِقُ قَبْلَهُمَا أَهْلاً وَلاَ مَالاً، فَنَأَى بِي فِي طَلَبِ شَيْءٍ يَوْمًا فَلَمْ أُرِحْ عَلَيْهِمَا حَتَّى نَامَا، فَحَلَبْتُ لَهُمَا غَبُوقَهُمَا فَوَجَدْتُهُمَا نَائِمَيْنِ، وَكَرِهْتُ أَنْ أَغْبِقَ قَبْلَهُمَا أَهْلاً أَوْ مَالاً، فَلَبِثْتُ وَالْقَدَحُ عَلَى يَدَيَّ أَنْتَظِرُ اسْتِيقَاظَهُمَا، حَتَّى بَرَقَ الْفَجْرُ، فَاسْتَيْقَظَا فَشَرِبَا غَبُوقَهُمَا، اللَّهُمَّ إِنْ كُنْتُ فَعَلْتُ ذَلِكَ ابْتِغَاءَ وَجْهِكَ فَفَرِّجْ عَنَّا مَا نَحْنُ فِيهِ مِنْ هَذِهِ الصَّخْرَةِ، فَانْفَرَجَتْ شَيْئًا، لاَ يَسْتَطِيعُونَ الْخُرُوجَ.
قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: وَقَالَ الآخَرُ: اللَّهُمَّ كَانَتْ لِي بِنْتُ عَمٍّ كَانَتْ أَحَبَّ النَّاسِ إِلَيَّ فَأَرَدْتُهَا عَنْ نَفْسِهَا فَامْتَنَعَتْ مِنِّي، حَتَّى أَلَمَّتْ بِهَا سَنَةٌ مِنَ السِّنِينَ، فَجَاءَتْنِي فَأَعْطَيْتُهَا عِشْرِينَ وَمِئَةَ دِينَارٍ عَلَى أَنْ تُخَلِّيَ بَيْنِي وَبَيْنَ نَفْسِهَا، فَفَعَلَتْ حَتَّى إِذَا قَدَرْتُ عَلَيْهَا، قَالَتْ لاَ أُحِلُّ لَكَ أَنْ تَفُضَّ الْخَاتَمَ إِلاَّ بِحَقِّهِ، فَتَحَرَّجْتُ مِنَ الْوُقُوعِ عَلَيْهَا، فَانْصَرَفْتُ عَنْهَا وَهْيَ أَحَبُّ النَّاسِ إِلَيَّ، وَتَرَكْتُ الذَّهَبَ الَّذِي أَعْطَيْتُهَا، اللَّهُمَّ إِنْ كُنْتُ فَعَلْتُ ذَلِكَ ابْتِغَاءَ وَجْهِكَ فَافْرُجَ عَنَّا مَا نَحْنُ فِيهِ، فَانْفَرَجَتِ الصَّخْرَةُ غَيْرَ أَنَّهُمْ لاَ يَسْتَطِيعُونَ الْخُرُوجَ مِنْهَا.
قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: وَقَالَ الثَّالِثُ: اللَّهُمَّ إِنِّي اسْتَأْجَرْتُ أُجَرَاءَ، فَأَعْطَيْتُهُمْ أَجْرَهُمْ غَيْرَ رَجُلٍ وَاحِدٍ تَرَكَ الَّذِي لَهُ وَذَهَبَ، فَثَمَّرْتُ أَجْرَهُ حَتَّى كَثُرَتْ مِنْهُ الأَمْوَالُ، فَجَاءَنِي بَعْدَ حِينٍ فَقَالَ: يَا عَبْدَ اللهِ أَدِّ إِلَيَّ أَجْرِي، فَقُلْتُ لَهُ كُلُّ مَا تَرَى مِنْ أَجْرِكَ مِنَ الإِبِلِ وَالْبَقَرِ وَالْغَنَمِ وَالرَّقِيقِ، فَقَالَ: يَا عَبْدَ اللهِ، لاَ تَسْتَهْزِئْ بِي فَقُلْتُ: إِنِّي لاَ أَسْتَهْزِئُ بِكَ فَأَخَذَهُ كُلَّهُ فَاسْتَاقَهُ، فَلَمْ يَتْرُكْ مِنْهُ شَيْئًا، اللَّهُمَّ فَإِنْ كُنْتُ فَعَلْتُ ذَلِكَ ابْتِغَاءَ وَجْهِكَ فَافْرُجْ عَنَّا مَا نَحْنُ فِيهِ، فَانْفَرَجَتِ الصَّخْرَةُ فَخَرَجُوا يَمْشُونَ » أخرجه البخاري (2272)، وأخرجه مسلم (2743).
ومن فضائلِ برِّ الوالدين: سعةُ الرزقِ، وطولُ العمرِ، ففي "الصحيحين" عن أنس رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:«من سرَّه أن يُبسطَ عليه رزقُه، ويُنسأُ في أثَرِه فليصِلْ رحمَه» أخرجه البخاري (5985)، وأخرجه مسلم (2557)، وبرُّ الوالدين أعظمُ صورِ صلةِ الرحمِ. 
ومن فضائلِ برِّ الوالدين: ما ورد في شأنِ من عقَّ والديه، فإن الأحاديثَ كثيرةٌ مستفيضةٌ في تغليظِ عُقُوقِ الوالدينِ، ولو لم يكن في ذلك إلا تحريمُ الجنَّةِ على العاقِّ -نعوذُ باللهِ من الخُسران- لكفى، ففي "الصحيحين" من حديث عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا يدخُلُ الجنَّةَ قاطعُ رحمٍ» أخرجه البخاري (5984)، وأخرجه مسلم (2556)
أيها المؤمنون.
لو لم يكن في عقوقِ الوالدين وتركِ برِّهِما، إلا أنه غصصٌ وأنكادٌ يتجرَّعُها مَن لم يألُ جَهْداً في الإحسانِ إليك، لكان كافياً في حملِك على تركِه، واستمع بارك الله فيك إلى تلك الزفراتِ التي أطلقها والدٌ ابتُليَ بعقوقِ ابنِه له، حتى ترى عِظمَ ذلك وفداحتَه،  قال الوالد مخاطباً ذلك الابنَ العاقَّ: 
 فلما بلغَتُ السِّنَّ والغايةَ التي  .....  إليها مدى ماكنتُ فيك أُؤَمِّلُ
جعلتَ جزائي غلظةً وفظاظةً  .....   كأنَّك أنت المنعِمُ المتفضـلُ
فليتَك إذ لم ترعَ حـقَّ أُبُوَتي  ......  فعلتَ كما الجارُ المجاورُ يفعلُ
فأَوْلَيْتَني حقَّ الجُوارِ ولم تكنْ   .......  عليَّ بمالي دونَ مالِك تبخلُ
فيا أيها المؤمنون:
اتقوا اللهَ، وقوموا بما فرضَ اللهُ عليكم من بِرِّ والديكم، والإحسانِ إليهم، فإن حقَّهما عليكم عظيمٌ كبيرٌ، جاء رجلٌ إلى أميرِ المؤمنين عمرَ بنِ الخطابِ رضي الله عنه ، فقال: إن لي أمًّا قد بلغ منها الكبرُ، أنها لا تقضي حوائجَها، إلا وظهْري لها مَطِيةٌ، فهل أدَّيتُ حقَّها؟ فقال الفاروقُ المحدَّثُ  رضي الله عنه :"لا؛ لأنها كانت تصنعُ بك ذلك، وهي تتمنَّى بقاءَك، وأنت تصنعُه، وأنت تتمنَّى فراقَها" الجامع في الحديث (89)، ولكنك محسنٌ، واللهُ يجزي المحسنين على القليل الكثير. 
 
 
الخطبة الثانية  :
أما بعد. 
فياأيها المؤمنون.
إن للوالدين حقوقاً وواجباتٍ، أُذَكِّرُ ببعضها؛ رجاءَ أن يثمرَ ذلك عملاً صالحاً، وبرًّا حانياً، فلئن كانت النفوسُ السَّوِيَّةُ مجبولةً على حبِّ مَن أحسَنَ إليها، فإنَّ من شرائعِ الدِّينِ، وسماتِ المروءةِ، وضروراتِ العقلِ أن يُقابلَ الإحسانُ بالإحسانِ، قال الله تعالى: ﴿هَلْ جَزَاءُ الإحْسَانِ إلا الإحْسَانُ) سورة الرحمن: 60.
فمن حقوقِ الوالدينِ عليْك: محبتُهُما وتوقِيرُهُما على من سِواهما، روى البخاريُّ في الأدبِ المفردِ أن أبا هريرة  رضي الله عنه  أبْصَرَ رجُلَين، فقال لأَحَدِهما: ما هذا منْك؟ فقال: أَبِي، فقال: "لا تُسمِّهِ باسمِهِ، ولا تمشِ أمامَه، ولا تجْلِسْ قبلَه" الأدب المفرد(30)،وصححه الألباني
ومن بِرِّهِما:الإحسانُ إليهما بالقولِ والعملِ، كما قال الله تعالى:﴿وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً﴾. 
ومن حقوقِهِما:الدعاءُ لهما في الحياةِ، وبعدَ المماتِ، قال الله تعالى: ﴿وَقُلْ رَبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيراً﴾، وفي الحديث:«إن الرجلَ ليرتفعُ في الجنةِ، فيقولُ: أَنَّى لي هذا؟ فيقال: باستغفارِ ولدِك لك» أخرجه أحمد (10232) من حديث أبي هريرة  رضي الله عنه ، والحديث حسن إسناده العراقي
ومن حقوقِهما: صلةُ أهلِ وُدِّهِما، فقد روي عن ابن عمر رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إن أبرَّ البِرِّ صلةُ الرَّجُلِ أهلَ ودِّ أَبِيه» أخرجه مسلم (2552)
ومن حقوقِهِما: النفقةُ عليهما إذا كانا محتاجِين للنَّفقة، وعند الولدِ ما يزيدُ على حاجتِه، قال شيخ الإسلام رحمه الله: "على الولدِ الموسرِ أن ينفقَ على أبِيه وزوجةِ أبيه، وعلى إخوتِه الصغارِ، وإن لم يفعلْ ذلك كان عاقًّا لأبيه، قاطعاً لرَحِمِه، مستحقاً لعقوبةِ اللهِ في الدنيا والآخرةِ" مجموع الفتاوى 34/101
ومن حقوقهما: التواضعُ لهما، وخفْضُ الجناحِ، قال الله تعالى: ﴿إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلاهُمَا فَلا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلا تَنْهَرْهُمَا وَقُلْ لَهُمَا قَوْلاً كَرِيماً * وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُلْ رَبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيراً) سورة الإسراء: 23 -24
ومن حقوقِهِما: إنفاذُ عهْدِهِما ؛أي: وصيتهما، ففي سنن أبي داود أن رجلاً قال: يارسول الله هل بقِيَ من برِّ أبَوَي شيءٌ، أبرَّهُما بعد موتِهما؟ قال: «نعم، الصلاةُ عليهما- ؛أي: الدعاءُ لهما – وإنفاذُ عهدِهما من بعدِهِما، وصلةُ الرحمِ، التي لا تُوصلُ إلا بهما» أخرجه أبوداود (5142) من حديث مالك بن ربيعة بن البدن رضي الله عنه.  
هذه أيها المؤمنون بعضُ الحقوقِ التي افترضَها اللهُ عليكم لوالديكم، ولا يظنُّ من وفَّقَه اللهُ في القيامِ ببعضِ الحقوقِ أنه قد قامَ بما عليه، وقد جزى والديه حقَّهُما، قال النبي صلى الله عليه وسلم:«لا يجزي ولدٌ والِدَه، إلا أنْ يجِدْه مملوكاً فيشترِيه، فيعتقه» أخرجه مسلم (1510) من حديث أبي هريرة  رضي الله عنه ، ورأى ابن عمر رضي الله عنهما رجلاً يمانيًّا بالبيت، قد حمل أمَّه وراءَ ظهرِه، وهو يقول:
إنِّي لها بعيرُها المذلَّلُ إنْ أذْعَرَتْ ركابُها لم أُذعَرُ
ثم قال: يا ابنَ عمرَ، أتراني جزيتُها ؟ قال: لا، ولا بزفرةٍ واحدةٍ أخرجه البخاري في الأدب المفرد (18)؛ أي: عندَ الولادةِ.
 اللهم إنا نسألُك أن تعيننا على القيام بما افترضت علينا من برِّ الوالدين.
المادة السابقة
المادة التالية

الاكثر مشاهدة

1. خطبة : أهمية الدعاء ( عدد المشاهدات86264 )
3. خطبة: التقوى ( عدد المشاهدات80700 )
4. خطبة: حسن الخلق ( عدد المشاهدات74968 )
6. خطبة: بمناسبة تأخر نزول المطر ( عدد المشاهدات62208 )
7. خطبة: آفات اللسان - الغيبة ( عدد المشاهدات56501 )
9. خطبة: صلاح القلوب ( عدد المشاهدات53479 )
12. فما ظنكم برب العالمين ( عدد المشاهدات50939 )
13. خطبة: حق الجار ( عدد المشاهدات46188 )
14. خطبة : الإسراف والتبذير ( عدد المشاهدات45733 )
15. خطبة: أهمية العلم الشرعي ( عدد المشاهدات43736 )

التعليقات


×

هل ترغب فعلا بحذف المواد التي تمت زيارتها ؟؟

نعم؛ حذف