المقدم: بسم الله الرحمن الرحيم السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وأهلًا ومرحبًا بكم جميعًا مستمعينا الكرام إلى هذه الحلقة المباشرةمن برنامجكم ''الدين والحياة''، والتي تأتيكم عبر أثير إذاعة "نداء الإسلام" من مكة المكرمة.
يسعد بصحبتكم في هذه الحلقة إعدادًا وتقديمًا عبد الله الداني، وأيضًا ينفِّذ هذه الحلقة على الهواء الزميلين: محمد باصويلح، وسعود إسحاق، وأيضًا نتواصل معكم في هذه الحلقة وفي هذا البرنامج عبر موضوعاته المتعددة، ونسعد كذلك بالترحيب بضيفنا الدائم في هذا البرنامج:
فضيلة الشيخ الأستاذ الدكتور/ خالد بن عبد الله المصلح أستاذ الفقه بكلية الشريعة في جامعة القصيم، والمشرف العام على الرئاسة العامة للبحوث العلمية والإفتاء في منطقة القصيم، والذي نسعد بالترحيب بفضيلته معنا في هذه الحلقة.
السلام عليكم ورحمة الله، وحياكم الله يا شيخ خالد.
الشيخ: وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته، مرحبًا بك أخي عبد الله، حياك الله وحيا الله الإخوة والأخوات، أسأل الله أن يكون لقاءًا نافعًا مباركًا!
المقدم: اللهم آمين، كذلك نُحييكم مستمعينا الكرام، وأيضًا نسعد بتواصلكم معنا من خلال قنوات الاتصال معنا في هذه الحلقة على الأرقام التالية: الرقم الأول: ٠١٢٦٤٧٧١١٧، والرقم الثاني: ٠١٢٦٤٩٣٠٢٨، الواتس أب عن طريق الرسائل النصية على الرقم: ٠٥٨٢٨٢٤٠٤، ويمكنكم كذلك مستمعينا الكرام مشاركتنا في هذه الحلقة بالتغريد على هشتاج البرنامج "الدين والحياة" .
إذًا نُرحب بكم في مطلع هذا اللقاء، فأهلًا ومرحبًا بكم .
حياكم الله مستمعينا الكرام من جديد في هذه الحلقة نتناول موضوعًا مهمًّا كما هو الحال في كل حلقة، ففي هذه الحلقة في هذه الحلقة نتحدث عن مسألةٍ مهمة ألا وهي "حق الله على العباد"، فالعبادة هي حق الله على عباده، فما خلقهم -سبحانه وتعالى- إلا لذلك، قال -سبحانه وتعالى-: ﴿وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ﴾ [الذاريات:56].
فهذه العبادة لله -عز وجل- هي الغاية المحبوبة المرضيَّة له -عز وجل-، وفي الصحيحين عن معاذ قَالَ: كُنْتُ رِدْفَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَلَى حِمَارٍ يُقَالُ لَهُ عُفَيْرٌ، فَقَالَ: «يَا مُعَاذُ، هَلْ تَدْرِي حَقَّ اللَّهِ عَلَى عِبَادِهِ؟ وَمَا حَقُّ العِبَادِ عَلَى اللَّهِ؟»، قُلْتُ: اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ، قَالَ: «فَإِنَّ حَقَّ اللَّهِ عَلَى العِبَادِ أَنْ يَعْبُدُوهُ وَلاَ يُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا، وَحَقَّ العِبَادِ عَلَى اللَّهِ أَنْ لاَ يُعَذِّبَ مَنْ لاَ يُشْرِكُ بِهِ شَيْئًا»فقلت: يارسول الله أفلا أُبشر به الناس قال: «لا تبشرهم فيتَّكِلوا»[أخرجه البخاري في صحيحه:ح2856، ومسلم في صحيحه:ح30/48] .
من هنا مستمعينا الكرام كان يجب على كل أحدٍ أن يعرف هذا الحق، وأن يعرف كذلك كيف يقوموا بهذا الحق؟
من خلال هذه الحلقة سوف نُجلِّي الكثيرَ من المعاني حول هذا الموضوع المهم مع ضيفنا فضيلة الشيخ الدكتور/ خالد المصلح.
شيخ خالد عندما نتحدث في البداية عن حق الله على العباد نُريد توطئة لهذا الموضوع حتى يعني نتواصل في استعراض كل النقاط المتعلقة بهذا الموضوع.
الشيخ:الحمد لله رب العالمين، وأصلي وأسلم على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين أما بعد...
فالسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
المقدم:وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته.
الشيخ:حياك الله أخي عبد الله، وحيا الله الإخوة والأخوات، وأسأل الله أن يجعله لقاءً نافعًا مثريًا مباركًا مُجلِّيًا لهذه القضية التي هي من كبرى بل هي أكبر قضايا البشرية، وهي معرفة حق الله -عز وجل-.
مبدأ التوطئة لهذه القضية أن الله -جل وعلا- خلق الخلق في هذه الأرض، وجعل عليهم حقًّا وحقوقًا، وليست حقًّا واحدًا، هذه الحقوق بها تنتظم حياتهم، وبها تستقيم أمورهم، وبها يصلح معاشهم، وبها تصلح أخراهم، ويصلح معادهم.
الله -جل وعلا- بيَّن في مُحكم كتابه الغاية من الخلق فقال -جل وعلا-: ﴿وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ﴾[الذاريات:56].
هذه الحقيقة يُدركها كل مسلم، ويعرفها الصغار قبل الكبار أن الله تعالى خلق الخلق ليعبدوه، لكن يبقى إشكاليَّات في فهم ما هو المقصود بالعبادة؟ وكيف يُحقَّق هذا الغرض والأصل من الخلق؟
الله -جل وعلا- أجرى نظام الكون في هذه الدنيا على أنها دار ابتلاء، واختبار يختبر الله تعالى فيها الناس بأنواع من الاختبارات على اختلاف أحوالهم من صحةٍ ومرض، وغنًى وفقر، وضيق وسعة، هذا الاختبار المتنوع في حق الناس على وجه العموم، وفي حقِّ الإنسان نفسه، يعني الإنسان يمرُّ بأطوار متعدِّدة من صحة ومرض، وغنى وفقر، وعُسر ويُسر، وضيق وسعة، وكل هذا التنوع الذي يعيشه الناس أو يمر به الإنسان في حياته كما قال تعالى: ﴿لَتَرْكَبُنَّ طَبَقًا عَنْ طَبَقٍ﴾ [الانشقاق:19]، إنما هو للابتلاء، وفي النهاية سينتهي الناس إلى نهايةٍ واحدة وهي الموت؛ لذلك يقول الله تعالى: ﴿كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ﴾ [الأنبياء:35]ثم يقول: ﴿وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً﴾ [الأنبياء:35]، هذا موضوع الحياة ﴿وَإِلَيْنَا تُرْجَعُونَ﴾ [الأنبياء:35]هذا المآل والمنتهى، وأنه بعد الموت ليس موتًا، ليس موتًا ونهاية المطاف، ولا حَدَثَ بعده، بل الذي بعده هو الرجوع إلى الله -عز وجل-.
فهذه الآية على وَجازتِها واختصارها في سورة الأنبياء تذكُر الرحلة البشرية التي يسير بها الإنسان بكل أطواره في هذه الدنيا، وفيما يستقبل من المراحل حياة برزخ، بعث، ونشور ﴿كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ﴾ [الأنبياء:35]،هذه الحياة البرزخية ﴿وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً﴾ [الأنبياء:35]،هذه الحياة الدنيا، ﴿وَإِلَيْنَا تُرْجَعُونَ﴾ [الأنبياء:35]هذه الدار الآخرة التي يُجزى فيها الناس على أعمالهم، ويرون ما قد قدَّموه، ويحصدون نتائجَ سَعيهم.
الله -عز وجل- في كتابه بين حقوقًا كثيرة على الناس، وفرائضَ عديدةً على الخلق، مدار هذه الفرائض كلِّها على تحقيق الغاية التي من أجلها خُلقوا وهي قوله تعالى: ﴿وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ﴾ [الذاريات:56].
وقوله تعالى: ﴿الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا﴾ [الملك:2].
عندما ننظر في مراتب هذه الحقوق نجد أن الحقوق متنوّعة، والله -عز وجل- نظَمَها بأمرٍ واحد في قوله تعالى: ﴿إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا﴾ [النساء:58].
فهذا يشمل كلَّ ما جعله الله تعالى حقًّا؛ لأن الأمانة المقصود بها هنا في قوله: ﴿إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الأَمَانَاتِ﴾ [النساء:58]، هي الحقوق التي التزمها الإنسان، وأُلزم بها، وفُرضت عليه، والأمانة قصَّ الله قصةَ عرضِها على السموات والأرض، والموقف الذي ذكره الله تعالى من استعفاء السموات والأرض من الحمل؛ لأنه كان عرضًا اختياريًّا وليس عرضًا إلزاميًّا قال الله تعالى: ﴿إِنَّا عَرَضْنَا الأَمَانَةَ عَلَى السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَالْجِبَالِ﴾ [الأحزاب:72].
وهذه من أعظم المخلوقات المرئية جلالًا وقدرة وقوة وصلابةً، فأبينَ أن يحمِلْنَها يعني اعتذرن من حملها، والأمر كان عرضًا، ولذا قال: ﴿إِنَّا عَرَضْنَا﴾ [الأحزاب:72]، العرض هنا: التخيير في التحمُّل، وليس العرض، ولو أمر الله تعالى لكان الالتزام هو اللازم لسائر المخلوقات، إنما هذا عرض تخيير ﴿إِنَّا عَرَضْنَا الأَمَانَةَ عَلَى السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الإِنْسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولًا﴾ [الأحزاب:72].
هذه الآية الكريمة كما ذكرتُ هي عرض اختياريٌّ حتى لا يقول: إن أبين هنا يعني رفضنَ، هو -عز وجل- ذكر استجابة أمره في السموات والأرض: ﴿ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ وَهِيَ دُخَانٌ فَقَالَ لَهَا وَلِلأَرْضِ اِئْتِيَا طَوْعًا أَوْ كَرْهًا قَالَتَا أَتَيْنَا طَائِعِينَ﴾ [فصلت:11].
فالعرض الذي ذكره هنا عرضُ تخيير فأبين أن يحملنها، وحملها الإنسان إختيارًا، وهذا قد يقول قائل: أنا ما أذكره ولكن كون النسان لا يذكره فهذا لا يعني أنه لم يكن، وهو قد يكون باعتبار الأصول، الأصول البشرية التي تحملت، اللي هو آدم -عليه السلام- تحمل هذه الأمانة فحملها بنوه من بعده سيرًا على طريقته.
حمَّل الله -عز وجل- الإنسان الأمانة وتحمَّلها، وقد قال الله تعالى: ﴿إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولًا﴾ [الأحزاب:72]، فذكر الله تعالى أعظم العوائق التي تعوق عن أداء الأمانة المتعلقة بحقِّه والمتعلقة بسائر الحقوق التي فرضها على عباده وهما: الظلم، والجهل.
الظلم ضده: العدل، والجهل ضده: العلم.
فبقدر ما يكمُل الإنسان في علمه، وبقدر ما يكمُل في عدله يتحقق له أداء ما تحمَّل من الأمانة.
إذًا الخلل في الأمانات على وجه العموم هو ناتج عن هذين الأمرين: إما الظلم، وإما الجهل.
أعظم الظلم، وأجهل الجهل هو الإخلال بحق الله تعالى؛ لأن حقه -جل وعلا- أثبت الحقوق، حقه- سبحانه وبحمده- أعظم الحقوق، حقه -جل في علاه- أوجب الحقوق، حقه -سبحانه وبحمده- ألزم الحقوق للنفوس؛ لأن العبد لا ينفكُّ عن الإحسان لله -عز وجل- لحظة كما قال تعالى: ﴿وَمَا بِكُمْ مِنْ نِعْمَةٍ فَمِنَ اللَّهِ﴾ [النحل:53].
فنعم الله على عباده تترى، وتتابع، وهي تصل إليهم مع لحظ أعينهم، وتردُّدِ أنفاسهم، ومَرِّ لحظاتهم، فنعم الله تعالى على الإنسان لا يخل منها لحظة من اللحظات، هذه النعم لها مقابل، مفترض أن يكون ثمة شكرٌ لهذه النعموهو أداء حق الله تعالى؛ ولذلك الله –عز وجل- يقول لنوح في أمره في القيام بحقه: ﴿اعْمَلُوا آلَ دَاوُدَ شُكْرًا وَقَلِيلٌ مِنْ عِبَادِيَ الشَّكُورُ﴾[سبأ: 13] يعني أمر الله تعالى لنوح عليه السلام بالعبادة، الأمر بالشكر بيان أن هذه العبادات هي شيء من شكر الله، شيء من شكر نعم الله تعالى وأداء حقه -جل في علاه-، وحقُّه أعظم من أن يحيط به العباد، أو أن يجازوه أو يكافئوه عليه، فهو –سبحانه وبحمده- الذي لا يَقدُر العبادُ قدره ﴿وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ﴾[الزمر: 67] –سبحانه وبحمده- وحقوقه أعظم وأجلُّ، إنما العبد يُبدي شيئًا من الصدق بامتثال ما أُمر به حسب طاقته لشكر الله –عز وجل- وأداء حقه.
إذًا الآن عرفنا أنه حقَّ الله –جل وعلا- على عباده هو موضوع الحياة، هو الذي من أجله خُلق الناس ليُختَبروا في هذا الحق، ثم نتيجة هذا الاختبار هو المجازاة على ما كان منهم مِن أداء هذا الحق إذا كانوا قد قاموا به ففريق في الجنة، وإذا تنكَّفوا عنه وأعرضوا عنه فريق في السعير.
وهذا الحق هو أدنى مراتب الشكر لله –عز وجل- على إنعامه وإحسانه، ولذلك سمَّى الله تعالى العبادةَ شكرًا كما ذكرت في أمره –جل وعلا- لداود ﴿اعْمَلُوا آلَ دَاوُدَ شُكْرًا وَقَلِيلٌ مِنْ عِبَادِيَ الشَّكُورُ﴾[سبأ: 13] كما أن الشكر هو جزءٌ من الطريق الذي يدرك به الإنسان شيئًا من منافع الدنيا، فإن منافع الدنيا تتحقق بالقيام بحقِّ الله –جل وعلا- وذلك أن الله –عز وجل- يُعطي عباده العطايا والهِبات في الدنيا والآخرة على نحو ما يكون منهم من استقامة، هذا لا يعني ألا يعطى الكافر شيئًا، بل الله –عز وجل- يقول: ﴿وَلَوْلا أَنْ يَكُونَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً لَجَعَلْنَا لِمَنْ يَكْفُرُ بِالرَّحْمَنِ لِبُيُوتِهِمْ سُقُفًا مِنْ فَضَّةٍ وَمَعَارِجَ عَلَيْهَا يَظْهَرُونَ * وَلِبُيُوتِهِمْ أَبْوَابًا وَسُرُرًا عَلَيْهَا يَتَّكِئُونَ * وَزُخْرُفًا وَإِنْ كُلُّ ذَلِكَ لَمَّا مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا﴾[الزخرف: 33- 35].
فالله يفتح للكافر بهذا العطاء الذي يبين ﴿وَلَوْلا أَنْ يَكُونَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً﴾[الزخرف: 33] يعني في الكفر وعدم الإيمان بالله –عز وجل- ﴿لَجَعَلْنَا لِمَنْ يَكْفُرُ بِالرَّحْمَنِ لِبُيُوتِهِمْ سُقُفًا مِنْ فَضَّةٍ وَمَعَارِجَ عَلَيْهَا يَظْهَرُونَ وَلِبُيُوتِهِمْ أَبْوَابًا وَسُرُرًا عَلَيْهَا يَتَّكِئُونَ﴾[الزخرف: 33- 34]، لكن هذا العطاء كما قال تعالى: ﴿وَزُخْرُفًا وَإِنْ كُلُّ ذَلِكَ لَمَّا مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا﴾[الزخرف: 35] يعني ليس بشيء أمام أعده الله تعالى لعباده الصالحين والمحققيين لطاعته في الدنيا والآخرة، في الدنيا من النعيم والسكن والطمأنينة والحياة الطيبة، وفي الآخرة من الفوز والسبق والنجاة من النار.
المقدم:-عفوا يا شيخ خالد يعني ربما يشترك المؤمن مع الكافر في هذا الرغد، أو ربما يكون المؤمن من هذا الشظف في العيش، ولو أن هذا ليس موضوعنا لكن بما أننا مررنا على هذه النقطة ربما يكون هناك لبس لدى بعض الناس عندما يرى كافر على حال من اليُسر والسَّعة من رغد العيش في مقابل أن يكون هذا المؤمن على نوع من ضيق العيش وشَظَفِه فيدخل عليه الشيطان شبهاتٍ لا مُنتهى لها.
الشيخ:- بالتأكيد الشيطان لا يترك بابًا من أبواب التشبيه والتشكيك وصدِّ الناس عن الحق والهدى إلا تقدَّم إليه وسعى فيه فقد أَخَذ على نفسه كما قصَّ الله تعالى في مُحكم كتابه :﴿قَالَ فَبِمَا أَغْوَيْتَنِي لَأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِرَاطَكَ الْمُسْتَقِيمَ﴾[الأعراف: 16]، فهو قاعد على الصراط المستقيم يصدُّ عنه بكل ما يستطيع ﴿ثُمَّ لَآتِيَنَّهُمْ مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ وَعَنْ أَيْمَانِهِمْ وَعَنْ شَمَائِلِهِمْ﴾[الأعراف: 17]، هذه المحاصرة التي وصفها الله –عز وجل- في التزام إبليس وحلفه أنه سيفعل هذا، هو الجاري في هذه التشبيهات والتشكيكات، وثمرة ذلك ما ذكره الله تعالى في قوله: ﴿وَلا تَجِدُ أَكْثَرَهُمْ شَاكِرِينَ﴾[الأعراف: 17] أي ولا تجد أكثر البشرية بسبب هذا الكيد الكُبَّار شاكرين أي عابدين الله –عز وجل- قائمين بحقه.
فمما يلقيه من الشبه، ويُضلّ به الناس عن الهدى هو ما يتصل بهذه الشبهة التي تصوِّر للناس أن عطاء الدنيا إكرام رب العالمين، ومنعها وحجبها هو دليل عدم الرضا وعدم المحبة الله –عز وجل- يقول: ﴿فَأَمَّا الإِنسَانُ إِذَا مَا ابْتَلاهُ رَبُّهُ فَأَكْرَمَهُ وَنَعَّمَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَكْرَمَنِ*وَأَمَّا إِذَا مَا ابْتَلاهُ فَقَدَرَ عَلَيْهِ رِزْقَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَهَانَنِ﴾[الفجر: 15- 16] ماذا يقول الله تعالى؟ كلا ليس الأمر كما تظنون أو تتوهمون أن العطاء دليل الرضا، وأن المنع دليل الإهانة وعدم المحبة والبغض لا، الله –جل وعلا- يعطي الدنيا لمن يُحب ومن لا يحب، لكنه لا يعطي الهدى والتقى والصلاح والاستقامة إلا من يحب، وقد أشار النبي –صلى الله عليه وسلم- أن هذا العطاء ليس دليلًا على شيئ من الإكرام، ولا من الإحسان الذي يدل على الحب، بل قد يكون ذلك استدراجًا.
هذا خبرٌ رواه الإمام مسلم في صحيحه من قصة دخول عمر على النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم وقصَّها عبد الله بن عباس يقول: دخل عمر على النبي –صلى الله عليه وسلم- لما اعتَزَل نساءه –صلى الله عليه وسلم- وكان –صلى الله عليه وسلم- على حصيرٍ، ما بينه وبينه شيء، وتحت رأسه وسادة من أَدَم النبي –صلى الله عليه وسلم- كان على حصير وتحت رأسه وسادة من أدم حشوها ليف، ليس فيها شيء يذكر من المتاع، وعند رجليه شيء من القرظ، وعند رأسه شيئ من أُهبة مُعلَّقة يعني في حال من القِلَّة وعدم التوسع ما وصف، وقد رأى عمر -رضي الله تعالى- عنه أثرَ الحصير في جنب النبي –صلى الله عليه وسلم- فلما رأى هذه الحال من حال النبي –صلى الله عليه وسلم- ما مَلَك عينَه بكي -رضي الله تعالى عنه- يعني رحمةً للنبي –صلى الله عليه وسلم- تأثرًا مما شاهد من قِلَّة ذات يديه –صلى الله عليه وسلم- وهو سيدُ ولد آدم فقال النبي –صلى الله عليه وسلم-:« ما يبكيك؟ »يعني أي شيء يجعلك تبكي؟ فقلت يا رسول الله: «فَقُلتُ: يا رَسولَ اللَّهِ إنَّ كِسْرَى وقَيْصَرَ فِيما هُما فِيهِ» من النعيم والسعة في الدنيا، كسرى ملك فارس، وقيصر ملك الروم، وهما أعظم مَملكتين في ذلك الزمان، وعندهم من الذهب والفضة والسعة ما عندهم قال: «إنَّ كِسْرَى وقَيْصَرَ فِيما هُما فِيهِ، وأَنْتَ رَسولُ اللَّهِ، فَقالَ: أما تَرْضَى أنْ تَكُونَ لهمُ الدُّنْيَا ولَنَا الآخِرَةُ»[أخرجه البخاري في صحيحه:ح4913] هذا التنبيه الذي لفت إليه النبي –صلى الله عليه وسلم- نظر عمر -رضي الله تعالى عنه-.
هو أن هذه الدنيا مهما كان فيها من النعيم، فإن النعيم الأساس هو ما في القلب من الطمأنينة والانشراح والبهجة بالله –عز وجل-، هذا ما يتعلق بالدنيا، وما يتعلق بالآخرة هو ذلك الذي يؤمَّل ويسعى إليه.
فالمقصود أن عطاء الدنيا مهما رأيت من عطاء الدنيا وزينَتِها لمن عصى الله أو كفر أو فَجَر أو بغى أو اعتدى، فاعلم أن ما في قلبه من الأذى، ما في قلبه من الوحشة بعدم معرفة الله ما في قلبه من الظلمة، ما في قلبه من الضيق يفوق كلَّ ما يصيب المؤمن من ضِيق في عيشه، ومن قِلَّة ذات يديه، وما أشبه ذلك مما يترتب من بؤس المعاش وقلة ذاته.
المقدم:- ولو أظهر السعادة أمام الناس، يعني يعيش نارًا في صدره أو ظلمة كما تفضلتم.
الشيخ:- بالتأكيد هو يا أخي الإنسان يشهدها من نفسه أنه أحيانًا قد يجامِل بابتسامة، قد يجامل بنوع من التبسُّط في الحديث، وفي قلبه من الهموم والأعباء والأسباب التي لا تتناسب مع المظهر الشيء الكثير، فإِظهار الزينة هذه وما يكون من مُتَع الدنيا ليس دليلًا على السعادة، ولا دليلًا على البهجة وطمأنينة القلب.
نعود إلى موضوعنا، وهو ما يتصل بأعظم الحقوق، الحقوق إذا عرفنا أن الدنيا مبنيةٌ على حقوق، هذه الحقوق لا يمكن أن تستقيم الدنيا ولا تطيب ولا يصلح المعاش إلا بفعلها، فإن الإنسان سيبادر إلى أدائها، عند ذلك ينبغي أن يسأل نفسه ما هي أعظم الحقوق التي إذا أتى بها الإنسان صلحت حاله وانبثق عنها كل ما يكون من بقية الحقوق التي تصلح بها المعاش؟
أعظم الحقوق ورأسها هو حقُّ الله –عز وجل-، حق الله الذي جعله على عباده هو عبادتُه، ولذلك جعل الله تعالى هذا في كتابه بأن أخبر الناس أنه ما خلقهم لأي حاجة من الحاجات أو غرض من الأغراض، أو مصلحة من المصالح إلا لشيء واحد وهو عائد نفعه إليهم، وهو أن يعبدوه وحده لا شريك له.
يقول الله تعالى: ﴿وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ﴾[الذاريات: 56].
لما كانت هذه الحقيقة على هذا النحو جلاءً ووضوحًا في القرآن العظيم، كان أول نداء نادي الله تعالى فيه الناس في كتابه هو أمرهم بتحقيق هذه الغاية أول نداء في القرآن ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ﴾[البقرة: 21] ما جاء قبل هذه الآية، أيُّ ذكر لأمر ونهيٍ تقدَّم على هذا، ولم ينادِ الله –عز وجل- في هذه القضية فئة من الناس، بل نادى الناس جميعًا ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ﴾ وهذا يدل على أن الخطاب القرآني خطاب عالمي، أن الإسلام خطاب للبشرية كافة، استجابوا ما استجابوا، إن استجابوا فذلك من سعادتهم، وإن أعرضوا فذلك من موجبات هلاكهم، وهو حرمانٌ لهم ألا يستجيبوا.
هذا الدين القويم العظيم الذي جاء به سيد المرسلين في ختم الرسالات، فتح الله تعالى فيه في كتابه النداء بهذا النداء، والنبي –صلى الله عليه وسلم- لما أمره الله –عز وجل- بأن ينذر عشيرته الأقربين قال: ﴿وَأَنذِرْ عَشِيرَتَكَ الأَقْرَبِينَ﴾[الشعراء: 214] ماذا أنذرهم؟ الشرك وقول الكفر وعبادة غير الله –عز وجل- وأمرهم أن يعبدوا الله تعالى وحده لا شريك له.
فالحق الذي جاءت به الرسالات جميعها، وليس فقط رسالة الإسلام ولا دعوة النبي –صلى الله عليه وسلم-،بل كل الرسل -صلوات الله وسلامه عليهم- دعوا إلى هذه الحقيقة ﴿وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ﴾[الأنبياء: 25]، وفي الآية الأخرى ﴿إِلَّا أَنَا فَاتَّقُونِ﴾[النحل: 2]، ويقول الله: ﴿يُنَزِّلُ الْمَلائِكَةَ بِالرُّوحِ﴾[النحل: 2] الروح أي الوحي ﴿مِنْ أَمْرِهِ عَلَى مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ أَنْ أَنذِرُوا أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاتَّقُونِ﴾[النحل: 2]، هذا موضوع الرسالات، هذا موضوع ما جاء به المرسلون -صلوات الله وسلامه عليهم- جميعًا، بلا استثناء، وبدون تخصيص.
جميعهم جاءوا يدعون الناس إلى عبادة الله وحده لا شريك، وهذا الذي دعا إليه النبي –صلى الله عليه وسلم- البشرية، ودعا إليه مِن أول يوم بعثه الله إلى أن توفاه الله –عز وجل-، وهو يدعو الناس إلى عبادة الله وحده، أول رسول بعثه الله تعالى إلى أهل الأرض كان سبب ذلك هو الإخلال بهذه الحقيقة، ولذلك يقول الله تعالى: ﴿وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحًا إِلَى قَوْمِهِ فَقَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ﴾[المؤمنون: 23]، ﴿إِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ﴾[الشعراء: 135].
فكل الرسل -صلوات الله وسلامه عليهم- وكل الرسالات، وهذه الرسالة المباركة كلها جاءت بالأمر بالعبادة ﴿وَإِلَى عَادٍ أَخَاهُمْ هُودًا قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ أَفَلا تَتَّقُونَ﴾[الأعراف: 65]، وشعيب يقول لقومه كما قصَّ الله تعالى في محكم كتابه: ﴿وَإِلَى مَدْيَنَ أَخَاهُمْ شُعَيْبًا قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ قَدْ جَاءَتْكُمْ بَيِّنَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ﴾[الأعراف: 85] إلى آخر ما ذكر الله –جل وعلا- فيما قصَّ من شأن شعيب: ﴿وَإِلَى ثَمُودَ أَخَاهُمْ صَالِحًا قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ﴾[هود: 61]، هذه كلها قضية وحقيقة متكررة في كل الرسالات.
والسبب في ذلك أن أعظم خلل أَخرجَ البشرية عن هذا الصراط هو عبادتهم لغير الله، هو إخلالهم بحق الله –عز وجل- في التوجه إليه إلى غيره، والتوجه إلى سواه وصرف العبادة لغيره، ولذلك كانت الرسالات جميعها دائرة على هذا المعنى ﴿وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولًا أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ فَمِنْهُمْ مَنْ هَدَى اللَّهُ وَمِنْهُمْ مَنْ حَقَّتْ عَلَيْهِ الضَّلالَةُ﴾[النحل: 36].
فمنهم من استجاب إلى دعوة المرسلين، ومنهم من لم يستجيب فكان من الخاسرين.
إذًا إذا تبين هذا أنه هذا الحق هو أعظم الحقوق، وأنه هذا الحق هو الذي من أجله بعث الله تعالى المرسلين، وأنه هذا الحق هو الذي ختم الله –عز وجل- به الرسالات، وأن هذا الحق لا يستقيم معاش الناس إلا بأدائه والقيام به، فإنه ينبغي أن يُعلم أن هذا الحق من أهم المهمات التي يجب على المؤمن أن يعرفها وأن يجتهد في تحقيقها، وأنه إذا حققها على وجه تام وكامل، كل الحقوق الأخرى المتعلقة بحقوق البشر ستأتي تابعة له مترتبة عليه.
المقدم:- شيخ خالد سنأتي -إن شاء الله- على نقاط مهمة مما يتعلق بهذا الحق العظيم لكن نستأذنك في أخذ الاتصال الأول.
قبل ما أخذ الاتصال أذكر برقم التواصل 012677717 و0126493028
عبد العزيز الشريف من الرياض اتفضل.
المتصل:- السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
المقدم:- عليكم السلام ورحمة الله وبركاته.
المتصل:- حياك الله يا أستاذ عبد الله، مساك الله بالخير.
المقدم:-مساك الله بالنور، حياك الله.
المتصل:- حياك الله يا شيخ خالد، كيف الحال يا شيخ؟
الشيخ:- أهلا وسهلًا، مرحبًا بك، حياك الله.
المتصل:- فضيلة الشيخ هناك بعض الناس يسير شبهات حول التوحيد والعقيدة، فمنهم من يقول: ذلك الرجل الذي قال لأبنائه: لو أنا مت فاقطعوني وذروا لحمي وأحرقوني بالنار، قال فبعثه الله –عز وجل- قال: لم قلت ذلك، إني خائف منك، فهو شك في قدرة الله أن يعيده مرة ثانية.
السؤال الثاني :أيضًا يقول الله: ﴿فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُرْ﴾[الكهف: 29]، هذه حرية شخصية للإنسان أنه سواء آمن أو كفر هذا راجع، فما هو توجهيكم بارك الله فيكم؟
المقدم:- شكرا لكم أخي عبد العزيز، طيب شيخ خالد إذا في إمكانية نجيب عليه بشكل سريع السؤالين؟
الشيخ:- هو كل موضوع حلقتنا هذه مما يتعلق ببيان هذا الحق، وأن هذا الحق من الأهمية بمنزلة كبرى يجب على كل أحد أن يعتني به، وأنه ما يقوله بعض الناس: من أن هذا الحق ما يحتاج تتكلمون عن التوحيد، فالناس موحدون، ولماذا التحذير من الشرك؟.
المقدم:- يعني بعض الناس -عفوا يا شيخ- يقولون إحنا في عصر التقنية والتقدم وغير ذلك، يقول إن الناس الآن أصبحت على قدر عال من المعرفة والعلم وغير ذلك، وأن الحديث عن مسألة عبادة الله –عز وجل- والأمور الأساسية هي مترسخة في قلوب المسلمين، ولا تحتاج إلى تذكير ولا إلى ترسيخ.
الشيخ:- هذا مُشكل حقيقٌ أن يُتنبَّه إليه، وأن يجلى، أنه ليس ثمة ارتباط بين سلامة الاعتقاد، وهذا حق الله –عز وجل- ومدى قدرة الإنسان على التصنيع والتطور، وما أنجزه من مُنجزات دنيوية الله –عز وجل- يقول: ﴿يَعْلَمُونَ ظَاهِرًا مِنَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ عَنِ الآخِرَةِ هُمْ غَافِلُونَ﴾[الروم: 7]، فهذه الآية تنطبق، هذه الآية تصف حال كثيرٍ من الناس أن عنده معرفة في شئون الدنيا وإتقان لها وتميُّز فيها، لكن ليس ثمة صلةٌ بين هذا وبين أداء حق الله –عز وجل-، لأن حق الله –عز وجل- مما يؤجر عليه الإنسان يعني الأجر الكامل في الآخرة، فلا يهتم له في الدنيا.
ثم أنت الآن ستشاهد أن من أكبر العقول إنتاجا وتصنيعًا وإتقانًا في شأن المخترعات ممكن أن يسجد لصنم، ممكن أن يأتي في عبادته يعبد غير الله –عز وجل- وهذا واقع، هذا ليس متخيَّلا، يا أخي أنت إذا علمت أن البشرية ستة مليار إنسان، عدد الموحدين من هؤلاء لا يتجاوز إذا قلنا: السدس فنحن قد نكون بلغنا الذروة في الإحصاء.
إذًا إذا كان السدس وخَمسة أسداس على غير أداء حق الله –عز وجل- تعرف أنه الخلل كبير في هذا الموضوع، وأنت إذا أردت أن تعرف خطورة الموضوع، وأنه لا يتعلَّق بالمعاش وأنه الناس قد تطيب حياتهم فيما يتعلق بالمصنوعات والمخترعات، لكن يكون عندهم خلل كبير في عبودية الله –عز وجل-، والقيام في حقه لله –عز وجل-.
هذا تشهده عبر التاريخ، وليس في يومنا هذا، يعني فرعون بني الأهرام هو وقومه، وقال:﴿أَلَيۡسَ لِي مُلۡكُ مِصۡرَ وَهَٰذِهِ ٱلۡأَنۡهَٰرُ تَجۡرِي مِن تَحۡتِيٓۚ أَفَلَا تُبۡصِرُونَ ﴾[الزُّخرُف:51]، يعني كان عنده من متع الدنيا والتمكن والسطوة ما عنده، ومع ذلك هو الذي قال: ﴿أَنَا رَبُّكُمُ الأَعْلَى﴾[النازعات: 24]، وهو الذي قال: ﴿مَا عَلِمْتُ لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرِي﴾[القصص: 38]، وكانت عقوبته أن جعله الله تعالى آية لمن خلفه بالغرق الذي شهده بنو إسرائيل.
فالمقصود أنه هذا من التشبيه، ومن التضليل الذي يمارسه البعض فيما يتعلق بأن عطاء هؤلاء، لا يمكن أن يكون عندهم شرك، وهم قد وصلوا إلى ما وصلوا، أليست القبور تُعبد؟ أليست البقر تعبد؟ أليست الفئران والحشرات تعبد من دون الله؟
هذا موجود وليس مُخترعًا، وهذا لا يفعله فقط سقط الناس وهملهم بل يفعله من يتخرَّج من كُبرى الجامعات، ومن كبرى الدراسات، ويخرج من أكبر المصانع إلى مثل هذه الأصنام التي تُعبد من دون الله، والتي لا يُرجى منها من نفعٌ أو ضر، ويتوجه لها في العبادة، العبادة مركوزة في فطر الناس لابد لهم من عبادة، منهم من يوفَّق إلى عبادة الله، ومنهم من يضلُّ الطريق فيعبد غير الله.
المقدم:- أثرت نقطة مهمة في حديثك،ولعلي تذكرت بعض الشبهات التي يُثيرها البعض في مواقع التواصل أو غيرها، وهي مما عمَّت بها البلوى، عندما يتناقل بعض الناس ويتابعون حسابات وهميَّة، وربما هي حسابات تأتي أحيانا من الخارج وتلبِّس على الناس في دينهم، ربما بعض الأسئلة التي يطرحونها في هذا السياق عندما يقولون مثلا: المخترعون هؤلاء الذين اخترعوا الكهرباء والإنارة وغيرها والمكيِّفات التي وسعت على الناس في حياتهم، هل فعلا -للأسف يقولون-: يستحقون النار؟ شُبهات للأسف مُتوغِّلة في صميم الخطر والضرر.
الشيخ:- الجواب المباشر: النار والجنة ليست للبشر يعطولها من يشاءون ويمنعونها من يشاءون، النار والجنة هي لله –عز وجل- بل الدنيا والآخرة لله –عز وجل- وكون الإنسان يفكِّر في استحقاق الجنة بسبب مصالح دُنيوية أو منافع هذا ليس عدلًا، الآن لما يقول شخص مثلا: أنا سوف أهب مكافأة أو جائزة لمن يفعل كذا من الأعمال، فيأتي شخص ويقول: أنا والله ما سويت هذا العمل، ما قدرت عليه، أو لم أقم به، أو لم أهتم به، أو لم أر أنه مهم لكن سويت شيئا أهم وهو العمل الفلاني، وهو فعلا عمل مهمٌّ ومفيد، هل يستحق الجائزة ولا ما يستحقها؟ بالتأكيد لا يستحقها؛ لأنه لم يأت بشرطها.
فالله –عز وجل- جعل الجنة دار المتقين، جعل الجنة دار العُبَّاد الصالحين، جعل الجنة لمن حقق "لا إله إلا الله"، فمهما صنع الإنسان من إتقان وتقدم وما إلى ذلك من مُنجَزات لكن لم يحقق العبودية لله –عز وجل- فهو على غير السبيل، وعائشة -رضي الله تعالى عنها- سألت النبي –صلى الله عليه وسلم- عن عبد الله بن جُدعان وكان رجلًا معروفًا في زمن الجاهلية بأنواع من الخصال الحسنة والأعمال التي انتفع منها الناس، هل ينفعه ذلك في الآخرة؟ فقالت عائشة بنص العبارة"" يا رسول الله ابن جُدعان كان في الجاهلية يصل الرحم، ويطعم المساكين هل ذلك نافعة؟ يعني هل ينفعه يوم القيامة؟ قال: «لا ينفعه؛ إنه لم يقُل يومًا: ربِّ اغفر لي خطيئتي يوم الدين»[أخرجه مسلم في صحيحه:ح214/265] يعني لم يكن يؤمن بالبعث.
المقدم:- وفي القرآن ﴿مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا نُوَفِّ إِلَيْهِمْ أَعْمَالَهُمْ فِيهَا وَهُمْ فِيهَا لا يُبْخَسُونَ﴾[هود: 15].
الشيخ:- نعم هذا في الدنيا يوفَّون ما لهم من نصيب، لكن في الآخرة ﴿وَقَدِمْنَا إِلَى مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاءً مَنْثُورًا﴾[الفرقان: 23]؛ لأنه لم يأت بالأساس والأصل الذي يُقبل منه.
المقدم: الذي هو العبادة.
الشيخ: المقصود أن إنجازات البشرية التي تتعلق بالتصنيع، بتسهيل هذه من الأمور التي ينتفعون بها في دنياهم، لكن هذه لا تستلزم فلاحًا في الآخرة، ولا نجاحًا في الدنيا حتى في الدنيا لا يستحق بها هناء وسعادة، قد يكون الإنسان في أعلى ما يكون من النعيم الظاهر لكنه لم يدرك شيئًا من السعادة الحقيقية، سعادة القلب والفؤاد.
عدنا إلى النقطة الأولى وهي أنه ما في ارتباط بين عطاء الدنيا وإنجازات الدنيا وبين تحقيق العبودية، العبودية أمر يتعلق بالقلب، ويتعلق بامتثال ما أمر الله –عز وجل-، هذا الحق الذي هو حق الله تعالى على عباده هو معنى "لا إله إلا الله" حتى ما يسرقنا الوقت في بيان ما هو الحق الذي جعله الله على عباده، هو أن يعبدوه وحده لا شريك له، وهذه القضية قضية في غاية الجلاء والوضوح أنه لابد في تحقيق الطاعة وأداء الحق لرب العالمين أن يعبدوه وحده لا شريك له، أن يعبدوه وحده بقلوبهم، أن يعبدوه وحده بألسنتهم، أن يعبدوه وحده بجوارحهم، فلا ينصرفوا إلى غيره ويتوجهوا إليه.
طبعا بعض الناس يقول كيف العبادة بالقلب؟ العبادة بالقلب هي محبته وتعظيمه أن يمتلأ قلبك حبًا لله –عز وجل-
المقدم:- كالشكر مثلا يا شيخ خالد، يعني هو على سبيل المثال الشكر يكون بالجوارح، يكون باللسان بعبادة الله وكذلك أيضًا يكون بالاعتراف والإقرار في قلب الإنسان.
الشيخ:- هذا مثال، مثال آخر للعبادات التي تكون في كل الجوانب التي يكون فيها عمل في القلب واللسان والجوارح، فعبادة القلب مدارها على تحقيق المحبة لله والتعظيم، وعبادة اللسان بالنطق بشهادة أن لا إله إلا الله وأداء الحقوق المتعلقة باللسان، عبادة الجوارح بما فرضه الله تعالى من أركان الإسلام التي شرعها -جل في علاه- لعباده.
يعني العبودية ليست شيئًا يعيق الحياة، هنا مسألة مهمة بعض الناس يظن أنه أداء حق الله تعالى معناه تعطيل الحياة، لا، أداء حق الله –عز وجل- تطيب به الحياة، ولا يعطلها أداء حق الله –عز وجل- يعين الإنسان على مصالح معاشه ويبلغه فوز معاده، ولذلك قال الله تعالى: ﴿إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ﴾[الفاتحة: 5]، الاستعانة تكون في تحقيق العبودية، وتكون في تحقيق إدراك مصالح المعاش أيضًا، فلا يدركها الإنسان إلا بعون الله –عز وجل-.
المقدم:- لعلنا يا شيخ نتحدَّث أيضًا عن آثار تحقيق العبودية لله –عز وجل- لكن نأخذ الاتصال.
ميساء من الدمام اتفضلي ميساء، طيب انقطع الاتصال، ربما يا شيخ بشكل مختصر نتحدث عن آثار تحقيق هذه العبودية لله –عز وجل-.
الشيخ:- هو أبرز آثارها في الحياة الدنيا طيب الحياة، هو ثمرة مؤكَّدة لعبادة الله –عز وجل-والقيام بحقِّه، الله –عز وجل- يقول: ﴿الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ أُوْلَئِكَ لَهُمُ الأَمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ﴾[الأنعام: 82]، أعطاهم الله تعالى هِبَتين على طاعته والقيام بحقه والسلامة من الشرك الذي هو صرف العبادة لغير الله، الذي هو التعلُّق بغير الله، وهنا لما نقول: صرف العبادة لغير الله، بعض الناس يقول: أصل كل المسلمين يصلون لله، ولا في صرف، عندما تستغيث بغير الله تقول: يا حسين، يا علي، يا فلان، يا رسول الله أعطني كذا، تدعوهم من دون الله، الولي أو الحجر أو المَلَك أو الجن أو الإنس كلُّ معبود من غير الله، كل هذا خارج عن تحقيق العبودية لله، فمخالف ل" لا إله إلا الله"، لأن "لا إله إلا الله" تقتضي أن لا تدعو إلا الله، كما قال تعالى: ﴿وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ فَلا تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَدًا﴾[الجن: 18].
المقدم:- رجعت إلينا ميساء، اتفضلي ميساء.
المتصلة:-السلام عليكم.
المقدم:-عليكم السلام ورحمة الله اتفضلي بسؤالك.
المتصلة:-يا شيخ أنا أغش في الاختبار، أريد تنصحني نصيحة
المقدم:-يجاوبك الشيخ إن شاء الله، شكرا لكِ ميساء ممكن يا شيخ باختصار تغش في الاختبار وتريد نصيحة من فضيلتكم.
الشيخ:- هذا على كل حال «من غشَّ فليس منا»[ حديث النبي rأخرجه مسلم في صحيحه:ح101/164]، والنجاح الحقيقي هو ما أدركتيه بعملك واجتهادك، أما بالغش فإنه ليس نجاحًا، بل هو تزوير سرعان ما ينكشف في الدنيا، وأيضًا ينال الإنسان عليه العقوبة في الآخرة.
المقدم:-ولعل الإنسان يحقِّق العبودية لله –عز وجل- حتى في طلب العلم، بأن يسلُك ما أمر الله به –عز وجل-، وينتهي عما نهى الله –عز وجل-.
الشيخ:-نعم وهذا من حقوق الله –عز وجل- التي تنبثق عن حقِّه الأساس، وهو عبادته وحده لا شريك له؛ لأن مقتضى "لا إله إلا الله" مقتضى الإسلام هو طيب القلب وصلاح العمل.
المقدم:-شيخ خالد لو في نقاط مختصرة نتحدث أيضًا عما يتعارض مع أداء حق الله –عز وجل-، هل هناك أمور تتعارض مع أداء هذا الحق الكبير؟
الشيخ:-أعظم ما يُخلّ بهذا الحق هو الشرك، ولذلك الله يقول: ﴿إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ﴾[لقمان: 13]، ولذلك يقول الله –عز وجل-: ﴿إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ﴾[النساء: 48] ولذلك قال تعالى: ﴿إِنَّهُ لا يُفْلِحُ الْكَافِرُونَ﴾[المؤمنون: 117] وبين الله –جل وعلا- عواقب الشرك في الدنيا والآخرة، ففي الدنيا يقذف الله تعالى في قلوبهم من الرعب والخوف والقلق ما لا يجدون معه سكنًا، ولا طمأنينة، ولا هناء، في حين أن أهل التقوى والإيمان يفوزون بما يمن الله تعالى به على عباده من سكينة القلب ﴿أَلا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ﴾[الرعد: 28].
في المقابل يقول الله تعالى: ﴿سَنُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُوا الرُّعْبَ بِمَا أَشْرَكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا وَمَأْوَاهُمُ النَّارُ وَبِئْسَ مَثْوَى الظَّالِمِينَ﴾[آل عمران: 151].
المقدم:- إذًا يتعارض مع حصول الهناء إذا لم يحقِّق العبد هذه، أو لم يؤدِّ هذا الحق لله –عز وجل-؟
الشيخ:- بالتأكيد.
المقدم:- أستأذنك شيخ خالد، نأخذ آخر اتصال أبو عبد الله اتفضل أبو عبد الله.
المتصل:- السلام عليكم.
المقدم:- عليكم السلام ورحمة الله.
المتصل:- نسأل الله أن يجعل هذا العمل في ميزان أعمالكم إن شاء الله.
سؤالي يا شيخ يقول الله –عز وجل-: ﴿وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ﴾[الذاريات:56]، الله –عز وجل- غنيٌّ عن عبادتنا، سؤالي لماذا خلقنا الله وهو غني عن عبادتنا؟
المقدم:- تسمع الإجابة شكرا لك أخي أبو عبد الله اتفضل يا شيخ.
الشيخ:-أما لماذا خلقنا الله –عز وجل- فخلقنا الله –عز وجل- ليبلوَنا كما قال: ﴿الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا﴾[الملك: 2]، للاختبار والابتلاء، أما ما الحكمة من خلق البشرية؟ فهذه الله –عز وجل- أعلم بها، و﴿لَا يُسَۡٔلُ عَمَّا يَفۡعَلُ وَهُمۡ يُسَۡٔلُونَ﴾[الأنبياء:23]، لا يسأل عما يفعل وهم يسألون، لكن نحن مُكلَّفون بإدراك الحكمة من الخلق، أو الغاية من الخلق، وهو الذي ينفعنا، وينتج عنه عملنا، وينتج عنه صلاح حالنا أن ندرك أن الله خلقنا لعبادته، أما لماذا خلقنا الله عبادته؟ فهذا الجواب لا يسأل عما يفعل وهم يسألون، ونحن بعقولنا لا نستطيع أن ندرك السرَّ والغاية والحكمة في كل ما يقضيه الله –عز وجل- ويحكم به –سبحانه وبحمده-.
ولذلك قطع الله تعالى على الناس الطريق في هذا التساؤل، وهذا التسلسل الذي لا يدركون منه جوابا، وقد تَحَار عقولُهم وتضيق أفهامهم عن إدراكه، فقال: ﴿لَا يُسَۡٔلُ عَمَّا يَفۡعَلُ وَهُمۡ يُسَۡٔلُونَ﴾[الأنبياء:23]؛لأن فعله لا يجري على إدراك الإنسان، الله –عز وجل- يقول: ﴿وَلا يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِنْ عِلْمِهِ﴾[البقرة: 255]، ويقول –جل وعلا-: ﴿وَلا يُحِيطُونَ بِهِ عِلْمًا﴾[طه: 110]، وهذا يدل على ضعف قدرة الإنسان عن إدراك الحقائق وأسرار أفعال الله –عز وجل- وأَقْضِيتِه وأحكامه –سبحانه وبحمده-.
فالذي يفيد لهذا خلقنا، أما لماذا خلقنا، ما الواجب علينا في حياتنا في خلقنا؟ أما لماذا خلقنا الله –عز وجل-؟
فهذا لا تدركه عقولنا، ونقول: ﴿لَا يُسَۡٔلُ عَمَّا يَفۡعَلُ وَهُمۡ يُسَۡٔلُونَ﴾[الأنبياء:23].
المقدم:- ونقطة مهمة نذكِّر بها، نحن نعبد الله –عز وجل- وهو –سبحانه وتعالى- غني ٌّعن عبادتنا كما تفضلتم، أنه خلقنا وأمرنا بأن نعبده ليبلونا ويختبرَنا في هذه الحياة.
الشيخ:- أكيد،« يا عبادي إنكم لن تبلغوا ضَرِّي فتضروني، ولن تبلغوا نفعي فتنفعوني»[حديث النبيrأخرجه مسلم في صحيحه:ح2577/55] وخَلْق الله غيرنا كثير يا أخي، يعني أنت إذا نظرت إلى خلق الإنسان في محيط هذا الخلق العظيم الكبير في الكون، العالم الآن بتطوراته واكتشافاته يكتشف أننا جزء ضئيل كالهباء في أشعة الشمس، في سياق خلق الله –عز وجل- وصنعه –سبحانه وبحمده-، ما قدروا الله حق قدره شأن الله أعظم وأجل –سبحانه وبحمده- أن يحيط به هذا العقل.
يا أخي، نحن لا ندرك أبسط ما يكون، أرواحنا التي بين جنبينا، لا ندرك حقيقتها ﴿وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي﴾[الإسراء: 85] ما ندركها، ولا نعرف حقيقتها، يخفي علينا شيء كثير من شأنها، فكيف يريد الإنسان بعقله القاصر عن إدراك حقيقة روحه التي بها يعيش؟ كيف يريد أن يدرك أسرار وحكم وغايات أفعال الله –عز وجل- وأقضيته؟
المقدم:- لعلنا يمكن يا شيخ نختم في دقيقة السؤال الذي آثاره الأخ المستمع عبد العزيز في أول اتصال عن تلبيس البعض باستخدام، أو ربما الاستدلال بهذه الآية الكريمة في سورة الكهف ﴿فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُرْ﴾[الكهف: 29] بأنه هناك حرية لمن شاء أن يؤمن ومن شاء أن يسلك طريقًا آخر.
الشيخ:- هذا التخيير ليس لاستواء الحالين، إنما هذا أن الله –عز وجل- منحَ العبد الاختيار بين أن يفعل هذا ويفعل هذا، وهذا الاختيار يترتب عليه آثارٌ ونتائج في الدنيا وفي الآخرة، فإذا اختار اختيارًا رديئًا كأن يختار الكفرَ على الإيمان، فليتحمَّل نتيجة اختياره من العقوبات التي تكون في الدنيا، ومن العقوبات التي تكون في الآخرة، وعذاب الآخرة أشد وأبقى، وإذا اختار الإيمان فإن الله سيمُنُّ عليه بالعطايا والهِبات التي يدرك بها خيرات الدنيا، وخيرات الآخرة.
فهذا ليس تخييرًا بمعنى استواء الأمرين من حيث العواقب والنتائج، بل لكل من الاختيارين ما يترتب عليه من الثمار والنتائج المرتَّبات في الدنيا والآخرة.
المقدم:- وصلنا إلى ختم هذه الحلقة برفقة فضيلة الشيخ الدكتور خالد بن عبد الله المصلح أستاذ الفقه بكلية الشريعة بجامعة القصيم، والمشرف العام على فرع الرئاسة العامة للبحوث العلمية والإفتاء في منطقة القصيم، نتوجَّه بالشكر الجزيل إلى فضيلتكم في ختم هذه الحلقة، ونسأل الله –سبحانه وتعالى- أن يجزيكم خيرَ الجزاء على ما قدمتم طوال هذه الساعة.
الشيخ:-بارك الله فيكم، وأسأل الله لي ولكم صِدقَ الإيمان وتمام التوحيد، وأن يعيننا وإياكم على حقه وحق خلقه، وصلى الله وسلم على نبينا محمد، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
المقدم:-وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته ولكم الشكر الجزيل كذلك مستمعينا الكرام موصول على حسن استماعكم وتفاعلكم معنا في هذه الحلقة، لقاؤنا يتجدد بكم بإذنه تعالى في تمام الساعة الثانية ظهرًا من يوم الأحد المقبل، حتى ذلكم الحين تقبلوا تحياتي أنا عبد الله الداني، ومن تنفيذ على الهواء الزميلين؛ محمد باصويلح، وسعود إسحاق، ومن استقبال المكالمات الزميل خالد فلاته، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.