المقدم: دكتور خالد, الكلمة التي يتفوه بها كثير من الناس ولا يقيمون لها وزنًا ولا اعتبارًا غير أنه ينطق الكلمة، وكأنه لن يسأل عنها، نلحظ هذا كثيرًا أحيانًا في الصحف صحف خاصة في كثير من المقالات والكتابات تجد فيها إساءة، وتجد فيها تجريح، وتجد فيها إهانات، وتجد فيها ربما تصنيف الناس، فيتدخلون ـ يا شيخ ـ في العقائد، عقائد الأشخاص، الأمر امتد أيضًا إلى ما شاهدناه قبل فترة ونعيشه الآن من رسائل الجوال، يعني بعض الناس ربما ـ يا شيخ ـ أجزم بأنه لا يعرف شيء اسمه رسائل أصبح الآن مع هذه العروض التي ظهرت تقدم مئات الرسائل يوميًا غيبة يكون فيها وأمور أخرى نريد أن نقف يا شيخ مع قيمة الكلمة أهمية هذه الكلمة، وإن الإنسان سيسأل عن هذه الكلمة. أتفضل يا شيخ.
الشيخ: الحمد لله رب العالمين وأصلي وأسلم على نبينا محمد وعلى له وأصحابه أجمعين أما بعد.
الكلمة شأنها كبير وخطرها عظيم، والله ـ تعالى ـ احتفي بالكلمة، فكان الوسيلة التي بينه وبين عباده هي الكلمة، فكلمة الله ـ تعالى ـ هي التي وصلت إلى عباده، تعرف به ـ جل في علاه ـ وتبين ما له من الكمالات أيضًا تبين ما له من الحقوق على عباده، وتبين كيف تصلح حياة الناس ومعاشهم، وكيف يصلح معادهم ومآلهم، الكلمة ضرب الله ـ تعالى ـ لها مثلًا في كتابه يبين لنا خطورتها وعظيم مكانتها، يقول الله ـ تعالى ـ فيما ضرب من مثل يبين فيه انقسام الكلمة إلى نوعين ﴿أَلَمْ تَرَ كَيْفَ ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا كَلِمَةً طَيِّبَةً﴾[إبراهيم: 24] هذا القسم الأول من الكلام ﴿كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِي السَّمَاءِ تُؤْتِي أُكُلَهَا﴾[إبراهيم: 24-25] إذن هي لها ثمار فهي ضاربة في الأرض جذورًا وسابقة في السماء ارتفاعًا، ومع هذا لها عطايا فهي ﴿تُؤْتِي أُكُلَهَا كُلَّ حِينٍ بِإِذْنِ رَبِّهَا وَيَضْرِبُ اللَّهُ الأَمْثَالَ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ﴾[إبراهيم: 25] ثم يقول: ﴿وَمَثَلُ كَلِمَةٍ خَبِيثَةٍ كَشَجَرَةٍ خَبِيثَةٍ اجْتُثَّتْ مِنْ فَوْقِ الأَرْضِ مَا لَهَا مِنْ قَرَارٍ﴾[إبراهيم: 26] الخبيث لا يمكن أن يثبت، ولا يمكن أن يقر حتى ولو انتفش وظهر وعلا لابد أن يزول، ولهذا لا يغرين أحدًا أن كلمته طارت بها الآفاق، وسجلت فيما صارت به الصحف أو سارت به وسائل الإعلام، أو ما إلى ذلك هذا لا ينفع، بالعكس هذا يزيد من تبعة الكلمة؛ لأن الكلمة هي الحياة في الحقيقة، والكلمة هي الروح التي تسري في الناس، فتكون حياة لبعضهم، وتكون موتًا لآخرين.
ولذلك الراشد العاقل هو ما كانت كلماته نور تحيا به القلوب، ونور تستقيم به الأحوال، ونور تصلح به دنيا الناس وتستقيم به أمورهم، وأما أولئك الذين يتكلمون بالكلام لا يلقون له بالًا، فهؤلاء نقول لهم أنتم اختاروا بين أمرين؛ إما أن تكون كلمة طيبة زكا الله ـ تعالى ـ وصفها وطيب ثمارها وأن تكون كلمة خبيثة اجتثت من فوق الأرض يبقى وزرها وإن ذهب ضررها، فضررها لا يمكن أن يقر ﴿فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَاءً وَأَمَّا مَا يَنفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الأَرْضِ﴾[الرعد: 17].
ولهذا أقول من الضروري لكل مؤمن أن يفكر ويتأمل في شأن الكلمة فالله ـ تعالى ـ لخطورة هذه الكلمة يقول: ﴿مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ﴾[ق: 18] الله أوكل ملكين يقيدان ما يصنع الإنسان من قول، وذكر القول مع أنه سجل على الإنسان حتى ما يكون من أفعاله؛ لأن القول هو منشأ العمل.
ولهذا يقول الله ـ تعالى ـ فيما يزكيه من الأعمال ويرفع إليه قال: ﴿إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ﴾[فاطر: 10] ثم قال: ﴿وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ﴾[فاطر: 11] لماذا أخر العمل الصالح؟ لأن العمل الصالح هو ثمرة الكلمة الطيبة، وهو نتاجها فقدم ارتفاع الكلام الطيب ثم ذكر بعد ذلك العمل، وما يمكن أن يكون عمله بلا قول، ولهذا يقول الله ـ تعالى ـ ﴿فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ﴾[محمد: 19]أجل الكلمات وأعظمها وأشرفها وأخطرها به سعادة الدنيا والآخرة لا إله إلا الله، ثم قال: واستغفر لذنبك.
إذًا لابد أن نعرف قيمة هذه الكلمة، وأحسنت فيما طرحت لما قلت: إن الكلمة هناك من يكتب في الصحف، وهناك من يكتب في الرسائل حتى لا ينحصر الفهم أن الكلمة هي تلك التي نتفوه بها، إنما الكلمة قد تكون مقروءة وقد تكون مسموعة وقد تكون ملفوظة، وقد تكون مسجلة، وكون الإنسان لا يعرف فهذا لا يعني أنه قد غاب عن أثر هذه الكلمة.
وبهذا نأتي إلى أولئك الذين يكتبون من وراء الرسائل الخفية التي ترسل وتطيش في الدنيا هنا وهناك وأيضًا أخطر منه ما يتعلق بالمواقع والكتابة الإنترنتية في الشبكة العنكبوتية هؤلاء الذين يكتبون بأسماء مستعارة، وهم وإن خفوا عن الناس فإنهم لا يخفون عن الله ـ جل في علاه ـ ولهذا هذا الكلام لا يخرج عن قوله: ﴿مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ﴾[ق: 18] فلا تعمل من الأعمال فيشهد عليك غدا بما يسوئك، ولهذا أنا أقول: لقائل أن يقول، أو أقول في جواب قائل يسأل يقول: طيب أنتم تأمرونا أن نصمد ونخيط أفواهنا عن أن نتكلم شيئًا؟!
الجواب: لا، إنما تزن ما تتكلم به، وانظر عاقبة ما تقوله، وليكن مرشدك، وليكن هاديك ودليلك فيما تتكلم به وفيما تسكت عنه ما ذكره النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ في القاعدة الذهبية النبوية فيما رواه البخاري ومسلم في حديث أبي هريرة «من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيرًا أو ليصمت»صحيح البخاري (6018)، وصحيح مسلم (47) الخيار الصمت.
إذًا إما أن تكون خيرًا والخير إما في ذاته أو في عاقبته ومآله، وإما أن تصمت، ولذلك يعني إذا اشتبه عليك هل هذا الكلام حسن أو لا؟ احفظ لسانك أن تقول فتبتلي، إن البلاء موكل بالمنطق، والله ـ تعالى ـ أمرنا بحفظ جوارحنا عما يغضبه وأمرنا بأن نقول أحسن القول وأن نتكلم بأحسن الكلام ﴿وَقُلْ لِعِبَادِي يَقُولُوا الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ﴾[الإسراء: 53] ليس فقط الحسن بل هي أحسن، وهي أن ينتقل الإنسان من الفضل، هل يمكن أن يقدم الإنسان؟ هل يمكن أن أقول أن هذا القلم مثلا أحسن من هذا القلم دون أن انظر وأتأمل في خواص كل واحد منهما.
إذًا الأحسن لا يوصل إليه إلا ببذل الجهد، والله ـ تعالى ـ يقول: ﴿وَقُلْ لِعِبَادِي يَقُولُوا الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ﴾[الإسراء: 53] فلابد أن أنظر وأتأمل هل هذا أحسن أو لا وهذا يستوجب أن نقف مع كلماتنا، كون الرسائل مجانية، أقول: هي مجانية، صح لا تظهر في الفاتورة، لكنها لا تغيب عن الكتبة والحاسبين، ولذلك هم سيكتبون عليك ﴿مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ﴾[ق: 18]، ﴿إِنَّا كُنَّا نَسْتَنسِخُ مَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ﴾[الجاثية: 29] فلذلك ينبغي للمؤمن أن يحفظ نفسه، وأن يتقي الله ـ تعالى ـ في كل شيء أنا أتكلم عن الرسائل لها مدة وتنتهي؛ لكن أنا أتكلم عمومًا، أولئك الذين يكتبون في الصحف فيجرحون أو ينالون أو يسعون فسادًا أو شرًا أو يدعون يعني ألا يتقون الله ـ تعالى ـ كون هذه الزاوية تخرج بيضاء لا شيء فيها ولا حرب خير لك عند الله تعالى من أن تملأ فيها ما لا ينفع الناس، فكيف بما يضرهم ويشيع الشر بينهم سواء كان شرًا فيما يتعلق بدنيا الناس، أو كان فيما يتعلق بدينهم، فـ "المسلم من سَلِم المسلمون من لِسانه ويده"صحيح البخاري (10)، وصحيح مسلم (40).
المقدم: أحسن الله إليكم يا شيخ وبارك فيكم.