الحَمْدُ للهِ الَّذي جَعَلَ الظُّلُماتِ وَالنُّورَ، لَهُ الحَمْدُ كُلُّهُ لا أُحْصِي ثَناءً عَلَيه، وَأَشْهَدُ أَنْ لا إِلَهِ إِلَّا اللهُ إِلَهُ الأَوَّلِينَ وَالآخِرينَ خَلَقَ السَّمواتِ وَالأَرْضَ عَلَى نَحْوٍ بَدِيعٍ فَلا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُ اللهِ وَرَسُولُهُ، صَفِيُّهُ وَخَلِيلُهُ، خِيرَتُهُ مِنْ خَلْقِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَمَنِ اتَّبَعَ سُنَّتَهُ واقْتَفَى أَثَرَهُ بِإِحْسانٍ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ,أَمَّا بَعْدُ:
فاتَّقُوا اللهَ أَيُّها النَّاسُ، اتَّقُوا اللهَ تَعالَى حَقَّ التَّقْوَى؛ فَتَقْواهُ تَجْلِبُ كُلَّ خَيْرٍ، وَتَدْفَعُ كُلَّ سُوءٍ ﴿وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا﴾ الطلاق:2﴿وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ ﴾ الطلاق:3 .
أَيُّها المؤْمِنُونَ, إِنَّ اللهَ -جَلَّ في عُلاهُ- جَعَلَ في السَّماءِ بُرُوجًا، وَأَجْرَى هَذِهِ البرُوجَ عَلَى نَحْوٍ يُدْرِكُ بِهِ العِبادُ مَصالحَهُمْ فَهُوَ -جَلَّ في عُلاهُ- نَوَّعَ عَلَيْهِمْ الفُصُولَ بِتَعاقُبِ هَذِهِ البُروجِ, جَعَلَ فِيها قَمَرًا وَسِراجًا مُنِيرًا؛ كُلُّ ذَلِكَ تَسْخِيرًا لِلخَلْقِ أَنْ يُحَقِّقُوا الغايَةَ مِنْ وُجُودِهِمْ ﴿الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا﴾ الملك:2 ﴿وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ﴾ الذاريات:56 ، وَقَدْ أَمَرَكُمُ اللهُ تَعالَى في كُلِّ زَمانٍ وَحِينٍ بِما تَصْلُحُ بِهِ حالُكُمْ، وَتَسْتَقِيمُ بِهِ أُمُورُكُمْ، وَيُزَيِّنُ بِهِ مَعاشُكُمْ، وَيَطِيبُ بِهِ مَعادُكُمْ وَرُجُوعُكُمْ إِلَيْهِ -جَلَّ في عُلاهُ-، فَمَنْ أَقْبَلَ عَلَى طاعَةِ رَبِّهِ بِعَزْمٍ وَإِخْلاصٍ، وَصِدْقٍ وَاتَّباعٍ وُفِّقَ إِلَى خَيْرٍ كَثِيرٍ: زَانَتْ دُنْياهُ، وَصَلُحَتْ، وَزانَتْ أُخْراهُ، وَطابَتْ، وَوَفَدَ إِلَى رَبِّهِ بِعَمَلٍ صالحٍ يُنَجِّيهِ ﴿يَوْمَ لَا يَنْفَعُ مَالٌ وَلَا بَنُونَ (88) إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ﴾ الشعراء:88ـ89، وَقَدْ نَوَّعَ اللهُ تَعالَى لَكُمْ طُرُقَ الوُصُولِ إِلَيْهِ في كُلَّ حِينٍ وَزَمانٍ فَهُوَ -جَلَّ وَعَلا- الَّذي يُقَدِّرُ اللَّيْلَ وَالنَّهارَ فَيَطُولُ، وَيَقْصُرُ، وَيَتَغَيَّرُ، وَيَتَحَوَّلُ لَكِنْ ذَلِكَ كُلُّهُ لا يُلْغِي، وَلا يُغَيِّرُ ما مِنْ أَجْلِهِ خُلِقْتُمْ مِنْ عِبادَتِهِ وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ في السَّرَّاءِ وَالضَّرِّاءِ، وَالعُسْرِ وَاليُسْرِ، وَالمنْشَطِ وَالمكْرَهِ فَمِنْ بَدِيعِ حِكْمَتِهِ الباهِرَةِ، وَعَظِيمِ مِنَّتِهِ -جَلَّ في عُلاهُ- عَلَى عِبادِهِ أَنْ نوَّعَ لهُمْ الأَحْوالَ مِنْ صَيْفٍ وَشِتاءٍ، وَرَبِيعٍٍ وَخَرِيفٍ، وَحَرٍّ وَقُرٍّ، وَغِنَىً وَفَقْرٍ، وَصِحَّةٍ وَمَرَضٍ، وَغَيْرَ ذَلِكَ مِنَ الأَحْوال لِيَكْمُلَ بِذَلِكَ بَلائُهُمْ، وَيَظْهَرُ بِذلِكَ صِدْقُ إِيمانُهُمْ، وَيَتَبَيَّنُ لَهُمْ الصَّادِقُ مِنْ غَيْرِهِ، وَالعابِدُ المقِيمُ عَلَى طاعَتِهِ مِمَّنْ يَعْبُدُهُ في زَمانٍ دُونِ زَمانٍ، فالحَمْدُ للهِ الَّذي لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ عَلَى بِرِّهِ وَإِحْسانِهِ، وَلُطْفِهِ، وَرَحْمَتِهِ، وَحِكْمَتِهِ، وَامْتِنانِهِ.
أَيُّها المؤْمِنُونَ, إِنَّ فَصْلَ الشِّتاءِ فَصْلٌ لَهُ مِنَ المَنْزِلَةِ في الفُصُولِ ما يَنْبَغِي أَنْ يُعْتَنىَ بِهِ فَقَدْ جاءَ فِيهِ ما رَواهُ أَحْمَدُ وَغَيْرُهُ أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قالَ: «الشِّتاءُ رَبِيعُ المؤْمِنِ»مُسْنَدُ احْمِد(11716),بِإِسْنادٍ الرَّاجِحُ ضَعْفُهُ, وَلَهُ شَواهِدُ, وَمِثْلُ هَذا النَّصِّ يَسْتَوْقِفُ المؤْمِنَ عْنِدَ مَعْناهُ؛ لِيُخْرَجَ ما فِيِهِ مِنَ الحِكَمِ وَالأَسْرارِ؛ فَما الَّذي خَصَّ الشَّتاءَ بِأَنْ وَصَفَهُ النَّبِيُّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بِرَبِيعِ المؤْمِنِ؟ وَمَعْلُومٌ أَنَّ الرَّبِيعَ عِنْدَ العَرَبِ أَطْيَبُ شُهُورِ السَّنَةِ؛ فَفِيهِ يُدْرِكُ النَّاسُ مَصالِحَ جِمَّةً، وَفِيهِ يَتَوَقَّوْنَ شُرورًا كَثِيرَةً، وَآفاتٍ عَدِيدَةً قَدْ تُصيِبُهُمْ في غَيْرِهِمْ مِنَ الشُّهُورِ، فّالشِّتاءُ عَلَى ما فِيِهِ مِمَّا قَدْ يَفِرُّ مِنْهُ بَعْضُ النَّاسِ إِلَّا أَنَّهُ في الجُمْلَةِ مَحلٌّ لِنَوْعٍ مِنَ الطَّاعَةِ وَالقُرْبَةِ، وَالمسيرِ إِلَى اللهِ -عَزَّ وَجَلَّ- لا يُدْرِكُ في بَقِيَّةِ الشُّهُورِ، وَقَدْ جاءَ في بَعْضِ الرِّواياتِ أَنَّهُ قالَ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «يَطُولُ لَيْلُهُ فَيَقُومُهُ، وَيَقْصُرُ نَهارُهُ فَيَصُومُهُ» عِنْدَ البَيْهَقِيِّ في "الشُّعَبِ" (3940), أَيْ: أَنَّ هَذا هُوَ المعْنَى الَّذي مِنْ أَجْلِهِ وَصَفَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ- الشَّتاءَ بِأَنَّهُ رَبِيعُ المؤْمِنِ فَهُوَ رَبِيعُ المؤْمِنِ بِالنَّظَرِ إَلَى ما فِيهِ منَ المصالحِ العِبادِيَّةِ، وَأَنْواعِ الطَّاعَةِ وَالقُّرْبَةِ الَّتي تُدْنِي مِنَ اللهِ -جَلَّ وَعَلا-، وَتُيَسِّرُ الوُصُولَ إِلَيْهِ عَلَى نَحْوٍ مِنَ الصالحِ مِنَ العَمَلِ تَرْتَفِعُ بِهِ الدَّرَجاتُ، وَتُحَطُّ بِهِ السَّيِّئاتُ.
قالَ ابْنُ رَجَبٍ -رَحِمَهُ اللهُ-:"إِنَّما كانَ الشِّتاءُ رَبِيعُ المؤْمِنُ؛ لأَنَّهُ يَرْتَعُ فِيهِ في بَساتينِ الطَّاعاتِ، وَيَسْرَحُ في مَياديِنِ العِباداتِ، وَيُنَزِّهُ قَلْبَهُ في رِياضِ الأَعْمالِ الميَسَّرَةِ" لَطائِفُ المعارِفِ ص(326).وَكُلُّ ذَلِكَ عائِدٌ إِلَى أَنُّهُ فُرْصَةٌ يَتَقَرَّبُ فِيها العَبْدُ إِلَى رَبِّهِ بِأَنْواعِ القُرُباتِ مِنْ صِيامٍ، وَصَلاةٍ، وَصَدَقَةٍ، وَبِرٍّ، وَإِحْسانٍ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِمَّا يَطِيبُ بِهِ القَلْبُ وَيَصْلُحُ «أَلاَ وَإِنَّ فِي الجَسَدِ مُضْغَةً: إِذَا صَلَحَتْ صَلَحَ الجَسَدُ كُلُّهُ، وَإِذَا فَسَدَتْ فَسَدَ الجَسَدُ كُلُّهُ»البخاري (52), ومسلم(1599)، وَصَلاحُ القَلْبِ بِتَوْحِيدِ اللهِ -عَزَّ وَجَلَّ-، وَالإِقْبالِ عَلَيْهِ فَمَنْ أَقْبَلَ عَلَى اللهِ -عَزَّ وَجَلَّ- بِمَحَبَّتِهِ، وَتَعْظِيمِهِ، وَبَذْلِ الوُسْعِ في طاعَتِهِ، وَالتَقَرُّبِ إِلَيْهِ بِأَلْوانِ القُرُباتِ أَصْلَحَ اللهُ قَلْبَهُ فَصَلُحَ عَمَلُهُ، وَزَكاةُ قَوْلِهِ، وَصَلُحَتْ حالُهُ كَما قالَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- في الحَدِيثِ الِإلهِيِّ «وَما تَقَرَّبَ إِلَي عَبْدِي بِشَيءٍ أَحَبُّ إِلَيَّ مِمَّا افْتَرَضْتُهُ عَلَيْهِ، وَلا يَزالُ عَبْدِي يَتَقَرَّبُ إِلَىَّ بِالنَّوافِلِ -يَعْنِي بَعْدَ الفَرائِضِ وَالواجِباتِ - حَتَّى أُحِبَّهُ فِإذا أَحْبَبْتُهُ كُنْتُ سَمْعَهُ الَّذي يَسْمَعُ بِهِ، وَبَصَرَهُ الَّذي يُبْصِرُ بِهِ، وَيَدَهُ الَّتي يَبْطِشُ بِها، وَرِجْلَهُ الَّتي يَمْشِي بِها، وَلَئِنْ اسْتَنْصَرَني لأَنْصُرَّنَهُ، وَلَئِنِّ اسْتعاذَني لأُعِيذَنَّهُ»البخاري(6502) .
هَذِهِ هِيَ ثَمَرَةُ الطَّاعَةِ، وَالإِحْسانِ هَذا هُوَ مَعْنَى قَوْلِهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «إذا صَلَحَتْ صَلَحَ الجَسَدُ كُلُّهُ أَلا وَهِيَ القَلْبُ»البُخارِيُّ (52), وَمُسْلِم(1599)فالقَلْبُ إِذا صَلَحَ باِلإيمانِ وَالتَّقْوَى، وَالمَحَبَّةِ، وَالتَّعْظيمِ، وَصالحِ الأَعْمالِ صَلَحَ البَدَنُ بِكُلِّ ما فِيهِ بِأَنْ يَكُونَ اللهُ -عَزَّ وَجَلَّ- مَعكَ في كُلِّ شَأْنٍ وَحالٍ.
اللَّهُمَّ أَعِنَّا عَلَى طاعَتِكَ، وَاصْرِفْ عَنَّا مَعْصِيَتَكَ، وَأَقِمْنا عَلَى ما تُحِبُّ وَتَرْضَى.
أَقُولُ هَذا القَوْلَ، وَأَسْتَغْفِرُ اللهَ العظيمَ لي وَلَكُمْ فاسْتَغْفِرُوهُ إِنَّهُ هُوَ الغَفُورُ الرَّحيمُ.
الخُطْبَةُ الثَّانِيَةُ:
الحَمْدُ للهِ حَمْدَ الشَّاكِرينَ، أَحْمَدُهُ حَقَّ حَمْدِهِ لا أُحْصِي ثَناءً عَلَيْهِ هُوَ رَبُّ العالمينَ، وَأَحْكَمُ الحاكِمينَ، وَأَشْهَدُ أَنْ لا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُ اللهِ وَرَسُولُهُ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَمَنِ اتَّبَعَ سُنَّتَهُ وَاقْتَفَى أَثَرَهُ بِإِحْسانٍ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ, أَمَّا بَعْدُ:
فاتَّقُوا اللهَ أَيُّها المؤْمِنُونَ، اتَّقُوا اللهَ تَعالَى واطْلُبوا إِلَيْهِ كُلَّ مَنْ يُقَرِّبُكُمْ مِنْهُ مِنْ صالحِ العَمَلِ في السِّرِّ وَالعَلَنِ، وَابْتَغُوا الأَجْرَ عِنْدَهُ، وَاحْتَسِبُوا ما تَلْقَوْنَهُ في طاعَتِهِ فَإِنَّهُ لا يَفُوتُ قَلِيلٌ وَلا كَثِيرٌ، وَلا يَذْهَبُ مِنْ صالحِ العَمَلِ شَيْءٌ وَلَوْ كانَ يَسِيرًا اتَّقُوا النَّارَ وَلَوْ بِشِقِّ تَمْرَةٍ فَقَدْ قالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ- لأَصْحابِهِ: «اتَّقُوا النَّارَ وَلَوْ بِشِقِّ تَمْرَةٍ»،وَقالَ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «فَمَنْ لمْ يَجِدْ فَبِكَلِمَةٍ طَيِّبَةٍ»البخارِيُّ(6539), وَمُسْلِمٌ(1016)، فَتَقَرَّبُوا إِلَى اللهِ بِكُلِّ ما تَسْتَطِيعُونَ مِنْ صالحِ العَمَلِ، وَارْجُو الثَّوابَ مِنْهُ، وَالنَّوالَ، وَالعَطاءَ، وَواسِعَ الفَضْلِ، وَكَبِيرَ الإِحْسانِ؛ فَهُوَ الَّذِي يُعْطي عَلَى القَلِيلِ الكَثيرَ ﴿فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَه﴾ الزلزلة:7﴿وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَه﴾ الزلزلة:8 ، قُومُوا بِما فَرضَ اللهُ تَعالَى عَلَيْكُمْ مِنْ طاعاتٍ، وَواجِباتٍ، وَاحْتَسِبُوا الأَجْرَ عِنْدَ اللهِ -عَزَّ وَجَلَّ-، وَتَفَقَّدُوا مَنْ حَوْلَكُمْ مِنْ جِيرانِكُمْ، وَأَهْلِيكُمْ؛ فَإِنَّ فِيهِمْ مَنْ ذُو حاجةٍ يَحْتاجُ مَنْ يُعينُهُ في حَوائِجِهِ، وَاللهُ في عَوْنِ العَبْدِ ما كانَ العَبْدُ في عَوْنِ أَخِيهِ، وَكَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ يَغْفُلُ عَنْ جِيرانِهِ في سَدِّ حاجَتِهِ، وَكِفايَتِهِمْ، وَسَواءٌ كانُوا مِنَ الجيرانِ القَرِيبينَ أَوْ مِمَّن هُمْ في الحَيِّ سَواءً كانُوا مِنْ العوائِلِ وَالعُزَّابِ، سَواءَ كانُوا مِنْ أَهْل البَلَدِ أَوْ مِنَ الضُّيُوفِ الوافِدينَ إِلَيْها تَفَقَّدُوهُمْ بِما يَسُدُّ حاجاتِهِمْ، وَاحْتَسِبُوا الأَجْرَ عِنْدَ اللهِ تَعالَى في ذَلِكَ؛ فَإِنَّ الأَجْرَ مِنَ اللهِ جَزِيلٌ، وَالعَطاءُ وَفِيرٌ لِمَنْ تَقَرَّبَ إِلَيْهِ رَاغِبًا فِيما عِنْدَهُ -جَلَّ في عُلاهُ- أَسْبِغُوا الوُضُوءَ فَإِنَّ إِسْباغَ الوُضُوء عَلَى المكارِهِ مِمَّا يَحُطُّ اللهُ تَعالَى بِهِ الخَطايا، وَالسَّيِّئاتَ فَقَدْ قالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «أَلَا أَدُلُّكُمْ عَلَى مَا يَمْحُو اللهُ بِهِ الْخَطَايَا، وَيَرْفَعُ بِهِ الدَّرَجَاتِ؟» قَالُوا بَلَى يَا رَسُولَ اللهِ قَالَ: «إِسْبَاغُ الْوُضُوءِ عَلَى الْمَكَارِهِ »أَيْ: تَبْلِيغُ الماءِ جَمِيعَ الأَعْضاءِ الَّتي أَمَرَ اللهُ تَعالَى بِغَسْلِها في الطَّهارَةِ ثُمَّ قالَ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «كَثْرِةُ الخُطا إِلَى المساجِدِ» فَلا يَمْنِعَنَّكُمْ البَرْدُ مِنَ شُهُودِ الجَماعاتِ، وَالبَقاءِ في المساجِدِ، وَالرَّغْبَةِ فِيما عِنْدَ اللهِ تَعالَى في أَداءِ هَذِه الفَرِيضَةِ، وَالشَّعِيرَةِ, ثُمَّ قالَ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «وَانْتِظارُ الصَّلاةِ بَعْدَ الصَّلاةِ، فَذَلِكُمُ الرِّباطُ فَذَلِكُمُ الرِّباطُ»أَخْرَجَهُ: مُسْلِمٌ(251) قُومُوا بِما فَرَضَ اللهُ تَعالَى عَلَيْكُمْ في حَقِّ أَهْلِيكُمْ بِكِفايَتِهِمْ، وَرِعايَةِ شُئونِهِمْ، وَالِإحْسانِ إِلَيْهِمْ كُلُّ ذَلِكَ مِمَّا يُجْرِي اللهُ تَعالَى لَكُمْ فِيهِ خَيْرًا عَظِيمًا، َويَحْصُلُ لَكُمْ بِهِ بِرٌ كَبِيرٌ فاللهُ يُعْطِي عَلَى القَلِيلِ الكَثِيرَ، وَقَدْ قالَ اللهُ تَعالَى: ﴿يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ﴾ البقرة:185 .
فَأَقْبِلُوا عَلَى طاعَتِهِ، وَخُذُوا بِشَرَائِعِهِ، وَاعْمَلُوا بِالصَّالحِ؛ تَجِدُوا فَضْلًا، وَأَجْرًا وَبِرًّا عَظِيمًا مِنْ رَبٍّ يُعْطِي عَلَى القَلِيلِ الكَثِيرَ، وَأُوصِيكُمْ عِبادَ اللهِ بِصِدْقِ التَّوْبَةِ إِلَى اللهِ -عَزَّ وَجَلَّ-، وَاسْتِصْحابِ التَّقْوَى؛ فَإِنَّ التَّقْوَى وَالتَّوْبَةَ الدَّائِمَةَ، وَالاسْتِغْفارِ الملازِمِ يَدْفَعُ اللهُ بِهِ عَنِ الإنْسانِ مِنَ المساوِئِ وَالشُّرُورِ ما لا يَرِدُ لَهُ عَلَى بالٍ وَلا خاطِرٍ؛ فَإِنَّ اللهَ -عَزَّ وَجَلَّ- يَدْفَعُ عَنْكَ بِاسْتِغْفارِكَ، وَتَوْبَتِكَ، وَتَقْواكَ ما لا يَرِدُ لَكَ عَلَى بالٍ، وَلا يَخْطُرُ لَكَ عَلَى خَيالٍ، فَإِنَّ اللهَ يُدافِعُ عَنِ الَّذينَ آمَنُوا وَاللهُ سُبْحانَهُ وَبِحَمْدِهِ يَغْضَبُ لأَوْلِيائِهِ، وَأَوْلِياؤُهُ هُمْ أَهْلُ طاعَةٍ «مَنْ عَادَى لِي وَلِيًّا فَقَدْ آذَنْتُهُ بِالحَرْبِ»البخاري(6502)، وَأَنْتُمْ تعَيِشُونَ زَمانًا أَحاطَ فِيهِ الأَعْداءُ بِأَهْلِ الِإسْلامِ مِنْ جِهاتٍ عِدَّةٍ، وَلا سَبِيلَ إِلَى النَّجاةِ مِنْ ذَلِكَ المكْرِ الكُبَّارِ مِنْ ذَلِكَ الكَيْدِ الَّذي يَكِيدُهُ الفُجَّارُ إِلَّا بِالَّلجَأِ إِلَى اللهِ تَعالَى وَالاعْتِصامِ بِهِ، وَصِدْقِ الصِّلَةِ بِهِ؛ فَإِنَّ اللهَ يَدْفَعُ عَنْكُمْ بِإيمانِكُمْ، وَبِتَقْواكُمْ، وَصَلاحِكُمْ ما لَيْسَ لَكُمْ عَلَى بالٍ، وَلا خاطِرٍ.
الَّلهُمَّ إِنَّا نَسْأَلُكَ أَنْ تَدْفَعَ عَنَّا كُلَّ سُوءٍ وَشَرٍّ، وَأَنْ تَرْزُقَنا البِرَّ، وَالتَّقْوَى، وَأَنْ تَحْفَظَنا مِنْ بَيْنِ أَيِدِينا، وَمِنْ خَلْفِنا، وَعَنْ شَمائِلِنا، وَأَنْ تُعِينَنا عَلَى طاعَتِكَ، وَأَنْ تَصْرِفَ عَنَّا مَعْصِيَتَكَ.
الَّلهُمَّ آمِنَّا في أَوْطانِنا، وَأَصْلِحْ أَئِمَّتَنا وَوُلاةَ أُمُورِنا، اللَّهُمَّ أَصْلِحْ أَئِمَّتَنا وَوُلاةَ أُمُورِنا، اللَّهُمَّ أَصْلِحْ أَئِمَّتَنا وَوُلاةَ أُمُورِنا، وَاجْعَلْ وِلايتَنا فِيمَنْ خافَكَ، وَاتَّقاكَ، وَاتَّبَعَ رِضاكَ يا رَبَّ العالمينَ، اللَّهُمَّ وَفِّقْ وَلِيَّ أَمْرِنا إِلى ما تُحِبُّ وَتَرْضَى، خُذْ بِناصِيِتِهِ إِلَى البِرِّ وَالتَّقْوَى، اللَّهُمَّ سَدِّدْهُ في قَوْلِهِ وَعَمَلِهِ، الَّلهُمَّ اجْعَلْ لَهُ مِنْ لَدُنْكَ سُلْطانًا نَصِيرًا يا رَبَّ العالمينَ, اللَّهُمَّ وَفِّقْ جُنودَنا المقاتِلِينَ، وَالمرابِطينَ، وَالحارِسِينَ لأَمْنِنا يا رَبَّ العالمينَ، اللَّهُمَّ احْفَظْهُمْ مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ، اللَّهُمَّ سَدِّدْ رَمْيِهُمْ، اللَّهُمَّ ذُبَّ عَنْهُمْ، اللَّهُمَّ كُنْ لَهُمْ مُعينًا، وَنَصْيرًا يا ذا الجَلال ِوالإِكْرامِ، اللَّهُمَّ إِنَّا نَسْأَلُكَ أَنْ تَنْصُرَ أَهْلَ الإِسْلامِ في كُلِّ مكانٍ، وَأَنْ تُنَجِّيَ المسْتَضْعَفِينَ مِنَ المؤْمِنينَ في كُلِّ مَكانٍ في سُورِيَّا، وَالعِراقِ، وَاليَمَنِ، وَفي سائِرِ البِقاعِ يا حَيُّ يا قَيُّومُ.
اللَّهُمَّ إِنَّا نَسْأَلُكَ أَنْ تُصْلِحَ أَحْوالَ المسْلِمينَ حَيْثُ كانُوا أَنْ تَتَولاَّهُمْ بِرَحْمَتِكَ، وَأَنْ تَعُمَّهُمْ بِفَضْلِكَ، وَأَنْ تُنَزِّلَ عَلَيْهِمْ سَكَينَةً، وَبِرًّا، وَأَنْ تُقيمَهُمْ عَلَى الطَّاعَةِ، وَأَنْ تَخْذُلَ كُلَّ عَدُوٍّ للِإِسْلامِ وَالمسْلِمينَ ظاهِرًا كانَ أَوْ مُسْتَتِراً ﴿رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنفُسَنَا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ﴾ الأعراف:23.
الَّلهُمَّ اغْفِرْ لَنا وَلِإخْوانِنا الَّذينَ سَبَقُونا بِالإيمانِ وَلا تَجْعَلْ في قُلُوبِنا غِلًا لِلَّذينَ آمَنُوا رَبَّنا إِنَّكَ رَؤُوفٌ رَحِيمٌ.