كُنَّا قَدْ وَقَفْنا عِندَ قَولِ اللهِ ـ جَلَّ وعَلا ـ: ﴿وَمَنْ يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحَادٍ بِظُلْمٍ نُذِقْهُ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ﴾[الحَجِّ:25]، هذهِ الآيَةُ العَظيمَةُ، وكلُّ كلامِ اللهِ ـ عَزَّ وجَلَّ ـ شَريفٌ عَظيمٌ مَجيدٌ كَريمٌ بَيْنَ اللهِ ـ تَعالَى ـ فيها ما خَصَّ بِهِ هذهِ البُقعَةَ المُبارَكةَ مِنْ تَعظيمٍ ومِنْ حُرمَةٍ ليسَتْ لغَيرِها مِنَ الأماكِنِ ولا لسِواها مِنَ المَواضِعِ، ﴿وَرَبُّكَ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَيَخْتَارُ مَا كَانَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ سُبْحَانَ اللَّهِ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ﴾[القَصصِ:68].
اختارَ اللهُ ـ تَعالَى ـ هذهِ البَقعَةَ المُبارَكَةَ دُونَ سائِرِ بِقاعِ الدُّنيا فجَعَلها عَلَى نَحْوٍ مِنَ الحُرمَةِ والمَكانَةِ ليسَتْ لغَيرِها مِنْ أماكِنِ الدُّنيا ومَواضِعها، قالَ اللهُ ـ تَعالَى ـ:﴿إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبَارَكًا وَهُدًى لِلْعَالَمِينَ (96) فِيهِ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ مَقَامُ إِبْرَاهِيمَ وَمَنْ دَخَلَهُ كَانَ آمِنًا (97)﴾[آلِ عِمرانَ:96-97]، هذهِ مُوجِباتُ تَعظيمِ هَذا المَكان واصطِفائِهِ، فإنَّ اللهَ اصطفاهُ لأجلِ ما جَعلَ فيهِ مِن هذهِ الخصائِصِ الَّتي مَيَّزتْهُ عَنْ غَيرِهِ وأوجَبَتْ لَهُ مِنَ المَزايا الشرعيةِ والخَصائصِ الدينيةِ ما ليسَ لغَيرِهِ مِنَ البِقاعِ.
ولذَلِكَ بَعْدَ أنْ ذَكرَ ـ جَلَّ وعَلا ـ هذهِ الخِصائصَ قالَ سُبحانَهُ وتَعالَى: ﴿وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ﴾ أي: قَصدُ هَذا البَيتِ، والمَجيءُ إلَيْهِ مِنْ أصقاعِ الدُّنيا، ﴿وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا﴾ فلَمَّا كانَ هَذا البَيتُ مَفروضًا قَصْدُهُ عَلَى كُلِّ مُؤمنٍ ومُؤمنَةٍ، بَلِ الفَرْضُ جاءَ فيهِ الخِطابُ لكافَّةِ الناسِ، ﴿وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ﴾[آلِ عِمرانَ:97].
كما لَهُ مِنَ الميزاتِ ما يَنبَغي أنْ يَراعيَها المُؤمنُ وأنْ يَحفظَ حَقَّ اللهِ ـ تَعالَى ـ فيها، ومِنْ ذَلِكَ أنْ يُعظِّمَ هذهِ البُقعَةَ، وتَعظيمُ البِقاعِ الَّتي أمَرَ اللهُ ـ تَعالَى ـ بتَعظيمِها، وتَعظيمُ الأشياءِ الَّتي أمَرَ اللهُ تَعالَى بتَعظيمِها لا يَكونُ إلَّا مِنْ قَلبٍ عَمرَهُ الإيمانُ ومَحبَّةُ الرحمَنِ وتَعظيمُ المَلِكِ الدَّيَّانِ وإجلالُ العَزيزِ الغَفَّارِ ـ سُبحانَهُ وبحَمدِه ـ فإنَّ القُلوبَ إذا عَمرَها ذَلِكَ عَظَّمَتْ ما عَظَّمَهُ اللهُ ـ تَعالَى ـ إذا تَحلَّتْ بالتَّقوَى وعَمَرَها خَوفُ اللهِ وخَشيَتُهُ انعَكَسَ ذَلِكَ عَلَى تَعظيمِها لِما عَظَّمهُ اللهُ ـ عَزَّ وجَلَّ ـ يَقولُ اللهُ ـ تَعالَى ـ:﴿ذَلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ﴾[الحَجِّ:32]، أي: دَليلُ تَقوَى قَلبِكَ أنْ تَجِدَ في قَلبِكَ تَعظيمًا لِما عَظَّمَهُ اللهُ ـ عَزَّ وجَلَّ ـ وإجلالاً لِما أجَلَّهُ اللهُ ـ عَزَّ وجَلَّ ـ وفي ذَلِكَ تُدرِكُ خَيرًا عَظيمًا وأجْرًا جَزيلًا، قالَ اللهُ ـ تَعالَى ـ:﴿ذَلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ حُرُمَاتِ اللَّهِ فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ﴾[الحَجِّ:30]، خَيرٌ لَهُ في المَعاشِ وخَيرٌ لَهُ في المَعادِ.
مِنْ تَعظيمِ هذهِ البُقعَةِ أنَّ اللهَ ـ تَعالَى ـ غَلَّظَ فيها عُقوبَةَ المَعاصي والسيئاتِ، فإنَّ اللهَ ـ عَزَّ وجَلَّ ـ إذا اختَصَّ بُقعَةً بتَعظيمٍ كانَ مِنْ حَقِّهِ أنْ يُصانَ حَقُّهُ فيها بأنْ يُطاعَ أمرُهُ وأنْ يُجتَنبَ نَهيُهُ ـ جَلَّ في عُلاهُ ـ لذَلِكَ لم تَكُنِ العُقوبَةُ في هَذا المَكانِ مَقصورَةً عَلَى مَواقَعةِ السيئاتِ والتلبُّسِ بها، بَلْ جاءَتِ العُقوبَةُ في حَقِّ مَنْ هَمَّ، والهَمُّ هُنا هُوَ القَصدُ والإرادَةُ، فمَنْ قَصدَ وأرادَ سُوءًا أو شَرًّا في هذهِ البُقعَةِ المُباركةِ، فإنَّهُ مُتوعَّدٌ بما ذَكرَ اللهُ ـ جلَّ وعَلا ـ: ﴿وَمَنْ يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحَادٍ بِظُلْمٍ نُذِقْهُ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ﴾[الحَجِّ:25].
وقَولُهُ: ﴿نُذِقْهُ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ﴾، لم يُحدِّدِ اللهُ ـ جَلَّ وعَلا ـ مَوضِعَ هَذا العِقابِ فقَدْ يَكونُ مُعجَّلاً وقَدْ يَكونُ مُؤجَّلاً، وجَرَتْ سُنَّتُهُ ـ جَلَّ في عُلاهُ ـ أنَّهُ يُعجِّلُ العُقوبَةَ لمَنْ أرادَ في هَذا البَيتِ إلحادًا، قالَ اللهُ ـ جَلَّ وعَلا ـ: ﴿أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِأَصْحَابِ الْفِيلِ (1)أَلَمْ يَجْعَلْ كَيْدَهُمْ فِي تَضْلِيلٍ (2) وَأَرْسَلَ عَلَيْهِمْ طَيْرًا أَبَابِيلَ (3)تَرْمِيهِمْ بِحِجَارَةٍ مِنْ سِجِّيلٍ (4)فَجَعَلَهُمْ كَعَصْفٍ مَأْكُولٍ (5) ﴾[الفيل:1-5]، وهذهِ آيَةٌ ظاهِرَةٌ.
ثُمَّ ذَكرَ اللهُ حِكمَةَ ذَلِكَ، وأنَّ ذَلِكَ لأجلِ أهلِ هذهِ البُقعَةِ مَعَ أنَّهُم كانُوا في زَمَنِ هذهِ العُقوبَةِ لم يَكونُوا عَلَى تَوحيدٍ وإيمانٍ، لذَلِكَ السورَةُ التاليَةُ لهذهِ السورَةِ، سُورَةُ الفِيلِ، سُورَةُ قُرَيشٍ ﴿لِإِيلافِ قُرَيْشٍ﴾[قُرَيشٍ:1] أي أنَّ ذَلِكَ الَّذي جَرَى مِنَ العُقوبةِ في أحَدِ قَولِ المُفسِّرينَ أنَّ ذَلِكَ الَّذي جَرَى مِنَ العُقوبَةِ المُذكورَةِ في سُورةِ الفيلِ ﴿لِإِيلافِ قُرَيْشٍ (1) إِيلافِهِمْ رِحْلَةَ الشِّتَاءِ وَالصَّيْفِ (2)﴾[قريش:1-2]، مَعَ أنَّهُم لم يَكونُوا مُؤمِنينَ ولم يَكونُوا مُوحِّدينَ، لكِنَّ اللهَ لإجلالِ هذهِ البُقعَةِ حَفِظَ حُرمَتَها وحَفِظَ حُرمَةَ ساكِنيها، فلذَلِكَ يَجِبُ عَلَى المُؤمِنِ أنْ يَعرِفَ أنَّ هذهِ البُقعَةَ لها مِنَ المَنزلَةِ مَكانَةٌ عُظمَى عِندَ رَبِّ العالَمينَ، فليَحفَظِ المُؤمِنُ نَفسَهُ مِنَ الخَطَإِ الظاهِرِ والباطِنِ، وليسَ فَقَطِ الخَطَأُ الَّذي تَقَعُ عَلَيهِ أعيُنُ الناسِ، بَلْ حَتَّى هَمُّ القَلبِ، حَتَّى هُمومُ القُلوبِ وإيراداتِها يَجِبُ أنْ تُصانَ مِنْ أنْ تَتلوَّثَ بسَيءٍ مِنَ المَقاصِدِ أو رَديءٍ مِنَ النَّوايا والإراداتِ، فإنَّ ذَلِكَ يُوجِبُ العُقوبَةَ، قالَ اللهُ ـ تَعالَى ـ: ﴿وَمَنْ يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحَادٍ بِظُلْمٍ﴾وهَذا يَشمَلُ كُلَّ المَعاصي، ﴿وَمَنْ يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحَادٍ﴾ أي بمَيْلٍ، ﴿بِظُلْمٍ﴾أي بسَببِ ظُلمٍ يُواقِعُهُ سَواءٌ كانَ ذَلِكَ في حَقِّ اللهِ، وهَذا أعظَمُ ما يَكونُ في تَوحيدِهِ وفي سائرِ حُقوقِهِ أو كانَ ذَلِكَ في حَقِّ الخَلْقِ بالاعتِداءِ عَلَى دِمائِهِم أو بالاعتِداءِ عَلَى أموالِهِم أو بالاعتِداءِ عَلَى أعراضِهِم، فكُلُّ ذَلِكَ ظُلْمٌ مُندَرِجٌ في قَولِهِ ـ جَلَّ وعَلا ـ: ﴿وَمَنْ يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحَادٍ بِظُلْمٍ﴾العُقوبَةُ ﴿نُذِقْهُ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ﴾.
تَنبَّهْ أنَّ هذهِ العُقوبةَ لم تُرتَّبْ عَلَى مُواقَعةِ السيئةِ، لم يَقُلْ: ومَنْ يَفعَلْ فيهِ ظُلمًا، بَلْ قالَ: ﴿وَمَنْ يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحَادٍ بِظُلْمٍ نُذِقْهُ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ﴾، فالعُقوبَةُ مُرتَّبَةٌ عَلَى إيش يا إخوان؟ عَلَى الإرادَةِ والقَصْدِ، ليسَ عَلَى المُواقعَةِ والفِعْلِ، وهَذا ليسَ في مَكانٍ مِنَ الأماكِنِ ولا في مَحلٍّ مِنَ المَحالِّ إلَّا في هذهِ البُقعَةِ لحُرمَتِها وعَظيمِ قَدْرِها عِنْدَ اللهِ عَزَّ وجَلَّ.
﴿وَمَنْ يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحَادٍ بِظُلْمٍ نُذِقْهُ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ﴾ قالَ العُلَماءُ: وهَذا الوعيدُ يَشمَلُ ثَلاثَةً مِنَ الناسِ:
1- النَّوعُ الأوَّلُ:الَّذي يَكونُ في هَذا الحَرمِ ويَريدُ فيهِ ظُلمًا أي يُهِمُّ فيهِ بسَيِّئةٍ سَواءٌ كانَتْ تَتعَلَّقُ بحَقِّ اللهِ أو بحَقِّ الخَلْقِ، يُهِمُّ فيهِ بمَعصيَةِ وهُوَ في الحَرمِ، هَذا أعلَى المَراتبِ وأعلَى الدرجاتِ في دُخولِهِ في الوَعيدِ.
2- الصورَةُ الثانيَةُ:المُندَرِجَةُ في الوَعيدِ هُوَ أنْ يُهمَّ الإنسانُ بالسيئةِ وهُوَ في الحَرمِ، لكِنْ يُريدُ أنْ يُواقِعَها في خارجِ الحَرمِ مِثْلُ شَخْصٍ قَدِمَ إلى مَكَّةَ لعُمرَةَ وهَمَّ أنَّهُ إذا رَجَعَ إلى بَلدِهِ خارِجَ الحَرمِ سيَفعَلُ كذا أو كذا مِنَ السيئاتِ، هَذا مُتوَعَّدٌ بهَذا الوَعيدِ، الهَمُّ أينَ وَقعَ؟ وقَعَ في الحَرمِ فهُوَ مُندَرِجٌ في قَولِهِ ـ تَعالَى ـ:﴿وَمَنْ يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحَادٍ بِظُلْمٍ نُذِقْهُ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ﴾.
3- الصُّورةُ الثالِثةُ:الَّتي تَدخُلُ في هذهِ الآيةِ هُوَ مَنْ هَمَّ بسَيئةِ يَفعلُها في الحَرمِ، لكِنِ الهَمُّ كانَ خارِجَ الحَرمِ، هُوَ في بَلدِهِ قالَ: إذا ذَهبْتُ إلى مَكَّةَ سأفعَلُ كذا، إذا ذَهبْتُ إلى الحَرمِ سأفعَلُ مِنَ المَعاصِي كيت وكيت، وهَذا مُتوعَّدٌ بهَذا العقابِ.
لذَلِكَ جاءَ في الأثَرِ عِندَ عَبدِ الرَّزاقِ وغَيرِهِ عَنْ عَبدِ اللهِ بنِ مَسعودٍ أنَّهُ قالَ: لو أنَّ رَجُلاً هَمَّ أنْ يَقتُلَ رَجُلاً بمَكَّةَ، المَقتولُ أينَ؟ الجَريمَةُ أينَ وَقعَتْ؟ المُرادُ إيقاعِها أينَ؟ مِنْ مَكةَ، وهُوَ في عدنَ، يَعني الهَمُّ والإرادَةُ وقَعَتْ في أقصَى الجَزيرةِ جَنوبًا عَدْنَ أبين عَلَى ساحلِ بَحرِ العَربِ في جُنوبِ الجَزيرةِ، لأذاقَهُ اللهُ مِنَ العَذابِ الأليمِ؛ لأنَّهُ مُندرِجٌ في الآيةِ ﴿وَمَنْ يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحَادٍ بِظُلْمٍ نُذِقْهُ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ﴾، فكُلُّ هذهِ الصُوَرِ الثلاثِ مُندرِجَةٌ في الآيةِ، وهِيَ هذهِ العُقوبَةُ الَّتي ذَكرَها اللهُ عَزَّ وجَلَّ.
لذَلِكَ إخواني يا أيُّها المُؤمنونَ والمُؤمناتُ اتَّقوا اللهَ في تَعظيمِ هذهِ البُقعةُ، كُفُّوا عَنْ إرادَةِ السوءِ فيها، ما جِئْنا لهذهِ البُقعَةِ لنَتزوَّدَ خَطايا وسَيِّئاتٍ، إنَّما جِئْنا نَرجو فَضْلَ اللهِ وعَطاءَهُ وبِرَّهُ وإحسانَهُ وفَضلَهُ وإنعامَهُ، فليَكُنِ المُؤمنُ أهلًا لذَلِكَ بحَجزِ نَفسِهِ عَنِ السيئاتِ، اليَومُ مَعَ هَذا الانفِتاحِ الواسعِ في وَسائلِ تَواصُلِ الناسِ يَتورَّطُ كثيرٌ مِنَ الناسِ بألوانٍ مِنَ السيئاتِ أصبَحَتْ عادَةً سَواءٌ كانَ ذَلِكَ في غَيبةٍ أو في نَظرٍ مُحرَّمٍ أو في سَماعٍ مُحرَّمٍ، أو ما إلى ذَلِكَ مِنَ الأشياءِ الَّتي أصبَحَتْ جُزءًا مِنْ حَياةِ الإنسانِ، ويَأتي إلى الحَرمِ ليَعتَمِرَ أو ليَمكُثَ ما قَدَّرَ اللهُ لَهُ مِنَ الأيامِ ثُمَّ بَعْدَ ذَلِكَ يُمارِسُ ما كانَ يُمارِسُهُ في بَلدِهِ مِنْ خَطَإٍ وسُوءٍ.
ليَكُنْ مَجيئُكَ إصلاحًا، ليكُنْ مَجيئُك كَفًّا لنَفسِكَ عَنْ سَيِّءٍ مِنَ العَملِ كُنتَ تَعملُهُ في الخارِجِ، فيَكونُ هَذا مَبدأَ صَلاحِ، وهُوَ مِمَّا يَندرِجُ في قَولِ اللهِ ـ تَعالَى ـ: ﴿إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبَارَكًا وَهُدًى لِلْعَالَمِينَ﴾، فليَكُنْ مَجيئُكَ هُدًى، المَجيءُ إلى هذهِ البُقعةِ هُدىً للعالَمينَ، ﴿فِيهِ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ مَقَامُ إِبْرَاهِيمَ وَمَنْ دَخَلَهُ كَانَ آمِنًا ﴾.
أسألُ اللهَ العَظيمَ رَبَّ العَرشِ الكَريمِ أنْ يَحفظَنا وإيَّاكُم مِنَ السيءِ ظاهِرًا وباطِنًا، اللهُمَّ نَجِّنا مِنَ السيئاتِ واحفَظْنا مِنْها في السرِّ والعَلنِ، اللهمَّ اغفِرْ لَنا ما لا يَعلمُهُ إلَّا أنتَ، اللهُمَّ اغفِرْ لَنا ذُنوبَنا كُلَّها دِقَّها وجِلَّها صَغيرَها وكَبيرَها، عَلانيتَها وسِرَّها، اللهُمَّ أعنَّا عَلَى الطاعَةِ والإحسانِ، اعمُرْ قُلوبَنا بمحَبَّتِكَ وتَعظيمِكِ يا عَزيزُ يا رَحمَنُ، اللهُمَّ اغفِرْ لَنا ولوالدِينا وللمُؤمنينَ والمُؤمناتِ، واحفَظْنا مِنْ بَيْنِ أيدِينا ومِنْ خَلفِنا وعَن أيمانِنا وعَنْ شَمائِلِنا يا رَبَّ العالَمينَ.
اللهُمَّ إنا نَعوذُ بِكَ مِنَ سَيءِ العَملِ في السرِّ والعَلنِ، نَعوذُ بِكَ مِنَ الفِتنِ ما ظَهرَ مِنْها وما بَطنَ، اللهُمَّ احفَظْ بِلادَ الحَرمَيْنِ مِنْ كلِّ سوءٍ وشرٍّ، اللهُمَّ مَنْ أرادَها بسوءٍ فاجعَلْ تَدبيرَهُ تَدميرَهُ، ورُدَّ كَيدَهُ في نَحرِهِ، واكفِ المُسلِمينَ شَرَّهُ، اللهُمَّ احفَظْ جُنودَنا المُقاتِلينَ في سَبيلِكَ في كلِّ مَكانٍ، اللهُمَّ ثَبَّتْ أقدامَهُم وسَدِّدْ رَميَهُم وانصُرْهُم عَلَى عَدوِّكَ وعَدوِّهِم يا ربَّ العالَمينَ، اللهُمَّ إنا نَسألُكَ التوفيقَ والسدادَ لولاةِ أمرِنا، اللهُمَّ وفِّقْهم واجعَلْ لَهُم مِنْ لَدنُكَ سُلطانًا نَصيرًا، ووفِّقْ ولاةَ أُمورِ المُسلِمينَ في كُلِّ مكانٍ إلى ما تُحِبُّ وتَرضَى وانصُرْ السُّنةَ وأهلَها، وأذِلَّ البِدعَةَ ومَنْ دَعا لها، اللهُمَّ أنجِ المُستضعَفينَ مِنَ المُؤمِنينَ في كلِّ مَكانٍ يا رَبَّ العالَمينَ، اللهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحمدٍ وعَلَى آلِ مُحمدٍ كما صَليْتَ عَلَى إبراهيمَ وعَلَى آلِ إبراهيمَ إنَّكَ حَميدٌ مَجيدٌ.