المقدم: حياكم الله من جديد مستمعينا الكرام إلى هذه الحلقة المباشرة من برنامج "الدين والحياة"، موضوع حلقتنا في هذا اليوم موضوعٌ مهمٌ جدًا انطلاقًا مما كان من أصول العقيدة الصحيحة ألا وإن من أصول العقيدة الصحيحة السمع والطاعة لولاة أمر المسلمين في غير معصية الله -سبحانه وتعالى- قال الله -تعالى- في كتابه العزيز: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنْكُمْ﴾ [النساء:59]
وألوا الأمر هم الأمراء على الصحيح من أقوال أهل العلم[هو قول أبي هريرة، وابن عباس، وزيد، والسدي، وغيرهم.انظر تفسير الطبري:8/97-99] لعلنا نستفيض في الحديث عن هذا الموضوع المهم مع ضيفنا وضيفكم فضيلة الشيخ الدكتور خالد المصلح.
شيخ خالد عندما نتحدث عن موضوع طاعة ولاة الأمر نرى أن في القرآن الكريم والسنة النبوية المطهرة الكثير من النصوص والمواضع التي وردت فيها مسألة حثِّ الناس على طاعة ولاة الأمر، في البداية نعرِّف من هم ولاة الأمر ثم ننطلق أيضًا إلى سبب الحثِّ المتكرِّر والمستمر على طاعة ولاة الأمر في طاعة الله -سبحانه وتعالى-.
د/ خالد:الحمد لله رب العالمين وأصلي وأسلم على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين أما بعد...
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
المقدم:عليكم السلام ورحمة الله وبركاته
د/ خالد:تحية طيبة يا أخ عبد الله وللإخوة والأخوات المستمعين والمستمعات.
المقدم:حياك الله
د/ خالد:هذا الموضوع الذي تدور عليه كلماتنا في هذا اللقاء وفي هذا البرنامج موضوعٌ في غاية الأهمية، وتظهر أهميته بالمطالعة السريعة للنصوص الواردة في السنة النبوية الآمرة بطاعة ولاة الأمر، وأدنى مطالعة لهذه النصوص يدرك عظيم عناية النبي -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- بهذا الأمر، وجليلَ تركيزه وتأكيده على أهميته وعدم الإخلال به؛ وذلك لما يترتب عليه من المصالح العظمى الدينية والدنيوية، وقضية طاعة ولاة الأمر لا يرتاب مؤمن عالم بالكتاب والسنة أنها من القضايا الأساس التي جاء دليلها في الكتاب والسنة، وأجمع عليها علماء الأمة، فقد أمر الله -تعالى- بطاعة ولاة الأمر في محكم الكتاب، وذلك في قوله -جل في علاه-: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنْكُمْ﴾ [النساء:59].
ثم وجه في حال حصول اختلاف بين الناس في الرد إلى الله ورسوله؛ لأنهما الحاكمان على كل ما يكون من خلاف: ﴿إِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا﴾[النساء:59].
ولذلك الآية دالة دلالة واضحة لا لَبْسَ فيها ولا غبش في أن طاعة ولاة الأمر هي من طاعة الله ورسوله حيث أن الله -تعالى- قدم الأمر بطاعته، والأمر بطاعة رسوله –صلى الله عليه وسلم- ثم قال: ﴿وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنْكُمْ﴾أي وأطيعوا أولي الأمر منكم، وجعل طاعة أولي الأمر تابعةً لطاعته وطاعة رسوله تأكيدًا على المعاني التي جاءت في الكتاب والسنة من وجوب الطاعة في المعروف، وأن الطاعة لازمة لأهل الإيمان، وطاعة ولاة الأمر هي من خِصال الإيمان؛ لذلك يقول الله -تعالى-: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا﴾فالخطاب للمؤمنين، وما قدم الله -تعالى- فيه الخطاب بالإيمان دل ذلك على أنما يأتي بعده مما لا يتحقق الإيمان إلا به، ولا يكمل إيمان العبد إلا بالتحلي بتلك الخصلة، فالله –عز وجل- قال: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنْكُمْ﴾، فطاعة الله وطاعة رسوله وأولي الأمر من المسلمين هي من خصال الإيمان لا يرتاب في ذلك مطالع لدلالة الآية، متمعن في ما أفادته، وكذلك فيما جاءت به النصوص الكثيرة في الكتاب والسنة، فقد جاء في السنة أحاديث كثيرة في الصحيحين وغيرهما، بل مطالعة سريعة في صحيح الإمام مسلم، وما كتب وما ساقه من النصوص في السمع والطاعة، وجوب طاعة وُلاة الأمر، يتبين بلا رَيب ولا شكٍّ أن ذلك من الإيمان، وأن ذلك من طاعة الله -عز وجل- وأنه لا يتحقق لك كمالُ الطاعة لله -عز وجل-، ولا تتحقق لك طاعة الرسول -صل الله عليه وسلم- إلا بطاعة من ولّاهم الله -تعالى- الأمر، فجاء في الصحيحين من حديث عبادة بن الصامت -رضي الله تعالى عنه- قال: «بَايَعْنا الرسولَ -صلى الله عليه وسلم- على السمع والطاعة».
هذا الحديث له قصة في رواية عبادة له -رضي الله تعالى عنه-، فإن جماعة عادوا عبادة في مرض موته -رضي الله تعالى عنه- وطلبوا منه الوصية أن يوصِّيَهم، ومعلوم أن الإنسان في حال السياق لا يهتم بتبليغ الناس إلا بأهم المهمات التي يرى حاجتهم إليها، فقال لهم -رضي الله تعالى عنه- : "بايعنا رسول الله -صل الله عليه وسلم- على السمع والطاعة في مَنْشطنا وَمَكْرَهِنا، وعُسرنا ويُسرنا، وأثَرَةٍ علينا، وأن لا نُنازِع الأَمرَ أهلَه"، ثم قال -صل الله عليه و سلم- «إلا أن تَروا كُفرًا بَواحًا عندكم فيه من الله برهان».[أخرجه البخاري في صحيحه:ح7055، ومسلم:ح1709/42].
هذا الحديث أخبر فيه عبادة عن ميثاقٍ أخذه الرسول -صل الله عليه وسلم- علي أصحابه الكرام -رضي الله تعالى عنهم- وهو أنه بايعهم على السمع والطاعة، السمع هو القبول، والطاعة هي الامتثال، فالسمع هو تقبُّل ما يكون من ولاتهم، تقبل ما يكون من أمرهم، تقبل ما يكون من نهيهم، والطاعة هي الامتثال لذلك الأمر، الامتثال لذلك النهي، امتثال الأمر بفعله وامتثال النهي بتركه، وهذه الطاعة ليست مقصورة على زمان ولا علي مكان، ولا على حال ولا على ما يحب الانسان ويشتهي، بل هي عامة لكل أحواله«في مَنشَطِتنا ومَكرهِنا، في عُسرنا ويُسرنا"، بل الطاعة حتى فيما حصل أثرة وهو نوع من التجاوز والتعدي للحقوق "وأثرةٍ علينا"، ثم قال -صل الله عليه و سلم- "قال عبادة في بيان ما بايع عليه النبي -صل الله عليه و سلم- أصحابه قال: "وأَثَرةٍ علينا، وأن لا نُنازِع الأَمرَ أهله"، أهله يعني الذين تأهَّلوا له وسار إليهم، والله يُؤتي ملكه من يشاء، فإذا آتى الله -تعالى- مُلكَه أحدًا من الناس فإنه يكون أهلًا له بمعني أنه تأهَّلَه، ولا يلزم كما يقول بعض الناس: بأنه كملت فيه المواصفات، لا، أهله الذين تأهلوا له، وتصدوا له، وساق الله -تعالى- إليهم الملك يعني اجتمع الناس عليهم، وائتلفت القلوب عليهم، واجتمعت الناس على ولايتهم، وقبلوهم، وأصبحوا ولاة أمر المسلمين هنا يكون داخلً في قوله -صلى الله عليه وسلم -: «أن لا نُنازِع الأَمرَ أهلَه»، قال: «إلا أن تَروا كُفرًا بواحًا عندكم فيه من الله برهان»، وهذه حالة خاصة يجوز فيها الخروج عن مقتضى هذه البيعة التي ذكرها النبي -صل الله عليه و سلم- ولكنها في غاية الدقة، «إلا أن تروا»، والرؤية إحساس وإدراك بصري وليس إدراكًا نقليًّا، أو إدراكًا يرد عليه الاحتمال، بل هو علمٌ كعلم البصر في المشاهدة والإدراك «إلا أن تروا»، ثم يقول -صلى الله عليه وسلم-: «كُفرًا»والكفر هنا ليس أمرًا يقترحه الناس ولا يحدِّده أحد من قِبل نفسه، بل لا بد أن يكون مُستنِدًا إلى بيّنة وبرهان من الكتاب والسنة، ويخرج من هذا ما يكون من المسائل المختلف فيها؛ لأن المسائل المختلف فيها ليست صادقة على أنها بَواح، إذ البواح هو الظاهر المتفَق عليه، الذي لا خلاف فيه، الذي لا يمتري عليه اثنان بأنه مختلفٌ فيه، أنه مخالفٌ لشرع الله، وأنه كفرٌ متحقِّقٌ فيه هذا الوصف، قال -صل الله عليه وسلم-: «عندكم فيه من الله برهان»، ليس عندكم فيه شهوة، ولا رغبة، ولا مصلحة ذاتية، ولا هوى، ولا اتباع لجماعة، ولا مطامع ومصالح شخصية، إنما برهان عندكم فيه بينة، تلقون الله -تعالى- فيه، ولذلك قال: «عندكم فيه من الله –تعالى- برهان»؛ لأن الإنسان عن هذا الميثاق والبيعة وهذا العهد الذي أخذه النبي -صل الله عليه وسلم- على أصحابه، وهو مأخوذٌ علي عامة الأُمَّة مع ولاتها، لأن النبي -صلى الله عليه وسلم- بايعهم وليست البيعة له فهو الرسول -صل الله عليه وسلم- حاشاه أن يكون منه كفرٌ بواح، أو يكون منه أَثَرة، لكن هذه البيعة في حق من ولَّاه الله -تعالى- أمر المسلمين ولذلك قال: "ألا نُنازِعَ الأمرَ أهلَه" وهم ولاة أمر المسلمين الذين صار إليهم الملك، والله يؤتي ملكه من يشاء.
المقدم:إذن هذه القضية يا شيخ خالد هي قضية مُتعلِّقة بالديانة مباشرةً، وليست قضية هامشيَّة، بل هي قضية أساس، لكن تضافر الآيات الكريمة والأحاديث الشريفة في هذا السياق دائمًا والحث على طاعة ولاة الأمر ربما يُثير استفسارات عديدةً أهمها لماذا كان هذا التأكيد والتركيز على مثل هذه القضية، هل هي بتلك الأهمية التي تستدعي التكرار والتأكيد بتلك الأهمية مرة تلوَ أخرى؟
د/ خالد: بالتأكيد يا أخي لا شكَّ يعني أنا مثل ما ذكرت لو طالع المسلم ما ذكره بعض العلماء من النصوص الواردة، لو طالع النصوص الواردة في ديوانٍ واحدٍ من دواوين السنة هو ديوان مسلم، صحيح الإمام مسلم.
المقدم:نعم.
د/ خالد:لوجد شيئًا كثيرًا حول هذه القضية يبين ضرورةَ العناية بالسمع والطاعة، وعدم المنابذة، وعدم الخروج علي ولاة الأمر، وعدم مخالفة ما يأمرون به، وذلك لتحقيق مصالح.
بالتأكيد هذا الأمر يعني -الله عز وجل- لا يأمر بشيء ولا رسوله -صلي الله عليه وسلم- يأمر بشيء إلا وفيه مصلحة، هذه المصلحة قد تكون ظاهرة يدرك الإنسان الناس منها مصالحه يعني الحكمة، والغاية في الأمر، وقد تكون خفية لكن هذا أمر واضح وجليٌّ، ومصلحته بيِّنَة.
المقدم:نعم.
د/ خالد:وقد جاءت في بعض الأحاديث بيان السبب في هذا الأمر النبوي بطاعة الله، وطاعة رسوله، وطاعة أولي الأمر؛ ففي حديث أبو هريرة علي سبيل المثال، وقد أخرجه الإمام مسلم؛ قال النبي -صلي الله عليه وسلم- «إِنَّما الإمام جُنَّةٌ»،وتنبه إلى هذا الوصف "إنما الإمام" وهو ولي الأمر جُنَّةٌ، يعني وقاية، جُنة مأخوذ مما يتوقَّى به الإنسان ما يكره، فالإمامة، والولاية جُنة تقي الناس ما يكرهون من الفَوضى، تقي الناس ما يكرهون من المخاوف، تقي الناس ما يكرهون من الشرور والفساد، تقي الناس من اعتداء بعضهم علي بعض، لا يصبح الناس فوضى لا شورى لهم، لا يمكن يصبح الناس فوضى بدون ولاة أمر يقومون عليهم؛ ولذلك قال -صلي الله عليه وسلم-: «إنما الإمام جُنَّة »، تحصل به المصالح وتتوقي به المفاسد، ولذلك قال: «يُقاتَل مِن وَرَائه، ويُتَّقى به، فإن أمر بتقوي الله وعدل كان له بذلك أجر، وإن يأمر بغيره كان عليه منه».[أخرجه مسلم في صحيحه:ح1841/43] أي منه ما يستحق من العقوبة.
المقدم:نعم.
د/ خالد:لكن فيما يتعلق بحقه، حقُّه ثابت يجب أن يؤكَّد عليه، ويُبيَّن أن طاعة ولاة الأمر عِبادة، وليست فقط لتحقيق مصالح دنيوية، بل هي عباده، وليست لأجل أن يأخذ الإنسان ما يشتهي، ويترك يعني عندما لا يدرك ما يريد، بل هو مما يطيع اللهَ -تعالي- فيه العبدُ تعبدًا لله -عز وجل- وتقرُّبًا إليه، وفي حديث أبي هريرة الآخر في صحيح الإمام مسلم أن النبي -صل الله عليه وعلي آله وسلم- قال في بيان ما ينبغي أن يكون عليه المؤمن في طاعته لولاة الأمر ليدرك مصالح الدارين قال:«مَن خَرَج من الطاعة، وفَارقَ الجماعة فمات مات مِيتةً جاهلية»، ثم قال: «وَمن قَاتَل تحتَ رايةٍ عِمِّيَّة يَغضَبُ لِعَصَبَتِه»أي لهوًى، وجماعة، وقبيلةٍ، وتحزُّبٍ، وكل التجمعات التي يتجمع عليها الناس خارج هذه المظلة، خارج هذه الولاية، أَوْ يَدْعُو إِلَى عَصَبَةٍ، أَوْ يَنْصُرُ عَصَبَةً، فَقُتِلَ، فَقِتْلَةٌ جَاهِلِيَّةٌ، ثم قال: «ومَن خَرَج على أُمَّتي يضرِب برَّها وفاجرَها، ولا يَتَحاشَى مِن مؤمِنِها، ولا يَفِي بعهدِه فليس مِنِّي ولستُ مِنْه»[أخرجه مسلم في صحيحه:ح1848/53] هذه براءة نبوية من هذا الذي يخرج عن ما أمر به النبي -صل الله عليه وسلم- من طاعة الله -عز وجل- وطاعة ولاة الأمر اللذين طاعتهم تحقِّق المصالح؛ فهي وقاية من كل ما يكرهُ الناس، وهي مجنِّبة لكل ما يكرهون حتى في حال وجود ما يكره الإنسان في نفسه أو في حاله أو في ما يأمر به ولي الأمر يجب عليه أن يطيع ما دام ذلك في المعروف، وما دام ذلك لا يخالف ما أمر به الله تعالي ورسوله.
المقدم: جميل، نقطه مهمة.
د/ خالد:فهذه تجلب له الخير وتدفع عنه الشر.
المقدم:جميل هذه نقطة مهمة جدًا يا شيخ خالد تَبرُز فيها مسألة حرص الشريعة على تحقيق المصالح العامة أو المصالح العليا لهذهِ الأمة، وأيضًا نَبْذ في ذات الوقت نبذ كل ما يتعلق بالمصالح الشخصية حمايةً للمجتمعات بشكلٍ كامل، المجتمعات الإسلامية، وحماية لهذه الأمه كذلك هذه نقطة هامة جدًا، هنا يبرز الحديث النبوي الشريف الذي قال فيه المصطفي -صل الله عليه وسلم-: «مَن مَات وليس في عُنقهِ بَيعةٌ مات ميتةً جاهلية»[أخرجه مسلم في صحيحه:ح1851/58]هذهِ أيضًا ربما يكون منطلق ردًّا علي بعض الأصوات الناعقة، وأيضًا بعض اللذين يُزَيِّفون الحقائق من خلال تأويل هذهِ النصوص الشرعية حسب أهوائهم، وحسب ما تُمليه عليهم ضمائرهم الخبيثة، وأهواؤهم، وأيضًا تفسيراتهم التي يقصدون بها إثارة الفوضى والبلبلة، وشق صف هذه الأمه.
د/ خالد:أخي الكريم؛ السمع، والطاعة لولاة الأمر أصلٌ من أصول عقيدة أهل السنة والجماعة، وهذا الأصل ذكره العلماء في عقائدهم أي فيما كتبوه مما تحفظ به عقيدة أهل السنة والجماعة فلا تجد عقيدة إلا وتذكر وجوب الطاعة؛ لماذا؟ لأن الخروج عن الطاعة هو خروج عن ما أمر به النبي -صل الله عليه وسلم- به في الأحاديث الكثيرة، وهو خروج عن المنهج الذي سلكه الأئمة، وجرى عليه سلف الأمة من الطاعةِ في العسر واليسر، والمنشط والمكره، وفيما أحبوا وفيما كرهوا، وما يتعلق بوجود أصحاب أهواء يسعون إلى إثارة جوانب حول هذه النصوص إما تشكيكًا، وإما تضعيفًا وبعضهم إما معارضةً يضرب النصوص بعضَها ببعض، وبعضهم يقول: إن هذه في حقِّ ولي أمرٍ يجعله بمواصفات معيَّنة في رأيه، كل هؤلاء يبرِّرون خطأهم، ويبررون خروجهم عن الطاعة، بل بعضهم يصل به الحال إلى نوع من التهكُّم بدلالة النصوص والتنقُّص ممن يؤكِّد على ضرورة الاجتماع على ولاةِ الأمر، وعدم مخالفة أمرهم، وعدم الإثارة عليهم محاولة لجمع القلوب عليهم، ويجعلون مثل هذا يعني مثل هذه الدعوات التي تدعو إلى الائتلاف وجمع الكلمة وترك الفُرقة محلَّ تندُّر، بعضهم يعتقد أنك إذا تكلَّمت ونبَّهت إلى طاعة أولي الأمر أنه هذا فقط من أجل إنك تحقِّق مصالحَ لشخصِك أو أنك تجني ..
المقدم: أو تُداهِن مثلًا صاحب.
د/ خالد:أو تداهن، أو ما إلى ذلك في حين أنك إذا نظرت إلى سيرة الأئمة وعلماء الأمة، أو سلف الأمة الصالح وجدت أن الأمر واضح عندهم إلى حدٍّ بيِّن، "الإمام أحمد" على سبيل المثال جرى في زمانه من الفتن والشرور وبَلَغه من الأذى في مسألة "خلق القرآن" أن جُلِدَ -رحمه الله- وأنه حُبِس وأُوذيَ أذىً بالغًا، اجتمع فقهاء "بغداد" في ولاية "الواثق" أي بعد "المأمون" و"المعتصم" بعد ولايتين كان فيها -رحمه الله- في أذىً شديد اجتمع إليه قومٌ من فقهاء بغداد في ولاية "الواثق" فقالوا: يا "أبا عبدالله" إن الأمر قد تفاقم وفشى، ولا نرضى بإمرته ولا سلطانه"، يقصدون "الواثق" لما كان عليه من بِدعة خلق القرآن فنظرهم مع أنه -رحمه الله- تأذَّى أذىً شخصيًّا بالحبس والجلد وأنواع من الأذى، لكن لم يحمله ذلك على أن يخرج عن طاعة ولاة الأمر، أو أن يفرِّق بين جمعهم مع قيامه بنصرة الحق وإيضاح العقيدة السليمة في خلق القرآن، وأنه كلام رب العالمين ليس بمخلوق، منه بدأ وإليه يعود، وما إلى ذلك من الأصول البينة في العقيدة التي بيَّنها -رحمه الله-، ومع هذا قال: (عليكم بالإنكار بقلوبكم، ولا تخلعوا يدًا من طاعة ولا تَشقُّوا عصا المسلمين) هكذا يقول لأولئك الذين جاءوا قالوا: إن الأمر تفاقم ولا نرضى بإمرته قال: (ولا تَشقُّوا عصا المسلمين، ولا تَسفِكُوا دماءكم ودماءَ المسلمين معكم، وانظروا في عاقبة أمركم) ثم يقول: (واصبروا حتى يَستريحَ برٌّ أو نستريح منه)[وجوب طاعة السلطان في غير معصية الرحمن:ص22]
المقدم:هذا دور الإمام العالم الذي رباه القرآن وأيضًا اتبع سنة المصطفى -صلى الله عليه وسلم-، ولم يتبع هواه، أو يحكِّم أهواءه الشخصية.
د/ خالد:ولذلك أقول: إن المسألة يجب أن تكون صادرة عن علم وبصيرة، لا عن أهواء بعض ضعفاء النفوس، أو ضعفاء العلم، أو ضعفاء التجربة، أو أصحاب المطامع والأهواء، أو الذين يستجيبون ما يملى عليهم من مُغرِضين يسعَون إلى الفساد ونشر الشرِّ بين المسلمين، يجب أن يكون الأمر بغاية الوضوح، الولاية الشرعية لا يجوز التعرُّض لها بأي نوعٍ يُضعفُها بل يجب على الأمة أن تجتمع على ولاتها، أن تُعزِّز من وحدتها، أن تجمع كلمتها، أن تصطفّ صفًّا واحدًا أمام مطامع الأعداء مهما كانت الأوضاع، يجب أن يلاحظ أن الكفَّ عن الدماء والنهي عن الخروج قضية واضحة تدعمها النصوص، وتؤيدها كلمات علماء الأمة، وأيضًا تقتضيها المصالح، مصالح الناس في دينهم وفي دنياهم يقول "المرُّوذِي" وهو من أصحاب الإمام أحمد يقول: (سمعت أبا عبدالله يأمر بِكفِّ الدماء، وينكر الخروج إنكارًا شديدًا) [السنة لابن الخلال:ص131]، والكلام عنه -رحمه الله- في هذا الشأن في غاية الوضوح، في غاية الجلاء، وهذا عمرو بن العاص يوصي أبناءه، أحد أبنائه فيقول: "يا بني احفظ عني ما أُوصيك به، إمامٌ عادل خيرٌ من مطرٍ وابل، وأَسدٌ حطوم خيٌر من إمامٍ ظلوم، وإمام ٌظلومٌ غشوم خيرٌ من فتنةٍ تدوم"[أخرجه ابن عساكر في تاريخ دمشق:46/184، وفي إسناده كذاب هو:الحسين بن محمد بن جعفر ]
ذلك من الضروري أن يعلم المؤمن أن هذه القضية قضية في غاية الوضوح والجلاء عند الأئمة والعلماء، ولا يسوغ لأحد أن يأتي إلى مخالفة النصوص في هواه، أو في تبريراته، أو بتكييفاته العقلية، وليعتبر الإنسان بما جرى من حال الأئمة المتقدمين الذين قد يكون وقع التورط في الحقد ندموا عليها، وحصل منها أنواع من التحذير من هذه المسالك المنحرفة.
"الشَّعْبي" أحد الآمة والعلماء لهم قَدُم صدق، ورسوخ علم في جوانب عديدة من العلوم الشرعية في حديث رسول الله -صلى الله عليه وسلم- على وجه الخصوص، حصل وأن استُذِلَّت قدمه في فتنة "ابن الأشعث"، وكانت فتنة اجتمع فيها القراء على الحجاج لكثرة ظلمه وشرِّه وفساده، وكان منه أن خرج مع من خرج، فحصل أن التقى الحجاج ومن كان معه بهؤلاء وحصل بخروجهم من أنواع الفساد ما حصل من سفك الدماء وما إلى ذلك، المراد أنه أظهر الله الحجاج على "ابن الأشعث" وتفرَّق من معه، وكان من معه "عامر الشعبي" -رحمه الله ورضي عنه- انزوى "عامر الشعبي" في بيته مدةً من الزمن حتى خرج بعد ذلك إلى الجهاد مع بعض من كانوا يجاهدون الكفار، ثم المراد أنه وقع أن استدعاه "الحجَّاج" فجيء به إلى "الحجاج"، وقد دخل عليه، وكان لا يخفى على الناس مكانه ومنزلته ورفعة قدره في العلم الشرعي، لكن حصل منه هذا الذي حصل من الخروج على "الحجاج"، فلما دخل على "الحجاج" سأله الحجاج عن الذي فعل؟ وأنه كيف يعني فعلت هذا؟ وقد حصل منا ما حصل من الخير الذي وصلك منا؟ وكان قد أَمَّره على قومه، المقصود أنه الشعبي -رحمه الله- أظهر توبته، وقال كلمات تبيِّن عظيم ما حصل من الفساد الذي حصل بخروجهم على الحجاج مع ظلمه، لما تكلم معه الحجاج بكلام سَكَتَ حتى قال له الحجاج: تكلَّم، فقال عامر الشعبي: (أَصْلَحَ الله الأمير، كل ما قلتَه حقٌ، ولكنا قد اكتَحَلْنا بعدَكَ السَّهَر) يعني ما طاب لنا نوم (وتحلَّسْنا الخوف)، أي واجتمع في قلوبنا الخوف، (ولم نكن مع ذلك بررةً أتقياء، ولا فجرةً أشقياء فهذا أوان حقَنتَ لي دمي واستقبلت بي التوبة، فقال له الحجاج: قد فعلت ذلك"[أخرج القصة ابن عساكر في تاريخ دمشق:ص26/396] فعفا عنه، المقصود أن عامر الشعبي يصف حال هؤلاء الذين استذلت قدمهم فخرجوا على السلطان وإن كان جائرًا لكن حصل بخروجهم من الفساد والشر والخوف وسفك الدماء..
المقدم: تعطَّلت مصالح الأمة.
د/ خالد:وضعف أهل الإسلام مع ما كان مُلخَّصُه هذه الكلمات التي قال فيها: (اكْتَحلْنا بعدَك السَّهَرَ وتحلَّسنا الخوف)، يعني ولم نكن بهذا بررة أتقياء ولا فجرة أشقياء يعني كانوا قد أضاعوا السبيل وأخطأوا الطريق.
المقدم:يعني حسب الناس الآن أن يَسَعَهم ما وسع أولئك الذين يعني يسبقون في العلم والفضل، وكانت لهم التجربة، وكان لهم العلم الراسخ، وأيضًا كانت لهم الخِبرة والدِّرايةُ الكبيرة والواسعة في هذا الجانب بدلًا من أن يعني يخوض الناس حروبًا، ويعني يحترقون في هذه الفتن المتلاحقة التي سبقهم السابقون بالتحذير منها، ولعل يعني ليس هناك أفضل دليل وأفضل وعظ بعد كتاب الله –عز وجل- وبعد سنة نبيه –صلى الله عليه وسلم-.
د/ خالد:أي نعم بالتأكيد يا أخي، وذلك كل من خاض في غمار هذه المخالفات الشرعية بالخروج على الأئمة وعلى طاعتهم ينتهي أمره إلى ندم، هذا إن صدق في معرفته ولم تتخَطَّفه الشياطين وتسير به في مهاوي الضلال، هذا أحد المُخالفين الذين خرجوا على الولاة في زمن الحسن البصري، والحسن البصري –رحمه الله- كان ينهى عن ذلك ويحذِّر منه، ويأمر بالطاعة، وأن تقابل المخالفات التي يزعم هؤلاء أنها السبب للخروج أن تقابل بالتوبة والاستغفار، وسؤال الله -عز وجل- كما وجه النبي -صلى الله عليه وسلم- بدعاء الله -عز وجل- وسؤاله صلاحَ الحال، كان يقول: «يا ليتنا أطعناه»[مختصر تاريخ دمشق:25/119، والقائل هو: معبد الجهني]، يعني يا ليتنا أطعنا الحسن بما نهانا عنه من الخروج على ولاة الأمر، والمخالفة لما أمر الله –تعالى- ورسوله -صلى الله عليه وسلم- من طاعته.
المقدم: الشيخ خالد نذكِّر المستمعين الكرام الراغبين في التواصل معنا في هذه الحلقة في موضوعنا هذا اليوم عن طاعة ولاة الأمر أرقام التواصل مستمعينا الكرام (٠١٢٦٤٧٧١١٧) و(٠١٢٦٤٩٣٠٢٨) وكذلك أيضًا مستمعينا الكرام يمكنكم مشاركتنا في هذه الحلقة بالتغريد على هاشتاج البرنامج "الدين والحياة"
تعالى نأخذ اتصال الشيخ خالد، ثم أيضًا ربما بأخذ بعض التغريدات التي وصلتنا عبر تويتر، عبد العزيز الشريف من الرياض اتفضل عبد العزيز.
المتصل: السلام عليكم ورحمه الله وبركاته.
المقدم:وعليكم السلام ورحمه الله وبركاته.
المتصل:مساء الله بالخير أستاذ عبد الله.
المقدم:مساك الله بالنور أخي عبد العزيز.
المتصل:نحيي شيخنا الشيخ خالد، مساء الله بالخير يا شيخ.
الشيخ: مرحبا، الله أحييك أهلًا وسهلًا.
المتصل: بارك الله فيك، كما هو معلوم أن فهم النصوص القرآنية والنصوص النبوية سببٌ -بارك الله- في عدم الخروج على ولاة الأمر، كثير من الناس للأسف فهم النصَّ عكس الآية وعكس الحديث، وأيضًا يستدلون بأخبار ويستدلون بأحاديث ضعيفة، وأيضًا يستدلون بخروج بعض الناس عن ولي الأمر كما خرج بنو أمية عبد الرحمن بن أبي على الدولة العباسية، وغير ذلك من الأمور، هذه الاستشهادات التي يستدل بها بعض ضعاف النفوس، كيف نرد عليهم؟ وجزاك الله كل خير.
المقدم:شكرًا لك أخي عبد العزيز، اتفضل شيخ خالد لعله يعني سأل سؤالًا من الأسئلة التي يمكن أن تُثار في الحديث عن مثل هذه الموضوعات.
د/ خالد:بالتأكيد أن أصحاب الانحراف يُزيِّنون انحرافهم بأنواع من الشبهات التي يلبِّسون بها على الناس، لكن المؤمن يرجع في ذلك إلى الأصول، وما دلت عليه الأدلة، كل هذه التشبيهات التي يتلوها هؤلاء في تسويغ الخروج على ولاة الأمر ومخالفتهم ومنازعتهم وخلع اليد من طاعتهم كلها تتساقط وتتلاشى أمام النصوص المُحكمة الجليَّة الواضحة التي لا تحتمل تأويلًا في وجوب الطاعة، النبي -صلى الله عليه وسلم- يقول: «مَن خَلَع يدًا من طاعة لقيَ الله يومَ القيامة لا حُجَّة له، ومَن مات وليس في عُنُقِه بَيعةٌ مات مِيتةً جاهلية»[ أخرجه مسلم في صحيحه:ح1851/58]، ويقول -صلى الله عليه وسلم-: «مَن فَارق الجماعة شِبرًا مات ميتة جاهلية»[أخرجه البخاري في صحيحه:ح7054]، ويقول -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- في ما أمر به: «اسْمَع وأَطِع ولو أَخَذَ مالَك وَضَرَب ظَهرَك أو جَلَد ظَهَرَك»[أخرجه مسلم في صحيحه:ح1847/52]، كل هذه النصوص وغيرها كثير تبين ضرورةَ الالتزام بطاعة ولاة الأمر، ثم لو طالع المؤمن ما كتبه الأئمة في عقائدهم في هذا الأمر اتضح له أن الأمر لا يحتمل تلبيسًا ولا غبشًا، ولذلك يجب التأكيد على هذا الأمر، وإنه ليس أمرًا يتعلق بمصلحة آلية، هي عقيدة يجب أن تُطوى عليها القلوب، يقول الإمام الطحاوي -رحمه الله- "ولا نَخرُج على أئمتنا وولاة أُمورِنا، وإن جاروا، ولا ندعوا عليهم، ولا نَنزِع يدًا من طاعتهم، فإن طاعتَهم مِن طاعةِ الله فريضة، ما لم نُؤمر بمعصية، وندعوا لهم بالصلاح والمعافاة"[العقيدة الطحاوية:ص69]، هذا بين أن الطاعة يجب أن يراعى فيها الجانب التعبُّدي، وأن المؤمن طائع لله -عز وجل- في طاعته، وهذا مما يُعينه على تحمل ما يمكن أن يكون مما يكرهه من شأن ولاة أمره، فيكون بذلك بعيدًا عن هذه التشبيهات وهذه التسويقات التي يسوِّق بها من يسوِّق مخالفة أمر الله ورسوله.
المقدم:وفي الخلاصة إن الاتباع للكتاب والسنة ليس لأشخاص، الذين ليس هناك عصمة لأحدٍ إلا للمصطفى -صلى الله عليه وسلم-، ولعل البعض ربما هي رسالة إلى البعض أن المستمسك في هذا هو ما جاء في كتاب الله -عز وجل- وفي سنه نبيه -صلى الله عليه وسلم- وليس لاتباع الأشخاص، مهما علا قدرُهم وشأنهم وارتفعوا في أعين الناس، بعلمٍ شرعيٍ وغير ذلك، نرجع لنؤكِّد أن المرجع للمسلم هو كتاب الله وسنة نبيه -صلى الله عليه وسلم- لا غير.
د/ خالد: بالتأكيد إن هذا هو الغرض، ولذلك أنا أقول: كل هذه الشُّبه التي يذكرها هؤلاء في تسويغ خروجهم على ولاة أمر المسلمين، لا سيما ولاة أمرنا –حفظهم الله ووفَّقهم- هو مما يتبدَّد أمام النصوص.
هنا أحتاج ننتقل إلى نقطة مهمة، وهي أن هذه الدولة المباركة هي مما ميَّزها الله -تعالى- من اعتصامٍ بالكتاب والسنة، وقيامٍ على دلالة الكتاب والسنة وإقامة الشريعة، وتخدم كتاب الله -عز وجل-، وهذا يبين أن هذه الولاية ولاية شرعية تستند إلى نصوص وإلى أصول يتبدَّد معها ويتلاشى معها أولئك الذين يحاولون أن يُضعِفوا المفهوم الشرعي لبيعة المسلمين لولي الأمر الملك سلمان -حفظه الله-، وأن الدعاوى التي يدَّعونها تتساقط أمام هذه الشرعية التي لا يقوى أحدٌ على إسقاطها أو منازعتها، المادة السادسة من نظام الحكم في المملكة العربية السعودية: يبايع المواطنون الملك على كتاب الله وسنة رسوله، وعلى السمع والطاعة في العُسر واليُسر والمَنْشَط والمَكره، وكذلك في المادة الأولى لنظام الحكم يذكر النظام في المبادىء العامة: المملكة العربية السعودية دستورها كتاب الله -تعالى- وسنة رسوله -صلى الله عليه وعلى آله وسلم-، ثم يأتي النص الصريح على أن كل ما خالف هذا الأصل مما يمكن أن يكون من أنظمة، فإنه يحكم عليه بدلالة الكتاب والسنة، ففي المادة السابعة يقول: (يُستمد الحكم في المملكة العربية السعودية أو يَستمد الحكم في المملكة العربية السعودية سُلطته من كتاب الله -تعالى- وسنة رسوله وهما الحاكمان على هذا النظام وجميع أنظمة الدولة)، يا أخي هذه الروح في هذا النظام يبين أنه نظام شرعيٌ، وأنها وِلاية شرعية يتعبد المؤمن الله -عز وجل- بالتزامه ودعمه، والمحافظة عليه، وكل من يحاول أن يشكِّك أو يُشوِّش بأي نوعٍ من التشويش يتساقط أمام هذه المحكمة الواضحة الجلية الظاهرة في دلالة الكتاب والسنة، وفي تنزيل ذلك على الواقع من خلال النظر إلى الدستور أو النظام الذي يُبنى عليه الحكم في هذه البلاد المباركة، لذلك يجب على المؤمنين أن يَقرُّوا عينًا بما أنعم الله -تعالى- عليهم في هذه البلاد من هذه الولاية الشرعية، وأن يحافظوا عليها بكل ما يستطيعون، وأن يقطعوا الطريق أمام كل من يسعى إلى إضعاف هذه الولاية، التشكيك فيها، التشبيه، التشويش، إثارة المخالفة، المنازعة، فإن ذلك مما يُعصى به الله -عز وجل- ويُوجب للإنسان أن يكون على حالة الجاهلية في حياته ومماته؛ لأن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: «مَن رأى مِن أَمِيرهِ شيئًا يكرهه فليصبر، فَإنَّ ليس أحدٌ يفارق الجماعة شبرًا فيموت إلا مات مِيتةً الجاهلية».[أخرجه البخاري في صحيحه:ح7054]
المقدم: شيخ خالد هي الأحداث التي تعاقبت على عددٍ من أقطار في هذه الأمة الإسلامية، لعلها تؤكِّد أيضًا ما يأتي في هذا السياق، بأن السمع والطاعة هو حفظٌ لأمن هذه الأمة، وأيضًا جمعٌ لكلمتها، وعدم حصول التعطيل لمصالحها، وهذه الأحداث التي تعاقَبت على أقطارٍ عديدة في هذه الأمة الإسلامية مُترامِيَةِ الأطراف واكتوى الكثيرون بنارها، نسأل الله -سبحانه وتعالى- أن يلمَّ شَملهم، وأن يعيد لهم أمنهم وأمانهم هو أقرب دليل يمكن أن يذكر به الناس في ما يكون من آثارٍ سلبية لهذا العصيان أو الخروج على ولاة الأمر وإن زُيِّنت هذه الكلمات أحيانًا ببعض الكلمات الزائفة أو العبارات التي يزيِّفُها أعداء هذه الأمة لحثِّ الناس على الخروج على ولاة الأمر بكلماتٍ تحمل في ظاهرها كلامًا جميلًا، وفي باطنها هي العذاب كله.
د/ خالد: بالتأكيد وليس هذه الكلمات من إمام مجرِّبٍ عالم بصير مستقرءٍ لحال التاريخ يقول ابن تيمية -رحمه الله- «ولعلَّه لا يكاد يُعرف طائفةٌ خرجت على ذي سلطانٍ إلا وكان في خروجها من الفساد ما هو أعظم من الفساد الذي أتى بها»[قاعدة في وجوب طاعة الله والرسول وولاة الأمور:ص23 ] والله -تعالى- لم يأمر بقتال كل ظالمٍ وكل باغٍ كيفما كان، ولا أمر بقتل الباغين ابتداءً بل قال: ﴿َوإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا فَإِنْ بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الأُخْرَى فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ فَإِنْ فَاءَتْ فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا بِالْعَدْلِ وَأَقْسِطُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ﴾ [الحجرات:9].
فالمقصود أن الخروج فيه من الفساد والشرِّ على الناس في دينهم ودنياهم ما يوضِّح الحرص النبوي والتأكيد النبوي علي وجوب السمع والطاعة لولاة الأمر في المعروف، وأن لا ينازعَ الأَمرُ أهله، ولكن ينبغي هنا أن نشير إلي مسائل مهمه تتعلق بالطاعة يعني الطاعة السمع والطاعة لولاة الأمر هو روح الاجتماع، هو روح الأُلفة، هو روح انتظام الأحوال، مما يؤثِّر علي السمع والطاعة التشكيك في ولاة الأمر، والتشهير بما يمكن أن يكون من نقص، فإن ذلك بالتأكيد يُضعف في قلوب الناس السمعَ والطاعةَ لهم..
المقدم:النصيحة العلنية مثلًا أو ما يُسمَّي تحت إنكار المنكر وغيرها من الأشياء التي يمكن أن تدخل ضمن هذا الباب باستخدامٍ خاطئ وفق منهجٍ يخالف منهج أهل السنة والجماعة.
د/ خالد: بالتأكيد يا أخي الكريم من يُنكر علي ولاة الأمر بالمجاهرة، وبتتبع الأخطاء هو نوع من الإفساد الذي يحصل به إضعاف هيبةِ الولاية ويحصل به من الشرِّ والفساد ما يكون سببًا لاجتراء الناس علي المخالفة، ويترتب عليه من الفساد ما الله به -تعالي- عليم، لذلك من الضروري أن يُدرك المؤمن أن النصيحة ليست هي أن تقول فقط ما تراه خطأ، بل النصيحة مفهومها أوسع من التنبيه علي الأخطاء، النصيحة تقتضي السعي في الإصلاح، تقتضي جمع الكلمة، تقتضي الذَّبَّ عن الولاة، من النصح للولاة الذَّبُّ عنهم، من النصيحة للولاة كفُّ المتربِّصين بهم، من النصيحة للولاة دلالتهم علي الخير، من النصيحة للولاة تنبيهُم عن الخطأ، لكن الذي يتبادر عند كثير من الناس أن النصيحة فقط تتعلق بأنك تقول: هذا خطأ وهذا ما يصير، وهذا يصير، وهذا ليس بصحيح، وهذا مخالف وما إلى ذلك، هذا جانب من النصيحة، لكن يجب أن لا يكون هذا الجانب وفق ما يشتهيه الإنسان، وفق رأيه المبادر البادئ بل يجب أن يكون علي ما تقتضيه الشريعة، فالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ليس خبطَ عشواء، ولا قيدَ له ولا زِمام ولا شيء، ولا عبادة لا شروط لها ولا قيود، بل هي عبادة يجب أن يؤديها الإنسان علي وفق ما أمر الله -تعالى- به ورسوله حتي لا يترتَّب علي أمره بالمعروف ونهيهِ عن المنكر، على نصيحته ما يكون فسادًا.
المقدم:نعم.
د/ خالد: إذًا النصيحة لله ولكتابه ولرسوله ولأئمة المسلمين تقتضي أن نجمع الكلمة، وأن ندعوا لهم بالخير، وأن نذكِّرهم بالجميل، وأن نُشيدَ بالصالح من عملهم؛ لأن هذا مما يؤلِّف القلوب عليهم، ولهذا الطحاوي -رحمه الله- لما ذكر من عقيدة أهل السنة والجماعة عدم الخروج علي ولاة الأمر قال -رحمه الله-: (وندعوا لهم بالصلاح، والمعافاة)[العقيدة الطحاية:ص69]، الدعاء لهم بالصلاح والمعافاة من النصيحة لهم، فهل يفعله أولئك الذين يجمعون الزلَّاتِ، ويتلقطون العثرات، ويختلقون الأخطاء، ويضخمون القضايا علي نحوٍ يحصل به فساد وإثاره؛ بالتأكيد الكثير منهم يغيب عنه جانب الدعاء، بل قد لا يدعو لهم بل يدعو عليهم، وهذا أكبر غلط، وأنا أقول: من المهم أن نؤكد علي ضرورة الاجتماع علي ضرورة الالتئام، ونحمد الله في هذه البلاد المباركة المملكة العربية السعودية علي هذه النعم المتوافرة، فولايتنا ولله الحمد ولاية شرعية تحكم بكتاب الله، وسنة رسوله، ليست ثمة كامل لكن الذي نعتقده وندين لله -تعالى- به أننا في خيرٍ عظيم، ننعم بفضلٍ كبير في أمر الدين، وفي أمر الدنيا، فلنحافظ على هذا بالشكر، ولا يعني هذا أن لا يكون ثمة نقصٌ أو يمكن أن يكون بطبيعة البشر، كل ابن آدم خطاء، لكن يجب أن تُخرس تلك الأصوات التي تدعوا إلى التفريق، تدعوا إلى الشقاق والفرقة، تدعوا إلى نزع اليد من الطاعة، تسهِّل الخروج، تمهِّد له؛ ذلك لأنه ثمة أشياءً قد لا تكون خروجًا في ذاتها ولكنها تمهد، وهي طريق لتلك النهايات المُظلمة التي تؤول بأصحابها إلى نزع يد الطاعة، وإلى الفساد في الأرض، وإلى إعانة أعداء الإسلام علي أهل الإسلام في حصن الإسلام في المملكة العربية السعودية، أسأل العظيم أن يدفع عنا كل سوءٍ وشرٍّ، وأن يحفظ بلادنا وولاتَنا من كل سوءٍ وشرٍّ، ونحمد الله علي هذه الولاية التي ننعم ببركاتها وخيراتها، فما نراه من خيراتٍ في ديننا، وفي دنيانا هو بفضل الله -عز وجل- المتفضل علينا المنعم بهذه الولاية المحكمة لكتاب الله وسنة رسوله، المقيمة لشعائر الله، المجتهدة غاية طاقتها في النصر الإسلامي وأهله، وذاك فضل الله الذي نحمده عليه، ونسأله المزيد منه.
المقدم:في هذا أيضًا قطع الطريق على كل المتربِّصين اللذين يعني أحيانًا يكون هناك تأويلات للأحداث وغيرها للطعن في ولاة الأمر، وأيضًا كما تفضلتم يا شيخ خالد تسهيل الخروج على ولاة الأمر من خلال هذه الأساليب الشيطانية التي يتبعها أولئك، وخاصةً فيما يتعلق بمواقع التواصل الاجتماعي، والتي أيضًا تُصدر أحيانًا من أسماءٍ يعني مُستعارة ليس لها واقعٌ، وليس لها حقيقة علي أرض الواقع نقول أيضًا...
د/ خالد: أخي أنا أقول واقع بخصوص هذه القضية.
المقدم:نعم.
د/ خالد: يعني نحن مُستَهدَفون.
المقدم:نعم.
د/ خالد: أولادُنا مستهدفون، بلادُنا مستهدفة.
المقدم:نعم.
د/ خالد: ديننا مستهدف، فيجب علينا أن نكون على وعي ألا نغترَّ، ولا ننجرف خلف هذه الأصوات سواءً كانت مجهولة أو معلومة التي تنتهي إلى النيل منا، وإلى فرقتنا، أعداؤنا كُثر، وهم لا يألون جهدًا بكل طريق أن ينالوا منا.
المقدم: فعلًا هم لا يستريحون حتى يرون كما هي الحالة المؤسفة لكثيرٍ من المسلمين في بعض الأقطار، أسأل الله -سبحانه وتعالى- أن يرفع عنهم الضرَّ، وهذا يعني خيرُ واعظٍ وخير شاهد ما نراه، وما نلاحظه هو أيضًا دعوه مباشرة إلى الالتئام وإلى الالتفاف حول الرعية وحول ولاة الأمر، التفاف الرعية حول ولاة الأمر، هذا شيءٌ واجب علينا ونتذكر أيضًا في هذا السياق حديث المصطفى -r- الذي قال فيه: «مَن أَكْرَم سُلطان الله -تبارك وتعالى- في الدنيا أَكْرَمه الله يوم القيامة، ومَن أَهَان سلطان الله -تبارك وتعالى- في الدنيا أهانه الله يوم القيامة»[أخرجه أحمد في مسنده:ح20433، ابن أبي عاصم في السنة:ح1017، ووثق رجاله الهيثمي في المجمع:ح9085، وصححه الألباني في الصحيحة:ح2279]، يعني هذا أيضًا من ضمن الأحاديث التي وردت في هذا السياق.
د/ خالد:صحيح، وكلمات عبد الله بن المبارك –رحمه الله- في ضرورة صيانة الجماعة والاجتماع كلمات جميلة يقول –رحمه الله-:
إِن الجماعة حَبْل الله فاعتصموا
منه بِعُرَوته الوثقى لمن دان(أي من تعبَّد)
كَم يَدفَع الله بالسلطان مُعضلةً
في ديننا رحمةً منا ودنيانا
لولا الخلافة لن تأمن لنا سُبلٌ
وكان أضعفنا نهبًا لأقوانا[تاريخ الإسلام12/241]، فنحمد الله أن الله يسر لنا هذا الولاية التي تحقق لنا بها صلاحُ الدين وصلاح الدنيا، واستقامة الحال وأقول: من حقِّ ولاةِ أمرنا الملك سلمان ونائبيه وكل من له ولاية من الوزراء والأمراء وغيرهم أن يُدعى لهم، وأن أقول هذا ليكون في السرِّ والعلن، وكما قال عبد الله ابن المبارك وأحمد: "لو كان لي دعوة مجابة لجعلتها للسلطان، فبصلاحه يصلح الدين والدنيا، وبفساده يفسد الأمران"[رجَّح بعض أهل العلم نسبتها للفضيل بن عياض؛ فقد أُسندت إليه، أخرجها أبو نعيم في الحلية8/91 بسند صحيح. وإن كانت نُسبت غيرَ مسندة للإمام أحمد وغيره، وسندها صحيح]، فينبغي أن نحرص على الدعاء لهم في صلواتنا، ونحتسب الأجر عند الله يا أخي، وفيه خيرٌ عظيم لنا في دنيانا وفي أخرانا -إن شاء الله- أن يُعزَّ الإسلام وأهله، وأن يحفظ هذه البلاد من كل سوءٍ وشر، وأن يوفق ولي أمرنا ونائبيه وولاة الأمر في هذه البلاد إلى ما يحب ويرضى، وأن يدفع بهم عنا السوء والشر وأن يحفظهم وأن يحفظ بهم بلاد الحرمين من كل مغرضٍ ومُفسد، وأن ينصر جنودنا المقاتلين في كل مكان، وأن يؤيدهم بنصره، وأن يُريَنا في أنفسنا وإخواننا والمسلمين ما يسرنا، ونسأله -جل وعلا- أن يعمَّ الخير والبر والنجاح والفلاح والأمن والأمان والسلامة والإسلام بلاد الإسلام.
المقدم:آمين، لعلي أختم يا شيخ خالد بكلمة جميلة أعجبتني للشيخ إبراهيم بن عبد اللطيف -رحمه الله- عندما قال: (وأما ما قد يقع من ولاة الأمر من المعاصي والمخالفات التي لا تُوجب الكفر والخروج عن الإسلام فالواجب فيها مُناصحته مع الوجه الشرعي برفق، واتباع ما كان عليه السلف الصالح من عدم التشنيع عليهم في المجالس ومجامع الناس، واعتقاد أن ذلك من إنكار المنكر الواجب إنكاره على العباد، وهذا غلطٌ فاحش وجهلٌ ظاهر لا يعلم صاحبه ما يترتب عليه من المفاسد العظام في الدين والدنيا، كما يعرف ذلك من نوَّر الله قلبه وعرف طريقة السلف الصالح وأئمة الدين)[تاريج نجد:ص186].
أشكركم فضيلة الشيخ الدكتور خالد بن عبد الله المصلح أستاذ الفقه بكلية الشريعة بجامعة القصيم، والمشرف العام على فرع الرئسة العامة على البحوث العلمية والإفتاء في منطقة القصيم، وأسالة –سبحانه وتعالى- أن يجعل ما تفضلتم به في هذا اللقاء في ميزان حسناتكم.
د/ خالد:آمين آمين، ونسأل الله أن يجيب الدعوات، ويقي العثرات، وأن يجمع كلمتنا على الحق والهدى، وأن يوفقنا إلى ما يحب ويرضى وصلى الله وسلم على نبينا محمد.
المقدم:اللهم صلِّ على سيدنا محمد.