حياكم الله مستمعينا الكرام عبر هذه الحلقة المباشرة من برنامج ''الدين والحياة''.
مستمعينا الكرام من الأمور الهامة المقررة في الكتاب، والسنة تنتظم بها مصالح العباد والبلاد، والتي هي من أعظم أسباب السعادة بيعة ولاة الأمور على الكتاب والسنة.
في هذه الحلقة مستمعينا الكرام سوف نتحدث عن البيعة الشرعية وحقوقها، وسوف نتحدث أيضًا عن أدلة مشروعيتها، وعظيم أهميتها ولزومها في عنق كل مؤمن، والتحذير من خلعها، وما يلزم منها من السمع، والطاعة، والجماعة، وترك الفرقة ونحو ذلك إضافةً إلى بعض حقوق ولاة الأمر عبر هذه الحلقة التي عنوناها ''حقوق البيعة الشرعية" أو "البيعة الشرعية وحقوقها''.
مستمعينا الكرام طبعًا في مطلع هذا الحديث مع ضيفنا فضيلة الشيخ الدكتور/ خالد المصلح، ولعَنا يا شيخ خالد عندما نتحدث عن مثل هذا الأمر الهام يتساءل البعض لماذا نحن نتحدث عن البيعة؟ وربما هو حديثٌ يتناسب مع هذه الذكرى التي نعيشها في هذا اليوم، الذكرى الثانية لبيعة خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز آل سعود -حفظه الله- ربما ننطلق من حديثنا عندما نتحدث عن مثل هذا الأمر من الكتاب والسنة، وهو التأصيل الشرعي لمثل هذه القضايا.
الشيخ: الحمد لله رب العالمين، وأصلي وأسلم على نبينا محمد، وعلى آله وأصحابه أجمعين، أما بعد...
فالسلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وفي بداية الأمر أسأل الله تعالى أن يمنّ على ولي أمرنا الملك سلمان وفقه الله العفو، والعافية، والصحة، والقوة، وأن يُسدِّده في رأيه وقوله وعمله، وأن يجعله مباركًا، وأن ينصر به الإسلام وأهله، وأن يُمدَّه بعونه، وأن يجعل له من لدنه سلطانًا نصيرا، فحقُّ ولاة أمرنا أن يُدعى لهم، وأن يُذكروا بالجميل لاسيما وأن ولاة أمرنا -ولله الحمد- خصهم الله تعالى بمنةٍ عظيمة وهي اعتماد الكتاب والسنة في الحكم بين الناس، وفي إدارة شئون البلاد، وهذا فضل الله تعالى عليهم وعلى هذه البلاد، فإن إقامة الشريعة، والعمل بها، واعتمادها من أعظم الإنجازات التي تحققت لهذه الدولة المباركة في هذا العصر، فإن المملكة العربية السعودية وفقها الله، وأدام عِزَّها، وحفظها، وحفظ عقيدتها، وولاة أمرها، وشعبها من كل سوء، دولة ذات تميُّز؛ فدينها الإسلام، ودستورها كتاب الله -عز وجل- وسنة سيد الأنام -صلوات الله وسلامه عليه-، وهذه مزايا عظيمة خصّ الله بها هذه البلاد المباركة، فهذه البلاد المباركة في نظامها الأساسي للحكم تنصُّ في كل موادها بالإشارة، وبالتصريح على أنها قائمة على دين الإسلام، وأن دستورها كتاب الله تعالى، وسنة رسوله.
فالمادة الأولى من مواد النظام الأساسي للحكم جاء ما نصُّه في المادة الأولى:" المملكة العربية السعودية دولة عربية إسلامية ذات سيادة تامة دينها الإسلام، ودستورها كتاب الله تعالى، وسنة رسوله -صلى الله عليه وعلى آله وسلم-.
ثم المادة الثانية عيدا الدولة هما:
عيد الفطر والأضحى، وتقويمها هو التقويم الهجري، وهذا يبين الارتباط الوثيق في هذه الدولة المباركة مع هذا الدين، وهذه الشريعة المباركة التي ميَّزتها عن سائر بلاد الدنيا، وفي المادة السابعة لنظام الحكم النص:" يُستَمَدُّ الحكم في المملكة العربية السعودية سُلطَتَه من كتاب الله تعالى، وسنة رسوله، ثم يأتي ما هو واضح وجليُّ في تقديم هذه الأحكام الشرعية على غيرها من الأحكام المادة السابعة تقول: "وهما الحاكمان على هذا النظام، وجميع أنظمة الدولة" أين في الدول شيء مثل هذا في دساتير العالم كلها؟
المادة الثانية: يقوم الحكم في المملكة العربية السعودية على أساس العدل، والشورى، والمساواة وفق الشريعة الإسلامية.
المادة التاسعة: تنصُّ على أن تربية الأسرة، وتربية أفرادها على العقيدة الإسلامية وما تقتضيه من الولاء، والطاعة لله ولرسوله، ولولي الأمر، واحترام النظام، وتنفيذه، وحب الوطن، والاعتزاز به، وبتاريخه المجيد.
المادة العاشرة: تحرص الدولة على توثيق خواص الأسرة، والحفاظ على قيمها العربية، والإسلامية.
يا أخي هذا النص أو هذه النصوص التي تضمَّنها هذا النظام أساس الحكم يُبيِّن الارتباط الوثيق بين دين الإسلام، وهذا النظام الذي تقوم عليه هذه البلاد المباركة.
المادة الثالثة والعشرون: تحمل الدولة عقيدة الإسلام، وتُطبِّق شريعته، وتأمر بالمعروف، وتنهى عن المنكر، وتقوم بواجب الدعوة إلى الله -عز وجل- من مواد هذا النظام.
المادة الرابعة والعشرون: تقوم الدولة بإعمار الحرمين الشريفين، وخدمتهما، وتوفر الأمن والرعاية لقاصدهما بما يُمكِّن من أداء الحج والعمرة والزيارة بيُسرٍ وطمأنينة، وهذه لمحة سريعة لبعض مُفردات هذا النظام الذي تقوم عليه هذه الدولة المباركة، فبالتأكيد أن هذه الدولة حُبُّها، والولاء لها هو من حب الله ورسوله، ومن الولاء لهذا الدين المبارك؛ لقيامها بدين الإسلام، وحثها عليه، وتعظيمها لشرائعه حتى فيما يتصل بموضوع حلقتنا، وهو موضوع البيعة في المادة الخامسة من مواد النظام الأساسي للحكم يقول فيه: ويُبايع نظام الحكم في المملكة العربية السعودية مَلَكيّ، يكون الحكم في أبناء الملك المؤسِّس عبد العزيز ابن عبد الرحمن الفيصل آل سعود -رحمه الله-، وأبناء الأبناء، ويُبايع الأصلح منهما للحكم على كتاب الله وسنة رسوله.
كل هذا يُبيِّن أن هذه الدولة في تسيريها، وإدارتها لشئون الناس وشئون البلد تقوم على الشريعة، في تنصيب الحاكم أيضًا ترعى فيه أحكام الشريعة، المادة السادسة:" يُبايع المواطنون الملك على كتاب الله تعالى، وسنة رسوله وعلى السمع والطاعة في العسر واليُسر والمَنشَط والمَكره"، وكل هذا يُؤكِّد هذه المعاني التي ذكرتها أن هذه الدولة المباركة ميَّزها الله تعالى بما ميزها به من هِبات، ومِنح جعلتها شامة بين الناس، جعلتها دُرَّة مضيئةً في عالم الأرض بتطبيقها الإسلام، وعملها به في توأم فريد بين الأصالة والمعاصرة، بين الاستمساك بأصول الشريعة، وإقامة الإسلام، وبين العمل بمقاضيات ومتطلبات العصر، ومواكبة ما تقتضيه الحضارة، والمنتجات المعاصرة التي غيَّرت وجهَ العالم.
وكثير من الناس قد يتصورون أنه لا يمكن أن يُجمع بين هذين، فلا يمكن أن يعيش حياته في حضارتها المعاصرة إلا بالانخلاع عن جلباب الإسلام والخروج عن أحكامه، والتحرر من شرائعه.
في حين أن هذه الدولة ضَرَبَت مثالًا رائعًا في كل أطوارها، وفي هذا الطور الأخير العهد الثالث المبارك من تأسيسها على يد المؤسس الملك عبد العزيز بن عبد الرحمن الفيصل آل سعود -رحمه الله وأسكنه الجنة-، من ذلك الوقت إلى يومنا هذا، ونحن نضرب مثالًا للعالم أن الإسلام يَصلح أن يكون مَنهجًا مُطبَّقًا لإدارة شئون الدولة، ولإدارة شئون الناس، ولا يتعارض مع منتجات العصر، ولا ما تحتاجه الحياة العصرية من أمور ومقتضيات، فلذلك من المهم أن نعرف نعمة الله علينا في هذه البلاد، وأن نعرف ما أنعم الله علينا به من ولاة الأمر المعظِّمين للشريعة، القائمين بها هذا ليس لأجل طلب منفعة أو تحقيق مصلحة، هذا دين يدين به المؤمن، ويعتقده؛ رغبةً فيما عند الله -عز وجل-، ورجاءًا للثواب، وتحدُّثًا بنعمة الله التي أنعم الله تعالى بها على هذه البلاد، وعلى ولاتها، وأهلها، وقد قال تعالى: ﴿وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ﴾ [الضحى:11].
وإذا كان الناس يتفاخرون بمنجزاتهم، ويفخرون بما حققوه فحقُّ من يُذكر فضله، وتُذكر مناقبه ما كان مُقيمًا للشريعة، صائنًا للدين، قائمًا بمصالح الخلق وِفق ما يحبُّ الله ويرضاه، ولهذا الإشادة بنظام الحكم الأساسي الذي تقوم عليه هذه البلاد، وبالعمل الذي دأب عليه ولاتها من الملك المؤسس عبد العزيز -رحمه الله-، والملك سعود، والملك فيصل، والملك خالد، والملك فهد، والملك عبد الله، وفي عهد خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان -حفظه الله وسدده- ما ينبغي أن يذكر ويُشكر، و«مَن لا يَشكُر النَّاسَ لا يشكر الله»[أخرجه الترمذي في سننه:ح1954، وقال:هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ]،وهو أيضًا إضافةً إلى أنه تحدُّث بنعمة الله وشكر له -جل وعلا- على ما أنعم، وبيان للفضائل والمناقب التي ميَّزنا الله تعالى بها في هذه المملكة العربية السعودية من مزايا، أيضًا في جانب آخر وهو مُهمٌّ ونحن بحاجة إليه قطع أَلسِنَةِ الشانِئِين، والحاقدين، والمُشَغِّبين الذين يسعوْن لتشويه صورة هذه البلاد، تشويه صورة نظامها، تشويه صورة ولاتها، تشويه صورة أهلها بالباطل والزور، فالحق أَحَقُّ أن يُتَّبع، وبيان الواقع هو أبلغ جواب، وأقطع بيان لألسنة الحاقدين المتربِّصين، سواءً لبسوا ثوب الشريعة أو لبسوا ثوب العصرنة، أو لبسوا ما لبسوا من الثياب، فهذه بلادٌ حباها الله بهبات، وعطايا في دينها ودنياها، وذاك فضل الله ﴿وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ﴾ [الأعراف:96]
فما ننعم به، ونعيش فيه من خيرات كثيرة في ديننا، ودنيانا، في أَمْنِنا، واستقرارنا، واجتماعنا، والتحامنا كل ذلك من فضل الله -عز وجل- ثم فضل ما يسَّره وأعان عليه من هذا النظام الذي يقوم على الشريعة، ويصونها، ويحفظها، ومن توفيق الله تعالى لولاتنا وفقهم الله الذين يدأبون، ويجتهدون، ولا يألون جهدًا في إقامة الشريعة، والعمل بما يُحقِّق مصالح الناس، ورَفَه الناس، وتنمية البلد، والتقدم بها إلى مساقط العِزّ، والسُؤدَد.
أسأل الله أن يُتمم لنا فضله، وأن يكفيَنا شرَّ كلِّ ذي شرٍّ، وأن يجزيَ ولاتنا، وقادتنا على رأسهم إمامنا خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان، ونائبيه، ويجزيهم عنا كل خير.
المقدم: آمين، لعل هذا مَدخل مناسب في حديثنا هذا اليوم عن البيعة، وحقوقها الشرعية ربما نتحدث عن هذا الأمر، وعن هذا الجانب كون هذه البيعة يعني تستقيم إذا ما استقامت استقامت وراءها مصالحُ الناس وحياتُهم، ومعاشهم، وكل ما يتعلق بأمورهم الدينية والدنيوية، وعندما نتحدث أيضًا عن هذا الأمر ربما هذا المصطلح الذي شابَتْه في الآونة الأخيرة بعضُ الشوائب عندما يتدخل بعض الدُّخَلاء أو المتطفِّلين على العِلْم الشرعي، ويتحدث البعض أو يدّعي أنه من علماء الشريعة، وبالتالي يُزوِّر في هذا المصطلح، ويمنَحُه لأشخاص لا يستحقونه، وبالتالي نحن يعني مطالبون بأن نُوضِّح، ونُجلِّي مثل هذه المصطلحات، ومثل هذا المفهوم حتى لا ينخدع بعض من يمكن أن تسري عليهم هذه الألاعيب، وهذه الأُضْحوكات أو هذا الاستغفال الذي يُمارسه هؤلاء عبرَ موقع التواصل، وغيرها من الوسائل التي يعني يتواصل الناس من خلالها.
الشيخ: بالتأكيد؛ الحديث عن موضوع البيعة وما يتصل بها من تأصيل شرعي، وبيان الحقوق المترتبة عليها هو من الأمور التي يحتاجها المسلمون في كل مكان، ويحتاجها كل مسلم أن يعرف ما له وما عليه، ولذلك جاءت النصوص متوافرة في سنة النبي -صلى الله عليه وسلم-؛ لبيان الواجب على الناس تجاه ولاة أمرهم حتى تتحقق لهم المصالح.
يقول شيخ الإسلام -رحمه الله-: ''يجب أن يُعرف أن ولاية أمور الناس من أعظم واجبات الدين''.
يقول -رحمه الله-:'' بل لا قيام للدين، ولا للدنيا إلا بها"[مجموع الفتاوى:28/390]، وقضية بهذه المنزلة أن إقامتها ولاية أمور الناس من أعظم واجبات الدين لا شك أنه لابد من معرفة الطرق التي تتحقق بها ولاية أمور الناس يعني كيف تُعقد الولاية؟والبيعة هي الطريق الذي تُعقد به الولاية ثم ليس الأمر فيما يتعلق فقط بمعرفة طريق عقد الولاية الشرعية على الناس بل ثمة أمور أخرى، وهي ما يتعلق بمعرفة المصالح المركبة على إقامة هذه الولاية أنه لا قيام للدين، ولا للدنيا إلا بإقامة مصالح الناس، يقول الحسن البصري: ''والله لا يستقيم الدين إلا بهم -يعنى إلا بولاة أمرٍ يقومون على الناس-، وإن جاروا، وإن ظلموا والله لما يُصلح الله بهم أكثر مما يفسدون، مع أن طاعتهم والله لغيظ، وإن فرقتهم لكفر"[جامع العلوم والحكم لابن عبد البر2/117] هذا كلام الحسن البصري في القرن الأول الهجري، ويُبين عظيم منزلة الولاية في قلوب التابعين، وعلي بن أبي طالب -رضي الله تعالى عنه- يقول: ''لابد للناس من أمير أن يَتَولَّاهم، ويقوم بشئونهم، ويُصلح أمورهم، ويُدير شئونهم، برٍّ أو فاجر، يعمل فيه المؤمن، ويستمتع فيه الكافر، ويبلغ الله فيها الأجل"[نهج البلاغة:ص82]، وبالتالي من المهم أن يُعرف أن قضية الولاية الشرعية فيما يتعلق بطريقة حصولها، وتقريرها، وما يترتب عليها من مصالح أمرٌ واضح لا تتم مصالح الناس في دينهم ولا في دنياهم إلا بالبيعة التي تقتضي السمع والطاعة، وتقتضي مقتضيات سنُشير إليها بعد قليل، فالواجب العناية بهذا الأمر، معرفة ما يتعلق بالبيعة وشئونها دينًا، وقربةً يتقرب بها إلى الله تعالى، فإن التقرب فيها بمعرفتها، والعلم بها، والقيام بمقتضياتها مما يَصلُح به حال الناس، والإهمال لذلك، وعدم القيام بحقوق البيعة يَفسَد فيه حال أكثر الناس، ويقع بينهم الاضطراب، وتتعكس عليهم أمور لأجل ما يكون من الفساد الحاصل بشتات أمرهم، واختلافهم، وتنازعهم؛ لهذا من المهم أن يُعرف أن البيعة الشرعية: هي الطريقة التي تحصل به الولاية.
البيعة الشرعية ما هي؟
البيعة: هي العهد على الطاعة، هي المعاهدة على الطاعة فنحن بايعنا وليَّ أمرنا الملك سلمان -حفظه الله- على السمع والطاعة نُطيعه فيما أمر، فيما يُصلح ديننا، وفيما يُصلح دنيانا، ولا يجوز لأحدٍ أن ينزع يدًا من طاعة، ولا أن يستهين بهذا الأمر، ولا أن يُعلِّقه بتحصيل نفع أو تحقيق مصلحة، بل هو طاعة لله ولرسوله فيما يحب الإنسان وفيما يكره، فيما ينشط له وفيما يكسل عنه، في العسر واليسر بل حتى فيما إذا هُضم حقه عليه أن يسمع ويُطيع، ويصبر على ما يمكن أن يكون من نقصٍ في شأنه هذا هو المقتضى الشرعي للبيعة، ففي الصحيحين من حديث عُبادة بن الصامت -رضي الله تعالى عنه- قال:" دعانا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فبايعناه، فكان فيما أخذ علينا أن بايعناه على السمع والطاعة في مَنشَطِنا، ومَكرَهِنا، وعُسرنا، ويُسرنا، وأثرةٍ علينا، وألا نُنازع الأمر أهله
قال -صلى الله عليه وسلم-: «إلا أن تروا كفرًا بواحًا» -أي؛ ظاهرًا- لا لبس فيه ولا خلاف «عندكم فيه من الله برهان»"[ أخرجه البخاري في صحيحه:ح7055،ومسلم:ح1709/42].-أي؛ سلطان-، ودليل وحجة، وليس به تأويلات أو اختراعات أو تزييفات أو تشبيهات أو تشكيكات كما هو شأن أولئك الذين خرجوا على الإمام، ويدعون الناس للخروج بناءً على كذب، وزور، وبناءً على فساد في قلوبهم، وخطأ قي مناهجهم، والنبي -صلى الله عليه وسلم- قائل يقول: هذا حديث يتعلق ببيعة الصحابة للنبي فمن بيعة ولاة الأمر بعد النبي -صلى الله عليه وسلم- ما بايع عليه الصحابة النبي -صلى الله عليه وسلم- هو حقٌ لولاة الأمر، ولذلك جاء في الصحيحين من حديث أبي هريرة -رضي الله تعالى عنه- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: «سَيَكُونُ خُلَفَاءُ فَيَكْثُرُونَ» قَالُوا: فَمَا تَأْمُرُنَا؟ قَالَ: «فُوا بِبَيْعَةِ الأَوَّلِ فَالأَوَّلِ، أَعْطُوهُمْ حَقَّهُمْ، فَإِنَّ اللَّهَ سَائِلُهُمْ عَمَّا اسْتَرْعَاهُمْ»[أخرجه البخاري في صحيحه:ح3455، ومسلم:ح1842/44] الواجب على المؤمن أن يعرف أن إقامة الولاية ليست فقط في حق النبي -صلى الله عليه وسلم- فإنه بمقتضى النبوة، والرسالة، والمرجع، والقدوة، والأسوة، ومن يجب لزوم أمره، ومن بعده ممن تولى أمر المسلمين له من الحق في الطاعة ما بينه النبي -صلى الله عليه وآله وسلم-، وحذَّر من الإخلال به -صلى الله عليه وسلم- بل أمر الله تعالى ذلك في كتابه فقال: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنْكُمْ﴾ [النساء:59]
فمن مقتضيات البيعة: الطاعة، ولا يجوز لأحدٍ من الناس أن يقول: أنا لم أُبايع، أنا ما بايعت فإن هذا يُوقعه فيما جاء في الحديث من بيان سوء الحال، والمآل لمن ترك البيعة أو نكص عنها أو تخلَّى عن رباطها، وعهدها قال -صلى الله عليه وسلم-: «مَن مَات وليس له إِمَام مات ميتةً جاهلية»[أخرجه ابن حبان في صحيحه:ح4573، والطبراني في الكبير:ح910، وصححه الهيثمي في مجمع الزوائد:ح9138]، وقال علي رضي الله عنه: «لا يحلُّ لمسلمٍ أن يَبيتَ ولا يراه إمامًا برًّا كان أو فاجرًا»[الأحكام السلطانية:ص20] فلا يحل لأحد أن يقول: والله نحن لم نُباشر البيعة مع الإمام أو ما إلى ذلك كل هذا من التزييف والتضليل الذي يُزيِّنه الشيطان في أعين بعض الناس؛ ليتحلل من مقتضيات هذه البيعة التي هي حقٌّ في رقبةِ كل مؤمنٍ في هذه البلاد المباركة، والإخلال بها سواءً بعدم اعتقادها أصلًا هو من الجاهلية، وكذلك من الجاهلية أن ينزع الإنسان يدًا من طاعة، أن يخلع يدًا من طاعة، أن ينقض هذه البيعة بعدم التزام، بعدم اعتقاد صحتها أو بعدم التزام مقتضياتها.
فقد جاء في الصحيح أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: «من خَلَع يدًا من طاعة لقي الله يوم القيامة لا حُجَّة له»[ أخرجه مسلم في صحيحه:ح1851/58]من خلع يدًا من طاعة، وهذا ينبغي أن يُدركه المؤمن يعني أن البيعة قضية شرعية الالتزام طاعة بها للرب -جل في علاه-، وهو مما يصلح به أمر الناس، الإخلال به أمرٌ خطير «مَن خَلَع يدًا من طاعة لقي الله يوم القيامة لا حجة له، ومن مات وليس في عنقه بيعة مات ميتة جاهلية» ومعنى ميتة جاهلية: أي؛ كمايموت أهل الجاهلية على غير سنةٍ وهداية، هذا فيما إذا خلع يدًا من طاعة، وأيضا هذه الميتة ثابتة لمن لم ير هذه البيعة، ولم يعتقدها في من ولاه الله تعالى أمر المسلمين، فلذلك يجب على كل مؤمن على الرجل والأنثى، على الصغير والكبير، على الحاضر والبادي، على القريب والبعيد أن يبايع خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان -وفقه الله-، على كل أهل هذه البلاد بلا استثناء سواءً حضر البيعة، وكان ممن بذلها، وأعطاه -حفظه الله- صفة أميره أو كان من أهل البلاد ولم يحضرها؛ لأنه البيعة ليست مطلوبة من كل فردٍ على وجه الانفراد بل هي كالعقد بمُبايعة أهل الحل والعقد، وقد اجتمعت -ولله الحمد- على ولي أمرنا الملك سلمان -وفقه الله- القلوب، و«خير ولاتِكم الذين تدعون لهم، ويدعون لكم»[أخرج الترمذي في سننه من حديث عمر أن النبيrقال:«أَلَا أُخْبِرُكُمْ بِخِيَارِ أُمَرَائِكُمْ وَشِرَارِهِمْ؟ خِيَارُهُمُ الَّذِينَ تُحِبُّونَهُمْ وَيُحِبُّونَكُمْ وَتَدْعُونَ لَهُمْ وَيَدْعُونَ لَكُمْ»وصححه الألباني في صحيح الجامع:ح2599]وهذا ما نُشاهده ولله الحمد في ولي أمرنا -وفقه الله- حُبُّه واضح، وظاهر في قلوب الناس وهو مُحبٌّ لهم، والدعاء متبادَل بينه وبين رعيته، وهذا من فضل الله تعالى علينا فنسأل الله أن يُديم علينا الفضل، وأن يمنَّ عليه بالعفو والعافية، والتأييد والنصر.
المقدم: إذًا مستمعينا الكرام نحن متواصلون معكم في هذه الحلقة المباشرة من برنامج "الدين والحياة" ضيفنا وضيفكم هو فضيلة الشيخ الدكتور/ خالد بن عبد الله المصلح.
نُذكر مستمعينا الكرام بأنه يمكنهم التواصل معنا بالاتصال على الأرقام التالية: (٠١٢٦٤٧٧١١٧) و (٠١٢٦٤٩٣٠٢٨) شيخ خالد أستأذنكم في تلقي الاتصالات، أول اتصال معنا من المستمع عبد العزيز الشريف من الرياض، حياك الله عبد العزيز، وأهلًا ومرحبًا.
المتصل: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
المقدم: وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته.
المتصل: حياكم الله يا أستاذ عبد الله مساك الله بالخير.
المقدم: مساك الله بالنور، وحياك الله أُحييك، وأُحيي شيخنا الفاضل الأستاذ خالد المصلح، حياك الله يا شيخ.
الشيخ: حياكم الله، مرحبًا بك.
المتصل: بارك الله فيك، أقول من لوازم البيعة لولي الأمر الدعاء، كثير من الناس عندما نصلي الجمعة لا نسمعهم يدعون، كأن يكون الدعاء لولي آل المنبر بدعة فتجدهم لا يدعون لهذا الولي ولمن ينوبه، نريد من فضيلة الشيخ أن يبين لخطباء المساجد أن الدعاء لولي الأمر هو دعاءٌ لهذا الولي بطول العمر، وبأن يمكِّنه الله، وبأن يكون سببًا في انتفاع الإسلام والمسلمين فإنا عندما نجد خطباء الجمعة يزهدون في هذا الدعاء بعض العامة يصدقهم لماذا ندعوا لولي الأمر؟ فأرجو منك التوجيه وبارك الله فيكم والسلام عليكم.
المقدم: وعليكم السلام ورحمة الله، شكرًا لك أخ عبد العزيز اتفضل يا شيخ خالد، معي يا شيخ خالد.
الشيخ: إي معك نعم معك هذه القضية ستأتي إن شاء الله تعالى سنُشير إليها.
المقدم: يعني ممكن إحنا نتكلم يا شيخ خالد عن مسألة لوازم هذه البيعة أو حقوق هذه البيعة.
الشيخ: المقتضيات للبيعة نعم.
المقدم: نعم مقتضيات البيعة، وكذلك أيضًا في الجانب الآخر ما يمكن أن يُؤثِّر على الالتزام بحقوق هذه البيعة ومقتضياتها اتفضل يا شيخ.
الشيخ: نعم فيما يتعلق بأول حقوق هذه البيعة هو اعتقادها نعم، اعتقاد صحَّتِها، وأنها بيعة شرعية لولي أمرنا وفقه الله تعالى، والإعراب عن كل من يُشكِّك في ذلك أو يُشبه المغرضين سواءً كان ذلك من طريق التشكيك أو التشبيه أو الطعن أو ما إلى ذلك بأي وسيلةٍ كانت مسموعة، أو مرئية، أو مكتوبة، أو كان ذلك من طريق شبكات التواصل أو غيرها، فالمُغرضون الذين يَسعَون لإزالة هذه النعمة التي نتنعَّم بها في هذه البلاد من هذه الولاية الشرعية كُثر في الخارج، ولهم من يسمع وينطلي عليه كذبُهم ممن غُرِّر بهم من الداخل، نسأل الله أن يردَّ ضالَّ المسلمين، وأن يكفي المسلمين شرَّ هؤلاء الخوارج، وهؤلاء الأشرار الذين يسعوْن في الأرض فسادا.
الأمر الثاني: إذًا المقتضى الأول اعتقاد صحتها.
الثاني: الالتزام
بها والوفاء، فالله تعالى يقول: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ﴾ [المائدة:1]، وأعظم العقود وجوبًا في الوفاء به هو العقد المعقود لولاة الأمر؛ لأنه أعظم ما يكون فسادًا إذا أُخلَّ به يعني أنت تبيع مع شخص تتبايع مع شخص وتشتري منه شيء، ويشترط عليك شروطًا ثم تُخلُّ بهذه الشروط العقد يعني الفساد، والضرر حاصل، ومنحصر في العقد الذي بينك وبينه يعود عليك وعليه، لكن فيما يتعلق بالبيعة التي بذلها أهل الإسلام، وأهل هذه البلاد المباركة لولي الأمر الإخلال بها لا يقتصر على الشخص نفسه لكن بالتأكيد أنه سيموت مِيتة جاهلية، وسيلحقه من الإثم ما يلحقه لكن في الغالب أن يكون له آثار سلبية تتعدَّى وتتجاوز نفسه إلى غيره.
المقدم: صحيح.
الشيخ: بما يمكن أن يكون من فساد، والإخلال بهذه البيعة هو من الغدر الذي توعَّد النبي -صلى الله عليه وسلم- صاحبه كما في الصحيح من حديث أبي سعيد قال:« لكل غادرٍ لواءٌ عند استه يوم القيامة».[أخرجه مسلم في صحيحه:ح1738/15]
وقال -صلى الله عليه وسلم-: «يُنصب لكل غادرٍ لواءٌ يوم القيامة» [أخرجه البخاري في صحيحه:ح7111] فمن خرج من طاعة النبي -صلى الله عليه وسلم- كان قد خرج من طاعة الله -عز وجل- ورسوله في طاعة ولاة الأمر فإنه غادرٌ بعد أن بذل البيعة يجب عليه أن يلتزم بها، ومن حقوق هذه الولاية أن يَثبُتَ عليها، وألا يُخلَّ بها، فمن خرج عن الطاعة، وفارق الجماعة فمات ميتة جاهلية، وقد قال -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- في بيان فئة من الناس تخرج على ولاة الأمر قال -صلى الله عليه وسلم-: «وَمَن خرج على أُمَّتي يضرِب بالسيف بَرَّها وفاجرَها - يعني بالسيف-، ولا يتحاشى مِن مُؤمِنِها، ولا يفي لذي عهدٍ عهدَه فليس مني ولستُ مِنه»[أخرجه مسلم في صحيحه:1848/53]، فالذي يُخل ببيعة ولي الأمر ليس من النبي -صلى الله عليه وسلم- في شيء، وليس منه -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- في شيء، وهذا يُبين خطورة الخروج عن طاعة ولاة الأمر، الخروج والمفارقة للجماعة فوق أنه ميتة جاهلية تبرَّأ النبي -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- من أصحابه، فاحذر ألا تفي لمن عاهدته، وبَذَلْت له البيعة بأي نوعٍ من الإخلال لقوله -صلى الله عليه وسلم-: «وَلا يَفي لِذي عَهدٍ عهدَه، فليس مني وَلَستُ منه».
ثم من حقوق هذه البيعة، وهذه الولاية الشرعية التي ننعم بها في هذه البلاد المباركة المملكة العربية السعودية أن نُحافظ عليها بقطع الطريق على كل من يسعى إلى تفريقنا، وقد جاء في ذلك في قوله -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- فيما رواه مسلم من حديث عرفجة الأشجعي «مَن آتاكم وأمرُكم جميعٌ على رجلٍ واحدٍ يريد أن يَشُقَّ عصاكم، ويُفرِّقَ كلمتَكم فاقتلوه»[أخرجه مسلم في صحيحه:ح1852/60] هذا الحكم نبويٌّ يُبيِّن خطورة تفريق الجماعة، وأن من حقوق البيعة أن يُقطع الطريق على كل من يسعى إلى التشغيب عليها، إلى إضعافها، إلى التفريق، وقد قال النبي -صلى الله عليه وسلم- في روايةٍ أخرى في هذا الحديث أنه «ستكون هَنَّاتٌ، وهَنّات» يعني وقائع حوادث، ونوازل «فمن أراد أن يُفرِّق أمرَ هذه الأمة وهي جميعٌ فاضربوه بالسيف كائنًا مَن كان».[أخرج مسلم في صحيحه:ح1852/59]
هذه من حقوق البيعة، ومن مقتضياتها فيلزم المؤمن أن إذا بايع وليَّ الأمر، يلزم كل مؤمن ثبتت في عنقه البيعة لولي أمرنا وفَّقه الله أن يسمع وأن يُطيع، وأن يعتقد صحَّةَ هذه البيعة، وأن يَذُبَّ عنها بما يستطيع.
من لوازم هذه البيعة أن يجتهد المؤمن في السمع والطاعة، وإذا نظرت إلى الأحاديث الواردة في السمع والطاعة وجدتَ عِظم هذا الأمر، ورفيعَ منزلتِه عند النبي -صلى الله عليه وسلم-، وفي الشريعة، فالنبي -صلى الله عليه وسلم- يقول: «على المرءِ السمعُ والطاعة فيما أحبَّ وكَرِه إلا أن يُؤمر بمعصية، فإن أُمر بمعصية فلا سمعَ ولا طاعةَ»[أخرجه البخاري في صحيحه:ح2955، ومسلم:ح1839/38]، لكن حتى لما يُؤمر بمعصية، فالواجب في حقه ألا يسمع ولا يطيع لكن ما قال -صلى الله عليه وسلم-: «ولا وِلاية له» أي: ليس هذا معناه أن ينزع يدًا من طاعة، لكن في حق نفسه ألا يسمع في معصية الله -عز وجل-، ولكن لا ينزع يدًا من طاعة، ويحتسب، ويُناصِح، ويقوم بالدلالة على الحق والخير دون أن ينزع يدًا من طاعة؛ لأن السمع والطاعة ثابت لولاة الأمر في المنشط والمكره، وفيما يكون في العسر واليسر، وقد قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: «تسمع وتُطيع، وإن ضُربَ ظَهرَك، وأُخذَ مالَك»[أخرجه مسلم في صحيحه:ح1847/52]، شوف حتى إذا كان الإنسان وقع عليه ظلم من ولي الأمر على سبيل المثال بضربٍ أو أخذ مال هذا لا يُسقط حقَّه في السمع والطاعة، بل قال -صلى الله عليه وسلم-: «ستسمع، وتطيع للأمير» يعني من أمّره الله تعالى عليك، وثبتت ولايته عليك وإن ضرب ظهرك، وأخذ مالك فاسمع، وأطع، فإن ضربك بحق، وأخذ مالك بحق أو ضربك بباطل وأخذ مالك بباطل فتصبر وتحتسب إن كان بالحق فهذا كفارة، وإن كان بباطل فالحق أن تصبر، وأن تحتسب، وأن تبذل الحق الذي عليك، وتسأل الله الحق الذي لك.
المقدم: جميل الحقوق التي تلي أيضًا هذا الحق أو المقتضيات التي أيضًا تندرج تحت موضوعنا في هذا الحلقة عن هذه البيعة الشرعية وحقوقها، هل أيضًا بقي من مقتضيات يجب الالتزام بها إذا ما التزم الإنسان بالبيعة نعم؟
الشيخ: هو السمع والطاعة أخي الكريم، السمع والطاعة هو المظلة الواسعة التي يجب على الإنسان أن يستحضرها في حقوق ولاة الأمر، يعني هو المظلة الواسعة التي يندرج فيها يعني أحيانًا ما يدري الناس بعض الناس ما يعرف معنى السمع والطاعة، معنى السمع والطاعة يعني الحُكام وفقهم الله ولاة أمرنا يُقيمون الشريعة، ويُصلِحون أمر الدنيا يعني ثمة جانبان في إقامة الشرائع، وفي إصلاح الدنيا، وإصلاح الدنيا تندرج تحته كل الأنظمة المتعلقة بإدارة شئون الدولة فيما يتعلق بالتجارة، فيما يتعلق بالعمل، فيما يتعلق بالتنمية، فيما يتعلق بالاقتصاد، فيما يتعلق بالعلاقات الداخلية، فيما يتعلق بالعلاقات الخارجية، فيما يتعلق بنظام السير، فيما يتعلق بنظام البلديات، فيما يتعلق بشئون التعليم، كل هذه مما ينبغي فيها للإنسان يُطيع ولاة الأمر، وأن يلتزم ما يُرتِّبونه مما يُحقق مصالح الناس مما لا معصية فيه، وإذا كان هذا موافق لمصالحهم، بعض الأنظمة قد يتضرر الإنسان فيها في شخصه بالمجمل، والمجموع يتحقق في مصالح كثيرة للبلد، ومصالح كثيرة للناس، وبالتالي يعني إذا حصل، وكان في بعض ما يُرتَّب من أنظمة أو ما يحصل من تنظيمات مع ما قد يكون مضرًّا على مصلحة شخصية فإن هذا لا يُبرر الخروج عن طاعة ولاة الأمر، بل تسمع وتطيع، وإن حصل لك نقصٌ، وإن حصل لك خسارة فاسمع وأطع كما قال النبي -صلى الله عليه وسلم- في حديث حُذيفة «تسمع وتطيع للأمير، وإن أخذ مالك فاسمع وأطع»[صحيح مسلم:ح1847/52].
إذًا مفهوم السمع والطاعة ليس مقتصرًا فقط على جانب من جوانب الحياة، أو فقط فيما أمره بأمر الشريعة بأمر شرعي.
المقدم: موضوعٌ شامل نعم.
الشيخ: إنما هو شامل لكل ما يتعلق بالمصالح والأوامر مما يتصل بمقتضيات البيعة أن يدعوا المؤمن، وهذا ما أشار إليه الأخ السائل قبل قليل فيما يتصل بالدعاء لولاة الأمر أن يدعوا لولاة الأمر بالتوفيق والسداد، والعزِّ والتمكين، والحفظ والصلاح فإن ذلك مما يحصل به للأمة خيرٌ كثير، ومن طرائق أهل السنة، والجماعة أن يدعوا لولاة الأمر بالتسديد، والتوفيق، والحفظ، والصيانة، فالدعاء لولاة الأمر ليس شيئًا مُحدثًا أو بدعةً بل هو مما يتحقق به مقصود الولاية، مما يتحقق به الخير للأمة، فمن يقول أن الدعاء لولاة الأمر من المحدثات أو المبتدعات هذا بالتأكيد من الجهل العظيم الذي زيَّنه بعض الناس أو توهَّمه بعض الناس، فالدعاء لولاة الأمر سُنة جارية في كلام الأئمة، وبه يحصل خير كثير للأمة، به تجتمع القلوب، به تصلح الأحوال، وهو من أعظم القربات، ومن أفضل الطاعات أن يدعو الإنسان لولي الأمر بالهداية، والصلاح، والتسديد.
وقد قال الإمام أحمد وكذلك غيره من الأئمة: ''لو كان لي دعوةٌ مجابة لجعلتها للسلطان، فإنه بصلاحه يصلح العباد والبلاد، وبفساده يفسد الناس، وتفسد البلاد"[ رجَّح بعض أهل العلم نسبتها للفضيل بن عياض؛ فقد أُسندت إليه، أخرجها أبو نعيم في الحلية8/91 بسند صحيح. وإن كانت نُسبت غيرَ مسندة للإمام أحمد وغيره، وسندها صحيح] لذلك الدعاء للسلطان من الطاعات والقربات التي يتقرب بها المؤمن لله -عز وجل-.
المقدم: وكذلك يعني مثل هذا الأمر الدعاء لأولي الأمر هي علامة من علامات صاحب هذا الدعاء أنه من أهل السنة، وهذا شيء يعني متعارف عليه، ويجب التنبيه عليه.
أستأذنك يا شيخ خالد في الاتصال من عبد الله القحطاني اتفضل يا أخ عبد الله.
المتصل: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
المقدم: وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته، مساكم الله.
الشيخ: وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته.
المتصل: مساكم الله بالخير يا شيخ خالد، كيف حالك يا شيخ خالد؟ الله حفظك.
الشيخ: حياكم الله.
المقدم: حياك الله يا أخ عبد الله اتفضل.
المتصل: أولًا: أُشهد الله وملائكته ورسله وأننا نحب الملك سلمان -حفظه الله-، ونبايعه على السمع والطاعة، هذا واللهَ نسأل الله أن يطول عمره على طاعته.
المقدم: اللهم آمين.
الشيخ: آمين آمين.
المتصل: شيخ خالد كلمة لهؤلاء أصحاب الماديات الذين الولاء للماديات، كلمة لهؤلاء اللي همهم المادة، ونسوا أن البيعةلله ورسوله ولولي أمرنا، فأبغى كلمة من الشيخ خالد لهؤلاء أصحاب الماديات اللي ولاؤهم للماديات، جزاك الله خيرًا والسامعين.
المقدم: طيب شكرًا لك يا أخ عبد الله، شيخ خالد إذا كان يمكن ربما نسترسل في الحديث عن المقتضيات ومنها نُجيب على سؤال الأخ عبد الله.
الشيخ: هو ما ذكرت فيما يتعلق بالدعاء أنا أُؤكد على ضرورة الدعاء لولاة الأمر، وأُنبِّه إلى قضية مهمة أن الدعاء لولاة الأمر من النصيحة التي جعلها الله -عز وجل- حقًّا لكل مسلم، فالنبي -صلى الله عليه وسلم- بايع الصحابة على النصح لكل مسلم، وهي لولاة الأمر على وجه الخصوص لعظيم شأنهم وكبير آثارهم فقد قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: «الدِّينُ النصيحة، الدين النصيحة، الدين النصيحة، قلنا: لمن يا رسول الله؟ قال: لله، ولكتابه، ولرسوله ولأئمة المسلمين وعامتهم»[أخرجه مسلم في صحيحه:ح55/95].
فمن النصيحة لولاة الأمر أن يدعو لهم، وأن يفرح بما يُجريه الله على أيديهم من خير، وأن يبذل لهم ما يستطيع من نُصح في تسديد أمورهم، وإعانتهم على ما قاموا به، فالمسؤولية التي تحمَّلوها مسؤولية عظيمة، جميلة، كبيرة، يحتاجون فيها منا إلى أن نقف معهم بالعون، والتأييد، والدعاء في السر والعلن؛ لتحقيق المصالح العامة للأمة، وشكرًا لهم على ما قاموا به من مسؤولية، وصلاحهم، واستقامتهم هو صلاحٌ لأمر الدين والدنيا، ولذلك قال الأئمة: "إنما زمانكم سلطانكم، فإذا صلح سلطانكم فرح زمانكم، وإذا فسد سلطانكم فسد زمانكم"[أخرجه البيهقي في الشعب:ح7442بسنده إلى القاسم بن مخيمرة]؛ لذلك يجب علينا أن نعرف أن الدعاء لهم مما يُحقِّق المقصود لهذه الأمة في اجتماع أمرها، وصلاح شأنها، واستقامة أحوالها، وإذا كان الدعاء في السر وفي العلن حصل خيرٌ عظيم، وسلمت الصدور، ولذلك يعني بعض الناس يظن أن النصيحة فقط هي أن تُبدي الملاحظة على ما يمكن أن يكون من خطأ، ومن قصور أو تقصير، ويحصل مفهوم النصيحة في هذا، وهذا خَلَل في مفهوم النصيحة، النصيحة أوسع من هذا، النصيحة هي: أن تسعى في الخير للأمة، ولولاة الأمر بما تستطيع في قلبك بأن تحب لهم من الخير ما تحبه لنفسك، بقولك أن تصونه عن كل ما يُفرِّق الناس عنهم أو ينال من مكانتهم.
المقدم: أو الوقوع في غيبة ولاة الأمر أو اللمز أو الهمز.
الشيخ: بتصرف يمكن أن يكون سببًا للفرقة والخلاف والمنازعة والخروج عن الطاعة.
المقدم: جميل، يا شيخ خالد ربما نختم بجملة مهمة جدًّا، وهو أن بعض الناس أحيانًا يقع عليه أحيانًا خطأ أو ربما يظلم في أمرٍ ما في دائرةٍ معينة أو في منطقة معينة، وبالتالي هو من الناس الذين ربما أحيانًا ينساق مع المساقين أحيانًا من يستغِلُّون أمثال هؤلاء في تشويه الصورة، وفي نقض هذه الحقوق التي وُكِلت به، وأيضًا هذه البيعة التي لزمته في عنقه ماذا يمكن أن نقول في هذا الجانب؟
الشيخ: أقول له ما قاله النبي -صلى الله عليه وسلم- فيما رواه مسلم من حديث بن عباس -رضي الله تعالى عنه-: «مَن رأى من أَميرهِ شيئًا يكرهُه فلْيَصِبر»هكذا قال النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: «فليصبر» ثم قال: «فإنه من فارق الجماعة شبرًا» المفارقة درجات وليست على درجة واحدة، فأدنى مفارقة ولو كانت مقدار شبر هو مما يُوجب سوء الخاتمة «فمات مات ميتةً جاهلية»[أخرجه البخاري في صحيحه:ح7054] ، فالمهم أن يُدرك الإنسان أن ما يمكن أن يجري عليه من نقص في أمر دنياه أو في أمر مصالحه ليس مسوِّغًا له في أن يخرج عن الجماعة أو أن يُخل بما يجب لولاة الأمر من حقوق، وليس له أن يُبرِّر ذلك بل الواجب عليه أن يصبر على المكروه الذي وقع عليه، ويصبر عن ما تسوله نفسه له من الخروج عن الطاعة بل يصبر على لزوم الطاعة، ويحتسب الأمر في ذلك، ويُؤدِّي الحق الذي عليه، ويسأل الله الذي الحقَّ الذي له، ولذلك تأكيد هذه الوصية، والتنبيه إليها يُريح النفس مما يمكن أن يقذفه الشيطان من وساوس أو يستغلَّه المُستَغِلُّون من وساوس بعض الناس، يعني بيعته فقط فيما إذا رضي أما إذا لم يرض فإنه يخرج عن ولاة الأمر بالقبول أو بالعمل أو بالتشويه أو ما إلى ذلك، وليعلم المؤمن أنه إذا صبر فإنه يفوز بالورود على النبي -صلى الله عليه وسلم- في حوضه، وهذا فضلٌ عظيم، وأجر عظيم في الصبر على ما يمكن أن يقع من جور الولاة أو خطئهم يقول النبي -صلى الله عليه وسلم-: «إنكم سَتَرون بَعدي أَثَرةً»، وهذا نوع من الظلم الذي قاله النبي -صلى الله عليه وسلم- لأصحابه فيما يمكن أن يقع من ولاة أمرٍ يُدركونهم قال: «فاصبروا» ثم قال -صلى الله عليه وسلم-: «حتى تَلْقَونِي»[أخرجه البخاري في صحيحه:ح2376]، وهذا تأكيد أن الصبر على ما يمكن أن يكون من نقص بحقك من ولاة أمرك مما يُبلِّغك لقاء النبي -صلى الله عليه وسلم-، وقد قال في روايةٍ أخرى قال: «فإِنِّي فَرَطُكم عن الحوض»[أخرجه أحمد في مسنده:ح16696] معناه أنه من صبر سيرد عليه الحوض، وهذا يؤكد هذا المعنى، ويُبين الأجر والثواب المرتب على الصبر على ما يمكن أن يكون من ظلم أو ما إلى ذلك على أننا نؤكد أننا -ولله الحمد- بهذه البلاد قد فُتحت الأبواب لكل صاحب حقٍّ أن يتقدم بالمطالبة بحقه، بل إن الملك سلمان في اجتماعاته العامة، وكلماته التي يُوجِّهها للجمهور، وهو الذي سمعناه وعرفناه ممن خالط الملك مباشرةً قضايا ومواقف -وفقه الله وحفظه- يُؤكد على أنه ليس أحدٌ من الناس لا أمير، ولا كبير، ولا وزير بل حتى هو -وفقه الله- يقول: يعني من له حق فليطالب إذا كان له حق تجاهه.
المقدم: الباب مفتوح صحيح.
الشيخ: وحتى تجاه ولي العهد، ولولي العهد وفَّق الله الجميع يعني هذا من فضل الله، وهذا من نعمة الله وهذا بيان.
المقدم: فعلًا وهذا ما تتميز به القيادة أو هذه البلاد.
الشيخ: أن هذه الدولة دولة قائمة على العدل يستوي فيها الصغير والكبير، الأمير والمأمور بالمطالبة بالحق، ويقطع ألسنة الشانئين، والذين.
المقدم: باختصار يا شيخ.
الشيخ: يعرفون الشئون العدلية، يعرفون أن ثمة من المواطنين من يتقدم في قضايا كثيرة في حق بعض الأمراء، وينالون حقهم، ويكونون أمام القضاء على نحوٍ واحد.
المقدم: أسأل الله تعالى أن يحفظ هذه البلاد، وقادتها، ويحفظ أَمْنَها، وأمانها، وكذلك نسأله -سبحانه وتعالى- في ختم هذه الحلقة أن يجزيكم خير الجزاء على ما تفضلتم به في هذا الحديث عن البيعة الشرعية، وحقوقها.
الشيخ: آمين آمين، وأسأل الله العظيم أن يُقرَّ أعيننا بصلاح حالنا، واستقامة أمورنا، واجتماع كلمتنا، وأن يُوفِّق ولي أمرنا الملك سلمان ونائبيه إلى كل ما يحب ويرضى، وأن يُسدِّدهم، وأن يجعل لهم من لدنه سلطانًا نصيرا كما لا يغيب عني الدعاء الجنود المقاتلين، والمرابطين، والقائمين على أمننا في الداخل والخارج.
أسأل الله أن يُسدِّدهم، وأن يُعينهم، وأن يُمدَّهم بنصره، وتوفيقه.
المقدم: شكر الله لكم فضيلة الشيخ.