×
العربية english francais русский Deutsch فارسى اندونيسي اردو

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

الأعضاء الكرام ! اكتمل اليوم نصاب استقبال الفتاوى.

وغدا إن شاء الله تعالى في تمام السادسة صباحا يتم استقبال الفتاوى الجديدة.

ويمكنكم البحث في قسم الفتوى عما تريد الجواب عنه أو الاتصال المباشر

على الشيخ أ.د خالد المصلح على هذا الرقم 00966505147004

من الساعة العاشرة صباحا إلى الواحدة ظهرا 

بارك الله فيكم

إدارة موقع أ.د خالد المصلح

خطب المصلح / خطب مرئية / خطبة : أثر الخوف من الله على حياة العبد

مشاركة هذه الفقرة WhatsApp Messenger LinkedIn Facebook Twitter Pinterest AddThis

المشاهدات:11631

إِنَّ الحَمْدَ للهِ نَحْمَدُهُ، وَنَسْتَعِينُهُ، وَنَسْتَغْفِرُهُ، وَنَعُوذُ بِاللهِ مِنْ شُرورِ أَنْفُسِنا وَسَيِّئاتِ أَعْمالِنا، مَنْ يَهْدِهِ اللهُ فَلا مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ وَلِيًا مُرْشِدًا، وَأَشْهَدُ أَنْ لا إِلَهَ إِلَّا اللهُ إِلَهُ الأَوَّلِينَ، لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الرَّحْمنُ الرَّحِيمُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ، وَمَنِ اتَّبَعَ سُنَّتَهُ وَاقْتَفَى أَثَرَهُ بِإِحْسانٍ إِلَى يَوْمَ الدِّينِ, أَمَّا بَعْدُ:

فاتَّقُوا اللهَ أَيَّهُا المؤْمِنُونِ، اتَّقُوا اللهَ تَعالَى حَقَّ التَّقْوَى كَما أَمَرَكُمْ بِذَلِكَ فَقالَ: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَآل عمران:102 .

عِبادَ اللهِ, خَلَقَ اللهُ تَعالَى الإِنْسانَ، وَرَكِّبَ فِيهِ مِنَ الطَّبائِعِ، وَجَبَلَهُ عَلَى خِلالٍ، وَخِصالٍ إِذا وَجَّهَها في ما يُحِبُّ اللهُ تَعالَى وَيَرْضَى بَلَغَ المعالِي، وَفازَ بِالسَّبْقِ، وَإِذا أَهْمَلَها أَوْ صَرَفَها بِوُجُوهٍ لا يَرْضاها كانَتْ وَبالًا عَلَيْهِ وَهَلاكا

كُلًّ إِنْسانٍ يَخافُ؛ فَما مِنْ إِنْسانٍ إِلَّا وَالخَوْفُ جُزْءٌ مِنْ طَبِيعَتِهِ، وَمِنْ تَرْكِيبِهِ، وَخِصالِهِ إِلَّا أَنَّ هَذا الخَوْفَ قَدْ يُوَجَّهُ فِيما يُفِيدُ الإِنْسانَ، وَيَنْفَعُهُ، وَقَدْ يُوَجِّهُهُ فِيما يَضُرُّهُ، ويُهْلِكُهُ، فَإِنَّ الإِنْسانَ لا يُدْرِكُ نَجاحًا، وَلا يُحَقِّقُ أُمْنِيَةً، وَلا يَبْلُغُ أَمَلًا إِذا لمْ يَكُنْ مَعَهُ خَوْفٌ؛ فَالخَوْفُ يَحْمِلُهُ عَلَى تَوَقِّي ما يَكْرَهُ كَما أَنَّهُ يَحْمِلُهُ عَلَى المبادَرَةِ إِلَى أَخْذِ ما يُحِبُّ؛ لِئَلَّا يَفُوتَهُ، فَخَوْفُ الفَواتِ كَخَوْفِ وُقُوعِ المكْرُوهِ كلاهُما يَحْمِلُ الِإنْسانَ عَلَى العَمَلِ، وَيَهْدِيِهِ سُبَلَ إِدْراكِ مَطالِبِهِ، وَالأَمَنَ مِنْ مَخاوِفِهِ

هَذا ما جَبَلَ اللهُ تَعالَى عَلَيْهِ البَشَرُ، فَلابُدَّ مِنْ خَوْفٍ يُدْرِكُونَ بِهِ مَصالِحَهُمْ، وَخَوْفٍ يَأْمَلُونَ بِهِ مِنْ مَخاوِفِهِمْ

أَرَأَيْتُمْ رَجُلًا لَبِسَ نَظِيفًا مِنَ الثِّيابِ أيَبْقَى ثَوْبُهُ نَظِيفًا دُونَ ما يَخافُ قَذَرًا، وَوَسَخًا يُصِيبُ ثَوْبَهُ؟! فَإِنَّهُ إِلَّا لمْ يَخَفْ قَذَرًا يُصيبُ ثَوْبَهُ أَوْ قَذَرًا يَنالُ زِيَّهُ أَوْشَكَ أَنْ يَخْلَعَهُ؛ لِرَداءَتِهِ، وَسُوئِهِ

إِنَّما يُحافِظُ عَلَى النَّظافَةِ بِالخَوْفِ مِنَ القَذَرِ، إِنَّما تُدْرِكُ المطالبَ، وَتُبَلِّغُ الأَمانِيَّ بِالخَوْفِ مِنَ الفَواتِ

أَيُّها المؤْمِنُونَ, العَبْدُ إِذا لمْ يَخَفِ اللهَ -عَزَّ وَجَلَّ- خافَ غَيْرَهُ، وَلِذَلِكَ جاءَتِ النُّصُوصُ مُذَكِّرَةً بِوُجُوبِ خَوْفِهِ وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ ﴿إِنَّمَا ذَلِكُمُ الشَّيْطَانُ يُخَوِّفُ أَوْلِيَاءَهُ فَلا تَخَافُوهُمْ وَخَافُونِ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَآل عمران:175

فَكُلُّنا لابُدَّ لَهُ مِنْ خَوْفٍ إِمَّا أَنْ يَخافَ اللهَ -عَزَّ وَجَلَّ- فَيَحْمِلُهُ ذَلِكَ عَلَى كُلِّ فَضِيلَةٍ، وَبِرٍّ، وَيَرْدَعُهُ، وَيَزْجُرُهُ عَنْ كُلِّ سَيِّئَةٍ، وَشَرٍّ

وَإِمَّا أَلَّا يَخافَ اللهَ -عَزَّ وَجَلَّ-، وَيَخافُ غَيْرَهُ، فَإِذا خافَ غَيْرَهُ أَوْقَعَهُ هَذا في أَنْواعٍ مِنَ الهَلاكِ، وَالتَّلَفِ، أَنْواعٍ مِنِ المعاطِبِ، وَالفَسادِ

فَإِنَّ خَوْفَ غَيْرِ اللهِ -عَزَّ وَجَلَّ- مَجْلَبِةٌ لِكُلِّ شَقاءٍ، وَيُوقِعُ العَبْدَ في كُلِّ هَلاكٍ. 

أَيُّها المؤْمِنُونَ عِبادَ اللهِ, رَبُّنا -جَلَّ في عُلاهُ- أَمَرَ بِخَوْفِهِ، وَالفِرارَ إِلَيْهِ، وَهَذا يُبَيِّنُ أَنَّ خَوْفَ اللهِ -عَزَّ وَجَلَّ- امْتازَ عَنْ خَوْفِ غَيْرِهِ أَنَّكَ كُلَّما خُفْتَ شَيْئًا فَرَرْتَ مِنْهُ

أَمَّا إِذا خُفْتَ اللهَ -عَزَّ وَجَلَّ- فَإِنَّكَ لا تَلْجَأُ إِلَّا إِلَيْهِ، وَلا تَهْرُبُ إِلَّا إِلَيْهِ ﴿فَفِرُّوا إِلَى اللَّهِ إِنِّي لَكُمْ مِنْهُ نَذِيرٌ مُبِينٌالذاريات:50 .

وَهَذا مِنْ عَجائِبِ خَوْفِ اللهِ -عَزَّ وَجَلَّ- أَنَّ خَوْفَهُ مَجْلَبَةٌ لِكُلِّ أَمْنٍ كَما أَنَّ الإِعْراضَ عَنْ مَخافَتِهِ مَجْلَبِةٌ لِكُلِّ رُعْبٍ، وَخَوْفٍ ﴿سَنُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُوا الرُّعْبَ بِمَا أَشْرَكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًاآل عمران:151 .

إِنَّهُ أَعْلَى مَراتِبِ الخَوْفِ المُهْلِكَ ذَلِكَ الرُّعْبِ الَّذِي تَهَدَّدَهُ اللهُ تَعالَى قَوْمًا أَعْرَضُوا عَنْهُ، وَأَخَلُّوا بِأَعْظَمِ حُقُوقِهِ، وَهُوَ عِبادَتُهُ وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ

اللهُ -جَلَّ في عُلاهُ- ذَكَرَ في كِتابِهِ ما يُوجِبُ خَوْفَهُ فَأَخْبَرَنا عَنْ صِفاتِهِ، وَجَلالِهِ، وَعَظَمَتِهِ، وَجَبَرُوتِهِ، وَقُدْرَتِهِ، وَغِناهُ، وَكَمالِهِ كُلُّ ذَلِكَ يُلْقِي في قَلْبِ العَبْدِ مَهابَةِ رَبِّهِ، يُلْقِي في قَلْبِ العَبْدِ خَشْيًة، وَتَعْظِيمًا، وَذاكَ يَرْدَعُهُ عَنْ أَنْ يُقْدِمَ عَلَى شَيْءٍ مِنْ مَعاصي الله -عز وجل، وأن يُخالف أمره كما أنه يحمله على طاعته، والمبادرة إلى شرعه ﴿نَبِّئْ عِبَادِي أَنِّي أَنَا الْغَفُورُ الرَّحِيمُالحجر:49 ﴿وَأَنَّ عَذَابِي هُوَ الْعَذَابُ الأَلِيمُالحجر:50 .

خَوَّفَكُمُ اللهُ نَفْسَهُ، وَقالَ -جَلَّ في عُلاهُ-: ﴿وَيُحَذِّرُكُمُ اللَّهُ نَفْسَهُ وَإِلَى اللَّهِ الْمَصِيرُآلِ عِمْران:28، وَمَعْنَى الآيَةِ أَيْ: يُخَوِّفُكُمُ اللهُ -عَزَّ وَجَلَّ- مِنْ نَفْسِهِ أَنْ تَرْكَبُوا مَعاصِيهِ أَوْ تُوالُوا أَعْدائِهِ؛ فَإِنَّ إِلَيْهِ مَرْجِعَكُمْ، إِلَيْهِ مَصيرُكُمْ بَعْدَ مَماتِكُمْ, فَإِنْ خالَفْتُمْ أَمْرَهُ نالَكُمْ مِنْ عِقابِهِ وَعَذابِهِ ما لا قِبَلَ لَكُمْ بِهِ، وَاحْذَرُوهُ أَنْ يَنالَكُمْ شَيْءٌ مِنْ عُقُوبَتِهِ؛ فَإِنَّهُ شَدِيدُ العِقابِ

أَيُّها المؤْمِنُونَ, خَوْفُ اللهِ تَعالَى مِنْ تَمامِ إِيمانِ العَبْدِ؛ فَلا إِيمانَ لِمَنْ لا خَوْفَ لَهُ، لا إِيمانَ لِمَنْ لا خَوْفَ مِنَ اللهِ مَعَهُ

يَقُولُ رَبُّكُمْ: ﴿فَإِيَّايَ فَارْهَبُونِالنحل:51، وَيَقُولُ -جَلَّ وَعَلا-: ﴿فَلا تَخَافُوهُمْ وَخَافُونِآل عمران:175، وَيَقُولُ -سُبْحانَهُ وَبِحَمْدِهِ-: ﴿فَلا تَخْشَوْهُمْ وَاخْشَوْنِيالبقرة:150 .

قَدْ جَعَلَ اللهُ تَعالَى خَوْفَهُ شَرْطًا لِصِحَّةِ الإيمانِ فَقالَ سُبْحانَهُ: ﴿فَلا تَخَافُوهُمْ وَخَافُونِ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَآل عمران:175 .

لَكِنْ لا يُمْكِنُ أَنْ يَخافَ ما يُجْهَلُ، فالخَوْفُ ثَمَرَةُ العِلْمِ فَمَنْ خافَ شَيْئًا عَلِمَ ما يُوجِبُ الخَوْفَ مِنْهُ، وَلِذَلِكَ كانَ خَوْفُ اللهِ -عَزَّ وَجَلَّ- ثَمَرَةُ العِلْمِ بِهِ، وَالنَّفْسُ إِذا عُمِرَتْ بِمَعْرِفَةِ اللهِ -عَزَّ وَجَلَّ- عُمِرَتْ بِمَعْرِفَةِ أَسْمائِهِ، وَصِفاتِهِ، وَجَلالِهِ، وَقُدْرَتِهِ، وَقُوَّتِهِ، وَنافِذِ أَمْرِهِ كَما عُمِرَتْ بِمَعْرِفِةِ صُنْعِهِ، وَسُنَنَهِ، وَما أَجْراهُ اللهُ تَعالَى عَلَى خَلْقِهِ مِنَ الحَوادِثِ، وَالوَقائِعِ كانَ ذَلِكَ مُوجِبًا لخوْفِهِ -جَلَّ في عُلاهُ- فَإِنَّهُ قَدْ أَبْعَدَ إِبْلِيسَ بِمَعْصِيَةٍ أَصَرَّ عَلَيْها كَما أَخْرَجَ آدَمَ -عَلَيْهِ السَّلامُ- مِنَ الجَنَّةِ بِمُخالَفَةٍ واحِدَةٍ لما حَذَّرَهُ لَكِنَّهُ مِنْ رَحْمَتِهِ أَنَّهُ لا يُغْلِقُ البابَ دُونَ تائِبٍ، وَلا يَرُدُّ تائِبًا بَلْ -جَلَّ في عُلاهُ- يَفْرَحُ بِتَوْبَةِ عَبْدِهِ كَما أَنَّهُ يُحِبُّ التَّوابِينَ، وَيُحِبُّ المتَطَهِّرينَ فَهُوَ -جَلَّ في عُلاهُ- كَما قالَ في مُحْكَمِ كِتابِهِ: ﴿غَافِرِ الذَّنْبِ وَقَابِلِ التَّوْبِ شَدِيدِ الْعِقَابِ ذِي الطَّوْلِ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ إِلَيْهِ الْمَصِيرُغافر:3 سُبْحانَهُ وَبِحَمْدِهِ.

أَيُّها المؤْمِنُونَ, إِنَّ اللهَ -عَزَّ وَجَلَّ- أَخْبَرَكُمْ عَنْ عَظيمِ رَحْمَتِهِ، وَعَنْ شَدِيدِ عِقابِهِ فَلَوْ عَلِمَ العَبْدُ ما عِنْدَ اللهِ مِنَ الرَّحْمَةِ ما آيَسَ مِنْ رَحْمَتِهِ أَحَدٌ، وَإِذا عَلِمَ العَبْدُ ما عِنْدَ اللهِ مِنْ عُقُوبَةٍ خَشِيَ أَلَّا يَنْجُوَ أَحَدٌ مِنْ عِقابِهِ، فاتَّقُوا اللهَ عِبادَ اللهِ، وَاعْلَمُوا أَنَّ الخَوْفَ يَحْمِلُكُمْ عَلى كَمالِ العُبُودِيَّةِ للهِ -عَزَّ وَجَلَّ- خَوْفُ اللهِ سَعادَةٌ، وَخَوْفُ غَيْرِهِ قَلَقٌ, خَوْفُ اللهِ اتِّزانٌ في مَسِيرَتِكِ إِلَى الرَّحْمَنِ، وَخَوْفُ غَيْرِهِ وِلايَةٌ لِلشَّيَّطانِ، وَاسْتِعْبادٌ، وَاسْتِحْواذٌ مِنْ أَعْداءِ الرَّحْمنِ فاتَّقِ اللهَ يا عَبْدَ اللهِ، وَخَفِ اللهِ في السَّرِّ وَالعَلَنِ تُدْرِكُ الفَوْزَ، وَالنَّجاحَ

اللَّهُمَّ اجْعَلْنا مِنْ عِبادِكَ المتَّقِينَ، وَحِزْبِكَ المفْلِحينَ، وَأَوْلِيائِكَ الصَّالحينَ يا رَبَّ العالمينَ

أَقُولُ هَذا القَوْلَ وَأَسْتَغْفِرُ اللهَ العَظيمَ لي وَلَكُمْ فاسْتَغْفِرُوهُ إِنَّهُ هُوَ الغَفُورُ الرَّحِيمُ

الخُطْبَةُ الثَّانِيَةُ:

الحَمْدُ للهِ حَمْدًا كَثِيرًا طَيِّبًا مُبارَكًا فِيهِ، أَحْمَدُهُ لا أُحْصِي ثَناءً عَلَيْهِ هُوَ كَما أَثْنَى عَلَى نَفْسِهِ، وَأَشْهَدُ أَنْ لا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَمَنِ اتَّبَعَ سُنَّتَهُ، وَاقْتَفَى أَثَرَهُ بِإِحْسانٍ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ, أَمَّا بَعْدُ:

فاتَّقُوا اللهَ عِبادَ اللهِ، اتَّقُوا اللهَ في السِّرِّ وَالعَلَنِ؛ فَأَنْتُمْ في قَبْضَتِهِ وَهُوَ عَلَيْكُمْ قَدِيرٌ فَإِيَّاكُمْ، وَمُخالَفَةَ أَمْرِهِ، إِيَّاكُمْ وَالخُروجَ عَنْ شَرْعِهِ، إِيَّاكُمْ وَمُحادَّتِهِ فِيما طُلَبَ مِنْكُمْ أَوْ نَهاكُمْ عَنْهُ، اللَّهُمَّ اجْعَلْنا مِنْ عِبادِكَ المتَّقِينَ، وَمِنْ حِزْبِك المفْلِحينَ، وَمِنْ أَوْلِيائِكَ الصَّالحينَ يا رَبَّ العالمينَ

أَيُّها الإِخْوَةُ أَيُّها المؤْمِنُونَ عِبادَ اللهِ، اللهُ -جَلَّ في عُلاهُ- جَعَلَ خَوْفَهُ في قُلُوبِ أَوْلِيائِهِ فَقامُوا؛ امْتِثالًا بِأَمْرِهِ، وَمَعْرِفَةً لحَقَهُ إِنَّها خَشْيَةُ اللهِ الَّتي وَصَفَ بِها أَوْلِياءَهُ ﴿إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُفاطر:28، نَعَمْ إِنَّما يَخْشاهُ مَنْ عَلِمَ كَمالَهُ، إِنَّما يَخْشاهُ وَيَخافُهُ مَنْ أَدْرَكَ ما لَهُ مِنَ الكَمالاتِ في أَسْمائِهِ، وَصَفاتِهِ، وَأَفْعالِهِ فَكُلَّما زَادَ عِلْمُكَ باِللهِ، وَعَظَمَتِهِ، وَجَلالِهِ، وَكِبْرِيائِهِ، وَأَنَّهُ لا إِلَهَ إِلاَّ هُوَ، وَأَنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ، ﴿إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُيس:82؛ كانَ ذَلِكَ مُوجِبًا لِتَعْظِيمِهِ، وَخَشْيَتِهِ، وَهَذا يَحْمِلُكَ عَلَى فِعْلِ ما أَمَرَكَ بِهِ؛ رَغْبَةً فِيما عِنْدَهُ، وَخَوْفًا مِنْ عِقابِهِ، يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفاً وَطَمَعًا وَصَفَ أَوْلِيائَهُ وَعِبادَهُ المتَّقِينَ، وَكَذَلِكَ يَدْعُونَهُ رَغْبَةً وَرَهْبَةً فِيما عِنْدَهُ، وَخَوْفًا مِنْ عِقابِهِ -جَلَّ في عُلاهُ-. 

رَوَى مُسْلِمٌ في صَحِيحِهِ مِنْ حَدِيثِ أَبِي مَسْعُودٍ البَدْرِيِّ -رَضِيَ اللهُ تَعالَى عَنْهُ-: قالَ: "كُنْتُ أَضْرِبُ غُلامًا لي بِالسَّوْطِ لَعَلَّهُ قَصَّرَ في عَمَلٍ أَوْ أَخْطَأَ في مَطْلُوبٍ، كُنْتُ أَضْرِبُ غُلامًا بِسَوْطٍ فَسَمِعْتُ صَوْتًا مِنْ خَلْفِي، وَهُوَ مُشْتَغِلٌ بِضَرْبِ غُلامِهِ "اعْلَمْ أَبا مَسْعُودٍ، اعْلَمْ أَبا مَسْعُودٍ، اعْلَمْ أَبا مَسْعُودٍ"، هَذا هُوَ الصَّوْتُ الَّذي سَمِعَهُ ''اعْلَمْ أَبا مَسْعُودٍ'' يَقُولُ أَبُو مَسْعُودٍ: فَلَمْ أَفْهَمْ الصَّوْتَ ـ مِنَ الغَضَبِ الَّذي كانَ في ـ ، قالَ: فَلَمَّا دَنا مِنِّي-دَنا مِنْهُ الصَّوْتُ- إِذا هُوَ رَسُولُ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلى آلِهِ وَسَلَّمَ- فَإِذا هُوَ يَقُولُ: «اعْلَمْ أَبا مَسْعُودٍ، اعْلَمْ أَبا مَسْعُودٍ» يُكَرِّرُها رَسُولُ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لهذا الَّذي يُعاقِبُ غُلامًا لَهُ في خَطَأٍ «اعْلَمْ أَبا مَسْعُودٍ» قالَ: فَأَلْقَيْتُ السَّوْطَ مِنْ يَدِي، وَفي رِوايَةٍ ''فَسَقَطَ مِنْ يَدَيَّ السَّوْطُ مِنْ هَيْبَتِهِ" -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-'' فَقالَ: «اعْلَمْ أَبا مَسْعُودٍ أَنَّ اللهَ أَقْدَرُ عَلَيْكَ مِنْكَ عَلَى هَذا الغُلامِ» نَعَمْ تَذَكَّرْ قُدْرَةَ اللهِ، وَعَظمَتَهُ، وَجَلالَهُ، وَهَيْبَتَهُ تَحْجِزُ الإِنْسانَ عَنِ الاعْتِداءِ قالَ أَبُو مَسْعُودٍ: ''قُلْتُ لا أَضْرِبُ مَمْلُوكًا بَعْدَهُ أَبْدًا''مُسْلِمٌ(1659) هَكَذا يَحْمِلُ الخَوْفُ العَبْدُ عَلَى صِيانَةِ حُقُوقِ الخَلْقِ فَلا يَتَجاوَزُ حُقُوقَ الخَلْقِ في أَمْوالِهِمْ، وَلا في دِمائِهِمْ، وَلا في أَعْراضِهِمْ, فاتَّقُوا اللهَ أَيُّها المؤْمِنُونَ، اتَّقُوا اللهَ في حُقوقِ الخَلْقِ وَاعْلَمُوا أَنَّ قُدْرَتَكُمْ عَلَى الضَّعِيفِ لَيْسَتْ مُخَوِّلةً لَكُمْ أَنْ تَعْتَدُوا، وَتَتَجاوَزُوا بَلْ اذْكُروا قُدْرَةَ اللهِ عَلَيْكُمْ، وَاعْلَمْ أَنَّ دَعْوَةً لا تَغِيبُ عَنِ اللهِ إِنَّها دَعْوَةُ المظْلُومِ فَإِيَّاكُمْ وَدَعْوَةَ المظْلُومِ كَما قالَ النَّبِيُّ صَلَّىَ اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ لما بَعَثَ مُعاذًا إِلَى اليَمَنِ «فَإِيَّاكَ وَكَرائِمَ أَمْوالِهِمْ، وَاتَّقِ دَعْوَةَ المَظْلُومِ فَإِنَّهُ لَيْسَ بَيْنَها وَبَيْنَ اللهِ حِجابٌ»البخاري(7371)ومسلم(19).                  

الَّلهُمَّ إِنَّا نَسْأَلُكَ خَشْيَتَكَ في الغَيْبِ وَالشَّهادَةِ، أَعِنَّا عَلَى طاعَتِكَ يا ذا الجَلالِ وَالإِكْرامِ، احْمِلْنا إِلَى ما تُحِبُّ وَتَرْضَى مِنَ الخِلالِ وَالخِصالِ، وَاصْرِفْ عَنَّا سَيِّئَها يا ذا الجَلالِ وَالإِكْرامِ

اللَّهُمَّ إِنَّا نَسْأَلُكَ الهُدَى، وَالتُّقَى، وَالعَفافَ، وَالرَّشادَ، وَالغِنَى

آمِنَّا في أَوْطانِنا، وَأَصْلِحْ أَئِمَّتَنا، وَوُلاةَ أُمُورِنا، وَاجْعَلْ وِلايَتَنا فِيمَنْ خَافَكَ، وَاتَّقاكَ، وَاتَّبَعَ رِضاكَ يا رَبَّ العالمينَ، اللَّهُمَّ وَفِّقْ وُلاةَ الأَمْرَ إِلَى ما تُحِبُّ وَتَرْضَى، وَفِّقْ وَلِيَّ أَمْرِنا إِلَى البِرِّ وَالتَّقْوَى، سَدِّدْهُ في قَوْلِهِ وَعَمَلِهِ، وَاجْعَلْ لَهُ مِنْ لَدُنْكَ سُلْطانًا نَصِيرًا، اجْعَلْهُ سِلْمًا  لأَوْلِيائِكَ حَرْبًا عَلَى أَعْدَائِكَ، وَادْفَعْ بِهِ السُّوءَ عَنْ أَهْلِنا، وَبِلادِنا، وَالمسْلِمينَ يا رَبَّ العالمينَ، اللَّهُمَّ إِنَّا نَسْأَلُكَ أَنْ تُوَفِّقَ وُلاةَ المسْلِمينَ في كُلِّ مَكانٍ إِلَى ما تُحِبُّ وَتَرْضَى, وَأَنْ تَأْخُذَ بِنواصِيِهِمْ إِلَى ما تُحِبُّ وَتَرْضَى، اللَّهُمَّ مَكِّنْ لإِخْوانِنا المسْتَضْعَفينَ مِنَ المسْلِمينَ أَهْلِ السُّنَّةِ في كُلِّ مَكانٍ، اللَّهُمَّ اجْعَلْ لَهُمْ فَرَجًا وَمَخْرَجًا، الَّلهُمَّ اجْعَلْ لَهُمْ فَرَجًا وَمَخْرَجاً، اللَّهُمَّ اجْعَلْ لَهُمْ فَرَجاً وَمَخْرَجًا، اللَّهُمَّ عَظُمَ بِهِمُ البَلاءَ، وَاشْتَدَّ بِهِمُ الكَرْبُ فَلا حَوْلَ لَهُمْ وَلا قُوَّةَ إِلاَّ بِكَ عَزَّ جارُكَ، وَجَلَّ ثَناؤُكَ، وَتَقَدَّسَتْ أَسْماؤُكَ سُبْحانَكَ وَبِحَمْدِكَ

اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمِّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ كَما صَلَّيْتَ عَلَى إِبْراهِيمَ وَعَلَى آلِ إِبْراهِيمَ إِنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ.

 

الاكثر مشاهدة

4. لبس الحذاء أثناء العمرة ( عدد المشاهدات93792 )
6. كيف تعرف نتيجة الاستخارة؟ ( عدد المشاهدات89654 )

مواد تم زيارتها

التعليقات


×

هل ترغب فعلا بحذف المواد التي تمت زيارتها ؟؟

نعم؛ حذف