×
العربية english francais русский Deutsch فارسى اندونيسي اردو

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

الأعضاء الكرام ! اكتمل اليوم نصاب استقبال الفتاوى.

وغدا إن شاء الله تعالى في تمام السادسة صباحا يتم استقبال الفتاوى الجديدة.

ويمكنكم البحث في قسم الفتوى عما تريد الجواب عنه أو الاتصال المباشر

على الشيخ أ.د خالد المصلح على هذا الرقم 00966505147004

من الساعة العاشرة صباحا إلى الواحدة ظهرا 

بارك الله فيكم

إدارة موقع أ.د خالد المصلح

مرئيات المصلح / من رحاب الحرمين / من حقوق النبي صلى الله عليه وسلم يوم الجمعة

مشاركة هذه الفقرة WhatsApp Messenger LinkedIn Facebook Twitter Pinterest AddThis

المشاهدات:8946

الحَمدُ لِلَّهِ رَبِّ العالَمينَ، وأُصَلِّي وأُسَلِّمُ عَلَى نَبيِّنا مُحمدٍ وعَلَى آلِهِ وأصحابِهِ أجمَعينَ، أمَّا بَعْدُ:

فإنَّ اللهَ -تَعالَى- أخبَرَ في كِتابِهِ خَبرًا، ثُمَّ أعقَبَهُ بأمَرٍ، أخبَرَ في مُحكَمِ كِتابِهِ بأنَّهُ -جَلَّ وَعَلا- يُصلِّي عَلَى رَسولِهِ وكَذلِكَ مَلائِكتُهُ ﴿إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ [الأحزابِ:56] ، ثُمَّ بَعْدَها أخبَرَ بهَذا الخَبرِ قالَ ـ جَلَّ وعَلا ـ:﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا[الأحزابِ:56] ؛ وهَذا بَيانُ شَيءٍ مِنْ حَقِّ النبيِّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَلَى عُمومِ المُؤمِنينَ، فإنَّ فَضلَ اللهِ -تَعَالَى- عَلَى الأُمَّةِ ببَعثَةِ النبيِّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ- ونُبوَّتِهِ فَضْلٌ عَظيمٌ جَليلٌ، يَستَوجِبُ حُقوقًا، أعظَمُ حُقوقِ النبيِّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- الإيمانُ بِهِ، فإنَّهُ أصلُ الحُقوقِ، الَّذي إذا لم يَأتِ بِهِ الإنسانُ لا يَنفَعُهُ بَعْدَ ذَلِكَ أنْ يَفعَلَ شَيئًا مِنْ بَقيَّةِ الحُقوقِ، ذاكَ أنَّ الإيمانَ بِهِ مِفتاحُ الدِّيانَةِ، وهُوَ شَرطٌ في تَحقيقِ الإيمانِ والإسلامِ، فلا إيمانَ ولا إسلامَ إلَّا بالإيمانِ بالنبيِّ مُحمدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ.

والإيمانُ بِهِ يَقتَضي أنْ يَقبَلَ المُؤمِنُ كُلَّ ما أخبَرَ بِهِ النبيُّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ- ويُقِرَّ بِهِ، ويَقتَضي أيضًا أنْ يَنقادَ لكلِّ ما حَكَمَ بِهِ وقَضَى، فلا يَخرُجُ عَنْ شَيءٍ مِنْ قَضائِهِ وأحكامِهِ -عَلَيْهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ-، قالَ اللهُ ـ جَلَّ وَعَلا ـ: ﴿وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ[الأحزابِ:36] وقالَ اللهُ ـ جَلَّ وَعَلا ـ:﴿فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا[النساءِ:65] .

فحَقُّ النبيِّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أن يُؤمِنَ بِهِ، والإيمانُ يَقتَضي قَبولَ أخبارِهِ، ويَقتَضي أيضًا الانقيادَ لأحكامِهِ الَّتي جاءَ بِها -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وإذا حَقَّقَ المُؤمنُ هذَيْنِ الأصلَيْنِ تَمَّ لَهُ الإيمانُ بالنبيِّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ثُمَّ بَعْدَ ذَلِكَ مِنْ حُقوقِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أنْ يَعرِفَ المُؤمنُ عَظيمَ فَضلِهِ فيَحبَّهُ لذَلِكَ، ذَلِكَ أنَّ اللهَ -عَزَّ وَجَلَّ- خَصَّ نَبيَّهُ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بخَصائِصَ، ومنَّ عَلَيهِ بهِباتٍ ومَزايا وعَطايا تُوجِبُ مَحبَّتَهُ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كما أنَّهُ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- تَحمَّلَ في تَبليغِ دِينِ اللهِ -عَزَّ وَجَلَّ- وإخراجِ الناسِ مِنَ الظُّلماتِ إلى النُّورِ عِبئًا عَظيمًا، وثِقَلًا كبيرًا -عَلَيْهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ- فإنَّهُ مُنذُ أنْ قالَ لَهُ رَبُّهُ: ﴿قُمْ فَأَنذِرْ * وَرَبَّكَ فَكَبِّرْ [المُدَّثِّرِ:2-3] ، ما فَتَرَ -عَلَيْهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ- عَنِ النِّذارةِ والدعوةِ والبَيانِ وهِدايةِ الخَلقِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ- في رِفقٍ وإحسانٍ وصَبرٍ وإيمانٍ حَتَّى أتاهُ اليَقينُ وهُوَ عَلَى ذَلِكَ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ولهَذا لا يَخلو قَلبُ مُؤمنٍ باللهِ مِنْ مَحبَّةِ النبيِّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فكُلُّ مُؤمنٍ ومُسلمٍ لا بُدَّ أنْ يَكونَ في قَلبِهِ مِنْ مَحبَّةِ النبيِّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- شَيءٌ، لكِنْ هذهِ المَحبَّةُ يَجِبُ أنْ تكونَ عَلَى الصِّفةِ الَّتي أخبَرَ بها النبيُّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ليَبلُغَ بذَلِكَ ما يَجِبُ عَلَيهِ مِنْ حَقِّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فقَدْ قالَ النبيُّ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لا يُؤْمِنُ أَحَدُكُمْ، حَتَّى أَكُونَ أَحَبَّ إِلَيْهِ مِنْ وَالِدِهِ وَوَلَدِهِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ» صحيحُ البُخاريِّ (15)، وصَحيحُ مُسلمٍ (44) ؛ وهَذا يَدُلُّ عَلَى أنَّ المُؤمِنَ يَجِبُ عَلَيهِ أنْ يُقدِّمَ مَحبَّةَ النبيِّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَلَى كلِّ مَحبَّةٍ، فإذا تَحقَّقَ لَكَ هَذا بأنْ كانَتْ مَحبَّتُهُ في قَلبِكَ فَوقَ كلِّ مَحبَّةٍ مِنَ الخَلقِ، ومُقدَّمَةٌ عَلَى كلِّ مَحبَّةٍ مِنْ سائِرِ الخَلقِ فاعلَمْ أنَّكَ عَلَى خَيرٍ عَظيمٍ، وأنَّكَ قَدْ أدَّيْتَ حَقًّا مِنْ حُقوقِهِ -عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ-، وإذا قامَ في قَلبِ العَبْدِ حُبُّ النبيِّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- والانجِذابُ لَهُ عَظُمَ إيمانُهُ بِهِ، وكانَ عَظيمَ الاتِّباعِ لَهُ، مُعظِّمًا لسُنَّتِهِ، مُقتفيًا لآثارِهِ مُتَتبِّعًا لهَديهِ، ذاكَ أنَّ المَحبَّةَ تَقتَضي الاتِّباعَ، فإنَّ مَنْ صَدقَ في المَحبَّة لا بُدَّ أنْ يَتَّبِعَ مِنْ يُحِبُّ، وأنْ يَسيرَ عَلَى نَهجِهِ، وأنْ يَقتَفِيَ آثارَهُ.

ومِنْ حُقوقِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أنْ يُصلِّي عَلَيهِ المؤمنُ كما أمرَهُ اللهُ -تَعالَى- في قَولِهِ: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا[الأحزابِ:56] ، فحَقٌّ عَلَى كُلِّ مُؤمنٍ أنْ يُصلِّيَ عَلَى النبيِّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، وأقلُّ ذَلِكَ مَرَّةً في العُمرِ، وقَدْ قالَ بَعضُ أهلِ العِلمِ، بأنْ هَذا هُوَ أدنَى الواجبِ، وأمَّا الصلاةُ عَلَيْهِ عِندَ ذِكرِهِ، فللعُلَماءِ في ذَلِكَ قَولانِ:

  • مِنْهُم مَنْ قالَ:إنَّهُ يَجِبُ عِندَما يُذكَرُ أنْ يُصلَّى عَلَيهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
  • وقالَ آخَرونَ:بَلْ يُستَحبُّ ذَلِكَ فيَكفِي صَلاةً واحدَةً.

وعَلَى كُلِّ حالٍ مَحرومٌ مَنْ يُذكَرُ عِندَهُ النبيُّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ثُمَّ لا يُصلِّي عَلَيهِ، فإنَّ الصلاةَ عَلَيهِ تُوجِبُ عَطاءَ اللهَ -عَزَّ وَجَلَّ- وتُوجِبُ فَضلَهُ وإحسانَهُ وعَظيمَ بِرِّهِ وكَرمِهِ، فقَدْ قالَ النبيُّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فيما جاءَ في الصحيحِ مِنْ حَديثِ عَبدِ اللهِ بنِ عُمَرَ ـ رَضِي اللهُ عَنْهُ ـ: «مَنْ صَلَّى عَليَّ صلاةً واحِدَةً صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ بها عَشْرًا» صحيحُ مُسلمٍ (384) ، وأيُّ أحَدٍ يَكرَهُ أو يَزهَدُ في أنْ يُصلِّيَ عَلَيْهِ رَبُّ العالَمِينَ عَشْرًا؟! صَلاةُ اللهِ عَلَى عِبادِهِ تَفتَحُ لَهُمُ الخَيراتِ، وتُبارِكُ لهُم في العَطايا والهِباتِ، فإنَّ مَعنَى صَلاةِ اللهِ -عَزَّ وَجَلَّ- عَلَى نَبيِّهِ -عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام- وكذَلِكَ صَلاتُهُ عَلَى مَنْ يُصلِّي عَلَى نَبيِّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- هُوَ أنْ يَسوقَ لَهُ الخَيرَ الكثيرَ، فإنَّ مَعنَى: اللهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحمدٍ؛ أي: يا اللهُ، يا ربُّ سُقْ لنَبيِّكَ مُحمدٍ خَيرًا كَثيرًا؛ فهَذا مَعنَى الصلاةِ عَلَيهِ، وقالَ جَماعَةٌ مِنْ أهلِ العِلمِ: إنَّ مَعنَى الصلاةِ عَلَى النبيِّ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ هُوَ سُؤالُ اللهِ لَهُ الرحمَةُ، إلَّا أنَّ هَذا مِنْ مَعاني الصلاةِ عَلَيْهِ، لكِنْ لا تَقتَصِرُ الصلاةُ عَلَيْهِ -عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ- بهَذا المَعنَى، بَلْ ثَمَّةَ مَعانٍ أُخرَى، وهِيَ أوسَعُ وأكمَلُ، وهُوَ أنْ يُقالَ: إنَّ الصَّلاةَ عَلَيهِ شامِلَةٌ لسُؤالِ اللهِ -عَزَّ وَجَلَّ- أن يَسوقَ لنَبيِّه كُلَّ خَيرٍ مِنْ رَحمَةٍ وغَيرِها.

وقالَ بَعضُ أهلِ العِلمِ: مَعنَى صَلاةِ اللهِ -عَزَّ وَجَلَّ- علَى نَبيِّه ـ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ هُوَ أنْ يَذكُرَهُ -جَلَّ وَعَلا- في المَلَإِ الأعلَى؛ وهَذا قالَهُ بَعضُ أهلِ العلمِ، قالَهُ أبو العاليةِ كما في صحيحِ الإمامِ البُخاريِّ، لكِنْ هَذا مِنْ مَعاني الصلاةِ عَلَى الراجِحِ مِنْ قَولِ العُلَماءِ، وليسَ قَصْرًا لمَعنَى الصلاةِ في هَذا.

إذًا قَولُكَ: اللهُمَّ صلِّ عَلَى مُحمدٍ، مَعناهُ: أنَّكَ تَسألُ اللهَ لرَسولِهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أنْ يَسوقَ إلَيْهِ خَيرًا كَثيرًا في الدُّنيا وفي الآخِرَةِ في البَرزخِ وفي البَعثِ والنُّشورِ، وفي الجَنَّةِ نَسألُ اللهَ أنْ يَرزُقَنا وُرودَ حَوضِهِ، وأنْ يَحشُرَنا في زُمرَتِهِ، وأنْ يَرزقَنا مُرافَقَتَهُ في الجنَّةِ، وإذا صَلَّى اللهُ عَلَيكَ عَشرًا؛ أي: ساقَ لَكَ خَيرًا عَظيمًا مُضاعفًا عَلَى ما سألتْهُ للنبيِّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ولذَلِكَ احرِصْ أيُّها المؤمِنُ عَلَى صَلاتِكَ عَلَى النبيِّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بها تَحصُلُ الأجورُ، وتُنمَى الخَيراتُ، وتَكثُرُ الهِباتُ، بها تُكشَفُ الغُمومُ، وبها يُدرِكُ العَبدُ خَيرًا عظيمًا وممَّا يَتأكَّدُ فيهِ الصلاةُ عَلَى النبيِّ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ الصلاةُ عَلَيهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَومَ الجُمُعةِ، وقالَ بَعضُ أهلِ العلمِ: وكذَلِكَ لَيلَةُ الجُمعَةِ، والَّذي يَظهَرُ ـ واللهُ تَعَالَى أعلَمُ ـ أنَّ الليلَةَ تابِعَةٌ لليَومِ، إنْ كانَ النصُّ الصريحُ جاءَ بالصلاةِ عَلَيهِ في يَومِ الجُمعَةِ كما في حَديثِ أوسِ بنِ أوسِ الثقَفيِّ -رَضِي اللهُ عَنْهُ- قالَ: قالَ رَسولُ اللهِ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ: «إنَّ مِنْ خَيرِ أيَّامِكُمُ يَومُ الجُمُعةِ، وإنَّ صَلاتَكُم مَعروضَةٌ عَليَّ» سُنَنُ أبي داودَ (1047)، وسُنَنُ ابنِ ماجَةَ (1085)، وصحَّحَهُ الألبانيُّ في صَحيحِ أبي داودَ (962) ؛ أي: أنَّ الصلاةَ في يَومِ الجُمعَةِ لها مَزيَّةٌ خاصَّةٌ دُونَ الصلاةِ عَلَيهِ في سائرِ الأيَّامِ، وهِيَ احتِفاءُ اللهِ -جَلَّ وَعَلا- بها حَيثُ إنَّ الصلاةَ تُعرَضُ عَلَيهِ، وكُلُّ مَنْ صَلَّى عَلَيهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وسَلَّمَ عَلَيهِ؛ بَلَّغَهُ اللهُ -تَعَالَى- سلامَ المُسلِمينَ، لكِنَّهُ في صَلاةِ المؤمِنِ يَومَ الجُمعَةِ عَلَى رَسولِ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يُدرِكُ مَزيدَ فَضلٍ وحَفاوَةٍ وعِنايَةٍ بأنْ تُعرَضَ، والعَرْضُ يَقتَضي كَثرَةَ العَطاءِ، وعَظيمَ الأجرِ، وكَبيرِ الفَضلِ مِنَ اللهِ -عَزَّ وَجَلَّ- لمَنْ يُصلِّي عَلَيهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فلذَلِكَ يَنبَغي للمؤمِنِ أنْ يَحرِصَ في يَومِ الجُمُعةِ وكذَلِكَ في لَيلتِها عَلَى قَولِ جَماعَةٍ مِنْ أهلِ العلمِ، يَحرِصُ عَلَى الإكثارِ مِنَ الصلاةِ عَلَى النبيِّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَفتحُ اللهُ لَهُ بها خَيراتٍ، ويُبلِّغُهُ بها مَسرَّاتٍ، ويَجعلُ لَهُ بها بَركاتٍ، ذَلِكَ بفَضلِ الصلاةِ عَلَيْهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.

 لكِنْ يَنبَغي للمؤمنِ أنْ يَفطَنَ لأمرٍ مُهمٍّ: وهُوَ أنَّ الصلاةَ عَلَيهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم:

  • تَقتَضي مُتابعتَهُ.
  • تَقتَضي العِنايةَ بسُنَّتِهِ.
  • تَقتَضي الحِرصَ عَلَى اقتِفاءِ آثارِهِ.
  • تَقتَضي الحَذرَ مِنْ مُخالَفةِ ما كانَ عَلَيهِ.

فإنَّ مُخالفَةَ ما كانَ عَلَيهِ فِتنَةٌ يُخشَى عَلَى صاحِبِها وقَدْ قالَ اللهُ ـ جَلَّ وَعَلا ـ: ﴿فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ [النُّورِ:63] ، قالَ الإمامُ مالِكٌ -رَحِمَهُ اللهُ تَعالَى- لرَجُلٍ سَألَهُ عَنْ إحرامِهِ بالعُمرَةِ أو بالحَجِّ مِنَ المَدينَةِ، فنَهاهُ عَنْ ذَلِكَ، فما وَجدَ ذَلِكَ الرجُلُ لهَذا النَّهْيَ مَعنًى كَبيرًا، إذْ أنَّ المَسافَةَ بَيْنَ هَذَيْنِ المَكانَيْنِ، بَيْنَ المَدينَةِ وذي الحُلَيفَةِ قَريبًا فقالَ لَهُ: ﴿فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ[النُّورِ:63] ، فجَديرٌ بالمُؤمِنِ أنْ يَحذرَ أنْ يُخالِفَ أمرَ النبيِّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فإنَّ مَحبَّتَهُ ليسَتْ فَقطْ في الصلاةِ عَلَيْهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بَلْ مَحبَّتَهُ في كَثرَةِ الصلاةِ عَلَيهِ، ومَحبَّتَهُ في الحِرصِ عَلَى لُزومِ نَهجِهِ، واقتِفاءِ سُنَّتِهِ، والعَملِ بهَديهِ، فإنَّهُ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لم يَترُكْ خَيرًا إلَّا دَلَّنا عَلَيْهِ، ولا شَرًّا إلَّا حَذَّرَنا مِنهُ، فواجِبٌ عَلَى كُلِّ مؤمنٍ ومُؤمنَةٍ يَرجُو النَّجاةَ، ويُؤمِّلُ في الفَوزِ، ويُؤمِّلُ في العَطاءِ والهِباتِ، ويُؤمِّلُ السعادةَ في الدارَيْنِ أنْ يَحرِصَ عَلَى هَديهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فهَديُهُ أفضَلُ الحَديثِ.

ولذَلِكَ كانَ رَسولُ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أكملَ الناسِ سَعادةً، فإنَّ أسعَدَ البَشرِ هُوَ مُحمدٌ بنُ عَبدِ اللهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ- وكُلُّ مَنْ سارَ عَلَى هَديهِ، واقتَفَى أثرَهُ، واتَّبَعَ سُنَّتَهُ نالَ مِنَ السعادَةِ الَّتي نالَها -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بقَدرِ اتِّباعِهِ، ولم تَكنْ سَعادتُهُ في مَأكلٍ ومَشربٍ، بَلْ كانَ هُوَ بأبي وأُمِّي -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَجوعُ حَتَّى يَربِطَ عَلَى بَطنِهِ حَجرًا مِنَ الجُوعِ -عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ-، إنَّما كانَتْ سَعادتُهُ سَعادةَ رُوحٍ، سَعادةَ قَلبٍ، سعادةَ إيمانٍ، بَهجُتُه طاعَةٌ؛ وهذهِ تَفوقُ كُلَّ السعاداتِ، بهَذا كانَ النبيُّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يُواصِلُ صَومَ يَومٍ بيَومٍ، ويُقالَ لَهُ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- في ذَلِكَ؛ يَعنِي كَيْفَ تُواصِلُ يَومًا بيَومٍ، وتَقوَى عَلَى ذَلِكَ؟ فقالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنِّي أَبِيتُ يُطْعِمُني رَبِّي ويَسْقِيني»صحيحُ البُخاريِّ (1965)، وصحيحُ مُسلمٍ (1103) .

والمَقصودُ بالإطعامِ والسِّقايَةِ الَّتي ذَكرَها النبيُّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- في هَذا الحَديثِ:هُوَ ما يَجِدُهُ مِنْ أثَرِ الطاعَةِ، ما يجدُهُ مِنْ بَهجَةِ الإقبالِ عَلَى اللهِ -عَزَّ وَجَلَّ- الَّتي يَفتَحُ اللهُ -تَعَالَى- عَلَيهِ بعُبوديَّتِهِ لَهُ، وتَمامِ إقبالِ قَلبِهِ عَلَيهِ وانقيادِ بَدَنِهِ لأمرِهِ -جَلَّ وَعَلا- بهَذا يَنبَغي للمؤمِنِ أنْ يَحرِصَ عَلَى اقتِفاءِ أثرَهِ، وأنْ يُكثِرَ مِنْ لُزومِ سُنَّتِهِ، وأنْ يُفتِّشَ عَنْ هَديهِ، فإنَّ هديَهُ يُطلَبُ في قِراءَةِ سِيرَتِهِ، وفي قِراءَةِ أحاديثِهِ، وبسَماعِ أخبارِهِ -عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ- وليسَ ثَمَّ أحَدًا في الدُّنيا مِنَ البَشرِ حُفظِتْ أحوالُهُ بدِقَّةٍ في سِرِّهِ وإعلانِهِ، في شَأنِهِ الخاصِّ وفي شَأنِهِ العامِّ كما حُفِظَ هَدْيُ النبيِّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ولذَلِكَ ليسَ لأحَدٍ عُذرٍ في ألَّا يَعرِفَ كَيْفَ هَديُهُ، وكَيْفَ عَملُهُ، ليسَ عَلَيكَ إلَّا أنْ تُقبِلَ عَلَى ما حَفظَهُ عُلَماءُ الإسلامِ في دَواوينِ السُّنَّةِ مِنَ الأخبارِ الَّتي حُفِظَتْ بها سُنَّتُهُ، وحُفِظَ بها هَديُهُ، وحُفظَ بها عَملُهُ، وعُرِفَ بها لَيلُهُ ونَهارُهُ وأيَّامُهُ ولَحَظاتُهُ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إذا يَسَّرَ اللهُ لَكَ ذَلِكَ انَفتَحَتْ لَكَ أبوابُ المَعرِفَةِ والاتِّباعِ والاقتِداءِ وعَظُمَ حُبُّكَ لَهُ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- نسألُ اللهَ أنْ يَرزُقَنا اتِّباعَ سُنَّتِهِ، والعَملَ بهَديهِ، وأنْ يَحشُرَنا في زُمرَتِهِ، وأنْ يَجمَعَنا بِهِ -عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ- في جَنَّةِ عَدْنٍ في مَقعَدِ صِدقٍ عِنْدَ مَليكٍ مُقتَدِرٍ.

الاكثر مشاهدة

4. لبس الحذاء أثناء العمرة ( عدد المشاهدات94001 )
6. كيف تعرف نتيجة الاستخارة؟ ( عدد المشاهدات89900 )

مواد تم زيارتها

التعليقات


×

هل ترغب فعلا بحذف المواد التي تمت زيارتها ؟؟

نعم؛ حذف